Jump to content
Baghdadee بغدادي

التطبير و الزنجيل


Recommended Posts

ق

ادة شيعة يؤكدون التمسك بشعائر عاشوراء

 

 

 

GMT 18:00:00 2009 الإثنين 12 يناير

 

أسامة مهدي

 

http://www.elaph.com/Web/Politics/2009/1/399451.htm

 

السيد عمار الحكيم واحد من رجال العهد الجديد اللذين اثبتوا حضورا ونشاط متميز بعد التغيير وقد اثار اعجاب اعدائه قبل مريديه بمنطقه و طلاقه لسانه و ثقافته العامه. بدون شك ان ما تفضل به في تعليقه اعلاه هو امر انتخابي يتعلق بالمنافسه مع قائمه حزب الدعوه وهو امر مفهوم ولكني اريد ان اتسال عن المنطق الذي اتبعه السيد عمار في الوصول الى استنتاجه الخاص بان جميع الشعائر الحسينيه مقبوله شرعا طالما ان الاصل المتمثل باضهار الحزن هو امر متفق عليه بين علماء الشيعه. فموضوع الخلاف هنا هو ليس الشعائر الحسينيه او تعظيم ذكرى استشهاد الحسين ابن بنت رسول الله بل حول بعض الممارسات التي يضن اصحابها انها جزء من تلك الشعائر. التعميم الذي اطلقه السيد تاييدا لتلك الممارسات المختلف عليها امر لايتسق مع العرف ولا المنطق. لانه لو كان الامر كذلك فان الامر سيصبح فوضى وليس لنا بادل من ذلك سوى الفتوى التي اصدرها سماحه جده ايه الله العظمى السيد محسن الحكيم قبل اكثر من ثلاثين سنه بتحريم بعض الممارسات التي كانت شائعه واعتباره التطبير امرا مكروها و لااريد هنا ان اذكر الكثير من الفتاوي التي اصدرها مراجع شيعه كان السيد عمار يعتمدهم الى فتره قريبه ولكني اشير الا ان مصداقيه المجلس الاعلى انما تستند الى الارث الديني و التاريخي لسماحه المرجع الحكيم . لذا فان السيد عمار انما يضع راي المرجعيه في تساؤل في نفس الوقت الذي يدعونا الى اعتبار مواقفها نبراسا فكيف بتسق الامر.انا افهم ان المنافسه السياسيه تتيح للكثير من المماحكات ولكن اعتقد ان الامور الشرعيه يجب ان تبقى بعيده عن تلك المنافسه لان ذلك مما يسبب بلبله وخصوصا بين العامه

Link to comment
Share on other sites

  • 1 month later...

إليكم بعض آراء المراجع الشيعية العليا في جلد الذات وإدمائه ....

 

1 - أية الله العظمى السيد محسن الحكيم (( إن هذه الممارسات ( التطبير) ليست فقط مجرد ممارسات... هي ليست من الدين وليست من الأمور المستحبة بل هذه الممارسات أيضا مضرة بالمسلمين وفي فهم الإسلام الأصيل وفي فهم أهل البيت عليهم السلام ولم أرى أي من العلماء عندما راجعت النصوص والفتاوى يقول بان هذا العمل مستحب يمكن إن تقترب به إلى الله سبحانه وتعالى ان قضية التطبير هي غصة في حلقومنا))

 

2 - أية الله العظمى السيد أبو القاسم الخوئي:في رد على سؤاله حول إدماء الرأس وما شاكل يقول (( لم يرد نص بشرعيته فلا طريق إلى الحكم باستحبابه)) المسائل الشرعية ج2 ص 337ط دار الزهراء بيروت

 

3 - أية الله العظمى السيد محمد باقر الصدر في جوابه لسؤال الدكتور التيجاني حين زاره في النجف الاشرف (( ان ما تراه من ضرب الأجسام وإسالة الدماء هو من فعل عوام الناس وجهالهم ولا يفعل ذلك أي واحد من العلماء بل هم دائبون على منعه وتحريمه)) كل الحلول عند آل الرسول ص 150 الطبعة الأولى 1997 م للتيجاني

 

4 - أية الله العظمى السيد أبو الحسن الأصفهاني (( ان استعمال السيوف والسلاسل والطبول والأبواق وما يجري اليوم من أمثالها في مواكب العزاء بيوم عاشوراء باسم الحزن على الحسين (عليه السلام) اما هو محرم وغير شرعي )) كتاب هكذا عرفتهم الجزء الأول لجعفر الخليلي

 

5 - أية الله الشيخ ناصر مكارم الشيرازي (( على المؤمنين الأخوة والأخوات السعي إلى إقامة مراسم العزاء بإخلاص واجتناب الأمور المخالفة للشريعة الإسلامية وأوامر الأئمة (عليهم السلام) ويتركوا جميع الأعمال التي تكون وسيلة بيد الأعداء ضد الإسلام، إذ عليهم اجتناب التطبير وشد القفل وأمثال ذلك...))

 

6 - أيه الله العظمى السيد كاظم الحائري (( ان تضمين الشعائر الحسينية لبعض الخرافات من أمثال التطبير يوجب وصم الإسلام والتشيع بالذات بوصمة الخرافات خاصة في هذه الأيام التي أصبح إعلام الكفر العالمي مسخرا لذلك ولهذا فممارسة أمثال هذه الخرافات باسم شعائر الحسين (عليه السلام) من أعظم المحرمات))

 

7 - أيه الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله ((... كضرب الرأس بالسيف أو جرح الجسد أو حرقه حزنا على الإمام الحسين (عليه السلام) فانه يحرم إيقاع النفس في أمثال ذلك الضرر حتى لو صار مألوفا أو مغلقا ببعض التقاليد الدينية التي لم يأمر بها الشرع ولم يرغب بها.)) إحكام الشريعة ص 247

 

8 -- أية الله الشيخ محمد مهدي الاصفهي (( لقد دخلت في الشعائر الحسينية بعض الأعمال والطقوس فكان له دور سلبي في عطاء الثورة الحسينية وأصبحت مبعثا للاستخفاف بهذه الشعائر مثل ضرب القامات.)) عن كيهان العربي 3 محرم 1410 هـ

 

9 - أيه الله العظمى السيد محسن الأمين ((.... كما ان ما يفعله جملة من الناس من جرح أنفسهم بالسيوف أو اللطم المؤدي إلى إيذاء البدن إنما هو من تسويلات الشيطان وتزيينه سوء الأعمال.)) كتاب المجالس السنية الطبعة الثالثة ص 7

 

10 - أيه الله محمد جواد مغنية ((.... ما يفعله بعض عوام الشيعة في لبنان والعراق وإيران كلبس الأكفان وضرب الرؤوس والجباه بالسيوف في العاشر من المحرم ان هذه العادات المشينة بدعة في الدين والمذهب وقد أحدثها لأنفسهم أهل الجهالة دون ان يأذن بها إمام أو عالم كبير كما هو الشأن في كل دين ومذهب حيث توجد فيه عادات لا تقرها العقيدة التي ينتسبون إليها ويسكت عنها من يسكت خوف الاهانة والضرر.)) كتاب تجارب محمد جواد مغنية.

 

11 - أية الله الدكتور مرتضى المطهري(( ان التطبير والطبل عادات ومراسيم جاءتنا من ارثودوكس القفقاز وسرت في مجتمعنا كالنار في الهشيم.)) كتاب الجذب والدفع في شخصية الإمام علي (عليه السلام)

 

وهناك أسماء كثيرة ضد ظاهرة التطبير ومنهم أيه الله العظمى الشيخ الاراكي أيه الله السيد محمود الهاشمي أية الله محمد باقر الناصري والعديد من كبار العلماء

 

Link to comment
Share on other sites

  • 3 months later...

<H1 dir=rtl style="BACKGROUND: white; MARGIN: 0in 0in 0pt; DIRECTION: rtl; unicode-bidi: embed; TEXT-ALIGN: right">توجيهات جديدة حول بدعة التطبير – السيد علي الخامنائي</H1>

 

(1) يؤسفني أن أقول أنّ أموراً جرت خلال الأعوام القليلة الماضية وأعتقد أنّ أيادي تقف وراءها، أموراً جرت أثارت الشبهات لدى كلّ من رآها، منذ القدم كان متعارفاً أن يربط الناس أيام العزاء أجسادهم بالأقفال ثمّ تحدَّث العلماء عن ذلك فزالت تلك العادة، واليوم ظهرت هذه العادة مجدّداً، ما هذا العمل الخاطئ الذي يقوم به البعض، والتطبير من جملة هذه الأمور، ويعتبر عملاً غير مشروع .

 

أعلم أن البعض سيقول لم يكن من المناسب أن يتحدّث فلان عن التطبير، وما دخله في الأمر، كان حرياً أن يدعهم يضربون الرؤوس بالقامات (السيوف)، كلاّ لا يصحّ ذلك، إنّه عمل خاطئ، البعض يمسكون بالقامات ويضربون بها رؤوسهم ليغرقوا بدمائهم، علام ذلك ؟ وهل يعتبر ذلك عزاء ؟ اللطم على الرؤوس هو العزاء، وعفوياً يلطم الذي نزلت به مصيبة، رأسه وصدره، هذا هو العزاء، العزاء الطبيعي، ولكن هل سمعتم أن أحداً راح يضرب رأسه بالسيف لفقده عزيزاً من أعزّائه ؟ هل يعتبر ذلك عزاءاً ؟ كلاّ، إنّه وهم، ولا يمتّ ذلك إلى الدين بصلة، وما من شك بأنّ الله لا يرضى بذلك . ربّما السلف من علمائنا لم يكن يستطيع أن يصرِّح بذلك، ولكنّنا اليوم نعيش حاكمية الإسلام وظهوره، فينبغي أن لا نقوم بعمل يجعل من المجتمع الإسلامي المحب لأهل البيت عليهم السلام والذي يفتخر باسم ولي العصر أرواحنا فداه وباسم الحسين بن علي (عليه السلام) وباسم أمير المؤمنين (عليه السلام) لا ينبغي أن نجعله في نظر باقي مسلمي العالم وغير المسلمين يبدو وكأنّه مجتمع خرافي وغير منطقي . كلّما فكّرت في الأمر رأيت إنّني لا يمكنني السكوت عن هذا العمل الذي هو بالتأكيد عمل غير مشروع وبدعة، فليكفّوا عن هذا العمل، فإنّني غير راض عنه، إنّني غير راض من كلّ قلبي عن كل شخص يريد التظاهر بالتطبير.

 

لقد سطع المتحدّثون الشيعة كالشمس في كلّ عصر وزمان، لم يكن أحد يجرؤ على القول بأنّ منطقهم ضعيف؛ ففي زمن أئمتنا برز رجال أمثال مؤمن الطاق وهشام بن الحكم وغيرهما، وبعد زمن الأئمة برز أمثال الشيخ المفيد وغيره، كما برز فيما بعد الكثير من المتحدّثين أمثال العلاّمة الحلّي وغيره، إنّنا أهل منطق واستدلال، انظروا إلى قوة كتب الاستدلال التي تتناول البحوث المتعلقة بالشيعة، ككتب المرحوم شرف الدين في زماننا، وكتاب الغدير للمرحوم العلاّمة الأميني في زماننا، أينما وجّهت وجهك ثمة استدلالات محكمة، هذا هو التشيّع، لماذا يروّجون لأعمال ليس فقط تفتقر للاستدلال بل إنّها أشبه شيء بالخرافة، هذا هو الخطر الذي يتهدّد عالم الدين ومعارفه، وينبغي على حماة الدين والعقيدة الالتفات له .

 

كما ذكرت هناك عدد من الناس سيسمعون هذا الكلام ويقولون في أنفسهم كان يجدر بفلان أن لا يتحدّث في هذا الأمر، لا ! أنا من يجب أن يتحدَّث به، فمسؤوليتي أكبر من مسؤوليات الآخرين، طبعاً يجب على السادة العلماء أن يتحدّثوا بهذا الأمر أيضاً . نأمل أن يوفِّقكم الباري عزّ وجلّ لتبيان ما يرضاه بكلّ قدرة وشجاعة وجد ومثابرة لتكونوا على قدر المسؤولية بإذن الله تعالى .

 

(2) أريد أن أوضح هنا لجميع الحريصين والمهتمين بنشر الإسلام، أن النقطة المضادّة لهذا الانتصار هي ما يعرضه البعض من خرافات باسم الإسلام، والعداء الأكبر الذي يواجهه الإسلام في هذا المجال هو أن يشيع البعض الخرافات باسم الإسلام، وباسم دين اللّه، وباسم محبة أهل البيت، فتؤدي بمن يطلع عليها إلى رفض الإسلام، وفي هذا ضرر كبير على الدين . عرضت قبل سنتين أو ثلاث رأياً في موضوع التطبير، وفي الآونة الأخيرة ذكر لي أحد الأشخاص أمراً غريباً ومثيراً للدهشة وهذا الشخص له معرفة بشؤون الاتحاد السوفيتي السابق وبالأقاليم التي يقطنها الشيعة (جمهورية أذربيجان) ذكر أن الشيوعيين حينما كان زمام الأمور بأيديهم في منطقة أذربيجان أزالوا جميع مظاهر الإسلام هناك؛ فأحالوا المساجد إلى مخازن، والحسينيات والأماكن الدينية الأخرى حولوها إلى استخدامات أخرى، ولم يبقوا أثراً للإسلام والتشيّع، وسمحوا بشيء واحد فقط وهو التطبير! وكانت أوامر الزعماء الشيوعيين إلى المسؤولين تقضي بمنع المسلمين من أداء الصلاة، وصلاة الجماعة، وقراءة القرآن، وإقامة شعائر العزاء، ومنعهم من ممارسة أي نشاط ديني، مع السماح لهم بالتطبير !

 

ويعود سبب ذلك إلى أن التطبير كان وسيلة دعائية بأيديهم يستخدمونها ضد الإسلام وضد التشيّع، ومعنى هذا أن العدو يستثمر أمثال هذه الممارسات أحياناً ضد الدين. والخرافات حيثما كانت تشوّه الصورة الناصعة للدين . على العلماء، والمبلغين، والمفكرين، والحريصين على نشر الإسلام، ومحبي الإسلام وأهل البيت (عليهم السلام) أن يلتفتوا إلى أن الإسلام والقرآن يتميز بقوة المنطق والبرهان، وأنّ مذهب أهل البيت مذهب الاستدلال ورصانة المنطق. ولو حذف منه البرهان المنطقي وحل محله (لا سمح اللّه) شيء آخر بعيد عن البرهان المنطقي ويتسم بصبغة خرافية، فسيكون له فعل مضاد تماماً لفعل البرهان المنطقي. إذن فالأداة الأساسية لسيادة الإسلام وغلبته على الأديان والشعوب والبلدان هو عبارة عن البرهان المنطقي، إضافة إلى العدالة الاجتماعية .

 

(3) إنّ فقهاءنا يبذلون دقّة متناهية بشأن المسألة الفقهية حتى وإن كانت في غاية البساطة، فيدققون في وثاقة راويها، ويناقشونها ويمحصونها وينقحونها كي يثبتوا إمكان التعويل عليها أو رفضها، وإذا تمّ التعويل عليها نستنبط منها حكماً فقهياً جزئياً في باب الطهارة أو غيره من الأبواب الفقهية العبادية، فإذا كنا نبذل كل هذه الدقّة في هذه الأبواب، فكيف يَسوُغ لنا في باب المعارف والعقائد الفكرية والعاطفية أن نثق بكل حديث أو رواية أو كلمة نواجهها؟ إنّ هذا لا يمكن قبوله، فمن الضروري أن نتقن ما نريد نقله أو قوله أو بيانه للناس كمادة علمية وعقائدية، فلابد من العمل على ذلك وليس هذا بالأمر الهيّن، بل هو في غاية التعقيد، ولا يتأتّى من خلال عقد اجتماع أو تشكيل لجنة أو مؤسسة، وإنما هو بحاجة إلى همّة وإرادة جادّة من قِبَل النُخب من العلماء والفضلاء، بأن يصرّوا على ذلك ويتمسكوا به ويتابعوه، ولا يخافوا في ذلك لومة لائم .

 

لقد ذكرنا قبل سنوات أموراً حول التطبير الذي هو من الأمور الواضح بطلانها والبَيّن غَيّها وأيَدَنا فيها كبار العلماء واقتنع بها كثير من الناس، ومع ذلك سمعنا مَنْ أثار ضجّة واتهمنا بمخالفة الإمام الحسين (عليه السلام) (إن الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة)، هل يعني أنْ نأتي بفعل لاشك في أنه مَحَل إشكال من الناحية الشرعية، وَبيّن الحرمة بالعنوان الثانوي ؟ علينا بيان هذهِ الأمور، حتى ينجذب جيل شبابنا إلى الإسلام أكثر فأكثر، فها أنتم تشاهدون ميل الشباب إلى الإسلام.

 

الجمعة مارس 14 2008

 

 

<H1 dir=rtl style="BACKGROUND: white; MARGIN: 0in 0in 0pt; DIRECTION: rtl; unicode-bidi: embed; TEXT-ALIGN: right">التطبير بدعة أم شعيرة - عباس الموسى

 

</H1>

 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين محمد بن عبدالله وعلى آله الطيبين الطاهرين .

تعيش الأمة الإسلامية أحداث ومواقف وأعمال كثيرة في إطار المذهب أو الفرقة أو الطائفة الواحدة أو في

 

إطار الأمة الإسلامية الواحدة أو في إطار العالم الواحد، وبعض هذه الأعمال واضحة الحكم والأهداف ومعلومة الأصل والمنبع وبعضها لا. وعندما نتفحص الصراع الطائفي بين المذاهب نجد أنهم –كل طائفة على حدة -بذلوا جهوداً كبيرة من أجل تثبيت معتقداتهم وتخطئة معتقدات المذاهب الأخرى ، باعتقادها أنها تعتمد على القرآن والسنة الشريفة في معرفة الأحكام الشرعية أكثر من غيرها. وعندما نتفحص المذهب الواحد نجد هذا الخلاف والاختلاف موجوداً كظاهرة طبيعة تارة وتارة أخرى كظاهرة خلافية وقد تكون عدائية .

 

وما يهمنا في هذا البحث أن نتفحص بعض الظواهر والأعمال في مذهبنا الإمامي لنجد ما يوافق مذهبنا بشكل حقيقي وما هو دخيل وموضوع ومبتدع ليس له أصل في الشريعة ، ولا أشك في أنه لا يوجد من يقول أن كل ما عندنا من روايات صحيح، ولا كل ما عندنا من ظواهر وعادات صحيح ، ولا كل ما بين أيدينا من أمور ينبغي الاعتقاد بها ، وإلا فما فائدة الكتابة والتحقيق والتمحيص وإن وجد فهذا ليس له من العلم شيء.

 

ونحن اليوم بين ظواهر جديدة لم نكن نسمع عنها أو نراها من قبل ، هل لأنه لا يوجد إعلام مسبق يرينا هذه الصور أم ماذا ؟ فهذه الكاميرات الحية والصور الفوتوغرافية تنقل لنا ومن خلال شاشات التلفزة ومواقع الانترنت كل هذه المشاهد والأحداث فليس كل بعيد بعيد هذه الأيام بل البعيد قريب مهما وصل من مكان ومهما حاول أن يختفي خلف جدار أو غيره .

 

وهنا أحاول أن أدرس هذه الظواهر –ظاهرة التطبير والمشي على الجمر - من عدة جوانب كالتالي:

 

1-نعلم أن الشعائر أمور توقيفية من الشارع المقدس فهل هذه الظاهرة أمر توقيفي منه أم لا ؟

2-نبحث عن ملاك هذه الظاهرة وأثر ذلك على الطائفة المحقة .

3-ثم نرى هذه الظواهر هل تنطبق عليها تعاريف البدعة بالاصطلاح اللغوي أو الشرعي أم لا ؟

4-وهل لهذه الظاهرة إجماع بين الفقهاء والعلماء أم ماذا ؟

5-نتعرف على الفرق بين الحكم والفتوى في حالة فرض من يفتي بوجوب أو استحباب هذه الظاهرة .

 

فهدفنا من خلال هذه الأمور أن نصل إلى نتيجة من هذه الظواهر هل هي شعيرة ينبغي إحياؤها في كل سنة في ذكرى الإمام الحسين عليه السلام أم بدعة ابتدعها جماعة لأغراض خاصة سياسية أو مذهبية أو غير ذلك. وقد يقول البعض مستنكراً ومن قال أن هذه شعيرة من الشعائر –إن كان هناك من يقول بذلك- حتى يرد عليها بهذه الصورة؟! .

نقول إن ما يعمله البعض هذه الأيام من تصرفات تدخل ما هو خارج عن نطاق الدين في الدين وما هو خارج عن نطاق المذهب في المذهب ، ثم متى كانت هذه الظواهر ؟! ومتى طلعت على العلن ؟!

فالواقع أن هؤلاء يرون أن هذه الأعمال شعيرة سنوية ينبغي إحياؤها ، وهدفنا هنا تمحيص هذه الأعمال والظواهر لنعرف ما هو من مذهبنا مما هو دخيل عليه .

 

وقد يستغرب بعض المؤمنين الغيارى على المذهب -وبشكل حقيقي- طرح مثل هذا الأمور وبهذه السهولة ونقد هذه الفكرة أمام عامة الناس الموافق والمخالف مما يجعل ذلك في نظره عرضة وفرصة لأخذ المخالفين ذلك فرصة للتشنيع وإظاهر ذلك لعامة الناس وأن الشيعة هكذا حالهم من البدع والخرافات ، فمن باب أولى أن لا تطرح مثل هذه المواضيع .

 

ونجيب على ذلك بكل بساطة في نقطتين :

 

الأولى : إذا كنا نعمل هذه ونؤمن بها ونعتقد أنها شعيرة من الشعائر – ليس نحن بل من يعمل هذه الظواهر – فلماذا الخوف من النقد ومن التشنيع فالموافق والمخالف يشاهد هذه الظواهر على السواء .

الثانية: أن الأمور لم تعد مخفية كالسابق فأنتم تشاهدون الآن كما قلت أعلاه على شاشات التلفزة كيف ينقل المراسلون الظواهر الشيعية الجيدة والتي تدخل ضمن الشعائر وغير الجيدة التي فيها توهين للمذهب ، كما يتفنن المخالف على شبكة الانترنت في وضع الصور المزرية واقعاً والتي تحدث في يوم عاشوراء وغيره بغرض توهين المذهب ويستغل البعض محاضرات بعض الخطباء لينقل منها صوتيات مهينة للمذهب، وبالتالي فلا حاجة لقول هذا الكلام فكل تصرفات الشيعة اليوم وأقوالها بيد وبعين جميع العالم ، وعلى هذا فحري بنا أن نمحص كل هذه التصرفات والظواهر والتي لا تعد من الشعائر في شيء ولا نخفي ذلك ونتستر عليها بحجة الخوف من التسقيط في المجتمع أو توهين المذهب فما تسببه هذه الظواهر هو التوهين وحسبك ذلك .

وقد يقول غيور آخر : إن في هذا الطرح تعدٍّ على المرجعيات وهذا ما لا ينبغي أن يكون فنحن من نقدس المرجعيات والعلماء أكثر من أي طائفة أخرى وهذا الطرح يبين خلاف ما ندعيه .

 

ونجيب على ذلك : أن هذا ليس تعدياً على أي مرجع لأنه لا يوجد أي مرجع على الإطلاق يقوم بهذه الظاهرة ولكن قد يقول بعض المراجع بإباحية هذه الظاهرة فيأخذها البعض كوجوب كأنها صلاة من حيث العناية بها في مقابل عدم اهتمامه بالصلاة ذاتها كما نلحظ ذلك مذ كنا صغاراً حيث نلاحظ أن كثيراً ممن يمارسون هذه الظاهرة ليس لهم توجه تديني – إن صح التعبير – كما وإنما نناقش هذه الظواهر والتصرفات التي نراها من وجهة نظرنا ونظر كثير من العلماء والمراجع مهينة للمذهب وليس في مقابل رأي مرجع من المراجع العظام لأنه كما قلت لا يوجد من المراجع من يوجب هذه الظاهرة ليرد عليه .

ونحاول في هذا البحث أن نناقش هذه الظواهر مناقشة علمية بعيدة عن التجريحات والتوهينات ، وأرجو أن يوفقنا العلي القدير لما فيه خيره وخير الإسلام والمسلمين وخير الطائفة المحقة .

 

تمهيد للبحث

إن الشريعة الإسلامية شريعة كاملة غير ناقصة صالحة للحياة بشكل دائم، تلبيّ جميع احتياجاتها ، وتستوعب مختلف أبعادها، بالرؤية الواضحة، والتكليف المشخص، والموقف العملي المحدّد ، من خلال المفاهيم والأحكام المتنوعة التي عالجت جميع جوانب الوجود، ودخلت في كل تفاصيله، كما جاء في حلقات الشهيد الصدر من تعريف الحكم – الخطاب الصادر من الله لتنظيم كافة شؤون الحياة انطلاقاً من كون الشريعة الإسلامية هي الشريعة الخاتمة، وهي الشريعة الشاملة، قال تعالى : ﴿اليَومَ أكملتُ لَكمْ دِينَكُم وَأتْممتُ عَليكُم نِعمتي وَرضيتُ لَكُم الإسلام دِيناً﴾ المائدة / 3 .

ولا بد من معرفة أن الشريعة الإسلامية التي هي هذه التعاليم والقوانين التشريعية منبثقة من عالم الغيب والكمال المطلق، واتصالها بالقدرة الإلهية المهيمنة على هذا الكون ، والمدركة لجميع مصالحه ومفاسده بكل تفصيل . كما أنَّ اليد الإلهية هي التي تقف وراء حفظ هذهِ التعاليم والذب عنها إلى آخر لحظة في الوجود ، يقول الله عزَّ شأنه :﴿ إنّا نحنُ نزَّلْنَا الذِكْرَ وَإِنّا لهُ لَحافظُونَ ﴾ الحجر : 9 .

 

إذن فهناك عنصران رئيسيان يقفان وراء ديمومة وبقاء الشريعة الإسلامية المقدسة في حياة الإنسان، وهما : استيعاب مساحة التطبيق، وغيبية النشوء.

 

فالقوة الغيبية المطلقة هي صاحبة الدور الوحيد في صياغة الرؤية الإسلامية المحددة إلى مختلف الوقائع والأحداث التي تكتنف بها الحياة، وهي التي تحدد للسلوك الإنساني طبيعةَ سيره وحركته ضمن مفردات هذا الكون الواسع. وقد كان القرآن الكريم هو المجسد الأول لهذه الغاية ، والملبي الأمثل لذلك الغرض المرتجى والهدف المرسوم ، نظراً لما اشتمل عليه من أنظمة وقوانين وأحكام تملأ جميع مساحات الواقع، وتستجيب لمختلف متطلباته واحتياجاته، فلا تبقى واقعة في الحياة تخلو من حكم ، ولا يمكن أن تعترضَ الإنسانَ مشكلةٌ في طريق سعادته وكماله إلاّ وتجد لها الحل بين طيّات الكتاب الكريم، قال تعالى : ﴿ وَنَزَّلْنا عَليكَ الكتابَ تِبياناً لكلِ شَيء وَهدىً وَرحمَةً وَبُشرى لِلمُسلِمينَ﴾ النحل / 89 .

