Jump to content
Baghdadee بغدادي

الحاكمية الالهية .. حكم الأمة والشعب


Recommended Posts

الحاكمية الالهية .. حكم الأمة والشعب.

 

عادل عبد المهدي

هل تقف الحاكمية الالهية ضد حاكمية الامة والشعب؟ وهل اذا مااريد إقامة حكم الشعب فان شرط ذلك إلغاء الحاكمية الإلهية ! هل هناك فعلا من تناقض؟ وهل ينطلق التصادم والتنافر من العناصر الرئيسية المكونة لكل من الدعوتين ,بحيث لا تنتصر واحدة على حساب أخرى,أو أن لكل من الدعوتين الموقع الطبيعي والمتوازن الذي تحتله,واذا ماتم احترام ذلك فان التكامل والانسجام سيأخذان مجراهما لتزدهر الفكرتان والدعوتان,ويرفدان بعضهما البعض الآخر ؟

الحقيقة الاولى: الحقيقة الدينية

الحاكمية الالهية :لا يختلف اثنان من المسلمين أن الحاكمية الاولى والاخيرة تعود لله سبحانه وتعالى,لم يقل لا الشيعة ولا الاشاعرة ولا المعتزلة ولا غيرهم بغير هذه الحاكمية ,لان ذلك من جوهر الدين والاعتقاد والايمان بعبودية الانسان لخالقه.بل لا يمكن لمختلف الديانات أن تقول بخلاف هذه الحاكمية والإ سقط المعنى الاول للدين والخالق والخلقية والنشأة والتوبة والعقاب والبعث والجنة والنار.

لكن الامر ليس بهذه البساطة,إذ طالما تتعرض هذه الحاكمية لانواع مختلفة من التحريف والاستلاب,ولايمكننا هنا إلا أن نضع عنوانين كبيرين لا شكال الاستلاب نلخصهما كما يلي:

1- استلاب الذات الالهية:

أي عمليات التقمص والتجسيد:

شهد كل اشكال الايمان وكل الديانات السماوية وغير السماوية شكلاً من اشكال التجسيد وادعاء الحق الالهي,أما ابتداءً بالنسبة للاديان غير السماوية,أو لاحقا بتحريف التعاليم السماوية.وهذا التحريف هو ليس بالامر اليسير,وهو لايتعلق بصدق أو سوء النوايا فقط ,بل هوبدوره من جوهر الابتلاءات والامتحانات التي تجد مصادرها في طبيعة النفس البشرية,كما جبل الله سبحانه وتعالى هذه النفس.

ان هناك سعياً فطريا للبحث عن خالق او سيد هذا الكون هذا السعي الفطري قد يأخذ في احد اشكاله السعي البدائي الذي لا يقبل إلا ببرهان يراه ويلمسه ويشخصه.والقرآن الكريم ينقل هذه الحالة الفطرية أو الجدلية في طبيعة الانسان..(وإذ قال ابراهيم لابيه ازر اتتخذ اصناماً الهةً اني اراك وقومك في ضلال مبين.وكذلك نري ابراهيم ملكوت السموات والارض وليكون من الموقنين,فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي فلما أفل قال لااحب الافلين.فلما رأى القمر بازغاً قال هذا ربي فلما افل قال لئن لم يهدني ربي لاكونن من القوم الضالين,فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا اكبر فلما افلت قال ياقوم اني بريء مما تشركون,اني وجهت للذي فطر السموات والارض حنيفا وما انا من المشركين).

هذه التصورات تلخص اسئلة كثيرة ومحاججات طويلة في النفس الانسانية تتمثل بمجموعها سعي الانسان للبحث عن خالقه,فمنهم من يهتدي ومنهم من يستمر على ضلاله في مسيرة معقدة يمر عبرها بمخاضات عديدة واسئلة كثيرة يكدح فيها الانسان الى ربه وهو ما قد تعبر عنه الآية الكريمة:( ياأيها الانسان انك كادح الى ربك كدحاً فملاقيه).

فالانسان في مسيرته المعقدة الطويلة حاول ان يجد خالقه فمنهم من وصل,ومنهم من اصطنع من آيات الله أو من هواة الهة.انه يكون (اشور) كما عند الاشوريين,أو (مردوخ) كما عند البابليين,و(لايوس) كما عند اليونان وقد يكون (جوبيتر) كما عند الرومان,وقد يكون (اللات والعزى) كما عند العرب,و( اهورامزدا) كما عند الفرس,وهو قد يكون النار أو الماء,أو الجبل أو النهر,وهو قد يكون فكرة أو فلسفة كما عند (بوذا) او (كونفوشيوس) لدى الهنود والصينيين,أو قد يكون نظاماً اجتماعيا أو فكرة شعبوية فتضفي الحلولية الربوبية على الشعب أو الحزب أو العلم او النظام دون أن تعلم انها تسقط – ولو ايجابيا- في شكل من اشكال التقمص والتجسيد الحسي أو الفكريووالتي قد تتحول الى اشكال سلبية تماماً اذا ما استحلت المقدس الحقيقي ولم تسر في خطة الطولي وتؤمن بمرجعيته.

فكما أن النزوع الى الخالق هو نزعة طبيعية للانتقال من محسوس الحواس الخمس,المحدود,المجزاوالمؤقت الى المحسوس القلوب,الدائم,المطلق,الواحد الاحد.فان النزعة التي تسير بالضد من ذلك هي ايضا نزعة طبيعية كما نرى ذلك في اليهود عندما يتركون كلام الله ليتعبدوا بكلامهم أو كما يصفهم الله سبحانه وتعالى : ( مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل اسفاراً بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله والله لايهدي القوم الظالمين,قل ياايها الذين هادوا ان زعمتم انكم اولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت ان كنتم صادقين),عند النصرانية عندما يتركون خالقهم الحقيقي ليتعبدوا بجسد الرسول والمخلوق : ( يااهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته القاها الى مريم وروح منه فآمنوا بالله ورسله ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيراً لكم انما الله اله واحد سبحانه أن يكون له ولد له ما في السموات وما في الارض وكفى بالله وكيلا).

أو عند المسلمين عندما يتركون ما يأمر به الخالق ليتعبدوا بما يأمر به المخلوق..(ياأيها الذين آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالاً بعيداً,إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم ازدادوا كفرا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا).

هذا السعي بقدر ما يعكس اهمية المحسوسات في حياة الانسان,يعكس ايضا اهمية الغيبيات لديه,وان بؤس الفكر الالحادي المادي كبؤس الفكر الخرافي الاسطوري كلاهما يغرقان في الغلو والتطرف .الفكر الخرافي أو الاسطوري يمدد الحقائق ويخترع التصورات ويعطيها ابعادا وهمية.هذه هي الخطوة الاولى,اما الخطوة الثانية وبعد ان تؤسس الخرافة مكانا في عقله وتصرفه فانها ترتد على حياته الفعلية تنتقص منها وتجعل الانسان عدو نفسه,تسجنه في الاوهام,يعتقد انه يحتضن الحقيقة الشاملة والمطلقة,بينما الحقيقة هي انه يعيش الجهل والمجهول.في حين يقتطع الفكر الالحادي المادي الحقائق ويجتزىء المكونات ليصنع لنفسه فكرة ورؤية تقوم على المباشر والمحسوس فقط.هذه هي الخطوة الثانية,وبعد أن يؤسس المحسوس المحدود أو هاماً وقاناعات ناقصة ووهمية لا يستطيع ان يرى غيرها,يبدأ بتأسيس حتمياته ويعلن عن قدرياته كيف سار التاريخ وكيف سيسير,راسما لنفسه أعلى درجاته القدرية والحتمية ,معتقداً بها بشكل مطلق وشمولي.

2- استلا ب الموضوعات القدسية:

لا يتمثل الامر فقط بتحرك العوامل الفطرية بشكلها الابتدائي فقط,او بعمليات الانحراف لمن ارتد عن الله سبحانه وتعالى.فنزعة التجسيد والتقمص كانت اقوى من نزعة الايمان لديه.بل يتعلق الامر بتحرك العوامل الشيطانية وعوامل الفجور في النفس, فتتحرك نزعة الاستبداد الفعلي أو العقلي لتطلق ممارسات استبدادية جبروتية تنتهي عن طريق الاحكام وتحريفها وادعاء الهيمنة عليها الى شكل من اشكال تنصيب الانسان نفسه إلهاً معلناً أو غير معلن في الارض,والادعاء بانه يمتلك مفاتيح العلم الالهي الذي لايقبل نقاشاً أو انتقادا.فهو كسرى وفوعون وقيصر ويزيد وامثالهم,وهو السلطان الجائر والحاكم الظالم والمفتي أو الفقيه الكاذب,وهو حاكمنا الراهن ودولنا المستبدة التي تعصي الله سبحانه وتعالى في اعمالها وتصرفاتها,وتعتدي على حقوق الله والعباد فتعطل حلالاً وتحلل حراماً,كل ذلك باسم الدين والاسلام.

انه ايضا استبداد النزعات الاجتماعية التي تطلق المفاهيم الشمولية طبقية أو حزبية أو تنظيمية أو علمية أو غير ذلك فتخرج الاشياء من حدودها لتعطيها الاطلاق,والتي تهدف الى اسر الانسان وايجاد مرجعية عقلية أو مفاهيمية أو تنظيمية فوق مرجعية الله وحاكميتها.فالالوهية قد تأخذ شكل النظام الاجتماعي فتجعلها تعسفاً مقدساً مطلقاً يتقدم على المقدس الحقيقي والوحيد.

الحاكمية الالهية ثابتة لاتتغير " ما اختلف عليه من الدهر فيختلف عليه الحال,ولا كان في مكان فيجوز عليه الانتقال".

تطل على المكان دون أن تتمحور فيه وتدور في الزمان دون أن تنغلق عليه,فيأخذ منها الزمان ما يناسب وقته,ويأخذ منها المكان ما يناسب ظرفه,فهي اعظم من كل الازمنة والجغرافيات,تلهم الاحكام الجارية تراقبها وتدقق في مدى اقترابها أو ابتعادها عن بواطن الاحكام.الحاكمية الالهية كالذات الالهية قريبة من الانسان بدون التصادق وبعيدة بدون افتراق.

الحقيقة الثانية :الحقيقة الاجتماعية السياسية

إن احدى المسائل التاريخية والمعاصرة هي التفاعل بين الديني والاجتماعي / السياسي,وقدرة الديني على احتواء الاجتماعي / السياسي,وقابلية الاخير على الانصهار في الديني,وتحويل النصوص والتعاليم الى قيم واخلاقيات واحكام,لها من القوة والنفوذ.والاهم منذلك كله لها من الاستمرارية والشرعية ما يجعل التفاعل بين الديني من جهة و الاجتماعي / السياسي من جهة أخرى مسألة متكاملة لا تتعارض ولا تقف واحدة بالضد من الأخرى.هذه هي مهمة الديني,فإما أن ينتقل الى الاجتماعي / السياسي,أو أن يغزوه الأخير فيسخر لنفسه.

عملية التحول هذه قد تأخذ شكل صراع بين الديني و الاجتماعي / السياسي,وقد يأخذ شكل تكامل احتواء. فالاجتماعي / السياسي قد يستعير مفرادات الديني وقد يستعير الاخير مفردات الاول.واذا كان هذان الشكلان والصراع بينهما قد ظهرا بشكل واضح في اوربا,إلا أن هذه الاشكالية هي امر عام موجود في جميع المناطق وفي كل الديانات والمجتمعات,لقد ظهر واضحاً في اوربا لان ( الديني ) بقي طويلاً يسيئ التعامل مع الاجتماعي فكان لا بد للاجتماعي / السياسي أن يرتد بقوة على ( الديني ) ,وهي العملية التي اخذت بعدها التاريخي بما صار يسمى بالعلمنة والدولة الوضعية.لكن العلمنة لم تلغ (الديني) لا على صعيد الاجتماعي ولا على صعيد السياسي,حيث ما زالت مفاهيم ( الديني) لها من النفوذ والقوة الضمنية والصريحة الشيء العظيم,ذلك اذا ما تجاوزنا بعض المسائل السطحية والشكلية.فهذه المسألة يجب النظر اليها ليس من خلال الشعارات والخطاب العام الذي يذكر,بل من خلال المواقع والانتماءات والهياكل والفئات التي يدافع عنها الغرب.والأهم من كل ذلك من خلال المرجعيات القيمية التي يؤطر نفسه ضمنها والتي تمنحه الديناميكية والحيوية لفعل مايريد أن يفعله.

أ- خذ مثلا عدد الاحزاب الرئيسية التي تسمى نفسها بالاحزاب الاشتراكية المسيحية,خصوصا في دول وسط اوربا الغربية.وكذلك الاحزاب التي تحمل امتدادات مسيحية رغم انها تحمل اسماء اخرى.

ب- خذ طرق التعليم والدراسة التي تقول انها علمانية ,لكنها علمانية تختلط بامتدادت للقيم المسيحية.ليس المهم الدفاع عن كنيسة أو اكليروسية معينة.بل المهم حالة الانسجام بين (الديني) والاجتماعي,السياسي كما تطور في الغرب.

ج- خذ مثلا الدعم والمركز العظيم الذي يحتله البابا من قبل ما يسمى بالدول العلمانية..واعطاءه عاصمة وسط اوربا وتوفير تغطية اممية لتحركاته وسفراته وهيئاته ليبث قيماً قد تختلف في بعض التفاصيل عن ما تقوله هذه الدولة أو تلك,لكنها تتفق في سياقاتها العامة مع الاهداف التي نظمها الغرب لنفسه في تطوره المعاصر والذي استطاع من خلاله أن يسيطر عللا العالم والذي يسعى عبره الحفاظ على مواقع السيطرة هذه.

د- خذ مثلا العملات الوطنية حيث الرموز الدينية..فها هو الدولار يسجل على أحد وجهيه "بالرب نؤمن" وها هو الصليب يظهر على الفرنك السويسري والبارون الاسترليني وغيرهما من عملات!

ه- خذ مثلا عددا من الهيئات الانسانية التي اصبحت منظمات ذات ابعاد عالمية,وان منظمة الصليب الاحمر ما هي سوى واحدة من هذه المنظمات المقتدرة القوية.

و- خذ مثلا حقيقة ان ملك أو ملكة المملكة المتحدة هو أو هي بالضرروة زعيم أو زعيمة الكنيسة الانجيليكية ومداليل هذه الزعامة تدل على علاقة ( الدين ) بالدولة.

ز- لكن افضل مثال يقدم في هذا المجال – رغم كثرة الامثلة- هو ان اهم قضية يعيشها العالم منذ اكثر من قرن هي تنظيم الغرب – بكل ما يدعيه من علمانية – لمشروع قيام دولة اسرائيل انظلاقاً من ادعاءات "دينية" ومطالبات توراتية تعود لعشرات القرون السالفة, هذه الحقيقة التي اخذت ابعادا خطيرة وامتدت كالاخطبوط الى الاقتصاد والاجتماع والقيم والاعلام والسياسة,وسياسات التسلح والقنابل النووية وغيرها ليست بالمسألة التي يمكن بعدها التعامل ضمن منظور فصل الديني عن السياسي / الاجتماعي أو العكس.فلا

احد يقوم بذلك , والغرب نفسه الذي يرفع لواء ذلك لا يقوم بهذا الامر,ولم تستطع التجربة الاشتراكية أن تحقق ذلك,فلكل دينه بمعنى من المعاني ولكل دين حقيقته الاجتماعية السياسية بمعنى من المعاني.

خلف الرموز والشعارات هناك برامج ونماذج وقيم وسياسات هذه القيم والسياسات هي للاستحواذ وليس للتعميم, اي أنها تطورت من اجل الهيمنة واستعباد الآخرين,وليس من اجل حرية الكل وتحرير المجموع,هذه هي الصورة التي مثلها الاستعمار وما زال يمثلها والذي يحاول البعض اخراجه من عوامل العلة والاسباب وجعل النقاش مجرد خلاف في بعض المفاهيم او مجرد عملية تقدم وتحرر لطرف ,وتخلف وتحجز لطرف آخر.هذا الواقع الذي نلخصه بهذه الكلمات يتركنا امام خيارين لا ثالث لهما:

1- اما ان نقبل التعميم ونحتذي بظاهر ما يقولون ولا نرى حقيقة ما يفعلون فنفصل الديني الحقيقي ( الاسلام ) عن السياسي / الاجتماعي لشعوبنا وامتنا.حينذاك سنفرض على شعوبنا وامتنا ديناً شئنا أم أبينا وسنستورد الكلمات ميتة غير فاعلةولتبقى الحيوية عندهم ويبقى التخلف والتحجز عندنا.

2- او أن نعجز عن تحريك دورتنا وبث الحيوية في اوصالنا فيلتحم الديني بالسياسي / الاجتماعي بتكامل وتوالفودون أن يعطل هذا دور ذلك ودون ان يقف الاخير حجر عثرة امام الاول..اذا عجزنا عن احداث عملية التحام الديني بالاجتماعي / السياسي وترتيب دوائر تكامل وانسجام بينها..فان الجفاف سيصيب عروقنا وستتعطل دائرة الحياة في شرايننا.

الغرب لا يتراجع دينياً , بل يجدد ويطور دينه.

الحقيقة الواضحة أن ( الديني ) المسيحي اليهودي مهد لقيام الدولة العلمانية..فجذور العلمانية قد قامت منذ ان فصل ( الدين) عن الدولة..وفصل الايمان عن التشريع وغيرها من مفاهيم وذلك بعد الدور الكبير الذي لعبه دخول الافكار المسيحية في الامبراطورية الرومانية..كما أن العلمانية المعاصرة لم تتخل عن الخلفيات المسيحية اليهودية وعن تراث التوراة القديمة والجديدة كما كتبه التلمولايون والقديسون.فالعملية كما تمت تاريخياً عبر الدولة وعبر وسائل عديدة,فبدل أن تحملها المفردات الدينية باشكالها الرمزية والهيكلية القديمة فانها حملتها بمفردات وهياكل سياسية واجتماعية جديدة.هذا النوع من ( الدين ) الجديد يستطيع ان يجدد نفسه ليس فقط على صعيد مناطقه التي انتشر فيها تاريخياً...بل يستطيع أن يمتد ويجدد نفسه عالمياً..

