Jump to content
Baghdadee بغدادي

فلورنسا.. نكهة إيطالية بامتياز


Recommended Posts

فلورنسا.. نكهة إيطالية بامتياز

 

اناقة وفن وطعام على الطريقة الإيطالية

 

 

فلورنسا (ايطاليا) : عبد الرحمن البيطار

في أواخر الحرب العالمية الثانية قام الالمان بضرب مدينة فلورنسا بوسط ايطاليا بالقنابل ودمروا الجسور لمنع تقدم القوات المعادية لكنهم امتنعوا عن ضرب جسر واحد هو «الجسر القديم» في وسط المدينة بناء على أوامر صدرت عن هتلر بنفسه خوفا على هدم الاثار وتدمير التحف واللوحات الرائعة المحفوظة في المتاحف المجاورة له مثل متحف اوفيزي Uffizi ومتحف قصر بيتي Pitti لربما لنقلها الى المانيا فيما بعد مثلما فعل نابوليون مع الاثار الفرعونية في مصر.

لكن الالمان لم يدركوا آنذاك أن المقاومة هربت اللوحات والتماثيل النفيسة من المتاحف وخبأتها في قصور وقلاع بعيدة في التلال بل استعملت خطا هاتفيا تمددت اسلاكه تحت الجسر القديم لرصد حركات القوات النازية.

 

في طريق العودة الى روما بعد زيارة المدن الشمالية لا أتمالك نفسي دائما من التوقف في فلورنسا لان اغراءها خاصة في فصل الربيع لا يقاوم اذ يزورها 6 ملايين سائح سنويا، فالتمتع بأزهارها، وأشجار السرو، وحجمها الانساني المعتدل وروائع تحفها الفنية، يعطيك نفحة من السعادة والتفاءل وتذوق ابداعات عصر النهضة في ايطاليا قبل خمسة قرون. كلما زرت فلورنسا ازداد اعجابك بها وبرقي أهلها ودماثتهم وحبهم للرسم والتصوير والنحت والابتكار الحرفي ولا عجب فهي مدينة كبار الفنانين مثل ليوناردو دافنشي ومايكل انجلو ورفائيل ومن لا يرغب في تأمل لوحات بوتيشيللي الخالدة «ولادة فينوس ملكة الجمال» ولوحة «ولادة الربيع» ظهر فيها عشرات العباقرة مثل الكتاب الكبار دانتي مؤلف «الكوميديا الالهية» التي يقال إنه تأثر فيها بأبي العلاء المعري في «رسالة الغفران» وكتابات محيي الدين بن عربي عن الصوفية والنور الالهي، وجيوفاني بوكاشيو مؤلف «حكايات ديكاميرون» التي روى فيها بعض القصص المقتبسة عن حكايات «ألف ليلة وليلة».. فلورنسا هي مدينة النهضة في اوروبا طار صيتها الفني منذ تلك الحقبة لكن بداية الفن فيها كانت متواضعة قبل ذلك لان جارتها مدينة بيزا الشهيرة ببرجها المائل كانت دولة بحرية مهمة تسيطر على جزيرة سردينيا في غرب ايطاليا وتحتضن الثقافة وكبار الفنانين. لا توجد أية مدينة في اوروبا هذه الايام تعيش وتستمتع بتاريخها العريق اكثر من فلورنسا (باستثناء فينيسيا أو البندقية). ازدهر فيها فن العمارة أيام حكم عائلة ميديتشي وما بقيت قصورها وأبنيتها القديمة تحافظ على طراز القلاع منذ تلك الايام الغابرة لدرجة أعتقد معها أن الدوق دي مديتشي لو بعث حيا اليوم لتمكن من العودة الى قصره بسهولة لأن الطرق المؤدية اليه لم تتبدل مع الزمن .

