Jump to content
Baghdadee بغدادي

Saddam's cage قفص صدام


Recommended Posts

http://news.yahoo.com/s/ap/20061106/ap_on_...ddam_verdict_51

 

AP report ...

 

 

The surge in violence expected immediately after Sunday's verdict did not happen. The Interior Ministry credited a round-the-clock curfew in Baghdad and two restive Sunni provinces. Checkpoints were also closed along Iraq's borders with Jordan and Syria. Authorities were gradually lifting the restrictions, with pedestrians allowed back on the streets of Baghdad late Monday afternoon.

 

 

......

 

If the appeals court upholds the sentences, all three members of the Presidential Council — President Jalal Talabani and Vice Presidents Tariq al-Hashimi and Adil Abdul-Mahdi — must sign death warrants before executions can be carried out.

 

Talabani said Monday that although he had once signed an international petition against the death penalty, his signature was not needed to carry out Saddam's death sentence. Talabani, a Kurd, has permanently authorized Abdul-Mahdi, a Shiite, to sign on his behalf. Abdul-Mahdi has said he would sign Saddam's death warrant, meaning two of three signatures were assured.

 

Al-Hashimi, the other vice president and a Sunni, gave his word that he also would sign a Saddam death sentence as part of the deal under which he got the job April 22, according to witnesses at the meeting, which was attended by U.S. Ambassador Zalmay Khalilzad.

 

"We wanted a written promise before the first meeting of the new parliament. But later and during a meeting in the presence of American and British ambassadors and other politicians, the promise became oral in which he vowed not to oppose important rules and laws — especially those related to Saddam," Deputy Parliament Speaker Khaled al-Attiyah told the AP.

Link to comment
Share on other sites

  • Replies 234
  • Created
  • Last Reply
  • 2 weeks later...

When an agent tries to get rid of his master

عميلٌ منذ نعومةِ مخالبِه ...

GMT 8:30:00 2006 الخميس 9 نوفمبر إيلاف

 

 

ريتشارد سَـيْـل

ترجمة وإعداد : سعدي يوسف

قبل أيامٍ حكمَ الأميركيون على صدام حسين بالإعدام شنقاً حتى الموت ، لكن هذا الرجل كان في الماضي معتمَدَ دوائرِ الاستخبارات الأميركية في مكافحة الشيوعية ، التي استخدمته لأكثر من أربعين عاماً ، حسب ما يقول الدبلوماسيون وموظفو الاستخبارات الأميركيون

يظن كثيرون أن صدام حسين تعاونَ مع وكالات الاستخبارات الأميركية في بداية الحرب العراقية – الإيرانية ، في أيلول 1980 . لكن هؤلاء الموظفين يعودون بعلاقته إلى العام 1959 ، حين كان واحداً من زمرة ستة شبّانٍ كلّفتهم المخابرات المركزية الأميركية اغتيالَ رئيس الوزراء العراقي ، آنذاك ، االزعيم عبد الكريم قاسم .

عبد الكريم قاسم ، في 1958 ، كان أطاحَ النظام الملكي .

قبل ذلك كان العراق يُعتبَر منطقة عازلةً وهامّةً استراتيجياً في الحرب الباردة . وقد انضمّ العراق في أواسط الخمسينيات إلى حلف بغداد المعادي للسوفييت ، الذي كان عليه الدفاع عن المنطقة . أمّا أعضاء الحلف الآخرون فهم تركيا وبريطانيا وإيران وباكستان .

لم يهتمّ أحدٌ كثيراً بنظام عبد الكريم قاسم ، إلاّ حين أعلنَ الانسحاب من حلف بغداد ، في العام 1959

وتابعت واشنطن بامتعاضٍ ، شـراءَ قاسمٍ السلاحَ من الاتحاد السوفييتي ، واستيزارَه شيوعيين في مواقع ســلطة حقيقية ، كما قال موظف أميركيّ سابق في الخارجية . وقد أدى ذلك إلى أن يصرح مدير الـ "سي . آي . أيه " ألن دالاس بأن العراق هو " أخطر بقعة في العالم " .

في أواسط الثمانينيات ، أخبرَ مايلز كوبلاند ، رجلُ العمليات في المخابرات المركزية ، وكالةَ الصحافة الدولية أن السي. آي أيه كانت لها " علاقة وثيقة " مع حزب البعث ، وكذلك مع أجهزة الزعيم المصري جمال عبد الناصر السرية . وقد أيّد روجر موريس ، الموظف السابق في مجلس الأمن القومي ، في السبعينيات ، هذه المعلومة ، قائلاً إن السي. آي .أيه اختارت التعامل مع حزب البعث الفاشستيّ المعادي للشيوعية ، أداةً بيدها .

وحسب مصدرٍ سابقٍ آخر في الخارجية الأميركية ، أصبح صدام ، وهو لايزال في عشرينياته المبكرة ، جزءاً من مؤامرة أميركية للتخلص من عبد الكريم قاسم . ويقول هذا المصدر أن صدام حسين وُضِعَ في شقة ببغداد ، على شارع الرشيد ، تواجه ، مباشرةً ، مكتب قاسم في وزارة الدفاع ، لمراقبة تحركات هذا الأخير .

يقول عادل درويش ، الخبير في شؤون الشرق الأوسط ، ومؤلف " بابل غير المقدسة " Unholy Babylon ، إن هذا الأمر جرى بمعرفة تامة من السي.آي .أيه ، وإن مَن كلّفته السي .آي.أيه بمتابعة العلاقة مع صدام حسين كان طبيب أسنانٍ عراقياً يعمل لصالحها ولصالح الاستخبارات المصرية

النقيب عبد المجيد فريد ، مساعد الملحق العسكري بالسفارة المصرية ، في بغداد ، كان يزوِّد صدام حسين مالاً ، وهو مَن دفعَ إيجار الشقة من حسابه الخاص . وقد أيّد ثلاثة موظفين أميركيين كبار سابقين هذه المعلومة .

موعد الاغتيال حُدِّدَ في السابع من تشرين أول ( أكتوبر ) 1959 ، لكن المحاولة باءت بالفشل الذريع . وقد اختلف الناس في أسباب الفشل ، موظف سابق في السي. آي .أيه قال إن صدام حسين ذا الإثنين والعشرين عاماً فقد أعصابه ، وشرع يطلق النار قبل الأوان ، مسبباً مقتل سائق قاسم ، وجرحَ قاسم في كتفه وذراعه . درويش أخبر وكالة الصحافة الدولية أن أحد أفراد الزمرة كانت ذخيرته لا تناسب بندقيته ، وأن آخر انحشرت قنبلته اليدوية في بطانة سترته .

نجا قاسم من الموت ، وأصيب صدام حسين بجرح في فخذه سبّبَـهُ زميلٌ له في زمرة الاغتيال . هرب إلى تكريت بمساعدة عملاء المخابرات الأميركية والمصرية .

بعدها ، اجتاز الحدودَ إلى سوريا ، ونقلته المخابراتُ المصرية إلى بيروت . وطيلة إقامته في بيروت ، دفعت المخابرات المركزية الأميركية إيجار شقّـته ، وأدخلته في دورة تدريب قصيرة ، ثم ساعدته في الانتقال إلى القاهرة

موظفٌ حكومي أميركيّ سابقٌ ، كان يعرف صدام حسين آنذاك قال : حتى ذلك الوقت ، لم يكن شيئاً ، كان شقيّاً ، قاطعَ رقابٍ ، He was a thug- a cutthroat

في القاهرة سكن صدام حسين ، شقةً ، في حيّ الدقّي الغالي ، وكان يقضي وقته في لعب الدومينو بمقهى الإنديانا

تحت مراقبة رجال المخابرات الأميركية والمصرية .

يقول موظفٌ أميركي كبير سابق : " في القاهرة ، كنت أذهب ، غالباً ، إلى مقهى غروبي ، في شارع عمـاد الدين باشا ، وهو مكان أنيق ، يرتاده الموسرون . صدام لن يكون حضوره مناسباً هناك . الإنديانا ملعبُـه " .

لكن صدام حسين ، في تلك الفترة ، كان يزور كثيراً ، السفارة الأميركية ، حيث خبراء السي. آي .أيه مثل مايلز كوبلاند ، ومسؤول المحطة جيم إيجلبرغر ، يقيمون هناك ، ويعرفون صدام حسين .

