Jump to content
Baghdadee بغدادي

ما هي دوافع صنع القرار السعودي؟- نبراس الكاظمي


Recommended Posts

ما هي دوافع صنع القرار السعودي؟

1/9/2016

 

نبراس الكاظمي

 

http://www.imarawatijara.com/saudimotivations/

 

(مترجمة عن الانكليزية، نشرت اولا في مدونة باب الطلسم يوم 5 يناير 2016، ترجمة رشا العقيدي)

 

زادَ حدّة التوترات السنيّة الشيعية في مناطق عديدة من الشرق الأوسط بعد القرار السعودي بإعدام الشيخ نمر النمر، وقد فسّر المحللون ما جرى بأنه خطوة جرئية أتخذتها الأسرة المالكة السعودية لتظهر لإيران مدى جديتها في وضع حدٍ للطموحات الإقليمية للأخيرة.

 

في اعتقادي، لم تسعَ الأسرة الحاكمة إلى التأثير على الإيرانيين، بل كانت تهدف إلى إقناع شعبها بأنّها لا تزال قادرة على القتال. إنّ أكثر ما يقلق السعوديين ليس مواجهة إيران، بل خطاب الدولة الإسلامية حول شرعية حكم آل سعود وحيويته في عيون المحافظين السنّة في المملكة، إذْ كان من المتوقع أنْ تحدث ضجة إذا ما نُفِّذَ الإعدام بحق الشيخ النمر، والذي تقرّر منذ اشهر إلى جانب عدد أكبر من السعوديين السنّة المتهمين بالإرهاب (أغلبهم من تنظيم القاعدة وليس الدولة الإسلامية). وكان مسؤولون إيرانيون قدْ عملوا بصمت للضغط على الملك السعودي لتأجيل حكم الاعدام أو وقف تنفيذه، كما حاولوا استخدام نفوذ القيادي السلفي العراقي المؤيد للحكومة للتشفع لدى الملك، ولكن من دون فائدة فقد نفذ السعوديون حكم الاعدام.

 

قد يجادل السعوديون في شأن النمر بقول أنّه لم يكن واعظ ديني أو مرشد اجتماعي اعتيادي، إذْ أنّه متّهم بإلهام وتوجيه “ميليشيا” شيعية مدانة بقتل قوات الأمن وتبادل إطلاق النار ومحاولة اختطاف دبلوماسيين أجانب. كما أكّدت الحكومة السعودية بأنّ الموقف لم يكن طائفياً، بما أنّ النمر أعدِمَ إلى جانب العشرات من الإرهابيين السنّة، وإنّ السعودية لاحقت واعتقلت عدد من المنتمين إلى الدولة الإسلامية والمتورطين في هجمات على دور عبادة شيعية العام الماضي.

 

لقد تحول الحكم الصادر بحق نمر النمر إلى قضية شهيرة بين شيعة المنطقة، وخصوصاً القيادة الإيرانية، ومن هذا الإعتبار، كان بإمكان السعوديين الإستفادة من إيقاف الحكم أو تأجيل تنفيذه لحصاد النوايا الحسنة الإيرانية في قضايا اقليمية أخرى مهمة مثل عملية المصالحة في سوريا واليمن، وضمان حقوق وحماية أفضل لسنّة العراق، والعمل على صيغة لحل معضلة الرئاسة اللبنانية، وإخماد فتيلة الأزمات المندلعة في الخليج الفارسي. ولكن السعودية ضحّت بجميع هذه المنافع المحتملة لأنها تواجه، على الأرجح، تحديات وجودية أخطر مما يؤثر على صناعة قرارها. كان يجب على السعوديين تنفيذ حكم الإعدام بحق نمر النمر هذه المرة لأن الأسرة الحاكمة في السعودية عالقة في مصيدة خطابية. إنّ العدو الأكبر للسعودية هو الدولة الإسلامية. لقد ركزّت الدولة الإسلامية، أكثر بكثير من تنظيم القاعدة، على الخطر الذي يشكّله شيعة السعودية على “التسنّن”، كما هاجمت الدولة الإسلامية آل سعود خطابياً بوصفهم الحماة الفعليين للشيعة.