الاهم من ذلك انه لا يجدد نفسه كمجرد حقيقة دينية ,ينقلها الرهبان والحاخامات والمبشرون الناكسون الزاهدون,بل ينقل نفسه اولا وقبل كل شيء عبر "الكنائس" و"البيع" الجديدة التي تمثلها الدولة وبيوتات المال ومراكز الاعلام واشكال خاصة من انظمة التعليم واشكال محددة من الرموز الجديدة تطلقها طقوس وعبادات جديدة وموسيقى خاصة وايقاعات وحركات خاصة واشكال فنية خاصة وانماط من العلاقات والمفاهيم والقيم والمعاملات والطموحات

,تدخل وتخترق جميع الانظمة المفاهيمية والقيمية ,تشمل المسلمين انفسهم.

فما يجب النظر اليه كأمر بالغ الاهمية هو ليس فقط اشكال السيطرة أو الهيمنة الشكلية,كاشكال الاستعمار والاستغلال القديم والحديث,وغير ذلك من انظمة للسيطرة والهيمنة,بل يجب التدقيق والنظر ايضاً في القدرة العظيمة على تجديد المفاهيم وانتقال المفهوم من حقيقته ( الدينية ) الى حقيقة اجتماعية وقيمية عامة تبدو حيادية ..تبدو كلية وعامة وكأنها للناس جميعا..فخلف العموميات تختفي شتى المفاهيم التي تنظم الرؤى والتي تخدم علاقات محددة من التحكم..مفاهيم عن الحياة والموت والجنس والطفولة والشيخوخة والبلوغ والمرأة والرجل..ومفاهيم عن الفردية والجماعية..واللباس والعمل ومفاهيم اللذة والسعادة والصدق والامانة..وغيرها من مفاهيم وانظمة تعتبر في النهاية,الاطار الذي ضمنه تنشأ الاجيال وتتكاثر أو تفرخ المفاهيم وتكتسب لنفسها شرعية وقبولية تتلائم كلها مع الحقائق السياسية والاجتماعية والدينية متكاملة في علاقتها بنفسها من جهة..وفي علاقتها مع الآخر من جهة اخرى.

لن نضرب امثلة كثيرة عن اعادة تجديد المفاهيم رغم انه يمكن الكلام طويلا في كل مسألة من هذه المسائل بالكثير من الامثلة...خذ مثلا كلمة الصدق اوالامانة...المفكر الاسلامي الكبير محمد عبده عند زيارته لاوربا قال كلاما في غاية الاهمية والخطورة..قال وجدت اسلاماً ولم اجد مسلمين...لقد وجد الصدق والامانة والاخلاص في العمل وروح المساعدة والتفهم..وهذه كلها من الاهداف التي يسعى الاسلام لتحقيقها والوصول اليها..كل هذا صحيح فانك تجد اليوم في الغرب اناسا لا يعرفون الكذب على الصعيد الفردي أو الشخصي...لكنك عندما تطرح المسائل العامة أو التي لها مساس بنظام قيمهم واخلاقياتهم فتسأل احدهم بما في ذلك اناساً لا يمكنك على الصعيد الفردي إلا أن تتحترمهم وتقدرهم وتقول له مثلاً: ايهما اهم محاكمة رجل قتل يهوديين قبل 50 عاماً,أم محاكمة اناس يقتلون اليوم الالآف المرات في لبنان وفلسطين وآسيا وامريكا..عند ذاك ستجد المغالطات والتزوير والغش في النقاش والانفعال في المواقف ومظاهر الحقد والرغبة في الانتقام والعزل والغدر...نعم ان الصدق والامانة امر مهم ,لكن الصدق والامانة ليسا امراً ذاتياً فقط,وليسا غطاء لخدمة التزوير والغش الجماعي والعالمي,حيث تصنع انظمة الاعلام ووسائل الاعلان ومؤسسات التأمين والمصارف والسياحة,حقائق كاذبة في كل وقائعها,لكنها هي التي يصدقها الناس,لانها هي التي تحمي انظمتهم وامتيازاتهم ومواقعهم.فيتحول الصدق والامانة الفردية الى واجهة لتمرير الكذب والاستغلال والغدر الجماعية,التي تعمل تحت غطاء الشرعية الدولية وباسم القوانين والنظام والمفاهيم القيمية والدولية الشمولية والعامة.

اننا لا نشير الى هذه الامور من مواقعنا كمسلمين..بل نشير اليها كحقيقة عامة..فالهجوم الاول الذي شنه الغرب الاوربي بعد أن اعاد تكوين نفسه "دينيا" واجتماعيا,كان في البداية ضد النصرانية واليهودية.

فالحملات الاولى التي شنها الصليبية الجديدة كانت ضد البيزنطيين والاقباط والكنيسة الشرقية بكل فروعها والتي بقيت تحمل الكثير من تراث سيدنا المسيح ( ع )..الحملات الاولى شنتها الصليبية الجديدة ضد اليهود في الاندلس وفي غير الاندلس.

اعادة تجديد "المسيحية"و"اليهودية" في القرون الاخيرة أخذت اشكالاً متعددة,فظهرت البروتستانتية والانجيليكية والكاثوليكية الحديثة واليهودية الجديدة,والتي سعت عبر عملية طويلة متشابكة لا حتواء كل الديانات والتي نجحت الى حد كبير في ذلك عبر نجاحها في ايجاد اجتماعي / سياسي له درجة عالية من التجريد ويضفي على نفسه درجات عالية من الحيادية والعمومية,مما يسهل امامه كسر الحواجز لا من اجل المساواة والحرية والاخاء بين الحضارات والامم,بل من اجل هيمنة امة على امم ومن اجل احلال حضارة محل حضارات..والسعي جار لاحتواء كل المفاهيم وكل الديانات لكل الشعوب والحضارات لتوحيد الرمز والمصطلح والمفهوم والقيم والتي هي في النهاية قيم " الدينيط والاجتماعي / السياسي الغربي,مرة تحت اسم التقدم ,ومرة تحت اسم الحضارة ولاحقاً تحت مفهوم النظام الدولي ,لنصل اخيراً الى مفهوم العولمة.

لذلك فالكنائس التي يقول البعض انها تهجر في اوربا,هي تلك التي هجرت دينها القديم,ولم تستطع أن تتكيف مع ( الدين) الجديد..بالمقابل تبنى "كنائس" و"بيع" جديدة ليس بالمعنى المعماري أو الكهنوتي القديم,بل الاهم وقبل كل شيء بالمعاني والمفاهيمية الجديدة..فتكتظ الملاعب باشكال جديدة من "الكنائس",وتظهر رموز أو صلبان أو طاقيات رأس جديدة ..ويظهر قديسون من المشاهير لا يحملون بالضرورة رموزاً قديمة بل يحملون الدعوات الجديدة والاعلانات التجارية والترويجات التي تقف خلفها شبكة معقدة من المصالح والصناعات..الخ.

تعبر المفاهيم عن نفسها عبر صور وممارسات "عبادية" جديدة بوسائل جديدة اكثر فاعلية وانتشارا وتأثيرا على النفوس والعواطف والغرائز..حيث تختلط الآلة بالدخان بالحركات,كل ذلك في اجواء من الطقسية التي تفوق في فاعليتها وأسرها للالباب والنفوس اعظم ما عرفته الانسانية لحد الان من طقوس وممارسات.

صارت "الكنيسة" التي نجلس صامتين نسمع مواعظها تدخل علينا البيوت,تخترق الحدود ,تأتي الينا ولانذهب اليها...عبر شاشات التلفزة والفضائيات ووسائل الاعلام والبث والصور الجماعية التي تدعو لافكار محددة رغم اللغة الحرة التي تدعيها..وتخفي وراءها منظومة كاملة من القيم الخاصة والممارسات المحددة جدا والهادفة تماماً.

لذلك لا يمكن للديني الاجتماعي الغربي أن يرى الآخرين إلا ضمن هذه النظر..( فاذا اراد الاسلام أن يحتل لنفسه موقعاً داخل هذه المنظومة ,فانه لا يستطيع أن يحصل على مقبولية "الديني" الاجتماعي الغربي إلا اذا ما بدأ اولاً بافراغ محتواه وتدميره قيمه ومفاهيمه والأسس التي يقوم عليها ليعيد صياغتها,ليس وفق مصالحه ورؤاه الرئيسة,بل وفق المعايير والضوابط التي تسمح له بالتناغم مع المعايير والضوابط التي تخدم عملية تجديد " الديني " الاجتماعي السياسي الغربي لنفسه...).فعندما ينطلق مفكر فرنسي كبيرك (اتيان برونو ) ويدعو المسلمين لتنظيم انفسهم في ( كنيسة جديدة ) فانه لاينطلق في ذلك من خبث أو سوء نية,بل هو ينقل ما يفكر به في اطار النسق كما تطور عليه " الديني الاجتماعي / السياسي في الغرب ذاته.

ولاية الفقيه..نظرية معاصرة للحاكمية الالهية

الانجاز العظيم الذي قام به الامام الخميني ( رض ) هو ايقاف النزف في المسيرة الاسلامية واظهار قدرة الاسلام للعودة الى تنظيم رؤية سياسية واجتماعية تستطيع في نهايات القرن العشرين الميلادي أن تعود الى المسرح السياسي والاجتماعي بعد أن اصاب اليأس الكثيرين واعتقدوا أن الاسلام هو دين الماضي وليس دين الحاضر والمستقبل..أو أن الاسلام هو دين ينظم العبادات ولاعلاقة له بالشؤون الاجتماعية والسياسية.

لكن انتصار الثورة الاسلامية والنجاح في اقامة الحكومة الاسلامية بقدر ما هزت العالم وادخلته في مرحلة جديدة مازالت تضج بالتفاعلات والاحداث الخطيرة التي ساهمت مساهمة رائدة في انهاض عموم قوى الامة إلا انه في الحقيقة هي انجاز مرحلة الجهاد الاصغر وفتح الباب على مصراعيه لمهام مرحلة الجهاد الاكبر.

ان الحقيقة الكبرى التي عكسها انتصار الثورة هو تحقيق امرين وليس امرا واحداً كما يتصور البعض.

1- قيام الحكومة الاسلامية على اساس نظري يعتمد مفهوم ولاية الفقيه..هذا الاساس هو القاعدة الاولى لتطبيق العدل والحاكمية الالهية..حاكمية لاتحمل معاني الكهنوتية أو الطبقية أو الاستبداد الفردي..بل تعتمد اصول المبادىء الاسلامية في دور العلماء الذين يخشون الله : ( إنما يخشى الله من عباده العلماء ) وفي الاعتماد على الامة والأخذ بيدها في طريق معرفة الاحكام الشرعية والتعريف بها وإرساء الأسس الصحيحة للحاكمية الالهية.

2- اذا كانت ولاية الفقيه كعنوان لتطبيق الحاكمية الالهية ,تعتمد على نهضة العلماء وورثة الانبياء في تحمل مسؤولياتهم,فان الامر الآخر الملازم لمفهوم الولاية هو نهضة الامة واندفاعاتها الجديدة المباركة لتحمل مسؤولياتها ايضا...فبدون الامة يغيب متركز رئيسي من مرتكزات القيادة وولاية الامر.ولاشك أن دور الامة في تقرير مصيرها هو دور اساسي.وان كل النقاشات التي تسعى لاهثة لطمس هذا الحق واستلابه بهذه الحجة أو تلك هي نقاشات عقيمة لا تجد اي مجال لها للانتصار لولا منطق القوة والقسر والخداع.

فللرسالات السماوية مرتكزان وليس مرتكزاً واحداً..

1- اقامة الحجة على الناس,وهذه مهمة الولاية بالدعوة لإطاعة الله ورسوله وأولي الامر.

2- وجود الارادات الحرة للافراد والجماعات ..لان اسقاط مثل هذه الارادة يعني بالضرورة اسقاط ضرورة اقامة الحجة وانتفاء سبب ارسال الرسل ونزول الرسالات..

فالله سبحانه وتعالى عادل رحيم,ومن معاني قدرته ورحمته ان ترك للناس حرية الاختيار ليتحملوا مسؤولية خيارهم ورغبتهم وقراراتهم ( نحن اعلم بما يقولون وما انت عليهم بجبار فذكر بالقرآن من يخاف وعيد ) ( فذكر انما انت مذكر,لست عليهم بمصيطر ).

لذلك ايضاً سارت الجمهورية الاسلامية في هذا الطريق لتعمق من اجراءاتها.اذا لاحظنا انه كلما تقدمت موقعية القيادة الاسلامية,تقدم الدور الاكبر للارادة الشعبية,ووضع في خدمة الامة المزيد من الممارسات والمؤسسات للتعبير عن رأيها وتنفيذ ارادتها.وكلما سارت الامة في تعزيز النهج الاسلامي ودخلت الحياة مفاهيم الاسلام الى الحقائق السياسية والاجتماعية,ارتفع شأن الولاية والحاكمية الالهية..

فالولاية ضمانة لتحرير الامة..وتحرر الامة وتحملها مسؤولياتها ضمانة لتعزيز دور الولاية..وان المسألة حسب تصورنا لاتتعلق بمتطرفين ومعتدلين..فاذا كان التطرف هو تعزيز نهج الولاية,فهذا امر مطلوب في موقعه,ولايمكن لحكم اسلامي أن يستقيم ويتقدم ما لم يعزز هذا المنهج وهذه الموقعية...واذا كان الانفتاح والاعتدال هو تقدم دور الامة في احتلال مسؤولياتها والتمتع بحقوقها المختلفة,فهذا ايضا امر مطلوب في موقعه يحميه الاسلام ويشجع عليه..فالامر في الحقيقة هو ليس تطرفاً أو اعتدالاً إلا اذا ماخرجت الامور عن نصاب معين..بل الامر عند احترام كل موقعية لنصابها ومسؤولياتها فانه سيتحقق التكامل والوحدة..فالحزم أو المسؤولية بدون حرية واحترام رأي الناس والامة استبداد..والحرية بدون مسؤولية فوضى وخراب..إذ يخطأ من يعتقد أن هناك حكماً يمكن أن يقوم على حرية مطلقة..ويتوهم من يعتقد ايضا أن هناك حكماً يمكن أن يدوم بالاستبداد والجبر..كذلك يتوهم من يعتقد,ان كل المواقع تستطيع ان تعمل بنفس الضوابط وبنفس النظرات,بل لابد أن تتوزع الواجبات واشكال الاداء والخطاب,كل في موقعه.

وهذا نهج ليس بجديد على الجمهورية الاسلامية,بل هو نهج ارساه الامام الخميني ( رض ) وبدأ باعطاء ثماره في تعزيز دور القيادة ,وكذلك في تعزيز دور الامة في اختيار ممثليها ولعب دورها كاملا عبر مؤسسات دستورية,فيها كل وسائل الرقابة واختيار من تراه مناسباً لاحتلال المواقع التشريعية والتنفيذية في البلاد.

هذه هي المسيرة الحقيقية.. وهي المسيرة التي إن استمرت في الحفاظ على قواعدها السليمة,فانها ستعزز من دور الامة وستفتح الابواب اوسع فاوسع للمزيد من الحرية والمسؤلسة, للامة من جهة وللقيادة من جهة اخرى.فاذا ما تكاملت حلقات الدائرة ومنعت الفتنة ان تأخذ طريقها لتستغل وجهات النظر المختلفة,فان عوامل القوة والارادة الحرة ستتمكن من توفير المستلزمات الاساسية لتطبيق العدل وتجاوز المشاكل والعقبات الواحدة تلو الاخرى.وذلك لايمثل تراجعاً عن مبدأ ثوري أو تحجز على شعارات بالية,بل هو تعزيز لمسيرة تسعى أن يأخذ كل من الولاية والامة دورهما المناسب.فالولاية والامة يرتبطان الواحدة مع الاخرى ولاانفكاك بينهما ما دامت الحاكمية الالهية هي ليست السلطان الجائر أوالملك العضوض أو الثيوقراطية وادعاء الحق الالهي..ومادام تحرك الامة هو ليس تحرك شعب مسلوب الارادة تلعب يه الاهواء والمصالح ضد دينه ومصالحه وفطرته وحسه السليم.

اهمية العلاقة بين الديني والاجتماعي والسياسي

ان مفهومي الامة والشعب ( او الناس ) والولاية والدولة ( الآمرية أو السلطة ) هي مفاهيم في غاية الاهمية والخطورة..رغم أن المفهومين لا يتطابقان لا من حيث المنشأ ولا من حيث الموقعية ولا من حيث الدور,إلا ان وجود معنى من معاني الدولة على الولاية ...ووجود معنى من معاني الشعب في الامة..أو بالعكس فان استيلاء الدولة على الولاية أو عدم نجاح الناس أو الشعب في تأسيس امة,نقول ان هذا التدخل وعملية احتواء احد المفهومين للاخر طالما ضيع الخطوط الفاصلة بين الموقعين مما يشوش الرؤية ويضع العقبات التي تمنع منوضع كل امر في مكانه المناسب..وهو شرط لحسن سير الامور.

القرآن الكريم في اسلوب تعامله مع مفاهيم الامة والناس ( الشعب ) يزودنا بتصورات قد تساعدنا في بناء نظام فكري نستطيع من خلاله أن نميز بين مختلف الحالات فلا نصبح اسرى التعميمات والشعارات.

فالامة مفهوم ايجابي ( في حالة الامة الاسلامية) ويمثل عموماً حالة الوعي والمسؤولية أو الالتزام التي بلغها الشعب او مجموعة من الشعب أو حتى فرد واحد من الشعب بالقضية التي يؤمنون بها..كان ابراهيم امة..والرسل والانبياء هم نواة أومشاريع امة صالحة قائمة بامرها,تسير بشعوبها نحو الصلاح والخير.في حين أن الظالمين والمستبدين,هم مشروع امة ظالمة يسيرون بشعوبهم نحو الظلم والفساد.فتطور الشعب في الحالة الاسلامية من حالة الكم العددي والتشتت المفاهيمي والمؤسساتي الى مستوى الامة.هو تطور مستوى المسؤولية لدى الشعب لكي يتمكن فعلا من أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ليس عبر الجهد الفردي المنعزل والمحدود,بل كنظام اجتماعي يمتلك كل المقومات,لان تجدد دورة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر بشكل طبيعي وعفوي يبرز من خلال تطور سلسلة من النشاطات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والقيمية:

( ولتكن منكم امة يدعون الى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر واولئك هم المفلحون ).

