Jump to content
Baghdadee بغدادي

حقيقة» الانحياز.. «وهم» الحياد


Recommended Posts

«حقيقة» الانحياز.. «وهم» الحياد

 

يتهم الإعلام الأميركي باستمرار بمعاداة العرب وقضاياهم.. فكيف ينظر ويرد الأميركيون على هذه الانتقادات

 

 

نيويورك: فيصل عباس

«لا يوجد اعلام محايد بالكامل»... تلك عبارة تردد كل يوم في قاعات المحاضرات بكليات الصحافة وفي الندوات وفي برامج التلفزيون التي تناقش آداء الإعلام.. بغض النظر عن البلد المعني. لذلك، فليس المقصود من وراء هذا الموضوع «الحكم» ان كان الاعلام الأميركي منحازا أم لا، ولكن نقل بعض القناعات الموجودة لدى كثيرين في العالم العربي، والتي تعتبر أن الإعلام الأميركي ككل – أو جزءا كبيرا منه – معاديا للعرب وقضاياهم، إلى مؤسسات إعلامية وصحافيين أميركيين لمعرفة ما هي آرائهم تجاه مثل هذه المواقف. بداية لا بد من ذكر أكثر من نقطة، البعض في العالم العربي يحكمون على الإعلام الأميركي دون أن يتابعونه... منهم من لا يتحدث الانجليزية اساسا، ويكتفي بالقول أن انحياز الاعلام الأميركي «أمر معروف» دون اعطاء أمثلة أو براهين. من جهة ثانية، فإن عدد المراصد الإعلامية والكتب العربية التي تتابع وتنتقد الإعلام (سواء العربي أو الغربي) قليلة مقارنة بالكم الهائل الذي تتمتع به أميركا، ويكفي ان تتفحص ارفف احدى المكتبات الكبرى لتجد عددا كبيرا من الكتب التي تشكك في مصداقية اعلام أميركا وتنتقده. هناك قناة «فوكس نيوز» مثلا، فقد اعدت كتب ووثائقيات تنتقد السياسات التحريرية لهذه القناة، ويرى كثيرون انها تميل بشكل كبير الى اليمين المتطرف الأميركي وتتخذ مواقف ضد العرب لصالح اسرائيل في كثير من الأحيان.

وقد حاولت «الشرق الأوسط» الحصول على اجابة عبر الاتصال بالمكتب الاعلامي لقناة «فوكس»، الا ان المكتب لم يتجاوب مع المحاولات المتكررة للحصول على تعليق.

 

من جهتها اكتفت قناة «سي إن إن» الدولية بالرد عبر بيان نقلته متحدثة باسمها عن مديرها العام توني مادوكس.

 

ولم يجب البيان بالكامل عن مجموعة أسئلة «الشرق الأوسط» التي تضمنت موقف القناة تجاه الانتقادات التي يجمع عليها كثيرون في العالم العربي، وكيف تتصرف في حال ثبت وجود خطأ او تغطية غير متوازنة.

 