بل أن رجال السي. آي .أيه المكلفين بأمر صدام دفعوه إلى أن يطالب المخابرات المصرية بزيادة مخصصاته المالية ،

وهو أمرٌ لم يعجب المصريين ، لأنهم يعرفون علاقته بالأميركيين .

في شباط 1963 قُتِل عبد الكريم قاسم في انقلابٍ بعثيّ . كانت السي.آي.أيه وراء الانقلاب ، وقد كان الرئيس الأميركي جون كنيدي وافقَ على الأمر .

في البداية ادّعت المخابرات الأميركية أنها فوجئت بالأمر ، لكنها سرعان ما شمّرت عن أذرعتها ، وزوّدت البعثيين وحرسهم القومي ذوي الرشاشات قوائمَ بأسماء الشيوعيين ، فتعرّض هؤلاء للسجن والاستنطاق والقتل ، في جنون من إعداماتٍ سريعة . أمّا القتل الجمعيّ فكان يتمّ في " قصر النهاية " بإشراف من صدام حسين .

قال موظف سابقٌ في وزارة الخارجية الأميركية : " بصراحةٍ ، كنا مبتهجين للتخلص منهم . أنت تريد لهم محاكمة عادلة ؟ هل أنت تمزح ؟ " .

في ذلك الحين صار صدام حسين ، رئيس " الجهازِ الخاص " ، جهازِ المخابرات السري لحزب البعث .

Link to comment
Share on other sites

  • 1 month later...

 

طالباني: نُفِذ الإعدام بحق صدام تخوفا من محاولة لتهريبه

الثلاثاء 02/01/2007

 

أربيل: وكالة (آكي) الايطالية للأنباء - عزا الرئيس العراقي جلال طالباني أسباب الاستعجال في تنفيذ حكم الإعدام بحق صدام حسين إلى التخوف من "محاولة بعض القوى لتهريب صدام من سجنه وبتواطؤ أمريكي". وأضاف "كنا قلقين وخائفين من تهريبه واستخدامه في مؤامرة جديدة ضد العراقيين".

ونقلت وكالة الأنباء الإيرانية عن طالباني، في اتصال هاتفي مع نظيره الإيراني محمود أحمدي نجاد للتهنئة بمناسبة حلول عيد الأضحى المبارك، قوله "كنا خائفين من أن يمهد البعض سبيل هروب صدام بدعم من الأمريكيين، لذلك استعجلنا تنفيذ حكم الإعدام به، ونأمل أن يهيئ تنفيذ الحكم أرضية مناسبة لإقرار السلام في العراق". لقد كانت أوردت إذاعة راديو (سوا) الموجهة باللغة العربية إلى داخل العراق خبرا حول رغبة الأمريكيين بتأجيل تنفيذ حكم الإعدام بصدام، لكن العراقيين رفضوا ذلك. وقالت الإذاعة إن الحكومة الأمريكية حاولت تأجيل تنفيذ الحكم لمدة أسبوعين لكن بسبب الضغوط الكبيرة التي مارسها العراقيون لم تنجح جهود أمريكا لتأجيل الحكم. يذكر أن جدلا كبيرا يدور في الأوساط العراقية والعربية حول توقيت تنفيذ حكم الإعدام بصدام صبيحة عيد الأضحى المبارك، حيث يرى البعض أن القانون يمنع تنفيذ أي حكم بالإعدام في الأيام التي تصادف العطل الرسمية والمناسبات الدينية.

 

 

Link to comment
Share on other sites

تأملات صبيحة إعدام صدام..

 

سعد صلاح خالص GMT 15:15:00 2007 الثلائاء 2 يناير

 

قبل أربعة عقود، قام البعثيون في منتصف رمضان بإعدام الزعيم عبد الكريم قاسم بعدما اقتادوه و حيدا الى دار الإذاعة و قتلوه برصاصة في الرأس. كان عبد الكريم بلا شك الزعيم الأكثر شعبية في تاريخ العراق، و الأقل شعبية بين الأخوة العرب الذين غسلت أدمغتهم الدعاية الناصرية العاصفة آنذاك. لم يكلف عبد الكريم نفسه أعباء إنفاق أموال الناس على بناء الصورة الإعلامية مثلما فعل المرحوم عبد الناصر و بعده صدام حسين و غيرهما و لم يدفع لجريدة أو مجلة، كما لم تكن في عهده فضائيات تروج له فذهب كما أتى وحيدا لا يملك سوى حب الناس و حسراتهم.

 

قتل البعثيون عبد الكريم حيا و ميتا، فالقوا بجثته في النهر أو دفنوه سرا كما يقال، و لم يحظ بامتيازات جثة صدام التي رقدت بجانب ولديه في مسقط رأسه..!

 

و لم ينتظر البعثيون كثيرا، فأجهزوا بعد سنوات على عبد السلام عارف، و ما أن استلموا السلطة بعدها بقليل حتى أخذوا يذبحون بعضهم البعض، فذهب أحمد حسن البكر و صالح مهدي عماش و عبد الخالق السامرائي و حردان التكريتي و عشرات غيرهم، حتى تتوج ذلك التاريخ النضالي المشرق بمذبحة القيادة التي أتى فيها صدام على قيادة حزبه بكاملها بعد أن أزهق أرواح ما يربو على الخمسين منهم. هذا ما فعله البعث و صدام فيما بينهم، فما بالك بالشيوعيين و الكرد و غيرهم من المعارضين.

لم يحظ عبد الكريم و عبد السلام بمحاكمات تبثها الفضائيات و خطب عصماء يتلوها المتهمون لساعات طويلة، و لا بهيئة دفاع استلمت الملايين من أموال الشعب العراقي المنهوبة، و لم تقم لهم سرادقات عزاء في أنحاء الوطن العربي.. لم يختبئ الزعيمان يوما في حفرة، و لا يختلف اثنان على شجاعتهما الشخصية التي قد بلغت حد الحماقة أحيانا.. و رغم ذلك لم يبكهما أحد، بل لا يكاد يتذكرهما أحد، فأجيالنا بلا ذاكرة، فهذا لبنان شاهد قريب على شعب ينجر لإعادة سيناريو الحرب الأهلية رغم عدم تجاوزها آثار الحرب السابقة حتى اللحظة، فقد نسيت الأجيال و ها هي مستعدة لنحر بعضها البعض تحت شعارات وهمية و أصنام جديدة و انتصارات لم تحدث.

 

هذه التوطئة ليست تشفيا، فدائرة العنف جزء من تاريخنا القديم و الحديث، و جزء لا يتجزأ من ثقافات المنطقة الدينية و السياسية و الاجتماعية، فقد التهمت صداما كما التهمت من سبقوه، و ستلتهم من سيأتي بعده، و لا تزال مجزرة العائلة المالكة ماثلة للعيان، و حتى قبلها، يندر و أن سطّر تاريخنا القديم سيرة لملك مات حتف أنفه، فأكثرهم قد قتل.. فالقتل يجد دائما المزيد من التبرير في فكرنا المتهرئ، فهذا كافر، و ذاك مرتد‘ و ذلك عميل، بل و يكفي الاختلاف في الرأي عندنا ذريعة للقتل.