 

* التراث الحرفي أهم ما يميز فلورنسا عن باقي مدن العالم أنها ما زالت تحتفظ بتراث الحرف والدكاكين الصغيرة (بوتيك أو بوتيغا كما يسمونها بالايطالية). اذا تهاديت في وسط المدينة وتجولت في الازقة الضيقة تجد صانع المفروشات لا يعمل في دكانه وحسب وكأنه معمل صغير لاجراء التجارب على صنع الكراسي الخشبية التقليدية أو تصليح القطع الاثرية بل يتوسع الى الشارع ويضع كرسيا أمام الحانوت ليجف طلاؤه تحت أشعة الشمس الذهبية الناعمة. لذا تعرف فلورنسا بأنها أهم مدينة ايطالية في سوق الانتيكا (التحف القديمة) والمصنوعات الحرفية ذات النوعية العالية وتجديد أو ترميم الاخشاب الاثرية أو الاواني الخزفية أو قطع القماش القديم ناهيك عن تفردها المشهود بصنع أفضل انواع الجلود والرخام والمعادن والمجوهرات والفضة.

 

زرت مدرسة التدريب المهني في حي سانتا كروشه السياحي الراقي الذي لا يبعد اكثر من عشر دقائق على الجسر القديم اذ يعمل ذلك المعهد على تخريج الحرفيين الذين يزودون الدكاكين الصغيرة بالمنتجات اليدوية وتقليد زخارف اطارات اللوحات وهي حرفة مشهورة في فلورنسا منذ قرون عديدة. لاحظت أن بعض الطلاب المهتمين بحرفة المنتجات الجلدية كانوا من اصول عربية والبعض كان من الصين اتى مهاجرا الى ايطاليا وتمركز في فلورنسا أو مدينة اريزو القريبة.

 

قال لي روبرتو رووزي رئيس نادي السياحة في ايطاليا ونحن نتناول قهوة الكاباتشينو في مقهى «ريفوار» المعروف في ساحة لا سنيوريا قرب متحف اوفيزي تشاركنا على الطاولة الحمائم الوديعة باحثة عن فتات الحلويات والفطائر الهلالية (كروسان) «عليك أن تذكر أن فلورنسا كانت مقصدا للسياح من البلاد البعيدة منذ القرن الثالث عشر لما تحويه منذ القدم من حرف راقية وجمال اخاذ وزينة في الساحات والمباني، فهي مدينة الفن بلا منازع». وأضيف من عندي أن نصف السائحين في العالم زاروا فلورنسا وفتنوا بها حتى أصعبهم في الاعتراف بالاعجاب بأي مكان مثل الكاتب مارك توين الذي وصفها قائلا «تتحول المدينة القديمة الى مدينة أحلام»

 

* أمريكو = أمريكا هل تعرف لماذا سميت امريكا بهذا الاسم ؟ تاجر وقبطان ومكتشف ايطالي من ضواحي فلورنسا يدعى «امريكو فزبوتشي» (1454 ـ 1512) أرسلته عائلة مديتشي الحاكمة التي ابتدعت نظام البنوك الى اسبانيا ليعمل في وكالتهم التجارية والمصرفية في اشبيليه فأحب أن يلعب دورا مهما في اكتشاف الساحل الشرقي لجنوب امريكا حين اصدر خارطة جديدة للعالم بعد مقابلته كولومبوس في اشبيليه اثر الرحلة الاولى لمكتشف العالم الجديد. أبحر امريكو الى القارة الجديدة فوجد أنها كانت أطول مما كان معروفا في الخرائط القديمة لذا صدرت الخارطة الحديثة للعالم وسميت القارة بأجمعها على اسمه فاتهمه البعض بأنه كان يحاول سرقة أمجاد وشهرة كولومبوس (1451 ـ 1506) القادم من مدينة جنوى الايطالية وكأن الموضوع تنافس ايطالي داخلي بين الجمهوريات الايطالية المتنازعة التي توحدت فيما بعد عام 1870. يمكن الان زيارة قرية كيانتي ان غريفه، مسقط رأس امريكو المجاورة لفلورنسا، حيث أقيم له تمثال في ساحة القرية الرئيسية وتباع فيها اللحوم المجففة والاجبان التقليدية المعروفة منذ اجيال. كما سمي مطار فلورنسا باسمه تخليدا لذكراه واختارت القنصلية الامريكية بناءها الحالي في الشارع المعروف باسمه.