فالصفات الحميدة تعود كلها للامة ( القائمة ) ( المقتصدة ) ( الواحد) ( الوسيط ) عندما تتأسس وتتحمل مسؤولياتها وتؤمن بالله وتعمل في سبيله ( كنتم خير امة اخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله )..كذلك فان تطور الشعب في حالة الامة الظالمة,هو انتقال من حالة الكم العددي ليتحول نظام الظلم من مسألة فردية الى مسألة النظام الظالم الذي يتكرر من تلقاء نفسه لان الاسس التي شيد عليها والاهداف التي نظمت الجموع نفسها بها تنتج وتعيد انتاج الظلم والجور والاستغلال.

في الفكرة الاسلامية – كما نرى - هناك تلازم بين مفهوم الامة والولاية..( كذلك الامر لدى ولاة السوء وامة السوء ) كلما اتسعت الولاية اتسعت الامة ..وكلما اتسعت الامة اتسعت الولاية..هناك ايضا تلازم بين مقومات الامة والولاية,فكلاهما يقومان على الوعي والمسؤولية والتكليف واعتبار أن الايمان – وليس العنصر الوضعي ولا توازن القوى – هو العنصر الرئيس للسلطة الذي تأتمر به كل من الولاية والامة..المفهومان ضروريان الواحد للآخر فلا يمكن تصور قيام ولاية دون امة ولايمكن تصور قيام امة دون ولاية ,وذلك مهما كانت صغيرة أو كبيرة ,بغض النظر عن الحقائق الوضعية وتوازنات القوى الآنية...

وبالمقابل هناك تلازم بين مفهومي الشعب والدولة.اذ لايمكن قيام دولة دون شعب..أو قيام شعب دون دولة أو سلطة أو امرة..فكلاهما مفهومان وضعيان يمثلان موازين القوى في زمان ومكان معينين..فالدولة هي الاطار الذي يستطيع فيه الشعب أن يؤسس سلطته..والشعب هو مادة الدولة ووعائها..

إن شرعية الدولة,وضعياً ودينياً,لايمكن تحققها دون ارداة الشعب..نؤكد وضعياً ودينياً لان الشعب هو مصدر السلطات..ودينياً لان الدين الحق يرفض ان يقيم سلطة بالاكراه وبالضد من ارادة الناس.

اما شرعية الولاية دينياً,فهي مسألة ايمانية وليست بالضرورة وضعية..اما اذا ارادت الولاية ان تكتسب لنفسها شرعية وضعية,فلا مناص ايضا من ارادة الشعب التي تعبر عن نفسها بشكل مباشر أو غير مباشر.والامام علي ( ع ) – وهو ولي بدولة أو بدون دولة – رفض بيعة سرية تجري تحت جنح الظلام ,أو بيعة يتآمر فيها أو يأخذها عنوة. فيقول " لم تكن بيعتكم اياي فلتة" .." دعوني والتمسوا غيري " " فما راعني الا والناس كعرف الضبع الي ينثالون علي من كل جانب حتى لقد واطىء الحسنان,وشق عطفاي,مجتمعين حولي كربيضة الغنم,فلما نهضت بالامر نكثت طائفة ومرقت اخرى,وقسط آخرون,كأنهم لم يسمعوا كلام الله سبحانه يقول: " تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لايريدون علوا في الارض ولافساداً والعاقبة للمتقين ) بلى !والله لقد سمعوها ووعوها ,ولكنهم حليت الدنيا في اعينهم ,وراقهم زبرجها !اما والذي فلق الحبة,وبرأ النسمة,لولا حضور الحاضر وقيام الحجة بوجود الناصر,وما أخذ الله على العلماء ألا يقاروا على كظة ظالم,ولا سغب مظلوم لألقيت حبلها على غاربها ولسقيت آخرها بكأس اولها,ولألفيتم دنياكم هذه ازهد عندي من عفطة عنز "

" فاقبلتم الي اقبال العوذ المطافيل على اولادها تقولون البيعة البيعة ".."وبسطتم يدي فكففتها ,ومددتموها فقبضتها,ثم تدارككتم علي تداك الابل الهيم على حياضها يوم وردها,حتى انقطعت النعل,وسقط الرداء,ووطىء الضعيف,وبلغ من سرور الناس ببيعتهم اياي ان ابتهج بها الصغير,وهدج اليها الكبير,وتحامل نحوها نحوها العليل,وحسرت اليها الكعاب ".

هذه المتلازمات نجدها واضحة في اسم الجمهورية الاسلامية,وفي دستورها ,وفي ممارستها العملية,وفي انتخاب الشعب لرئيس الدولة ولاعضاء مجلس الشورى ..وكذلك لانتخاب الناس لاعضاء مجلس الخبراء الذي ينتخب بدوره ولي الامر والقيادة.

لكنه يمكن قيام ولاية بدون دولة,كما يمكن للولاية أن تخسر دولتها على الناس جزئياً أو كلياًوكما حصل مع الامام علي ( ع ) ,دون أن تسقط ولايته بأي شكل كان..كما يمكن قيام امة بدون شعب..قالامة قد تكون فرداً أو مجموعة صغيرة من المؤمنين ,لا يألفون ,معنى الشعب,يلتفون حول ولايتهم...

وان الحاكمية الالهية ( او الحكم الاسلامي ) تسعى بالدعوة والارشاد والمثل الصالح والجهاد لكي تتطابق هذه المفاهيم ويتحول الناس ( الشعب ) الى امة..ولكي تدخل على الدولة معاني الولاية.

هكذا ينظر الشيعة للامر..ونعتقد ان الامر لا يختلف ايضاً لدى السنة من هذه الزوايا على الاقل..فلم يتأسس لديهم موقع للامامة أو الولاية .بل جعلوا الخلافة شأناً دنيوياً اعطى منذ البداية توازنات الناس وضرورة البيعة الشكلية أو الحقيقية لها.ان المشروع الاسلامي المعاصر مازال في بدايته وهو يواجه تحديات كبرى..واذا لم يتحول الى مشروع لكل الناس فانه سيبقى مشروعاً محاضراً يلجأ الى التدبر دون قدرة حقيقية على طرح نفسه مشروعاً عالمياً للناس,كل الناس..

عندما نقول هذا الكلام إن الناس كل الناس يجب أن يتحولوا الى مسلمين ..لكننا نقول إن الدين سيبقى مجرد امور طقوسية بعيدة كل البعد عما امر به الشرع وعما تريده الحاكمية الالهية اذا لم يحتو الديني الاجتماعي والسياسي.هذا البعد اللازم للدعوة الدينية تجعل المسلمين في مسؤولية مباشرة مع حياة الناس كل الناس,وهو ما يتطلب منهك موقفاً عادلا متوازناً يستطيع ان يقدم الحلول ليس للمسلمين فقط,بل لغير المسلمين ايضا.

ان الاسلام العظيم من جهة,والتجربة التاريخية بايجابياتها وسلبياتها من جهة اخرى,تزدودنا بمرجعية عظيمة استطاع بها الاسلام أن يحتوي الاجتماعي والسياسي الى حدود بعيدة,وان يتعامل معها,بحيث تحول الدين في المسائل السياسية والاجتماعية والحضارية والفكرية الى مرجعية حقيقية لقطاعات واسعة من الناس,من مسلمين وغير مسلمين,ليس في البلاد الاسلامية فقط,بل اخذته بوعي أو بدون وعي الشعوب والحضارات الاخرى.

اننا مطالبون بفقه يواجه بكامل مسؤوليته الشرعية شؤون الحياة المعاصرة,لابفقه يكرر فتاوى الماضي مع اجراء بعض التعديلات عليها..فالحياة كما نواجهها اليوم هي ليست تطوراً هادئاً لمجريات الامس,أو زيادة كمية لمعطيات التاريخ..بل إن تحولات جذرية – وفي النوع – قد على المفاهيم الحياة والعلاقات بين الناس والامم .كما أن التحدي الذي نواجهه هو ليس عدواناً عسكرياً أو مادياً فقط..انه ,اولاً وقبل كل شيء,اخترق خطير وعميق في القيم والمفاهيم والثقلفات وهو ما يتطلب مستوى راقياً ومتقدماً في مايقابلها من مفاهيم ومؤسسات وقيم اسلامية.

ان الغرب يطرح علينا مسائل الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان والرفاه الاقتصادي والازدهار الحضاري والعديد من المسائل والقضايا..ويجب ان نعترف اننا مرتبكون في قبول أو رفض هذه المسائل ..فكم من مسألة رفضناها ثم قبلناها لاحقاً..وكم من مسألة قبلناها ثم تبين ضررها وفسادها بعد ذلك..ان هذا الارتباك يحصل لان الغرب يطرح علينا منظومة كاملة من الافكار والمفاهيم والممارسات...ونحن نواجهه عشوائيا دون ان نمتلك منظومة كاملة يرتبط فيها الديني بالسياسي والاجتماعي بشكل يجعل ديننا يتفوق على "دينهم" ,واجتماعيا وسياستنا تتفوق على اجتماعهم وسياستهم..لهذه سيخترقون ديننا وسياستنا واجتماعنا لان جزءاً عظيماً من علومنا الدينية ينظر الى الماضي فقط ولا ينظر الى الحاضر والمستقبل ايضاً..لان جزءاً عظيماً من افعالنا هي ردود افعال مرجعيتها الخوف أو الجهل,قبل ان تكون مرجعيتها الاسلام..ولان جزءاً عظيماً من مبادراتنا ودعواتنا وممارساتنا,لم تدخل الدين بجميع معانيه الى الحياة السياسية والاجتماعية وكما يأمر بذلك الدين,بل كما تأمر احيانا عاداتنا وموروثاتنا التي نقول إن جزءاً كبيراً منها قد صنعته عصور الظلم والجور والاستبداد .هذه هي مهمة تقع بالدرجة الاولى على ولاة امرنا ومراجعنا وعلمائنا..وكذلك على مفكرينا وحوزاتنا وجامعاتنا..عندما نقوم كما يجب بهذه العمليةوفان النهضة الاسلامية المعاصرة ستكون قادرة فعلاً على مواجهة التحدي وعلى التخلص من الفقر والجهل والاستبداد والظلم والتخلف لتنتقل من مواقع الحصار والتبرير والتلقي الى مواقع المبادرة والعطاء والخلاص.

فالمشروع الاسلامي مطالب,اذن,بتقديم حلول عالمية لا للمسلمين فقط,بل للعالمين اجمع..هذه النظرة لاتتعلق بتنظيم علاقاتنا بخارجنا غير الاسلامي فحسب,بل هي اساسية ايضا لتنظيم داخلنا الاسلامي ايضا,والانفتاح على شتى التيارات لتحريك الايجابي منها والوقوف ضد الفاسد لديها.وسلاحنا في ذلك الدعوة إذ كما يقول الامام علي (ع ): " لايكن لك الى الناس سفير إلا لسانك ",ذلك إلا لمن يعتدي علينا.إذ بدون فهم الامم والحضارات الاخرى,وبدون فهم المظلوميات لدينا ولدى غيرنا,وبدون فهم المشاكل التي نواجهها وتواجهها البشرية كلها,وبدون الاتحاد مع تيارات كبيرة لمواجهة بؤر الظلم والفساد والاستكبار,وبدون مواجهة المشروع ( الديني ) السياسي الاجتماعي لنظام الاستكبار ضدنا بمشروع ديني سياسي واجتماعي متكامل الحلقات,متقدم عليه من حيث اقرار حقوق الناس المادية والمعنوية,فان المشروع الاسلامي هو الذي سيحاصر في عقر داره..وسيدفع الى الزوايا والسراديب ليصبح الاسلام دين الموت وليس دين الحياة..دين الماضي وليس دين الحاضر والمستقبل.

المصدر / مجلة التوحيد.

 

 

مبدأ فصل السلطات عند الطهطاوي

 

سمير أبو حمدان

إن أحد المبادىء الأساسية التي تدخل في صلب الفكر السياسي لرفاعة الطهطاوي هو مبدأ فصل السلطات.وكتابه "مناهج الألباب" يتضمن شرحاً وافياً لهذه المسألة.ورفاعة الذي تعرف الى كتابه مونتسكيو "روح الشرائع",وقرأه أكثر من مرة استوحى الكثير من مضمونه وخاصة ما يتعلق منه بجعل السلطات الثلاث,التنفيذية والقضائية والتشريعية,منفصلة,وبحيث لايكون ثمة تشابك بين الواحدة والأخرى.ولنكن أكثر دقة فنقول أن رفاعة,إضافة الى أنه استلهم الكثير من "روح الشرائع",كان على صلة حميمة بالأفكار الأوروبية السائدة في القرن التاسع عشر.وإذا لم يكن,لا في مصر ولا في العالم العربي والاسلامي,مفكر واحد قد طرح هذه المسألة على بساط البحث,واظب رفاعة على شرحها وتفسيرها مطالباً,في الوقت عينه,بأن تكون أساساً لنظام الحكم في مصر.وثمة من يعتبر أن "الجمعية التشريعية" التي نشأت في مصر عام 1913 – وهي أول جمعية لها مضمون برلماني حقيقي – كانت تجسيداً لأفكار الطهطاوي.

إن المسألة الأولى التي ركز عليها رفاعة الطهطاوي وهو يتكلم على مبدأ فصل السلطات تتعلق بصلاحيات رئيس الدولة.فرئيس الدولة,عنده,ليس رمزاً للسيادة وحسب وإنما يتمتع باختصاصات كبيرة.وانطلاقاً من هذا الفهم لمسؤولية رئيس الدولة يترجم لنا رفاعة المادة الرابعة عشر من الدستور الفرنسي,وهي التي توضح المكانة السامية لرئيس الدولة.تقول هذه المادة:"الملك (أو رئيس الدولة) هو أعظم أهل الدولة,فهو الذي يأمر وينهى في عساكر البر والبحر وهو الذي يعقد الحروب والصلح والمعاهدة والتجارة بين أمته وغيرها,وهو الذي يولي المناصب الأصلية,ويحدد بعض قوانين وسياسات الدولة ويامر بما يلزم ويمضيه إذا كان فيه منفعة للدولة".وقد شرح رفاعة هذه المكانة التي يتبوأها رئيس الدولة في الأنظمة الدستورية,فقال :"وهو رئيس المملكة وأمير الجيوش البرية والبحرية وقائدهم الأعلى وعليه مدار الأمور الملكية والعسكرية الداخلية والخارجية.وهو الذي يقلد المناصب العمومية لمن يستحق بإصدار اوامره فيها,ويرتب الوظائف وينظم اللوائح المبينة لطرق إجراء الأصول والقوانين ويأمر بتنفيذ الأحكام الصادرة من ديوانه ومحاكمه ومجالسه...وإذا امر المجالس بتنظيم لوائح فانها لايجري مفعولها ولايعتد بها إلا إذا صدق على نفس اللوائح وعلى ترتيب الجزاء على من خالفه".

وانطلاقاً من نص الطهطاوي يتضح لنا ان رئيس الدولة يتمتع بصلاحيات واسعة.فهو,إذ يقف على رأس الهرم في الدولة,يصدق في الوقت نفسه على التشريعات والقوانين ويجعلها نافذة.وفي تحديده لصلاحيات رئيس الدولة ينطلق رفاعة من الدستور الفرنسي الذي يجعل رئيس الدولة في منأى عن أي مسؤولية مباشرة,"فذات الملك محترمة" كما يقول الطهطاوي,وعلى هذا فان المسؤولية التنفيذية تقع على الوزراء الذين هم "كفلاء",أي أنهم مكلفون بتسيير امور الدولة على أكمل وجه.فهؤلاء وحدهم يعاقبون أو يثابون وفقاً لما هم عليه من ممارسة صحيحة أو خاطئة للسلطة: أما الملك / الرئيس فحسابه "على ربه,فليس عليه في فعله مسؤولية لأحد من رعاياه".وحده فقط الرأي العام (أو الرأي العمومي,حسب تعبير الطهطاوي) له صلاحية أن يراقب (لا أن يحاسب!) رئيس الدولة,"فالرأي العمومي سلطان قاهر على قلوب الملوك والأكابر لايتساهل في حكمه ولايهزل في قضائه,فويل لمن نفرت منه القلوب واشتهر بين العموم بما يفضحه من العيوب".(وهنا نجد اختلافاً واضحاً بين موقف رفاعة,المرتبط بهذه المسألة تحديداً,في كتابه "تلخيص الابريز" (وكان في الثالثة والثلاثين من عمره عندما نشر هذا الكتاب لأول مرة) حيث يؤيد الثورة على رئيس الدولة في حال أخل ببنود الدستور ولم يراع مصالح الأمة,وبين موقفه في "مناهج الألباب" (وقد أصبح في السبعين من عمره) حيث أن رئيس الدولة (حسابه على ربه)!.

لكن هذا كله يجب ألا يذهب بنا الى اعتبار رئيس الدولة,وفق مايراه الطهطاوي,شخصاً مطلق الصلاحية.فهو المؤتمن الأول على الدستور,وعليه ان يراعي مبادئه بل وأن يعمل وفق ماتنص عليه.وعلى أساس من هذا فان صلاحية رئيس الدولة مطلقة وإنما مقيدة بالقوانين المنصوص عليها في الدستور.وفي هذا الاطار يركز رفاعة على وظيفة الدولة.فهي,أي الدولة,وجدت لتحافظ على حقوق المواطنين وحرياتهم.ورئيس الدولة عليه أن يعمل بمقتضى هذا المبدأ.فالمطلوب من رئيس الدولة المحافظة على الدستور وتحقيق الطموحات والغايات التي ينهد إليها المواطنون.فهؤلاء لم يرتضوا الانخراط في إطار الدولة إلا بعد أن التزم رئيسها,أمام الله أولاً وأمام الدستور ثانياً,بتحقيق مطامحهم والدفاع عن حرياتهم وحقوقهم.وعلى هذا فان الطهطاوي ركز في أغلب كتاباته التي تنخرط في إطار فكره السياسي على مايمكن أن نسميه (ضرورة الدولة),وضرورة وجود رئيس "يحسن سياستها".فبدون ذلك,أي بدون وجود الدولة وبغير وجود شخص جدير بالثقة على رأسها,لايستطيع الأمة أن تحفظ "مالها ولاعرضها" ولا أن تتمتع "بحقوقها المدنية ومزاياها البلدية (= الوطنية)".وفي هذا يقول رفاعة :"لا جائز أن تستغني الأمة عن رئيس يحسن سياستها وتدبير مصالحها.فبدونه لا تأمن على التمتع بحقوقها المدنية ومزاياها البلدية,ولاتحفظ نفسها ولا مالها ولاعرضها.فالرئيس المعنون له بأي عنوان كان من ألقاب رياسة الدولة (يعني سواء أكان ملكاً أو رئيساً) هو المحافظ على إجراء الأحكام والقوانين,وعلى حفظ الشريعة والدين".