 

شخصيا، لم أكن لأؤيد إعدام صدام حسين أو أي أحد آخر في العالم كون الإعدام و زهق الحياة إراديا مبدأ يناهض حقوق الإنسان الأساسية، و لكنني لن أبكي عليه و على أمثاله، كما أنني من ناحية أخرى لم اقتنع بالإخراج الرديء للمحاكمة ككل. فربما كان من الأفضل أن يحضر صدام بقية جلسات الأنفال و غيرها، و أن يدافع عن نفسه أمام الملأ، و يعلم الجميع بأن جرائم كالأنفال لا يمكن الدفاع عنها.. و ربما كان السجن المؤبد خير نهاية لكل ذلك كإعلان لمرحلة يفترض أن تكون جديدة في تاريخ العراق، كما أن الفلم الذي تسرب عن عملية الإعدام أظهر هتافات ذات نفس معين، و هو ما قد يفسر الإعدام انتقاما سياسيا و ليس قرارا عدليا. و من ناحية أخرى، لم يقدم النظام المعمم الجديد بديلا يلبي أحلام أبناء العراق، فليس بإمكان التوليفة القائمة أن تقدم لهم الديمقراطية لأن فاقد الشيء لا يعطيه، و لا التنمية لأنها ببساطة لا تملك أدواتها و لا الرؤية اللازمة لإطلاقها، كما لا أتوقع لها أن تعمّر طويلا خصوصا بعد أن تتشظى الدولة إلى أقاليم هزيلة قابلة للالتهام. فالحماية الأميركية مقرونة بسياسيات بعيدة عن متناول الساسة العراقيين، و قد ترفع في أية لحظة، فليس منا من يعرف ما في أدراج مكتب جورج بوش أو خليفته، و إن كنا جميعا- و هي إحدى العادات العربية الرديئة- نتفلسف في السياسة و كأننا نحضر اجتماعات المكتب البيضاوي يوميا. و إذا كانت حكومة المالكي لا تنفك تنتقد المنادين بحكومة الإنقاذ الوطني، فلتكن هي حكومة الإنقاذ و تسرع قبل أن يسبق السيف العذل و لن يبقى من العراق ما يمكن إنقاذه.

 

خلال بضعة أشهر سينسى الناس صدام حسين كما فعلوا مع عبد الكريم قاسم و عبد السلام عارف و أحمد حسن البكر و عبد الناصر و السادات و بورقيبة و بومدين و الملك فيصل و إبراهيم ألحمدي و سالم ربيع علي و حتى حافظ الأسد و الملك حسين و ياسر عرفات و رفيق الحريري الذين رحلوا قريبا، و سيأتي آخرون و يقتلون و يقتلون (بضم الياء)، و سينساهم الجميع أيضا لأن قانون العدالة البدوية السائد و مبدأ القصاص- و هو جزء أساسي من العقيدة الدينية و الاجتماعية لشعوب المنطقة- لا يسمحان بغير ذلك. أما تهديدات البعث بزيادة العنف و حرق نصف العالم و غير ذلك من ترهات البلاغة البعثية المعروفة، فلا أعتقد بأن بالإمكان أعنف مما كان حتى هذه اللحظة. و قد كان الأحرى بالبعث بأن يعيد تقويم حساباته، ليس بعد إعدام صدام، و إنما بعد السقوط المدوي لنظامه في نيسان 2003 الذي أوصل العراق إلى ما نراه اليوم. فالزلزال الذي أصاب العراق نتيجة لمقدمات، و مقدمات البعث معروفة للجميع و لو كنت مكانهم لاعتذرت للشعب العراقي عن الماضي الدموي و ناديت بمشروع وطني ديمقراطي بدلا من ارتداء جبة بن لادن و المذهبية المقيتة و التشبث بما مضى، و حينئذ قد يجد الكثيرين حوله، خصوصا في ظل الإحباط القائم و التدهور الخدمي و الأمني، و لكن البعث، حاله حال النظام (أو اللانظام) القائم، لا يملك القدرة الفكرية للتغيير و لا تقديم شيء لا يملكه، فلم يفعلها و هو في السلطة و في عز جبروته، فكيف به و قد قذف خارجها.

 

لقد عجز العراق (و العرب عموما) رغم المعاناة الأسطورية التي مر بها عبر عقود من الزمان و حتى هذه اللحظة عن إفراز قوى مؤهلة لبناء المستقبل، فلم نسمع لا في عصر صدام ولا في عهود خلفائه عن التنمية البشرية و بناء الإنسان، و لم يبذل أحد جهدا في هذا الاتجاه، فالأوطان لا تبنيها النوايا و المدنيات الكبرى لم تنشأ من الأوهام و الخزعبلات و بطون الكتب الصفراء. لم يظهر في العراق بعد زلزال نيسان 2003 رجل مثل لودفج ايرهارد صانع المعجزة الألمانية بعد الحرب العالمية الثانية الذي انطلق بالاقتصاد الألماني في ظل أربعة احتلالات أجنبية.. فالبيئة الاجتماعية و الثقافية لا تسمح و لن تسمح كما أن البناء القيمي للمجتمع لا يؤهله لذلك كما يتجلى في رؤيتنا الاجتماعية لمفاهيم الوطن و النصر و الهزيمة و القوة و الضعف و الحرية، و غيرها من المفاهيم و القيم الاجتماعية الأساسية، ففي العالم طيف متنوع يقع ما بين الأبيض و الأسود اللذين لا نرى غيرهما، فلا زالت ثقافتنا أسيرة الثنائيات الفكرية و هو نتاج فكري للفلسفة الثنائية التي طبعت فكرنا منذ آلاف السنين متمثلة بالفلسفات الدينية أللأوسطية ذوات ثنائية الإله – الشيطان و ما يتبعهما من تفسير صارم للخير و الشر، و هي، و إن أسهمت في بناء الحضارة البشرية في عصور ماضية، قد غدت معدومة الصلاحية في ضوء انطلاق العقل البشري إلى آفاق الإبداع الرحبة و التفكير المتعدد الأبعاد. وفي انعكاسها السياسي، و ببساطة، فإنك إن لم تفكر مثلي فأنت عدوي، و إن لم توافق على ثوابتي التي أفرضها عليك بجزمة العسكر أو عصا رجل الدين، فأنت عميل للأمريكان أو الصهاينة. و تنتقل هذه الثنائيات السياسية بين الإسلاميين و العلمانيين كل حسب أبجديته، و من السياسيين الى المثقفين، و منهم إلى رجل الشارع..

 

ترى الثنائية الفكرية العالم ببعدين فقط، و عندما تفكر بخط مستقيم فأن أية عقبة مهما تكن صغيرة على مسار الخط تعيقك عن رؤية ما خلفها حتى لو اتجهت يمينا أو يسارا، أما التفكير الثلاثي و المتعدد الأبعاد (أو التفكير بمنحنيات)، فيمّكنك من رؤية ما بعد العقبة بكثير، لأنك تنظر إليها من أعلى نقطة من المنحنى، فترى ما قبلها و ما بعدها و ربما ما بعد العقبة التي تليها.. و الانتقال من هذه الطريقة التي تلك ليس بالأمر الهين، فقد احتاج الغرب المتقدم إلى حركة اجتماعية و اقتصادية و سياسية جذرية دامت قرونا قبل أن يصل إليه، أما الصين و نمور آسيا، فالتفكير المتعدد الأبعاد جزء لا يتجزأ من بنائها الفكري و الديني و القيمي، و لذا لم يستغرقوا كثيرا في تحويل الفقر إلى وفرة و التخلف إلى نهضة مستمرة في جميع المجالات. و هنالك أفراد بالتأكيد في كل أرجاء هذا الوطن ممن تجاوزوا هذه الأمراض المزمنة، و لكنهم لم يتشكلوا كتيار حتى هذه اللحظة، لأن ثمن ذلك الفناء و الإقصاء.

 

قد تمثل نهاية صدام حسين كشخص قيمة رمزية كبيرة للبعض سلبا أو إيجابا، إلا أنه من غير المحتمل في ضوء الواقع الاجتماعي و الثقافي و السياسي أن يكون لها تبعات جدية على مسار الأحداث التي لا نملك أعنتها، و لا نمثل فيها أكثر من دور الكومبارس في أفضل الأحوال..

فنحن جميعا نتاج و ليس فعل.. فصدام لم يأت من الفضاء، و لا الجعفري و لا الحكيم و لا الصدر، فجميعهم نتاج هذا المجتمع الذي افرز من شاكلتهم الكثير، أما من غيرهم، الذين حلمنا طويلا بنهوضهم من تحت ركام المعاناة و قيادة العراق نحو الغد الأفضل‘ فلم يفرز منهم إلا الأقل من القليل.

 

سيعمل الإعلاميون الذين تقودهم صحفهم و فضائياتهم المؤدلجة مثل جمال القافلة حينا من الزمن على بث الأساطير حول صدام الملاك البطل المجاهد لفترة من الزمن، آملين في المزيد من التمزق للعراق و الموت لأبنائه، مدعمين بأمراض ثقافة المجتمع العربي الإسلامي الذي يرى العالم معسكرات حرب لنيل رضا الإله، و لا يمثل الإنسان هدفا من أهدافها.