 

* الجسر القديم ما زال على حاله فوق نهر أرنو منذ عصر النهضة وما زالوا يبيعون في المخازن الصغيرة المنتشرة على طرفيه أجمل المجوهرات والحلي فهو سوق الصاغة في فلورنسا منذ أيام الصائغ والنحات والرسام والكاتب المعروف بنفينوتو تشيليني الذي عاش في القرن السادس عشر ولحن الموسيقار الفرنسي برليوز مسرحية غنائية أسماها باسمه، وتجد تمثاله النصفي في وسط السوق يطل على عشرات السائحين. اشتهر بتمثاله البرونزي المبتكر الذي يمثل برسوس قاطع رأس احدى الاخوات الثلاث في الاساطير الاغريقية ميدوسا التي يكتسي رأسها بالافاعي بدلا عن الشعر، وكانوا يعتقدون أن كل من ينظر اليها يتحول الى حجر وكانوا يضعون ذلك التمثال النفيس بين التماثيل المنتشرة في الهواء الطلق في ساحة سنيوريا لكنهم نقلوه منذ سنوات الى أحد المتاحف للحفاظ عليه.

 

* معرض سيزان لعبت فلورنسا دورا مهما في تعريف فن الرسام الانطباعي الفرنسي المرموق بول سيزان أب التصوير الزيتي الحديث وصاحب الاسلوب الشخصي في التعبير لانه بقي مغمورا رغم عبقريته حتى أواخر حياته لكن أحد الاثرياء الاميركان من أصل ايطالي والمقيم في فلورنسا في أواخر القرن التاسع عشر راقت له موهبته وتألقه في ابراز أثر الضوء فاشترى العديد من لوحاته التي تعرض الان في قصر ستوتزي حتى نهاية شهر يوليو (تموز) المقبل مثل «السيدة سيزان جالسة على المقعد الاحمر» وغيرها من التحف الفنية بما فيها لوحة سيزان «بيت على المارن» قدمها البيت الابيض في الولايات المتحدة خصيصا لهذا المعرض الذي تجمعت فيه لاول مرة أهم أعمال الفنان المتوزعة في أرجاء العالم.

 

* عباقرة فلورنسا يقام هذا الشهر (مايو ـ ايار) مهرجان خاص لعباقرة فلورنسا في عدد من متاحفها وكنائسها وقصورها. أول الشخصيات العظيمة من أبناء البلد هو الرسام والمثال والمعماري جوتو الذي نقل الفن من الطراز البيزنطي اليوناني الى اللاتيني الايطالي في القرن الثالث والرابع عشر وكان حلقة الوصل بين العصور الوسطى وعصر النهضة الاوروبية، فهو المهندس المعماري لأكبر كنيسة في المدينة (الدومو) أحد الملامح التي لا بد من زيارتها. برع في الفن التصويري ومن أشهر لوحاته «العذراء فوق عرشها تحمل الطفل يسوع» بمتحف اوفيزي كما تزين لوحاته الجدارية كنيسة سانتا كروشه حيث جعل اللون بدل الخط أو الحبر أساسا في الرسم. هناك ايضا محاضرات ومعرض خاص لجيوفاني فيراتزانو مكتشف ميناء نيويورك عام 1520 وكذلك المخترع الاصلي للهاتف انطونيو ميوتشي (1808 ـ 1889) الذي هاجر من فلورنسا الى اميركا لكنه لم يتمكن كما يقال من تسجيل براءة اختراعه الجديد لشدة فقره وعدم وجود عشر دولارات في جيبه لدفع تكاليف الاجراءات القانونية فاقبس الفكرة غراهام بيل وسجل اختراع الهاتف باسمه عام 1876. حاول ورثة ميوتشي اقامة دعوى قضائية ضد بيل لكنهم أخفقوا حتى عام 2002 حين أصدر الكونغرس الاميركي قرارا يعترف بأفضال المخترع الايطالي لكن بعد فوات الاوان . ستعرض هذا الشهر ايضا مسرحية هزلية ألفها نيكولو ميكيافيللي مؤلف كتاب «الامير» حول مكائد السياسة في عصر النهضة بفلورنسا وبعض افلام المخرج السينمائي الذائع الصيت فرانكو زيفيريللي مخرج اوبرا «لاترافياتا» لفيردي التي تعرض حاليا في دار الاوبرا بروما بعد عرضها ونجاحها الساحق في ميلانو.

