Jump to content
Baghdadee بغدادي

كيف نوفق بين حرية المعتقد في القرآن


Recommended Posts

 

كيف نوفق بين حرية المعتقد في القرآن وحد الردة في السنة النبوية؟

 

كتاب للشيخ طه جابر العلواني يقدم فيه اجتهاده حول قضية خلافية

 

 

 

الدمام: حمد العيسى

 

تعتبر قضية الردة من المواضيع الخلافية التي اشتد حولها النقاش في السنوات الأخيرة وذلك لصدور فتاوى وأحكام قضائية – بل وتهديدات مؤخراً - عديدة تعلن ردة بعض المفكرين والأدباء المسلمين. ولذلك شن الغرب حملات تشهير ضد الإسلام بصفته ديناً يعتدي – بزعمهم - على أعلى قيم العصر وهي الحرية. وإشكالية حد الردة في الإسلام تكمن في كون القرآن الكريم يدعو إلى حرية المعتقد بصورة واضحة لا تحتمل اللبس ولا التأويل: ?وقل الحق من ربكم، فمن شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر?. ولكن السنة النبوية الشريفة توجد بها أحاديث تدعو إلى قتل المرتد، وهناك أيضا قضية حروب الردة. فكيف نوفق بين حرية المعتقد من جهة وحد الردة من جهة أخرى؟

 

يطرح الشيخ الدكتور طه جابر العلواني في كتابه الذي يحمل عنوان «لا إكراه في الدين» اجتهاده في إشكالية حد الردة، التي يخشى الكثير من علماء الدين المعاصرين الاجتهاد فيها. والكتاب صادر عن «مكتبة الشروق الدولية» بالقاهرة، ويقع في 198 صفحة من القطع الكبير.

 

الجدير بالتذكير أن معظم علماء الدين المحافظين والتقليديين ينتقدون اجتهادات بعض المفكرين المعاصرين في موضوع حد الردة نظراً لأنهم، كما يقولون، مجرد مثقفين لم يتخصصوا في الشريعة الإسلامية ولا يملكون الأدوات العلمية لجعل اجتهاداتهم تكتسب أية مصداقية. ومن هنا تكمن أهمية هذا الكتاب، لأن مؤلفه ليس مجرد مثقف عادي أو مفكر إسلامي غير متخصص، بل شيخ أصولي وعالم دين عراقي حاصل على الدكتوراه في أصول الفقه من جامعة الأزهر عام 1973. وهو عضو المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة، وعضو مجمع الفقه الإسلامي الدولي بجدة، ورئيس جامعة قرطبة بالولايات المتحدة، والرئيس السابق للمجلس الفقهي لأمريكا الشمالية. ومصدر قوة هذا البحث أنه لم يخضع للمؤثرات الليبرالية في تفسير مفهوم الحرية، بل استعمل المنهج الإسلامي الأصيل في التعامل مع الخطاب القرآني والنبوي.

 

ويعترف العلواني بحساسية الاجتهاد في هذا الموضوع وخطورته، إذ يشير في المقدمة أنه أعد مسودة هذا الكتاب عام 1992 ولكنه تردد في نشره خوفاً على علاقات المعهد العالمي للفكر الإسلامي في أمريكا الذي كان يرأسه آنذاك مع بعض المؤسسات الدينية المحافظة في العالم العربي. ولكنه بعد تركه رئاسة المعهد، وتقدمه في العمر، قرر نشر هذا البحث الجريء خوفا من كتمان العلم رغم ما قد يسببه له من إحراج شخصي مع تلك المؤسسات. ومن دون شك أن مثل هذا الاعتراف مؤسف للغاية، ويصور بدقة البيئة المحيطة بحرية الاجتهاد والبحث العلمي في القضايا الدينية.

 

ويشير العلواني إلى أن حد قتل المرتد أصبح في حكم المجمع عليه رغم مخالفته لآراء فقهاء كبار لهم وزنهم مثل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وإبراهيم النخعي، وسفيان الثوري، وغيرهم. ولذلك فهو يشكك في دعوى الإجماع. ولولا تحديات الحضارة المعاصرة التي جعلت النقد والمراجعة خطوات منهجية لها صلاحية مطلقة في تناول أي شيء بالنقد والتحليل لما فُتح ملف الحديث والجدل حول هذا الموضوع في العصر الحديث منذ جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده مروراً بمحمود شلتوت ومحمد أبو زهرة إلى حسن الترابي وغيرهم في وقتنا هذا.