إن مفهوم الدولة الحديثة,وهو المفهوم الذي روج له رفاعة الطهطاوي في البقعة العربية – الاسلامية عامة وفي مصر بوجه خاص يقوم على سيادة القانون.فالقانون هو الذي يقيد بل يحدد الحقوق والواجبات لكل من أفراد الأمة,بمن فيهم الملك / الرئيس نفسه.الأنظمة الدستورية,مثلما لاحظ رفاعة,تمجد سيادة القانون.وعلى هذا فهي تمحض السلطة القضائية مكانة مرموقة في الدستور.فالأحكام التي تصدرها السلطة القضائية حتى الملك / الرئيس لايستطيع التدخل فيها إلا بشروط محددة,والأحرى بشروط قانونية.ولعل هذه الشروط القانونية,إذا ساغ التعبير,تتعلق تحديداً بحق الملك/الرئيس في العفو إزاء بعض الأحكام الصادرة عن السلطة القضائية.

إن هذا الحق في العفو المعطى لرئيس يحدده القانون.فرئيس الدولة ليست له يد طليقة في هذا المجال,ويشمل عفوه,وحسب,الجرائم التي تنطوي على خلفية سياسية,وايضاً الأشخاص الصادرة بحقهم أحكام مختلفة بسبب من نشاطهم السياسي.أما ما تبقى من أحكام فليس لرئيس الدولة الحق في التدخل بها أو العفو عنها.ففي الممالك المدققة في الأحكام العدلية – يقول الطهطاوي – "لايصفح الملك عن الجاني في الغالب إلا في ذنب الخوض في الناموس الملكي أو في الصغائر الخاصة بالسياسة الملوكية.ولايتجاوز الملك عن المعتدي في شيء بالنسبة لحقوق العباد المبنية على المشاحة فلا يمنع حدود الله ولا يصفح عن القاتل".وانطلاقاً من ذلك فإن القانون أصبح الشيء الذي "ينظم أمور الدولة ويحدد بطبيعة الأمر حقوق رئيس الدولة وواجباته وعلاقاته بالسلطات العامة في الدولة".

وننتقل مع رفاعة رافع الطهطاوي الى الحديث عن السلطة التشريعية وهي المسألة التي أولاها اهتماماً بالغاً.لقد روج الطهطاوي للفكرة البرلمانية في وقت لم تكن الساحة العربية – الاسلامية قد شهدت اي نشاط برلماني على اساس الانتخاب.ولا نعدو الحقيقة إذا اعتبرنا أن كل الهيئات والدواوين والمجالس العثمانية لو يكن لها اي مضمون شعبي,أي أنها لم تكن تحظى بالتمثيل الشعبي الذي يعتبر شرطاً رئيساً في الحياة البرلمانية.ليس هذا وحسب بل إن الهيئات والدواوين والمجالس التي أنشئت في مصر إيان القرنين الثامن والتاسع عشر كانت خاضعة لسلطة الوالي التركي يشكلها ساعة يشاء ويطلب انعقادها أو حلها ساعة يشاء.

ومن هنا فان الفضل يعود للطهطاوي في غرس فكرة الحياة البرلمانية,الممثلة بالسلطة التشريعية,في تربة البلاد العربية والاسلامية.وقد أنبت هذا الغرس النبت الطيب بعد سنوات من وفاة الطهطاوي,وذلك عندما قامت في مصر اول جمعية تشريعية على أساس انتخابي.والجدير ذكره هنا أن الطهطاوي مهد لفكرته هذه بترجمته لبنود الدستور الفرنسي وشرحها بحيث اصبحت في متناول الجميع من ساسة ورجال فكر واناس عاديين.وكان رفاعة يرمي من وراء التفسيرات والشروح المسهبة لبنود الدستور الفرنسي الى خلق وعي برلماني في مصر التي لم تكن قد عرفت حتى ذلك الوقت سوى المجالس الادارية المعينة من قبل العثمانيين.

وفي شرحه لبنود الدستور الفرنسي تحدث رفاعة عن جوانب مختلفة في الممارسة البرلمانية الديمقراطية,ومنها الجانب المتعلق بفكرة "العملات" أي الدوائر الانتخابية وعددها,وعن شروط الترشيح والتصويت ومدة العضوية فيما يسمى حسب تعبيره,"مجلس رسل العمالات".والى ذلك تحدث عن الحصانة البرلمانية التي يتمتع بها عضو المجلس فور الاعلان عن فوزه,وعن الجلسات العلنية والسرية,واللجان البرلمانية,وسن القوانين المتعلقة بالضرائب,والقانون الذي يجيز حل المجلس (البرلمان),والدعوة الى انتخابات جديدة,كما تحدث عن العلاقة التي يجب أن تنشأ,وبناء على الدستور,بين أعضاء الحكومة (الوزراء) وبين المجلس,وصلاحية هذا الأخير في مراقبة الوزراء ومحاسبتهم في حالات التقصير.وهذه الأشياء كلها لم تكن قد طرقت,بعد,مسامع الانسان المصري أو العربي.

Balagh.com

 

Link to comment
Share on other sites

  • 1 month later...

مبادىء اساسية للاصلاح الاقتصادي

--------------------------------------------------------------------------------

 

 

بقلم : الدكتور عادل عبد المهدي

بسم الله الرحمن الرحيم

 

مقدمة

 

لم يقل، الا من لا يعرف امور البلاد، ان العراق سيمر بظروف سهلة مريحة، فيما لو سقط النظام السابق. بل كتب الكثيرون واشار العديد من القادة الى ان مهمة التغيير مهما كانت صعبة وقاسية الا ان مهمة الاصلاح ستكون اعقد واصعب بكثير.. وهذا امر طبيعي لكل من عرف الخراب والدمار الذي حل بالعراق خلال العقود الاخيرة.. استبداد وفساد وحروب داخلية مستمرة وثلاثة حروب اقليمية كبرى وتدويل القضية العراقية وعقوبات وحصار.. ليأتي التغيير، ويضع البلاد تحت الاحتلال. ولترتكب اخطاء خطيرة، اضيفت الى الاخطاء التي ارتكبها العراقيون انفسهم. لتضاف كلها الى الحرب الشرسة التي شنها الارهابيون والتكفيريون والصداميون والتي استهدفت المجتمع العراقي وما تبقى من بناه ومؤسساته. و لتعطل مسيرة الاصلاح والعملية السياسية وكل ما من شأنه الانتقال من هذه الاوضاع المأساوية الى اوضاع الخلاص التي ينشدها الشعب العراقي..

 

رغم هذه الظروف استطاع الشعب العراقي بصموده وتضحياته و بدعم حشد عظيم من الدول الصديقة ان يشمر عن ساعديه وان يحدد اولوياته التي شخصها باستعادة سيادته، وانتخابه ممثليه الذين يخولهم الكلام باسمه وباهمية ان يكون للعراق دستور دائم يتفق عليه العراقيون، كل العراقيين. وفعلاً تقدمت العملية السياسية بنجاح اثار اعجاب العالم وقامت حكومة الوحدة الوطنية والتئم في مجلس النواب العراقي كل تلك القوى الكبيرة والمهمة التي تمثل الشعب العراقي بكل مكوناته. وتطورت اجهزة الامن والجيش العراقي. وحسمت الكثير من القضايا التي كانت كالحلم قبل سنوات قليلة.. تحقق كل ذلك، وهو عظيم وعظيم جداً. وهذا امر يجب ان نفتخر به جميعاً.. لكننا ما زلنا نشعر بان البلاد لم تنطلق حقيقة وان مخاطر جمة ما زالت تحيط بها.. ورؤيتنا ان السبب الرئيس لذلك هو ان طريق الاصلاح الاقتصادي وتوفير الخدمات ما زال معطلاً. وان احد الاسباب الاساسية لذلك بالتأكيد هو الارهاب والتخريب.. لكننا فضلنا في هذه الورقة عدم الاكتفاء بذلك بل سعينا للتشديد بان سبب التعطيل لم يكن هذا العامل فقط، بل ان الاصلاح وتوفير الخدمات كان يمكن ان يحقق تقدماً اهم بكثير مما تحقق، ان تحقق شيء يذكر يلائم الاموال العظيمة التي صرفت والجهود الهائلة التي بذلت.. فالعملية السياسية قد تقدمت وسط الارهاب والتخريب، بل كانت احدى الوسائل لمواجهته.. وكان يمكن للاصلاح الاقتصادي وتوفير الخدمات ان يتقدما ايضاً ليس فقط بما يحقق مصلحة الشعب ويعطي للتغيير معانية ومراميه الحقيقية، ولكن ليطلق ايضاً الزخم الهائل الذي يمكن للمناطق والمحافظات الامنة والمستقرة ولسكانها ان تطلقه خصوصاً امنياً وسياسياً واقتصادياً، لتشكل احدى اهم الوسائل للخروج من الاوضاع الخانقة ولتحصين البلاد ضد كل المخاطر التي يمكن ان تهددها. لهذه العوامل وغيرها كانت هذه الورقة. ورقة سريعة مباشرة لم تشأ التأجيل منعاً من خسارة الوقت وخسارة بركة وفضيلة هذا الشهر الكريم، معتمدة مبدأ "ان اللبيب من الاشارة يفهم"، علماً ان كل الاشارات والمفاهيم المشار اليها في الورقة لها ارقام وشواهد تفصيلية نعتقد انها تعزز ما ذهبنا اليه من تشخيص ورؤية ومعالجة، وهو ما ستدرجه الدراسة التفصيلية التي تعتبر هذه الورقة مقدمة لها. واننا على ثقة بالوعي والشعور بالمسؤولية اللذان يتمتع بهما اخواننا الذين سيرفدون هذه الرؤى بالنقد والتصويب والتطوير لما فيه مصلحة العراق والعراقيين.

 

 

المدخل

 

من الضروري الاتفاق اولاً بين جميع اصحاب القرار والقوى الفاعلة واهمهم مجلس النواب وكتله الكبرى والدولة والاقاليم والمحافظات وقواها الفاعلة وقوى الاجتماع المختلفة بان الطبيعي وما تحتاجه البلاد هو سياسة الانطلاق والعمران وصرف الاموال في مشاريع خدمية وانتاجية.. فالاهم في السياسة الاقتصادية لاي بلد وامة هو كيفية مضاعفة القيم المضافة ومراكمة المكاسب والمرابح وبناء البنى التحتية التي تسمح بهذا كله وتطوره. من الضروري الاتفاق بازالة كل ما من شأنه اعاقة ذلك. فخسارة الربح وتعطيل الة الانتاج عن الدوران هو الفساد الاكبر والخسارة العظمى التي لن تعوضها لا ملاحقة الاخطاء ولا التجاوزات الصغرى.. تبدأ العملية اساساً بالانطلاق وان انظمة الصرف والرقابة والحماية والتقنين واصول التعاقد والنزاهة وغيرها هي حمايات يجب ان تسير بالخط الطولي لعملية الانطلاق وليس بالخط العرضي كما يحصل في اغلب الاحيان حالياً. فتتعرض البلاد والاصول الى اعمال تآكل ليس فقط بسبب استشراء الفساد والسرقة وحواسم الدولة، بل اساساً بسبب تأخر وتراجع بل احياناً توقف دولاب الانتاج وتوليد القيم عن العمل وهذه هي الكارثة الاعظم. لا يوجد شيء نحميه ونحاسبه وننظم قواعده ونراقب نزاهته ان لم تنطلق العملية اصلاً.. فانظمة الرقابة والكبح تأتي وتجرب فاعليتها فعلاً بعد الانطلاق.. انها لا تأتي بعدها فقط بل تأخذ بحسبانها ايضاً ان الانطلاق هو عملية تصاعدية متراكمة ودورات متلاحقة وان كل دورة يجب ان تعطي محلها لدورة ارقى من انتاج المزيد من الفوائض والقيم المضافة والارباج. وان كل شيء من قوانين واجراءات وضوابط يجب ان تحترم خدمة هذا الهدف في مراميه القريبة والبعيدة، الجزئية والشاملة، لا البقاء عند الدوائر المحدودة او الاهداف القصيرة.

 

لذلك يجب ازاحة الكوابح بوضعها في مكانها الصحيح اولاً، ثم تشخيص سياسات الانطلاق ثانياً وتشخيص ادوات التنفيذ وبعض السياسات المحفزة للخروج من دائرة الانحباس المغلقة.

 

 

 

 

 

اولاً:عوامل الحجز والكبح

 

 

1- في القوانين والتعليمات والاجراءات: وذلك بتذليل العراقيل القانونية اما بسبب وجود زحمة من القوانين والتعليمات او على العكس لعدم وجود القانون المطلوب مما يترك الامر لاجتهادات مختلفة ومتغيرة.

 

أ- غموض القوانين والتعليمات مما يجعل التصرفات اعتباطية متضادة متناقضة في احيان كثيرة.

 

ب- كثرة اللجان في مجلس الوزراء والوزارات واتخاذ الكثير من القرارات كردود افعال وليس كسياسات مدروسة تعالج المشاكل الجزئية في اطار الحلول العامة.

 

ج- لجان مجلس النواب وعدم معالجة القوانين الكثيرة التي تراكمت خلال عمر الدولة العراقية خصوصاً تلك المتضاربة، او غياب عدد من التشريعات الضرورية

 

د- الاطمئنان الى سرعة وحسن عمل مجلس الرئاسة وان لا يصبح معرقلاً للجهود والقرارات عندما يتعلق باختصاصاته التشريعية او التنفيذية. فالدور الذي حدده الدستور لمجلس الرئاسة، لا يعني اطلاقاً البقاء في حدود الاجتهادات الشخصية في عمل وقرارات الحكومة ومجلس النواب بل يحمل الاعضاء منفردين ومجتمعين المسؤولية في التعبير عن الوعي الجمعي التمثيلي والتوافقي الذي كلفوا به.

 

2- توفير الامن الوظيفي وروح المسؤولية.. فالسلوك السلبي للمسؤول (التلكوء والاحتياط والتردد) يغلب على سلوكه الايجابي (المبادرة والقرار وتحمل المسؤولية). ويعود تنامي هذا السلوك -اضافة الى التربية العامة- الى اعمال التنكيل والملاحقة بعد كل تغيير سياسي او تغيير وزاري عرفه العراق طوال تاريخه الماضي والحاضر .. وهذا يتطلب حماية اصحاب القرار من اعمال الكيد والتشهير الاعلامي والمحاسبة الاعتباطية والغضب الاداري والخصومات السياسية. وان تجري اعمال المحاسبة والمراقبة والنزاهة وفق اصول صحيحة مقبولة تستطيع ان تلاحق المفسدين دون احداث عطل اكبر في تعطيل المصالح العامة.

 

أ- توفير الحماية الجسدية والمادية والمعنوية للمسؤولين وعوائلهم الذي يتعرضون له من الارهابيين والتكفيريين والمخربين اساساً، ولكن ايضاً من فئات وقوى عديدة مافيوية وسياسية داخل المؤسسة او خارجها.

 

ب- القرارات المتسرعة وغير العادلة من المراتب الاعلى.. وما تحمله التغييرات الوزارية عادة من تغيرات تهدد الكفاءات وتولد ارتباكات وقلق مستمرين.

 

ج- ضبط اجراءات هيئة النزاهة سواء في التسرع او في التشهير في الاعلام او في طبيعة الاجراءات وعدم التسرع في كيل الاتهامات الا وفق اجراءات تمر بمرشحات عديدة لضمان ان لا يكون الاذى اكثر من الفائدة.

 

د- الاجتثاث واهمية التعامل معه بنظرة تشبه النظرة المطلوبة في موضوعة النزاهة، ووفقاً للدستور.

 

3- ظهر في مناسبات عديدة عدم وجود نقاش جدي يسبق القرارات في مجلس النواب، او في داخل الحكومة، او مجلس الرئاسة.. بل عدم وجود نقاش جدي في مسائل اساسية في دوائر الاجتماع المختلفة او حتى بين اطراف الكتلة الواحدة. وغالباً ما يتخذ بعض المسؤولين او بعض اللجان قراراتهم او يقترحون تعديلاتهم بناء على مشورة غير متعمقة او مستطلعة لمختلف الاراء ويعطلون بذلك سياسات بذل اخرون جهداً طيباً في اعدادها.. والامثلة على ذلك عديدة.. ناهيك عن التفسيرات المختلفة وروحية الظنية والشكوكية الموجودة حتى داخل الكتلة الواحدة بسبب الاوضاع السياسية التي تعطل بدورها الكثير من القرارات والاعمال.

 

4- في المسؤولية والتوقيع:

 

أ- منح الصلاحيات الواضحة في التفاوض والتوقيع وتسهيل الاجراءات (ورقة خاصة مرفقة برقم 1). وايجاد ثبات في مستوى وكلاء الوزارة والمدراء العامين ليمثلوا هم العنصر الدائم والفني في عمل الوزارة وليكون الوزير هو الشخص السياسي والاداري الذي لا يؤثر تغيره على ثبات عمل الوزارة وانجازاتها.

 

ب- تسهيل اعمال الاحالة سواء بالتفاوض مع جهة مختارة او عن طريق المناقصات او غيرها من وسائل تضمن حقوق البلاد وسرعة الانجاز وجودته.

 

ج- تبسيط اجراءات فتح الاعتمادات

 

5- انسيابية الدفع سواء للجهات المنفذة الداخلية او الخارجية، اذ غالباً ما تؤدي العراقيل الادارية والاجرائية الى تأخير الدفع مما يولد تلكؤ شديد في اندفاع هؤلاء للتعاقد مع الحكومة.

 

6- اعتماد سياسة "احسن الموجود" Best available من المقاولين والشركات والعروض عند تنفيذ المشاريع، بدلاً من "التطابق الحرفي"Exact match ،خصوصاً اذا كانت اضرار التأخير اكثر من اضرار السعر المرتفع او نقص بعض الشروط خصوصاً غير الاساسية.