البيان اعتبر أنه «حين تزداد العواطف في أزمة ما، يبدو الحياد وكأنه انحياز». وأضاف «تركز سي ان ان انترناشونال تحريريا على كافة العالم وليس منطقة معينة... وكاعتراف بأهمية المنطقة في أجندتنا الاخبارية خصصنا لها 5 مكاتب إخبارية دائمة»، مختتما بالقول «أخلاقيات عملنا في تغطية الأخبار تقتضي الدقة والمسؤولية والتوازن». «سي إن إن» ليست وحدها التي تذكر على الدوم بأسسها وقواعدها التحريرية التي تنادي بالدقة والتوزان، فغالبية المؤسسات الإعلامية الأميركية كذلك. معظم هذه المؤسسات تلتقي عند نقطة الدفاع بشدة عن حياديتها وادعاء انها تصحح الأخطاء ان وقعت بعد التأكد منها، ولعل المثال الأبرز على ذلك هو اعتذار مؤسسات إعلامية أميركية عريقة عن تغطيتها ومواقفها خلال حرب العراق عام 2003، واليوم تبدو برامج تلفزيونية ومقالات عدة أشبه بجلسات محاكمة يومية للادارة الأميركية فيما يخص العراق. كما علينا ان لا ننسى ان القصة الأقسى بحق الادارة الأميركية كانت فضيحة «أبو غريب» والتي لم تكن «سبقا» صحافيا عربيا، وانما اميركيا خالصا حمل توقيع الصحافي سيمور هيرش لبرنامج «60 دقيقة». إلا أنه ثمة نقطة أخرى، وهي عدم وحدة المعايير التحريرية. فمثلا لا يعتبر إيثان برونر، وهو نائب محرر الشؤون الخارجية في صحيفة «نيويورك تايمز» أن عدم نشر صحيفته (كما يدعي كتاب أميركي عنوانه «كيف تسيئ النيويورك تايمز تغطية الصراع في الشرق الأوسط») لما تحدث عنه تقرير لمنظمة «هيومن رايتس واتش» عام 2003 عن انتهاكات اسرائيلية لحقوق الانسان ضد الفلسطينيين يعد انحيازا أو خطأ.

 

وفيما يشير ايثان أنه لم يكن في منصبه الحالي وقتها وان عليه العودة للتحقق من أن التقرير لم ينشر فعلا ، يقول وقد يتفق معه صحافيون كثيرون «انا لا اعتقد اننا ننظر الى تقرير صادر عن احدى هيئات الدفاع عن حقوق الانسان على انه خبر لا بد من نشره». قضية أخرى يشير إليها الكتاب هي ان التايمز لا تعتبر المستوطنات الاسرائيلية على سبيل المثال مخالفة للقانون الدولي، وهنا يعلق برونر لـ «الشرق الأوسط» بانه «اذا تم الاتفاق اننا نشرنا امرا ما لم يكن صائبا فاننا ننشر تصويبا، ونحن نفعل ذلك كل يوم». ويضيف «على سبيل المثال سبق وان ذكرنا ان ملايين الفلسطنيين شردوا بعد احداث عام 48 ولكن الصواب هو انهم كانوا نحو 750 ألفا ولذلك نشرنا تصويبين حول الموضوع خلال السنوات الماضية»، الا ان برونر يضيف «أما قضية المستوطنات، فنحن نتجنب الجزم بالمسائل القانونية فيما يتعلق بأغلبية الشؤون الدولية، وذلك لأن القانون هو أقل وضوحا في الشؤون الدولية من المحلية». وبالانتقال الى نقطة أخرى, فهناك مسألة مدى نفوذ جماعات الضغط الداعمة لاسرائيل على الإعلام الأميركي، وهو أمر تسمع عنه مرارا في العالم العربي. لا ينفي البروفيسور، بوب زيلنك، وهو أستاذ صحافة بجامعة بوسطن ومراسل سابق لشبكة «أي.بي.سي« الأميركية راسل من إسرائيل في الثمانينات، وجود «بعض» التأثير من قبل هذه الجماعات، الا انه يقول «لكنهم يتبعون الاسلوب الصحيح، بمعنى انه لا يوجد شيئ يفاجئهم حيث يبدون دائما على استعداد اذا ما اتصل بهم مراسل وسأل عن ممارسة او سياسة اسرائيلية معينة». ويضيف «يعودون اليك بسرعة وبمعلومات دقيقة، ومن الممكن الا تعجبكم طريقتهم في تدوير الحقائق ولكنك لن تخجل ابدا لكونك نشرت معلومات خاطئة». زيلنك سبق ان كتب مقالات في صحف مثل الواشنطن بوست انتقدت جوانب من السياسة الاسرائيلية دون ان يتم محاولة ايقافها قبل النشر، ويوضح انه تلقى انتقادات عدة بعد النشر من جماعات مؤيدة لاسرائيل ولكنها لم تحو اي تهديدات. ويضيف «وعندما كنت أعمل مع أي.بي.سي كان المذيع الاساسي هو بيتر جينينغز الذي كانت تعتبره الجماعات الاسرائيلية هنا معاديا لاسرائيل وكان يعتبره كثير من الفلسطينيين صديقا عزيزا لحركتهم وطموحهم بدولة ديمقراطية في فلسطين». إذن... فجينينغز كان «صديقا» للفلسطينيين، ولكن هل كان هو الاستثناء أم القاعدة؟ او بمعنى آخر كيف ينظر الصحافي الأميركي العادي الى القضية الفلسطينية؟ يقول ايثان برونر «أعتقد ان الصحافي الأميركي العادي يؤمن بحل الدولتين، وينظر الى اسرائيل الى انها دولة شرعية ولا يتمنى لها الدمار». ثمة أمر آخر، فالبعض في العالم العربي يرى أن كون عدد كبير من الصحافيين الأميركيين يهودا، او امتلاك اليهود لمؤسسات اعلامية قد يشكل سببا للانحياز ضد القضايا العربية. وهنا تجدر الاشارة الى ان كثيرين يخلطون بين معنى كون الشخص«يهوديا» و«صهيونيا»و«اسرائيليا»، وفيما يؤيد كثير من اليهود سياسات اسرائيل، فإن كثيرين ايضا يختلفون معها. يعلق زينلك بالقول: «اذا سلمت بنقطتك بأن هناك من يعتبر في العالم العربي ان هناك سيطرة صهيونية على الاعلام (الأميركي)، فانني اقول انهم لو تفحصوا الواقع على الأرض فسيصلون الى خلاصة أخرى، وهي أن الاعلام الأميركي تدفعه الحوافز نفسها التي تحفز أي مؤسسة أخرى تسعى للربح، بمعنى انها تريد الحصول على اكبر عدد من المتابعين للحصول على اكبر نسبة ممكنة من الاعلان مما يترجم دخلا». ولكن اذا ما سلمنا بما يقوله البروفيسور زيلنك وعلمنا بعد ذلك ان غالبية الأميركيين يؤيدون اسرائيل (53% من الأميركيين لديهم تعاطف مع اسرائيل بحسب احصاء لمؤسسة «غالوب» نشرته صحيفة «جيروسيلم بوست» قبل شهرين)، فإن السؤال البديهي هو لماذا تتخذ صحيفة ما مثلا موقفا يتعارض مع موقف من قد يكونوا غالبية قراءها؟ يجيب زيلنك: «أعتقد أن غالبية الأميركيين الذين يلتقطون الصحيفة صباحا يريدون تغطية عادلة ودقيقة، وليس تغطية موالية لطرف معين سواء اسرائيل ام العرب فهذا ليس ما يشترون الصحيفة من أجله».