وقال تعالى :﴿ما فَرَّطنا فِي الْكِتابِ مِن شيء﴾ الأنعام / 38 .

وجاءت الآيات الكثيرة تأمر المسلمين باتباع القرآن الكريم ، واسترشاده ، والاستلهام منه ، كما قال تعالى : ﴿ وَهذا كِتابٌ أَنزَلناهُ مُباركٌ فَاتَّبعوهُ وَاتَّقُواْ لَعَلّكُمْ تُرْحمُونَ﴾الأنعام / 155 .

 

وقال تعالى : ﴿اتَّبِعُوا مَا اُنزِل إِليْكُم مِن رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبعُوا مِن دُونِهِ أَوْليَاءَ قَلِيلاً مَّا تَذَكّرونَ ﴾ الأعراف / 3 .

هذا هو الخط التشريعي الأول المتصل بالسماء ، وأما الخط الثاني الذي يكمّل شوط هذه المهمة، ويتناول تفاصيلها باستيعاب ، فهو عبارة عن سنة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته الطاهرين (عليهم السلام) ، قولاً وفعلاً وتقريراً ، حيث التجسيد العملي الأمثل لتلك التعاليم القرآنية، والتوضيح المتمم للخصوصيات والتفاصيل الجزئية التي انطوت عليها عموميات الكتاب الكريم ، إذ أنَّ من المفترض أن يتناول الكتاب الكريم أصول التشريع الإسلامي، وخطوطه العامة ، دون الجزئيات والتفاصيل ، فقد قال تعالى: ﴿ وَأَنزلنَا إِليْكَ الِذّكرَ لتُبيّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِليْهِمْ وَلعَلَّهُمْ يَتفَكَّرُونَ ﴾ النحل / 44 .

وقد قرن الله تعالى في كتابه الكريم طاعة الرسول بطاعته، مقرراً أنَّ كلَّ واحد من هذين المصدرين يكمّل الآخر، ويوضح معالمه، كما قال تعالى: ﴿ قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ فإن تَوَلّوْا فَإنَّ اللهَ لاَ يُحبُّ الكافِرينَ ﴾ آل عمران / 32 .

وقال تعالى : ﴿وَأَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ لَعَلكُمْ تُرحَمُونَ ﴾ آل عمران / 132 .

وقال تعالى : ﴿ يا أيها الذينَ آمنُوا أطيعُوا اللهَ ورسولَه ولا تَولّوا عنه وأنتُم تَسمعُونَ ﴾ الأنفال / 20

وقال تعالى : ﴿ومَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللهَ وَيَتَّقهِ فَأُولئِكَ هُمُ الفَائِزُونَ﴾ النور / 52 .

وقال تعالى ﴿وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقدْ فَازَ فَوزاً عَظِيماً ﴾ الأحزاب / 71 .

وقال تعالى : ﴿يَا أيُّها الَّذينَ آمَنُوا أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطيعُواْ الرَّسُولَ وَأُولِى الأمْرِ مِنكُمْ فَإن تَنازَعتُمْ فِي شَيء فَردُّوهُ إِلى اللهِ وَالرَّسُولِ إن كنتُمْ تُؤْمنُونَ بِاللهِ وَاليوْمِ الآخرِ ذَلكَ خيْرٌ وَأَحْسنُ تَأْويلاً﴾ النساء / 59 .

وقال تعالى : ﴿ قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَأَطيعُواْ الرَّسُولَ فإن تَولوْاْ فَإنَّما عَليهِ مَا حُمِّلَ وَعليْكُم مّا حُمِّلْتُمْ وإن تُطيعُوهُ تهْتدُوا وَما عَلى الرَّسُولِ إلاّ البَلاغُ المُبينُ﴾ النور/ 54 .

 

كما تضافرت الآيات على ضرورة احترام شخصية الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وتبجيله ، وتوقيره ، ونصرته ، واتباع سيرته وسلوكه، كما في قوله تعالى:﴿ لقد كانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ اللهِ أُسْوةٌ حَسَنةٌ﴾ الأحزاب / 21 .

وقال تعالى مخاطباً نبيَّه الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم): ﴿ قُل إن كُنتمْ تُحِبّون اللهَ فَاتَّبعُوني يُحبِبكُمُ اللهُ وَيَغفرْ لَكُمْ ذُنوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾آل عمران / 31 .

كما وَرَدَ التحذير في الكتاب الكريم عن مخالفة أوامر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والخروج عن جادة السعادة التي اختطها للبشرية بعنائه ، وجهاده ، وصبره على أداء الرسالة السماوية المقدسة، كما في قوله تعالى: ﴿لاَ تَجْعلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكمْ كَدُعاءِ بَعضِكم بَعْضاً قَدْ يَعلمُ اللهُ الَّذِينَ يَتَسللُونَ مِنكمْ لِوَاذاً فَلْيحذَرِ الَّذينَ يُخَالِفونَ عَن أمرِهِ أن تُصيبَهُمْ فِتنَةٌ أو يُصيبَهمْ عَذابٌ أليمٌ ﴾ النور / 63 .

 

وجاءت الأحاديث عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) لتؤكد على نفس هذا المعنى، وتحث المسلمين على اتباع سنته وتحذِّر من مخالفته ، فقد ورد عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال : « مَن تمسكَ بسنتي في اختلاف أمتي كان له أجر مائة شهيد » [1]

وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال : « كلّ أمتي يدخلون الجنةَ إلاّ مَن أبى ! ، قالوا : يا رسولَ الله ! ومَن يأبى ؟ قال : مَن أطاعني دخل الجنة ، ومَن عصاني فقد أبى »[2] .

وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال : « ما أمرتكم به فخذوه وما نهيتكم عنه فانتهوا » [3] .

وقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : « لا قول إلاّ بعمل، ولا قول ولا عمل إلاّ بنية ، ولا قول ولا عمل ولا نية إلاّ بإصابة السنة »[4] .

وعن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) أنـَّه قال : « إنَّ الفقيه حق الفقيه : الزاهد في الدنيا ، الراغب في الآخرة، المتمسك بسنة النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) » [5]

وجاءَ في ( نهج البلاغة ) عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال : « اقتدوا بهدي نبيكم فانَّه أفضل الهدي ، واستنّوا بسنته فإنها أهدى السنن » [6]

وفي الحقيقة إن قضية اتباع سنة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) تُعد من القضايا البديهية التي يقوم عليها عود الإسلام، وترتكز على أساسها مجمل تعاليمه وأحكامه، حتى أصبح أصل اتباع سنة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) مورداً لإجماع المسلمين على الإطلاق، وإن كان هناك اختلاف بينهم في طريقة الأخذ بالسنة وشروط ذلك .

 

ومن المقطوع به أن إنكار هذا المعنى الشرعي بخصوص السنة النبوية يساوق إنكار الإسلام من الأساس، وعدم الإيمان بأهم أولياته ومرتكزاته، لأنَّ هذا المصدر يعتبر عصب الحياة بالنسبة إلى الشريعة الإسلامية، ويشكّل القاعدة الثانية للتشريع بعد القرآن الكريم، ولولا السنة النبوية لما أمكننا أن نفهم أحكام الشريعة ، ونعيَ مقاصدها الحقيقية بشكل مطلق .

وقد ورد في الأحاديث إن المخالف لسنة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)، والمتحدّي لها يُعد خارجاً عن دائرة الإيمان بالله، فضلاً عن المنكر لها من الأساس، فقد ورد عن أبي عبدالله الصادق (عليه السلام) في أمر التشديد على مخالفة السنة النبوية أنه قال: « مَن خالف كتابَ الله وسنةَ محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) فقد كفر »[7] .

وورد عنه (عليه السلام) أيضاً أنه قال: « لو أنَّ قوماً عبدوا اللهَ وحده لا شريك له، وأقاموا الصلاة، وآتوا الزكاة ، وحجّوا البيت ، وصاموا شهر رمضان، ثم قالوا لشيء صنعه الله تعالى : ألا صنع خلاف الذي صنع، أو وجدوا ذلكَ في قلوبهم ، لكانوا بذلك مشركين، ثم تلا قوله تعالى: ﴿ فَلا وربِّكَ لا يؤمنونَ حتى يُحكِموكَ فِيمَا شَجرَ بَيْنهمْ ثُم لاَ يَجِدواْ فِي أنفُسِهمْ حَرَجاً مِما قَضيْتَ وَيُسلِّمواْ تَسلِيماً﴾النساء / 65، ثم قال أبو عبدالله (عليه السلام) وعليكم بالتسليم » [8]

 

وهكذا الأمر بالنسبة إلى سنة أهل البيت (عليهم السلام) الذين أذهبَ الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، فهي الامتداد الشرعي لسنة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)، والسبيل المتمم للشوط الذي بدأ به (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقد دلَّ عليها الكتاب الكريم، ودلَّت عليها السنة النبوية الشريفة. كما في حديث الثقلين وحديث الدار والمنزلة وغير ذلك من الأحاديث الدالة على ذلك والتي لا مجال لها هنا .

 

النقطة الأولى :

 

الشعائر توقيفية

 

قال تعالى :﴿ ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾ (32) سورة الحـج

«الشعائر» جمع «شعيرة» بمعنى العلامة والدليل، وعلى هذا فالشعائر تعني علامات الله وأدلّته، وهي تضمّ عناوين لأحكامه وتعاليمه العامّة، وأوّل ما يلفت النظر في هذه المراسم التي ذكرت فيها الآية مناسك الحجّ التي تذكّرنا بالله سبحانه وتعالى.

جاءت هذه الآية في سياق الحديث عن الحج وأعماله في سورة الحج ومن البديهي كون مناسك الحجّ من الشعائر التي قصدتها هذه الآية. خاصّة مسألة الأُضحية التي اعتبرتها الآية (36) من نفس السورة ـ وبصراحة ـ من شعائر الله، إلاّ أنّ من الواضح مع كلّ هذا احتفاظ الآية بمفهوم شمولي لجميع الشعائر الإسلامية، ولا دليل على اختصاصها ـ فقط ـ بالأضاحي، أو جميع مناسك الحجّ. خاصّةً أنّ القرآن يستعمل «من» التي يستفاد منها التفريق في مسألة أضحية الحجّ، وهذا دليل على أنّ الأضحية من شعائر الله كالصفا والمروة التي تؤكّد الآية (158) من سورة البقرة على أنّهما من شعائر الله (إنّ الصفا والمروة من شعائر الله).

ويمكن القول: إنّ شعائر الله تشمل جميع الأعمال الدينيّة التي تذكّر الإنسان بالله سبحانه وتعالى وعظمته، وإنّ إقامة هذه الأعمال دليل على تقوى القلوب.

 

كما تجب ملاحظة أنّ المراد من عبارة (يعظّم) ليس كما قاله بعض المفسّرين من عظمة جثّة الأضحية وأمثالها، بل حقيقة التعظيم تعني تسامي مكانة هذه الشعائر في عقول الناس وبواطنهم، وأن يؤدّوا ما تستحقّه هذه الشعائر من تعظيم واحترام.[9]

كما أنّ العلاقة بين هذا العمل وتقوى القلب واضحة أيضاً، فالتعظيم رغم أنّه من عناوين القصد والنيّة، يحدث كثيراً أن يقوم المنافقون بالتظاهر في تعظيم شعائر الله. إلاّ أنّ ذلك لا قيمة له، لأنّه لا ينبع من تقوى القلوب. إنّما تجده حقيقة لدى أتقياء القلوب. ونعلم أنّ مركز التقوى وجوهر اجتناب المعاصي والشعور بالمسؤولية إزاء التعاليم الإلهيّة في قلب الإنسان وروحه، ومنه ينفذ إلى الجسد. لهذا نقول: إنّ تعظيم الشعائر الإلهيّة من علامات التقوى القلبيّة[10] . وقد جاء في حديث عن الرّسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال وهو يشير إلى صدره المبارك: (التقوى هاهنا)[11] .

 

توضيح :

 

إنَّ ثوابت الشريعة الإسلامية التي بُنيت على أساس كون التشريع أمراً توقيفياً ومستمداً من خصوص المصادر الأساسية [القرآن والسنة] ، لا تسمح مطلقاً بورود أيّ لون من ألوان التشريع من خارج هذا الإطار، لأنَّ مثل هذا التشريع الدخيل يُعد خرقاً للحصانة المنيعة التي تقف وراء سرِّ ديمومة التشريع ، وبقائه واستمراره إلى حيث الشوط الأخير في هذهِ الحياة ، مما يؤدّي في النتيجة إلى إحداث فجوات خطيرة ، وشروخ عميقة ، في هذا الغطاء الذي يؤطّر الأحكام الشرعية المقدسة ، ويحيط بها ، ويصونها عن نفوذ الرؤية القاصرة التي تسبب حدوث المسخ والتشويه والتحريف .

وقد ضمن المولى سبحانه وتعالى توفير هذه الحصانة لكتابه العزيز ، وصيانته من التحريف والتبديل والتغيير ، ومخالطة الباطل له ، حيث يقول : ﴿إنّا نَحنُ نَزَّلنا الذِكرَ وَانَّا لَهُ لَحافظُونَ ﴾الحجر/9.

ويقول تعالى :﴿ وَانَّه لكِتابٌ عَزيزٌ * لاَّ يَأتيهِ البَاطلُ مِن بَينِ يَديهِ وَلا مِن خَلفهِ تَنزِيلٌ مِن حَكيم حَميد﴾

كما أمرَ المولى سبحانه وتعالى نبيَّه الكريم أيضاً أن يشدد على هذا المعنى ، ويؤكّد عليه بشأن السنة النبوية ، ويعالج هذا الأمر بما يتناسب مع حجمه وخطورته من تنبيه وتأكيد وتذكير ، فورد عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته الطاهرين (عليهم السلام) سيل متدفق من الأحاديث ، وحشد كبير من التوصيات التي اتجهت مضامينها نحو توفير هذا الضمان ، وتهيئة الأجواء الملائمة له .

 

النتيجة:

يتصور البعض – وللأسف الشديد – أن هذه الأمور من الشعائر وهي ليست كذلك لأن كون أمر من الأمور شعيرة من شعائر الله هو أمر توقيفي بمعنى أنه لا بد أن يصدر بيان من الشريعة أنه شعيرة ، فما لم يرد من النبي أو الإمام ذلك لا يكون ثمة دليل على كونه من الشعائر . فليست هذه الظاهرة في الكتاب الكريم ولا في السنة النبوية فلم ترد في لسان المعصومين كما هو الحال في إقامة المآتم الحسينية – مثلاً – حيث وردت في روايات النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم[12] ذلك، أما هذه الظواهر فلم يرد فيها ما يدلل على ذلك لا من الكتاب ولا من السنة . وخلاصة الأمر أن هذه الظاهرة ليست شعيرة من الشعائر .

 

 

 

 

 

النقطة الثانية :

 

ملاك هذه الظواهر - ماذا نقصد بالملاك في الحكم الشرعي التكليفي ؟

تمهيد:

ننقل لكم كلام الشهيد آية الله العظمى السيد الصدر حيث يقول في حلقات الأصول ( ونحن إذا حللنا عملية الحكم التكليفي كالوجوب - كما يمارسها أي مولى في حياتنا الاعتيادية - نجد أنها تنقسم إلى مرحلتين: إحداهما: مرحلة الثبوت للحكم[13] ، والأخرى مرحلة الإثبات والإبراز[14] ، فالمولى في مرحلة الثبوت يحدد ما يشتمل عليه الفعل من مصلحة - وهي ما يسمى بالملاك - حتى إذا أدرك وجود مصلحة بدرجة معينة فيه تولدت إرادة لذلك الفعل بدرجة تتناسب مع المصلحة المدركة، وبعد ذلك يصوغ المولى إرادته صياغة جعلية[15] من نوع الاعتبار، فيعتبر الفعل على ذمة المكلف )[16] .

ففي مرحلة الثبوت لابد من توفر ثلاثة عناصر ، وهي كما ذكرها الشهيد الصدر رضوان الله تعالى عليه :

1-الملاك .

2-الإرادة .

3-الاعتبار .

 

والملاك يعني- في ضمن برلمان مثلاً - أن أخذ شيء معين وليكن ضريبة على دخول أمر ما في الدولة مثلاً هل فيه مصلحة أو ليس فيه مصلحة ، فلو فرضنا أنه اتضح بعد المناقشات أنّ هذا الفعل فيه مصلحة ، حينئذ تنشأ رغبة وإرادة عند المشرعين ، وهذه الإرادة تؤدي إلى موقف يتطلب إصدار مثل هذا التشريع ، وبالتالي يصار إلى التصويت على التشريع ، بعد ذلك تنبري مجموعة من الأعضاء لصياغة هذا التشريع ، واعتباره على المخاطبين به ، ثم بعد أن تتم هذه العناصر ، يتم تبليغ الإعلام بنشره .

أما لو كان هناك تشريع خاص بمنع السفر فحينئذ يجب النظر في المفسدة التي تنشأ من هذا السفر ، ثم بعد ذلك تنشأ الإرادة ، وهي حالة المبغوضية ثم بعد ذلك يصاغ التشريع .

التشريع بالنسبة إلى المولى يمر أيضاً بمرحلتين مع فارق كبير بينه تعالى وبين الموالي العرفيين ، فوجوب الصلاة مثلاً لابد من أن يكون له ملاك ، لابد أن تكون هناك مصلحة شديدة للصلاة ، ثم تنبثق منها إرادة ومحبوبية ، ثم يصاغ التشريع ثم يخاطب المكلف بهذا التكليف في مرحلة الإثبات .

 

وفي مورد حرمة شرب الخمر لابد من أن تكون هناك مفسدة شديدة تنشأ منها المبغوضية والإرادة والمحبوبية ثم تعتبر الحرمة للعقل . فعند هذا الكلام يتضح مفهوم الملاك.

 

وعليه فإن الحكم التكليفي ينقسم إلى خمسة أقسام (الوجوب والحرمة والاستحباب والكراهة والإباحة ) بتعريف الأصوليين فما هو ملاك كل حكم ؟

الوجوب : ملاكه مصلحة شديدة والإرادة هي عبارة عن محبوبية شديدة بدرجة الإلزام بالنسبة إلى الوجوب ، فالمصلحة هي الملاك والمحبوبية هي الإرادة .

الاستحباب : هو كالوجوب فيه مصلحة ولكنها ليست شديدة وفيه إرادة ومحبوبية ولكنها ليست بدرجة الإلزام والوجوب بل يجوز فيها الترخيص .

الحرمة : مفسدة شديدة هي الملاك ومبغوضية شديدة هي الإرادة أي بدرجة الإلزام بالترك .

الكراهة : هي كالحرمة لكنها بلا إلزام بالترك ، الشيء المكروه فيه مفسدة هي الملاك ، ومبغوضية هي الإرادة لكنها يجوز معها الترك فكل مكروه جائز .

 

ملاك الإباحة :

 

الإباحة بالنسبة إلى الملاك تنقسم إلى قسمين :

1-تارة يكون الفعل المباح ناشئاً من خلوه من أي مصلحة أو مفسدة تقتضي الإلزام بالفعل أو لا تقتضي ذلك ،كشرب الماء ، فالإباحة هنا ناشئة من كون الفعل خالياً من أي ملاك ، وهذه الإباحة يعبر عنها بالإباحة اللااقتضائية أو اللاملاكية ، أي إباحة لا ملاك فيها ، فملاكها اللاملاك.

2-وتارة أخرى تنشأ الإباحة من وجود ملاك أو مصلحة في الفعل المباح ، ولكنها تكمن في كون المكلف ينبغي أن يبقى حراً ومطلق العنان ومرخصاً. إذاً الإباحة هنا ملاكية ،يُعطى المكلف فيها حرية الفعل والترك ،ويترك له الخيار، ويعبر عنها بالإباحة الاقتضائية ، حيث يوجد فيها ملاك ومقتضي لترخيص المكلف وإطلاق عنانه ، وهذا المقتضي هو نفس إعطاء حرية للمكلف

فهل هذه الظواهر واجبة أم مستحبة أم مكروه أم محرمة أم مباحة حسب ملاكها ؟

من الواضح أن هذه الظاهرة -التطبير- ليست واجبة ولا مستحبة ولا محرمة ولا مكروة لأنه لم يرد من الشارع أمر أو نهي وغاية ما يمكن أن يقال أنها مباحة .

توضيح :

وقد يقول قائل إن هذا العمل – التطبير- مستحب .

فنقول له : ننظر إلى جواب السيد الخوئي (قده) حول إدماء الرأس وما شاكله حيث يقول ( لم يرد نص بشعاريته فلا طريق إلى الحكم باستحبابه )[17] .

فهل هذه الظواهر ورد نص بشعاريتها أم لا ؟ الجواب : لا .كما قلنا أعلاه .

 

ثم نقول هل هذه الأعمال تؤدي إلى الإضرار بالنفس ؟

 

يقول الفقهاء بحرمة الإضرار بالنفس مطلقاً سواء أدى إلى التهلكة أو لم يؤد إليها ، ولذلك تكون بعض الظواهر – كالتطبير مثلاً – حرام بالعنوان الأولي باعتباره مصداقاً للإضرار بالنفس .

 

والظاهر أن هذه الأعمال تؤدي إلى التهلكة أي الضرر بالنفس بأي نوع من الأضرار .

ثم نسأل هل هي مباحة ؟

لنفترض أن أحدهم يقول أن هذا الفعل مباح وليس فيه إضرار بالنفس لأنه لا يؤدي إلى التهلكة.

نقول : أن عدم القول بحرمة الإضرار بالنفس إذا لم يؤد إلى التهلكة لا يعني جواز مثل هذه الظواهر شرعاً ، فإن بعض هذه العناوين الثانوية قد تطرأ على الفعل المباح تجعل منه أمراً محرماً نتيجة لحرمة تلك العناوين الثانوية ، ولذلك نجد السيد الخوئي يقول رداً على سؤال حول بعض مظاهر عاشوراء ( لا يجوز فيما إذا أوجب ضرراً معتداً به أو استلزم الهتك والتوهين والله العالم ).

 

ما المقصود بالهتك والتوهين عند السيد الخوئي ؟

ثم يوضح – في جواب آخر – أن المراد من الهتك والتوهين ( ما يستلزم الذل والهوان للمذهب في نظر العرف السائد ).[18] وهذا ما يحدث في عالمنا اليوم من التوهين في مذهب أهل البيت عليهم نتيجة هذه الظواهر غير الصحيحة . وما نشاهده ونسمعه أن هذه الظاهرة –التطبير- فيها توهين للمذهب من قبل العامة وخصوصاً بعد ظهورها لعامة الناس من خلال الانترنت وغيره من وسائل الإعلام .

النتيجة :

كون هذه الظواهر لم ترد في الشريعة الإسلامية في مصادرها الأساسية ( القرآن والسنة ) فهي لا تعد شعيرة من ناحية ومن ناحية أخرى هذه الأعمال فيها من المفسدة للمذهب لما تؤديه من الهتك والتوهين مما لا يختلف فيه أحد، وبالتالي فهذه الظواهر هي للحرمة أقرب إن لم نقل بحرمتها لمفسدتها الواضحة .

 

النقطة الثالثة :

 

هل هذه الظاهرة -التطبير- بدعة أم لا ؟

تمهيد :

لا بد أولاً من دراسة ومعرفة معنى البدعة في الاصطلاح اللغوي والشرعي ومن ثم مطابقة ذلك على هذه الظواهر لمعرفة ما هو بدعة وما هو تشريع وشعيرة .

 

 

 

البدعة في اللغة والاصطلاح الشرعي .

البدعة لغةً :

للبدعة في اللغة أصلان ، أحدهما : ( البَدع ) ، وهو مأخوذ من ( بَدَعَ ) ، وثانيهما : (الإبداع ) ، وهو ما مأخوذ من ( أبدعَ). وكلا هذين الأصلين يعطي معنىً واحداً ، وهو عبارة عن إنشاء الشيء لا على مثال سابق ، واختراعه وابتكاره بعد أن لم يكن .

يقول الفراهيدي عن (البَدع):«هو إحداث شيء لم يكن له من قبل خلق ولا ذكر ولا معرفة »[19]

ويقول الراغب عن ( الإبداع ) : « هو إنشاء صفة بلا احتذاء واقتداء »[20] .

وينص الأزهري على أنَّ ( الإبداع ) أكثر استعمالاً من ( البَدع ) ، وهذا لا يعني أنَّ استعمال (البَدع) خطأ ، وإنما هو صحيح ولكنه قليل ، فيقول في ذلك : و « ( أبدعَ ) أكثر في الكلام من ( بَدَعَ ) ، ولو استعمل ( بَدَع ) لم يكن خطأ » [21] !

وعلى هذا الأساس تقول من ( البَدع ) : « بدعتُ الشيء إذا أنشأته » [22] .

وتقول من ( الإبداع ) : ابتدعَ الشيء : أي « أنشأه وبدأه » [23] ، وتقول أيضاً : «أبدعتُ الشيء أي اخترعته لا على مثال » [24] .

و ( أبدَعَ ) الله تعالى الخلق ( إبداعاً ) : أي خلقهم لا على مثال سابق ، و ( أبدعتُ ) الشيءَ و ( ابتدعته ) : استخرجته وأحدثته ، ومنه قيل للحالة المخالفة ( بدعة ) ، وهي اسم من ( الابتداع ) ، كالرفعة من الارتفاع [25] ، ومعنى ( البدعة ) : الشيء الذي يكون أولاً [26] ، وجمع ( البدعة ) (البدع) [27] ، وإنّما سميت ( بدعة ) لانَّ قائلها ابتدعها هو نفسه[28] .

وفي أسماء الله تعالى ( البديع ) : وهو الخالق المخترع لا على مثال سابق[29] .

يقول الله تعالى : ( بَدِيعُ السَّمواتِ وَالاَرضِ ) البقرة / 117: أي مبتدعها ومبتدئها لا على مثال سبق [30] ، وبديع الحكمة غريبها ، ومنه الحديث : « روّحوا أنفسكم ببديع الحكمة، فإنها تكلّ كما تكل الأبدان » [31] .

ويقول الله تعالى : ﴿ وَرَهبَانيَّةً ابَتَدعُوها ﴾ الحديد : 27 . : أي أحدثوها من عند أنفسهم[32] .

فيتحصل لدينا من خلال كل ما تقدَّم أنَّ المعنى اللغوي لـ ( البدعة ) : هو الشيء الذي يُبتكر ويُخترع من دون مثال سابق ، ويُبتدأ به بعد أن لم يكن موجوداً من قبل .

البدعة في الاصطلاح الشرعي :

قال السيد المرتضى : البدعة الزيادة في الدين أو نقصان منه من إسناد إلى الدين . [33]

قال العلامة في المختلف : كل موضع لم يشرع فيه الأذان فإنه يكون بدعة .[34]

قال الشهيد السعيد محمد بن مكي العاملي ( ت -786 هـ ) : محدثات الأمور بعد عهد النبي صلى الله عليه وآله تنقسم أقساماً لا يطلق اسم البدعة عندنا إلا على ما هو محرّم منها .[35]

ومع ذلك كله فقد خالف الشهيد كلامه في كتاب الذكرى ، وقال :

إن لفظ البدعة غير صريح في التحريم فإن المراد بالبدعة ما لم يكن في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم تجدد بعده وهو ينقسم إلى : محرم ومكروه .

