Jump to content
Baghdadee بغدادي

الثقافة العربية حاليا


abusadiq

Recommended Posts

«التقرير العربي الأوّل للتنمية الثقافية» ... الثقافة العربية كما يبرزها الإحصاء والتحليل والنقد

موريس أبو ناضر الحياة - 26/12/08//

 

لا يمكن أحداً أن ينكر، أن للكلمات تاريخاً، وأنها أيضاً الى حد ما تصنع التاريخ. هذا الاعتبار إذا كان صحيحاً بالنسبة للكلمات كلها، فإنه قابل للاثبات بصفة خاصة في حالة كلمة «ثقافة» التي تحولت الى مصطلح متعدد المدلولات.

نحن ندين الى عالم الانتربولوجيا البريطاني غداورد تايلول (1832 - 1917) بأول تعريف لمفهوم الثقافة فهي بِحَسبِ قوله: «هذا الكل المركب الذي يشمل المعرفة والمعتقدات والفن والأخلاق والقانون والعادات، وكل القدرات والعادات الأخرى التي يكتسبها الإنسان بوصفه عضواً في المجتمع».

يشهد مفهوم الثقافة الذي ابتدعته الثقافة الغربية نجاحاً مطرداً في بلادنا هذه الأيام، وينزع هذا المفهوم الى الحلول مكان مفاهيم كانت أكثر استعمالاً في ما مضى في شأن «حضارة» و «ذهنية» و «شخصية» و «روح». وهو يعني في ما يعنيه ذلك المركب المتجانس من الذكريات والتصورات والقيم والرموز والتعبيرات والإبداعات والتطلعات التي تحتفظ لجماعة بشرية، تشكل أمة أو ما في معناها، بهويتها الحضارية. بعبارة أخرى، الثقافة هي المعبر الأصيل عن الخصوصية التاريخية لأمة من الأمم، وعن نظرة هذه الأمة الى الكون والإنسان والحياة والموت.

يعتبر الأمير خالد الفيصل رئيس مؤسسة الفكر العربي أن «الثقافة بمكوناتها وتجلياتها هي قاطرة كل تنمية، والمعين الذي لا ينضب لكل ابداع انساني». وهذا التعريف الذي يتصدر «التقرير العربي الأول للتنمية الثقافية» الذي أصدرته حديثاً «مؤسسة الفكر العربي» يرسم السياسة الثقافية للمؤسسة التي تقوم على الكشف عن نواحي القصور في الخصوصية الثقافية للأمة، مع الأخذ بقيم التقدم الإنساني المعاصر.

يشكل مفهوم التنمية الثقافية نقطة الارتكاز للتقرير العربي الأول للتنمية الثقافية، فهو باعتبار أمين عام مؤسسة الفكر العربي، ومنسق التقرير سليمان عبدالمنعم: «كل ما من شأنه أن يساهم، في كل مجال من مجالات النشاط الإنساني في نشر قيم مجتمع المعرفة، وتحديث النظم والوسائل والأدوات الكفيلة باستنفار العقل العربي وتوظيف قواه من ناحية، والارتقاء بالوجدان العربي من ناحية أخرى. وفي جملة واحدة تبدو التنمية الثقافية هي تنمية العقل وتربية الوجدان».

ثمة محاور أساسية تمثل مرتكزات التنمية الثقافية، وهي المرتكزات التي اعتمدت كموضوعات لهذا التقرير وهي على التوالي: التعليم العالي في البلدان العربية، الإعلام العربي، حركة التأليف والنشر، الإبداع، الحصاد الثقافي السنوي.

في الواقع، لا تتأتى تنمية ثقافية من دون علم وتعلم ومعارف نظرية وعملية وخدمات ثقافية من جهة، وقراءة واطلاع ومتابعة، وتطبيق وتحصيل علمي، وابداع فكري وأدبي وفني وتقني من جهة أخرى.

في مجال العلم والتعلم يتضمن التقرير محوراً عن «التعليم العالي في البلدان العربية» يتكشف من قراءته، أن جامعة شانغهاي في العام 2003 نشرت تصنيفاً لأفضل خمسمئة جامعة في العالم فلم تظهر في هذه اللائحة أية جامعة عربية. وفي العام 2004 أعادت الكرّة، ولم تظهر أية جامعة عربية. وكذلك الحال في العام 2005، الى أن جاء العام 2006 فوردت على اللائحة جامعة عربية واحدة، هي جامعة القاهرة، وكانت مرتبتها 404. وفي العام 2007 ظهرت هذه الجامعة مرة ثانية على اللائحة وجاءت في المرتبة 407. هذا، وقد اعتمدت جامعة شانغهاي ستة مرتكزات لتصنيف الجامعات هي عدد المتخرجين، وعدد أفراد الهيئة التعليمية، والباحثون الأكثر ذكراً في 21 حقلاً معرفياً واسعاً، والمقالات المنشورة في مجلات الطبيعة والعلوم، والمقالات المذكورة في الكشاف الموسّع لإسنادات العلوم، والأداء الأكاديمي نسبة الى حجم الجامعة. ويعتبر واضعو تقرير «التعليم العالي في البلدان العربية» أن طرف الخيط الذي يلتقطه هذا التصنيف له دلالة مهمة ويفضي الى فرضية مفادها ان الجامعات العربية ليست موجودة على الساحة العالمية، وأن هناك شكوكاً جدية، حول نوعية التعليم فيها. لعل حضور الجامعات على الساحة الدولية هو اليوم في ظل العولمة في غاية الأهمية، كما يستنتج واضعو التقرير، فكيف تكون دولة اسرائيل التي تضم 8 جامعات، حاضرة على هذه الساحة بسبع جامعات، وتكون 22 دولة عربية تضم 395 جامعة حاضرة بجامعة واحدة خلال عامين من أصل سبعة أعوام؟