 

كلمات قديمة، رهانات جديدة وخطيرة

 

لقد ذُكر نمر النمر في خطاب الدولة الإسلامية في “ولاية” نجد (وسط السعودية) في شهر تشرين الأول 2015، ادّعى فيه متحدث مجهول بأنّ نمر النمر كان يقود حركة انفصالية في شرق البلاد الذي تقطنه أقلية شيعية كبيرة. ووفقاً للمتحدث، فإنّ آل سعود متواطئين مع مخططات أجنبية لإضعاف السنّة عن طريق السماح للشيعة بالإنفصال وإنشاء دولة تابعة لإيران.

bahrain_cry-copy-570x570

 

*ملصق للشيخ نمر النمر في البحرين* الصورة لرنا جربو

 

يحمل هذا الصراع الخطابي بين السعوديين والدولة الإسلامية عنصر الإزدراء مع تأكيدات الأخيرة بأنّ الأسرة الحاكمة قد فقدت “المروءة”.

 

أكّد “الخليفة” البغدادي هذه النقطة في خطابه المسجّل في شهر أيار 2015 وهو يتحدث عن الحملة العسكرية السعودية ضد الحوثيين في اليمن، والتي يطلق عليها السعوديون اسم ” عاصفة الحزم”:

 

”ما هي إلا عاصفة وهم بعد أن لفحت نار الروافض عروشهم ووصل زحفهم إلى أهلنا في جزيرة العرب الأمر الذي سيؤدي بعدها إلى التفاف عامة المسلمين في الجزيرة حول الدولة الإسلامية كونها المدافعة عنهم وهذا ما يرعب آل سلول وحكام الجزيرة ويزلزل حصونهم وهذا سر عاصفتهم المزعومة والتي هي بإذن الله نهايتهم.. فما آل سلول وحكام الجزيرة بأهل حرب ولا لهم عليها صبر وإنما هم أهل رفاهية وترف وأهل سُكر ورقص وولائم، مردوا على حماية اليهود والصليبيين لهم…”

 

ليس هذا الشكل من الازدراء بالجديد على السعوديين، وليس جديداً ردّهم (المتمثل بإعدام النمر) لإثبات دليل عداءهم للشيعة من الحين والآخر. ما يختلف اليوم هو درجات هذا الازدراء، وإلى أي مستوى قد يصل إليه الطرفان.

 

على سبيل المثال، أصدر “النائب العام” لتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، أبو سفيان الأزدي، تسجيلاً صوتياً مدته ستة عشر دقيقة في نيسان 2009 حول أحداث البقيع التي وقعت في شهر شباط من تلك السنة، والتي حاول فيها بعض الأطفال الشيعة “سرقة” التراب من قبر أحد الرموز الدينية للتبّرك بها. أدّى ذلك إلى حملة قادتها الحسبة السعودية على الحجاج الشيعة في المدينة (وهو ما يشيد به الأزدي)، وقد حصلت مواجهات بين السكّان ورجال الأمن في المناطق ذات الغالبية الشيعية في المحافظة الشرقية. ولكن الأزدي يخلص إلى أنّ الأسرة الحاكمة السعودية لا تقدر أو لا ترغب بمواجهة الإصرار الشيعي (اشار المتحدث بإسم ولاية نجد إلى نفس الحادثة).

 

اتّبع خطاب الأزدي نموذجاً سابقاً: بعد انقطاع استمر اثنين وعشرين شهراً، عاود تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية إصدار مجلته الشهرية “صوت الجهاد”، والتي نُشرَ عدده الرقمي الثلاثين في مواقع الجهاديين على الانترنت في شهر شباط 2007. إحدى المقالات الرئيسية في ذلك العدد بقلم شخص يُدعى “أبو علي الشمالي”، حذرت بأنّ “على كل مسلم الحذر ممّا قد يحصل في المستقبل القريب فيما يتعلق بالدور الذي سيلعبه “شيعة” الخليج في المرحلة القادمة، والتي أعتقد أنّها ستكون مشابهة لما فعلوه “شيعة” العراق بعد الاحتلال الأمريكي”. أي أنّ السيد الشمالي كان يحذر بأنّ الشيعة الذين يعيشون في مناطق مثل السعودية قد يصبحون حلفاء أمريكا،ويجب معالجة هذا الأمر قبل وقوعه.

 

ولم يصدر هذا النقد من الجهاديين فقط، بل من المؤسسة الدينية السلفية المألوفة وأفرادها مثل الشيخ سفر الحوالي الذي كان مصدر قلق للأسرة الحاكمة في فترة ما. ففي ردّ الحوالي بخشونة على العريضة التي وقعها شيعة السعودية للمطالبة بدور سياسي واقتصادي أكبر وتمّ تسليمها إلى ولي العهد بعد حرب العراق عام 2003. لقد رأى الشيعة في ولي العهد آنذاك عبدالله انفتاحاً عربياً (وليس طائفياً)، وقد سعت المؤسسة السلفية إلى إجهاض هذه النزعة التصالحية فيه منذ بدايتها.