وقال الطريحي ( ت-1086 هـ ) البدعة : الحدث في الدين وما ليس له أصل في كتاب ولا سنة وإنما سميت بدعة لأن قائلها ابتدع هو نفسه ، والبِدَع – بالكسر والفتح – جمع بدعة ومنه الحديث ( من توضأ ثلاثاً فقد أبدع ) أي فعل خلاف السنة لأن ما لم يكن في زمنه صلى الله عليه وآله وسلم فهو بدعة .[36]

وقال المجلسي ( ت 1110 هـ) البدعة في الشرع : ما حدث بعد الرسول صلى الله عليه وآله ولم يرد فيه نص على الخصوص ولا يكون داخلاً في بعض العمومات ، أو ورد نهي عنه خصوصاً أو عموماً ، فلا تشمل البدعة ما دخل في العمومات مثل بناء المدارس وأمثالها الداخلة في عمومات إيواء المؤمنين وإسكانهم وإعانتهم ، وكإنشاء بعض الكتب العلمية ، والتصانيف التي لها مدخل في العلوم الشرعية ، وكالألبسة التي لم تكن على عهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والأطعمة المحدثة فإنها داخلة في عمومات الحلية ، ولم يرد فيها نهي .

وما يفعل منها على وجه العموم إذا قصد كونها مطلوبة على الخصوص كان بدعة كما أن الصلاة خير موضوع ويستحب فعلها في كل وقت . ولو عيّن ركعات مخصوصة على وجه مخصوص في وقت معين صارت بدعة ، وكما إذا عيّن أحد سبعين تهليلة في وقت مخصوص على أنها مطلوبة للشارع في خصوص هذا الوقت بلا نص ورد فيها كانت بدعة ، وبالجملة إحداث أمر في الشريعة لم يرد فيها نص بدعة سواء كانت أصلها مبتدعة أو خصوصيتها مبتدعة ، ثم ذكر كلام الشهيد عن قواعده .[37]

وقال المحدث البحراني ( ت – 1186 هـ) : الظاهر المتبادر من البدعة لا سيما بالنسبة إلى العبادات إنما هو المحرّم ، ولما رواه الشيخ الطوسي عن زرارة ومحمد بن مسلم والفضيل عن الصادقين عليهما السلام ( إن كل بدعة ضلالة وكل ضلالة سبيلها النار ) [38]

وقال المحقق الاشتياني ( ت – 1322 هـ) البدعة : إدخال ما علم أنه ليس من الدين ولكن يفعله بأنه أمر به الشارع .[39]

توضيح :

وبعد هذا العرض السريع والموجز لتعريف البدعة لغة واصطلاحاً نتساءل :

هل هذه الظاهرة سنة متبعة عند النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) وأهل بيته عليهم السلام أم لا؟

هل هذه الظاهرة من الدين في شيء ؟

إذا لاحظنا التعاريف السابقة وجدنا أن هذه الظاهرة ينطبق عليها ما يلي :

1- إنشاء الشيء لا على مثال سابق ، واختراعه وابتكاره بعد أن لم يكن .

2-إنشاء صفة بلا احتذاء واقتداء.

3-ابتدعها صاحبها بنفسه ومشى عليها من يتبعه ويشايعه فيها .

4-ليست من السنة في شيء فلم يقم بهذه الظواهر أحد من المعصومين في ذكرى جدهم الإمام الحسين عليه السلام .

5-ليست من الدين في شيء .

النتيجة :

فالنتيجة إذن : أن هذه الظاهرة بدعة ابتدعها من يعملها لأول مرة ، وليست من الدين في شيء وليست من المذهب الحق البعيد عن البدع والمبتدعات والذي لا يبتني على شيء إلا ما هو صحيح بالأدلة والبراهين ومستند إلى الأدلة الشرعية الصحيحة .

 

النقطة الرابعة :

 

الإجماع لهذه الظاهرة

 

الإجماع مصطلح أصولي فهل هذه الظواهر فيها إجماع بين الفقهاء والأصوليين لنعتمد عليها أم لا؟

لنتعرف على المقصود من الإجماع أولاً ثم نناقش هذه الظواهر :

قسم الإجماع في كلمات الأصوليين إلى أقسام :

منها المحصل والمنقول ، ومنها البسيط والمركب .

ومقصودهم من التقسيم الأول :

1-الإجماع المحصل : هو الذي يحصّل الفقيه العلم به عن طريق الحس والتتبع لا عن طريق النقل والسماع .

2-الإجماع المنقول : وهو نقل الإجماع المحصّل مروياً إلى الآخرين بلسان فقيه أو أكثر ، فإذا نقله إلى الآخرين الذين لم يحصلوه كان الإجماع منقولاً بالنسبة إليهم بخبر الواحد )[40] .

ويقسم الإجماع إلى بسيط ومركب :

أ-الإجماع البسيط: ( هو الاتفاق على رأي معين في المسألة )

ب-الإجماع المركب :( هو انقسام الفقهاء إلى رأيين من مجموع ثلاثة وجوه أو أكثر ، فيعتبر نفي الوجه الثالث ثابتاً بالإجماع المركب ) .[41]

وما يهمنا هنا الحديث عن الإجماع المحصل البسيط وهو الاتفاق على رأي معين في المسألة .

 

 

 

وعلى هذا نقول :

هل هناك إجماع على هذه الظاهرة – التطبير– من قبل الفقهاء المعاصرين فضلاً عن المتقدمين ؟

فهذه مسألة أو مسائل أو قل ظاهرة وظواهر ليس فيها عدم إجماع فقط بل لا يرى كثير من الفقهاء المتأخرين ( المعاصرين ) هذه الظاهرة أصلاً حتى يكون إجماع هذا أولاً.

ثانياً : الفقهاء المتقدمون منذ الغيبة الكبرى وإلى الآن لم نر في كتبهم ولم نسمع أحداً ينقل إجماعهم على هذه الظاهرة أو حتى يستشهد في كتاباته بمثل هذه الظواهر من كتب المتقدمين . فمن أين جاءت هذه الظواهر ؟! وعلى أي مستند شرعي قامت ؟!

والنتيجة : إن هذه الظواهر لا إجماع فيها أصلاً حتى يتعبد بها أو يقول البعض بأنها شعيرة ينبغي على الشيعة القيام بها في كل سنة مواساة للإمام الحسين عليه السلام وعقيلته الطاهرة زينب عليها السلام .

 

النقطة الخامسة :

 

فتوى المجتهد أم حكم الحاكم

على فرض أن هناك من يفتي بوجوب التطبير – ولا أحد يقول بذلك – هل علينا اتباع فتوى المجتهد أم حكم الحاكم ؟

تمهيد :

القضايا التي تتعلق عليها أحكام الفقهاء إما قضايا خارجية أو حقيقة :

1-القضايا الخارجية : وهي ما كان موضوعها الأفراد الموجودة بالفعل أو أنها ستوجد في المستقبل مثل : (أكرم أحفاد محمد ) الموجودون والذين سيوجدون بعد عشرين سنة مثلا .

2-القضايا الحقيقة : هي ما كان موضوعها مفروض الوجود وإن لم يكن موجوداً فعلاً مثل : (كل تراب يجوز التيمم به ) .

وبشكل عام هناك ثلاثة أنواع للحكم الفقهي الذي يتصدى الفقيه لإعطائه لنا :

1-الحكم 2-الفتوى 3-الاحتياط

وما يهمنا هنا في هذه المسألة (التطبير) هل للفقهاء حكم أو فتوى أو احتياط ؟

وقبل ذلك لا بد من تعريف هذه المصطلحات ومعرفة الفرق بينهم ؟

1-الحكم : هو رأي الفقيه الصادر في القضية الخارجية كأن يقول :

[ أحرم عليكم التطبير – مثلاً – لأنه يشوه صورة الشيعة ] على فرض إباحيته .

أو يقول [ أوجب عليكم محاربة إسرائيل لأنها تهدد الإسلام ]

ومن أمثلة ذلك بين مراجعنا العظام :

1-تحريم السيد الشيرازي الكبير ( السيد محمد حسن الشيرازي) للتدخين في إيران في قضية (التنباك) المعروفة في عام 1980م .

2-وجوب المشاركة في ثورة العشرين على الانجليز عندما بسطت نفوذها على العراق عام 1920م . وكان ذلك بقيادة المرجع الشيخ محمد تقي الشيرازي .

3-حكم الإمام الخميني بقتل سلمان رشدي مؤلف كتاب ( الآيات شيطانية ) بعد أن سخر بالقرآن والإسلام .

2-الفتوى : هي رأي الفقيه الصادر على نحو القضية الحقيقة كأن يقول مثلاً :( الربا حرام ) أو يقول : ( كل من سب الله مرتد فيجب قتله ) .

 

ما الفرق بين الحكم والفتوى ؟

الفتوى هي انشاء بيان الحكم الكلي الشرعي، كأن يقول: الخمر حرام شرعا، والحكم هو انشاء الحكم الشرعي الجزئي، كأن يقول: هذه الدار ملك لهذا المدعي لها، الفتوى الحكم. الفتوى يُلزم بها المقلد لهذا الفقيه فقط دون غيره من مقلدي المراجع الآخرين، بينما يُلزم بالحكم جميع المقلدين على مختلف مراجعهم بالإضافة إلى مراجعهم. النتيجة :

أن الحكم لا ينبغي لأحد من المسلمين مخالفته فضلاً عن الشيعة . وعليه :

إذا وجد من فقهاء الشيعة من يحرم التطبير أليس من المفترض والطبيعي أن يمتثل الشيعة لحكم هذا الفقيه حتى لو كان ذلك يخالف رأي مرجعه – لو صحت المخالفة – وهذا ما يقرره المراجع في رسائلهم العملية وإليك جملة من الفقهاء الذين يفتون بوجوب الامتثال لحكم الحاكم :

1-السيد الخوئي (قدس سره ) والسيد السيستاني ( دام ظله ) في منهاج الصالحين والسيد محمد صادق الروحاني والشيخ الوحيد الخراساني في تعليقه على منهاج الصالحين للسيد الخوئي المسألة (26) :

[ حكم الحاكم الجامع للشرائط لا يجوز نقضه حتى لمجتهد آخر ....]

2-السيد محمد كاظم اليزدي في العروة الوثقى المسألة (57) : ونقل نفس العبارة .

3-الشهيد السعيد محمد باقر الصدر في الفتاوى الواضحة حيث يقول [ يجب طاعة الفقيه وإنفاذ حكمه ] .

4-السيد محمد الحسيني الروحاني في منهاج الصالحين المسألة (20)

5-السيد محمد سعيد الحكيم في منهاج الصالحين المسألة (13)

6-الشيخ محمد إسحاق الفياض في منهاج الصالحين المسألة (27)

7-السيد محمد رضا الكلبيكاني في هداية العباد المسألة ( 1376)

8- الشيخ لطف الله الصافي في هداية العباد المسألة ( 1375)

9-السيد علي الخامنئي في أجوبة الاستفتاءات السؤال (65)

10-الإمام الخميني في تحرير الوسيلة م 5 من مسائل طرق إثبات الهلال .

 

 

 

وفي الأيام القليلة الماضية وجهت بعض الأسئلة لآية الله العظمي الشيخ بهجت وإليكم السؤال والجواب :

"سماحة المرجع الجليل آية الله بهجت (دام ظلّه العالي)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وزّعت في الآونة الأخيرة مجموعة من الأقراص المدمجة تحمل عنوان (حقيقة المظلوم) بشأن فتوى المرحوم آية الله الاصفهاني القاضية بلزوم التطبير، ونُسب فيه إليكم ذهابكم الى قدسية الدماء السائلة ممن يقوم بعملية التطبير ، ووصيتكم باستخدام هذا الدم في الكفن والقبر لسماحتكم . وعلى هذا الأساس ، نرجو من سماحتكم إعلان رأيكم حول صحة أو سقم هذا الموضوع تنويراً لأذهان مقلديكم وللرأي العام كافة . مع الشكر الجزيل لكم . عدد من مقلدي سماحتكم في طهران ، مسجد الامام موسى بن جعفر

الردّ :

باسمه تعالى

إن كلّ ما نقلته هو مناهضة المرحوم الأستاذ أبو الحسن الاصفهاني (رحمة الله عليه) لظاهرة التطبير ، ثم بقي على رأيه ولم يأذن به إلى آخر حياته . أما أنا فلا أمتلك مثل هذه الملابس الملطخة بالدماء ، ولم أوص بكذا وصية". أنتهى

 

فإذا كان علينا الاحترام لأراء بعضنا البعض وعدم تسفيهها لمجرد أنها رأي مخالف لرأينا فإنه ينبغي علينا الامتثال للأحكام التي يصدرها أي فقيه- من مراجعنا العظام بلا استثناء – فيها مصلحة الإسلام عامة والشيعة خاصة .

والسؤال هنا لمؤيدي التطبير ؟ ماذا لو أصدر مرجعكم ( أي مرج من المراجع العظام بلا استثناء ) حكماً حول قضية معينة ألا ترون أنه يجب علينا جميعا الامتثال لهذا الحكم أم لا ؟! أم أن الحكم والفتوى عندكم واحد ؟!

إن كان كذلك فلا كلام حول هذه القضية وإن كان الكلام أن حكم الحاكم نافذ فعلام المخالفة والعناد .!

إن مسيرة فقهاء الشيعة الإمامية للناظر البصير قائمة على مواجهة كل التحديات ولا يكون ذلك إلا بالحكم .

 

التوقّف عند الشبهات

أكّدت الشريعة على ضرورة التوقف عند الشبهات ، وعدم اقتحامها ، وضرورة التثّبت عندها ، من أجل الاحتياط في الدين ، وضمان سلامة التحرك في حدوده المشروعة وفي ضمن إطاراته المقررة ، ولكي لا يقع المكلف في مخالفة شرعية ولو على مستوى الاحتمال ، حرصاً على إيجاد الفواصل المنيعة بين المحللات والمحّرمات ، وتلافياً لاحتمال اختلاط بعضها بالبعض الأخر .

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : « أيها الناس حلالي حلال إلى يوم القيامة ، وحرامي حرام إلى يوم القيامة ، ألا وقد بيَّنهما الله عزَّ وجلَّ في الكتاب ، وبيَّنتُهما في سيرتي وسنتي ، وبينهما شبهات من الشيطان وبدع بعدي ، مَن تركها صلح له أمر دينه ، وصلحت له مروته وعرضه ، ومَن تلبَّس بها ووقع فيها واتبعها كان كمن رعى غنمه قرب الحمى ، ومَن رعى ماشيته قرب الحمى نازعته نفسه أن يرعاها في الحمى ، ألا وانَّ لكل ملك حمى ، ألا وانَّ حمى الله عزَّ وجلَّ محارمه ، فتَوقَّوا حمى الله ومحارمه ».

وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) في وصيته لكميل بن زياد أنه قال :« يا كميل أخوكَ دينكَ فاحتط لدنيك بما شئت » [42] .

وعن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) أنه قال :« الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة ، وتركُكَ حديثاً لم تروه خير من روايتكَ حديثاً لم تحصه »[43] .

وعنه أيضاً (عليه السلام) أنه قال : « أورع الناس مَن وقفَ عند الشبهة »[44] .

ومقصدي من هذا الكلام أن نتنبه إلى كل أعمالنا وظواهرنا فإذا كانت هذه الظاهرة أو غيرها مشتبه بين حليتها وحرمتها فالشرع والعقل يوجهان إلى الاحتياط وهو ترك العمل.

عدم جواز الاجتهاد في مقابل التشريع

قلنا سابقاً أنَّ التشريع الإلهي أمر توقيفي لا يجوز الاجتهاد في مقابله ، أو الإدلاء برأي شخصي في شأنه ، لأنَّه صادر من الكمال المطلق المحيط بكل جزئيات الحياة ، والمستوعب لمختلف أجوائها وظروفها ، والتشديد على أية ظاهرة تشريعة تحاول أن تحدث منفذاً في هذا الإطار العام ، أو تصنع نفسها بديلاً عن القوانين الإلهية الشاملة ، وكان بسبب ذلك أن حذَّرت الشريعة الإسلامية تحذيراً شديداً من الكذب والافتراء على الله ورسوله ، من خلال حشد كبير من الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة ، فمن ذلك قوله تعالى :﴿ فَمنْ أظَلمُ مِمنِ افْترَى عَلَى اللهِ كَذِباً أوْ كَذَّبَ بِآيَاتهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلحُ المُجرِمونَ﴾ يونس/ 17 .

وقوله تعالى﴿ قُلْ أَرأيتُم مَّا أَنزَل اللهُ لَكُم مِن رِزق فَجَعلتُم مِنْهُ حَرَاماً وَحَلالاً قُلْ اللهُ أذِنَ لَكُم أمْ عَلَى اللهِ تَفْترونَ ... ﴾ يونس / 59 .

وقوله تعالى ﴿وَلاَ تَقولُواْ لِما تَصِفُ السِنتُكمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرامٌ لِتفْترُواْ عَلَى اللهِ الكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفترُونَ عَلَى اللهِ الكَذِب لاَ يُفلحُونَ ﴾ النحل / 116 .

وقوله تعالى : ﴿وَيَومَ القِيامَةِ تَرى الَّذِينَ كَذبُواْ عَلَى اللهِ وُجُوههُم مُّسَودّةٌ أليسَ فِي جَهنَّمَ مَثْوى لِلمُتكَبرِينَ﴾الزمر : 60 .

وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال :« اتقوا تكذيب الله ! ، قيل : يا رسول الله وكيف ذاك ؟ قال : يقول أحدكم : قال الله، فيقول الله عزَّ وجلَّ : كذبت لم أقله ، ويقول لم يقل الله ، فيقول عزَّ وجلَّ : كذبت قد قلته»[45] .

وفي حديث آخر عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال :« مَن كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار »[46] .

وعن الإمام الرضا (عليه السلام) أنه قال :« والله ما أحد يكذّب علينا إلاّ ويذيقه الله حرَّ الحديد [47]

كما حذَّرت الشريعة تحذيراً شديداً من أي لون من ألوان الاستدلال العقلي الذي لا يحمل غطاءً شرعياً ، ولا يستند إلى أساس راسخ في الدين ، من أمثال الرأي والقياس والاستحسان ، وغلَّظت على هذه الحالة الدخيلة في مجموعة كبيرة من الآيات والروايات أيضاً ، قال تعالى :﴿ وَمَنْ أضَلُّ مِمَّنِ اتَّبعَ هَوَاهُ بِغَيرِ هُدىً مِنَ اللهِ ﴾ القصص / 50 .

وقال تعالى : ﴿ وَلاَ تَتبعِ الْهَوى فُيضلكَ عَن سَبيلِ اللهِ إنَّ الَّذِينَ يَضلّونَ عَن سَبيلِ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيد بِمَا نَسُواْ يَوْمَ الحِسابِ﴾ص / 26 ، وقال تعالى : ﴿ أَمْ لَهُمْ شُركَاء شَرعُواْ لَهمُ مِن الدِينِ مَا لَمْ يَأذَن بِهِ اللهُ ﴾ الشورى / 21 .

وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال :« قال الله جلَّ جلاله : ما آمن بي مَن فسَّر برأيه كلامي ، وما عرفني مَن شبَّهني بخلقي ، وما على ديني مَن استعمل القياس في ديني »[48] .

وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال :« لا رأي في الدين »[49] .

وعن سعيد الأعرج قال: « قلتُ لأبي عبدالله (عليه السلام) : إنَّ من عندنا ممن يتفقه يقولون: يرد علينا ما لا نعرفه في كتاب الله ولا في السنة ، فنقول فيه برأينا ، فقال أبو عبدالله (عليه السلام) : كذبوا ، ليس شيء إلاّ وقد جاءَ في الكتاب ، وجاءت فيه السنة »[50] .

وكثيراً ما نلاحظ هذه الأيام من محاولة الاستدلال العقلي لإثبات هذه الظاهرة وغيرها في الوقت الذي لا يوجد لها مخرج شرعي ولا أساس . وننوه على أن هذا العنوان لا يقصد من خلاله النظر لأحد فإنني قلت أعلاه أنه لا يوجد مرجع يقول بوجب هذا العمل .

يبقى نقطة نشير إليها

حتى ولو فرضنا التمسك بالأدلة العامة والمطلقة على إباحة التطبير الخالي من الضرر البدني والوهن المذهبي لا مجال للتمسك بها مع حاكمية الحاكم إذ هذه المنطقة – وهي منطقة الفراغ بعبارة الشهيد الصدر- من شؤون الولي الفقيه في ملئها وقد حكم الإمام الخامنائي حفظه الله تعالى فيها.

 

 

 

وختاماً نقول :

 

نحن أبناء الدليل أينما مال نميل

عبارة جميلة لها معنى واسع وكبير باللسان نرددها وبالفعل لا نطبقها ، لأننا نتبع ما نميل إليه لا ما يميل إليه الدليل . فالدليل إذا لم يناسب رغباتنا قلنا أنه غير صحيح وحاولنا نفيه بكل طريقة وإذا أردنا إثباته قلنا أن هذا الدليل معتبر . فمعايير صحة الدليل وخطأه رغباتنا وميولاتنا وأهواؤنا .

ولكن إذا طبقت الموازيين العلمية الصحيحة ننفر منها لماذا ؟

فالتطبير بأي حكم كان . يحتاج إلى دليل، فأين دليله من الكتاب أو السنة ؟!

ومن مِن العلماء المتقدمين يقول بذلك ؟ خصوصاً بعد زمن الغيبة الكبرى .

فأين الشيخ الصدوق ؟! وشيخ الطائفة الطوسي ؟! والشيخ الكليني ؟! والعلامة الحلي ؟! والشيخ البهائي ؟! والشهيد الأول والثاني ؟! والعلامة المجلسي ؟! والشيخ النجفي صاحب الجواهر ؟! والسيد محسن الحكيم و ........ الكثير الكثير من العلماء .

لم نر في كتبهم ما يسمى بالتطبير ! ولم ينقل عنهم أحد !

كما أننا لم نعرف من أين جاء هذا التطبير ؟!

ومتى حدث أول مرة ؟

وما هو أول مصدر – كتاب – وجدت فيه هذه الظاهرة ؟!

وهل هذه الظاهرة – التطبير – بكيفيتها الحالية مشروحة في كتاب معين ؟!

نحن أبناء الدليل ..... لا يوجد لدينا دليل

نحن أبناء الدليل ...... نعارض ما يأتينا من دليل

نحن أبناء الدليل ...... ﴿تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ﴾ نرى فيها الدليل نتحاكم إلى الدليل

نقبل بالدليل لا أن ندعي أننا أبناء الدليل أينما مال نميل ثم لا نجد من كلامنا إلا الكلام

آه ثم آه ...

هذا ونرجو من العلي القدير أن يكون ما كتبناه واضحاً للافهام وجلياً للأبصار وشافياً للقلوب وأستغفر الله ليّ ولكم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين.

﴿وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ (سـبأ:24) .

 

المراجع:

 

[1] المحاسن للبرقي ، تحقيق : مهدي الرجائي ، ج : 1 ، باب : ثواب الأخذ بالسنّة ، ح : 7 ، ص : 95 .

[2] صحيح البخاري ، كتاب : الاعتصام بالكتاب والسنة ، ج : 8 ، ص : 139 .

[3] سنن ابن ماجة ، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي ، ج : 1 ، باب : اتّباع سنة رسول الله ، ح : 1 ، ص : 3.

[4] الأصول من الكافي للكليني ، ج : 1 ، باب : الأخذ بالسنة وشواهد الكتاب ، ح : 9 ، ص : 70 .

[5] الأصول من الكافي للكليني ، ج : 1 ، باب : الأخذ بالسنة وشواهد الكتاب ، ح : 8 ، ص : 70 .

[6] نهج البلاغة : خ / 110 .

[7] الأصول من الكافي للكليني ، ج : 1 ، باب : الأخذ بالسنة .. ، ح : 6 ، ص : 70 .

[8] المحاسن للبرقي ، ج : 1 ، باب : تصديق رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) ، ح : 371 ، ص : 423 .

[9] انظر تفسير الأمثل لناصر مكارم الشيرازي وتفسير الميزان للطباطبائي تحت الآية المذكورة .

[10] بما أنّ هناك ارتباطاً بين الشرط والجزاء، وكلاهما يخصّان موضوعاً واحداً، نجد في الآية السالفة الذكر محذوفاً تقديره (ومن يعظّم شعائر الله فإنّ تعظيمها من تقوى القلوب). ويمكن أن يكون الجزاء محذوفاً فتكون عبارة «فإنّها من تقوى القلوب» علّة نابت عن معلول تقديره: «ومن يعظّم شعائر الله فهو خير له فإنّ تعظيمها من تقوى القلوب» راجع تفسير الأمثل في ذيل هذه الآية وكذلك تفسير الميزان ومجمع البيان .

[11] تفسير القرطبي، المجلّد السابع، الصفحة 448.

[12] انظر سيرتنا وسنتنا سيرة وسنة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم للأميني .

[13] وهي مرحلة تشريع الحكم من قبل الله ، وعبر عنها بمرحلة الجعل والاعتبار.

[14] وهي مرحلة صدور الخطاب المتضمن للحكم المجعول من قبل الله تعالى وتبليغه للناس من قبل النبي .

[15] الجعل بمعنى جعل الحكم وهو ثبوت الحكم في الشريعة كثبوت الحج على المستطيع .

[16] الحلقة الثانية الشهيد الصدر ج1 ص 12 .

[17] المسائل الشرعية للسيد الخوئي ج 2 ص 337 .

[18] المصدر السابق .

[19] العين للفراهيدي ، ج : 2 ، ص : 54 .

[20] معجم مفردات الفاظ القرآن الكريم للراغب الاصفهاني ، ص : 36 .

[21] تهذيب اللغة للازهري ، ج : 2 ، ص : 241 .

[22] جمهرة اللغة ابن دريد ، ج : 1 ، ص : 298 .

[23] لسان العرب لابن منظور ، ج : 8 ، ص : 6 .

[24] الصحاح للجوهري ، ج : 3 ، ص : 1183 .

[25] المصباح المنير الفيومي ، ج : 1 ، ص : 38 .

[26] لسان العرب لابن منظور ، ج : 8 ، ص : 6 .

[27] جمهرة اللغة لابن دريد ، ج : 1 ، ص : 298 .

[28] مجمع البحرين للطريحي ، ج : 4 ، ص : 299 .

[29] النهاية ابن للاثير ، ج : 1 ، ص : 106 .

[30] تاج العروس للزبيدي ، ج : 5 ، ص : 270 .

[31] مجمع البحرين للطريحي ، ج : 4 ، ص : 298 .

[32] مجمع البحرين للطريحي ، ج : 4 ، ص : 298 .

[33] الشريف المرتضى : الرسائل 3 / 38 .

[34] العلامة : المختلف : 2 / 131 .

