Jump to content
Baghdadee بغدادي

ازمة الفكر القومي


Recommended Posts

عودتنا جريدة الزمان بكتابات وافكار قومية محنطة تتباكي فيها على عروش اطيح بها واخرى على قائمة الأنتظار ... ونحن اذ ننشر المقال كاملا للقوموي خير الدين حسيب (هداه الله) نرفقه بالرد الرائع للدكتور سيار الجميل فنرجو التنويه .....

 

 

 

 

خير الدين حسيب

 

المشاهد المستقبلية المحتملة في العراق

 

 

 

من المحزن أنه منذ عام 1920 إلي الآن لا يوجد إجماع أو شبه إجماع وطني عراقي إيجابي علي ملك أو قائد أو رئيس وزراء ممن حكموا العراق.. ألا ينبغي مثلاً أن تكون للملك فيصل الأول مكانة في تاريخ العراق أكثر مما أعطته معظم كتب التاريخ؟ وهل كان من الإنصاف أن يحطّم تمثاله في بغداد بعد ثورة 14 تموز (يوليو) 1958؟ هذا مثال فقط، وهو ما ينطبق بدرجات مختلفة علي آخرين في تاريخ العراق المعاصر. لقد كان هناك دائماً تركيز علي السلبيات. كما أنه كثيراً ما تختلط الشائعات بالسياسة في العراق أكثر مما تختلط في غيره، ولذلك سأقول بعض الأشياء الموجهة لإخواننا بالعراق، وسأضطر لقول أشياء لم أكن أبداً لأقولها لولا هذه المناسبة.

 

إن علينا أن ننصف الناس بأن نذكر إيجابياتهم بقدر ما نذكر سلبياتهم. يجب أن نتذكر أن النظام الذي أسقطه الاحتلال الأمريكي كان قد أخذ أول جائزة من اليونيسكو في عام 1981 عن نجاحه في القضاء علي الأمية في بلدان العالم الثالث؛ كما أَمَّمَ صناعة النفط الأجنبية في العراق عام 1972 بكل ما ترتب علي ذلك من مواقف غربية نحوه، كما أفاد دول المنطقة بعد أن نجحت عملية تأميم النفط. ثم إن هذا النظام بني قاعدة صناعية. وأنا إلي غاية مغادرتي العراق في عام 1974 كنت أعرف كل المصانع بحكم المواقع التي كنت فيها في العراق. وعندما دخل مفتشو أسلحة الدمار الشامل في أواخر عام 2002، وكانت جولاتهم تُبَثُّ فضائياً وتبيّن المنشآت التي يفتشونها، فوجئت بقاعدة صناعية جديدة تماماً، هي مبعث فخر واعتزاز لأي بلد يقيمها ولأي مواطنٍ فيه ولو كان معارضاً. كما يجب أن لا ننسي المساعدات التي قدمها النظام إلي العديد من الأقطار العربية وبعض الدول غير العربية، ابتداء من الدعم العسكري، كما حصل في حرب 1973 والمساعدة العسكرية للسودان واليمن وتونس (من أجل الحفاظ علي وحدتها) وموريتانيا (لصد هجوم السنغال)، وانتهاء بالمساعدات المالية السخية التي قدمها العراق لبلدان عربية وغير عربية. وهناك أمور أخري. ويجب أن لا ننسي التحيز الفاضح في ما يركز عليه الإعلام. علي سبيل المثال في ما يتعلق بكل ما ذكره الإعلام عن المقابر الجماعية في العراق. كانت هناك فعلاً مقابر جماعية مع كل فظاعتها (1)، إلا أنها لم تكن للمعارضة فقط، فثمة مقابر جماعية للجيش العراقي الذي كان منسحباً من الكويت، لهذا كان بعض الموتي فيها بملابس الجيش العسكرية، كما كانت هناك مقابر جماعية للبعثيين الذين قُتل منهم في هذه الأحداث ألفان.... أرجو أن نتعامل مع هذه الأحداث برفق، وخاصة بالنسبة إلي المستقبل بعد أن حصل ما حصل. وعسي أن يأخذ الإخوة العرب درساً من هذا.