 

لقد تفاقمت حدّة ردود المؤسسة السلفية مع الوقت لمواكبة رسائل الجهاديين، ويمكن التصوّر بأنّ هذا حصل بإذعان من الأسرة الحاكمة السعودية. على سبيل المثال، لم تكن اول أول فتوى صادرة بخصوص حرب العراق (وقعها الحوالي وآخرون) تستعدي السلفيين الجهاديين في العراق ضد الشيعة. ولكن، في السابع من كانون الأول 2006، أصدر ثمان وثلاثون شيخ سعودي بياناً يحرّضُ السنّة ضد الشيعة في العراق مستخدماً لغة عدائية جداً. أشار البيان أيضاً إلى المدّ الشيعي وتجاوزه على التسنّن، موجّهاً رجال الدين السعوديين للتحذير منه. وقد تبعت هذه الفتوى واحدة أخرى في السابع عشر من كانون الأول 2006 صادرة عن احد اساطنة الوهابية على لسان الشيخ عبدالرحمن بن ناصر البراك الذي صنّف جميع الشيعة بما فيهم العوام على أنّهم أهداف مشروعة للغضب السنّي لأنهم “أشد خطورة” على الإسلام “من اليهود والنصارى”. أصدر دار الإفتاء الوهابي فتوى أشد قسوة بعد شهر على لسان الرجل الثاني في الدار، الشيخ عبد الله الجبرين. وضع الجبرين سبعة أسباب لتفسير رؤيته للشيعة على أنّهم مشركين وأهل بدعة تخلص إلى التالي: “يجب الحذر وتنبيه الآخرين على خدعهم، ويجب مقاطعتهم، وإبعادهم ونفيهم لحماية المسلمين من شرّهم”.

 

لا يختلف الخطاب الصادر عن المؤسسة الدينية السعودية عن الخطاب الذي يوظفه المتحدث عن الدولة الإسلامية في ولاية نجد. والتشابه هذا لديه سابقات اخرى: لم يخترع الزرقاوي ايديولوجيته المعادية للشيعة، بل استعار كثيراً من مواد أنتجتها جهات سعودية رسمية وساهمت في تمويلها ونشرها.

 

ولكن ما يختلف اليوم، هو أنّ الدولة الإسلامية تقترح بأنّ الحل الوحيد هو التخلص من جميع الشيعة في شبه الجزيرة العربية بشكل نهائي (كان هذا في مقدمة أجندة البغدادي في خطابه السياسي الأول بصفة الخليفة، في تشرين الأول 2014). من جهة أخرى، لا تستطيع الأسرة الحاكمة في السعودية أنْ تقدم على أكثر من إعدام الشيخ النمر. لن يرَ بعض الطائفيين المتطرفين في السعودية إعدام النمر دواءً أو رادعاً كافياً، وهؤلاء هم من تطمح الدولة الإسلامية بتجنيدهم.

 

في هذا الصدد، لا تتخوف الدولة الإسلامية، أو الاستراتيجيون السعوديون من أي تهديد استراتيجي شيعي أو إيراني في حقيقة الامر. إنّ تحريض السنّة ضد “البعبع الشيعي” يتعلق بإدعاء أحقية قيادة الشرعية السنّية، فالتهديد الشيعي ما هو إلّا إلهاء،على الأقل في منظور منطقة نجد البعيدة التي خرجت منها الحركات الوهابية والسعودية. إنّ هذا الخطاب معدٌّ له منذ قرون، وهو للإستهلاك المحلي والصراع السنّي الداخلي. وكنت قد قدمتُ قبل سنوات عديدة أصول هذا التخوّف المشرّب باعتباره موضوع جدير بالبحث المعمّق.

 

إنّ إعدام النمر والتعرّض لغضب إقليمي شيعي متوقّع، يدلُ على أنّ السعوديين كانوا متخوفين من رسالة الدولة الإسلامية، إذا ما كان هذا فعلاً هو الدافع الرئيسي كما حاولتُ بيانهُ أعلاه. ولمّا كانت لدينا رؤية قاصرة جداً عن كيفية صنع القرار في السعودية، فإنّ حركة بهذه الجرأة تقول بأنّ الأسرة الحاكمة متخوفة جداً من الدولة الإسلامية، ولكن لماذا الآن؟

 

خطة الدولة الإسلامية للسعودية

 