 

 

http://www.elaph.com/ElaphWeb/ElaphWriter/2007/1/201409.htm

Link to comment
Share on other sites

Legal experts said the Anfal trial would proceed more smoothly without Saddam.

 

"The trial will be more elastic and easy. It will clarify and expose more facts because Saddam Hussein's disappearance from dock will encourage other defendants to mention some facts that they were afraid to divulge when he was with them," said Tariq Harb, an Iraqi lawyer and legal expert.

 

http://news.yahoo.com/s/ap/20070108/ap_on_re_mi_ea/iraq

 

Fully agree on this.. It already started today.. The accused are feeling more free in declaring the details.. I think the execution of Sadam is sending a very strong message to his followers "Sadam is dead, don't affriad of his return"!

Link to comment
Share on other sites

القاضي رؤوف عبد الرحمن رشيد متحدثاً الى «الحياة

 

 

رئيس هيئة محاكمة الرئيس العراقي السابق يؤكد أن حلبجة (مدينته) وحملة الأنفال لم تكونا في ذهنه ... القاضي رؤوف رشيد لـ«الحياة»: صدام لم يتوقع الإعدام والأميركيون طالبوا برزان بمعلومات عن أموال النظام في الخارج

سامي شورش الحياة - 11/01/07//

القاضي رؤوف عبد الرحمن رشيد متحدثاً الى «الحياة»

أكد رئيس المحكمة الجنائية العراقية (الهيئة الأولى) القاضي رؤوف عبد الرحمن رشيد أنه لم يفعل أكثر من أداء واجبه بإصداره حكم الإعدام في حق الرئيس العراقي السابق صدام حسين، منتقداً في الوقت نفسه طريقة تنفيذ الحكم في اليوم الأول من ايام عيد الأضحى المبارك.

 

وأضاف القاضي عبدالرحمن في أول مقابلة يجريها مع وسيلة إعلامية وخص بها «الحياة» أن صدام لم يتوقع إنزال حكم الإعدام به. ونفى وجود «تدخلات أميركية أو حكومية في سير المحاكمة»، مضيفاً أن الادعاءات الخاصة بوجود تدخلات هي من صنع أفكار وكلاء الدفاع عن المتهمين.

 

وكشف عبدالرحمن أنه التقى صدام مرتين خارج جلسات المحاكمة، مشيراً الى أنه لاحظ خلال تلك اللقاءات أن «صدام امتلك شخصية ذات مظهرين»، وأنه «كان مهووساً برؤية نفسه قوياً ومتماسكاً على صفحات الجرائد وشاشات التلفزيون»، لكنه كان ودوداً خارج المحكمة.

 

الى ذلك، كشف القاضي العراقي أن برزان ابراهيم التكريتي مصاب بالفعل بالسرطان وأن صدام أكد له أن مشاكساته داخل قاعة المحاكمة نتجت من حالته المرضية وعن طبيعته الحادة والعنيفة.

 

 

 

 

> الآن وقد تم تنفيذ الإعدام بالرئيس العراقي السابق صدام حسين بعد الحكم الذي أصدرته المحكمة التي ترأستموها. هل تعتقد بأنك أصدرت القرار السليم أو الصائب؟

 

- أنا أعمل قاضياً. والقاضي ملزم بتطبيق نصوص القانون بأمانة وجدية ونزاهة ووفق موضوع الدعوة القضائية التي يحال على أساسها المتهمون على المحاكمة. إذا لم يلتزم القاضي بهذه المبادئ القانونية والقضائية، أي إذا لم يصدر الحكم العادل بحق المتهم الذي تثبت إدانته فإنه يُعد ممتنعاً عن إحقاق الحق. في موضوع إدانة الرئيس العراقي السابق صدام حسين والحكم عليه بالإعدام لم أفعل أكثر من أداء واجبي وتطبيق النص القانوني الواجب تطبيقه والمحال بموجبه المدان على المحكمة.

 

 

> هل تعتقد بأن صدام حسين كان يتوقع إنزال عقوبة الإعدام به؟

 

- في تقديري لم يكن المدان يتوقع إنزال حكم الإعدام به. فهو، من ناحية ، كان يعتقد بأنه سيظل باقياً أو خالداً في الحياة. ومن ناحية ثانية، كان محباً للحياة في شكل مطلق. ويصح وصفه بأنه كان نرجسياً متشبثاً بذاته. معروف أن الإنسان النرجسي يتعلق بالحياة ولا يتصور أن الموت مصير محتوم. ومن ناحية ثالثة، تصور المدان أن من غير الممكن إدانته في حادثة الدجيل أو الحكم عليه بالإعدام على أساسها. فالحادثة في تقديره، والدماء التي سالت فيها والجرائم التي ارتكبت خلالها لم تكن في مستوى الواقعة التي تجيز إصدار حكم الإعدام عليه باعتباره رئيس الجمهورية في فترة وقوع الجريمة. الى هذا، كان المدان يعتقد بأن السماء خولته أو أوحت له، في فترة وجوده في قمة السلطة، بحقه في ممارسة جريمة القتل ضد كل من يطلق الرصاص على موكبه في الدجيل أو غيرها. لكل هذه الاسباب لم يكن صدام حسين يتوقع صدور حكم الإعدام بحقه في قضية الدجيل.

صدام حسين أثناء المحاكمة

 

 

> هناك من يرى أن الحكم الذي اصدرتموه بحق الرئيس السابق كان معداً سابقاً، أو منذ اليوم الأول لاعتقاله. أما المحاكمة وجلساتها ووقائعها فلم تكن سوى مسرحية. ماذا تقول في هذا الصدد؟

 

- هذه ليست سوى دعاية سياسية أطلقها أناس متعلقون بحكم صدام حسين وبتربيته في الحكم. بالنسبة اليّ كقاض، أنا تحت القسم. لهذا لا يمكن لأي شخص أو جهة أن يجبرني على اتخاذ قرار أو إصدار حكم لست مقتنعاً به. أنا والسادة القضاة أعضاء المحكمة الذين اسهموا معي في إدارة المحاكمة طيلة الجلسات الإحدى والأربعين الطويلة والمتعبة، لم يكن أمامنا شيء سوى هدف واحد هو إحقاق الحق والعدل بذهنية وعقلية القاضي العادل.

 

 

> لكن هناك من يتهمك باستخدام مشاعرك الكردية في المحاكمة ومحاولتك الانتقام من صدام حسين على كل ما مارسه من سياسات بحق الأكراد.

 

- يعرف الله العزيز القدير ما في الصدور وما في النيات. أنا لست في حاجة الى إعادة التأكيد على حقيقة أساسية مفادها أن حلبجة والأنفال لم تكونا في ذهني حينما ترأست محاكمة صدام حسين والآخرين من جماعته. كان شعاري خلال سير المحكمة أن أطبق القانون وأحقق العدل في شكل يرتاح له ضميري. مهنة القضاء في العراق معروفة بنزاهتها وحياديتها وحسن تطبيقها القانون. أنا بدوري ساهمت من طريق المحكمة في تطبيق حكم القانون على هذا الرجل من دون أي مؤثرات أو انفعالات أو انتقام.

 

 

> لكنك قد تكون تعرضت، أنت أو أحد أفراد عائلتك، الى عقوبة من النظام السابق، ربما ألقت بظلالها على الحكم الذي اصدرتموه.

 

- أريد أن أوضح أن صدام حسين نفسه أثار في إحدى جلسات المحاكمة هذا الموضوع وسألني في شكل كأنه هو الذي أصدر قراراً بإعفائي من عقوبة الحبس التي كانت صادرة بحقي. تأكيداً للواقع أوضحت له في تلك الجلسة أنني لم أتعرض للسجن والعفو في ظل حكم البعث، أي منذ عام 1968 ولغاية سقوطه في 2003 . في هذه الفترة كنت أمارس مهنة المحاماة في بغداد ضمن غرفة المحامين في الرصافة بكل حرية وشفافية ومن دون أن أواجه اي عرقلة في خصوص عملي. الحكم الصادر بحقي كان في زمن حكم عبدالسلام عارف عام 1964. كما أن قرار إعفائي من العقوبة صدر في زمن رئيس الوزراء الأسبق طاهر يحيى ونشر في الجريدة الرسمية آنذاك, وما زلت أحتفظ بنسخة من هذه الجريدة التي تتضمن قرار إعفائي من عقوبة السجن.