 

ويؤكد العلواني أن قضية حد الردة بدأت سياسية، واستمرت سياسية، وستظل كذلك، والجانب الديني فيها ضئيل ولا يثار إلا لخدمة الجانب السياسي في الغالب. ويورد العلواني مجموعة من النماذج للتدليل على أن حد الردة كان سلاحا استغله بعض الحكام عبر السنين في وجوه معارضيهم وخصومهم، بمن فيهم بعض كبار العلماء الذين تصدوا لبعض الطغاة. ويسرد العلواني تجربة شخصية مهمة وذات مغزى ليبرهن على الاستغلال السياسي لحد الردة. فقد حاول الشيوعيون العراقيون القيام بمحاولة انقلاب ضد حكومة عبد السلام عارف البعثية عام 1963، لكن المحاولة فشلت، واعتقلت الحكومة البعثية خمسة آلاف شيوعي تقريبا. ثم قرر مجلس قيادة الثورة إعدامهم بتهمة الردة، وحدد يوم التنفيذ وجهازه. وأسندت المهمة إلى اللواء الركن عبد الغني الراوي، وكان اللواء الراوي من المصلين، فلما رأى ضخامة العدد الذي أُمر بقتله شعر بخطورة الأمر، وطلب من الحكومة الحصول على فتوى من كبار علماء البلد من السنة والشيعة. فاقترحت عليه الحكومة مراجعة السيد محسن الحكيم والإمام الخالصي بالنسبة للشيعة، ومفتي السنة نجم الدين الواعظ. وأفتى الثلاثة بوجوب إعدام الشيوعيين باعتبارهم مرتدين لأن السؤال صيغ لهم بخبث. وكان اللواء الراوي صديقا للعلواني ويتردد على المسجد الذي يخطب فيه الجمعة. وفي صباح يوم التنفيذ كان اللواء الراوي ما زال مترددا، فقرر استشارة العلواني. فكان رأي العلواني أن القضية «سياسية» لأن دستور حزب البعث في ذلك الوقت كان يؤمن بالماركسية اللينينية بتطبيق عربي، بل ويعتبر «الإرث والهبة كسبا غير مشروع» وهذا إنكار لما هو معلوم من الدين بالضرورة. فإذا كانت المسألة مسألة ردة، فردة البعثيين لا تقل عن ردة الشيوعيين! واقتنع اللواء الراوي برأي العلواني، واعتذر عن تنفيذ حكم الإعدام، وأُسقط في يد الحكومة، ولم يُنفذ الحكم. وبعد أسابيع قليلة، كتب ميشيل عفلق نفسه مقالة، نشرت في جميع الصحف وأُذيعت بالراديو والتلفزيون، يدعو فيها الشيوعيين للانضمام إلى حزب البعث العراقي، والتحالف معه! وذكر عفلق في مقالته أن حزب البعث استطاع أن يحمي الرفاق الشيوعيين من مؤامرة رجعية خطيرة كانت تستهدف إبادتهم جميعاً!

 

ويستعرض العلواني أشهر قضايا الردة في العقود الثلاثة الأخيرة. فيتطرق إلى قضايا محمود محمد طه، وسلمان رشدي، وفرج فودة، ونصر حامد أبو زيد، وحسن حنفي، ونوال السعداوي، وأخيراً الأفغاني عبد الرحمن عبد المنان. وبسبب تلك القضايا – يقول العلواني - اشتد هجوم الغرب على الإسلام كدين متهم بهدر حقوق الإنسان. ويتساءل العلواني - بذكاء – قائلا: لو كان حد الردة قائما ومطبقا في بلاد المسلمين كلها، هل كان أولئك الذين تبنوا تيارات فكرية إلحادية أو مناقضة للإسلام ثم عادوا من أنفسهم ودون تدخل قضائي ليكتشفوا هويتهم، ويتبنوا من جديد نهج الإسلام، هل كان هؤلاء اليوم أحياءً يدافعون عن الإسلام؟ وهذا السؤال الجوهري هو ما دفع العلواني لدراسة حد الردة. وهو يؤكد أن قضية البحث الأساسية هي الردة الفردية المسالمة بمعنى: تغيير الإنسان عقيدته بطريقة مسالمة ليس فيها رفع للسلاح أو خروج على الجماعة أو دعوة لهدم الإسلام.