إنّ السعودية مهمة جداً لورثة الزرقاوي، بل محورية الأهمية منذ ثورة جهيمان العتيبي في مكة (تشرين الأول 1979) حتى تأسيسهم الإيديولوجي الذي تأثّر به أبو محمد المقدسي، الذي كان في مرحلة ما معلّم الزرقاوي. في لقاء مع قناة الجزيرة في تموز 2005، ادّعى المقدسي أنّ الزرقاوي ،الذي كان في أفغانستان في أواخر التسعينات، قد سعى إلى إقناع بن لادن باستخدام كتب المقدسي ومجلدّه المعادي للسعودية، لتكون مناهج لشباب القاعدة، ولكن بن لادن رفض قائلاً بأنّ ذلك سيغضب الحكومة السعودية. إذا ما صدقتْ مسألة رفض بن لادن، ربما يكون قد ساهم هذا الرفض في امتناع الزرقاوي عن تنظيم القاعدة آنذاك، إذْ رأى أنّه غير متشدد بما فيه الكفاية كتنظيم ثوري إنْ كان غير راغب في مواجهة الدولة السعودية.

 

لطالما كانت لدي إشكالية مع قطعتين من اللغز واللتين لا تناسبا الخطاب السائد: لماذا تعثر القوات العراقية باستمرار على مركبات تحمل لوحة أرقام سعودية حين تستعيد هذه القوات مواقع من الجهاديين، ولماذا تكون تقديرات أعداد السعوديين بين المقاتلين الأجانب في الدولة الإسلامية قليلة (حوالي 2000 مقاتل) بينما تقدّر أعداد التونسيين بأكثر من 5000 مقاتل؟

 

إنّ العدد التقديري للسعوديين يناقض كلّ ما تعلمناه في العقد ونصف العقد الأخير، ويناقض المنطق والأدلة الوضعية. قد يعود السبب إلى عدم اطلاعنا على الديناميات السعودية الداخلية، والتي يحرسها السعوديون بحذر، ويقمعون التحدث فيها بالتخويف والخدمات السخيّة.

 

نعلمُ أنّ هناك متعاطفين مع الجهاديين في السعودية. على سبيل المثال، نتائج دراسة حديثة أجرتها مؤسسة بروكنغز على موقع تويتر:

 

“استخدمت دراسة أصدرتها مؤسسة بروكنغز موقع تويتر لتسليط بعض الضوء على هذا الأمر، وقارنت البلدان التي تصدر منها التغريدات المؤيدة للدولة الإسلامية. تناولت الدراسة عينة من 20 ألف تغريدة ووجدتْ بأنّ السعودية تحتل الصدارة في عدد مستخدمي تويتر الذين يؤيدون الدولة الإسلامية في عام 2015. تليها سوريا ثم العراق، وفي المركز الرابع الولايات المتحدة”. تضيف الدراسة :”عدد المقاتلين السعوديين الذين انضموا إلى الدولة الإسلامية يبلغ بين 2000 إلى 2500، وهو العدد الكلي الأكبر، بحسب المركز الدولي لدراسة التطرّف والعنف السياسي، بمعدل 107 مقاتل لكل مليون شخص. بينما المعدّل في الأردن هو الأعلى إذْ يبلغ 315 مقاتل لكل مليون شخص”.

 

لا يبدو الأمر منطقياً بالنسبة لي. ذكرتُ في رسالتي البحثية عن سوريا (نشرت سنة 2010):

 

“إنّ الجهاديين، وعلى خلاف حملتهم في العراق، مدعومون بمعرفة التضاريس والتقاليد في سوريا. مع بدء الصيف، تأتي حشود من الشباب السعودي والكويتي والخليجي، وهم في المعتاد من أفضل التجمعات الإقليمية للتجنيد بالنسبة للجهاديين. ينتظر هؤلاء الشباب بصبر حتى يتم ختم جواز سفرهم في النقاط الحدودية السورية. يزور عشرات الآلاف منهم سوريا سنوياً،وعشرات الآلاف منهم ولدوا لأمهات سوريات تزوجوا من السعوديين وعرب الخليج الأثرياء ممّن زاروا سوريا بحثاً عن الشابات للزواج. كما أنّ هناك الالاف من العوائل السورية السنّية المقيمة في السعودية، والتي درس أبناءها وبناتها إلى المناهج الدراسية الوهابية، وفي حالات كثيرة يشكلّون الوصفة المناسبة للتطرّف. يمكن أيضاً تجنيد هؤلاء، ولكن هذه الألفة أو “التلاقح” مع الأفكار الراديكالية لم تكن مهيئة في العراق”.