 

أما ايثان برونر فيروي ان النيويورك تايمز لم ترسل صحافيا يهوديا ليغطى الأحداث في اسرائيل حتى العام 1984 (وكان ذلك من نصيب توماس فريدمان – الذي يكتب عمودا في التايمز حاليا)، ويوضح ان التايمز تراجعت عن هذه السياسة غير المعلنة لأنها رأت انه لا معنى لمنع اي مراسل من اداء عمله طالما يقوم بعمل جيد، في حين يقول من جهة ثانية نحن نحاول الابتعاد عن المراسلين الذين لديهم مواقف سياسية قوية (تجاه أي قضية). سؤال آخر لا بد منه كان عن غياب الصحافيين العرب، وكانت اجابة برونر نفيا تاما حول احتمال وجود اي تمييز ضد اي أحد، العرب تحديدا، فيما يخص التوظيف شرط ان يكونوا من خلفية اكاديمية ومهنية معينة (وهو الحال مع كافة الاعراق والديانات الأخرى) مضيفا «في الواقع نحن نبحث حاليا عن متحدثين بالعربية، وذلك امر جيد لانه يساعدنا في العالم العربي وهنا مع المجتمعات العربية». ويشير من جهة أخرى الى ان التايمز لديها 3 صحافيين عرب حاليا، وعدد من المراسلين الأميركيين المتحدثين بالعربية، ويتم اعطاء دروس باللغة العربية في مقر الجريدة بنيويورك. بدوره يعود زيلنك ليوضح نظرته فيما يخص علاقة الصحافة الأميركية باسرائيل، حيث يقول: «من خلال متابعتي منذ أكثر من 50 عاما، استطيع القول انه كان هناك فترات امسكت فيها القضية العربية بالخيال الاميركي وكانت هناك فترات أمسكت فيها القضية الاسرائيلية بالخيال الاميركي، وكانت هناك فترات لم تستطع اي من القضيتين ذلك». ويضيف « اسرائيل امسكت بالخيال الرومانسي للشعب الأميركي بعد المحرقة (الهولوكوست) بشكل خاص، حيث كان لدينا مجموعة من الأناس غير المسلحين تقريبا يغرسون علمهم في اسرائيل مدعومين بقرار من الأمم المتحدة، وتم مهاجمتهم من 5 جيوش عربية واستطاعوا الصمود رغم ذلك وكان هذا آواخر الأربعينات».