 

ثم يناقش العلواني حقيقة الردة في القرآن الكريم. فيسرد ويفسر الآيات المتعلقة بهذه القضية. ومن ذلك يتضح أن حرية العقيدة في القرآن أحيطت بسائر الضمانات القرآنية التي جعلت منها حرية مطلقة لا تحدها حدود، وأن القرآن المجيد لا يحتوي على حد للردة أو عقوبة دنيوية لها، لا إعدام ولا دون ذلك، ولم يشر لا تصريحا ولا على سبيل الإيماء إلى ضرورة إكراه المرتد على العودة إلى الإسلام، وأن العقوبة على الردة هي عقوبة أخروية موكولة إلى الخالق لقوله تبارك وتعالى ?ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون?.

 

ويتناول العلواني قضية الردة في السنة النبوية حيث يشير إلى أنه يستحيل عقلا وشرعا أن يأتي في السنة النبوية - الثابتة الصحيحة - شيء يناقض مبادئ القرآن الكريم، فضلا عن أن ينسخه. وإذا كانت مبادئ القرآن الكريم قد حددت بوضوح إطلاق حرية الاعتقاد، وأحاطتها بسائر الضمانات، وجعلت جزاء المرتد لله تعالى في الدار الآخرة، فلا يتوقع من السنة أن تأتي على خلاف ذلك. خاصة وأن هذا الأمر لم يرد في آية واحدة، أو اثنتين، بل جاء في ما يقارب مائتي آية بينة وكلها متضافرة على تأكيد حرية الاعتقاد. ونطالع سردا لعدد من وقائع الردة التي حدثت في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم قبل وبعد الهجرة إلى يثرب لنخلص منها أن الرسول لم يقتل مرتدا أو زنديقا طيلة حياته إلا في حالة كونه مرتكبا لجريمة أو محاربا.

 

ثم يعرض العلواني للسنة القولية وأشهرها حديث «من بدل دينه فاقتلوه» فيورده بكل طرقه ومتابعاته وأقوال العلماء فيه. ويخلص العلواني إلى أن هذا الحديث حديث آحاد يعد في المراسيل في الغالب، ولا يؤخذ على إطلاقه ومعناه الحرفي، بل يرتبط بواقعة محددة وهي مؤامرة اليهود التي ذكرها القرآن الكريم «وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون» بهدف تحطيم الجبهة الداخلية للمسلمين وزعزعة ثقتهم بدينهم، خاصة من هم حديثو عهد بالإسلام. وبدون مثل هذا التقييد، يؤدي الأخذ بهذا الحديث على إطلاقه إلى نسخ أو إيقاف العمل بما يقرب من مائتي آية قرآنية كريمة نصت على إطلاق حرية الاعتقاد، ونفي الإكراه على الدين، وعدم ترتب أي عقوبة على مبدل دينه في الدنيا إذا كان مسالماً ولم يرتكب جرائم أخرى كما ذكرنا سابقاً. وهذا ما لا يقبله العقل. ويستشهد المؤلف كذلك برد الرسول على من اقترح عليه قتل بعض المنافقين: «لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه».

 

ثم يناقش العلواني مذاهب فقهاء جميع الطوائف الإسلامية ليخلص إلى أن هؤلاء الفقهاء كانوا يعالجون جريمة مركبة غير التي نعالجها اختلط فيها السياسي والقانوني والاجتماعي بحيث كان تغيير المرتد دينه يصاحبه خروج على المجتمع والقيادة السياسية والنظم التي تتبناها الجماعة.

 

أما بخصوص حروب الردة، فيؤكد العلواني أنها كانت سياسية في المقام الأول. فهي لم تكن بسبب الامتناع عن أداء الزكاة فقط، بل لإلزام مواطنين هددوا وحدة الأمة وسيادتها واستقرارها على الخضوع للسلطة الشرعية.

 

ويخلص العلواني في نهاية بحثه القيم إلى أن الإنسان المكرّم المستخلف المؤتمن أكبر عند الله وأعز من أن يكلفه ثم يسلب منه حرية الاختيار، بل إن جوهر الأمانة التي حملها، والتي استحق بها القيام بمهمة الاستخلاف، إنما يقوم على حرية الاختيار التامة الكاملة: ?لا إكراه في الدين?.

Link to comment
Share on other sites

Join the conversation

You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.

Guest
Reply to this topic...

×   Pasted as rich text.   Paste as plain text instead

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   Your previous content has been restored.   Clear editor

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.

Loading...
×
×
  • Create New...