 

 

ثانياً: في سياسات الانطلاق والاصلاح

 

تعريف الدوافع والحقوق:

 

 

لقد تراكمت المصادرات والقوانين والتعليمات واحتكار الدولة منذ نهاية الدولة العثمانية وتضاعفت الاجراءات والقرارات بشكل متسارع خصوصاً خلال العقود الاخيرة.. ووضعت الدولة بالتدريج يدها اما على عين الحق او على مقومات عمله... ففي مجال الارض الزراعية صار من الصعب تعريف الملكيات واشكال الاستثمار المختلفة مما شكل تراجعاً مستمراً لهذا القطاع الخطير.. اما في المجالات العقارية والتجارية والصناعية والخدماتية الاخرى فقد امتد احتكار الدولة لتصبح هي المالك الاكبر ولتطرد كل منافسيها ولتحول من بقي منهم الى مجرد وكلاء وحالات تابعة تدور في فلكها. كل ذلك دون الكلام عن الاستيلاء على القطاع الاستخراجي خصوصاً في مجالي النفط والغاز والتي حولتها من ملكية للشعب الى ملكية للدولة ثم للفرد ليستولي ليس على عين الحق فقط ، بل على القسم الاعظم من مجالات عمل القطاع بكل مراحل صناعاته الصاعدة والهابطة.. وليسيطر بالتالي بالكامل على جميع موارد هذا القطاع الضخم.. وليحولها في النهاية من حق في الاعمار وحماية الاجيال القادمة وفرصة لاستخدام هذه الثروة في تطوير البلاد الى جيوش وحروب داخلية وخارجية لم تتوقف.. وفي احسن الاحوال الى صناعات هجينة وابهة فارغة وقصور فيها كل شيء الا السيادة ومصلحة الناس والمجتمع. فالامر خطير وخطير للغاية. فالاستبداد السياسي قد نما مع هذه التطورات. فعندما تهيمن الدولة على الملك والاجتماع فان الاستبداد الشمولي يصبح هو النتيجة الطبيعية الذي لا يبقى في حدود البنى الفوقية فقط، بل يستشري لينال كل مقومات الحياة والاجتماع والسياسة وهي الحالة التي يعيشها العراق اليوم. لكن غياب الدولة او اضعافها يعني الفوضى وان المعادلة الصحيحة التي يجب ان يعمل لها المخلصون هي دولة وحكومة قوية نتاج شعب ومجتمع قويان وليس العكس دولة تستقوي على الشعب والمجتمع وتلغي دورهما .. وحكومة مركزية قوية وفاعلة تتوزع الصلاحيات والمهام مع حكومات محلية فاعلة وقوية فلا تعطل او تلغي الاولى الثانية ولا الثانية الاولى.. من هنا فان السعي لاعادة المياه الى مجاريها الطبيعية بموضعة الدولة الحالية في مكانها الصحيح واستعادة المجتمع والشعب والحكومات المحلية كل لدوره، والذي تقوم عليه هذه الورقة يستهدف من جملة ما يستهدف اصلاح وضع الدولة وتخليصها من البيروقراطية وتحمل مسؤوليات تنآى تحت وطأتها اليوم.

 

واننا عندما نقول ان الامر خطير وخطير للغاية فاننا لا نقصد التخويف المجرد. فعندما تحصل مثل هذه الحالة فان ذلك سيعني -اول ما يعني- تعطيل نظام الدوافع والمصالح الذي يحرك الارادات الحرة للافراد والجماعات. ستتوقف كل الحوافز والمحركات الفطرية والغرائز الطبيعية التي تحرك النوازع والرغبات والمبادرات والدوافع والارادات والمطامح والاحلام، ولن يتبقى سوى نظام السخرة والعبودية والقسر والخوف. لذلك عندما انهار نظام القمع في العراق فقد انهار معه السوط الظاهر او الخفي الذي يحرك العمل ويبث فيه ولو ذلك القدر الضعيف من الحيوية والنشاط بالمعنى الاقتصادي وليس الانساني بالطبع.

 

هذا هو وضعنا اليوم فاما ان نعيد القمع والاستبداد لنحرك من جديد اداة الاستبداد والدولة الاحتكارية.. ليعود ويلعب دوره المريض في تحريك دولاب العمل والانتاج ولو بادنى مستوياته.. او ان يبدأ رجال الاصلاح الذين قاتلوا الظلم والاستبداد واسقطوا الطاغية وناضلوا من اجل الدستور والحياة الديمقراطية وسعوا لاعادة الحقوق الى الشعب والمجتمع، ان يسعوا جميعاً لاعادة نصاب الحقوق والدوافع الى مساراتها الطبيعية حيث تستطيع الارادات الحرة للافراد والجماعات والحكومات والادارات المحلية ان تعيد صناعة الحياة الاقتصادية والاجتماعية وهي مستقرة تقف على قاعدتها وليس قلقة مهزوزة تقف على قمتها. لذلك، عندما يقول البعض بان هذه البلاد لا تصلح للديمقراطية، او عندما يطالب بعض العراقيين والغربيين والامريكان والعرب باعادة هيمنة الدولة ولو على حساب الشعب، فان هذا يفسر بان ما يعني هذا البعض هو المصلحة الخاصة واساليب السيطرة على البلاد وليس مصالح الشعب واستعادة دوره في الحياة وتقويم الامور ووضعها في سياقاتها الصحيحة.

 

اذا لم يطمئن المستثمر ورجل الاعمال الى ربحه وضمان حقوقه ليس في يومه فقط بل في غده ومستقبله ايضاً.. واذا لم يطمئن العقاري او المزارع الى ريعه وملكه او ايجاره.. والموظف والعامل الى مردوداته واجره وحماياته عند عطله او شيخوخته.. والمضارب والصيرفي الى نفعه و فائدته.. والمريض وصاحب الزمانة والفقير والمسكين الى العناية والاخذ بيده لينتقل من العوز الى اليسر. اذا لم تشعر العائلة بالحماية والاطمئنان وتحاط الطفولة والشباب بالرعاية.. وبان هذه كلها هي ركائز اساسية للمجتمع ولمستقبله.. وبان حقها من الثروة العامة هي ليست منة تعطى لها، بل هي حصة من حق تساهم في صنعه، وان لم يظهر في الحسابات الاقتصادية واحصاءات الناتج الاجمالي.. اذا لم تعد الدولة للعب دورها الطبيعي كحامي وضامن لتحقيق ذلك، ولاحتلال دورها الاقتصادي والاجتماعي كخادمة للشعب وليس كمالكة له، ليتطور مفهوم الخدمة العامة الى تربية وثقافة بحد ذاتها ترتبط بمفهوم المواطنة الحقة التي ترعرعت في كنف مجتمع متضامن رحيم يعرف واجباته وحقوقه. اذا لم يعد العراق لاحترام مواطنه كدليل على عزة واحترام نفسه واحترام غيره ووعوده وعهوده.. اذا لم نبدأ بالعمل لجعل هذه الامور وغيرها حقائق يومية فان علينا ان نراجع انفسنا. لان النظام القديم سينتصر علينا وسنجدد منطقه وافعاله بايدينا. وسيعود الاستبداد والقمع لا فرق بنفس الشخوص والرموز القديمة او برموز وشخصيات جديدة. عليه من واجبنا وواجب الحكومة والبرلمان وقوى الاجتماع ان تعمل بسرعة لسلسلة من الاعمال التاريخية التي من شأنها ان تنقذ العراق حقيقة واهمها –وليس كلها- ما يلي:

 

 

1- قانون الملكية: (ورقة خاصة) تشريع قانون للملكية يسعى اساساً لاعادة ملكية الدولة الواسعة والتي تشكل اليوم ما لا يقل عن ثلاث ارباع الملكية العامة الى المواطنين والهيئات والجماعات والبلديات والمحافظات والحكومات المحلية،الخ.. ملكية الدولة الواسعة تاريخياً هي نتاج سياسات المصادرة او وضع اليد او الاستيلاء على ما لا مالك له.. انها في الاساس اما ملكيات عامة او خاصة او اوقاف عامة او خاصة او مشاعات او غيرها من اشكال: سيتمثل التعويض التاريخي بالقيام، كنهج عام وليس تخصيصاً وتحديداً، بما يلي:

 

- تصفية الاملاك والعقارات التي ورثتها الدولة من النظام الصدامي وازلامه عن طريق البيع للهيئات او للمواطنين او للمؤسسات، او تحويلها الى متاحف او مؤسسات جامعية او اجتماعية مختلفة، كل ذلك منعاً من العبث والاستغلال غير الامثل لها. وان اموالها يمكن ان تستخدم في:

 

<!--[if !supportLists]-->أ‌- <!--[endif]-->تعويض المتضررين نتيجة تصرفات النظام السابق وتعويضات نزاعات الملكية من اجل تخفيف العبء على الموازنة نتيجة لذلك.

 

<!--[if !supportLists]-->ب‌- <!--[endif]-->يمكن ان تكون الحصيلة نواة لصندوق لتمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة الحجم في القطاع الخاص لتفعيله وبشروط ميسرة.

 

- اراض توزع مجانا او ما يقرب المجان الى الاهالي والسكان لبناء المساكن في مواقع مختارة خارج المدن المكتضة حالياً بعد توفير المستلزمات مع منح شروط تسليفية بسيطة. وتسلم ورقة الطابو او سند الملكية بعد البناء او انتهاء جزء رئيس منه.

 

- اراض توزع للاستغلال المباشر او للتملك الى اصحاب المشاريع الصناعية والزراعية والخدمية داخل حدود البلديات او خارجها حسب شروط وضوابط محددة. وان تعرف انماط العقارات او الاراضي وشروطها ان كانت اراض سكنية او زراعية او صناعية او تاريخية او وقفية او حكومية او عامة او بلدية او غيرها من انواع.

 

- تمليك العرصات او المسطحات بشروط واسعار مدروسة، خصوصاً ان الايجارات المدفوعة في حالة بعض العرصات قد تجاوزت القيمة الحقيقية للعقار مما يسمح باعتبارها اقساط سداد.. وفي كل الاحوال تأخذ بالاعتبار ادخال محددات تشترط الاصلاح والتجديد في الملك، او الاثنين معاً وهو الاصح.

 

- تصفية مخلفات قوانين التسوية القديمة وقانون الاصلاح الزراعي وملحقاته بتمليك من لم يتملك من المستغلين والمستثمرين والمزارعين الاراض التي وزعت عليهم او المتعاقدين عليها ويقومون فعلاً باستغلالها .. واعادة ما لم يوزع، او وزع ولم يستثمر او اجر ولم يستغل الى المالكين والمستثمرين الاصليين. او صيغ اخرى لم ترد لتحديد مفاهيم الملكية والاجارة والاستغلال بشكل واضح يزيل الغموض والتداخل عن الكثير من المسميات الحالية التي نمت بشكل مشوش يضيع الحقوق والمنافع والدوافع على حد سواء.

 

- الاسراع في حسم "منازعات الملكية" واعادة كل ما اغتصب الى اصحابه او تعويضهم بحقوق عينية تمثل نفس القيمة الحقيقية عند الاستيلاء.

 

- تشجيع عقود الاستثمار والاستغلال والتملك في الموات والبراري والبوادي والاراضي البور والمستنقعات والجبال والاهوار المنتشرة اليوم في طول البلاد وعرضها، ليس فقط لاغراض الاستثمار الزراعي، بل ايضاً لاعمال الاستخراج والخدمات والتربية والصيد والسياحة وشتى اشكال الاعمال.

 

ان ذلك لا يعني ان الدولة ستتوقف عن ممارسة النشاط الاقتصادي.. لكن ممارستها هذا الدور يجب ان يتم بمعايير السوق او بمعايير استراتيجية معرفة بشكل واضح وصحيح. ما يجب الوقوف بوجهه هو ان تتحول الوزارات من دور الرقيب والراعي والمرشد الى دور رجل الاعمال والتاجر والصناعي والطبيب والمعلم.. فان اقتضت الضرورة ان تقوم الدولة بدور رجل الاعمال او غيره فيجب ان تحترم شروط المنافسة وقوانين السوق، او ان تتدخل في المساحات الفارغة والقضايا الاستراتيجية والتي هي ضرورة ان لم تقم هي بها فان نقصاً او ثغرة ستحصل سواء في حاضر البلاد او مستقبلها.

 

 

2- نظام الارث: (ورقة خاصة) ان العدالة التي يتوسمها نظام الارث القائم على الشرع الاسلامي يشيع كما يطبق حالياً في حالات عديدة جموداً وقتلاً للملكية التي كانت في يوم من الايام مزدهرة وناشطة.. فمتطلبات "القسام الشرعي" وتوزعه العظيم في ظروفنا المعاصرة غالباً ما يقود الى التعطيل والجمود خصوصاً في الملك الاستثماري، ناهيك عن التنازع والتخاصم بين افراد الاسرة الواحدة، وهي حالة تعاني منها العديد من الملكيات التي اصبحت بحكم "الغائب او المعطل مالكيته". والكثير من هذه الملكيات ان كانت في المجال الصناعي او العقاري او الزراعي تعاني اليوم من تفكك وجمود وتعطل منع ويمنع من تراكم الثروات والقدرات. نعتقد ان على رجال الفقه والقانون ان يتقدموا بحلولهم لادخال تكييف شرعي وقانوني يمنع من قيام فراغ في الادارة الناجحة بما يحقق مصلحة المشروع والمالكين من الورثة الجدد.. وان احالة مثل هذه الملكيات الى مديرية ترعاها لحين اتفاق المالكين من الورثة الجدد -وهو ما يقترح عادة- هو من اسوء الحلول.. انه احلال البيروقراطية محل الفراغ والجمود في حين ان المطلوب هو ابقاء الفاعلية وتشخيص المالكية وحصول اصحاب الحقوق على حقوقهم.. اننا بحاجة الى حلول قد يجد الخبراء لها مخرجاً تفي عملياً -وليس نظرياً- بالغرض. وهو الحفاظ على حقوق الورثة الشرعية من جهة دون تعطيل فاعلية الملك من جهة اخرى. حلول تبدأ بالتشجيع والتربية على كتابة الوصية ليتضح مآل قسم من الملك. او حلول قد تبدأ بتقويم القيمة السوقية للملك من قبل خبراء تقدير مختصين بهذه الشؤون.. و تحويل الورثة الذين يسميهم "القسام الشرعي" ، الى نوع من الشركة الخاصة او الشركة المساهمة (حسب نوع الملك ان كان عقاراً او ارضاً او شركة او مصنعاً، الخ) وتسجل بهذا العنوان او ما يشبهه، ويصبح كل وريث حامل لسهم له قيمة سوقية معروفة يستطيع بيعها او الاحتفاظ بها وفق اجراءات محددة كاولوية اطراف اخرى في القسام الشرعي في عملية الشراء منعاً من خروج الملك الى الغير. ادارة او شركة تختار وصيها او مدير اعمالها اما اكبر الاولاد سناً او من كان يستثمر فعلاً او المقيم فعلاً او من تنص عليه الوصية او من تتفق عليه اغلبية الاسهم، او اية الية "لازالة الشيوع" في حالة الخلاف بشكل يلي الوفاة بمدة محددة لتركيب الملكية من جديد بشكل فاعل وصحيح. او غير ذلك من حلول يمكن ان يتقدم بها العلماء والخبراء... . نظام يضمن استمرار عدالة التوزيع الذي اراده الشرع، و يضمن –في الوقت ذاته- استمرارية الملك وعدم تآكله وضياعه وغياب الفاعلية وحقوق التصرف الراشد فيه.

 

 

3- قانون الاستثمار: (ورقة في البرلمان معروضة للنقاش والتصويت) ان يتضمن القانون ما يضمن اطلاق الحركة الاقتصادية وسهولة الاجازة واحترام المالكية ومنع الانقضاض عليها واعادة الحيوية لعمل المؤسسات والهيئات الخاصة الوطنية والاجنبية لتتبادل هي والدولة اعمال الرقابة والمسائلة بشكل متقابل ومتوازن. وان يعطي القانون للادرات والحكومات المحلية المساحة الصحيحة لتقوم بمبادراتها وتحمل مسؤولياتها لاستجذاب الاستثمارات وتفعيل النشاطات بطريقة تقود الى فائدة البلاد باعتبار ان فائدة الجزء هي فائدة للكل، والى تعاون المسؤولين والسكان المحليين مع المبادرات والمشاريع العامة وتسهيل القيام بها باعتبار ان ما يفيد الكل سيفيد الجزء ايضاً.

 

 

4- الطاقة: باتت الطاقة عنصراً رئيسياً لنهضة الامم. ولعل اخطر ما نعاني منه في ظرفنا الراهن هو بالضبط نقص الكهرباء وعدم توفر المشتقات النفطية بشكل كاف. اعتقادنا الجازم بانه لو وفر هذان العنصران لاختلف الوضع الاقتصادي والخدماتي بل وحتى الامني عما هو عليه حالياً. ولعل اهم ما سيواجه وزارتي النفط والكهرباء واللجنة الاقتصادية الاستراتيجية (ورقة خاصة ملحقة رقم 1) هو ضرورة الاسراع في البدء بمشاريع جادة وبالطاقات المطلوبة لتقديم حل جذري ونهائي لهاتين المسألتين. وان استهداف الارهاب لهذه المؤسسات يشير بوضوح الى دورهما الخطير حيث يسعى التخريبيون والارهابيون الى تعطيل الة عمل البلاد بتعطيل عمل هاتين المؤسستين. وعليه يجب ان ترصد الاموال الكافية وتوفر البيئة الامنية المناسبة للبدء فوراً بانجاز مشاريع استراتيجية في هذين القطاعين الرئيسيين واستمرار وزارتي النفط والكهرباء الى ادامة وتطوير المشاريع القائمة وتوفير سبل تشغيلها، ووضع استراتيجيات تجمع بين الحلول الوطنية الكلية للاستفادة من مشاريع الاحجام والطاقات الكبرى، والحلول المناطقية للتقليل قدر الامكان من عمليات النقل. ان اي تأخير ولاي سبب او حجة لم يعد مقبولاً. فاذا كانت القوانين والاجراءات لا تسمح في سرعة الانجاز فانه يجب ايجاد الحلول السريعة لتجاوز هذه المعضلة.. فارواح الناس وحقوقهم النهائية اهم بكثير من كل المخاوف والعراقيل التي يتم التشبث بها.