 

ويضيف «ولكن من بعد نهاية حرب الستة ايام في 1967 وبعد ان اصبحت اسرائيل محتلا مع مرور الوقت، بدأ الاعلام الأميركي يظهر شجاعة ويسجل الاستغلال والهجوم على الاراضي العربية الفلسطينية، واذا نظرنا بنظرة صادقة سنجد الكثير من هذه التغطية التي وصفها نقاد صهاينة بانها تشفق على الارهاب وعلى العمليات المسلحة التي كان يقودها ياسر عرفات ضد الاهداف الاسرائيلية». من جهتها تتلقى النيويوك تايمز مثل هذه الانتقادات أيضا، كما يوضح برونر الذي يقول هناك من يرانا اننا صحيفة «تختلق الاعذار للارهابيين» و«مناصرة للعرب» بسبب كون «حماس وحزب الله وكثير من الحكومات العربية معادية للسامية وانها تصدر كتيبات وتصريحات وتترك ائمتها يتحدثون ضد اليهود.. متهمين ايانا بأننا نخفي هذه الحقائق عن قراءنا بسبب عدم تغطيتنا بشكل كامل لما يجري». ولكن هل يعتبر ورود الانتقادات من طرفي الصراع (في حالة الاسرائيليين والفلسطنيين مثلا) دليلا على ان المؤسسة الاعلامية تقوم بعملها بشكل جيد،؟ يختلف برونر مع هذا الرأي ويقول انه لا بد من الاستماع ومراجعة كافة الانتقادات.

 