[35] الشهيد الأول : القواعد والفوائد : 2/144 – 145 القاعدة 205 وقد ذكر الأقسام الخمسة غير واحد من الفقهاء منهم القرافي في الفروق : 4/202 – 205 وسيوافيك الكلام في عدم صحّة هذا التقسيم .

[36] الطريحي النجفي : مجمع البحرين : ج1 ، مادة بدع لاحظ ترتيب المجمع .

[37] المجلسي : البحار : 74 / 202 – 203 .

[38] البحراني ( الشيخ يوسف ) الحدائق : 10 / 180 .

[39] الاشتياني : بحر الفوائد : 80 وترى قريباً من هذه الكلمات في فرائد الشيخ الأنصاري : 30 وفوائد الأصول لمحقق النائيني : 2/130 .

[40] علم أصول الفقه في ثوبه الجديد لمغنية ص 227 .

[41] الحلقة الثالثة من حلقات الشهيد الصدر ج 1 ص 219 .

[42] الامالي للمفيد ، ص : 283 .

[43] المحاسن للبرقي ، ج : 1 ، ح : 101 ، ص : 340 .

[44] بحار الأنوار للمجلسي ، ج : 2 ، باب : 31 ، ح : 2 ، ص : 258 .

[45] بحار الأنوار للمجلسي ، ج : 2 ، باب : 16 ، ح : 16 ، ص : 117 .

[46] سنن ابن ماجة ، ج : 1 ، باب التغليظ في تعمد الكذب على رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) ، ص : 13 ح : 30 و 33 .

[47] بحار الأنوار للمجلسي ، ج : 2 ، باب : 16 ، ح : 18 ، ص : 117 .

[48] أمالي الصدوق المجلس الثاني ، ح : 3 ، ص : 15 .

[49] المحاسن للبرقي ، ج : 1 ، ح : 78 ، ص : 333 .

[50] بحار الأنوار للمجلسي ، ج : 2 ، باب : 34 ، ح : 47 ، ص : 304

 

<H1 dir=rtl style="BACKGROUND: white; MARGIN: 0in 0in 0pt; DIRECTION: rtl; unicode-bidi: embed; TEXT-ALIGN: right">وقائع متعددة في نشأة التطبير - الحلقة الأولى </H1><H1 dir=rtl style="BACKGROUND: white; MARGIN: 0in 0in 0pt; DIRECTION: rtl; unicode-bidi: embed; TEXT-ALIGN: right">مقدمة مع تعريف بالتطبير.. </H1>لم أعثر في كتب اللغة على تعريف للتطبير، ولكن عثرت على تعريف الشيخ المنار( الكاتب الباحث في هجر) وهو أيضاً قال بنص عبارته: ((ولكنه بهذا المعنى لم أعثر عليه في كتب اللغة، ولعله لفظ تركي أو من أصول بابلية آكدية لأن طَبَرَ في العربية بمعنى قفز واختبأ، والله أعلم)).

 

تعريف الشيخ المنار: التطبير لفظ عامي مأخوذ من طبر الشيء بالسكين واللفظ مستخدم في العراق وما جاوره من عرب الجزيرة الشمالية والجنوبية والخليج والأهواز فيقولون طبر الخشبة أو العظم بالطبر (الفأس أو القدوم أو الساطور في الشام) ويقصدون الضرب بالساطور وغيره من الأدوات الحادة

 

توجد ثلاث روايات بشأن أول حالة تطبير، بعضها عفوية، تبعها موكب تأبيني له، والثانية: قريبة إلى هذا النحو، ولكن تختلف في بعض التفاصيل، فيما الرواية الثالثة، فهي تتحدث عن تقليد عسكري تركي، انتقل إلى المجتمع العراقي الذي يعيش استجابة دائمة الإيحاء الكارثي للمصيبة، ليقبل بالاجتهادات، حيث الباب مفتوحاً على مصراعيه لتقبل الجديد، لتأتي بعد استفحال تلك الظواهر المواقف الفقهية محشورة في أجواء شعبية ضاغطة، ومتحكمة في خطاب الفتوى وصياغتها، بل حتى أحياناً العمل فيها بناءً على الحالة النفسية التي يعيشها المجتمع المنفعل مع تلك الظواهر.

 

 

 

الرواية الأولى: للأستاذ طالب علي الشرقي:

كل ما يُعرف عن التطبير في النجف هو الشائع على ألسنة معمري البلدة، وهو أن الشيعة القفقاسيين عندما يأتون إلى زيارة الأئمة في كربلاء والنجف كانوا يستخدمون ظهور الحيوانات في سفرهم، وأسلحتهم السيوف.

 

وتستغرق مدة السير من ثلاثة إلى أربعة أشهر، حتى يصلوا إلى العتبات المقدسة، وكلهم لهفة لرؤية قبور الأئمة ونفوسهم مفعمة بالحب لآل البيت. فصادف أن دخلتْ إحدى قوافل الزائرين القفقاسيين إلى كربلاء يوم العاشر من المحرم، وكانت المدينة صورة صادقة للحزن، لقد سوِّدت المساجد والجوامع، وواجهات المحال، والبكاء واللطم على أتمِّه، ومقتل الحسين يقرأ في الشوارع أو في الصحن الحسيني الشريف.

 

واتفق أن يكون أحد القفقاسيين جاهلاً بهذه الأمور، فشرح له أحد العارفين باللغة التركية معركة الطف. وأظهر له بشكل لا يطيقه قلب محب.. الصور المؤلمة التي مرت على الحسين ومن معه. فأثر ذلك في نفسه، وأفقده صوابه، فسلَّ سفه وضرب رأسه ضربة منكرة مات على أثرها. وتحولت مواكب العزاء إلى تشيع ذلك الرجل الزائر.

 

استحسن أحد رؤساء مواكب العزاء( وكان تركياً) هذه العملية فنظم في السنة التي تلك الحادثة عزاءً مكوناً من مجمعة صغيرة من الأفراد، يلبسون الأكفان، ويحملون السوف. ذهب بهم إلى المكان المعروف اليوم بالمخيم( خيمـﮔـه)، وجاء بحلاق فحلق شعر رؤوسهم، وجرح كل فرد منهم جرحاً بسيطاً في رأسه، وخرجوا بهذه الهيئة متجهين إلى مرقد الحسين، وهم يندبون( ياحسين) حتى وصلوا إلى الصحن الشريف، وبعد عويل وبكاء تفرقوا.(1) كتاب الشعائر الحسينية بين الوعي والخرافة.. للأستاذ: طالب علي الشرقي 84-85.

 

 

 

الرواية الثانية: للأستاذ نفسه:

ثمة رواية أخرى تفيد أن الشيعة من أتراك آذربيجان وتبريز وقفقاسيةٍ قدموا العراق لزيارة العتبات المقدسة، وذلك في النصف الأول من القرن التاسع عشر الميلادي، فدخل جماعة منهم في العاشر من محرم الحرام إلى صحن الحسين(ع) واجتمعوا قرب الباب المعروف اليوم بالزينبية ومعهم القامات، وهو سلاحهم التقليدي الذي يلازمهم خلال سفرهم. ثم أقاموا مجلساً للتعزية في المكان المذكور. وأخذ مقرؤهم يشرح لهم واقعة الطف باللغة التركية بشكل أهاج مشاعرهم، فأخرجوا قاماتهم وأخذوا يضربون رؤوسهم دون أن يحلقوها، وبشكلٍ عنيف حول صخرةٍ بارزةٍ في المكان المذكور. وقد توفي اثناعشر شخصاً من هؤلاء الأتراك بعد عملية التطبير المذكورة مباشرةً، حيث لم تسعفهم الجهات الصحة في حينه؛ لأنها لم تتوقع إقدامهم على مثل هذا العمل، ولم تتهيأ له.

 

إلا أن الأستاذ الشرقي يشكل على الرواية الثانية في أنه كيف يُقتل اثناعشر شخصاً ولا تؤرخ الحادثة(( ثم إن موت اثني عشر شخصاً في يومٍ واحدٍ وبسبب واحدٍ يندر أن يهمله التاريخ، فلا يدون الحادث أو يصف المشاعر على الأقل))..

 

قلنا إن بعض رؤساء المواكب استحسن العملية فأخرج موكباً صغيراً للتطبير، واقتفى أثره جماعة من الأتراك الموجدين في النجف فشكلوا عزاءاً في النجف قبل ما يقرب من مائة وخمسين سنة حسب ما رواه بعض معمري البلدة، وكان العزاء الأول والوحيد، وكان مقتصراً على الأتراك أنفسهم، فلم يسمحوا لأي شخصٍ غير ترك بالاندماج معهم، وكذلك لم يسمحوا لشبابهم بالاشتراك في العزاء- في الغالب- وكانوا يخرجون (2)ليلة العاشر من المحرم وهم يلبسون الملابس القفقاسية وهي(كلاو) من الفرو على الرأس، وعلى الصدر(دميري) يصل إلى حد الركبة، ويكون أسود اللون، وبنطلون يسمى(كمرجين)، والحزام خيط(خرَّاطة)، وفي الأرجل(بوتين)، ويعلق في الحزام مسدس يقال له(ﭙشتو) وكذلك القامة أو الفليـﭻ أو الـﭽنتيانه أو اليطغان أو السيف، وهذه كلها آلات جارحة تختلف فيما بينها بالشكل والحجم(3)، ويحمل بعضهم الشموع للإنارة.

 

إن هذه الصورة، وقبل إخراج الدم من الرؤوس يسمونها(مشق) أي تدريب، وفي أثناء المشق يرددون بعض العبارات باللغة التركية، وهي:

 

((بـﮕن كربوبلا ويران البدي))، وتعني اليوم كربلاء أصبحت مبعثرة.

(( حسين ازكانونا غلتان البدي))، وتعني : الحسين مضرجاً بدم.

(( نجه ﮔـان آغلا ماسوق داش بـﮕن))، وتعني: كيف لا يبكي الحجر دماً هذا اليوم.

((كسلب يتمشى ايكي باش بـﮕن))، وتعني: في هذا اليوم ذُبح 72 رأس.

 

وفي صبيحة اليوم العاشر، وقبل بزوغ قرص الشمس يذهبون إلى بيت بحر العلوم، وعليهم الأكفان ويجرحون رؤوسهم جروحاً بسيطة، ويأتون على صورة موكبٍ منظمٍ إلى الصحن الشريف، ويعتبر كل من القهواتي ﮔُـل محمد التركي، ومشت باقر الروزخانجي وشخصٌ ثالث كان طباخاً من الأعضاء البارزين أو المؤسسين لعزاء الترك.

 

واستمر هذا العزاء الوحيد مدة طويلة، ولكنه لم يبقَ وحيداً، بل انبرى جماعة من النجفيين لتنظيم مواكب مشابهةً فشكَّل خليل الأعمى الإيراني الأصل موكباً، وشكل ميري بن أبو الدلال الإيراني موكباً آخر، ونظَّم خشة من آل السيد سلمان عزاءً، وانشق السيد عباس على الأتراك، وشكَّل عزاءً مستقلاً عُرف باسمه، وكان علي أكبر التركي من الأشخاص البارزين في عزاء التطبير، يذكره كل من يتحدث عن التطبير في النجف لتحديه أوامر الأتراك، واقتحام(القُلَّق) سرا الحومة، وإخراج السجناء وإشراكهم في التطبير، حتى صار في كل سنة يطلق سراح بعض المحكومين بمددٍ قصيرةٍ تكريماً للعزاء.

 

 

 

هامش

(2) بدأت تكية الترك في خيمة كبيرة نصبت في محلة الحويش، ولما تم بناء جامع الشيخ الأنصاري الذي يسمى الآن جامع الترك انتقلت إليه التكية ومنه يخرج عزاء الترك.

(3) الـﭽنتيانه: آلة طويلة ومستقيمة وحادة من وجه واحد. واليطغان: يشبه الـﭽنتيانه، ولكنه أقصر ومعقوف الرأس قليلاً، وحاد من وجه واحدٍ أيضاً. والفليـﭻ: رفيع طويلٌ ومستقيم وحادٌّ من وجه واحدٍ أيضاً، أما القامة: فهي معتدلة الطول غالباً، ومستقيمة وحادة من الوجهين.

 

 

 

الرواية الثالثة: وهي رواية الشيخ المنار(كاتب بحث: ظواهر اجتماعية شيعية يساء فهمها):

بعد أن انتشرت دعوة الحاج بكتاش (تركي تبريزي المولد درس في خراسان وأصبح داعية إصلاح في عموم بلاد الأتراك).

 

ووصل انتشار دعوته أن التزم بمبادئها السلطان العثماني السلطان الغازي مراد خان الأول الأشعري ابن السلطان أورخان الغازي وأسس الجيش الإنكشاري في سنة 736 هجرية وفق تعليمات السيد محمد الرضوي التبريزي المعروف بالحاج بكتاش. وأسماهم الجيش الجديد (يكي جري) الذي صُحِّف فيما بعد بـ(إنكشاري)، وكان وفق تعليمات الحاج بكتاش تأسيس(تكية-صالة) في كل ثكنة عسكرية للتوجيه المعنوي والديني.

 

وبقيت هذه التكيات مرتبطة بالجيش الإنكشاري مدة ثم انفصلت عنها، وتحولت إلى صالات مستقلة للتوجيه الديني(الصوفي في الغالب سني وشيعي) في طول وعرض البلاد العثمانية.

 

غير أنها من جهة ثانية لم تنفصل عن الجيش العثماني حتى بعد انحراف الإنكشارية والقضاء عليهم فقد بقيت التكايا البكتاشية في كثير من ثكنات الجيش خصوصا الجحافل الشرقية والتي قاتلت مئات السنين للجيوش الروسية في القفقاس.

 

ويبدو أن هذه الثكنات حسب رواية الأتراك عانت في القرن الثالث عشر الهجري من مشكلة عويصة بعد انتشار الأسلحة النارية وهي أن التدريبات بالسلاح الناري الحي تستدعي وفاة بعض الأفراد وهذا مسموح به في الجيوش حسب العرف العسكري الحديث المعمول به لحد الآن.

 

وقد أشكل هذا الأمر على المتدينين في التكايا العسكرية في الجهات الشرقية والتي تحوي على الجنود الشيعة والسنة، وجرت بينهم مداولات أدت إلى ما يلي:

 

بما أن التدريب العسكري للقتال الحقيقي يستدعي رؤية أشد ما يرعب الإنسان وهو الدم والموت حتى يكون المقاتل جاهزاً وغير مبالٍ بما يراه حين المعركة لشد عزيمته فإن الجهات الدينية في التكايا اقترحت أن يقوم بعض الجنود بنوع من حجامة الرأس المكشوفة)الفصد) لأنها غير محرمة، وقد فعلها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عدة مرات، وفيها أحاديث عن الاستطباب بها. ويكون ذلك بمناسبات دينية فاختاروا أن يكون يوم قتل الحسين عليه السلام، وهو يوم عاشوراء.

 

وقد نجح هذا الأمر فعلا في تقوية قلوب الجنود وإزالة بعض عوائق الإقدام في الحرب وهي العوائق النفسية. وهكذا بدأ الانتشار تدريجيا من تكية إلى تكية حتى وصل إلى تكيات خارج حدود الجيش العثماني، وهي التكيات الدينية الشعبية المنفصلة عن الجيش الإنكشاري من مدة طويلة. وقد كان الأمر محصوراً في تكيات القفقاس وأذربايجان وتبريز وفي نهاية القرن الثالث عشر وصل إلى تكية البكتاشية في كربلاء، وبعده بقليل في النجف الأشرف في العراق، أي بحدود سنة 1890 ميلادي أو أكثر قليلا. ولكنه كان في تكيات البكتاشية في مصر قبل ذلك ببضع عشرات السنين، وكان التطبير موجودا في مصر قبل سنة 1870م ويتم في باحات مسجد رأس الحسين عليه السلام. ويبدو أنه كان موجودا إلى ما بعد سنة 1900م بشهادة بعض المعمرين في مصر لأحد العلماء في النصف الأول من القرن العشرين وقد اخبرني بذلك شخصيا.

 

وما يظهر هو الاتفاق في تأريخ ظهور هذه الظاهرة في الروايات الثلاث، إلا أنني لم أجد أحداً يتحدث عنها من خلال مرجعيات تاريخية، وإنما بعبارة(( معمري البلدة))، أو(( بعض المعمرين في مصر)).

 

 

الحلقة الثانية - قراءة في المسألة الزمنية في فتاوى التأييد

 

 

 

استعرضنا في الحلقة السابقة الروايات المتعددة للتطبير، لنتناول هنا مجموعة من الأسئلة المهمة قبل الولوج في عمق المسألة وإثاراتها، من خلال قراءة الدليل المُشيَّد لشرعنة التطبير، وما عليه من ملاحظات، واستعراض الرأي الآخر على مستوى الفتوى، لنستعرض فيما بعد ذلك قضية مهمة ومصيرية في موضوع التطبير، وهي مسألة حكم الحاكم الشرعي، وموقعية هذا الرأي في الفقه الشيعي، وذلك نظراً لتصدي الحاكم الشرعي المعاصر آية الله العظمى الإمام الخامنئي لموضوع التطبير.

 

 

 

عودة على ذي بدء..

 

 

 

بعد التعرف على أول ظاهرة انطلقت من خلالها مواكب التطبير، والتي لم نحصل على تاريخٍ دقيقٍ لها، إلا أنه حسب الروايات الثلاث أنها ما قبل 150سنة، ليظهر لنا من ذلك لونان من الأسئلة:

 

 

 

اللون الأول: أن فتاوى الإباحة له لم تستند إلى عام 1384هـ، أي بعد أكثر من قرنٍ من نشأته تقريباً إلا إلى أمرين:

 

 

 

الأول: عدم حرمة الإدماء في ذاته ما لم يكن مؤدٍ إلى ضررٍ معتدٍ به.

 

 

 

والثاني: أنه إذا كان (( بقصد مواساة سيد أهل الإباء، وخامس أصحاب العباء)).

 

 

 

ولم نجد أحداً إلى هذه السنة من الفقهاء من يستند إلى قضية ضرب السيدة زينب(ع) لرأسها بمقدم المحمل، ولا إلى الحجامة، ولا بمحاولة البعض اعتبار شعاريتها، وهذه التي جاءت فيما بعد.

 

 

 

 

 

اللون الثاني من الأسئلة:

بشأن البحث عن أول سؤال للفقهاء بشأن التطبير، فإننا نجده تأخر إلى 17/2/1345هـ إلى آية الله الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء، أما ذُكر عن رسالة(( سرور العباد)) المطبوعة عام 1304هـ للميرزا السيد محمد حسن الشيرازي فإنه على شكل فتوى، وليست سؤالاً، فيما في كتاب ((فتاوى علماء الدين حول الشعائر الحسينية)) ينسبها إلى الشيخ الأنصاري، مما يثير الغرابة أكثر بشأن عدم اطلاع أحدٍ عليها إلا بعد طباعة الرسالة عام1304هـ فيما وفاة الشيخ الأعظم الأنصاري كانت في عام 1281هـ.. نظراً إلى أننا لم نجد غير هذا المنسوب إلى الميرزا محمد حسن الشيرازي يتحدث عن فتوى للشيخ الأنصاري بشأن التطبير.

 

 

 

تقول الفتوى: ((إذا أورد شخص الجرح بمثل السيف ونحوه على نفسه ولم يكن مضراً جائز))، لنقول أننا على ذلك لا نعرف لمن هذه الفتوى؟!، هل للمُحشِّّي أم المُحشَّى على رأيه؟..أي هل هي للشيخ الأنصاري أم للسيد محمد حسن الشيرازي؟!.. نظراً إلى أن الشيخ الأنصاري توفي في 18/6/1381هـ، والباقي عبارة عن روايات عن السيد محمد حسن الشيرازي في تأييده لمواكب التطبير.

 

 

 

فما بين أيدينا كأول فتوى مكتوبة بخصوص التطبير هي للشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء في 17/2/1345هـ ، لتعقبها في 5/3/1345هـ فتوى آية الله الشيخ النائيني، بعد أن وجهَّ إلى كليمها جمعٌ من المؤمنين أسئلة بشأن هذه الممارسة، لنفهم أن الإثارات التي ثارت هي من طرفٍ غير محسوبٍ على الطائفة، وإنما هو لجهات غير شيعية، حيث كانت الإثارات لم تقتصر على التطبير، وإنما شملت لطم الصدور والرؤوس بالأكف.

 

 

 

إلا أن ما يثير في الأمر أن يتأخر السؤال عن هذه الممارسة التي هي طارئة في المجتمع العراقي إلى عصر الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء، في حين أن هناك إجابات أفاد بها آية الله الشيخ جعفر كاشف الغطاء المتوفي سنة 1228هـ عن مراسم إحياء عاشوراء، أمثال(( دق طبل إعلام، أو ضرب نحاس، وتشابيه صور، ولطمٍ على الخدود والصدور ليكثر البكاء والعويل)).. فيما يقول الشيخ المنار:

 

 

 

(( المهم لقد فاجأت هذه الحركة علماء الشيعة في وقتها فاستدعوا الأتراك منهيئة إدارة التكية البكتاشية وسألوهم فشرحوا لهم الأمر بأن هذا الأمر إنما وجدلتقوية القلوب وهو لا يحتوي على اكثر من الحجامة ولكن بدون كاسات (فهو فصد) والمقصود به ربط الوجدان الشعبي بحب أهل البيت عليهم السلام مع الفائدة الأساسيةوهي تقليل النفرة من منظر الكوارث وبشاعة الحروب)).

إلا أنه لا ندري لماذا لا نجد تلك الأسئلة بحجم المفاجأة التي تحدث عنها شيخنا المنار، ولا الأجوبة عنها؟!.

 

 

 

حيث من الأسئلة الموجهة لآية الله الشيخ جعفر كاشف الغطاء يفيد بأن التطبير حينها لم يكن، وتاريخ وفاته كان عام 1228هـ، كما مر، فيما يقال بأن الشيخ الأنصار أشار إلى ذلك في رسالته العملية، ولا أدري إن كان من عادة الفقهاء التعرض لمثل هذه الأمور في الرسائل العملية، إلا إذا قيل أن الذي في الرسالة هو تحشية آية الله السيد محمد حسن الشيرازي، وليس للشيخ الأنصاري، خاصة وأن الطبعة كانت عام 1304هـ، أي قبيل وفاة آية الله السيد الشيرازي بخمسة أعوام، حيث توفي عام 1309هـ، وهذا يعني أن الفتوى في التحشية وليس في المتن، وإلا كان من الممكن أن تصدر استفتاءً باعتبارها من مسائل البلوى، وليس في الرسائل العملية، كما أنه يفترض أن لا تنحصر الفتوى في السيد محمد حسن الشيرازي، كما حصل فيما بعد أن استفتي الكثير من الفقهاء بشأنها.

 

 

 

هنا تثيرنا مسألة المسافات المتباعدة بين السؤال وظاهرة التطبير نفسها، فكلام الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء يقول(( فلقد بلغنا من العمر ما يناهز الستين، وفي كل سنة تقام نصب أعيننا تلك المحاشيد الدموية))فتاوى علماء الدين حول الشعائر الحسينية، ص83. ومع ذلك لم نجد أسئلة بحجم ما ذكره الشيخ المنار أنها فاجأت العلماء حينها!.

 

ليتأخر الجواب التفصيلي عن هذه الظاهرة إلى 17/2/1345هـ من قبل آية الله الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء نفسه، لنجد الفرق بين الجوابين سنوات طويلة جداً.

 

وعندما نقول بأن الجواب بشأن التطبير هو للمُحشِّي الميزرا السيد محمد حسن الشيرازي، وليس للشيخ الأنصاري المتوفي عام 1281هـ بناءً على تأخر الإفتاء بشأن هذه الظاهرة إلى زمن طباعة التحشية عام 1304هـ أي بعد 23سنة من وفاة الشيخ الأنصاري، أو قل لم يكن يعرف أحدٌ حينها فتوى بشأنها، بل أن الشيخ كاشف الغطاء ذكر أنه لم يعرف أحداً مات بسببها، ولم يذكر أن أحداً أفتى بجوازها، إلا ذكره دخول بعض الأعمال الراجعة إلى الشرع في عمومات الدليل(( المصدر السابق ص86-87))، مما يعني عدم تصدي أحداً أصلاً للفتوى بشأنها.

 

 

 

ومع افتراض تصدي الميرزا السيد محمد حسن الشيرازي، فالعجيب أننا لم نسمع فتوى من شخصٍ آخر، وسمعنا تأييد الفقهاء له في حكمه بحرمة التنباك!، فاحتمال نسبة الأمر إليه واردٌ، واحتمال أن يكون الرأي له واردٌ وراجحٌ لوروده في التحشية، والرسالة، وقد يكون الخلط من الناسخ بين المتن والتحشية، والله العالم.. إلا أن ما يفيده ذلك التاريخ أن الميرزا أجاب عن المسألة في وقتٍ متأخرٍ جداً.

 

 

 

يبقى ما نسبه إليه الشيخ عبدالله السبيتي في كتابه(( رنة الأسى بمراسم سيد الشهداء)) والشيخ إبراهيم حسن آل مظفر في كتابه(( نصرة المظلوم))، والنص الآتي للأخير:

 

 

 

إن مواكب التطبير كانت تجتمع في بيت سماحة آية الله الميرزا محمد حسن الشيرازي(قده)، وكانوا هناك يجرحون رؤوسهم على أكفانهم، كما أن الميرزا(قده) كان تعهد بدفع ثمن أكفانهم التي يلبسونها في عزاء التطبير)) ص58 ليثير التساؤل نفسه من جديدٍ، أنْ كيف يرعى ذلك كله دون أن تصدر منه فتوى مكتوبة إلا في تحشيته لرسالة الشيخ الأنصاري، ودون أن نسمع فتوى لفقيهٍ آخر سواء بالتأييد أو التوقف عن ذلك؟!.. لنسبل على تلك المرحلة ستار المجهول، ونبدأ بالرحلة من جديد ابتداءً من عام 1304هـ حيث الفتوى المنسوبة للشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء صدرت عام 1345هـ أي بعد 41سنة من طبعة رسالة(( سرور العباد))!!، ليبدأ في ذلك الحين السؤال بكثافة بحدود السنتين كما هو تاريخ الفتاوى الصادرة، أي ما بين 1345هـ إلى 1348هـ! ليتأخر استفتاءٌ آخر سواء هو ما الذي تم رصده أو هو كذلك على الحقيقة عام 1384هـ أي بحدود 36 عاماً!!..

 

 

 

ما يبدو أن السؤال لم يتوقف، ولكن الظاهر أن الظاهرة تعيش مداً وجزراً، ليس فقط في طبيعتها، وإنما لشكل المواجهة بين مريديها أو قل من يرون إباحتها وبين مقاوميها.

 

إلا أن سكوت التأييد لها بعد عام 1348هـ نظراً لتحول المواجهة لها من الداخل، ليس من داخل البيت الشيعي فحسب، وإنما من داخل الحوزة من قبل الصف الأول، والمسمى بالمرجع الأعلى مؤيداً لشخصية أيضاً من الصف الأول، لكنها لم تتصدَ للمرجعية.