 

2) لا يمكن التخلص من مشكلة المشتقات النفطية واثارها الخطيرة على الاقتصاد والتضخم وهروب مليارات الدولارات الى الارهابيين ومافيات السوق السوداء والدول المجاورة عن طريق المطالبة برصد اموال ستتزايد باستمرار.. لا نجد من طريق الى ذلك الا عن طريق سياسة الاسعار والتدرج فيها لتدور حول اسعار السوق، مع سياسة مضادة لكي لا تتحمل المصالح الاقتصادية كالنقل واعمال التشغيل او الطبقات الدنيا كلفة هذه السياسة. نعتقد ان هذه السياسة ستحرر مليارات الدولارات في موازنة الدولة وستبقي مليارات اخرى داخل الدائرة الوطنية بعيداً عن المافيات والتهريب، مما سيمكن من اعادة التوازن العام والدفاع عن مصالح الناس بشكل افضل من الطريقة الحالية بالوقوف في صفوف طويلة لايام عديدة او بدفع اضعاف السعر الطبيعي في الاسواق السوداء. وان تشجيع القطاع الخاص على تحمل مسؤولياته في هذا القطاع هو امر مهم مما يتطلب سلسلة من التسهيلات المتعلقة بالخزن والتوزيع وغيرها من امور معروفة. (راجع ورقة خاصة بالموضوع مقدمة للسيد رئيس الائتلاف العراقي الموحد وللسيد رئيس الوزراء)

 

 

4أ- قانون النفط: (تحت المناقشة والاعداد) قانون يضمن جعل النفط والغاز ثروة حقيقية لكل الشعب العراقي. فالدولة عنوان كبير قد يمثل الشعب وقد يمثل مصالح فئوية او شخصية لذلك يجب الدقة في التعامل مع هذا الموضوع. واننا نواجه اليوم نقاشاً تتداخل فيه جهات عديدة ومفاهيم اساسية ومتفرعة مختلفة. وان الدستور بقي مفتوحاً لكل النقاشات رغم انه حدد بعض المنطلقات الاساسية وهو ما يجب ان يسترشد به قانون النفط المقترح ليتسنى الانطلاق بهذا القطاع الذي هو شريان الحياة الاقتصادية اليوم.

 

- من حيث المالكية: هناك مالكية الشعب والدولة والاقاليم والمحافظات والمواطنين. وقد نص الدستور على مالكية الشعب لكنه لم يبق على عموميته بل شخصه ايضاً بسكان الاقاليم والمحافظات.

 

- من حيث الادارة والسياسة والتخطيط: تكلم الدستور عن الحكومة الاتحادية بالتعاون مع ادارة الحكومات والادارات المحلية، او بالعكس.

 

- من حيث الحقول.. جعل الحقول الحالية شأنا تديره الحكومة الاتحادية وابقى الباب مفتوحاً للاقاليم والمحافظات للمبادرة في الحقول الجديدة.

 

- اما من حيث الموارد: فقد جعلها شأناً اتحادياً، وربط بين توزيعها وحاجات الدولة الاتحادية ومراعاة التوزيع السكاني والحاجات ودرجات المحرومية في عموم الاقاليم والمحافظات.

 

ان النقاش حول هذه المسألة لن يحسم اذا لم نتفق على الخلفية او الفلسفة المنظمة لذلك كله. ونعتقد ان الدستور قد خطى خطوة جيدة بالكلام عن مالكية الشعب العراقي للثروة وليس مالكية الدولة الاتحادية او المحلية او سكان محافظة او اقليم محدد. المالك الاوحد هو الشعب العراقي، كل الشعب العراقي في كل اقاليمه ومحافظاته. لذلك فان اعمال الادارة او الاستثمار او التخطيط او وضع السياسات، ما هي سوى وكالة لصون وحماية الثروة ولايصال الحقوق المترتبة من هذه الثروة للشعب العراقي افراداً ومواطنين وسكان اقاليم ومحافظات. فما يجب الحرص عليه هو كيف ستصل مردودات هذه الثروة حقيقة الى الشعب الفرد المواطن منه وجماعات السكان والاجيال القادمة على حد سواء. فمالك النفط والغاز هو ليس الحكومة الاقليمية ولا الحكومة الاتحادية، انه ليس سكان المحافظة والاقليم المنتج بل هو عموم الشعب العراقي في حاضره ومستقبله.

 

هذه الرؤية لن تتحقق في ظروفنا الحالية الا بانهاء بيروقراطية الدولة وتأسيس شركة نفط، او شركات نفط وطنية ومحلية تتولى عملية الانتاج والادارة والتسويق مراعية اقتصاديات السوق والربحية والدفاع عن ثروة الشعب الان وللمستقبل. وان تطوير الثروة النفطية والغازية لن يتحقق الا بالتفاوض خصوصاً مع الشركات النفطية الكبرى (واحياناً المتوسطة) لاستثمار الحقول بعد وضع سياسة محددة لعمل هذه الشركات سواءاً بعقود مشاركة او بعقود خدمة او الاثنين معاً. فالمهم ان يأتي تشريع قانون النفط ليوضح الامور ادناه وغيرها وليمهد الطريق لاصلاح ادارة الصناعة النفطية ويسهل من عملية تطويرها وتوسيعها. والحذر كل الحذر من تفويت الفرصة التاريخية الماثلة امامنا من طلب عال على النفط واسعار ممتازة حيث فاتت على العراق فرص كثيرة ابان النظام الديكتاتوري وفاتت الفرص خلال السنوات الثلاث والنيف ويجب ان لا نستمر بتفويتها… ان العودة الى الوضع الطبيعي وانهاء الدور الانتاجي والتسويقي للدولة ونقل العملية الى الشركات العراقية والعالمية، مع ابقاء الدور الرقيب والمخطط والماسك –ممثلاً حقيقياً للشعب في كل اقاليمه ومحافظاته- لرقبة العين، هو الطريق الصحيح، لادخال معايير الربجية والانتاجية والعالمية ومنع التغييرات السياسية والبيروقراطية والجمود والاداريات الحكومية، عن هيكليات عمل يراد منها الدفاع عن حقوق البلاد مع اقصى درجات الكفاءة والخبرة والمرونة والتنافس وسرعة القرار والتكيف مع اوضاع متغيرة وسريعة..

 

 

اما الامر الثاني فهو ان هناك امور كثيرة واضحة وعليها اتفاق عام كبير. وان تعطيل هذه كلها بحجة وجود غموض في تفسير مختلف عليه في امور اخرى هو موقف يعرقل ويشوش وهو ما يجب الالتفات اليه. اذ يبدو ان هناك اتفاق او اسس اتفاق حول الامور الاساسية التالية على الاقل:

 

أ‌- توزيع الموارد بشكل عادل يتناسب مع السكان والحاجات ودرجة الحرمان.. ويبدو ان هذا امر يمكن معالجته عبر توزيعات الموازنة العامة. وهذه مسؤولية اتحادية لا اشكال حولها، عليها ان تنظمها بالتعاون مع الاقاليم والمحافظات.

 

ب‌- امكانية منح مشاريع "المخارج او الهابط" Downstream projects كالمحطات والمصافي والصناعات البتروكيماوية للقطاع الخاص المحلي او الاجنبي او للحكومات المحلية او الاتحادية على حد سواء، اضافة الى الجهد الاتحادي في هذا الاتجاه.

 

ت‌- اما فيما يخص سياسات "المداخل او الصاعد" Upstream projects كالاستكشاف والانتاج فانه لا اشكال في ان "الحقول الحالية" لا تعني "الابار الحالية" او "الابار المنتجة" او الابار التي يستخرج منها النفط حالياً فقط، بل تعني حسب فهمنا الحقول التي جرت وتجري في تركيباتها اعمال حفر وانتاج واستخراج سابقاً وحالياً والتي قد تجري مستقبلاً ايضاً. وان محاضر مناقشات الدستور ستتضمن تأكيداً لهذه النظرة. وان الاتفاق حول هذه الحقول سيعني ان جزءاً اساسياً من الرؤية هي رؤية واضحة. فهذه الحقول تشمل على الاقل الـ 80 حقلاً او تركيباً او معظمها من حقول او تركيبات العراق النفطية والغازية المستكشفة والمنتجة وذلك من مجموع 530 تركيباً معروفاً حفر منها 115 حقلاً او تركيباً. هذه الحقول الـ 80 او معظمها هي دون ادنى شك ما نصت عليه المادة ( 112 اولاً) من الدستور.. والذي اشترط ان تقوم الحكومة بهذه العملية مع الاقاليم والمحافظات المنتجة وهو ما يتطلب حضوراً مناسباً لممثلي الاقاليم والمحافظات المنتجة في الهيئات الاتحادية المقررة والمديرة والمنظمة لهذه العملية.

 

ث‌- اما بقية الحقول والتركيبات المعروفة او غير المطورة او التي ستكتشف لاحقاً او لم تجر فيها اعمال حفر وانتاج فيبدو ان المادة (112 ثانياً) قد فتحت باب المبادرة امام حكومات الاقاليم والمحافظات المنتجة للمبادرة بالتعاون مع الحكومة الاتحادية لتطوير الاستثمار في هذه الحقول.. وهو ما يتطلب بدوره حضوراً مناسباً للحكومة الاتحادية في الهيئات المحلية المقررة والمديرة والمنظمة لهذه العملية، عند قيامها. علماً ان اختصاصات السلطة الاتحادية قد غطتها المواد 109-113، بكافة فقراتها. وعليه نعتقد ان سمة الوضوح هي اكثر بكثير من سمة الغموض الذي يتكلم عنه البعض داخل البلاد وخارجها. فالدستور واضح بما يكفي لكي تقوم الحكومة بمبادراتها وتنظم خططها وعقودها.. وواضح ايضاً بما يكفي في دور الاقاليم والمحافظات للمشاركة والقيام بمبادراتها. واذا كان هناك من غموض في المسائل الفرعية فان من واجب قانون النفط ان يوضحه ويضع النقاط على الحروف بشكل نهائي.

 

ج‌- اما عملية التسويق فالواضح انه مسؤولية اتحادية سواء قامت به "سومو" او اية جهة اخرى محلية او اجنبية. فشرطه هو سياسة التسويق الموحدة والاستراتيجية والتي تسمح بالتعامل مع الاسواق الخارجية ومنظمة اوبك وغيرها من سياسات نفطية وغازية بشكل يضمن مصالح الشعب العراقي. وان تعاون الحكومة الاتحادية مع الحكومات المحلية للاقاليم والمحافظات لا يشوش من هذه المسؤولية بل يعززها.

 

وعليه فان انتظار "قانون النفط" الذي يجب ان يضع النقاط على الحروف في هذه القضايا الحساسة، لا يعني التوقف عن العمل وتطوير سلسلة من الاعمال المهمة جداً في قطاع النفظ والغاز والبتروكيماويات سواء في مشاريع "المخارج والمهابط" او مشاريع "المداخل والصاعد " والتي تستوجب كلها البدء بمشاريع عملاقة تحمل مصلحة البلاد والشعب العراقي. ودفعاً للغموض الذي قد يثار حول المواد (111) و (112، اولاً وثانياً) والمتعلقة بالنفط والغاز قد يكون من المفيد تسمية"الحقول الحالية" لتمييزها عن غيرها.. علماً ان المادتين تقعان في اختصاصات السلطات الاتحادية وان المطلوب هو تنظيم علاقة بين الحكومة الاتحادية والاقاليم والمحافظات تسمح بتوزع المسؤوليات والصلاحيات والتنسيق والتعاون لما فيه المصلحة العامة.

 

 

الدولة ومجلس الاعمار: (ورقة خاصة) ان فلسفة هذا الموضوع هو ان الدولة تعتمد على الضرائب والجبايات المباشرة وغير المباشرة.. اما الواردات الريعية كواردات النفط والغاز فيجب التعامل معها على انها ريع وطني لذلك تم الاصرار على اعتبار ملكيتها للشعب العراقي كله.. ومن المعروف ان الاثر الداخلي لعملية انتاج النفط ضعيفة من حيث ضعف العمالة وتحريك عوامل الانتاج المحلية خلال عملية الانتاج.. بخلافه فان الموارد التي يحققها من الاسواق الدولية هي عظيمة للغاية بحيث يجب ان لا تستخدم لمجرد تشغيل جهاز الدولة استهلاكياً بل يجب ان تستغل لمصلحة عموم الشعب واجياله القادمة. لذلك دأبت الدول المصدرة للنفط على تأسيس صناديق الاجيال القادمة او صناديق الاستثمار التي تعتمد اساساً او جزئياً على موارد النفط والغاز. وقد شهد العراق تجربة ناجحة هي تجربة مجلس الاعمار والذي استطاع خلال فترة قصيرة وباموال هي اقل بكثير من الموارد الحالية من توفير بنية تحتية ومشاريع ما زالت تقدم فوائدها وخدماتها لاجيال العراقيين. ان احياء هذه الفكرة ولو بتطويرها هو امر ممكن للغاية. يمكن البدء فوراً بتطبيق سياسة تقوم عند تقدير نفقات و واردات الموازنة العامة بتحديد "سعر ثابت" يضمن تشغيل الموازنة التشغيلية والرأسمالية لمؤسسات الدولة، و"سعر متحرك" هو الفارق بين "سعر البيع" (ناقصاً التكاليف) و"السعر الثابت" يمول به صندوق مجلس الاعمار المخصص كلياً للاستثمار والاعمار. مجلس له موازنته المتأتية من "السعر المتحرك" او من المنح والمساعدات وغيرها من موارد لا تؤثر على استقلالية عمله.. مجلس له ادارته المستقلة وقواعد عمل تخرجه من البيروقراطية. مجلس تمثل فيه الحكومة ويمثل فيه اصحاب الاختصاص والخبرة والرؤى الاستراتيجية المتوسطة والبعيدة المدى. مجلس قد يساعد في اصلاح جهاز الدولة وتضخم مهامها وواجباتها خصوصاً تلك غير المؤهلة لها وبالذات في المجالين الاستثماري والاعماري والانتاجي. ونحن نرى ان "مجلس الاعمار" اضافة الى الموازنة العامة هي افضل قناة ممكنة الان، لاعادة توزيع واردات الثروة النفطية والغازية لعموم الشعب العراقي في عموم محافظاته واقاليمه.. فقد لا يكون من الميسور الان القيام بما تقوم به "الاسكا" من توزيع نصف وارداتها النفطية على الشعب مباشرة والنصف الاخر على الاستثمار، بحيث حصل كل مواطن على (845،76) دولار في العام الماضي . قد لا يكون من الممكن القيام بذلك الان، رغم ان ذلك خياراً ممكناً في الظرف المناسب لاصلاح الدولة وتضخمها والتشوهات التي تعاني منها موازنتها التشغيلية وسياسات الدعم. فلو خفضت هذه (الموازنة التشغيلية وسياسات الدعم) الى النصف فان ذلك قد يوفر 10 مليار دولار (ثلث الموازنة الكلية الحالية) والتي ان وزعت على المواطنين فان الفرد الواحد سيحصل على حوالي 333 دولار سنوياً.. وستحصل العائلة كمتوسط ( 6 افراد) على ما يقارب الـ (2000 ) دولار سنوياً، اي حوالي ( 250) الف دينار شهرياً. حينذاك سيتحول الشعب كله وعينه على هذه الثروة التي حباه الله سبحانه وتعالى بها، والتي ستتزايد اهميتها على اغلب تقدير بمرور الايام لما للعراق من احتياطيات هائلة.. وهذا كله سيشكل عامل توعية وشعور بالمسؤولية والمواطنة وضغط شعبي لتطوير موارد هذه الثروة، كما سيلعب دوراً اساسياً في حماية مداخيل العوائل، وتوفير الحد الادنى اللازم خصوصاً الفئات الضعيفة الحال، وفي تعزيز الامن و حفظ الوحدة الوطنية وتوازن المصالح للاندفاع في تحقيق الحياة الكريمة التي يصبو اليها الشعب العراقي.

 

 

5- قوانين المصارف وشركات التأمين: (ورقة خاصة) قطاعان خطيران ومهمان يحتاجان الى وقفة دارسة ومراجعة خاصة لقانونيهما و اصلاح سريع ومتدرج، يسمح بتطويرهما و الذي بدونهما لا يمكن تصور احداث اي تطور في الاقتصاد العراقي.

 

 

6- قانون التقاعد الوظيفي والخاص: (ورقة خاصة) ان يعتمد هذا القانون على فلسفة جديدة.. فنظام التقاعد يختلف عن نظام الضمان الاجتماعي.. الثاني هو مسؤولية المجتمع وصندوقه هو من مسؤولية المجتمع ككل.. اما نظام التقاعد فيرتبط اساساً بمدة العمل او الخدمة.. فهو نظام يعتمد على نقاط تتعلق بالراتب والمدة والسن وغيرها من امور مرتبكة تماماً او غير موجودة اصلاً في نظام التقاعد الحالي. ان نظام التقاعد الحالي يستنزف اموالاً طائلة دون ان ينصف المتقاعدين حقيقة. فمفهوم "العقب" او "الخلف" لابد ان يعاد بحثه ليربط بنظام الضمان الاجتماعي او شبكة الحماية الاجتماعية. فاذا تعذر ذلك بالنسبة للحالات السابقة فعلى الاقل بالنسبة للمتقاعدين من الان فصاعداً. كما ان منح التقاعد لمن هم في سن العمل هو خطأ كبير، الا لمن عبر حاجز الحقوق التقاعدية او النقاط الاستحقاقية.. فالتقاعد –كما هو معمول به في معظم الدول- لا يعطى اساساً الا لمن يبلغ سن معين، قد يختلف حسب المهن، لكن ليس من المعقول ان يمنح التقاعد لغير المريض او المصاب او من بلغ السن القانونية وعبر حاجز الفترة او النقاط التي تؤهله للحصول على حقوق تقاعدية. . اما بقية المواطنين الذين لا عمل لهم اساساً او الذين تركوا العمل لسبب او لخر، هؤلاء من الافضل ان يحسبوا على نظام البطالة او الضمان الاجتماعي وليس على صندوق التقاعد.

 

كما من المهم تماماً عدم حصر نظام التقاعد على الخدمة العامة فقط، بل يجب سريانه بنفس الحرص على كل الاعمال والمهن الحرة، تجارية كانت ام خدمية ام صناعية ام زراعية. يجب ان يحصل كل من يعلم على نظام تقاعد يعتمد على اسس واضحة من حيث تحقق الاستحقاق والاستقطاع والمدة والعمر... هذا شرط اساسي لتخفيف الضغط عن الدولة التي تنأى اليوم بتكاليف تشغيل لا تستطيع تحملها ولم تعد بقادرة على توليد المزيد من الملاكات التي لن تقود سوى الى تضخيم جهاز الدولة وتقليل فاعليته وزيادة نفقاته. فالتقاعد والاجور في القطاع الخاص هما من البدائل الحقيقية لمحاربة تضخم الدولة ولاعادتها الى حالتها الطبيعية ولفتح الابواب واسعة امام اجيال الشباب للحصول على اعمال ووظائف تليق بكفاءاتهم وتضمن مستقبلهم.

