Jump to content
Baghdadee بغدادي

الرجل القنطرة


Recommended Posts

يعجز القلم احيانا, لكن قلمكم دكتور كان فوق مستوى الاعجاز ! صوره جميله رسمت ملامحها المعقده بافضل ما يكون. ترى كم مهمين وكم مصعب وجنود مجهولون نعيش قصصهم يوميا ولكن يغيب قلم ضافر عن تسجيل ملاحمهم . الا تبا للمستحيل , فهذا شعب العراق لن ينال من عزيمته ووحدته طامع ولا متربص !

 

==============================================================================

 

 

الرجل القنطرة

قصة مشرقة في زمن معتم

ضافر العاني

 

 

لا اعرف اية تفاصيل عنه ، ولم أرَ من صورته إلا ظهره ، هذا الظهر الذي يحكي قصة العراق ومجده التليد لآلاف السنين ، ولو رضي غداً فاني سأقبل ظهره الف مرة .

كل ماأعرفه ان اسمه مهيمن ( وربما عبد المهيمن ) من دون ان اعرف اسم أبيه ، ولكني سمعت انه من عائلة ال جميل وان جده شقيق حسين الجميل ( الشخصية السياسيه والقانونية العراقية المرموقة ) وأنه من اهالي الاعظمية ، وانا لم أره الى الآن ولكني ساراه غداً . غداً سأضع يدي على ظهره برفق وأقبل عظامه ، وامسح وجهي بكتفيه .

من هو مهيمن وماقصة الظهر الذي اود لو يأذن لي ان اقبله ؟ دعوني أروي لكم حكايته .

كنت اليوم في مقر قائمة متحدون لمتابعة الحملة الانتخابية المتلكئة والجهد الإعلامي المتعثر ، وفيما انا جالس في حديقة المقر مع بعض الضيوف ، لأنفس عن غضبي بعد اجتماع عاصف مع زملائي . جاءني النقيب مصعب المسؤول عن حماية المقر وبيده مظروف ورقي :

- دكتور أريد ان أريك صوراً لعملية الإنقاذ التي أجريناها لمقر وزارة العدل الذي تم تفجيره بعملية إرهابية من قبل انتحاريين وراح ضحيتها العشرات من الموظفين والمراجعين .

أفففف !!! جاءني مصعب بالموضوع الخطأ وفي الوقت الخطأ . فانا شخصيا ليس لدي استعداد نفسي لرؤية مناظر مؤلمة وغالبا ما أغمض عيني من رؤية أي مشهدٍ دموي حتى لو كان تمثيلاً ، كما وأنه قد جاء في الوقت الخطأ ، فانا متوتر نفسيا ولست بحاجٍة الى أزمة جديدة .

اعتذرت منه فقال :صدقني دكتور ليس فيها مايخدش المشاعر ولكن فيها شئٌ ربما سيسعدك .

- اي شئ يمكن ان يسعدني في هذا الموضوع المؤلم ؟

جرب دكتور لن تخسر شيئا.

ولأني أحب النقيب مصعب ولا ارغب بان يزعل مني ، رحت اقلب الصور المطبوعة على ورق عادي.

- دكتور هذه الصور استخرجتها الآن من موبايلي الشخصي .

حسنا ،،حسنا ،، ولكن ، مهلا نقيب مصعب ما هذه الصورة ؟ لا استطيع ان افسرها جيدا . رجل يتمدد بين بنايتين والناس تمشي فوقه . ماهذا؟

- دكتور هذا ملازم أول مهيمن .

- وماذا يفعل ؟

- جعل من نفسه قنطرة بين بنايتين والناس المصابين والمحجوزين في بناية وزارة العدل من الذين تطاردهم النيران المشتعلة يمشون على ظهره ليعبروا تجاهنا بهدف إنقاذهم .

هذه امرأة تمشي على ظهره بحذائها الذي لم تخلعه ، وتلك سيدة محجبة تدوس على كتفه المسجى ، وهذا الرجل الضخم يقفز فوقه بعجل اتقاء للنيران ، هذا شايب وذلك شاب ،وتلك فتاة ، و،،و ، ، و ، ورحت اقلب ٤٥ صورة كلها عن أشخاص يعبرون على هذه القنطرة البشرية . ومع كل صورة كنت اشعر بان عظام ظهري تتكسر . بدلا من ظهر مهيمن الغض .