 

* معرض الازياء اذا لم ترغب في تذوق الفن الرفيع في المهرجان الثقافي الحالي فالتبضع متعة خاصة هنا مثل شراء الاحذية الجلدية المشهورة من محلات أبناء المدينة سلفاتوريه فيراغامو أو غوتشي أو روزاتي اخوان أو الحقائب النسائية المبتكرة من لـbraccialini بالقرب من المحل الرئيسي لغوتشي. انما عليك زيارة معرض الازياء في أحد اجنحة قصر بيتي لترى حتى منتصف الصيف ستة آلاف قطعة من الملابس وكيف تطورت منذ القرن السادس عشر حتى أواخر القرن العشرين، فهو المتحف الوحيد لتاريخ الازياء والذوق في ايطاليا وأحد أهم متاحف الموضة في العالم. كان قصر بيتي مقرا للدوق الكبير كوزيمو دا مديتشي ثم أصبح مقر ملك ايطاليا حين غدت فلورنسا عاصمة ايطاليا الموحدة لخمس سنوات قبل الانتقال الى روما. نشرت فلورنسا حب الفن والذوق الراقي في العالم، وأبلغ مثال على ذلك أن ابنة الدوقة كاترين دا ميديتشي غدت ملكة فرنسا في القرن السادس عشر وكانت وراء توسيع متحف اللوفر وبناء حدائق التويليري الرائعة في باريس، فتصدير الفن هو مهنة فلورنسا الاولى.

 

* أين تأكل؟ مطاعم فلورنسا كثيرة ومتنوعة لكن ان كنت تروم مطعما جيدا بأسعار معقولة أو زهيدة، لان قيمة الدولار (والريال) نقصت في الاونة الاخيرة بأكثر من الثلث فما كان يكلف 100 دولار في الماضي أصبح يكلف 136 دولارا الان، أقترح عليك تناول الوجبة الرئيسية في:

 

* تشبريو تياترو ديل سالي: Cibreo Teatro del Sale – Via dei Macci 111- Tel 055 2001492 عليك الذهاب الى المطعم قبل الساعة السابعة والنصف مساء لتجد مكانا خاليا لان الوجبة تسمح لك بتناول ما تشاء من المعجنات واللحم المشوي والخضار والسلطات في بوفيه مفتوح يكلفك 25 يورو (أو 34 دولارا) وبعد التاسعة والنصف ستستمتع بعرض مسرحي أو موسيقي مجاني.

 

* شوربة «أرزو» وصفة ايطالية تركية جديدة تقترحها سيدة أميركية من أصل تركي «أرزو تانمان» وسيدة مجتمع تقيم في فلورنسا مع زوجها وهو رئيس شركة «ايلي ليلي» الاميركية للأدوية وتقدمها في دعواتها الخاصة: كوب عدس أخضر اللون (200 غرام) ـ نصف كوب ماء ونصف كوب بويون ـ بصلتان مبشورتان ـ جزرة ـ قليل من الطحين امزج هذه المواد في طنجرة ثم اطبخها على نار هادئة لمدة ساعة أو ساعة ونصف الساعة وبعد النضج ضعها في خلاطة وامزجها مجددا.

 

أضف الملح والفلفل الاسود وقليلا من الفلفل الاحمر الحلو (بابريكا)

 

* شوربة فلورنسا التقليدية معروفة منذ زمن بعيد في الشتاء خاصة في ريف المدينة وهضابها وهي شوربة الخضار المعروفة التي تحتوي على الجزر والكرفس والبصل والثوم والقرع والطماطم والفاصوليا أو اللوبيا الجافة. تطهى المكونات بزيت الزيتون ويضاف اليها الملفوف (يوجد في فلورنسا نوع خاص يعرف بالكرنب أو الملفوف الاسود ـ أو كافولو نيرو بالايطالية) وبعد نضجها على نار هادئة لمدة طويلة يضاف الخبز البائت الجاف ثم يعاد طهيها مجددا قبل تناولها في اليوم التالي لذا تسمى بالايطالية الشوربة المطهية مرتين «ريبوليتا» وتعرف بشوربة الفقراء.

Link to comment
Share on other sites

×
×
  • Create New...