 

هذا لا يعني تبرئة للنظام من سلبياته، وهي كثيرة، ولكن من حق الجيل الحالي والأجيال القادمة أن تعلم حقيقة ما جري وأن تطلع علي الصورة كاملة.

 

ما هي أهداف أمريكا من احتلال العراق؟ هل كل الأهداف معلن؟ هل الأهداف المعلنة صحيحة؟ أم أن هناك أهدافاً أخري غير معلنة؟ لقد بدأت أمريكا بالحديث عن أسلحة الدمار الشامل، وعلاقة العراق (بالقاعدة)، وذهبت لاحتلال العراق (مع من يرغب) بدون قرار من مجلس الأمن ومخالفَة صريحة لميثاق الأمم المتحدة الذي يجيز الدفاع عن النفس في حالتين: في حال التعرض لاعتداء خارجي، والولايات المتحدة لم تتعرض لاعتداء من العراق، أو في حال وجود (خطر وشيك) علي الولايات المتحدة من دولة معينة وقد ثبت أن العراق لم تكن عنده أسلحة دمار شامل ولا يمثل خطراً وشيكاً.

 

وبعدما ثبت عدم صحة هذا الأمر تحولت أمريكا إلي موضوع الديمقراطية، وزعمت أنها تريد أن تدخل الديقراطية للعراق. ويدفعنا هذا إلي التساؤل عمن ساهم في انقلاب عام 1968 والمجيء بعبد الرزاق النايف؟ هناك وثائق أصبحت معروفة، وكان الأمريكيون يعرفون أن عبد الرزاق النايف وإبراهيم علي الداوود كانت لديهما قوات عسكرية في بغداد ويسيطران علي الحرس الجمهوري ولم يكن لديهما أي تنظيم سياسي، وانهما كانا متحالفين مع (حزب البعث) الذي لم يكن يملك قوات عسكرية في بغداد وإلا لكان قام بالانقلاب من دون الحاجة إليهما. ولذلك لم يكن مستغرباً أو غير متوقع أن يقوم (البعث) بانقلاب علي عبد الرزاق النايف وإبراهيم الداوود في 30 تموز (يوليو) 1968.

 

إضافة إلي هذا فإن سمات النظام العراقي لم تتغير منذ البداية، والأساليب التي اتبعها النظام خلال خمس وثلاثين سنة لم تتغير كثيراً. ومع ذلك فإنه في 20 كانون الأول (ديسمبر) 1982 زار رامسفيلد وزير الدفاع الأمريكي الحالي العراق، وكانت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين مقطوعة، واجتمع مع الرئيس صدام حسين. ولدي اقتباس من التقرير الذي قدمه إلي الرئيس ريغان آنذاك، يقول فيه: (صدام حسين شخص يمكن التعامل معه). وبعدها بثلاثة أشهر زار العراق ثانية، وقابل الرئيس صدام حسين واستؤنفت العلاقات الدبلوماسية.

 

هذا إضافة إلي أن أمريكا شجعت الرئيس صدام حسين علي حرب إيران. وكان لكل واحد أهدافه، فالرئيس صدام حسين كان يعتقد أنه كما تحول عبد الناصر في حرب السويس من زعيم مصري إلي زعيم عربي، فإنه (أي الرئيس صدام حسين) سيحقق هذا إذا هاجم إيران وأسقط النظام. كان تقديره أنه خلال ستة أسابيع سيُسقط النظام الإيراني، فيتحول هو كذلك إلي زعيم عربي، ولم يحصل هذا.

 

أكثر من ذلك، فإنه خلال فترة الحرب، وكانت الولايات المتحدة تخشي أن تنتصر إيران، فأنشأت فرعاً لوكالة المخابرات المركزية C.I.A ) في السفارة الأمريكية في بغداد لتزويد العراق بصور مُلْتَقَطَة من الأقمار الاصطناعية.