 

كان ذلك من قبل أمثال آية الله المرجع الكبير السيد أبو الحسن الأصفهاني، وآية الله السيد محسن الأمين، وآية الله السيدة هبة الله الشهرستاني، وآية الله الشيخ عبدالكريم الجزائري، لتكون العودة الأخرى عام 1384هـ، مع أن التاريخ يفيد في أزمة المواجهة بين آية الله السيد محسن الأمين ومؤيدي التطبير أن المواجهة خرجت إلى الشارع ليتجنبها الفقهاء والمراجع، فيما يقف إلى جانب آية الله الأمين مرجع الطائفة في حينه السيد أبو الحسن الأصفهاني، دون إغفال وقوف بعض الأعلام إلى جانب هذا، وقوف آخرين إلى جانب ذاك، إلا أنها ظاهرة التأييد من قبل المراجع بحجم ما رافق موقف الشيخ النائيني.

 

وسر ذلك وقوف المرجعية العليا في عام 1345هـ إلى جانب تأييد الموقف الإيجابي من الظاهرة، فيما كان بعد ذلك تأييد مناهضة السيد الأمين من قبل المرجعية العليا للظاهرة. وهنا يظهر انتقال الموقف بشأن الظاهرة من موقف شائن لها من خارج الطائفة أو قل الحوزة إلى موقف مناهض بشدة من داخلها، وبحجم السيد الأمين والسيد أبو الحسن الأصفهاني، والسيد هبة الله الشهرستاني والشيخ عبدالكريم الجزائري.

 

 

<H1 dir=rtl style="BACKGROUND: white; MARGIN: 0in 0in 0pt; DIRECTION: rtl; unicode-bidi: embed; TEXT-ALIGN: right">ملاحظتين وقراءة في البين</H1>

 

قبل البدء في هذه الحلقة الرابعة أود الإشارة إلى ملاحظتين وقراءة بشأنهما:

 

 

 

الأولى: أشرتُ إلى أن فتاوى التأييد والمواقف المتحمسة من قبل المرجعيات للتطبير كانت ما بين 1345هـ إلى عام 1348هـ والصحيح هو أنني لم أجد فتوى بعد فتوى الشيخين الجليلين لتأييد ودعم التطبير في تلك الظروف، وكنتُ في البدء توهمتُ أن فتوى الميرزا السيد هادي الخراساني تسير نفس المسار، إلا أنني بعد مراجعتها وقراءتها بدقة تبين أنها بصدد الحديث عن البكاء والمواكب السيارة، ولم تتطرق إلى التطبير بأي نحوٍ من الأنحاء، وتاريخها لم يكن عام 1348هـ، وإنما هو التاسع من صفر من عام 1347هـ.

 

 

 

الثانية: قلت بأنه بعد ذلك التاريخ لم يأتِ شخص يقول بذلك إلا عام 1384هـ، ولكن بعد المراجعة تبين أن هناك فتوىً منسوبة للسيد محمود الشاهرودي في 30/12/1366هـ أعقبه السيد محسن الحكيم بيومين بتأييد فتوى الشيخ النائيني في 2/1/1367هـ، ليتقلص الفارق من 36عاماً إلى 21عاماً و10أشهر و25يوماً.

 

لتظهر لنا الملاحظة المهمة وهي أنه بعد صدور الفتاوى المؤيدة عام1345هـ لم تُتبع بفتاوى جديدة بعد ذلك التاريخ، فيما وفاة الشيخ النائيني كانت عام 1355هـ، وكانت وفاة الشيخ آل كاشف الغطاء عام1373هـ بالرغم من عدِّهما كما تفضل الشيخ المظفر من الفئة المؤيدة للتطبير، ليغيب موقف الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء المؤيد فيما بعد، في الوقت الذي صدرتْ فتاوى مؤيدة لغيره، ولعل رأيه اختلف بعد موقف السيد محسن الأمين، وهذا ما أثبتته فتاوى نسبت إليه فيما بعد سنتناولها في حينها.

 

 

 

ومن هنا لا نستطيع إلا اعتبار فتوى الشيخ النائيني والشيخ آل كاشف الغطاء والشيخ عبدالله المامقاني ما بين 17/2/1345هـ و5/3/1345هـ مرحلة توقفت عند هذا التاريخ.. ولعلها امتدت إلى تصدي السيد محسن الأمين للظاهرة عام 18/1/1346هـ

كما في رسالته الموسومة بـ(( رسالة التنزيه)).الشعائر الحسينية بين الوعي والخرافة ص79.

 

 

 

وبما أن السيد أبو الحسن الأصفهاني زعيم النجف الأشرف، وتصدى بقوة لها فإن الفقهاء لم يتوجوا لمواجهته، وإنما انحصر ذلك في العامة الذين قادهم الخطيب المفوه السيد صالح الحلي.

 

وهذا ما يفسر ظاهرة الصمت على مستوى الفتوى وليس على مستوى المواقف والاحتشاد، إن لم نقل تصرف البعض بظاهر الدعم، تحاشياً لمثل هذه التصرفات غير المسؤولة من بعضهم، والتي تكررت عندما تصدى الإمام الخامنئي لتلك الظاهرة.

 

 

 

في مقال للسيد الدكتور حسن عيسى الحكيم رئيس جامعة الكوفة، ينقل عن الشيخ محمد رضا المظفر أن الواقع النجفي انقسم إلى تكتلين:

 

 

 

((الاختلاف على تحريم بعض الشعائر الحسينية فحدثت فئتان، فئة سميت(الأموية) وعلى رأسها كان السيد أبو الحسن تأييدا لرأي السيد محسن الأمين في الشام، وفئة سميت(الحسينية) كان يمثلها من العلماء ميرزا حسين النائيني، والشيخ عبد الله المامقاني، والشيخ محمد حسين كاشف الغطاء وأمثالهم من العلماء تأييداً لرأي الشيخ عبد الحسين صادق بجبل عامل، والفتنة كانت على أشدها بين الفئتين، وألفت لذلك عدة مؤلفات ثائرة صاخبة)).

 

 

 

إلا أن التأييد المنسوب للشيخ النائيني والشيخ كاشف الغطاء والشيخ عبدالله المامقاني لم نجده يتجاوز ما صدر عنهم من فتوى عام 1345هـ، إلا أن فتوى الشيخ المامقاني لا تفيد موقفه من التطبير، إلا أنه قد يكون ذلك تأييداً بالتلميح، وعلى نحو الموقف، وليس على نحو إصدار فتوىً من جهته.

 

 

 

 

 

 

 

يقول السيد جعفر الخليلي في (( هكذا عرفتهم)):

 

 

 

((إن السيد أبو الحسن هو الذي تجرأ فحرَّم ضرب الرؤوس بالسيوف ولطم الصدور وضرب الظهور بالسلاسل ودق الطبول والصنوج والمزامير... ولكن النجف وسائر المدن الأخرى قابلت دعوة السيد محسن الأمين برد فعل قوي وشديدٍ أظهر أثره في أول شهر محرم من تلك السنة، فقد ازداد عدد الضاربين بالسيوف والسلاسل، وكثرت الأهازيج والأناشيد التي تتضمن النقمة والتحدي لتلك الحركة الإصلاحية..)).

 

 

 

 

ويذكر موقف السيد صالح الحلي(( وقد انتهز السيد صالح الحلي فرصة تحريم السيد أبي الحسن الأصهفاني بالسيوف والضرب والصدور بالسلاسل، فشنَّ على السيد أبي الحسن غارة واسعة عنيفة بكل معنى العنف، ولم يترك لوناً من ألوان الزراية بالكناية والتصريح إلا وصبغَ بها السيد أبا الحسن من فوق المنابر التي كان يرقاها، فكان يتصرف من فوقها بعقول المستمعين تصرف المالك، وميل بها أنَّى شاء بما يملك من مقدرة وموهبة وجرأة، رفعته إلى أعلى الدرجات فسماء الخطابة والبلاغة))..

 

 

 

وما أشبه اليوم بالبارحة!!!!.

 

 

 

 

فأصدر السيد أبو الحسن الأصهفاني فتوى: حرَّم بها الاستماع لقراءة السيد صالح الحلي، وقد أرخ ذلك الشيخ علي بازي: أبو حسنٍ أفتى بتفسيق (صالح) **** قراءته أرختها( غير صالحة)

 

 

الحلقة الرابعة: مباني الإباحة، ومناقشتها:

 

الحجامة أولاً:

 

 

 

هنا نتناول المباني التي انبنى عليها الإفتاء بالتطبير، ونناقش مدى قوتها، ثم نتناول حجية الفتاوى المؤيدة، ومناقشة ما حاول البعض من إيهام الناس بأن المسألة حظيت الإجماع العلمائي، حتى قال بعضهم بأنه لم يفتِ مجتهد بالحرمة!! مع تصدي آية الله السيد الأمين لفتوى الحرمة، ولم نعرف أحد يمكنه أن يشكل في مسألة اجتهاد السيد الأمين..

 

 

 

ذكرنا في مناقشة مسألة التفاوت الزمني في فتاوى التطبير، ومسألة الحديث عن الاستنان بما قامت به السيدة زينب(ع).

 

 

 

هنا نبدأ بالاستعراض العام، من حيث الأقوال الواردة في المسألة.

 

 

 

ينقل الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء الشيخ جعفر الكبير عميد أسرة آل كشف الغطاء(1):

=========

(1)عرف الشيخ جعفر الجنابي بالشيخ جعفر كشف الغطاء نسبةً إلى كتابه: كشف الغطاء، وقد عُرفت الأسرة فيما بعد بآل كاشف الغطاء، أو آل كشف الغطاء، كما هو الحال بالنسبة للشيخ محمد حسن الجواهري الذي نسبت العائلة إلى ما عُرف به فيما بعد من خلال كتابه (( جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام)).

=====

 

 

 

(( وأما بعض الأعمال الراجعة إلى الشرع، ولا دليل عليها بالخصوص، فلا تخلو من أن تدخل في عموم الدليل، ويُقصد بالإتيان بها الموافقة من جهته لا من جهة الخصوصية كقول: أشهد أن علياً ولي الله، لا يقصد الخصوصية النصوصية؛ لأنهما معاً تشريعٌ بل بقصد الرجحان الذاتي، أو الرجحان الفَرَضي؛ لما ورد من استحباب ذكر اسم علي متى ذُكرَ اسم النبي.. إلى أن قال:

 

 

 

وكما يصنع مقام تعزية الحسين(عليه السلام) من دق طبل أعلام، أو ضرب نحاس، وتشابيه صور، ولطمٍ على الخدود والصدور، ليكثر البكاء والعويل.

 

 

 

ثم ختم الفصل بقوله: وجميع ما ذكر وما يشبهه إن قُصد به الخصوصية كان تشريعاً، وإن لوحظَ فيه الرجحانية من جهة العموم فلا بأس فيه)).

 

 

 

وقيمة هذا النص أنه إلى ذلك الوقت لم تدخل ظاهرة التطبير في المجتمع العراقي بعد، لنجد أول من نُسب إليه تأييد التطبير وشراء الأكفان هو السيد الميرزا محمد حسن الشيرازي الذي ابتدأتْ مرجعيته العليا بعد رحيلي الشيخ الأعظم الأنصاري عام 1281هـ، فيما الكاتب السيد جعفر الحسيني في موقع كتابات ينسب إليه أنه كان مناهضاً للتطبير:

 

 

 

((وحينما حرم المجتهد الأكبر محمد حسن الشيرازي (توفي عام 1895) والسيد أبو الحسن الأصفهاني (توفي 1946) (ضرب الرؤوس بالسيوف، ولطم الصدور، وضرب الظهور بالسلاسل، ودق الطبول) وكذلك السيد محسن الأمين (توفي عام 1952م) وغيرهم.. وغيرهم، لم يجد تحريمهم أية استجابة، بل صدرت الكثير من الشتائم من هنا وهناك، خاصة بحق الأخير)).

 

 

 

وما يجعلنا نقبل هذه النسبة هو أننا لم نجد فرحاً أو استشهاداً برأيه في حينها، إلا حكاية كما تم ذلك من سرد الفتاوى بطريقة عشوائية؛ ليدرج معها حتى مجرد المؤيدين لممارسات لا علاقة لها بالتطبير، كما هو نسبة تأييد الشيخ جعفر كشف الغطاء والشيخ الأنصاري والميرزا القمي والشيخ زين العابدين الحائري والشيخ خضر شلال للتطبير، مما يوحي رغبة جماعة التطبير إلى تعميق هذه الممارسة إلى أبعد ما يمكن من التأريخ، ليقوم بزج الأسماء بتلك الطريقة ليصل الحال بزج اسم السيدة زينب العقيلة في ذلك الحزب!

 

ويرد السيد محسن الأمين على تلك النسبة بقوله:

 

 

 

(( أما نسبة ذلك إلى شيخ الطائفة في( كشف الغطاء) فنسبة باطلة، فإنه لم يذكر جرح الرؤوس، وظاهرة الاستشكال في غير بل في مطلق الشبيه.

 

 

 

وأما نسبة ذلك إلى الميرزا القمي في جامع الشتات فنسبة باطلة أيضاً، فإن الذي في الكتاب المذكور في باب المتفرقات مخصوص بالتشبه بصورة الإمام(ع)، وأعداء أهل البيت، ولبس الرجال لباس نساء أهل البيت أو غيرهن، وليس فيه ذكر فيه ذكر جرح الرؤوس ودق الطبول وضرب الطوس ونفخ البوقات)) الاختلاف والنقد ثم الإصلاح205-206.

 

 

 

أما بخصوص ما نُسب إلى الشيخ الأنصاري فإننا لم نجد نصاً مؤيداً مباشرة من قبله للمسألة كما مر وناقشنا ذلك في رسالة(( سرور العباد)) المطبوعة عام 1304هـ، فيما لم نجد كتاباً أو فقهياً آخر من تلاميذ الشيخ الأنصاري يتحدث عن نسبة ذلك الرأي إلى الشيخ الأنصاري، فيما يروي السيد جعفر الخليلي أن السيد محمد حسن الشيرازي من مناهضي التطبير!!.

 

 

 

ومن هنا يمكننا القبول بأن عادة التطبير ابتدأت بعد رحيل الشيخ الأنصاري أو في أواخر عمره، وحينها لم تكن ظاهرة وإنما ممارسة في حدود المواكب التركية كما أفادتْ بذلك الروايات الثلاث.

 

 

 

بعد أن تفضل الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء بعرض رأي الشيخ جعفر الكبير عقب على ذلك بقوله: ((ولكنك عرفتَ مما قدمناه أن بعض تلك الأمور قد وردت فيه نصوصٍ بالخصوص، مثل اللطم واللدم فضلاً عن البكاء والعويل)) ص86-87.

 

 

 

إلا أن سماحته لم يذكر ورود نصٍ يستفاد منه في التطبير ليدخل في خصوص الدليل، كما قال الشيخ المنار من أن العلماء قبلوا بدعوى أصحاب مواكب التطبير عندما فاجأتهم العملية:

 

 

 

(( المهم لقد فاجأت هذه الحركة علماء الشيعة في وقتها فاستدعوا الأتراك من هيئة إدارة التكية البكتاشية وسألوهم فشرحوا لهم الأمر بأن هذا الأمر إنما وجد لتقوية القلوب وهو لا يحتوي على أكثر من الحجامة ولكن بدون كاسات (فهو فصد)والمقصود به ربط الوجدان الشعبي بحب أهل البيت عليهم السلام مع الفائدة الأساسية وهي تقليل النفرة من منظر الكوارث وبشاعة الحروب)).

 

 

 

وهذا يعني عدم رجحان الاستدلال بالحجامة للقول بمشروعية التطبير إلى ذلك الوقت باعتباره دليلاً صالحاً للاستدلال به في هذا المقام، ولو صحَّ ما ذكره شيخنا المنار لكفى الشيخ آل كاشف الغطاء الاستدلال به، ولكان مشهوراً القول به في حينه.

 

 

 

نعم استدل الشيخ آل كاشف الغطاء بالحجامة ليس باعتبارها مبنى الجواز للتطبير، وإنما مبنى الجواز بإخراج الدم في إحدى الصور، لتدخل ضمن عمومات الدليل:

 

 

 

(( لا ريب أن جرح الإنسان نفسه وإخراج دمه بيده- في حد ذاته من المباحات الأصلية، ولكنه قد يجب تارة، وقد يحرم أخرى، وليس وجوبه أو حرمته إلا بالعناوين الثانوية الطارية عليه، وبالجهات والاعتبارات، فيجب كما لو توقفت الصحة على إخراجه كما في الفصد والحجامة، وقد يحرم كما لو كان موجباً للضرر والخطر من مرض أو موت)) فتاوى علماء الدين، ص82.

 

 

 

وهذا هو نفس رأي السيد محسن الأمين في رده على شبهة الاستدلال بالحجامة، كون الشيخ آل كاشف الغطاء قال: ((فيجب كما لو توقفت الصحة على إخراجه كما في الفصد والحجامة))، وكأنه لا يرى فعل الحجامة متى شاء أو رغب المرء في عملها، وإنما إذا توقفت الصحة على فعلها.

 

 

 

ومن هنا لم نجد في فتاوى المراجع الكبار حينها من اعتبر الحجامة دليلاً على إباحة أو استحباب التطبير كما كان رأي بعض المتأخرين!، بل على ما نقرأه من حماسة دفاع الشيخ آل كاشف الغطاء كأول من أصدر فتوى طويلة مشفوعة بمبانيها الفقهية لم نجده ينظر إلى الحجامة كأحد الأدلة المساعدة على إباحة التطبير، وإنما يحصرها في حال وجوبها عندما تتوقف الصحة عليها، وهذا يرد دعوى الشيخ المنار من أن اعتبار التطبير كالحجامة عندما أُجيب العلماء بمستند التطبير الشرعي عندما تفاجئوا بذلك الوافد!!.

 

 

 

نعم استدل بعض المدافعين بها معتبراً أن التطبير هو نفسه الحجامة، مما يعني أنه مع وجود من يستدل به لشرعنة التطبير إلا أن الشيخين الجليلين النائيني وآل كاشف الغطاء لم يعيروا ذلك الاستدلال أهمية، أو قل لم يكن دليلاً ناهضاً يستدل به، لذلك أعرضا عنه.

 

ورد ذلك في إيراد السيد الأمين الإشكال عليه بقوله:

 

 

 

(( قوله: الحجامة مباحة بالأصل، بل ي محرمة بالأصل؛ لأنها ضرر وإيذاءٌ للنفس، ولا تحل إلا مع الضرورة لدفع مرض أو ألم أعظم منها، وإلا كانت كفعل حجَّام ساباط الذي ضُربَ به المثل المثل فقيل: أفرغ ن حجَّام ساباط، وكان إذا لم يجد من يحجمه حجم زوجته وأولاده.

 

 

 

... وحيث جَعل (( المعني بالرد)) شق الرؤوس نوعاً من الحجامة، فهو إما واجب، وذلك حينما يخشى الضارب على نفسه الهلاك لو لم يضرب نفسه!، بأن يخبره الطبيب الحاذق أن في رأسه مرضاً مهلكاً لا يشفيه إلا جَرحُ رأسه وشقه، أو مستحب بأن يكون الضارب محموماً حمَّىً شديدة، ويخبره الطبيب الحاذق أن دواءه في شق رأسه وإخراج الدم منه، ويشترط في هذين عدم التعرض للشمس وشدة الحركة الذي قد يوجب شدة مرضه أو هلاكه، وإما محرم، وذلك حيث يكون إيذاءً صرفاً وضرراً بحتاً.

 

 

 

وحيث أن الذين يضربون رؤوسهم وليس في رؤوسهم داءٌ ولا في أبدانهم حمى فانحصر فعلهم في الحرام)) رسالة التنزيه من كتاب الأسدي 196.

 

 

 

مع ملاحظة أن المباني الفقهية التي أجازت التطبير ركنت إلى مطلق الجزع على أبي عبدالله الحسين(ع)، فيما الاستناد إلى الحجامة والفصد كما يقولون لم يكن بالدرجة التي تحمَّس له بعض المتأخرين.

 

 

 

إلا أنه في ذلك التاريخ لم يذكر أحد رجحان التطبير أو استحبابه لأن السيدة زينب (ع) ضربت رأسها بمقدم المحمل.

 

 

 

وذلك إما لأنها ساقطة من الاعتبار، ولذلك لا يصح القول بالجواز أو الاستحباب كما يحلو للبعض ادعاءه، أو لعدم إمكانية القول بذلك أو استحبابه بناءً على تلك الرواية.

 

 

 

وإنما ظلت على القول: بأصل إباحة الأشياء، وبأصل جواز مطلق الجزع على أبي عبدالله الحسين(ع)، ونظراً لأن الفقهاء الذين أباحوها لم يكونوا يمارسونها كما يمارسون البكاء واللطم في بعض الحالات، فإنهم اعتمدوا في اعتبارها من موارد الجزع على دعوى فاعليها دون مناقشتها من أنها تصدر منهم من باب الجزع على أبي عبدالله الحسين(ع)، وهذا ما تفيده دعوى شيخنا المنار الذي نقلنا عبارته سلفاً، وننقلها هنا ليواكب القارئ معنا المناقشة خطوة خطوة:

 

 

 

(( المهم لقد فاجأت هذه الحركة علماء الشيعة في وقتها فاستدعوا الأتراك من هيئة إدارة التكية البكتاشية وسألوهم فشرحوا لهم الأمر بأن هذا الأمر إنما وجد لتقوية القلوب وهو لا يحتوي على أكثر من الحجامة ولكن بدون كاسات (فهو فصد)).

 

 

 

وهنا لا أنقل النص لاعتماده كحجة اعتمدها فقهاء ذلك الزمان كما هي دعوى شيخنا المنار، وإنما أردت فقط الإشارة إلى أن العلماء لم يكونوا يمارسونها وإنما اعتمدوا في اعتبارها جزعاً تماشياً مع دعوى فاعليها.

 

 

 

ولا أظن أن موضوع الحجامة يحتاج إلى إطالة أكثر لفساد القول به كما أشار إلى ذلك سماحة السيد الأمين، لنعيد قوله من جديد ولكن بعبارتنا:

 

 

 

إن الحجامة كما أفاد بذلك الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء والسيد الأمين للعلاج، فإذا تمت ممارستها بغير طريقتها ولغير غايتها لم يعد تسميتها حجامة، وقد كان اسم تلك الممارسة منذ بدايتها تطبيراً، وليس حجامة، وإنما كما يقول شيخنا المنار أنه حين السؤال عنها حاول فاعلوها مقاربتها بالحجامة لإيصال قناعتهم بها إلى الفقهاء الذين فاجأتهم الممارسة.

 

 

 

 

وإلا لجاز لنا الإدماء في كل أجزاء الجسم، وليس قصره على الرأس؛ لأن الحجامة ليست مقصورة على الرأس، وإنما يمكن عملها في الظهر وبعض الأماكن التي بحاجة إلى ذلك، ولجاز عمل الحجامة بدون كأس، وإنما بإعمال الجراحة، دون طبيب ودون استشارة.. فالأصل كما يقال الإباحة!!، فإذا كانت الحجامة لا تجوز إلا بمتخصصٍ فلماذا يجوز تصورها بعد خروجها عن طبيعتها كوصفة علاجية لغاية طبية في مسألة التطبير؟!!.

 

 

 

<H1 dir=rtl style="BACKGROUND: white; MARGIN: 0in 0in 0pt; DIRECTION: rtl; unicode-bidi: embed; TEXT-ALIGN: right">الحلقة الخامسة ..قراءة في دلالات البناء على رواية المحمل</H1>

 

هنا سنأتي للمسألة الثانية بعد الحجامة، وهي رواية نطح السيدة زينب(ع) برأسها مقدم المحمل الذي هي عليه بعد أن رأت رأس أخيها الإمام الحسين(ع)على الرمح، حتى سالت الدماء وبانت من مقنعتها، وقد دار بشأنها الكثير من النقاش، وأصبحت عند بعضهم مدار القول بالتطبير، دون النظر إلى الكثير من الملاحظات التي تشوب الرواية والراوي، والأحداث التي تحفل به الرواية، مما يفرض علينا نقل الرواية نصاً لمناقشتها، ومناقشة الملاكات التي قامت عليها..

 

إلا أن هناك بعض المسائل التي أرى مناقشتها قبل عرض الرواية، نظراً إلى أن حديثنا في الرواية ذاتها سيطول، ومن هنا أؤجل نقل الرواية إلى الحلقة اللاحقة.

 

ما اشتهر عن الفقهاء أنهم عملوا بأصالة البراءة، أو أصل الإباحة في الأشياء، وجواز مطلق الجزع في الحزن على أبي عبدالله الحسين(ع)، ولم نجد من اعتبرها سنداً لمبنى القول بالتطبير إلا قلة، ولذلك دلالته، وخاصة أوائل من أباح هذه العادة.

 

في مراجعة الفتاوى الصادرة رأيت نصاً منقولاً عن كتاب نصرة المظلوم، للشيخ حسن المظفر، ويروي عن شيخ الشريعة تصحيحاً للرواية، وموقع ذلك من الكتاب في ص 37-39:

 

((ولقد كان شيخنا العلاّمة شيخ الشريعة (قدس سره) بهذا الاعتبار وبتلك الأخبار يصحح الخبر المرسل الذي استبعده بعض العظماء من إن عقيلة عليّ الكبرى لمّا لاح لها رأس الحسين (عليه السلام) وهو على رمح والريح تلعب بكريمته نطحت جبينها بمقدم المحمل حتى سال الدم من تحت قناعها، ويقول أنه لا استبعاد فيه إلا من جهة ظهور الجزع منها وإيلام نفسها والإيلام الغير المؤدي إلى الهلاك لا دليل على عدم جوازه والجزع مندوب إليه ومرغوب فيه في كثير من الأخبار)).

 

المصدر: http://www.14masom.com/14masom/05/mktba5/book04/7.htm

 

 

وهو إن صح القول عنه واضح القبول بالدلالة دون التطرق إلى السند، مما يجعل قبوله ذاك في دائرة التصحيح الحدسي القائم على المفاد أو عليه وإلى جانبه القرائن إن توفرت.

 

بعد ذلك رأيت عدم الأخذ بهذا الرأي المدعى لشيخ الشريعة، واعتماده إلا عند السيد مرتضى الفيروز آبادي في فتواه الصادرة عنه في 18/2/13384هـ:

 

(( وأما التطبير: فإذا لم يكن بحد الضرر أو خوف الضرر فلا بأس به، وفعل زينب بنت علي (عليه السلام) من نطح جبينها بمقدم المحمل حتى جرى الدم معروف مشهور لا ينكر)) فتاوى العلماء حول الشعائر الحسينية ص 118-119.

 

 

مع أن مكانة شيخ الشريعة العلمية كبيرة جداً، ومرجعيته الكبرى تجعل الأخذ عنه عذراً وحجة، ولا أظن أن هذا الرأي لم يأخذ شهرته في ظل الباحثين عنه في ذلك الوقت كما هو الحال مع رأي الشيخ النائيني والشيخ محمد حسين كاشف الغطاء.