 

إنّ قراءة التعاطف مع الجهاد في السعودية من خلال الأدلة الوضعية والمنطق تلقى تحدياً متمثلاً بالنشاط الجهادي المحدود (بحسب علمنا) في داخل السعودية والذي لا يتعدى مواجهات إطلاق نار مع القوات الأمنية في مناطق وبعض الهجمات على المساجد الشيعية في مناطق أخرى. ولكن هل ندرس البيانات الخاطئة؟ هل ينشغل المحللون ومراقبو الصور التي تأتي من الأقمار الصناعية بالخطوط الأمامية للحروب في العراق وسوريا، ويهملون النظر في العمق الاستراتيجي الحقيقي للجهاديين؟ هل يفترض الجميع بأنّ السعوديين مسيطرون على مراقبة الصحراء الجنوبية في الوقت الذي يتوزعون فيه على جبهات عديدة ولا مجال لديهم لأخذ الموضوع بجديّة أكبر؟

 

هذا يعيدنا إلى قضية شاحنات التويوتا التي تحمل لوحات أرقام سعودية. من الواضح أنّ هناك حركة ذهاب واياب عبر الصحارى الممتدة بين الحدود العراقية والسورية والأردنية والسعودية.

 

ماذا إنْ كان المقاتلين السعوديين الذي يتوافق مع المنطق ومع الأدلة الوضعية ليسوا متواجدين في سوريا والعراق؟ إمّا أنّ العدد الحقيقي مخفّض في التقارير، أو أنّ العدد الكلي للمقاتلين الأجانب، مثل التونسيين، مبالغ فيه. إذا كان الاحتمال الأول صحيح، أينْ قد يكون المقاتلون السعوديون؟

 

من المهم أنْ يتم البحث في هذا الأمر.

 

فيما يلي الفئات التي استعملها للتأمّل في نقاط الضعف السعودية من منظور الجهادي الاستراتيجي:

 

1- ما هو الجدول الزمني الذي يضعه الجهاديون لإطلاق حملة على الجبهة السعودية؟

 

كيف يختلف الزرقاوي عن بن لادن؟ إنّ اختلافهم الأساسي هو في الجرأة. كان بن لادن يؤمن بالنجاح الممنهج للجهاد الذي يقاتل أعداء الإسلام على تخوم “دار الإسلام” في أفغانستان، البوسنة، كشمير، السودان، الخ. كان النشيد الرئيسي لتنظيم القاعدة في عام 2001 يحمل المقطع: هلا بنا هيا، نطوي الفلا طيا، للبيت والحرم. لمْ يكن الزرقاوي يستطيع صبراً مع جدول زمني كهذا، لذا نقل القتال، على غرار العتيبي، إلى قلب الأراضي الإسلامية في العراق بالرغم من الصعوبات الكبيرة. من الملاحظ أنّ القاعدة حين أعلنت الجهاد على السعودية، قامت بتأسيس فرع لها في حدود شبه الجزيزة العربية، في اليمن تحديداً (القاعدة في شبه الجزيرة العربية). لا نعرف حتى الآن كيف يخطط الزرقاويون إطلاق نشاطهم في السعودية، لكننا نعرفْ أنّهم يريدون ذلك، إذْ وضعَ البغدادي السعودية في قمة أولوياته في أول خطبة سياسية له .

 

2- لماذا يعتبر السعوديون معرضين للضعف الآن؟

 

تعاني الأسرة الحاكمة في السعودية من سوء الطالع مؤخراً. لقد رحل الملك عبدالله، والتأثير هنا هو في انقطاع الولاء الحماسي للحرس الوطني والذي كان يتمحور حول شخص الملك، وهناك أسباب متعددة لذلك. كان الملك عبدالله هو الأكثر “عروبةً” في الأسرة، بمعنى الأقرب إلى جانب البداوة التي تحملها كلمة عروبة. كانتْ امّه من أسرة غنية من قبائل شمّر التي قضى والد عبدالله، ابن سعود، على هيمنتها في مطلع القرن العشرين. ينتمي العديد من منتسبي الحرس الوطني إلى قبائل مثل شمّر، وكان أجدادهم قدْ تحرروا من التماسك القبلي للإنضمام إلى ابن سعود الذي روّج شكلاً آخراً من التماسك: الثورة الوهابية. حاول ابن سعود التحكّم في القبائل عن طريق توطينهم في محميات قسرية، كما فعل النبي محمد في إحدى الغزوات الإسلامية. لقد تمرّدت القبائل في ظل حكم ابن سعود وكان عليه تدميرهم. سُميت ثورة القبائل في العشرينات بـ”ثورة الإخوان”، ومنذ ذلك ومعظم أحداث الدولة السعودية ودوافعها منذ تأسيسها كانت مساعي للتخلص من آثار تلك الثورة. هكذا تأسّس الحرس الوطني في مقابل الجيش السعودي المعاصر الذي استخدمه ابن سعود للقضاء على الإخوان. وكان الملك الراحل عبدالله هو الأنسب، مزاجاً ونسباً، لقيادة الحرس الوطني، وبعد وفاتهِ تولّى ابنهُ المهمة.