 

 

ثالثاً: ادوات واطارات التنفيذ

 

 

قد تكون الامكانات متوفرة.. والاجراءات صحيحة.. والقوانين مناسبة رغم ذلك قد لا تتوفر الجهات المنفذة او قد لا تكون الاطارات سواء الحكومية او الخاصة مهيئة للتنفيذ.. وان العملية الاقتصادية لن تتوفر ما لم تقم جهة ما بتنفيذ المشروع بشكل يطابق المواصفات ويصل الى النتائج النهائية، وهذا ما يجب الحرص عليه.

 

 

1- في اطار الدولة: "اللجنة الاقتصادية والخدمية الاستراتيجية": (راجع الملحق وهو الورقة الخاصة المرفقة برقم 1) الغرض منها تسهيل عمل اجهزة الدولة ومجلس النواب في المفاوضات والتوقيع وتنفيذ المشاريع، دون فقدان عامل الرقابة والنزاهة والضوابط المالية والمحاسباتية. ووضع موضع التطبيق عبر التشريعات والاوامر التنفيذية ما نص عليه الدستور من صلاحيات واختصاصات للحكومة الاتحادية وللاقاليم والمحافظات بشكل واضح يبين حدود المبادرة وتحمل المسؤولية والاختصاص من جهة وحدود الصلاحيات في اطار بناء علاقات متوازنة غير متصادمة لا تسعى للسيطرة من جهة ولا للعرقلة والاعاقة من جهة اخرى.

 

2- في الاطار الخاص: يعاني العراق من تدهور وتراجع الشركات والاطارات المنفذة والتي يمكن ان توكل اليها مهمة تنفيذ الاعمال والمشاريع سواء الخاصة او العامة، الصغيرة والكبيرة على حد سواء. فانظمة المقاولات والتعهد انظمة معقدة تحتاج الى وقفة جدية. وهي تاريخياً احدى مشاكل ضعف القدرات الهندسية والخدمية في تنفيذ المشاريع في العراق وقابلية تطورها لتكون في مصاف الشركات الكفوءة المنافسة للشركات العالمية. هذا الواقع يتركنا امام خيارات محدودة. فاما اللجوء الى شركات القطاع العام وهذه بدورها لها مشاكل وتعقيدات كما انها تزيد من بيروقراطية الدولة وهيمنتها.. او منح المناقصات والمقاولات الى شركات القطاع الخاص البسيطة الامكانيات والكفاءات.. او احالتها الى شركات اجنبية وفي ذلك تعقيدات معروفة اضافة للغبن العظيم حيث نشهد رجال الاعمال ورؤوس الاموال العراقية في الخارج وهي تؤسس بمفردها او متشاركة مع غيرها شركات بمستويات عالمية جيدة، او نشاهد المهندسين والفنيين العراقيين يعملون في كبريات الشركات الكفوءة في المنطقة والعالم مما يبين ان المشكلة هي ليست كفاءات وقابليات تزخر بها البلاد، بل هي مشكلة اطارات عمل وكيانات تؤسس وتعطى الاجازات اعتباطاً وحسب المحسوبيات والوساطات، دون ان تشعر بحاجة لتطوير الامكانيات وتلبية الشروط، ودون ان تواجه بالمنافسات الحقيقية والحاجة الى تحقيق نوعيات العمل القياسية والمعيارية، فاحتكرت الاسواق وجعلت تنفيذ عمل ناجح مغامرة كبيرة يصعب تحقيقها.

 

لا مجال سوى لحشد الطاقات وسعي الدولة والجامعات وغرف التجارة والصناعة والهيئات الزراعية للعب دور الوسيط اما بالمساعدة بطرق مختلفة على جمع عدة شركات خاصة او تحويل شركات عامة الى شركات خاصة او مزيج من هذه التشكيلات للمساعدة في تشكيل شركات قوية كفوءة تستطيع اداء الاعمال وتولي المسؤوليات حسب مقاييس مهنية وطنية ودولية معروفة.. هذا الجهد الداخلي سيضاف الى الجهد الخارجي المتمثل بتسهيل وحماية عمل الشركات الاجنبية، خصوصاً في قطاع المقاولات والاعمار والهندسة المدنية والعمرانية والصناعية والزراعية، بما يساعد على اشاعة تربية مهنية عالية الكفاءة، تصبح هي هدف المعاهد والكليات لاعداد الكفاءات والشروط التي يمكن الاعتماد عليها في تطور البلاد.. ووضع معيارية وقياسات صحيحة تسمح باداء كل هذه الشركات او المؤسسات اعمالها بما يحقق النتائج النهائية المضمونة، وليس كما يجري اليوم بحيث تعتبر الاحالة هي انجاز للمشروع دون النظر الى كفاءة التنفيذ او مستقبل اداء المشروع.

 

 

3- المشاريع الرائدة والاستراتيجية

 

 

1. لابد من البدء بتشجيع المشاريع الرائدة Pilot projects Pioneer or ولو المحدودة الانتشار، لكن الكفؤة والتي قد تقوم مقام المشاريع الكبيرة، وذلك كقدوة ومثال وعامل سحب الى الامام. هذه المشاريع قد تبدأ عالية الكلف لكنها في النهاية اقتصاد حقيقي خصوصاً اذا ما استغرقت اعمال الاصلاح الحالية للبنى القائمة فترة طويلة من الوقت.. بل هي في بعض الاحيان اقل كلفة واكثر فاعلية من البنى القديمة.. وفي كل الاحوال، لابد من بناء بدائل جديدة تتجاوز البنى الحالية او تفلت الى حد ما من الدوائر الحالية لتقدم نفسها كمثال منتج وجديد، يتجاوز البنى المتآكلة والتي لا تمتلك بعد مقومات فاعليتها..

 

2. استخدام التكنولوجيات الحديثة واساليب الحكومة الالكترونية في تجاوز الحواجز الصعبة. فالجهاز النقال قد ساعد المواطن على تجاوز ازمة الاتصالات.. وبطاقة الائتمان قد تساعد على سهولة الدفع وضمانه. والبطاقة الشخصية الالكترونية احصاء حقيقي وتسهيل في المعاملات المدنية والتجارية وغيرها. وهكذا الكثير من التكنولوجيات ووسائل الادارة الناجحة فانها تستطيع تجاوز الكثير من العقبات والتي لا تمنع الظروف الحالية من الاخذ بها، بل على العكس فان الظروف الحالية خصوصاً حالة الامن تدفع دفعاً للاخذ بهذه الانظمة بما يحقق الكثير من المصالح العامة والخاصة المعطلة حالياً.

 

3. المشاريع الاستراتيجية التي تعطي الثقة للمواطنين بان الاقتصاد قد انطلق.. فهذه المشاريع قد لا تعطي ثمارها الان لكن البدء بالتفكير بها والتفاوض اوالتعاقد حولها خصوصاً تلك التي يقوم فيها المستثمرون بتحمل رساميلها لا تتطلب سوى تسهيلات وتدابير قانونية وادارية وامنية يجب ان تكون اسهل ما على العراق ان يقدمه خصوصاً في ظروفه الحالية والتي نأمل ان يعالجها "قانون الاستثمار" المرتقب.. فمشاريع المصافي ومحطات الكهرباء او المطارات او ميناء العراق الكبير او غيرها من مشاريع كبرى، يمكن ان تنجز باموال عراقية او غير عراقية تنتظر فرص الاعمال العملاقة، ان وجدت اذناً صاغية من قبل المسؤولين العراقيين. فصيغ الاستثمار العالمية قد حصلت فيها تطورات عظيمة.. وان العراق، ورغم كل ظروفه الصعبة والامنية، ما زال حالة استثنائية تغري جميع المستثمرين الذين يبحثون عن فرص للاستثمار المستقبلي. وان الكثير من المستثمرين العراقيين والاجانب على استعداد لتمويل مشاريع عملاقة تحمل المصلحة كل المصلحة للعراق، تسدد كلفها وارباحها من مردودات محسوبة او صيغ يمكن التفاوض عليها تستطيع ان تساهم، مع رؤوس الاموال التي توفرها موارد النفط، لانطلاق نهضة حقيقية في البلاد. ذلك كله، شريطة التخلص من عقلية "المؤامرة" واقتصاد الدولة الاحتكارية والافكار الضيقة التي تجدها حاسدة، مبهورة ومندهشة عندما ترى منجزات البلدان الاخرى بما في ذلك البلدان المجاورة للعراق، لكنها سرعان ما تنغلق على نفسها وتسقط في نظرات الانكفاء والخوف عندما يتعلق الامر ببلدها. مؤكدين خطلان هذا الخوف والتردد غير المبرر –لا وطنياً ولا اقتصادياً- والذي يضيع على البلاد فرصاً ذهبية، واللذان لا يعكسان من شيء سوى تأثيرات التربية الخاطئة، خصوصاً تلك التي زرعتها عصور الاستبداد الحاكم او احتكار الدولة الذي قضى على الاقتصاد الوطني وقاد الى تراجع خطير في كل مناحي الحياة، دفعت العراق الى اخر قائمة الدول بينما كان بالامكان ان يكون في مقدمتها.

 

 

رابعاً: السياسات المحفزة

 

1. في القطاع الزراعي والحيواني والمشاريع الصغيرة الخاصة: محور النظرة هو اعتماد سياسة شراء المنتجات باسعار عالمية بل فوق عالمية، والتخلص من سياسات الدعم الاستهلاكية. فالدعم عن طريق الشراء باسعار تمييزية مربوط بـ "الخارج" او الناتج، وليس بـ "الداخل" او المستهلك. وان انطلاق الزراعة والتربية الحيوانية عبر تشجيع شراء المنتجات والمحاصيل باسعار مغرية حتى ولو لعدة سنوات هو ضمان اكيد لاستصلاح الاراضي والثروة الحيوانية وقيام الشركات الزراعية والحيوانية وامتصاص البطالة وتوفير اموال عظيمة في سياسات الدعم.

 

أ‌- استخدام مخصصات البطاقة التموينية لشراء المحاصيل الزراعية.. فيتم استخدام مخصصات اخر السنة لشراء محاصيل اول العام التي ستتحول الى منتجات زراعية تعوض عن اعمال الاستيراد التي تكلف الخزينة مبالغ طائلة، اضافة للفوائد الاقتصادية الاخرى من امتصاص البطالة واطلاق النشاط الاقتصادي وتأثير ذلك في تحريك بقية القطاعات الاقتصادية.

 

ب‌- مشكلة الزراعة اليوم هي (اضافة لمسألة الاسعار) توفير مستلزمات البنية التحتية وتوفير عوامل الخدمة الحقيقية واستصلاح الاراضي. من هنا لن يتسنى اعادة بناء الحياة الزراعية والريفية بدون نظام علاقات جديد. فبعد انهيار نظام العلاقات الذي كان قائماً في المرحلة الملكية والذي كان رغم الكثير من الحيف والتخلف فيه لكنه كان يوفر رغم كل شيء حاجيات البلاد الغذائية ومن المنتجات الحيوانية، بل كان يقوم باعمال تصدير لتشكل جزءاً مهماً من الموازنة العامة حينذاك. وان الخراب الذي اصاب الارض والذي شجع على الهجرة وظاهرة التصحر وتخلف انظمة الزراعة يعود في جزئه الاعظم الى عدم اقامة نظام بديل.. فحلت الدولة والجمعيات الفلاحية التي يسيطر عليها الحزب مكان المالكين والمستثمرين السابقين مما شكل خطوة الى الوراء بدل ان يكون خطوة الى الامام. لذلك فان الخطوات الاساسية لاصلاح هذا الامر والذي فيه اصلاح البلاد كلها هو امر في غاية الخطورة والاهمية لمستقبل البلاد كلها وتوازن نسيجها الاجتماعي وحسن استثمار مواردها البشرية والطبيعية على حد سواء. وان ذكر الامور ادناه لا يعني البقاء بحدودها لا غير.

 

ـ اعادة تعريف علاقات الملكية بالارض وعلاقات الاستثمار كما ورد بشكل مختصر في ملاحظة سابقة في هذه الورقة. والتعامل مع البنية العشائرية حسب الاسس التي اشارت اليها المادة (45 ثانياً) من الدستور والتخلي عن التعامل معها وكأنها بنية متخلفة. فالعشيرة ان اصلحت ودعمت وازيلت عنها موروثات لا يقرها الشرع او العقل او الحياة المدنية يمكن ان تلعب دوراً اقتصادياً واجتماعياً وامنياً غاية في الفائدة والايجابية.. وعلى مفكرينا ومثقفينا ان ينزعوا عن عقولهم النظرات الاسقاطية التي لا تسبر عمق الاشياء ويفكرون جيداً بان الحياة تفرز شئنا ام ابينا انظمتها وعلاقاتها. وان دور الانسان والعقل هو تقنين وتشذيب وتطوير هذه الانظمة والعلاقات لا الغائها وعدم رؤية الصالح والمفيد فيها. فالعشيرة مكون طبيعي كالعائلة يمكنها ان تلعب دوراً سلبياً ان اسيء استخدامها ويمكنها ان تلعب دوراً ايجابياً ان حركت اسسها وقواعدها الطبيعية والصحيحة. فكما افرزت البادية البدو الذين لولاهم لضاعت كل هذه الاراضي ولاصبحت صحارى لا يمكن العيش فيها فانه يجب الحفاظ على العشيرة وتطويرها وتقديم يد الدعم والعون لها كمكون اجتماعي وطبيعي في الحياة العراقية. فكما افرزت الحياة العائلة باعتبارها جزء رئيسي من المجتمع لا يمكن ان يقوم بدونها. وكما افرزت البادية البداوة التي لا يمكن اعمار واستيطان البادية بدون شروطها فان الحياة الريفية والعلاقات الزراعية في العراق قد افرزت العشيرة والتي لعبت دوراً ايجابياً خطيراً.. وان تسقيطها بسبب بعض المتخلفات او السلبيات هي حجج لا ترى الايجابيات. فالمتخلفات والسلبيات هي امر موجود في كل مكون وان الموقف هو التطوير والدعم للتخلص من هذه الامور وليس التسقيط والاستهانة والالغاء.. وان الاهم النظر الى طبيعية المكونات والى الحاجة والمنفعة والشروط التاريخية والطبيعية والاجتماعية التي تولدها وتبقيها وتمكنها وتمكثها في الارض.. او بلاءها وتحولها الى زبد لا ينفع الناس فيذهب جفاءً غير مأسوف عليه.

 

ـ كري الانهر اذ ليس من المعقول ان تعمل في العراق قبل اكثر من 80 عاماً شركة لكري الانهر بينما تغيب اليوم بعد كل هذه التطورات العلمية والتنظيمة وتوفر كل هذه المصادر المالية. فتراكم الطمى وارتفاع مناسيب المياه يؤثر على المياه الجوفية ويمنع من عودة مياه السقي والامطار الى الانهار والتي كانت تشكل تاريخياً المبزل الطبيعي للعراق. لذلك بقيت اراض وادي الرافدين او ارض السواد من اخصب بقاع المعمورة ولم تصب بالافات والاضرار التي تشهدها اليوم الى بعد تدخل الانسان والدولة هذا التدخل المتعسف والفاسد.

 

ـ انجاز مشروع البزل الكبير وشموله لكل الاراضي الصالحة للزراعة باستكمال الشبكات الفرعية. والسعي الجاد لتخفيص نسب الملوحة في مياه دجلة والفرات والتي بلغت معدلات عالية للغاية.. ومنع الهدر المائي سواء بتقديم تقنيات جديدة للارواء علماً ان الزراعة تستخدم 97% من المياه العراقية المستخدمة وان طرق الارواء بحاجة الى تجديد وثقافة جديدتين والتقدم نحو بناء الخزانات والسدود بشكل علمي ومدروس يأخذ بالاعتبار جميع العوامل الاقتصادية والبيئية والسكانية والمستقبلية.. والسعي للوصول الى اتفاقات مع دول الجوار بخصوص حقوق العراق المائية.

 

ـ توفير الكهرباء ومصادر الطاقة.

 

ـ العمل الدؤوب لتعبيد الشوارع الفرعية بل احياناً حتى الاساسية.

 

ـ توفير الشركات والمصالح العامة والحرة والتي تستطيع ان تقدم الخدمات والمكائن والعدة في مراحل الارواء والاستصلاح والحرث والحصاد والخزن .. الخ

 

ـ مكافحة الامراض والافات والجراد سواء تلك التي تصيب الزرع او الارض وتوفير مراكز الارشاد الزراعي والصحي والبيطري والتعاون مع الجامعات العراقية والاجنبية لتوفير الابحاث والدراسات حول الانظمة الهندسية الجينية سواء للحبوب او للمزروعات والدراسات التخصصية لتحسين انتاجية الارض والبذرة والحيوان ومنتوجاتها وللوصول الى افضل الخيارات الزراعية والحيوانية والبيئية المناسبة لظروف البلاد

 

ـ توفير كافة مستلزمات العيش الكريم من مدارس ومعاهد وجامعات مساكن ونظافة وتطبيب ومدارس ومنتزهات ونواد وملاعب وحياة اجتماعية تسمح باحياء الريف بعد هجرته وخرابه. وان البذل والصرف في الريف هو الاقتصاد الحقيقي الذي تعمر به البلدان.. اما اهمال الريف خصوصاً لبلد زراعي كالعراق فانه الهدر الاعظم.. وان على بعض المسؤولين التخلص من النظرات المباشرة والحسابات القصيرة النظر والناقصة التي تقارن بين المنتوج المحلي واسعار الاستيراد ولا تضع في حسبانها الكلف والارباح الاقتصادية والاجتماعية والعمرانية والديموغرافية والبيئية والاستراتيجية الاخرى التي توفرها وتحققها الاولى وتهدرها وتدمرها الثانية.

 

ـ الامر نفسه بالصناعات التحويلية كالنسيج والصوف والحليب وكل ما له علاقة بتطوير الثروة الزراعية والحيوانية وتوفير المواد الاستهلاكية في الاسواق اذ يكون دور الدولة التدخل لضمان السعر المناسب بما يضمن الربحية –اضافة للامتيازات الاخرى- والتي تشجع اصحاب المشاريع على القيام بهذه المشاريع بعيداً عن سياسات الحماية والدعم السابقة التي بحمايتها من الاستيراد والمنافسة تشجع على رداءة النوع وتنشيط التهريب وعدم تقدم الانتاج معتمداً على انظمة الاحتكار ليس الا.