 

 

تظل فتوى السيد الفيروزآبادي متأخرة جداً بعقود عن الرأي المنسوب إلى شيخ الشريعة ، ولم يشر في ذلك بناءً على رأي شيخ الشريعة، ولعله إما أنه لم يطَّلع عليه أو أنه غير مطمئن إلى نقل الناقل، والله العالم.

 

بعد السيد الفيروز آبادي لم أجد من اعتمد هذا الرأي إلا من قلة جداًَ من متأخري فقهائنا، مع عدم استبعاد القائلين بذلك من غير الواردة أسمائهم الواردة في الصحف المتوفرة لدينا، إلا أننا نتحدث عن الرأي المكتوب أو المنطوق وقد تم تقييدهم.

 

 

قد يكون السيد الفيروز آبادي هو من لفت انتباه من ركن إلى القول بالتطبير بناءً على رواية ضرب السيدة زينب(ع) رأسها بمقدم المحمل، في حين لم يبنِ عليها المدافع الأول الشيخ عبدالحسين صادق العاملي في كتابه سيماء الصلحاء الذي وسَّع في الاستدلال، وناقش كل الإشكالات التي كان يوردها معارضو التطبير آنذاك، نظراً إلى أن السيد محسن الأمين في مناقشته لرسالته لم يأتِ على مسألة ضرب السيدة زينب لرأسها بمقدمة المحمل، حيث اجتهد الشيخ صادق العاملي في تتبع كل ما ما يراه ناهضاً في القول بالتطبير، ونفي الحرجية والحرمة عنه، فيما كان الشيخ عبدالحسين الحلي أكثر منه مراساً في الصولة والبيان والاستدلال، ومع ذلك لم أجد أياً منهما من بنى على هذه الرواية، ولا الاستناد إلى رأي شيخ الشريعة المنسوب إليه من قبل الشيخ حسن بن إبراهيم المظفر!!..

 

 

بعد مرور 15عاماً وأشهُر بعد فتوى السيد مرتضى الفيروزآبادي كانت فتوى السيد محمد وحيدي بتاريخ 4/12/1397هـ، حيث قال:

 

(( والتطبير وشدخ الرؤوس بالقامات، واللطم على الصدور وضرب السلاسل على الظهور إذا لم تكن مضرة بالنفس، لا إشكال فيها، بل يؤكدها ما في الرواية المعروفة من أن عقيلة بني هاشم السيدة زينب الكبرى(عليها السلام) مع ما نعتقد فيها من أنها تالية لمقام العصمة، وخريجة لمدرسة الإمامة والولاية، عندما واجهت رأس أخيها الحسين(عليه السلام) فوق الرمح أمام محملها نطحت جبينها بمقدم المحمل، حتى سال الدم وتقاطر من أطرافه)) المصدر السابق، ص197.

 

 

ليكون بعدهما بعض المتأخرين كالمرجعين من آل الشيرازي، المرحوم السيد محمد مهدي الشيرازي وخليفته الموجود الآن السيد محمد صادق الشيرازي، والسيد محمد صادق الروحاني، والذي أوكل وجود ذلك إلى المقاتل بقوله:

 

((وأما مصدر رواية ضرب السيدة زينب رأسها بالمحمل فراجعوا كتب المقاتل وقد طفحت بذلك)).

 

المصدر: http://64.233.169.104/search?q=cache:j6jJn...fta.com/ans.php

 

 

 

وللسيد سعيد الحكيم المرجع المعاصر، قولان في هذه الرواية قريبان من بعضهما:

 

س- ما رأي سماحتكم فيما يذكر أن السيدة زينب (عليها السلام) لما رأت أخاها الحسين (عليه السلام) ضربت رأسها بمقدم المحمل، فسال الدم من تحت القناع؟.

 

ج: ذكر ذلك بعض أرباب السِّير والمقاتل.

http://istefta.alhakeem.com/day/1425/25-03-16.htm

 

 

 

والرأي الثاني:

س: هل رواية نطح السيدة زينب (عليها السلام) رأسها بمقدم المحمل ثابتة وصحيحة عندكم؟

 

ج-ذلك مشهور ومعروف

http://istefta.alhakeem.com/tasel/1425-02.htm

 

 

ومع ظاهر عبارات السيدين الذي يفيد القبول بصحة الرواية، إلا أن المتيقن هو القبول بمضمون الرواية، وليس صحتها، نظراً إلى أن العبارات لا توحي بغير ذلك، حيث عبارة ((مشهور ومعروف))، و((ذكر ذلك بعض أرباب السير والمقاتل)) أو ((راجعوا كتب المقاتل وقد طفحت بذلك)) لا تتعدى القبول بالمفاد، نظراً إلى أنه ليس هذه العبارة التي تقال عن الرواية الصحيحة.

 

 

وعلى نفس المنوال عبارة السيد الفيروز آبادي، وإن أوحت كلمة((لا ينكر)) القول بالقطع من قبله، إلا أنها توحي بأنه قَبِلَها عملاً بالأخذ بالمشهور، وذلك عندما أعقب ذلك بقوله:

 

(( مضافاً إلى أن التطبير على الشرط المذكور لا دليل على حرمته، ولو شك فالأصل حليته)) فتاوى العلماء، ص119.

 

إذ لو كان لديه قطعاً بذلك لما احتاج إلى الركون بعد قوله(( معروف مشهور لا ينكر))، إلى العمل بالأصل العملي القائل بأصل الإباحة: ((لا دليل على حرمته، ولو شك فالأصل حليته)).

 

 

وبالبحث والتقصي، لم نجد لتلك الرواية من مصدرٍ سوى البحار نقلاً عن مصدر غير معلوم، وعن راوٍ مجهول الحال، وكنت أحاول أن أجد أحداً تناول الرواية بالبسط والنقاش، وقد يكون هناك من تناولها، إلا أن ما ظهر فقط هو أنها مرسلة، وفي العادة أن المرسلة لا يُبنى عليها، إلا مع توفر القرائن المساعدة على القول بصدق صدورها عن السيدة زينب(ع)، إذ لا يكفي أن يستشهد ببعض العبارات في الزيارات في البكاء كـ(( لأبكين عليك بدل الدموع دماً)) أو (( ملأ إناءه دماً)) نظراً إلى أن لهذه الروايات دلالات أخرى لا علاقة لها بقضية المحمل، إلا أن هناك جماعة يصرون على التمسك بها وبدلالتها، بناء على ما قلنا اعتمادهم على مشهور القاعدة القائلة(( التسامح في أدلة السنن)) فيما البناء عليها كبيرُ جداً، قد لا تعينهم عليه إلا بعض الأصول العملية، فيما لا تخلو استعانتهم تلك من مناقشة سنأتي عليها في حينها إن شاء الله تعالى.

 

 

وجدتُ بعض الملاحظات الجيدة على الرواية، وهي للخطيب الشيخ فوزي السيف في كتابه من قضايا النهضة الحسينية، ج2، هامش 55-56:

 

(( أقول : أول ما في هذا الخبر

· أنه من بعض الكتب (المعتبرة) عند العلامة المجلسي، ولم يعلم أي كتاب هو ولا مؤلفه.

· وثاني ما فيه إرساله.

· وثالث ما فيه مجهولية مسلم الجصاص فليس له ذكر في كتب الرجال.

· ورابع ما فيه وجود الخلل في المتن فقد ذكر فيه أن زين العابدين كانت أوداجه تشخب دماً!! ولا يخفى ما فيه إلا أن يكون تعبيراً كنائياً.

· وكذلك لم يعلم أن النساء سيرن إلى الكوفة على محامل وإنما كن على جمال بغير غطاء ولا وطاء كما هو المعروف، وإن كانت هذه بدورها تحتاج إلى تحقيق.

· وأيضا هل كان على النساء أقنعة حتى يخرج الدم من تحت القناع!! إلا أن يقال أنهن في بداية دخولهن لم يكن عليهن أقنعة ثم ناولتهن بعض الكوفيات أزرا و مقانع كما ورد في بعض المرويات التاريخية . .

· ثم أين كانت عن زينب عليها السلام وصية الحسين: إني أقسمت عليك فأبري قسمي، لا تشقي علي جيبا ولا تخمشي علي وجها .. كما نقلها في الإرشاد؟ .

· هذا مع ملاحظة أنهم يذكرون بأن رأس الحسين عليه السلام قد سير في نفس يوم العاشر مع خولى بن يزيد الأصبحي ( ليبشر ) بن زياد بالنصر!! ويفترض أنه في اليوم الحادي عشر أو الثاني عشر موجود في قصر الإمارة عند ابن زياد .. فكيف يقال فإذا هم بالرؤوس يقدمهم رأس الحسين؟؟)).

 

وبالرغم من أن أكثر القائلين بالتطبير بنو على الإباحة، وفي أشد حالات التفاعل قالوا بالاستحباب المؤكد كما هو للسيد صادق الشيرازي: ((جائز، بل مستحب مؤكد)).

 

http://www.s-alshirazi.com/masael/subject/shaaer/letter1.htm

 

في حين أن البعض ومن خلال ألفاظه يشي إلى أبعد من كونها عند ذلك الحد، حيث حكى بعضهم دعوى قول الشيخ المامقاني والدربندي بالوجوب:

 

(( نقل الثقاة أن عدة من مراجعنا العظام (قدس الله أسرارهم) كانوا يرون وجوب التطبير عينا وبعضهم كفاية كالشيخ المامقاني (قدس سره) حيث كتب رسالة خاصة في وجوب التطبير وكان في كل يوم عاشوراء هو وكل مقلديه يتطبرون...

 

وكذلك المولى الدربندي صاحب أسرار الشهادة وكان من مراجع التقليد في كربلاء المقدسة المعاصرين للشيخ الأنصاري فكان يفتي بوجوب التطبير ويتطبر هو ومقلدوه في كل عام)).

 

http://www.14masom.com/14masom/05/mktba5/book07/2.htm

 

 

 

ليختم مؤلف كتاب (( التطبير حقيقة لا بدعة)) في باب عينية التطبير بقوله: ((وبذلك يظهر أن التطبير واجب عيني تخييري)).

 

http://www.14masom.com/14masom/05/mktba5/book07/2.htm

 

 

 

وقال أحد كبار الفقهاء المعاصرين قبل نحو ثلاثة عقود بهذا النحو:

 

((لا يخفى على أهل الولاء والإيمان بأن إقامة العزاء على الإمام الحسين خامس أصحاب الكساء(عليه السلام) وسائر المعصومين (عليهم السلام) بكل أشكاله من تشييد المنبر الحسيني وقصائد الرثاء والنياحة، والضرب على الرؤوس والصدور، وتأسيس الهيئات الحسينية وتسيير مواكب اللطم، وضرب السلاسل، بل ومواكب التطبير وشدخ الرؤوس بالقامات على ما هو معروف ومتداول اليوم في الشوارع والأسواق ليس جائزاً فحسب، بل راجحاً ومن الشعائر الدينية، والسنة النبوية، بل في مثل هذه الظروف واجباً كفائياً في الجملة)) فتاوى العلماء ص182.

 

 

وهذا ما يشير إليه السيد محمد صادق الروحاني في إجابته على سؤالٍ عن التطبير على شبكة الفجر الثقافية:

 

((التطبير من الشعائر الحسينية ومؤثر في ترويج الدين والتشيع جائز وحسن وعن بعض العلماء الماضين انه قال ( لو حكم مفت بوجوبه الكفائي في هذا العصر لا اعترض عليه )).

 

 

 

 

<H1 dir=rtl style="BACKGROUND: white; MARGIN: 0in 0in 0pt; DIRECTION: rtl; unicode-bidi: embed; TEXT-ALIGN: right">الحلقة السادسة ..رواية المحمل وقراءة في السند والاعتبار</H1>

 

 

 

في هذه الحلقة، وبعد أن أنهينا مسألة تعامل القائلين بالتطبير مع رواية ضرب السيدة زينب، ننقل الرواية، ونناقشها، ونناقش بعض الملاحظات التي حاول البعض معالجتها، ظاناً بأنه تجاوز الإشكال الوارد عليها بقراءته.

 

 

 

(( رأيت في بعض الكتب المعتبرة روي مرسلاً عن مسلم الجصاص قال: دعاني ابن زياد لإصلاح دار الإمارة بالكوفة، فبينما أنا أجصص الأبواب وإذا أنا بالزعقات قد ارتفعت من جنبات الكوفة، فأقبلتُ على خادمٍ كان معنا فقلت: مالي أرى الكوفة تضج؟ قال: الساعة أتوا برأس خارجي خرج على يزيد، فقلتُ: من هذا الخارجي؟، فقال: الحسين بن علي عليهما السلام، قال: فتركت الخادم حتى خرج، ولطمتُ وجهي حتى خشيتُ على عيني أن يذهب، وغسلتُ يديَ من الجص، وخرجتُ من ظهر القصر، وأتيتُ إلى الكناس، فبينما أنا واقفٌ والناس يتوقعون وصول السبايا والرؤوس، إذ أقبلت نحو أربعين شقة تحمل على أربعين جملاًً فيها الحرم والنساء وأولاد فاطمة عليها السلام، وإذا بعلي بن الحسين عليهما السلام على بعين بغير وطاء، وأوداجه تشخب دماً ، وهو مع ذلك يبكي ويقول:

 

 

 

يا أمة السوء لا سقياً لربعكمُ ***** يا أمة لم تراعِ دنا فينا

 

 

 

لو أننا ورسول الله يجمعنا *****يوم القيامة ما كنتم تقولونا

 

 

 

تسيرونا على الأقتاب عاريةً *****كأننا لم نشيد فيكمُ ديناً

 

 

 

بني أمية ما هذا الوقوف على *****تلك المصائب لا تلبون داعينا

 

 

 

تصفقون علينا كفكم فرحاً *****وأنتم في فجاج الأرض تسبونا

 

 

 

أليس جدي رسول الله ويلكم *****أهدى البرية من سبل المضلينا

 

 

 

يا وقعة الطف قد أورثتني حزَنَاًَ*****والله يهتك أستار المسييئينا

 

 

 

 

قال: وصار أهل الكوفة يناولون الأطفال الذين على المحامل بعض التمر، والخبز والجوز، فصاحب بهم أم كلثوم، وقالت: يا أهل الكوفة إن الصدقة علينا حرامٌ وصارت تأخذ ذلك من أيدي الأطفال وأفواههم وترمي به إلى الأرض، قال كل ذلك والناس يبكون على ما أصابهم.

 

 

 

 

ثم إن أم كلثوم أطلعتْ رأسها من المحمل، وقالت لهم: صهٍ يا أهل الكوفة تقتلنا رجالكم، وتبكينا نساؤكم؟ فالحاكم بيننا وبينكم الله يوم فصل القضاء، فبينما هي تخاطبهن إذا بضجة قد ارتفعت، فإذا هم أتوا بالرؤوس يقدمهم رأس الحسين عليه السلام، وهو رأسٌ زهريٌ قمريٌ أشبه الخلق برسول الله صلى الله عليه وآله ولحيته كسواد السبج، قد انتصل منها الخضاب، ووجهه دارة قمر طالع، والرمح تلعب بها يميناً وشمالاً، فالتفتت زينب، فرأت رأس أخيها فنطحت جبينها بمقدم المحمل، حتى رأينا الدم يخرج من تحت قناعها، وأومأت إليه بحرقة وجعلت تقول:

 

 

 

يا هلالاً لما استتم كمالاً ***** غالهُ خسفاً فأبدا غروباً

 

 

 

ما توهمتُ يا شقيق فؤادي ***** كأن هذا مقدراً مكتوبا

 

 

 

يا أخي فاطمُ الصغيرة كلمها ***** فقد كاد قلبها أن يذوبا

 

 

 

يا أخي قلبك الشفيق علينا ***** مله قد قسى وصار صليبا

 

 

 

يا أخي لو ترى علياً لدى الأسر***** مع اليتم لا يطيق وجوبا

 

 

 

كلما أوجعوه بالضرب نادا ***** ك بذلٍ يغيض دمعاً سكوبا

 

 

 

يا أخي ضمه إليك وقرِّبه ***** وسكن فؤاده المرعوبا

 

 

 

ما أذل اليتيم حين ينادي ***** بأبيه ولا يراه مجيبا

 

 

 

)) المعجم الفقهي: بحار الأنوار، ج45، ص114-115.

 

 

 

 

 

وقد رواها تلميذه الشيخ عبدالله البحراني في كتابه: عوالم العلوم، الإمام الحسين: وبدأها هكذا: ((روُي مرسلاً عن مسلم الجصاص)) المعجم الفقهي: ص: 372، ولم يقل: رأيتُ كما قال الشيخ المجلسي، مما يعني أنه اعتمد على رواية شيخه الشيخ المجلسي في نقله، كما أن روايته لا تختلف حرفاً لا متقدماً ولا متأخراً عن الشيخ المجلسي، مما يورث اليقين بأنه ترك ذكر المصدر، واكتفى بـ: (( روُي مرسلاً عن مسلم الجصاص))، وهكذا في وفيات الأئمة في صفحة 163.

 

 

 

 

وما يظهر من رواية المتأخِرَين أنهما نقلا عنه، وأن الراوي الوحيد المعلوم هو الشيخ المجلسي، فيما الشيخ المجلسي، يكتفي بالقول بأنه أخذ الرواية من أحد الكتب المعتبرة، فيما الرواية لا يرويها أي من كتب المقاتل المعروفة، والتي هي مصدر المقاتل اللاحقة.

 

 

 

 

ومن هنا فيتوقف نقاشنا إلى مسلم الجصاص.. من هو مسلم الجصاص؟!.. وما اعتباره في الرواية.. ومن هو المؤلف؟!، وما اعتباره في الكتب؟!..

 

 

 

 

مسلم الجصاص: مجهول، غير معروف، ولا تذكره كتب الرجال، فلا ندري هل هناك اسمٌ بهذا الاسم أم لا.. خاصة وأن الشيخ المجلسي وإن وصف الكتاب بأنه أحد الكتب المعتبرة، إلا أنه لم يتطرق إلى الراوي بأي نحوٍ من الأنحاء.

 

 

 

وعلى ضوء ذلك لا نستطيع البناء مجرد اعتبار الكتاب، في ظل خضم التعارضات والأخطاء الواردة في الرواية، والتي سنبينها، مما يجعل العمل بالرواية أمراً في غاية الصعوبة.

 

 

 

 

الكتاب المعتبر: لا نعرف الكتاب، ولا من ألفه، ولا نعرف عنه إلا ما قاله الشيخ المجلسي بأنه من الكتب المعتبرة، وفيما هذا الاعتبار لا يعطي الكتاب حصانة من النقد فيما لو عُرِفَ، فإن الكتاب لا يزال مجهولاً، والراوي أيضاً غير معلوم، إلى الحد أنه ليس فقط غير مذكورٍ بجرحٍ أو تعديلٍ ليقال عنه أنه مجهول، وإنما هو غير مذكور في الكتب الرجالية إطلاقاً، ولا في كتب المقاتل، مما يعني أن دراسة حال الكتاب ومصنفه والراوي غير ممكن.

 

 

 

وهذا الحال في الرجال لا يغني رأي المتأخرين في التوثيق، كما يقول السيد الخوئي في معجمه:

 

 

 

(( ومما تثبت به الوثاقة أو الحسن أن ينص على ذلك أحد الأعلام الامتأخرين، بشرط أن يكون من أخبر عن وثاقته معاصراً للمخبر، أو قريب منه، كما يتفق ذلك في توثيقات الشيخ منتجب الدين، أو ابن شهر آشوب، وأما في غير ذلك فكما في توثيقات ابن طاووس والعلامة وابن داود ومن تأخر عنهم كالمجلسي لمن كان بعيداً عن عصرهم فلا عبرة بها، فإنها مبنية على الحدس والاجتهاد جزماً، وذلك فإن السلسة قد انقطعت بعد الشيخ، فأصبح عامة الناس إلا قليلاً منهم مقلدين يعلمون بفتاوى الشيخ، ويستدلون بها كما يستدل بالرواية على ما صرح به الحلي في السرائر وغيره في غيره)) معجم رجال الحديث، ج1، ص43.

 

 

 

ومع أن السيد الخوئي لا يرى اعتباراً للتوثيق الحدسي، إلا أن الشيخ السبحاني في كليات علم الرجال يقبل بذلك في حدود كونه من أهل الخبرة، ويراه مما لا بأس به:

 

 

 

(( فإجمال الكلام فيه أنه لا يُشترط في الاعتماد على قول أهل الخبرة أن يكون نظره مستنداً إلى الحس، فإنَّ قول المقوِّم حجة في الخسارات وغيرها، ولا شك أن التقويم لا يمكن أن يكون مستنداً على الحس في عامة الموارد، وعلى ذلك فلو كان الرجوع إلى علماء الرجال من ذاك الباب، فالرجوع إلى أعلام المتأخرين المتخصصين في تمييز الثقة عن غيره بالطرق والقرائن المفيدة للاطمئنان مما لا بأس به)) كليات في علم الرجال:155.

 

 

 

ومع ذلك فإن الشيخ المجلسي لم يتطرق إلى الراوي ذاته.. نعم قد يقال بأن عبارته(( الكتب المعتبرة)) يفهم منه تعديلاً للمصنف، إلا أن مجهولية الكتاب والمصنف يصعب العمل بذلك الاعتبار، وإن كان معروفاً عنده، خاصة وأنه اجتهد في أن يذكر أسماء المصنفين الذين يأخذ عنهم، وبالأخص المصنفات النادرة، نظراً إلى أن هذا الرواية لا توجد في أي من كتب المقاتل التي سبقته ولا التي لحقته.

 

 

 

 

ومن هنا فلا نعلم لذلك طريقاً، مما قد يفضي إلى القول بأن هذه عبارة ناسخ أو أن عبارة (( بعض الكتب المعتبرة)) تسامحاً في مثل هذا الفن، كما يميل إلى ذلك من صحح الرواية..

 

 

 

 

ومع ذلك كان ممكناً قبول الرواية في حال عدم تعارضها مع المشهور، بناءً على أن أكثر روايات المقتل في مقام المشهور، إلا أن قوله: (( فهذه الكتب هي التي عليها مدار النقل، وإن كان بعضه نادراً، وإن أخرجنا من غيرها فنصرح في الكتاب عند إيراد الخبر)) البحار، ج1، ص10، يجعلنا نتوقف عن ذلك، بناءً على خطته في النقل وقبول الرواية في بحاره.

 

 

 

 

لذلك فإننا عندما نراه لا يصرح باسم الكتاب ولا اسم المصنف، ولا تعرض للراوي، كما هي خطته في مقدمة بحاره، فلا مفر من القول بأنه تسامح في النقل عن هذا الكتاب، إلا أن تكون الرواية أو فقط عبارة(( بعض الكتب المعتبرة)) تهميشاً لغيره، أدرجها النساخ، وقد يكون المدرج فقط عبارة(( المعتبرة)) إلا أن هذا خلاف خطته التي ذكرها في المقدمة.

 

 

 

 

نعم يمكن اعتبار رواية الشيخ عبدالله البحراني للرواية، والتي لم يذكر مصدر روايته، إلا أننا نقرب أنه نقلها عن شيخه، نظراً إلى مطابقة روايته لرواية شيخه.

 

 

 

وبما أنه تلميذه فمن الممكن أيضاً أنه وضعها تهميشاً على كتاب أستاذه، لتدخل ضمن المتن لاحقاً من النساخ.

 

 

 

 

وعلى رغم جلالة الشيخ المجلسي، فإن عبارته(( بعض الكتب المعتبرة))، يفترض أن يكون الكتاب معروفاً على الأقل في عصره ليأخذ ذلك الاعتبار فيها، وهذا ما يفترض ألا تكون كتب المقاتل خالية من هذه الرواية، ولو على الأقل أحدها، إن لم نقل كلها، بناءً على ذلك الاعتبار.

 

 

 

 

وعوداً على جلالة الشيخ المجلسي فإن هذا لا يمنع من مدراسة ما يرويه، ففي بحاره، كما ألزم ذلك في خطته، وفي موارد أخرى كان يفترض التسامح أولى مع الشيخ محمد بن جعفر بن قولويه صاحب كتاب كامل الزيارات، إلا أن هذا وعلى جلالة قدره في الطائفة وتوثيقه المجمع عليه واعتبار كتابه فإنه لم يخلُ من أخذ وردٍ بشأنه:

 

 

 

 

حيث قيل فيه: (( لا شك أن مؤلف كامل الزيارات ( وهو الشيخ الأقدم والفقيه المقدَّم الشيخ أبو القاسم جعفر بن محمد بن قولويه المتوفى سنة 367 أو 369 على احتمال، والمدفون بالكاظمية في الرواق الشريف، وفي محاذاة تلميذه الشيخ المفيد) أحد أجلاء الأصحاب في الحديث والفقه، ووصفه النجاشي في فهرسه بأنه من ثقاة أصحابنا وأجلائهم في الفقه والحديث، وتوارد عليه النص بالوثاقة في فهرس الشيخ، والوجيزة والبحار، وبلغة الرجال للشيخ سليمان الماحوزي والمشتركات للشيخ فخر الدين الطريحي والمشتركات للكاظمي، والوسائل، ومنتهى المقال للشيخ أبي علي في ترجمة أخيه، والسيد رضي الدين بن طاووس وغيرهم من الأعلام)) كليات في علم الرجال، ص299.

 

 

 

وقيل في كتابه: ((وكتابه هذا من أهم كتب الطائفة وأصولها المعتمد عليها في الحديث، أخذ منه الشيخ في التهذيب وغيره من المحدثين، وهو من مصادر الشيخ الحر العاملي في وسائله)) كليات في علم الرجال، ص300.

 

 

 

 

فيما هو قال عن كتابه: (( ولم أخرج فيه حديثاً روي عن غيرهم إذا كان فيما روينا عنهم من حديثهم- صلوات الله عليهم- كفاية عن حديث غيرهم، وقد علمنا أنَّا لا نحيط بجميع ما روي عنهم في هذا المعنى ولا في غيره، ولكن ما وقع لنا من جهة الثقات من أصحابنا- رحمهم الله برحمته- ولا أخرجتُ حديثاً روي عن الشذاذ من الرجال يؤثر ذلك عنهم عن المذكورين، غير المعروفين بالروية، المشهورين بالحديث والعلم)) كامل الزيارات، ص 37.

 

 

 

 

ومع ذلك قال السبحاني عنه في إيراده على قول السيد الخوئي بشأن كامل الزيارات: (( أقول: أما رواة تفسير القمي فسيوافيك الكلام في نفس الكتاب، وأنه لم يثبت أن مجموع التفسير من تأليفه، وأما ادعاء العبارة المذكورة في مقدمة (( كامل الزيارات)) على أنه لا يروي في كتابه رواية عن المعصوم إلا وقد وصلت إليه من جهة الثقات من أصحابنا- رحمهم الله- فغير تام.

 

 

 

والحق ما استظهره المحدث المتتبع النوري، فقد استظهر منه أنه نص على توثيق كل من صدَّر بهم أحاديث كتابه، لا كل ما ورد في أسناد الروايات، وبالجملة يدلُّ على توثيق كل مشايخه لا توثيق كل ما ورد في أسناد هذا الكتاب)) كليات في علم الرجال، ص 301.