الى ذلك، هناك بعض الانتقادات المتشابهة عربيا واسرائيليا التي تلحق بالاعلام الأميركي، فكما ينزعج كثيرون في العالم العربي من تركيز الاعلام الأميركي فقط على النزاعات والمشاكل. (وهذا انتقاد الإعلام ككل وليس الأميركي تحديدا)، فإن الانزعاج نفسه موجود لدى الحكومة الاسرائيلية وبعض مناصري اسرائيل في أميركا الذين يشعرون ان هناك تركيزا كبيرا على اسرائيل، هذا ما يقوله ايثان برونر من النيويورك تايمز حيث يوضح ان «في عقولهم يوجد هناك تركيز غير مبرر على مشاكل اسرائيل، ويقلقهم بأن تركيزنا بهذه الطريقة يدفع الناس الى تخيل اسرائيل على انها بلد بمجموعة مشاكل لا تنتهي، وان الدعم والايمان باسرائيل سينخفض كنتيجة لذلك». وبالحديث عن موضوع الصورة, فقد استاء كثيرون في العالم العربي من قيام محطات أميركية (و«سي إن إن» من ضمنها) بعرض مشاهد احتفال من يفترض انهم فلسطينيون بوقوع اعتداءات 11 سبتمبر من ضمن مشاهد ردود الفعل حول العالم على وقوع الاعتداءات في ذلك الوقت، والانتقاد هو أن ذلك قد يعطي انطباعا ان كافة الفلسطينيين (او كافة العرب) يشاركون المحتفلين فرحتهم. (والأمر نفسه ينطبق على مشاهد حرق الأعلام الأميركية التي تتكرر في المظاهرات العربية... وتصل الى مشاهد ذبح الرهائن التي ينفذها الارهابيون). وفيما لا مجال لتفادي القول بأننا هنا نتحدث عن النتائج (الصورة) وليس الأسباب (الفعل نفسه)، فإن السؤال ليس ان كان نشر او عرض مثل هذه الصورة امرا صائبا ام لا، ولكن ماذا عن تداعيات ذلك على من لا يشاركون الفاعلين ارائهم، وربما من الانصاف كذلك القول بانه كان على الفاعلين التفكير بذلك قبل ان يقوموا بفعلتهم. حول هذه القضية يعلق ايثان برونر بقوله: «مجددا لم اكن في منصبي الحالي عندما حدثت اعتداءات سبتمبر او كان لي صلاحيات اختيار الصورة مع الموضوع، ولكن ان كان الخيار لي فساقول ان الاحصاءات التي جمعت في الشهور والفترة التي تلت (الاعتداءات) اظهرت ان نسبة هامة من العرب والمسلمين يشعرون بالفعل بانه حان الوقت لأن تعاني أميركا بنفس الطريقة التي يعانون منها هم». ويضيف «لذلك لا ارى انه من غير المناسب نشر مثل هذه الصورة».

 

ويضيف « هناك خطوط عامة للقصص، ومن الانصاف القول انه حاليا في ظل الحرب في أفغانستان والعراق بات الامر اكثر واقعية بان هناك شعورا متزايدا من الغضب في العالم العربي ضد الولايات المتحدة وسياستها». أما البروفيسور زيلنك، فيوافق على ان التركيز على الأخبار السيئة هو من النقاط التي ينتقد عليها الاعلام (بشكل عام وليس الأميركي تحديدا) باستمرار، فانه يرى في نفس الوقت بأن هناك أمورا جيدة تحصل بين وقت وآخر، مثل نهاية الحرب الباردة واتفاقية اوسلو والأحداث الرياضية، الا ان «مهمة الصحافي هي تغطية ما يحدث وليس ابتكار توازن مصطنع». ويضيف «لا يستطيع من يقوم بحرق علم أميركي، أو ذبح رهينة أن يعترض على أن الاعلام سارع لتغطية ذلك، او انه لم يقدم اخبارا ايجابية في المقابل». الا ان زيلنك يقول في نفس الوقت «اوافق على انه من الضروري تحديد بدقة متناهية من كان ومن لم يكن متورطا في أي عمل قذر».

 

* شارك في اعداد هذا الموضوع: طلحة جبريل من واشنطن

 

* .. ولكن ماذا عن انحياز الإعلام العربي ضد أميركا؟

 

* بيروت: سناء الجاك

 