 

 

> هناك من يرى أن الانفعالية التي طبعت أسلوب عمل المحكمة دلت على أن حكم الإعدام كان متخذاً قبل المحاكمة.

 

- الانفعالية كانت مرفوضة من ناحيتي ومن ناحية بقية القضاة الأعضاء في هيئة المحكمة. أما الانفعالية التي تشير إليها فإنها جاءت بسبب عدم تقيد المتهمين بالضوابط القانونية وعدم احترامهم هيئة المحكمة والإخلال بهيبتها. لا أريد أن أظلم أحداً. لكن في سياق الوقائع ظهرت الانفعالية منذ بداية المحاكمة. كما تعرفون، لقد ترأست المحاكمة اعتباراً من الجلسة الثامنة. وبعد تسلمي رئاسة المحاكمة زادت حدة الاستفزازات والتهجمات والكلام العنيف والحملات الكلامية ضد المحكمة وهيئتها وأشخاصها. كان الواجب علي أن أضبط الجلسات. فضبط الجلسة وإدارتها منوط بالقاضي. وكانت تلك الاستفزازات على وشك أن تتسبب بمشكلات كبيرة أمام القضاء العراقي. لهذا كنت ملزماً بالمحافظة على القانون وضبط الجلسات وتنبيه المتهمين الى تركيز جهودهم وأقوالهم صوب الدفاع عن أنفسهم وفهم مجريات المحاكمة واحترام هيبتها.

 

 

> ماذا عن التدخلات الأميركية في سير المحاكمة؟

 

- لم تكن هناك تدخلات، لا أميركية ولا غير أميركية. لقد تسلمت رئاسة المحكمة الجنائية (الهيئة الأولى) بأمر صادر من رئيس القضاء العراقي ينص على استكمال مسيرة الدعوى بعيداً من أي تدخل. طيلة ايام المحاكمة وحتى إصدار القرار لم يتدخل أحد، أياً كان، في موضوع الدعوى القضائية أو في طريقة سير المحاكمة.

 

إن الادعاءات الخاصة بوجود تدخلات من قبل جهات، سواء عراقية أو أجنبية، هي من صنع أفكار وكلاء الدفاع الذين تجنبوا التركيز على الأساسيات للدفاع عن المتهمين، وركزوا جل جهودهم على ترديد أقاويل وشعارات غير صحيحة، مثل التدخل والتدخل وثم التدخل.

 

 

> ألم يكن هناك مستشارون أميركيون؟

 

- دعني أوضح. لم يكن دور الأميركيين دوراً استشارياً للمحاكمة. نحن كقضاة عراقيين متمرسين في المهنة لسنا في حاجة الى مستشارين أجانب أو أميركيين. فالسياق القضائي في العراق معروف. بالنسبة الى الأميركيين كان صدام حسين موقوفاً لديهم. لهذا كان يعمل، ضمن هيئة الارتباط بين إدارة السجن وهيئة المحكمة، مستشارون قانونيون أميركيون. وكان هؤلاء يقومون بتهيئة قاعة المحاكمة وجلب الموقوفين وإبقائهم في الصالات ومن ثم إحضارهم أمام المحكمة. بمجرد إحضار المتهمين الى داخل المحكمة كان دور الأميركيين ينتهي ليبدأ دور الحراس العراقيين.

إحدى جلسات محاكمة صدام حسين ومعاونيه (رويترز)

 

 

> ألم يتواجدوا داخل القاعة كمراقبين؟

 

- بعد إدخال المتهمين الى قاعة المحكمة كان يتم تسليم المتهمين لحراس عراقيين مدربين يرتدون ملابس الشرطة العراقية. عدا عن هذا، وعدا عن (وزير الدفاع الأميركي السابق رمزي) كلارك ومحام أميركي آخر في هيئة الدفاع، لم أر أي أميركي آخر داخل قاعة المحاكمة.

 

 

> ماذا عن السفير الأميركي في بغداد زلماي خليل زاد؟ هل التقيتم به خارج قاعات المحكمة؟ هل تداولتم معه في أمور قد تكون لها علاقة بسير المحاكمة أو أوضاع المتهمين؟

 

- طيلة جلسات المحاكمة التي استمرت أكثر من عشرة أشهر لم ألتق السفير الأميركي في بغداد ولم أتعرف عليه. لكن بعد إصدار قرار الحكم وتسليم ملف الدعوى الى الرئاسة العليا للمحكمة، كنتُ في إحدى الأمسيات في منزل أحد الأصدقاء في بغداد حينما حضر خليل زاد والتقيته. قبل هذا اللقاء لم ألتق به ولم أتحدث إليه حتى من طريق الهاتف.

 

 

> لكن مصادر قريبة من المحكمة أشارت الى أن الأميركيين في العراق استمروا في تحقيقاتهم خارج أروقة المحكمة مع بعض المتهمين، خصوصاً مع برزان ابراهيم التكريتي، حول أموال تقول واشنطن إنها مودعة في مصارف أوروبية بأسماء شركات وهمية وبإشراف برزان. ألم تتعارض تلك التحقيقات مع سير المحاكمة؟

 

- في أحد الأيام، طلب برزان التكريتي مقابلتي شخصياً بعد انتهاء جلسات المحكمة . حينما جلبوه الى غرفتي، بحضور أحد القضاة وحارس عراقي، تحدث وقال إن الأميركيين يطالبونه بكشف معلومات عن أموال النظام السابق في الخارج. من ناحيتي لم أدعه يسترسل في الحديث وقلت له إن هذا الأمر خارج عن إطار الدعوى المقامة ضده. لهذا لا أستطيع الاستماع إليه في هذا الموضوع. أما إذا كان لديه شكوى حول أي قضية إجرائية فأنا مستعد للاستماع إليه. لهذا توقف عن سرد الحكاية وطلب مني، وهو بالمناسبة كثير الكلام، إحالته على هيئة طبية باعتبار أنه مصاب بمرض السرطان.

 

 

> هل وافقتم على طلبه؟

 

- نعم، وتشكلت لجنة لمعاينته.

 

 

> وهل توضحت نتيجة المعاينة؟

 

- في حدود علمي نعم، كان بالفعل مصاباً بالسرطان وكان المرض في بداياته.

 

 

> هل التقيت برزان على انفراد؟

 

- لم ألتقه سوى مرة واحدة. لكنه وجّه لي مذكرات بخط يده. كذلك فعل صدام حسين. في هذه المذكرات تحدثا عن أوضاعهما في السجن وطريقة تعامل الحراس معهما. في الواقع لدى هيئة المحكمة مذكرات وملاحظات مدونة بخط يد صدام وبرزان.

 

 

> ماذا عن تدخلات السلطة التنفيذية أو الحكومة العراقية في سير المحاكمة؟ قيل كلام كثير في هذا الخصوص؟

 

- في الحقيقة كنت أقرأ وجهات نظر مسؤولي السلطة التنفيذية في الصحف. بحسب ما فهمته من تصريحاتهم أنهم كانوا غير راضين عن الأسلوب الذي اتبعه القاضي رزكار محمد أمين الذي سبقني في رئاسة جلسات المحكمة. في ما بعد، أبدوا أيضاً عدم رضاهم عن أسلوبي في إدارة المحاكمة، خصوصاً لجهة طول الجلسات. لكن مباشرة لم يتحدثوا إليّ شخصياً لأنني لم أكن مستعداً لقبول مثل هذه التدخلات.

 

 

> مصادر قريبة من المحكمة أكدت أن القاضي رزكار قدم استقالته من الهيئة الأولى للمحكمة الجنائية بسبب تعرضه لضغوط مارستها عليه الحكومة العراقية التي كان يرأسها آنذاك ابراهيم الجعفري.

 

- بقدر ما يتعلق الأمر بحالي، لم أشعر بأي ضغط من مسؤولي الحكومة العراقية طيلة جلسات المحاكمة.

 

 

> لكن الحكومة العراقية نفسها ألمحت في شكل مبطن في تصريحات لبعض مسؤوليها الى أنها هي التي تتولى تعيين القضاة أو تنحيتهم. والمثال على ذلك القاضي السابق عبدالله العامري.