 

 

 

 

فإذن حتى الشيخ ابن قولويه على ما جهد في كتابه كامل الزيارات، وهو كتاب واحدٍ من مجلدٍ واحدٍ، فيما البحار بلغ مطبوعاً بالطبعة الحديثة المائة وعشرة مجلدات، مما يعني أن القول بحال الكتاب كله بنفس الرتبة غير متصور، وخاصة عندما أورد الكثير من الكتب النادرة ونقل عنها، حيث ستختلف مراتب الكتاب والنقل والرواية والرواة، بناءً على اختلاف مراتب الكتب والرواة التي ينقل عنها.

 

 

 

وإلى هنا انتهى حديثنا في سند الرواية.

 

 

 

 

<H1 dir=rtl style="BACKGROUND: white; MARGIN: 0in 0in 0pt; DIRECTION: rtl; unicode-bidi: embed; TEXT-ALIGN: right">الحلقة السابعه ..قراءة في النص( متن الرواية)</H1>

 

 

هنا سيكون كلامنا على مسارين، الأول سيتناول المتن، وهو النص، والثاني، في الدلالة، وهو المفاد الذي يترشح من الرواية.

 

 

إذ على الرواية دارت رحى المناكفة المحتدمة، دون التفات المنافحين عن وقوع حادثة النطح إلى أن هذه الرواية ليست سليمة من المناقشة في كل شأنها، لا في سندها، ولا في متنها، ولا في دلالتها، إلا أن هناك قضايا متخفية وراء الاستفادة منها، لسنا بصدد الحديث عنها، ولسنا بحاجة هنا للاشتغال بها.

 

في الرواية((قال: الساعة أتوا برأس خارجي خرج على يزيد، فقلتُ: من هذا الخارجي؟، فقال: الحسين بن علي عليهما السلام، قال: فتركت الخادم حتى خرج، ولطمتُ وجهي حتى خشيتُ على عيني أن يذهب))..

 

والكلام هنا في: حتى خشيت على عيني أن يذهب.

 

 

ويبدو أن (ألف) الاثنين سقط خطأً إما من المصنف وهو الشيخ المجلسي، أو من النساخ للبحار، وهذا ما ظهر في كتاب عوالم العلوم للشيخ عبدالله البحراني تلميذ الشيخ المجلسي: (( حتى خشيتُ على عينيَ أن تذهبا))ص، 372.. وهكذا نفس ورودها في كتاب وفيات الأئمة لمراجع من العلماء الأعلام، ص: 163.

 

وأما في القصيدة، فإننا نصحح هنا ما أخطأنا في ضبطه سلفاً، فيما كان شاب عرضها أخطاء عروضية، وقد نقلناها كما وردت في كتاب البحار، وهنا نعرض التصحيحين، أما ما أخطأنا في ضبطه فإننا نلونه باللون الأزرق، وأما ما صححناه فإننا نلونه باللون الأحمر:

 

 

يا هلالاً لما استتم كمــالاً ***** غالهُ خسفه فأبدا غروبــا

ما توهمتُ يا شقيق فـؤادي ***** كان هذا مقدراً مكتوبـــا

يا أخي فاطمُ الصغيرة كلــ ***** ـمها فقد كاد قلبها أن يذوبا

يا أخي قلبك الشفيق علـينا ***** مالـه قد قسى وصار صليبا

يا أخي لو ترى علياً لدى الأ ***** سرِ مع اليتم لا يطيق وجوبا

كلما أوجعوه بالضرب نـادا ***** ك بذلٍ يغيض دمعاً سكوبــا

يا أخي ضمَّه إليك وقرِّبــ ***** ــهُ وسكن فؤاده المرعوبا

ما أذل اليتيم حين ينــادي ***** بأبيه ولا يراه مجيبــــا

 

فيما هناك ملاحظة ما ورد في البيت الأخير:

 

ما أذل اليتيم حين ينــادي ***** بأبيه ولا يراه مجيـــبا

 

 

ففي مجمع البيان للشيخ الطبرسي: (( اليتيم الذي مات أبوه إلى أن يبلغ الحلم))، ج1، ص283، وهكذا في لسان العرب: (( اليتيم الذي مات أبوه، فهو يتيم حتى يبلغ الحلم، فإذا بلغ زال عنه اسم اليتم)) ج12، 645، وفي الناصريات للشريف المرتضى: ((إن اليتم اسم لغير البالغة، شرعاً ولغةً، أما الشرع فقوله عليه السلام: لا يتم بعد الحلم))ص333، فيما الإمام زين العابدين كان عمره حين استشهاد أبيه في الثانية والعشرين وأشهر من عمره الشريف، ولا يمكن إطلاق(معنى اليتيم) عليه، خاصة وأنه ليس فقط تجاوز سن اليتم، وإنما ابتعد بنحوٍ لا يمكن إطلاق اسم اليتم عليه ولو مجازاً، كما أنه إمام معصوم مفترض الطاعة للسيدة زينب(ع)، كما أنه لا يقال لمن أصبح أباً يتيماً، وكان الإمام السجاد(ع) أبو الإمام الباقر(ع) حينها، ولا أظن أن ذلك يخفى على السيدة زينب(ع).

 

في المحمل والهودج:

 

في رواية أيضاً: ((ثم إن أم كلثوم أطلعتْ رأسها من المحمل))، وقبل الأبيات المنسوبة للسيدة زينب(ع)، جاءت عبارة النطح هكذا: (( فنطحت جبينها بمقدم المحمل، حتى رأينا الدم يخرج من تحت قناعها)).

 

الأولى: قد أطلعتْ رأسها من المحمل.. ولنقرأ إحدى المعالجات لهذه الإشكالية:

 

(( فالمعترض توهم أن الوطاء والمحمل لهما معنى واحد، أو توهم أن عدم وجود الوطاء يلازم عدم وجود المحمل، وهو توهم فاسد، لأن المحمل المصنوع من الخشب هو ما يحيط بسنام الجمل ويركب عليه، ويطلق عليه الهودج أيضا غير أن الهودج خاص بالنساء، وسمي محملا لأن به يحمل المحمول، ويكون للمحمل جانبان وشقان يحمل بهما العديلان والشخصان المحمولان. (راجع لسان العرب ج3 ص334، مع مراجعة الهامش رقم 2 في نفس الصفحة، والقاموس المحيط ج1 ص328، والعين ج1 ص429 وفي القاموس المحيط للفيروزآبادي ج2 ص98: أن الخشبة التي في مقدم الهودج يقال لها: العير.)

 

أما الوطاء فهو كالفرش والغطاء الذي يوضع على ظهر الإبل تفاديا للجلوس على الظهر والوبر مباشرة، وما تسببه حركة البعير حال سيره من أذى ومشقة للراكب.

 

إن رواية النطح حين تصرح بعدم وجود الوطاء الذي يوضع على ظهر الجمل تؤكد في نفس الوقت على وجود المحمل المحيط بالظهر، وهذا أمر ممكن وجائز، أي أن الجمال كانت قد ركبت عليها المحامل ثم عمدوا إلى إزالة الوطاء الذي فيها أو لم يضعوه من الأساس بغرض إلحاق الأذى بأسارى آل محمد)).

 

http://www.al-meshkah.com/maaref_detail.php?id=3901

 

 

هذه القراءة اشتغلت بإثبات وجود المحامل والهوادج، ولكنها لم تلتفت إلى مجموعة من الأمور التي تتعلق بواقع تفسيره للمحمل والهودج، وما ورد في الرواية، فمن جهة قال: ((إن رواية النطح حين تصرح بعدم وجود الوطاء الذي يوضع على ظهر الجمل تؤكد في نفس الوقت على وجود المحمل المحيط بالظهر، وهذا أمر ممكن وجائز، أي أن الجمال كانت قد ركبت عليها المحامل، ثم عمدوا إلى إزالة الوطاء الذي فيها أو لم يضعوه من الأساس بغرض إلحاق الأذى بأسارى آل محمد)) ولكن هذا ليس هو الهودج الذي قال في مستهل كلمته: ((لأن المحمل المصنوع من الخشب هو ما يحيط بسنام الجمل ويركب عليه، ويطلق عليه الهودج أيضا غير أن الهودج خاص بالنساء))، خاصة وأنه لا يشير في ذيل الكلمة إلا بوجود المحامل.

 

 

وإن قصد أن مجرد وجود المحامل يعني الهودج فهذا غير صحيح، بناءً على تعريفه للمحمل أنه: ((ما يحيط بسنام الجمل ويركب عليه))، وكما في اللسان أن (( المحمل وزان مجلس الهودج)) اللسان ج11، ص178، والمحمل هو: (( الذي يركب عليه بكسر الميم))، فيما الهودج فهو الخدر، وهو: ((خشبات تنصب فوق قتب البعير، مستورة بثوب، وهو الهودج)) اللسان، ج4، 231.

 

 

في خطبة للسيدة زينب(ع)لا توجد إشارة إلا إلى المحامل، وبأنها بلا غطاء ولا وطاء.. وإنما انحصرت في حدود الأقتاب، وهي جمع قتب، وهو(( رحل صغير على قدر السنام))اللسان، ج1، 661.

 

http://www.holykarbala.net/books/tar...-kubra/11.html

 

 

حديث الروايات في تناول قصة الأسر أنها على أقتاب الجمال، بلا وطاء، أي دون شيء يحميهم من ألم الجلوس على خشب المحمل:

 

(( وبعد الزوال ارتحل إلى الكوفة، ومعه نساء الحسين، وصبيته وجواريه وعيالات الأصحاب وكنَّ عشرين امرأة، وسيروهن علي أقتاب الجمال بغير وطاء كما يساق سبي الترك والروم، وهنَّ ودائع خير الأنبياء ومعهن السجاد علي بن الحسين وعمره ثلاث وعشرون سنة)) مقتل الحسين للمقرم، ص 305.

 

 

يعني حتى قطعة القماش السميكة ليست موجودة، حيث ((بعلي بن الحسين عليهما السلام على بعين بغير وطاء، وأوداجه تشخب دماً)).. وإن وجدت فهي فقط للنساء، مع أن الرواية لا تستثني أحداً، إلا أن ما يبدو أن النساء تساعدهن ملابسهن الخاصة على حمايتهن من تأثير المحامل، كما أن حالهن يعلمه الله، كونهن نساءً ويتعففن من أن يطلع أحد على حالهن، لخصوصيته، أما الإمام زين العابين(ع) فكونه رجلاً فخروج الدم منه لا معنى له إلا لألم خشبات المحمل، كما أن مرضه وقيوده تساعد على خروج الدم منه على ذلك الحال.

 

 

فيما كلام السيدة زينب(ع) ليزيد ينفي نفياً قاطعاً وجود الهوادج على المحامل:

 

((أمن العدل يا ابن الطلقاء، تخديرك حرائرك وإماءك، وسوقك بنات رسول الله سبايا، قد هتكت ستورهن، وأبديت وجوههن، تحدو بهن الأعداء من بلدٍ إلى بلد، ويستشرفهن أهل المناهل والمعاقل، ويتصفح وجوههن القريب والبعيد، والدني والشريف)) مقتل الحسين للمقرم، ص358.

 

 

ويقول السيد بن طاووس: ((ثم رحل بمن تخلف عن عيال الحسين عليه السلام، وحمل نساءه صلوات الله عليه على إجلاس أقتاب الجمال بغير وطاء مكشفات الوجوه بين الأعداء وهن ودائع الأنبياء، وساقوهن كما يساق سبي الترك والرم)) الملهوف في قتلى الطفوف، ص84.

 

 

فلو قلنا بأن المحمل البسيط على النوق موجود، فهناك إلفاتة في رواية الجصاص لم يُلتَفتْ إليها، وهي: (( قد أطلعتْ رأسها من المحمل))، وهي إشارة إلى أنهن على ما هو أكبر من المحمل، حيث المحمل والهودج، وهو الخدر، وعلى هذا كيف شاهد الجصاص الدم والسيدة زينب داخل الهودج، كما في كلامه هو((قد أطلعتْ رأسها من المحمل)).

 

 

فإذا قلنا وقد قالت السيدة زينب(ع): ((يتصفح وجوههن القريب والبعيد، والدني والشريف))، وهي تشير بما لا يقبل الريب إلى عدم وجود للهوادج، فكيف صح أن يقول: ((قد أطلعتْ رأسها من المحمل))؟!، فلا أدري كيف يحل هذا الإشكال؟!..

 

 

قصة المقانع:

 

يقول الراوي الجصاص: ((حتى رأينا الدم يخرج من تحت قناعها)).

 

وبناءً على كلام السيدة زينب(ع): ((يتصفح وجوههن القريب والبعيد، والدني والشريف))، وبناءً على ما في مقتل الحسين للمقرم (( لما قتل أبو عبدالله الحسين عليه السلام مال الناس على ثقله ومتاعه، وانتهبوا ما في الخيام، وأضرموا النار فيها، وتسابق القوم على سلب حرائر الرسول(ص) ففررن بنات الزهراء(ع) حواسر مسلبات باكيا، وأن المرأة لتسلب مقنعتها من رأسها وخاتمها من إصبعها وقرطها من إذنها والخلخال من رجلها)) ص300.

 

 

ويقول الشيخ المفيد في إرشاده: (( قال حميد بن مسلم، فوالله لقد كنت أرى المرأة من نسائه وبناته وأهله تنازع ثوبها عن ظهره حتى تغلب عليه، فيذهب منها... وجاء عمر بن سعد فصاح النساء في وجهه وبكين فقال لأصحابه لا يدخل أحد منكم بيوت هؤلاء النسوة ولا تتعرضوا لهذا الغلام المريض، وسألته ا لنسوة ليسترجع ما أُخذ منهن ليتسترن به، فقال من أخذ من متاعهنَّ شيئاً فليرده عليهن، فوالله ما رد أحدٌ منهم شيئاً))ص 242.

 

فإن كان لا وجود للمحامل ولا للمقانع، فكيف تألفت الرواية؟!.. نعم يمكن أن يقال بأن الناس أعطوهم المقانع حفظاً لهن، إلا أن مشاهدة الدم وهي كما يقول داخل الهودج يسيل تحت المقنعة أمر لا يمكن تصوره..

 

 

قدوم الرؤوس إلى الكوفة في مساء يوم العاشر، والأسرى في مساء اليوم الحادي عشر:

 

((وسرح عمر بن سعد من يومه ذلك، وهو يوم عاشوراء برأس الحسين(ع) مع خولي بن يزيد الأصبحي وحميد بن مسلم الأزدي إلى عبيدالله بن زياد، وأمر برؤس الباقين من أصحابه وأهل بيته فقطعت، وكانوا اثنين وسبعين رأساً، وسرَّح بها مع شمر بن ذي الجوشن، وقيس بن الأشعث وعمر بن الحجاج، فأقبلوا حتى قدموا بها على ابن زياد، وأقام بقية يومه- أي ابن سعد- واليوم الثاني إلى زوال الشمس، ثم نادى في الناس بالرحيل، وتوجه إلى الكوفة ومعه بنات الحسين(ع) وأخواته ومن كان معهن من النساء والصبيان وعلي بن الحسين عليهما السلام فيهم وهو مريض)) الإرشاد للشيخ المفيد، ص243.

 

 

وما رأيته عند أرباب المقاتل أن عمر بن سعد قد بعث برأس الإمام الحسين(ع) إلى الكوفة عصر يوم العاشر، وأقام هو في كربلاء ومعه بنات الرسالة والإمام زين العابدين(ع) بقية يوم عاشوراء، إلى زوال الشمس من اليوم الحادي عشر كما تشير رواية الشيخ المفيد أعلاه، وهذا يعني وصول الرؤوس قبل السبايا إلى الكوفة، وليس وصولهم معاً:

 

فكما نقلنا ذلك عن الشيخ المفيد في إرشاده، فكذلك في مستدرك سفينة البحار، ج4، ص5، وهكذا في أعلام الورى للشيخ الطبرسي، ج1، ص47، وأيضاً في الملهوف على أهل الطفوف للسيد بن طاووس، ص 84، والمجلسي في البحار راوياً عنه في الجزء45، ص107، وهكذا في المقاتل اللاحقة كمقتل الحسين للسيد محمد تقي بحر العلوم الملحق به إضافات نجله السيد حسين آل بحر العلوم، ص462-463، ومثله مقتل الحسين للسيد المقرم، ص304-305.

 

 

فيما رواية الجصاص تقول بأن الرؤوس جاءت مع السبايا، بل إنه حسب الرواية لا يعلم بوصول الرؤوس إلا مع السبايا (( فبينما أنا أجصص الأبواب وإذا أنا بالزعقات قد ارتفعت من جنبات الكوفة، فأقبلتُ على خادمٍ كان معنا فقلت: مالي أرى الكوفة تضج؟ قال: الساعة أتوا برأس خارجي خرج على يزيد، فقلتُ: من هذا الخارجي؟، فقال: الحسين بن علي عليهما السلام، قال: فتركت الخادم حتى خرج، ولطمتُ وجهي حتى خشيتُ على عيني أن يذهب، وغسلتُ يديَ من الجص، وخرجتُ من ظهر القصر، وأتيتُ إلى الكناس، فبينما أنا واقفٌ والناس يتوقعون وصول السبايا والرؤوس)).

 

 

فيما يفترض وصول الرؤوس في اليوم العاشر وإن كان الوصول متأخراً إلا أنه كجصاصٍ في القصر فليس منطقياً ألا يعلم بوصول الرأس إلا في الوقت الذي وصل فيه موكب الأسر في مساء اليوم التالي، لا أقل أن يعلم بذلك في صبيحة اليوم الحادي عشر، وهو وصول الرأس إلى قصر بن زياد كما في مقتل الحسين للمقرم: (( وعند الصباح غدا بالرأس إلى قصر الأمارة، وقد رجع ابن زياد في ليلته من معسكره بالنخيلة فوضع الرأس بين يديه)) ص304.

 

في حين أن موكب الأسر خرج من كربلاء بعد زوال الشمس من اليوم الحادي عشر، فعدم علمه إلى اليوم التالي وهو يشتغل في القصر غير منطقي، وروايته تقول (( فبينما أنا أجصص الأبواب وإذا أنا بالزعقات قد ارتفعت من جنبات الكوفة))، فمعنى ذلك أن وصول الرؤوس والسبايا أو وصول أحدهما قبل الآخر سيثير الضجة، خاصة وأن الرواية ابتدأت بالحديث عن الرأس قبل السبايا: ((الساعة أتوا برأس خارجي خرج على يزيد)).

 

 

إلا أن رواية الجصاص تقول في ذيل الرواية: ((فبينما هي تخاطبهن إذا بضجة قد ارتفعت، فإذا هم أتوا بالرؤوس يقدمهم رأس الحسين عليه السلام)).. وكأن الرأس جيء به من كربلاء بعد الأسرى، أو هو في نفس الركب، إلا أنه تأخر عن الوصول إليهم، وهذا غير صحيح كما أسلفت الروايات التي عرضناها، ، وإن جيء به من القصر إلى موكب الأسر لزيادة الألم والشماتة ببنات الرسالة، فعدم علمه بذلك إلا عند وصول موكب الأسر لا يتناسب مع الضجة التي يحدثها دخول الرأس إلى القصر صباح يوم الحادي عشر من المحرم وكان هو في القصر يجصص أبواب القصر، وكما علم بوصول موكب الأسر فإنه يفترض به أن يعلم بوصول الرؤوس، خاصة وأن عبيد الله بن زياد وصل إلى القصر ليلة الحادي عشر، فلا يمكن أن يصل ابن زياد إلى القصر بعد غيابه في عن القصر لمتابعة أخبار القتال عن قرب، ويأتي فرحاً ويضع الرأس بين يديه ولا يحدث ذلك ضجة، ولا يعلم به الجصاص: (( وقد رجع ابن زياد في ليلته من معسكره بالنخيلة فوضع الرأس بين يديه))مقتل الحسين للمقرم، 304، ولم يجتمع الرأس والأسرى إلا في قصر الإمارة: (( ولما وصل رأس الحسين(ع) ووصل ابن سعد من غد يوم وصوله ومعه بنات الحسين(ع) وأهله جلس ابن زياد للناس في قصر الإمارة وأذن للناس إذناً عاماًَ، وأمر بإحضار الرأس فوضع بين يديه، وجعل ينظر إليه ويبتسم))إرشاد الشيخ المفيد243.

 

 

بناءً على ما تقدم، فإن الرواية مليئة بالملاحظات التي يصعب تجاهلها، وذلك للتالي:

 

1- قوله بوصول الرؤوس وموكب الأسر معاً، وهذا غير صحيح، كما أسلفنا وأثبتناه.

 

2- قوله بأن السيدة كانت في محمل، وعليها مقنعة، والروايات تقول بأنهن على محامل بأقتاب وحسب، وأما المقانع فقد سلبت منهن بعد استشهاد الإمام الحسين(ع).

 

3- عدم علمه بوصول الرأس إلا بعد وصول موكب الأسر، مع الفارق الزمني بينهما، فيما هو في موقعه لا يمكن أن يتأخر علمه بذلك إلى هذا الوقت.

 

 

وإلى هنا انتهت الحلقة السابعة - التتمة:

 

هناك بعض النقاط التي يحسن التطرق لها قبل الولوج في الحلقة الثامنة.. وهي: عودة إلى قصة المقانع.. واجتماع الموكب بالرأس الشريف..

 

في مقتل الإمام الحسين(ع) للسيد ابن طاووس(( الملهوف في قتلى الطفوف)) يقول:

 

((وسار ابن سعد بالسبي المشار إليه، فلما قاربوا الكوفة اجتمع أهلها للنظر إليهن. قال الراوي: فأشرفت امرأة من الكوفيات فقالت: من أي الأسارى أنتن؟.

 

فقلن: نحن أسارى آل محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)). فنزلت المرأة من سطحها، فجمعت مُلاء(ملاحف)، وأُزراً ومقانع، وأعطتهنَّ، فتغطينَ)) ص172.

 

إشارة إلى أنهن تغطين عند مدخل الكوفة، وهذا يقرب الصورة إلى أن الجصاص قد يكون رآها بعد أن قُدِّم لها ومن معها المقانع.

 

إلا أن ما ورد في خطبتها في مجلس يزيد يُبعِّد ذلك:

 

((أمن العدل يا ابن الطلقاء، تخديرك حرائرك وإماءك، وسوقك بنات رسول الله سبايا، قد هتكت ستورهن، وأبديت وجوههن، تحدو بهن الأعداء من بلدٍ إلى بلد، ويستشرفهن أهل المناهل والمعاقل، ويتصفح وجوههن القريب والبعيد، والدني والشريف)).

 

حيث يظهر من كلمتها منحيين في عمل الهتك الإجرامي الأموي، عملتْ(ع) في الأول على عرض مقاربة بين وضعها وبنات رسول الله وحرائر وإماء يزيد:

 

((أمن العدل يا ابن الطلقاء، تخديرك حرائرك وإماءك، وسوقك بنات رسول الله سبايا، قد هتكت ستورهن، وأبديت وجوههن)).

 

وهو إشارة إلى واقعهن، وواقع حرائر وإيماء يزيد، فيما اتجه المنحى الثاني إلى ذكر واقعهن في حالة الحداء والسير بهن من بلدٍ إلى بلد:

 

((تحدو بهن الأعداء من بلدٍ إلى بلد، ويستشرفهن أهل المناهل والمعاقل، ويتصفح وجوههن القريب والبعيد، والدني والشريف)).

 

خطبتها هذه قالتها وهي في الشام، وهي آخر مراحل السبي، مما يعني أنها ومن معها ابتلين بإبداء الوجوه في كل مراحل السبي، وليس فقط من كربلاء إلى مداخل الكوفة.

 

ومع افتراض وجود المقانع على نساء موكب الأسر، ومن بينهن السيدة زينب(ع)، ولكن هذا لا يكفي للقول بصحة الرواية، حيث يمكن أن يشتبه الرائي بين وجود مقنع، وبين وجود غطاءٍ من نفس ما يوضع على الرأس، ويمكن أن يشاهد الدم قد ملء الملاءة أو المقنعة التي تغطي وجهها به، ولكن كيف يمكن أن يشتبه المرء بين وجود محمل بلا هودج وبين محملٍ بهودج؟!..حيث المحمل هو ما يوضع تحت مجلس الراكب(لراحة الراكب)، فيما الهودج هو ما يستر المرأة عن الرجال!!.

 

فيما من جانبٍ آخر كيف يمكن حل الإشكال بين وصول الرأس إلى الكوفة قبل وصول موكب الأسر بيومٍ كاملٍ؟!.. وكيف يمكن حل الإشكال في وجود الرأس الشريف في القصر، فيما الراوي

(( الجصاص)) في نفس القصر وهو لا يعلم بوصول الرأس، في حين أن ابن زياد قد وضع في صباح يوم الحادي عشر الرأس أمامه، وهو في مجلسه؟! وهذا وحده يحدث الضجة!! وكيف يمكن حل الإشكال في قوله(( أطلعت رأسها من المحمل)).

 

ومع قبول تبرع المرأة الكوفية بتقديم المقانع إلى السبايا فهذا يعني عدم وجود هوادج ساترة، وإن قبلنا بتبرع المرأة الكوفية بالمقانع وقبلنا أيضاً بوجود الهوادج، كيف نثبت أن السيدة زينب(ع) عندما ضربت رأسها بمقدم المحمل أخرجت رأسها من الهودج ليراها الراوي مسلم الجصاص؟!..

 

فيما من جانب آخر ومع افتراض كل ذلك لا دليل على خروج الرأس الشريف من القصر؟! حيث موكب الأسر هو من لحق بالرأس الشريف، وليس الرأس الشريف من لحق بموكب الأسر.

 

ومع قبول ذلك الافتراض الذي لا يوجد ما يبرر القبول به، ولو رواية واحدة، كيف نجد مخرجاً بعدم علم الراوي((مسلم الجصاص)) بوصول الرأس قبل موكب الأسر وهو يعمل في القصر، في حين سمع الضجة وهي خارج القصر بوصول موكب الأسر؟!..

 

من هنا لا يمكن قبول الرواية وهي على هذا الاضطراب، وتمريرها بعنوان(( التسامح في أدلة السنن)).. لأن المشكل فيها ليس فقط في السند، وإنما أيضاً في المتن، ناهيك عن الدلالة التي لا تتيح لمن أراد البناء عليها في التطبير عذراً.. ونترك هذا الأمر لأهل الفن ليس في قبول الرواية، وإنما في طريقة البناء عليها في مسألة التطبير.. حيث يظهر أن البناء عليها على تلك الصورة قاصر في أشد حالات القصور، وأن القول بذلك مجافٍ لطبيعة الرواية من حيث السند، إلى حيث المتن، إلى حيث الدلالة..

 

 

الحلقة التاسعة....قراءة في دلالة المتن والتطبير

 

في البدء أشير إلى أن طبيعة الحلقة التاسعة دراسة متعمقة في دلالة رواية المحمل، وفي ذات التطبير، ولذلك قد يواجه بعض الأخوة نصباً في قراءة هذه الحلقة أو في فهم مطالبها، ولذلك اعتذر عن ذلك، وليسجلوا ملاحظاتهم كما هو في سائر الحلقات لمناقشتها بعد الانتهاء من هذه الدراسة.. واعتذر للإطالة، ولا تنسونا من صالح دعائكم..