 

وقبل عبدالله، رحل الأمير نايف، الذي كان سفير لأسرة الحاكمة الأبرز للتيارات السلفية المتعددة في البلاد والتي حظيَ باحترامها جميعاً، بما فيها تلك التيارات التي انقلبت على الأسرة الحاكمة في التسعينات (معلمو بن لادن مثل الحوالي). استطاع نايف تحييد معارضتهم ونجح، مع ولده، في تمكينهم من محاربة مشروع الخلافة (البغيض بالنسبة إليهم) الذي تبناه الزرقاويون. ولي العهد الحالي، محمد بن نايف، يؤدي مهام والده، ولكنه لا يضاهي نايف في الوقار الذي عُرِفَ به بين السلفيين.

 

يرى الشعب السعودي بأنّ الأسرة الحاكمة تعاني من “فقدان ماء الوجه” مرات متكررة ومتتالية منذ وفاة عبدالله: حرب اليمن غير المدروسة، كارثة الحج، تسريبات الويكيليكس، والفشل في الوقوف بوجه إيران من خلال تحالفهم التقليدي مع الولايات المتحدة. يرى عوام السعوديين بأنّ إيران تبدو وكأنّها تنتصر، كما يبدو أنّ أميركا لمْ تعد تقدّر الأسرة الحاكمة كما كانت (ربما استنتج بعض الجهاديين بأنّ أميركا لن تنقذ الأسرة الحاكمة هذه المرة إذا تعرضت للتهديدات الداخلية).

 

حين يقوم الجهاديون بمهاجمة الشيعة في السعودية، تكون الأسرة الحاكمة ملزمة بالدفاع عن الشيعة الذين ومنذ عقود يحرض الإعلام والهيئات الدينية ضدهم. لقد وجّه البغدادي أتباعه بمباشرة الحملة في السعودية باستهداف الشيعة.

 

لم ينجح النهج السعودي في اليمن والمتمثل بالضربات الجوية وتسليح القوات المحلية وفرض تسوية سياسية. ومن المبكّر الجزم بالأمر ولكن الحوثيون لا يزالون متمسكين بمواقعهم ، وهم مدعومون بالخبرة القتالية لعناصر الحرس الجمهوري التابعة للرئيس اليمني السابق. وإذا تابعنا أداء قوات المشاة السعودية (لا يذكرهم الإعلاهم كثيراً) عند تعرضها لغارات الحوثيين داخل الأراضي السعودية، يمكننا فهم سبب تردد السعودية بارسال قوات برية إلى الأراضي السورية.

 

نظرياً، يجب أنْ يقاتل السعوديون بشراسة ضد عدو طائفي مثل الحوثيون، ولكن هذا لا يحصل. مالذي قد يحصل إذنْ إذا واجهوا الجهاديين في سوريا. من المنطفي افتراض إنّ السعوديين يأخذون في حسبانهم احتمالية الإنشقاق في صفوف قواتهم. (تراقب الدولة الإسلامية عن كثب حرب اليمن ولها تنظيم صغير تابع لها ينشط هناك).

 

بعد أنْ اعتاد الشعب السعودي على الخدمات التي يمكن تأمينها بعائدات النفط حين تجاوز سعر البرميل المائة دولار، فإنّ هذه العائدات تقل اليوم، كما أنّ المحسوبية ونفقات السلاح والحرب تستهلك الخزانة السعودية.

 

لقد اجتمعت هذه العوامل معاً وأضعفت من مقام الإسرة الملكية، ولكن سبق أنْ تعرضت هذه الأسرة إلى الإضطرابات من قبل، واتخذتْ قرارات حكيمة وموزونة مكنّتها من تجاوز اختبار الزمن بنجاح. لا أعلم إذا كنّا سننظر إلى قراراتهم بشنّ الحرب في اليمن وإعدام النمر لنصفها أيضاً بالحكيمة والموزونة بعد عقودٍ من الزمن، ولكن مثل هذه القرارات تبدو عالية الخطورة والجرأة إذا ما أخذنا بالاعتبار المناخ الاقليمي الحالي. قد يشعر السعوديون بأمرٍ لا نراه يدفعهم لهذه المواقف.