- إحكي لي القصة يانقيب مصعب .

- يوم الخميس كنا معكم في نادي الصيد لأداء واجبنا في حماية السيد رئيس مجلس النواب أثناء عقدكم لمؤتمر متحدون ، وفي نهاية الاحتفال طلب منا آمر الفوج سرعة الالتحاق بمقر الفوج لحمايته بعد وصول أنباء عن تفجير مبنى وزارة العدل الملاصق لمقرنا ، فمقر الوزارة يشغل جانبا من مبنى المجلس الوطني السابق في علاوي الحلة ومقر الفوج في المبنى المجاور له .

ذهبنا الى هناك ورأينا النيران تلتهم مبنى وزارة العدل ،وصرخات الاستغاثة تتعالى من طوابقه . قال الآمر علينا استبدال خطة الحماية بخطة إنقاذ للمصابين .

ولكن كيف نصل اليهم ونحن غير مصرح لنا بدخول مبنى المجلس الوطني ، وهو المكان الوحيد الذي نستطيع من خلاله الوصول اليهم ومد يد عون المساعدة.

- صدقني دكتور أني إزاء نداء الواجب الوطني نسيت واجبي العسكري فضربت بمسدسي إطلاقةً واحدة على قفل الباب الذي كُسر فدفعته ودخلنا اليه حتى نكون في وضع يجعل بمقدورنا مد يد المساعدة ، كسرت اكثر من نافذة كي نصل الى سطح المبنى ووضعنا على نوافذ الغرف المحترقة والمطلة علينا سلماً لينزل عليها بعض المصابين والقسم الأكبر كان مضرجا بالدماء او ملسوعاً من النيران .

فجأة وصلت أسماعنا صرخات الملهوفين من مكان آخر ، إنهم مجموعة من الموظفين المحاطين بالنيران ولكن كيف الوصول اليهم ؟ والبناية متعامدة مع بنايتنا وعلى شكل زاوية قائمة وثمة فجوة بين البنايتين لا يستطيع احد قفزها لانها تتصل بنافذة .

وعندها هرع ملازم اول مهيمن وتمدد بين البنايتين جاعلا من ظهره قنطرة ينزل عليها المصابون والهاربون من النيران فيتسللوا من شباك الغرفة ويمشوا فوقه ليصلوا إلينا حيث نستقبلهم ممسكين بيدهم خشية سقوطهم من أعلى البناية .

لم تصدق عيناي مارأت ، وقبل ان يتم القصة اتصلت بالسيد رئيس مجلس النواب لأطلعه على مارأيت ، فقال :

- سمعت قليلا عن الحادث ، ولكني لم أرى الصور التي تتحدث عنها .

شرحت له مضامين الصور التي تحكي عن نفسها بمنتهى البلاغة ، فانشرح صدره ، وقال :

- من الضروري أن أكرّم الفوج غداً وبالذات هذا الملازم الأول ، دكتور ظافر رجاءً أطلب من الاخوان في المكتب الإعلامي ان يعدوا لمؤتمر صحفي في الغد لتكريم هؤلاء الأبطال ، ان مهيمن هو عثمان عبيدي آخر وهو مفخرة لقواتنا المسلحة ونموذجاً مشرفاً لها .

- سيادة الرئيس اتمنى عليك ان لاتشير في المؤتمر الى قائمة متحدون ولا أنهم فوج حمايتك فنحن لانريد ان نلوث المشاعر الانسانية الصادقة بالمصالح الحزبية والسياسية . أقصى مانتمناه هو ان يكون ملازم اول مهيمن نموذجا يقتدي به العراقيون .

بعد انتهاء المكالمة سألني احد الضيوف الذين كانوا يتابعون القصة :

- دكتور هل بيت الجميل سنة ام شيعة ؟

نظرت بحنق الى قائلها :

- وما الفرق ؟ ان ما قام به مهيمن مفخرة للعراق بل وللانسانية . ثم ان العراقيين سواسية لافرق بينهم ، الإرهابيون والنيران والسلطة الظالمة لا تميز بينهم ، كلنا سواسية ؟

فقال بلغة أشبه بالتهكم .

- دكتور وهل تعتقد اننا سواسية ؟

قلت له :

إسأل ظهر مهيمن وهو سيجيبك : هل استطاع ان يميزهم من الأحذية التي داست عليه ؟.

Link to comment
Share on other sites

×
×
  • Create New...