 

- أنا شخصياً لم ألتق بأي مسؤول عراقي ولم أتعرض لأي ضغط عراقي طيلة جلسات المحاكمة. بطبعي لا أرضخ للضغوط. هذا الكلام عن ضغوط من الحكومة العراقية سمعته بعد انتهاء الجلسات.

 

 

> لنتوقف هنا للحظة. كيف تقومون الأسلوب الذي تم بموجبه تنفيذ حكم الإعدام الذي أصدرتموه بحق صدام حسين؟

 

- عملية التنفيذ من مسؤوليات السلطة التنفيذية. أنا كقاض جزء من السلطة القضائية وليست لدي أي علاقة لا من قريب ولا من بعيد بمسألة تنفيذ الأحكام التي تصدر عن المحكمة. لكن في تقديري أن تنفيذ الحكم لم يتم في الوقت المناسب. فيوم الأول من عيد الأضحى المبارك ليس بالوقت المناسب لتنفيذ أحكام الإعدام.

 

 

> لننزل قليلاً الى العالم الخفي للمحاكمة. هل كنت تلتقي صدام حسين خارج جلسات المحكمة؟

 

- نعم، التقيته مرتين بناءً على طلبه. ففي إحدى الجلسات طلب المدان مقابلتي، في المرة الأولى طلب أن يلتقيني خمس دقائق، فطلبت منه أن يوضح سبب اللقاء. قال إنه بخصوص أخيه برزان. وافقت على طلبه والتقيته بحضور أحد أعضاء المحكمة وحراس عراقيين. تحدث صدام في هذه المقابلة عن برزان وأكد أن المشاكسات التي يبديها الأخير داخل قاعة المحاكمة لا تأتي عن سوء إنما نتيجة كونه مصاباً بمرض السرطان، مضيفاً أن برزان تميز حتى قبل إصابته بالمرض بطبع سيئ أساسه معاملة المقابل بالعنف والحدة.

 

في الواقع، لم يطلب صدام شيئاً لنفسه، إنما أكد أن غرضه الوحيد من المقابلة هو تقديم هذه الإيضاحات للمحكمة حتى تكون على بينه منها. كان ردي على صدام أن المحكمة تأخذ مرض برزان في الاعتبار وأنها أحالته على لجنة طبية مؤلفة من خمسة أطباء.

 

 

> هل لاحظت خلال الجلسات أو في اللقاءات الخاصة أن صدام حسين مشغول بهموم أخرى غير هم محاكمته؟

 

- في إحدى الجلسات، لاحظت وجود ملف من الأوراق في يد صدام حسين الى جانب القرآن الكريم الذي كان يحمله معه طوال الوقت. سألته عن الملف وما يحتويه من أوراق، فقال إنه أوراق تخص خاطرات يكتبها في السجن. طلبت منه إعطائي الملف، قال إنه يعطيني لكنه يريدني أن أعيده إليه. قلت له المفروض أن يعطيني أولاً هو الملف ومن ثم تنظر المحكمة في إعادته إليه أو الاحتفاظ بها. سلمني الملف الذي وجدت فيه أوراقاً وخاطرات. ليست أشعاراً وقصائد، بل نوع من المناجاة مع النفس والخاطرات الأدبية عن فترة حكمه وتجربته السياسية والحياتية، إضافة الى بعض الأفكار تجاه الأميركيين. في المقابلة الثانية أراد أن يتسلم أوراقه.

 

 

> هل كان صدام يبدو محبطاً أم قوياً بين سطور تلك الأوراق والخاطرات؟

 

- في الواقع، كان الرجل محبطاً. لكن صدام حسين امتلك خلال جلسات المحاكمة شخصية ذات مظهرين: الأول حينما تكون عدسات التلفزيون مسلطة عليه، والثاني بعيداً من عدسات التلفزيون. لا اقول إنه كان يعاني مرضاً نفسياً. لكنه بالتأكيد كان مهووساً بنفسه ومصراً على أن يرى نفسه ويراه الآخرون قوياً متماسكاً على صفحات الجرائد أو على شاشات التلفزيون. أما خلف الكاميرات فكانت لديه شخصية أخرى.

 

 

> شخصية من أي نوع؟

 

- شخصية هادئة يختلط فيها الإحباط بحالة نفسية معقدة يصعب سبر أغوارها.

 

 

> التقيت صدام مرتين. فهل تميز اللقاءان بالتشنج الذي لاحظناه في جلسات المحكمة؟

 

- بالعكس، كان يحاول في هذين اللقاءين خلق جو من اللطافة والليونة والمودة. كان يبتسم ونتبادل اللطائف. في إحدى المرات رويت له لطيفة كردية عن شخص من عشيرة الجاف الكردية شبيه في الطباع بشقيقه برزان. ارتاح الى اللطيفة وضحك.

 

 

> ألم يتحدث في هذه اللقاءات عن مشكلاته الشخصية أو عن أفراد عائلته أو عن نجليه المقتولين عدي وقصي؟

 

- لم يتطرق الى المواضيع الشخصية.

 

 

> ماذا عن مشكلاته مع الأميركيين؟ هل تطرق الى ذلك؟

 

- في الواقع كان صدام يشكو على الدوام من الأميركيين. وعن سوء معاملتهم له في السجن. كما أنه كان ملحاً في القول إن الأميركيين مسؤولون عن انهيار الأوضاع في العراق.

 

 

> لنعد الى جلسات المحاكمة. القاضي الوحيد الذي رأيناه على شاشات التلفزيون في جلسات قضية الدجيل هو أنت. هل كنت الوحيد على منصة هيئة المحكمة أم كان هناك قضاة آخرون معك على المنصة لم تظهر وجوههم لأسباب أمنية؟

 

- في الحقيقة تكونت الهيئة القضائية الخاصة بمحكمة الدجيل من خمسة قضاة: رئيس الهيئة وأربعة أعضاء. كنت الوحيد الذي يظهر في التلفزيون لأنني كنت رئيس الهيئة. أعتقد بأن ظهوري منفرداً على الشاشة كان نقصاً حتى من وجهة نظر قضائية. لكن الظرف الأمني السائد في العراق تطلب عدم ظهور الآخرين، خصوصاً بعد مقتل العديد من العاملين في هيئة الإدعاء العام وهيئة محامي الدفاع.

 

 

> ماذا عن المراقبين في قاعة المحاكمة؟ هل سمحت المحكمة بحضور مراقبين عراقيين أو غير عراقيين: أفراد أو منظمات؟

 

- قبل هذا دعني أوضح طبيعة القاعة التي كانت تعقد فيها جلسات المحاكمة.

 

تكونت قاعة المحكمة من جزء أمامي معزول عن بقية القاعة من طريق جدار زجاجي عازل للصوت والرؤية. هذا الجزء تضمن أماكن خاصة لجلوس رئيس وأعضاء هيئة المحاكمة وأعضاء هيئة الادعاء العام وهيئة الدفاع ووكلاء الحق الشخصي والمتهمين. أما الجزء الآخر من القاعة فكان يتكون من طبقتين تطلان على الجزء الأول: طبقة سفلية مخصصة للصحافيين ومراسلي وكالات الأنباء. وطبقة علوية مخصصة للزوار والشخصيات الرسمية وغير الرسمية. لم يكن في إمكان المتهمين رؤية الأشخاص الجالسين في الجزء المعزول من القاعة. لكن رئيس وأعضاء هيئة المحكمة على المنصة كانوا قادرين على رؤية الجالسين في الطبقتين.

 

في الواقع، حضر العديد من الشخصيات والزوار وممثلي المنظمات غير الحكومية الى القاعة المخصصة للزوار. وكان هؤلاء بمثابة مراقبين مدنيين لكيفية سير المحاكمة. لكن لم يكن من حقهم التأثير في سير المحاكمة أو التدخل في شؤونها.