 

1. تشجيع المشاريع الفردية والصغيرة في القرى والارياف والاحياء المتواضعة عن طريق القروض الميسرة وتوفير التسهيلات والاعفاءات اللازمة لامتصاص البطالة ولتحريك الاقتصاد.. ففي دول عديدة اسست مصارف متنقلة (كما في لبنان) ومصارف فقراء (كما في بنغلاديش) او مصارف رهون (كما في العراق) او غيرها من تسهيلات تذهب هي الى المواطنين ولا تنتظر من مواطنين فقراء عاجزين ان يطرقوا ابواب المصارف او الادارات الرسمية طلباً للاموال او للتسهيلات.

 

 

2. في القطاع الصناعي والتجاري والخدمي: محور النظرة سعي المشروع الخاص الى تحقيق المصلحة العامة وتحريك الاقتصاد عبر ضمان دوافع تحقيق الربح والمصلحة المباشرة. ورعاية الدولة للمشروع يجب ان لا تكون عبر سياسات الدعم السلبية بل عبر سياسات دعم ايجابية بتوفير البيئة الصحيحة ومنح التسهيلات اللازمة وتشجيع الحلول التي بدل ان تزيد من نفقات الدولة و من الضغط عليها تساعد بتحرير نفسها وميزانياتها من النفقات الاستهلاكية والتشغيلية. وكمثال على ذلك.. يمكن لوزارة المالية ان تصدر تعليمات تتعهد فيه بان الدولة ستتحمل خلال فترة ما جزءاً مهماً من راتب العامل اوالموظف الذي توافق دائرته على انتقاله حقيقة الى القطاع الخاص. ويمكن في ظرف خاص ان تعمل الدولة على تحمل بعض رواتب الشباب او العاطلين ولفترة من الوقت (ورقة خاصة).. اضافة لذلك يجب العمل على توفير الامور التالية التي يعمل قانون الاستثمار ان يحققها.

 

أ‌- اجازات غير معقدة دون ان يعني ذلك اجازات مبتذلة.

 

ب‌- تسهيل تأجير اراض او تسهيل تملكها.

 

ت‌- مناطق صناعية، وتجارية وخدمية.. ومناطق حرة

 

ث‌- قروض ميسرة

 

ج‌- اعفاءات ضريبية لفترة من الوقت وغيرها من محفزات تربي على المسؤولية والانتاجية والربحية وليس على الكسل والتذرع والتعيش على الموارد العامة ليس الا.

 

ح‌- حماية وضمان المشروع ومستقبله وعدم تعريضه لهزات او قرارات ادارية او اجرائية لم يتم مناقشتها مع مسؤولي الاقتصاد بمختلف مواقعهم.

 

خ‌- التفكير جدياً بمآلات الشركات والمصانع المملوكة من الدولة. وان دراسات عديدة قد اعدت في هذه المجالات مما يقتضي الاسراع بحسم هذه المسألة بشكل مرشد وصحيح يستهدف اساساً بث الحيوية الاقتصادية والكفاءة والانتاجية في هذه المؤسسات.

 

 

3- في القطاع الاسكاني: اهمية التخطيط لقطع سكنية خارج حدود البلديات توفر مستلزات بناها الاساسية ليتم توزيعها لاحقاً على المواطنين مجاناً او باسعار رمزية وتوفير قروض ميسرة تساعد على البدء باعمال الانشاء.. وان تملك هذه الدور التي تعد لها تصاميم اساسية كحد ادنى يشترطه القانون بما يضمن توفير الشروط اللازمة والمقاومة الجيدة وان لا يصبح ملكاً للمواطن الا بعد استكمال البناء او انجاز مراحل معينة منه.

 

 

4- في السياسة المالية والمصرفية:

 

أ- اصدار تشريع من مجلس النواب يتضمن تدوير الميزانية الاستثمارية للوزارات في ميزانية 2006 على الاقل، عبر فتح حساب خاص يتضمن هذه الاستثمارات المرصودة والتي لم يتسن صرفها، مع الحرص على صرفها في اوجهها.

 

ب- اطلاق المبالغ المخصصة لتنمية الاقاليم والمحافظات وكذلك مبالغ تطوير الاهوار وغيرها من مشاريع تضمنتها موازنة 2006 او تم اقرارها لاحقاً في اطار هذه الموازنة وشمولها بـ (أ).

 

ج- تسوية الحسابات مع اقليم كردستان سواء ما له او ما عليه، وتنظيم العلاقة بالاتجاهين بصورة واضحة ودستورية.

 

د- تنفيذ السياسة المتعلقة بـ البطاقة التموينية بشكل صحيح وتدريجي. فلقد ساعدت البطاقة التموينية ولاشك –رغم الكثير من ثغراتها- العراقيين على تجاوز تلك الظروف الصعبة التي نجمت عن مرحلة الحصار. لكن التطورات الاقتصادية التي حصلت واوضاع موازنة الدولة وضرورة اعادة المياه الى مجاريها مع مراعاة اوضاع الناس الاقتصادية يتطلب تطبيق السياسة المتعلقة بهذا الموضوع والذي اعدت له اوراق ومقترحات عديدة. و قد تم الاشارة لخطوات يمكن اتخاذها في هذا المجال في مواقع عدة من هذه الورقة سواء فيما يخص النفط والمشتقات النفطية او المنتجات الزراعية او غيرهما.. فالبطاقة التموينية –رغم بعض فوائدها- هي اليوم عبء وتشوه كبيرين في عمل مجمل النظام الاقتصادي واهمية اصلاحه. وان الوصول الى علاج مدروس ومبرمج لما يحقق مصلحة العائلة العراقية من جهة خصوصاً المحدودة الدخل منها، ويخلص الاقتصاد و الدولة وموازنتها من خلل وهدر لا يمكن تصور التقدم وبناء اقتصاد حقيقي لمصلحة الشعب بدون تحقيقه. وستطرح(الورقة الخاصة) الانتقال من نظام عيني يشمل الجميع بدون تمايزات ويعتمد اساساً على البيروقراطية والعقود والاستيراد والتوزيع المعقد وغير المنتظم في مواعيده وكمياته والنوعيات غير الملائمة في الكثير من الاحيان الى نظام مباشر شفاف نقدي (كنظام مخصصات غلاء المعيشة الذي استحدث بعد الحرب الثانية)، او في بعض الحالات والمناطق نظام عيني او مختلط او تخفيفاً من اعباء او منحاً لامتيازات وتسهيلات. نظام يعرف اصحاب الحاجة الحقيقية ويذهب مباشرة بدون الكثير من الوسطاء والعقود الى ضمان مستويات معيشة العائلة العراقية والى توفير الاموال لصرفها نقداً او عيناً في مجالات الاعانة الحقيقية وتوفير فرص العمل وتحسين مستويات المعيشة والاعمار والاستثمار ولتطوير الحركة الاقتصادية والتجارة الداخلية والانتاج الوطني وسد الابواب امام مصادر الفساد والرشوة والمافيات والعقود الفاسدة والعبث بارزاق وقوت ومصالح الناس والبلاد.

 

ه- امتصاص اكبر كمية ممكنة من السيولة النقدية في مسعى دؤوب للسيطرة على التضخم وباستخدام كل الوسائل الممكنة التي تقف على رأسها حل الاختناقات في جانب عرض السلع خصوصاً الاستراتيجية منها كالنفط والغاز والبنزين وضغطها (الاختناقات) على اسعار المستهلك. وكذلك الضغط لامتصاص السيولات النقدية التي تبقى خارج الدورة المصرفية والاستثمارية والتي تقدر بربع او ثلث المعروض النقدي (2-3 تريليون دينار من مجموع قد يصل الى 9-10 تريليون دينار) و التي يسببها ضعف النظام المصرفي، نقول السعي الى امتصاصها بشتى الضمانات والمحفزات والتسهيلات، وهي من الاسباب الاساسية اضافة لاختناقات جانب العرض السلعي ودمار النشاطات الاقتصادية من المرحلة الماضية وعدم انطلاقها في المرحلة الجديدة وارتفاع معدلات التضخم خصوصاً منذ الحرب العراقية الايرانية، ثم بسبب سياسات الاصدار التضخمي والانفاق بالعجز خصوصاً في فترة الحصار، اضافة للعوامل الاخرى المعروفة، نقول تحويل هذه السيولة الهائلة الى ادخارات وايداعات مصرفية ومشاريع عمل حقيقية تساعد في توليد الائتمانات والاستثمارات، لتعطي لسياسات رفع الفائدة وحوالات الخزينة وبقية الادوات النقدية والمالية فاعلية التدخل الناجح للسيطرة على التشوهات الاقتصادية، كما هو حالنا مع التضخم اليوم. ان السيطرة على التضخم هو من المهام العاجلة والاساسية. فهو يشكل خطراً اساسياً في انطلاق الاقتصاد، بل في التأثير على الوضع الامني والسياسي . فعندما يفلت التضخم، ولا يسيطر على معدلاته الحالية، فانه يزيد من نقمة الناس ويدفع الى حلول غير منطقية تكلف باهضاً وتزيد من الفوضى والفلتان المدمر للنظام، اي نظام.. فالمعروف ان التضخم الذي شهدته المانيا بعد الحرب الاولى كان من اهم عوامل صعود هتلر وغيرها من تجارب عرفتها بلدان اوروبا وامريكا اللاتينية والتي كانت احد اسباب عدم استقرار تركيا لفترة طويلة، وقس على ذلك.

 

ز- تشجيع النظام النقدي ومؤسساته كالبنك المركزي والمصارف على تطوير انظمته خصوصاً وسائل الدفع وانظمة التسويات والقطع وفتح الاعتمادات ومنح الائتمانات، خصوصاً للاغراض الاستثمارية والاسكانية. فالمصارف باشكالها التاريخية والحديثة هي من اهم مؤسسات المجتمع لمراكمة الثروات وتوليد القيم المضافة ومحاربة الاكتناز وتحويله الى ادخارات واستثمارات. لا يمكن في الاقتصاديات الحديثة انطلاق الاقتصاد حقيقة دون ان تأخذ المصارف دورها الناشط والفاعل.

 

ح- الاهتمام بالسياسة المالية وادواتها الرئيسية كالضرائب المباشرة وغير المباشرة واسواق الاوراق المالية وغيرها من مؤسسات وادوات.. فتحقق الاصلاح الاقتصادي سيعني في النهاية الانتقال من الدولة الريعية واقتصاد الدولة، الى المجتمع الضريبي والدولة الضريبية. فالمواطن والشعب هو الذي يعيل الدولة وليس العكس، وعندما تعود الامور الى نصابها الحقيقي، فان اسس العدالة والديمقراطية يمكن ان تجد لها مستقرات تربوية ومؤسساتية. وسيصبح مفهوم المواطنة مغروساً في العقل الجمعي والفردي للمجتمع وفي سلوكه وتراتبيات بناه، وليس منة او فضلاً من احد. ومن الخطأ التصور بان الاوضاع السياسية او الامنية تمنع كلياً من استحصال الضرائب او اشكال معينة منها.. على العكس يمكن البدء بتحقيق ذلك شريطة تغيير التربيات والخلفيات، فاذا حصل ذلك فان الوسائل والتكيف مع الظروف ستكون مسألة فنية يمكن ايجاد العلاجات اللازمة لها، ليس الا.

 

 

5- في السياسات الخارجية: اضافة للقوانين والسياسات الاخرى.

 

أ- العهد الدولي

 

ب- الدول المانحة

 

ج- متابعة وتعزيز سياسة التخلص من الديون ومتابعة ملف الديون الخليجية وحسمها باعتبارها اخر الملفات المتعلقة بهذا الموضوع. وانهاء مسألة التعويضات وتسوية كافة هذه المشاكل والاستفادة من الظروف الجيدة والعلاقات المتطورة مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وبقية المؤسسات المالية لحسم هذه الموضوعات العالقة.

 

د- استخدام الساحة الدولية لحل مشكلات اقتصادية داخلية.. كشراء او استئجار مصافي متوقفة عن العمل وتزويدها بالخام العراقي لتوفير المشتقات النفطية. او غيرها من استثمارات تنفع الان في حل مشكلة العراق من جهة وقد تولد له بعض الاستثمارات الخارجية التي لن تكون مضرة في كل الاحوال.ٍ

 

واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين

 

المصدر : موقع المجلس الاعلى الاسلامي العراقي

Link to comment
Share on other sites

  • 4 months later...

فاروق يوقظ التاريخ GMT 1:15:00 2007 الإثنين 5 نوفمبر

 

الراية القطرية

 

 

 

جهاد فاضل

 

يمكن اعتبار مسلسل الملك فاروق مجرد حلقة في سلسلة من الأحداث الثقافية التي تعيد الاعتبار لمراحل سياسية سابقة لا في مصر وحدها، بل في مصر وسائر الأقطار العربية التي ابتليت بالأنظمة العسكرية.

 

فمن يراقب الإصدارات الفكرية التي تصدر في العواصم العربية، يجد كمّاً هائلاً من الكتب التي تتحدث عن الأسرة المالكة العراقية وعن نوري السعيد، وعن شكري القوتلي وجميل مردم وخالد العظم وأكرم الحوراني، وعن مرحلة الانتداب الفرنسي علي لبنان وسوريا، وما حققته هذه المرحلة ومرحلة الاستقلال التي تلتها من انجازات قبل أن تسقط سوريا في حمأة الانقلابات العسكرية، وقبل أن يصل أثرها الي لبنان الذي ما يزال يعاني بصورة أو بأخري من طغيان الجماعات المسلحة

 

 

http://www.elaph.com/ElaphWeb/NewsPapers/2007/11/277398.htm

 

 

 

 

Link to comment
Share on other sites

  • 10 months later...

http://www.alarabiya.net/programs/2008/09/06/56098.html

بالعربي: مع د. عادل عبد المهدي (نائب الرئيس العراقي)

 

الاتفاقية الأمنية.. هل تتناسب مع تطلعات الشعب العراقي؟

 

جيزال خوري: دكتور عادل عبد المهدي أنت كعراقي وكمسؤول هل أنت راضٍ على بنود هذه الاتفاقية؟ هل هي تمثل أو تتناسب مع تطلعات هذا الشعب الذي عانى الكثير؟

د. عادل عبد المهدي: إذا حلت المسائل المتبقية هذه خطوة كبيرة للأمام، تلبي المطالب العامة التي طالما رفعتها كل القوى السياسية من تحديد موعد زمني، من عودة الولاية العراقية، من خروج العراق من الفصل السابع للأمم المتحدة، فهي تشكل خطوة كبيرة لكل ما كان يطرح في الساحة من مطاليب لإنهاء مسألة القوات الأجنبية في العراق، والتي هي مسألة موروثة ليس فقط من سنوات قليلة وإنما حتى من عقود، لكن كل شيء يعتمد في النهاية على موقف مجلس النواب والرأي العام، لا تستطيع الحكومة التصرف خارج قرار مجلس النواب والرأي العام، إذا كان موافقا فالحكومة تكون قد أدت واجبها وقدمت أفضل ما تستطيع أن تقدمه في هذا المجال، وإلا يضطر العراق للذهاب إلى خيارات أخرى أيضا فيها مخاطر كثيرة.

 

جيزال خوري: مثل ماذا؟

د. عادل عبد المهدي: أنا ذكرت هناك خيارات الأول تمديد قرار مجلس الأمن، معنى ذلك بقاء القوات بالشروط الحالية بالأوضاع الحالية التي هي أوضاع مؤلمة للشعب العراقي ولم يعد يطيقها، أو قرار الانسحاب وهذا فيه مجهول كبير لا نعرف التداعيات هل ستكون إيجابية، هل سنفتح إلى فراغ سياسي أمني صراع داخلي، كل هذه التداعيات قد تحصل في حالة حصول انسحاب سريع.

 

جيزال خوري: دكتور عادل عبد المهدي زاركم المرشح الأمريكي أوباما، هل صحيح أنه قال لكم أنه سينسحب أو سيطلب من القوات الأمريكية أن تنسحب قبل موعد 2011 من العراق في حال فوزه؟

د. عادل عبد المهدي: على كل حال برنامج المرشح للرئاسة أوباما واضح، هو يقول أنا سأطرح برنامج للانسحاب لكن سأشاور المسؤولين العراقيين والمسؤولين المحليين وأتخذ القرار، قبل وصوله إلى سدة الحكم واتخاذه القرار تبقى قراءات.

 

جيزال خوري: يعني مش آخذينها بعين الاعتبار إنه بحال فاز أوباما سيكون جدول الانسحاب أسرع مما تتوقعون.

د. عادل عبد المهدي: بالتأكيد نأخذ هذا بنظر الاعتبار، بالتأكيد نأخذه بنظر الاعتبار ونضعه في حساباتنا لذلك نحن حذرون جدا، ونتعامل بمعرفة كاملة لكل أطراف المعادلة بما فيها الانتخابات الأمريكية، لكن ننتظر ماذا سيكون برنامج المرشح الجديد.

 

جيزال خوري: وفي حال انتخب ماكين دكتور عادل هل تبقى الأمور كما هي؟

د. عادل عبد المهدي: لأ نحن نأمل أن نحسم هذه المسائل، نحن لا نريد للعراق أن يبقى بالوضع الحالي، المسألة لا تتعلق فقط بمجيء مرشح للبيت الأبيض، نتعامل نحن بواقعية مع هذه المسائل. لكن العراق له موقف محدد يجب أن ننتهي من هذا الوضع، ويجب أن يخرج العراق من الفصل السابع، ويجب أن تعود للعراق الحاكمية، الآن العراق الولاية الحقيقية فيه هي لمجلس الأمن، وبالتالي مجلس الأمن فوض القوة المتعددة الجنسية، العراق يريد أن ينهي هذا الوضع ويعود إلى ما كان عليه قبل قرار 1990 اجتياح العراق للكويت، وقرار 661 الذي وضعه تحت الولاية الأممية ليصبح ممتلك لكامل عناصر الحاكمية التي هي حق له كبلد ذات سيادة وبلد مستقل.

 

جيزال خوري: دكتور عادل عبد المهدي عم تقول إنه اليوم العراق هو في عهدة مجلس الأمن وقوات متعددة الجنسيات أو قوات التحالف كما نسميها، إذا بتسمح رح نتوقف لحظات ارجع اسألك يعني بعض الأمور اللي شوي دقيقة أكثر من يحكم حقيقة العراق اليوم؟

 

 

Link to comment
Share on other sites

×
×
  • Create New...