 

كيف ستبدو حملة الدولة الإسلامية في السعودية؟

 

تصعب الإجابة على هذا السؤال بسبب جهلنا بالديناميات الداخلية في المجتمع السعودي. أفترض بأنّ الدولة الإسلامية ستستخدم الأساليب التي وجدتها مفيدة الجبهات العراقية والسورية، على سبيل المثال، الاعتماد على وحدات متنقلة في الصحراء وليس خلايا محلية. وعلى الرغم من أنّ قائمة “المطلوبين” التي نشرتها وزارة الداخلية السعودية تفيد بأنّ المجنّدين لصالح الدولة الأسلامية هم القبائل المعروفة في البلاد، أرى بأنّ الدولة الإسلامية ستسعى إلى تجنيد السعوديين “الآخرين”، أي العدد الكبير من السعوديين الذين لا ينحدرون من القبائل الكبيرة، كما فعلت في العراق وسوريا.

 

يشار إلى الى هذه القبائل بالعامية بـ”220″ في السعودية (في مقابل القبائل العريقة التي يشار إليها بـ 110، باستخدام الفولتية كمقياس)، وهي قبائل تعاني الإهمال نسبياً في برامج الدعم المالي الحكومي. كما أهمل تنظيم القاعدة وفرعه في الجزيرة العربية هذه القبائل أيضاً. يتحكم بعض من القبائل ذات المكانة الاجتماعية المتواضعة الأقل شأناً مثل قبيلة شرارات (من أصول قبيلة الصلبه على الأرجح) بالعديد من المعابر في صحارى العراق والأردن التي تمر داخل وخارج السعودية. يقع على المحللين الكثير من العصف الذهني في المرحلة القادمة من أجل تحديد الوسائل الممكنة التي قد توظفها الدولة الإسلامية من أجل التوّسع داخل الأراضي السعودية.

 

(هنا، أوّد طرح السؤال التالي: “إذا كانت المشكلة المطروحة في المنشور- إنّ السعوديين يشعرون بقرب تهديد داعش منهم- هي فعلية، هل سيمتنع السعوديون عن طلب الدعم بدافع العزّة؟” تصعب الإجابة على هذا السؤال أيضاً. يمكن النظر إلى الأمر من الزاوية التالية: لا يخفي السعوديون ما يعرفونه لأنّهم أنفسهم لا يفهمون حجم المشكلة حتى الآن. وفي ضوء هذا المنظور، فإنّ تحركهم لن يتجاوز بعض الإجراءات الاحترازية ضد الدولة الإسلامية، مثل سبق الدولة الإسلامية في خطابها. ينشغل السعوديون في حرب اليمن، ومراقبة إيران، وإدارة جماعاتهم في سوريا، ومتابعة قطر والإخوان المسلمين، ومطاردة الخلايا الإرهابية المحلية، ومراقبة أسواق النفط ، والتخوّف من تأثيرات الابتعاد عن واشنطن. لدى السعودية الكثير من المسائل التي تتطلب الحل، وأظنّ أنّ الأجهزة الأمنية والاستخباراتية منهكة أيضاً. ولكن ما تعلمناه نحن (والدولة الإسلامية أيضاً) في سوريا وثمّ العراق بعد عام 2011 هو أنّ الدولة الإسلامية تنجح في إعادة بناء قوتها في التي تشهد الضعف السياسي. هل في هذه الصورة ما يشكّل موطن ضعف السعودية؟)

 

في مطلع شهر أيلول من عام 2014، أعادت السعودية تفعيل الخطط الرامية إلى بناء “جدار عظيم” على طول حدودها مع العراق والبالغ طولها 600 ميل (خمس مستويات من السواتر، أجهزة رادار، كاميرات رؤية ليلية، أبراج مراقبة، الخ). كما تشير تقارير صحفية إلى أنّ عشرات الالاف من الجنود ينشرون على الحدود.

 

لا أعلم إنْ كانت هذه الإجراءات كفيلة لمنع تسريب ما تفعله الدولة الإسلامية شمالاً في صحارى العراق والسوريا.

 

رؤية الأقلية في طهران تقول بأنها لنْ تكون كافية. تخبرني مصادر مطّلعة على عقلية قاسم سليماني بأنّ الأخير قد خلُضَ إلى أنّه لا مفر من حملة للدولة الإسلامية في السعودية. يمثل سليماني أقلية بين استراتيجيين يشاورهم خامئني حول ديناميات المنطقة. ولكن يبدو أنّ سليماني نجح في اقناع المرشد الأعلى لإيران بأنّ على القيادة الإيرانية أنْ تتأهب لمثل هذا الواقع وتهيأ جزء من خططهم الاستراتيجية لغرض مواجهة التأثيرات. (يقال بأنّ سليماني يرّد على معارضيه الذين يدّعون بأنّ الحروب في العراق وسوريا مكلفة لوجستياً واستراتيجياً، بالقول أنّ حملة الدولة الإسلامية في الداخل السعودي قد تضع المحافظة الشرقية وسكّانها الشيعة في الصورة، وإنّ إيران قد تصبح “حامية” لتلك المنطقة الغنية بالنفط، وقد حدد جدول زمني لوقوع ذلك بين 5 إلى 7 سنوات).