 

 

> ماذا عن إغلاق عدسات الكاميرات واللاقطات؟ هل كان القاضي يتحكم بزر الإغلاق أو كان هناك آخرون يتولون هذا الأمر؟

 

- ضبط جلسات المحاكمة منوط بالقاضي. في هذا الإطار القاضي مسؤول عن ضبط الكلمات والعبارات التي يتم تداولها في المحاكمة. وله الحق الكامل في منع الكلمات النابية والعبارات الإيحائية أو حتى منع الحملات الكلامية ضد أي كان. وهذا أمر جار حتى في المحاكم الاعتيادية ومحاكم الجنح والجنايات. فالسلطة التي يتمتع بها القاضي داخل قاعة المحكمة تمنحه صلاحية منع تداول مثل هذه الكلمات والجمل أو حتى الطلب بإخراج هذا أو ذاك من قاعة المحاكمة.

 

كما ذكرت في السابق، قاعة المحاكمة مهيأة في شكل يسمح للقاضي بالتحكم بأزرار خاصة بإغلاق اللاقطات ووقف البث التلفزيوني أو حجب الرؤية أمام عدسات الكاميرات وأمام الحاضرين داخل القاعة.

 

في الحقيقة، المتهمون كانوا أشخاصاً غير اعتياديين، بل كانوا هجوميين واستفزازيين طوال جلسات المحاكمة. لهذا كثيراً ما استغلوا بعض العبارات والكلمات الصادرة من الشهود أو من أعضاء هيئة الادعاء العام لجهة التعبير عن أقوال معينة هدفها المسّ بأمن الدولة أو تهييج الرأي العام أو المس بمشاعر الناس. هذه الأمور كانت متروكة لتقديرات القاضي الذي له الحق في قطع البث أو قطع الكلام موقتاً. أما التسجيل المرئي والمسموع لكل جلسات المحكمة فإنه موجود ومن الممكن الإطلاع عليه. عدا عن هذا لم تكن هناك رقابة على مسار المحاكمة. طبعاً هذا لا يعني عدم وجود رقابة من نوع آخر، رقابة تفرضها الضرورات الأمنية حينما كان يصار الى تأخير البث المباشر فترة تقرب من نصف ساعة. وكان الهدف إتاحة فرصة زمنية لحذف بعض الأسماء والكلمات لأسباب أمنية.

 

 

> في فترات إغلاق اللاقطات والعدسات، أو حتى في الجلسات المغلقة، إن كانت هناك جلسات مغلقة، هل كانت الأمور تسير على المنوال نفسه من التشنج والحدة؟

 

- عندما كان المتهمون، بمن فيهم صدام حسين وبرزان التكريتي، يرون أن القاعة مغلقة والعدسات متوقفة عن النقل المباشر أو نقل الصوت كانوا يتحولون الى أناس وديعين. في بعض الحالات كنت أطلب منهم أن يرفعوا أصواتهم ليسمعهم الجميع. بمجرد أن يسدل الستار أو يقطع البث كانوا يتحولون الى عالم آخر والى شخصيات مختلفة كلياً. يتحولون من حالة الهجوم والاستفزاز الى متهمين عاديين مطأطئي الرؤوس.

 

 

> لنتحول قليلاً الى محور الدفاع. كما هو معلوم ضمت هيئة الدفاع عن المتهمين محامين من جنسيات مختلفة: من مصر والأردن والإمارات ولبنان، بل حتى من الولايات المتحدة. هل تعتقد بأن هيئة الدفاع أدت واجبها القانوني في شكل صحيح؟

 

- بالنسبة الى تصرفات هيئة الدفاع، أحيلك وأحيل المعنيين بهذا الموضوع الى نص قانون المحاماة النافذ لعام 1965، أظن الفقرة الثالثة. هذه الفقرة تسمح للمحامي الأجنبي بحضور جلسات أي محاكمة عراقية بمعية محام عراقي وتحت إشرافه. لكن ما حدث في محكمة الدجيل كان العكس تماماً. طبعاً هناك بند آخر ينص على شرط المعاملة بالمثل. أي يحق لمحامي دولة معينة أن يحضروا جلسات محاكمة تعقد في بلد آخر، لكن شرط أن تكون هناك اتفاقية قانونية موقعة بين البلدين تلزمهما بالسماح لمحاميهم بحضور المحاكمات في البلدين. أنا شخصياً لم أسمع أن الولايات المتحدة سمحت لمحام عراقي بحضور محاكمة أميركية تعقد داخل الأراضي الأميركية. لم أطلع على وجود اتفاقية بين نقابة المحامين في العراق ونقابة المحامين في أميركا تنسق عملية حضور المحامين من البلدين في المحاكمات. لكننا مع هذا سمحنا للمدعي العام الأميركي السابق رامزي كلارك ولمحام أميركي آخر بحضور جلسات المحاكمة.

 

أما بالنسبة الى المحامين من الدول العربية، كان المفروض أن يقدم هؤلاء دفاعاتهم بمعية محام عراقي وتحت إشرافه. لكن ما حدث داخل القاعة كان العكس تماماً. مع هذا تحملت المحكمة هذه التجاوزات.

 

 

> شهدت جلسات المحاكمة حوادث طرد أو انسحاب أو مقاطعة لأعضاء في هيئة الدفاع عن المتهمين من القاعة، خصوصاً قراركم طرد رامزي كلارك الأميركي من قاعة المحاكمة. ألم يزعج هذا القرار الأميركيين؟

 

- بداية، أريد أن أشير الى أن حضور كلارك والمحامي الأميركي الآخر كان مخالفاً للقانون وتجاوزاً لسلطة القضاء في العراق. ثم أن كلارك لم يحضر كمحام، إنما حضر بدافع سياسي. فهو لم يمارس منذ سنوات مهنة المحاماة في بلده، ما يمنعه من ممارسة المحاماة في بلد آخر.

 

ثم لم يكن قراري بإخراج كلارك من القاعة في الجلسة الأخيرة هو القرار الأول من نوعه، بل كنت في جلسة سابقة قد أخرجته مع محام أميركي آخر من القاعة. لم ألحظ ولم أسمع من الأميركيين في هيئة الارتباط، وهي هيئة مؤلفة من مجموعة محامين وقضاة ومستشارين قانونيين من نيويورك وولاية أميركية أخرى ومن بريطانيا وأستراليا، ان قرار طرد كلارك أزعجهم.

 

 

> قبل أن نصل الى نهاية المقابلة، لنرجع قليلاً الى المحور الأول: ألم تربط، على الأقل في داخلك، بين ما حدث في الدجيل عام 1982 وما حل بعد ذلك بست سنوات بمدينتك حلبجة على يد النظام العراقي السابق؟ أنت من حلبجة كما نعرف.

 

- الحقيقة، أنني، طوال جلسات المحاكمة، حرصت على أن أكون مجرداً من كل النوازع الذاتية والذكريات الأليمة والدوافع الشخصية. لقد وهبت نفسي كلياً لإقرار الحق بعيداً من كل العواطف. والله شاهد على ما أقول. لقد مارست وظيفتي بكل شفافية ولم أربط بين الحالين.

 

 

> أين كنت عندما وقعت حادثة الدجيل عام 1982؟

 

- في عام 1982 كنت أمارس مهنة المحاماة في شارع السعدون في بغداد، وكنت أسكن مع عائلتي في مدينة الضباط. قبل أن أقرأ خبر الدجيل في الصحف، سمعته من جاري في المدينة وكان ضابطاً في الجيش العراقي. أما التفاصيل فلم أسمع بها إلا بعد شروع المحاكمة، خصوصاً بعد أن بدأت بدراسة ملفات كاملة عن القضية (22 ملفاً كبيراً من الوثائق والأوراق).

 

 

 

 

 

Link to comment
Share on other sites

  • 2 weeks later...

العملاق عبد الناصر خارج المقارنة

أهكذا تحيون ذكرى جمال عبد الناصر.. بتشبيهه بصدام؟

أسامة أنور عكاشة (الكاتب المصري) 22/01/2007

أعرف أنني أسبح ضد التيار الجارف الذي يدفع مياهه أمواجا تغمر العقول وتطمر المنطق وتحيل الساحة إلى شادر عزاء ومحزنة و مناحة منصوبة على تنفيذ حكم الإعدام في الرئيس العراقي السابق صدام حسين.. وأعرف أن سباحتي هذه ستعرضني لسهام تطلق على من كل صوب في كوكتيل الاتهامات المعهودة وأولها التنكر للقومية والعروبة وآخرها العمالة للأمريكان.. وربما الإسرائيليين أيضا.