* هناك أسباب عدة تبرر عداء كثيرين في العالم العربي، والعالم بأسره، لجوانب كثيرة في السياسة الخارجية الأميركية. لكن هل يبرر ذلك «التغاضي» عن القواعد الصحافية عندما يتعلق الأمر بالولايات المتحدة، فيمزج الرأي بالخبر ويصبح عدم التوازن أو تحري الحقائق وأخذ رأي جميع الأطراف أمرا مقبولا به؟ ذلك هو ما يحدث في كثير من الصحف والقنوات العربية، والأمثلة لا تعد ولا تحصى. ولعل إجراء بحث سريع عما يقال عن اميركا على شبكة الانترنت يزود الباحث بـ«سلة عامرة»، أما ما ينشر في مواقع الانترنت.. فتلك قصة أخرى. يتحدث الاعلامي أمجد اسكندر عن هذه السلبيات فيقول: «المشكلة مصدرها ان كثيرين في الاعلام العربي يلحقون المزاج الشعبي أكثر مما يلحقون الحقائق. فالمفروض ان يبتعد الصحافي عن المسلمات ويصحح المتداول ويكشف المستور في المعطيات التي تبدو كأنها مكرسة. لكن كثيرا من الاعلام العربي الجماهيري يلحق الموجات ويحول الاميركيين الى شماعة يعلق عليها كل الامور، بالتالي لا يتم الحكم على الشؤون الاميركية بطريقة صحيحة. لذا نلاحظ انه يعمد الى محاربة الاميركيين بشكل غير موضوعي. والصحافي الذي يلتزم بالمصداقية والاحتراف في تعامله المهني مع الشؤون الاميركية يتهم من قبل الآخرين بالتواطؤ والعمالة. الاعلام عندنا لا يفرق بين الفكر النقدي والفكر التهجمي». ويرد اسكندر اسباب الفكر التهجمي الى ان الكثيرين يستسهلون الاسترسال في اظهار الاميركي وكأنه الشيطان ويتمعنون في تحليل مساوئ السياسة الاميركية، لكنهم يعجزون عن استخدام الايجابيات التي تساهم في خدمة قضايانا. وهنا لا بد من القول ان التركيز على السلبيات وعدم اعطاء الايجابيات القدر نفسه من الأهمية هي من سمات كثير من الصحافيين أينما كانوا، وليس فقط العرب. أما الاستاذ الجامعي ورئيس تحرير الاخبارفي اذاعة «صوت لبنان» شربل مارون فيقول: «بعض الاعلام العربي يرفع كليشيهات جاهزة، ويعتبر ان كل ما هو اميركي سيئ ومنحاز ضد العرب. ونحن لا ننكر ان هناك انحيازا كبيرا في السياسة الاميركية ضد العرب، لكن المواجهة لا تكون برفع الكليشيهات. فسبب هذا الانحياز هو ضعف العرب وليس قوة الاميركيين.». ويضيف: «يظهر هذا الانحياز الاعلامي في الرقم المبالغ به دائما لضحايا اميركيين في العراق، كما هي الحال لدى وقوع قتلى اسرائيليين في أي عملية. دائما هناك صعوبة في تلقي الرقم الدقيق. مع الاسف العدو يعطينا ارقاما اكثر دقة». ويشير الى «غياب المحاسبة على المعلومة التي تصل الى الاعلام، كما هي الحال في المراصد الاعلامية الاوروبية والتي تتألف من هيئات رقابية. اما عندنا فالمعلومة تتضمن عواطف شخصية، لأننا نقدم العاطفة كمادة اعلامية من دون مهنية».

 

ويتوقف مارون عند طغيان الرأي العربي على الوقائع ايا كان مصدرها ومهما كانت مصداقية هذا المصدر. لكنه لا يشمل جميع الوسائل الاعلامية، حيث تجهد بعضها لتحقيق توازن، مع التأكيد ان الوسيلة الاعلامية التي لا تتأثر بشيء غير موجودة ليس في العالم العربي فحسب وانما في العالم كله. فالتأثير يأتي من قناعات المحرر ومن الامور السياسية والاقتصادية لكن تبقى بعض الفوارق في معالجة الخبر وموضوعيته، وليس عندما يتعلق بالشؤون الاميركية فقط، وانما بالشؤون العربية الداخلية.

 

لكنه لا يضع المسؤولية فقط على السلطات التي توجه اعلام دولها حيال ابراز العدائية للاميركيين. ويقول: «اذا كانت مجتمعاتنا لا تملك ولم تمنح القدرة لتحاسب اولياء امورها، فان هذا الوضع ينعكس على الإعلام. وعندما يكون المجتمع متخلفا في كل مرافقه، لن يتوفر اي باب يمكن المحاسبة عبره. ومع الاسف تتخذ بعض السلطات الاميركيين شعارا ترفعه، حيث يجب او لا يجب، وكأن هناك رغبة في وضع مسؤولية ما تعيشه مجتمعاتنا على الغير. ونصبح بالتالي أسرى فكرة معينة لا يسعى أحد الى تصحيحها».

Link to comment
Share on other sites

×
×
  • Create New...