 

هل السعودية مهيئة الآن لحملة الجهاديين؟

 

السجال الأكثر أقناعاً عن سبب تردّد السعوديين في دعوة الجهاد الذي تتبناه الدولة الإسلامية إلى بلادهم يأتي في ثلاث أقسام: لا يرتاح السعوديون لفكرة سفك الدماء في “أرض الحرمين”، لا يزالون متمسكين بالتقاليد المحلية للسلفية المتجذرة والغنية، ولا يستهويهم “اللون العراقي” لمشروع الخلافة ( البغدادي وأغلب قادة الزرقاوي عراقيون، بينما كان بن لادن من أبناءِهم). وكل هذه السجالات صحيحة، ولكن الأخذ والتسليم بها يحمل الكثير من المخاطرة، ذلك لأنه يقترض بأنّ الجهاديين لا يفكرون في طرق لأعادة تسويق أنفسهم في “السوق” السعودية.

 

إنّ سفك الدماع يجري الان في “أرض الحرمين”، ولكنها دماء شيعية، لذا قد لا يكون هذا السفك سيئاً، إذْ أنّه يطهّر شبه الجزيرة من “رجس” الشيعة، من وجهة نظر المتطرّفين الطائفيين. لقد نشأ الكثير من السنّة السعوديين على هذه الأفكار من خلال التعليم والإعلام وهذا يجري منذ عقود.

 

إنّ المؤسسة السلفية التقليدية في السعودية، بما فيها المنشقين عنها الذين كانوا معلمين لابن لادن، تفقد المصداقية بسبب تعاضدها مع الأسرة الحاكمة السعودية التي تتعرض مصداقيتها هي الأخرى إلى التقويض على جبهات عديدة كما ذكرنا أعلاه.

 

قد تكون “عراقية” الحركة الجهادية هي الأصعب، ولكن ماذا لو كانت الدولة الإسلامية تهيء “عرضاً” إعلامياً (على سبيل المثال، تسليط الضوء على السعوديين في قيادة العمليات) يعكس التحوّل من اللون العراقي إلى شيء أقرب إلى الوعي السعودي؟

 

لقد أعلنت الدولة الإسلامية عن ثلاث “ولايات” في شبه الجزيرة العربية هي: نجد، الحجاز، والبحرين (مشيرة هنا على الأرجح إلى الأسماء الجيوغرافية القديمة للمحافظة الشرقية وولايات ساحل الخليج الفارسي).

 

لمْ نرَ حتى الآن ما هو شكل الخطط التي يضعها الاستراتيجيون في الدولة الإسلامية للسعودية أو إذا ما كانت لديهم رؤية أعمق مما لدينا حول مدى استعداد المجتمع السعودي لتقبّل رسالتهم.

 

من جهة أخرى، إنّ افتراض السعودية دولةً ضعيفة يشكّل خطراً على الجهاديين وعلى قاسم سليماني وشركاءه، وأيضاً على المحللين الذين يحاولون فهم مخططاتهم. إنّ السعودية تقف على أساس صلب،”دليل المملكة العربية السعودية عام 1948″ والذي أضع رابطه هنا، يروي قصة مثيرة للإهتمام. إنّ النخبة ذات جذور متأصلة تعود لأجيال، وهناك استمرارية للمؤسسات السعودية وشبكات المحسوبية إذا ما قورنت بغيرها من البلدان الكبيرة في الشرق الأوسط التي استوطنتها الثورات. إنّ آل سعود ذو خبرة قديمة في الحكم وقد وجدوا طرقاً للعودة إلى السلطة والحكم عبر ثلاث قرونٍ مضت.

 

ولكن لا يزال السؤال حول من صاحب “الفحولة” والبقاء، كما طرحه البغدادي في خطابه في أيار 2015، مطروحاً.

 

في اعتقادي، إنّ هذا السؤال يشغل السعوديين كثيراً، الذين ربما أخافتهم “الخلافة” حتى دفعتهم لإعدام النمر، وقد تدفعهم إلى فعل المزيد.

Link to comment
Share on other sites

Join the conversation

You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.

Guest
Reply to this topic...

×   Pasted as rich text.   Paste as plain text instead

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   Your previous content has been restored.   Clear editor

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.

Loading...
×
×
  • Create New...