والأمر لا يهمني حقيقة لأنني أدرك تماما أن الوعي الوطني الحقيقي سيزن الأمور بميزان الموضوعية المجرد من الهوى.. وأنا أدرك أيضا أن هيستيريا استشهاد صدام لن تلبث أن تنجلي عن تغليب العقل والكف عن أسلوب الصراخ ولطم الخدود ثم يأتي في النهاية دور التحليل الهادئ الرصين الذي يضع الأحداث في سياقها المنطقي والطبيعي..

وكان بإمكاني أن اكتفي بالفرجة.. وألتمس العذر لمن تملكهم الهياج الانفعالي تحت تأثير صدمة المشهد السوقي الجارح لإعدام الرجل صبيحة يوم العيد.. لولا أن انهالت التعليقات والكتابات الصحفية المتشنجة والصيحات والهتافات من حناجر محترفي التهييج والتحريض الغوغائي.. وللأسف كان بعض متصدريها ممن ينتمون تنظيميًا للتيار الناصري.. أو من عدوا دائما من الفصيل المنضوي تحت لواء الأفكار والأدبيات الناصرية.. وانزلق بعضهم ربما تحت تأثير الحماسة أو الخضوع لمشاعر القطيع إلى درجة تشبيه صدام حسين بجمال عبدالناصر مشايعين للزعم الذي كان صدام نفسه والبعثيون من رفاقه هم أول من روج له.. حين ادعى الناصرية في بدايات رحلته وتخطيطه للصعود ثم لم يلبث أن عرض نفسه كوريث للزعامة الناصرية التي كانت تقود العالم العربي بأسره متوهما أنه يستطيع ملء الفراغ العملاق بمجرد الادعاء وإطلاق الألقاب الفخيمة من قبيل الزعيم الأوحد والزعيم الضرورة وقائد النشامى.. وكبير الأشاوس.. وحارس البوابة الشرقية وصاحب القادسية الجديدة ونعلم جميعا إلى أي شيء أدت هذه الادعاءات والفرقعات اللفظية بدءا من شن الحرب على إيران.. واحتلال الكويت وجلب الأمريكان وجيوش التحالف في عاصفة الصحراء.. ثم تجويع أطفال العراق وفي نفس الوقت بناء القصور الرئاسية واستمطار اللعنات من السماء على الأمريكان.. ثم تمهيد الطريق للغزو الأمريكي المباشر والفرار من بغداد وتركها مفتوحة ليدخلها الغزاة دون طلقة مقاومة واحدة.

ويجيء بعد هذا من يزرف دموع عبد الناصر على قبر صدام حسين.. ويا للعار!.

 

أهكذا تحيون ذكرى جمال عبدالناصر بتشبيهه بصدام؟ ثم تدعون بعدها أنكم ناصريون أو أوفياء لنهج عبدالناصر؟!.

والأستاذ الفصيح ذرب اللسان الذي وقف يهتف مساويا ومضاهيا ومدعيا: ما أشبه شهيد العراق بعملاق مصر.. والآخر محترف الهتاف الحنجوري الذي يتقلب كل يوم على فراش أبطاله أرباب السلطة مرة وأعدائها مرة ويوزع خطاه.. خطوة معك وخطوك ضدك.. الذي عبس وعقد حاجبيه واستنفر كل دمائه المنتفخة بها أوداجه ليعلن أن صدام قد أصبح شهيدا ورمزا وتفوق على كل زعامات العرب في العصر الحديث.. وقد يحلو لنا أن نتناول الكلام من جانبه الفكه فنضحك ونتبادل الهمس عادته ولا حايشتريها؟ ولكن الأمر في حقيقته يدعو للحزن والكآبة لأن الرجل يصر في كل مناسبة على ترديد انتمائه لعبدالناصر والناصرية ومصدر الحزن والكآبة ليس صاحبنا هذا وحده ففي تياره يسير معظم الرفاق الذين خلطوا في سذاجة منقطعة النظير بين عبدالناصر.. وصدام حسين! فكانوا تماما كالدب الذي سحق رأس صاحبه بحجر ليبعد عنه حشرة يخشى أن توقظه من نومه. ولم يحاول أحدهم أن يسأل نفسه: ما هي أوجه الشبه بين الرجلين غير أن كلا منهما حكم شعبه بمفرده.. وإذا كانت الشرعية الثورية قد أباحت لعبدالناصر أن يؤجل البند المتعلق بإقامة الديمقراطية السليمة في أجندته.. كتاب فلسفة الثورة، فما هي الشرعية التي استند إليها صدام حسين؟ ونعلم أنه لم يحكم بعد سقوط الحكم الملكي مباشرة لنبرره بالشرعية الثورية أيضا.. ألسنا بهذه المقارنة العرجاء غير المستقيمة نؤكد أن التشابه المزعوم ليس إلا اتفاقا في صورة الديكتاتور ومنهجه؟ ألم سمع من كل أعداء عبد الناصر عبارة: الناصريون يبكون صداما لأنه يحاكى النموذج الناصري؟

 

ونعود مرة أخرى لنتساءل ما هي أوجه الشبه بين الرجلين؟

هل قاد عبدالناصر حربا ضد جار مسلم؟.. هل احتل ليبيا أو السودان مثلا؟.. هل اضطهد أي مصري يختلف طائفيا أو دبر مذابح للأقباط أو أهل النوبة؟ هل أطلق عبدالناصر الغازات السامة على مواطنيه؟.. هل هناك في سجل الحكم الناصري أسماء مذابح كالتي جرت في البصرة جنوبا أو في حلابجة شمالا؟ وكم قصرا بنى عبدالناصر لنفسه؟.

قال أحد الصحفيين العرب الموالين للحكم الصدامي في العراق وهو صحفي مشهور بالعمالة القابضة إن صدام انتصر على الفرس.. بينما هُزم عبدالناصر أمام الإسرائيليين وقد أورد هذا في مقال نشره منذ سنوات بادئا حملة لتقزيم دور وحجم عبدالناصر لصالح تأليه وتفخيم صورة صدام.. ومنذ عامين فقط كتبت له ما يشبه رسالة مذكرا إياه بأن عبدالناصر لم يترك القاهرة ويفر ويتركها للإسرائيليين وهم على وشك عبور القناة في العام السابع والستين من القرن الماضي.. وكنت أعلق على سقوط بغداد بالسهولة التي أذهلت كل من صدقوا زعم النشامى ووزير إعلامه الصحاف.

وأعلم أن عقد المقارنة في حد ذاته خطأ جسيم في زمن تردى فيه العرب إلى أعمق هوة يتمناها لهم أعداؤهم، ولكنى أردت فقط أن ألفت أنظار السادة الذين يحترمون جمال عبدالناصر وهم كل المصريين: من أحبه ومن عارضه، أن المسافة التي تفصل بين عبدالناصر وبين صدام أبعد كثيرا من المسافة التي تفصل بين الكواكب في المجموعة الشمسية.. وأنا لا أريد أن ألوم من أحزنه إعدام صدام أو أنكر عليه حقه في البكاء والعويل.. وأرى أن من حقه أن يتلو قصائد الرثاء المطولة في مأتمه.. فقد يخضع التاريخ السياسي لأي حاكم للاختلاف عليه.. ولكن أن نسوى بين الثائر والسفاح فهذا نوع من التضليل أو التغرير واستغلال عواطف البسطاء لتزوير وعيهم.. ولا يجمل بنا أن نقع في هذا الفخ.. وأذكر أخيرا حوارا دار على شاشة إحدى الفضائيات العربية في برنامج إخباري قال فيه الضيف، وهو مفكر لبناني معروف، إن عبدالناصر هو الذي منع عبدالكريم قاسم في أول الستينيات من احتلال الكويت، وأنه لو كان موجودا في العام التسعين لما تمكن صدام من اقتراف حماقته في غزو الكويت.. وإذا بالمحاور الآخر يعقب قائلا: لو كان عبدالناصر موجودا في التسعين ما كان هناك أصلا من يدعى صدام حسين.

لكننا تعودنا في تراثنا العربي أن نترحم على الراحلين جميعا.. وليتنا نفعل.. فقط علينا أن نحذر الخلط والوقوع في خطيئة الدببة!.

Link to comment
Share on other sites

Archived

This topic is now archived and is closed to further replies.


×
×
  • Create New...