ومن الأمور المهمة أيضاً التي يتضمنها التقرير حول التعليم العالي قضية «انتاجية التعليم العالي والإنتاجية العلمية للباحثين العرب» التي ترتبط بنوعية التعليم بمستواه الراقي أو المتدني وتبين مدة الاستفادة منه في حقول العمل. فقد اورد التقرير مضمون ورقة قدمت للـ «يونسكو» حول التعليم العالي والبحث والمعرفة مفادها أن نزيف الأدمغة في العالم العربي استناداً الى حجم السكان هو أكبر أربع مرات مما في الصين وخمس مرات مما في الهند، ويعني نزيف الأدمغة أن هناك انفاقاً على التعليم العالي لا يُستفاد من عائده. والدول العربية، بما فيها دول الخليج الغنية، تخصص أدنى النسب من الناتج المحلي الخام في العالم للبحث والتطوير، وهي تتساوى في ذلك مع البلدان الأقل نمواً التي تضم الدول الأفقر في العالم، وأن معدل المنشورات العلمية وحضور الباحثين العرب العلماء منخفضان جداً على الساحة الدولية.

وإذا كانت المنشورات العلمية منخفضة فإن المنشورات عموماً كما يكشف عنها المحور الرابع من التقرير حول «حركة التأليف والنشر» ليست أحسن حالاً. فقد أورد كُتّاب هذا المحور أن الأمة العربية تعاني من أميّتين: أميّة «ألف بائية» أي عدم معرفة القراءة والكتابة، وهناك نسبة 27.802 في المئة من سكان البلدان العربية يعانون من هذا النوع من الأمية، إضافة الى أمية ثقافية أو معرفية بصورة عامة ناتجة من انحسار القراءة والمتابعة العلمية والمعرفية والمهنية عند المتعليمن وشرائح المتخصصين والمثقفين والمبدعين.

ويكشف التقرير أن ما يطبع من الكتاب العربي بين ألف الى ثلاثة آلاف نسخة، وإذا تم اجراء عملية حسابية يؤخذ فيها عدد سكان العالم العربي البالغ عددهم 332.337.000 مليوناً وقسمت على عدد النسخ التي تُطبع من كل كتاب، أي ثلاثة آلاف نسخة، فإن النسبة تكون نُسخة واحدة من كل كتاب مطبوع لكل 110779 مواطناً عربياً من مجمل السكان. وكما يلاحظ فإن الأرقام تشير الى وضع مأسوي. ذلك أن الكتاب العربي يعاني أزمات ومشكلات كثيرة. فهناك عوائق ارتفاع التكاليف العامة للإنتاج والشحن وقيود العملة وتحويلها، وهناك محظورات الرقابة التي تختلف من قُطر الى آخر ومن رقيب الى آخر في القُطر الواحد، وكل ذلك يزيد من مشكلات الكتاب ويؤخر وصوله الى القارئ، ومن ثم يقلل من فائده ومردوده على المؤلف والناشر.

في متابعة لحركة التأليف والنشر في كل قطر عربي يبرز التقرير على سبيل المثل أن مجموع ما أنتجته المملكة العربية السعودية عام 2007 من الكتب المودعة رسمياً في مكتبة الملك فهد هو 2425 كتاباً جديداً، وإذا عرضنا هذا الرقم على عدد السكان وجدنا أن كل 11134 فرداً من السكان انتجوا عنواناً جديداً، أو وصل اليهم عنوان جديد مُنتج. إن أكثر حركة النشر السعودية خلال عام 2007 هو في العلوم الاجتماعية 1251 عنواناً، تليه الآداب والبلاغة 404 عناوين، ثم التكنولوجيا والعلوم التطبيقية والطبيعية والرياضيات 34 عنواناً، ثم الأديان 140 عنواناً ثم التاريخ والجغرافيا 137 عنواناً.

لعل التقرير العربي الأول للتنمية الثقافية الذي أصدرته مؤسسة الفكر العربي سعى الى أن يكون كما يعترف منسق التقرير سليمان عبدالمنعم تقريراً يتسم «بالجدية والصدقية». وقد توضّح ذلك من خلال المنهج المتبع، وهو منهج الإحصاء والتحليل، الذي ينأى عن الرؤى الشخصية والأحكام النقدية، ويلجأ الى الأرقام لاستكشاف الواقع العربي.

لكنّ هذا المنهج الإحصائي التحليلي لا يخلو من رؤى نقدية متعددة. رؤى ربما كانت تلمّح أكثر مما تصرّح، وتوحي أكثر مما تعلن عن واقعنا العربي البائس. واقع لا بدّ من الانتقال فيه من الوصف والتشخيص الى النقد والاستشراق، ولا يتم ذلك فقط بالوقوف عند «أدوات الثقافة» وانما لا بد من تجاوزها بغية الوصول الى قلب الخطاب الثقافي، أو بالأحرى الى مضامينه بما فيها المسكوت عنه والمصرح في القريب العاجل.

أما الذين شاركوا في وضع التقرير فهم: عدنان الأمين، محمود خليل، علي عقلة عرسان، لينا الطيبي، عبده وازن، رفيق الصبان، وطفاء حمادي، نصير شمة، عبدالله بنصر العلوي، ومحمد فاضلي. اضافة الى باحثين مساعدين ومنهم: ملحم شاوول، فادية حطيط، مي خضر، وليد البدري، محمد صلاح، هشام عليوان وسواهم.

Link to comment
Share on other sites

Join the conversation

You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.

Guest
Reply to this topic...

×   Pasted as rich text.   Paste as plain text instead

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   Your previous content has been restored.   Clear editor

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.

Loading...
×
×
  • Create New...