 

تناولنا في الحلقة الثامنة أول مصدرٍ روى رواية مسلم الجصاص أو الحصاص، وذكرنا ما في ذلك من هنات لا يمكن تجاهلها، في المصنف والرواية، ثم بعد ذلك أعقبناها بقراءة أكثر تأنٍ لبعض تلك الهنات، مع ترجمة موجزة للأسفرائيني وأقوال بعض العلماء فيه، وفي مرتبته العلمية.

 

وهنا نرحل إلى مناقشة دلالة متن رواية المحمل فيما لو أغفلنا تلك الهنات التي تحيط بها، إن كانت تولِّد ذلك المعنى الذي دارت عليه رحى القول بالتطبير عند البعض، أو جعلها من أهم ملاكاتهم، لتكون مرجعية قولهم به وفعلهم له السيدة زينب(ع). ثم سنذكر الضمائم الأخرى ومناقشة دلالاتها إن شاء الله تعالى..

 

ابتداءً يفترض بنا أن نتناول كيفية العمل بما صدر عن المعصوم، وموقع هذه الرواية- بعد الإغضاء عن كل هناتها التي لا تجعلها ضعيفة فحسب، وإنما تذهب بها إلى ألا واقع لها على الإطلاق- في دائرة الاستدلال به في مسألة الجزع..

 

فعندما نأتي إلى ما يصدر من المعصوم أو عنه، سواء كان النبي(ص) أو أحد الأئمة المعصومين(ع)، وإلى النبي والأئمة المعصومين سيدة النساء فاطمة الزهراء(ع)، وهو كل قول أو فعل أو إقرار منهم على شيء صدر أمامهم أو سمعوا به ولم ينهوا عنه فهو سنة، إما أن تكون قولاً نصاً عن رسول الله(ص)، أو تبياناً لقوله أو فعله أو تقريره، أو تبياناً للقرآن الكريم(( لتبين للناس ما نُزِّل إليهم))، وفي القول، كقول النبي(ص): (( علي خليفتي عليكم من بعدي)).

 

وفي تبيان النبي(ص) لما يقوله:((صنفان من أمتي إذا صلحا صلحت أمتي وإذا فسدا فسدت أمتي))، قيل: ((يا رسول الله، ومن هم؟ قال: الفقهاء والأمراء)) تحف العقول لابن شعبة الحراني، ص50، ولفعله قال( أتاني جبرائيل بما قلتم وزعمتم أني نسيتُ أن أصلي على ابني لما دخلني من الجزع!، ألا وإنه ليس كما ظننتم، ولكن اللطيف الخبير فرض عليكم خمس صلوات، وجعل لموتاكم من كل صلاة تكبيرة، وأمرني أن لا أصلي إلا على من يصلي))الكافي، ج3، 208.

 

وفي تبيان قول المعصوم عن النبي ما قاله الإمام الصادق(ع): (( حديثي حديث أبي، وحديث أبي حديث جدي، وحديث جدي حديث الحسين، وحديث الحسين حديث الحسن، وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين عليه السلام، وحديث أمير المؤمنين حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وحديث رسول الله قول الله عز وجل)) الكافي، ج1، ص53.

 

فالسنة إذن:

 

(( فهي عندهم- السنة- كل ما يصدر عن المعصوم قولاً وفعلاً وتقريراً)) الأصول العامة للسيد محمد تقي الحكيم،ص122.

 

وتختلف مراتب الأمر في السنة، فقد يكون فيها ما هو تبيان أو أمر أو نهي أو كراهة أو استحباب، أو ما يصدر من فعل المعصوم كما قال الله تعالى(ص): ((ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا))، وقوله (ص): ((خذوا عني مناسككم)) الناصريات للشريف المرتضى، ص311، فيما إقرار لشيء تم عمله أمامه أو سمع به فإنه يدخل في المستحبات، أو المباحات، كما هو إقرار النبي(ص) لبعض العادات التي كان يعيشها العرب قبل الإسلام، كحرمة القتال في الأشهر الحرم، وبعض المكارم الأخلاقية التي كانوا عليها، لقوله(( إنما بعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق)).

 

إلا أن امتثالنا لعمل صدر عن المعصوم يجب أن يكون بعد علمنا بصدوره عنه، وفهم مراده منه دون أن يعرضه عارضٌ كتقية، أو أنه يخص أحداً بعينه، أو ظرفاً بعينه، فمثلاً لا يصح تعميم قول أن النبي(ص) (( أنت ومالك لأبيك)) بمعنى عدم ملكية الابن لماله، وإنما المالك هو والده، فهل حقاً هذا ما يقصده النبي(ص)؟!. جماعة فهموا هذا، ولكنهم تعثروا كثيراً بهذا الفهم في أقوال النبي(ص)، فقد سقطوا في فهم (( من كنت مولاه فهذا علي مولاه)) وادعوا أنهم فهموا أن مقصود النبي(ص) أن علي حبيبكم وناصركم، وليس وليكم.. بناءً على تأويلاتهم لكلمة (( مولى)).

 

فإذن لا بد من معرفة مراد المعصوم من قوله ذاك، وهذا ما يذكرنا بالرواية السابقة بخصوص ترك النبي(ص) الصلاة على ابنه إبراهيم، فإذا لم نعرف السبب، فلا يحق لنا بالقطع بتأويلنا بقصده، حيث زعم الناس أن سبب ترك النبي(ص) الصلاة على ابنه إنما هو بدافع الجزع، فيما السبب أن صلاة الميت لا تكون إلا على من يصلي.

 

فإذن لا بد أولاً من إحراز صدور القول أو الفعل عن المعصوم، ومن ثم حجيته.

 

حيث يأتي الكلام بعد ذلك في مراد قول المعصوم من فعله أو إقراره، كما يقول الإمام الصادق(ع): ((أنتم أفقه الناس إذا عرفتم معاني كلامنا))معاني الأخبار للشيخ الصدوق، ص1.

 

وفي المقام هنا نناقش دلالة ما لو صح أن السيدة زينب(ع) حقاً نطحت رأسها بمقدم المحمل، فهل يصح أن نبادر نحن ونقوم بشق رؤوسنا أو نطحها حزناً ابتداءً بعنوان المواساة أو الجزع؟!.

 

هنا لا بد أولاً من القول بأنه لا بد من مطابقة الدليل(النص) لمفهوم المدلول عليه( وهو الموضوع)، وإلا أصبح خارجاً، أو على أقل تقدير لا يتجاوز أن يكون دلالة تقريبية لا يكفي الحمل به على المطابقة.

 

بمعنى.. حتى نستدل على أمرٍ ما، سواء بالأمر أو النهي أو الاستحباب أو الكراهة أو الإباحة لا بد أن يكون هو منطوق الدليل نفسه إلى ذلك، أو على الأقل مفهومه، فلو قال النص مثلاً: أكرم زيداً، فهو يعني إكرامه، كما هو منطوق، وفي الوقت ذاته لا يجوز إهانته، كما في قوله تعالى(( ولقد كرمنا بني آدم))، حيث هو منطوق النص الشريف، ومفهومه أن الله تعالى لا يرضى بإهانته، وهنا يجوز العمل بكل وجوه الإكرام، وليس وجهاً واحداً، كما تحرم كل وجوه الإهانة وليس وجهاً واحداً من وجوه الإهانة، كما في قوله تعالى: ((ولا تقل لهما أفٍ))، حيث هذا أدنى مراتب النهي، والنهي هنا عن قول((أف)) وهو المنطوق يدل على حرمة ما هو أشد، وهو المفهوم منه.

 

هنا نأتي إلى دلالة ما لو احتملنا صدور ذلك عن السيدة زينب(ع)، حيث للدلالة قسمان كما عند الأصوليين، دلالة تصورية تأتي من خلال ((خطور معنى اللفظ في الذهن عند سماعه، وكون سماعه موجباً لتصور معناه، ودلالة تصديقية، وهي دلالة اللفظ على كون المعنى مراداً لقائله فتكون سبباً لتصديقك، فلو قال أحد زيد قائم، تقول إنه يعتقد قيام زيد، وأن مراده الإخبار بقيامه)) مصطلحات الأصول للشيخ المشكيني، ص132-133.

 

وأظن أن في بعض ما قلناه بحاجة إلى إيضاح، وهو أن دلالة قول الله تعالى(( أقم الصلاة)) هي الأمر بالصلاة الفريضة المكتوبة التي نصليها، حتى تأتي قرينة تصرف ذلك المراد عنه، كما لو كان النبي(ص) في ظرف النوازل، فقد يصرف هذا الأمر إلى صلاة الآيات، فمراد الله تبارك وتعالى في الصلاة هنا ليس الصلاة على النبي(ص)، وإنما هي تلك الأفعال والأذكار المخصوصة التي تؤدى أداءً في أوقاتها المخصوصة، وهذه دلالة تصورية، حيث أوجب سماعنا لكلامه سبحانه بإقامة الصلاة تصور الصلاة الواجبة، تلك الأفعال والأذكار، وفي تلك الأوقات المخصوصة، ودلالة النص التصديقية هو أنه يريد هذه الصلاة لا غيرها.

 

وهنا مع احتمال صحة صدور ذلك الموقف من السيدة زينب(ع) فهل ما صدر منها هو قصد الإدماء في ذاته، أم أنه صدر قهراً بدافع الجزع الشديد الذي يعيشه من هو في مثل ذلك المشهد المؤلم المفجع؟!.

 

هناك من يتأول كثيراً ويتأوه كثيراً عندما تقول له إن ما صدر هو قهرياً، معتقداً أن قصد من يقول ذلك أن السيدة زينب(ع) خرجت من عهدة المسؤولية إلى التصرف وهي جازعة بلا مسؤولية!!.. وهذا قول مجافٍ للحقيقة واجتهاد يساوي تصور قصدها ذات الإدماء.

 

المقصود بـ(قهرياً) أنه لا يصدر إلا في مثل هذا الموقف( مع تصور صدوره)، وفي غير هذا الموقف لا يصدر، وأن ما يدفع لصدوره هو ذلك المشهد المفجع فقط، وأن الجزع قد بلغ في ظرف مشاهدة الرأس على تلك الحالة، وليس في تصوره، حيث مع تصور المعصومين وأهل البيت لذلك المشهد إلا أنهم لم يفعلوه.. ذلك عندما نقول بأن دافعه هو إما مشاهدة الرأس أو تصور حالته.

 

ولذلك فلا شك أن ما يجعل ذلك الفعل يصدر إنما هو تلك الحالة الشديدة الخاصة من الجزع، بمعنى آخر أنها لا تفعل مثل هذا إلا في مثل هذا الموقف، ولذلك فإنه لم يُروَ أنه صدر عنها أو عن أحد المعصومين هذا العمل، ولا حث عليه أحدٌ منهم، فإن صح صدوره فإن هذا يعني أنه مقصور على ذلك المشهد فقط، ولا دليل على استصحابه في غير ذلك الحال.

 

مما يعني أنه لا يمكن تصور حدوثه في غير ذلك المشهد، وبالتالي فإنه لا يُتَصور من أحدٍ أن يكون كالسيدة زينب(ع) في مثل ذلك المقام، ولا حالها، وبالتالي لا يصح لأحد أن يتذرع بذلك الفعل ليفعله، بناء على أن مثله صدر من السيدة زينب(ع).

 

إلا أنه قد يقال: أيننا نحن من صبر زينب(ع)؟!، ولذلك فصدور مثله بناء على قلة صبرنا جزعاً متوقع، ومع افتراض ذلك فلا بد أن يكون صادراً عن جزعٍ، فيما حالة الإدماء التي تصدر هذه الأيام فليست متمخضة عن جزعٍ أبداً، وإنما يقف جماعة راغبين في جرح رؤوسهم أمام جرِّاح متمرس يعرف أين يجرحهم، ثم بعد ذلك يأخذون سيوفاً ويضربون بسطحها على رؤوسهم، وهذا يخرجه عن أدنى مراتب الجزع، وكأنه يبرز المترتب عن الجزع، ومن ثم يجزع، ولا أدري أي عنوان يسمى الإدماء حينها ما لم يكن متمخضاً عن جزع؟!!.

 

كما أن من جاء بعد السيدة زينب(ع) في زمن المعصوم أقل صبراً بكثير من السيدة زينب(ع)، ومع ذلك لم يصدر مثل هذا العمل منهم، كما أن نشأة التطبير- كما تفيده واحدة من الروايات- لم يكن بصدد الجزع من أساسه، وإنما كما فسره أهله بأنه لتقوية القلوب، وأن ما تفيده الروايات الأخرى لم يصدر ممن يمكن الركون إلى فهمه للجزع.

 

مع أن ما يثير الريبة في دعوى أن السيدة زينب(ع) نطحت رأسها بمقدم المحمل هو أنها ركبت ذات الجمال التي دخلت بها الكوفة، وعليها ذات المحامل، والرأس بناء على رواية المحمل التي يرويها الشيخ المجلسي والاسفرائيني معها وأمامها منذ بداية الطريق، ومع ذلك لم يصدر منها مثل هذا الفعل إلا في الكوفة!!.. أي بعد ساعات طويلة جداً وهي تراه أمامها، ولم تفعله مرة أخرى، مع أن المسافة بعد ذلك إلى الشام وهو الثابت حقاً أنها والموكب الشريف سيروا جميعاً!! فلا أدري لماذا غفل عن ذلك من اطلع على حال الرواية؟!..

 

حجية قول وفعل السيدة زينب(ع):

 

من المؤكد أن للسيدة زينب(ع) مقام رفيع في العلم والتقوى، وما روي عن أن الإمام زين العابدين(ع) قال لها: ((أنت بحمد الله عالمة غير معلمة، وفهمة غير مفهمة)) دلالة على مكانتها العالية عند أهل البيت(ع)، إلا أنه لا يقصد أن ذلك على الإطلاق، وأنها عالمة غير معلمة- بفتح وتشديد اللام- كما هو علم المعصوم، وإنما قصده أنها في مورد ما قاله لها عالمة لا تحتاج إلى من معلم، وقد تعلمت كل ذلك من قبل، وقد نقبل تجاوز ذلك كونها ليست عالمة في تكليفها في مورد ما قاله لها، وإلا لا تكون فقهية بالمعنى الذي نفهمه عندها، ولكن هذا لا يعني أن حجية ما تقوله أو تفعله أو تقره بنفس حجية ما يقوله الإمام السجاد(ع)، وإلا لاقتضى القول بعصمتها كعصمته(ع).

 

إلا أنه لا مندوحة إلا إلى القول أن إقرار المعصوم لها دلالة على إباحته، إلا أن ما قاله الإمام السجاد لها لم يكن في ذلك المورد(ع)، وإنما قاله لها بعد أن خطبت خطبتها البليغة التي أبكت بها أهل الكوفة، فحاروا بعد خطبتها، حتى قال بعض من سمعها(( بأبي وأمي، كهولهم خير الكهول، ونساؤهم خير النساء))عوالم الإمام الحسين للشيخ البحراني، ص370.

 

أما لو أيد مثل ذلك العمل بصدور ما يشي بذلك من فعل كتكراره، أو قول كالحث على الإتيان بمثله فإنه يدخل في مورد الاستحباب أو الوجوب.

 

الرواية في البحار لا تشير إلى شيء من ذلك، كل ما في الأمر أن السيدة زينب(ع) عندما نطحت رأسها مقدم المحمل أومأت إلى الرأس الشريف بخرقة لديها وقالت تلك الأبيات التي ذكرناها في ذيل الرواية، ثم قال الشيخ المجلسي: ((ثم قال السيد: ثم أن ابن زياد جلس في القصر للناس)) البحار، ج45،ص115.

 

وكما هو في الرواية فإنه لم يرد في شأن ما قامت به السيدة زينب(ع) أمرٌ أو نهيٌ، وما ورد من كلمة للإمام زين العابدين(ع) في حقها، كان بعد خطبتها البليغة تلك، مما يعني أنه إما أن هذه الحادثة لم تكن ((وهو حاصل ما حققناه))، وإما أنه يقصد به ما تحدثت عنه وبه في خطبتها، وليس في عموم كل ما تقوله وتفعله، نظراً إلى أن من روى حادثة النطح إنما كانت قبل الخطبة، وليست بعدها، فلو قال ذلك بعد أن رآها وقد نطحت رأسها، وهي بعد لم تقل شيئاً فقد يدخل ذلك في قوله، وأما أنه بعد أن رآها- كما هي الرواية- ولم يقل لها ذلك إلا بعد أن أفرغت ذلك العلم والفصاحة والبلاغة، فإن تعميمه بحاجة إلى قرينة.

 

خاصة وأنه يُتصور أنه إن رآها تفعل مثل ذلك فلا أقل أن يصبرها، وقد صبرها الإمام الحسين(ع) يوم دخلت عليه وهو يصلح سيفه، وقد سمعته ينعى نفسه، فشقت جيبها ووقعت مغشياً عليها، فإنه إن لم ينهها لا أقل أن يصبرها، وهنا لا صبَّرها ولا نهاها، ولا أمرها، ولا ذكر الرواية إلا المتأخر عن زمنها بألف عام!! فكيف لنا أن ندخل كل قولٍ أو فعل يرويه راوٍ دون أن نقطع بصدوره، ثم ندخل فيه ثناءً، وهو عادة لا يحصل إلا في مورد ما صدر منها في خطبتها.

 

فيما هناك قرائن كثيرة قد ورد بشأنها أنها لا أقل أن تكون في مقام الكراهة، كقول الإمام الحسين(ع) عندما رآها وقد جزعت وشقت جيبها (( يا أختاه اتقي الله وتعزي بعزاء الله، واعلمي أن أهل الأرض يموتون، وأهل السماء لا يبقون، وأن كل شيء هالك إلا وجه الله تعالى الذي خلق الخلق بقدرته ويبعث الخلق ويعودون إليه، وهو فرد وحده، جدي خير مني، وأبي خير مني، وأمي خير مني، وأخي خير مني، ولي ولكل مسلم برسول الله صلى الله عليه وآله أسوة، فعزاها بهذا ونحوه، وقال:

 

يا أختاه: إني أقسمت عليك فأبري قسمي، لا تشقي علي جيبا، ولا تخمشي علي وجها، ولا تدعي علي بالويل والثبور إذا أنا هلكت))، البحار، ج45، ص3.

 

ولعله يزين للبعض أن يحصر ذلك فيما ورد النهي عنه، أي في حدود شق الجيب وخمش الوجه والدعاء بالويل والثبور، في حين أن للقضية أطرافاً أخرى، تدخل كلها في ذلك النهي عندما قال عليه السلام: ((يا أختاه: اتقي الله وتعزي بعزاء الله)).

 

من أطراف تلك القضية، والتي تدخل في(( المفهوم)) من الخطاب جزِّ الشعر، والخروج حاسرة وما إلى ذلك، إلا أنه يمكن أن يقال إن ذلك مما يدخل في الحرمة، وبما أن الإمام الحسين(ع) لم يذكر إلا هذه، فإن هذه في حدود ما يتوقع صدوره منها، وكونها فقهية فلا يمكن أن يصدر عنها ما هو حرام، ولذلك لم ينهها إلا ما هو غير محرم، لأنها غير متوقعٍ صدور ما هو حرامٌ منها، إلا أنه لا يمكن الحمل على هذا البناء ما دام أن النهي لم يشتمل على كل أطراف المناهي غير المحرمة، وبالتالي يمكن أن يدخل فيها ما هو محرم ليكون طرفاً فيها.

 

نعم يمكن أن يقال: إن الإمام الحسين(ع) : لو ذكر محرماً واحداً لقلنا بأن كلامه هذا يشتمل على جميع الأطراف(المحرمة والمكروهة).

 

ولو رجعنا إلى مجموع المناهي لوجدنا في بعض كلامه ما يمكن أن يدخل فيه بعض أطراف الحرام، وذلك في قوله(( إذا أنا قتلت فلا تشققن علي جيباً، ولا تخمشن علي وجهاً، ولا تقلن هجراً)) اللهوف للسيد بن طاووس، ص50، وفي الهجر قد تكون بعض أطراف الحرام، وبالتالي فإنه شمل الجميع، حيث ذكر شق الجيب والدعاء بالويل والثبور، وهي من أطراف المكروه، وقول الهجر، الذي قد تكون بعض أطرافه الحرام، وعلى هذا اجتمع المحرم وهو(( قول الهجر)) في بعض الهجر ما هو حرام، وهو مطلق قول الباطل، والمكروه، وهو (( شق الجيب، والدعاء بالويل والثبور)). والثبور هنا الهلاك والخسران.

 

وبما أنه ورد عن الإمام الصادق(ع) قال: ((كل الجزع والبكاء مكروه ما خلا الجزع والبكاء لقتل الحسين(ع))) وسائل الشيعة، ج14، 505، فإن ما ورد في تلك المناهي داخلة في المكروه في ذاتها، إلا قول الهجر، الذي هو قول الباطل، فإنه يدخل في الحرام.

 

فإن قيل بأن ما ورد في مناهيه في كلامه(ع) بناءً على ظرف المكان والزمان الذين تعيشاهما فإن هذا حاكماً آخر ليس هنا مورد الكلام عنه، لأنها إن قُصد عدم فعلها في ذلك الزمان وذلك المكان المخصصين فإن فعلهما في غير ذلك المكان مندوباً إليه ما عدا قول الهجر، بناءً على أن الجزع والبكاء على الإمام الحسين(ع) لا يدخل ضمن تلك الدائرة، ولكن كلامنا هنا في اعتبار أن تلك المناهي هي منطوق المناهي، ولكنها أيضاً مفهوماً عن نظيراتها الأخرى، وهي لا تقتصر على المكروه وإنما يدخل فيها الحرام من المناهي، كما هو حال المنطوق منها.

 

وبما أن الإمام الحسين(ع) قال في مقدمة كلامه: يا أختاه اتقي الله وتعزي بعزاء الله، فإن ما يظهر من كلامه(ع) أنه كان يخشى عليها من المخالفة، والوقوع في تلك المناهي، وغيرها لشدة المصاب به.

 

وبالعموم فإننا لا مفر من القول بأن ضرب الرأس بالجدار أو بالحديدة أو بخشبة أو ما شابه داخل في مخالفة طلب الإمام الحسين(ع) في التعزي بعزاء الله وعدم إظهار الجزع الذي ذكر بعض أطرافه، لا أقل أنه كان في الموارد التي خصها الإمام الحسين(ع) بالنهي، وهي – على ما افترضناه- أمام من يُحتمل أن يستنقصها لفعل تلك المناهي، وذلك لا يكون إلا أمام من ا ستهون خطبها، واستخف بمصيبتها، وهم بنو أمية ومن خذلهم، أو أسلمهم.

 

إنما لماذا اختار الإمام الحسين(ع) شق الجيب، وخمش الوجه والدعاء بالويل والثبور؟!.

 

يمكن فهم ذلك على نحوين:

 

الأول: إما أن يكون ذلك عادة ما يظهر من أهل الجزع حين جزعهم.

 

الثاني: وإما أن يكون كلامه موجه لامرأة، وأن المرأة عادة إذا جزعت ظهر منها مثل ذلك.

 

ومع ذلك، فإننا وكما قال الإمام الصادق(ع) أن كل الجزع مكروه إلا عليه، فإن نهيه ثقيل على السيدة زينب(ع)، كيف لا وهي أمام مشهد تنهد له الجبال، وتندك له دكا.. إذن لماذا تلك المناهي؟!.

 

إن قلنا أن النهي هو لطارئ يمنع من إظهاره، فإننا نسأل عن ذلك الظرف: هل ذلك الظرف مختص فقط بما بعد مقتل الإمام الحسين(ع) أمام جيش عمر بن سعد وفي مجلس عبيدالله بن زياد ومجلس يزيد؟! أما هو في كل موارد الظهور أمام الناس؟

 

 

Link to comment
Share on other sites

  • 7 months later...

 

لا شك ان مسألة التطبير مشكلة لابد للفكر الشيعي ان يحلها بجدية، وبشكل قاطع، لانها اليوم تشكل جزءا من تفكير بعض الشيعة، والفكر الشيعي لابد ان يقول رأيه بصراحة تامة حولها.

ان عادة التطبير تسئ الى الفكر الشيعي أكثر مما تفيده، ولهذا على المؤيدين لهذه العادة ان يتأملوا كثيرا فيها، فاذا كان هدفهم التعريف بمأساة الحسين، فان هذه ليست طريقة للتعريف، واذا كانوا يريدون ان ينشروا الاسلام فان هذه العادة لا تؤثر إلا سلبا.

ان افضل طريقة لاولئك المعارضين لهذه العادة هي ان يقوموا بحملة اعلامية كبيرة في كل وسائل الاعلام، للتنبه الى ان هذه العادة ليست شيعية، معتمدين في ذلك على تصريحات علماء الشيعة ، مثال ذلك ما قاله اية الله محسن الحكيم:

إن هذه الممارسات ( التطبير) ليست فقط مجرد ممارسات... هي ليست من الدين وليست من الأمور المستحبة بل هذه الممارسات أيضا مضرة بالمسلمين وفي فهم الإسلام الأصيل وفي فهم أهل البيت عليهم السلام ولم أرى أي من العلماء عندما راجعت النصوص والفتاوى يقول بان هذا العمل مستحب يمكن إن تقترب به إلى الله سبحانه وتعالى ان قضية التطبير هي غصة في حلقومنا

لابد من نشر هذا النص، او النصوص الاخرى، التي وردت في مقال سالم حول هذه الموضوع، على ملصقات ومنشورات صغيرة وتوزع في كل مكان. وهنا لابد من التنبه الى ضرورة عدم اللجوء الى قانون منع التطبير، لان المنع لا يؤدي الا الى العكس، ولا بد من الاقناع، ومن الطبيعي ان الاقناع ليس سهلا، ولكن بمرور الزمن سيعطي ثماره، وقد تستمر العملية جيلا او جيلين أو حتى بعد مائة عام، ولكن لابد من الابتداء بها.

ان الذين يمارسون التطبير قسمين منهم من هو متدين، ومنهم من هو غير متدين..فالمتدين عليه ان يعرف ان هذه العادة قد أضرّت بالاسلام ولا ترزال تضر به أيما ضرر، وبالفكر الشيعي خاصة، واساءت لاسم الامام الحسين كثيرا. أما فيما يخص اولئك الذي يطبرون وهم غير متدينين فلا شك انهم يشاركون لاسباب كثيرة، أهمها اظهار أنفسهم بأنهم أقوياء وابراز مقدرتهم وشجاعتهم أمام الناس، من هنا لا بد من تنبه الناس الى ضرورة ان لا يشاركوا في التجمهر لمشاهدة هذه المناظر، وترك موكب التطبير لوحده دون لفت الاهتمام اليه، ولعل عدم الاهتمام على موكب التطبير يساعد على ترك التطبير.

ان الطريق طويل، طويل جدا، ولكن على الفكر الشيعي ان يبدأ بمناقشة هذا الموضوع بجدية من الآن.

Link to comment
Share on other sites

  • 2 weeks later...

Join the conversation

You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.

Guest
Reply to this topic...

×   Pasted as rich text.   Paste as plain text instead

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   Your previous content has been restored.   Clear editor

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.

Loading...
×
×
  • Create New...