 

وبعد أن انتهت الحرب، وبينما كانت أمريكا تتوقع أن تستنزف طرفيْ الحرب، وجدت أن العراق ــ علي الأقل كان هذا انطباع الناســ خرج منتصراً ولديه جيش من حوالي المليون جندي، واستطاع أن يطور قدراً من أسلحة الدمار الشامل مثَّلَتْ لديه قدراً من الردع، وبَدّا أنها تؤثر في استراتيجية أمريكا في المنطقة، وتمثل نوعاً من الخطر علي إسرائيل. كان نوعاً من الردع، وليس ردعاً كاملاً.

 

وهكذا، بعد تحويل استراتيجية القيادة المركزية وخطط تدريبها من عدو أول هو الاتحاد السوفييتي إلي عدو أول آخر هو العراق، ومع بداية عام 1990 بدأ الإعلام الأمريكي والإعلام البريطاني يتحدثان عن (المدفع العملاق) العراقي وغيره، مع أن مدير مشروع المدفع العملاق في بغداد كان قد نشر كتاباً في بريطانيا بعد عودته، بَيَّن فيه أن كل التفاصيل هذه كانت معروفة، وأنه اشتغل أساساً في أمريكا لتطوير المدفع العملاق، ومدير المعمل الذي اشتراه العراق من بريطانيا كان عميلاً للمخابرات البريطانية MI5)، وبالتالي فإنهم في بريطانيا وأمريكا كانوا يعرفون كل شيء عن الموضوع، لكن الموضوع استُغِلَّ إعلامياً للتمهيد لضرب العراق. ووضِعت تفاصيل كل الخطة المعتمدة ومواقع القصف، وبدأ التدريب النظري في تموز (يوليو) 1990، وتداخل هذا كله مع الحرب.

 

لقد حاولت أن أبيِّن أن استهداف العراق أسبق كثيراً مما نتصور. وحتي أبين لكم تآمر بعض الأطراف العربية كذلك، فقد بدأت الولايات المتحدة بالضغط الاقتصادي علي العراق منذ عام 1990، كما ألغت بقية الائتمانات غير المستعملة بعد، والتي كانت أعطتها للعراق من البنوك الأمريكية، كما أوقفت تصدير بعض المعدات ذات التقانة المتقدمة إليه، كما كانت علي العراق ديون قام بترتيب جدولتها، إلا أنه مورست ضغوط علي المصارف لعدم تسهيل تلك الجدولة، وبدأت تطالب بتسديد الديون.

 

أكثر من هذا، قامت أمريكا بممارسة ضغوط علي الكويت وعلي الإمارات لزيادة إنتاجهما من النفط أكثر من حصتهما المقررة من قبل الأوبك مما أدي إلي انخفاض أسعار النفط. وكان العراق قد حسب حسابه علي أساس سعر معين للنفط، وأدَّتْ زيادة الكويت والإمارات لإنتاجهما أكثر من الحصة المقررة من (منظمة الدول المصدرة للبترول) (أوبك) إلي انخفاض سعر النفط، وبالتالي إلي انخفاض عائدات العراق من نفطه المصدَّر. هذا في حين أن هذا كله لم يزد من دخل الكويت أو الإمارات، ولذلك يصبح التساؤل: ماذا كان وراء الخطوة التي أقدمت عليها الكويت والإمارات؟

 

ومع أن ذلك يمثل استفزازاً غير مبرر للعراق من قبل الكويت (ومعها الإمارات) إلا أن ذلك لا يبرر غزو العراق للكويت. وهذا كان موقفي منذ البداية، وقد عبّرت عنه في مناسبات مختلفة.

 

أما بالنسبة إلي هدف الديمقراطية، فإن أمريكا كانت تتعاون مع نظم لها السمات نفسها الموجودة لدي النظام العراقي. والسؤال بعد هذا: هل الديمقراطية في البلدان العربية في مصلحة أمريكا حقّاً؟. الواقع أن الديمقراطية تعني مشاركة الشعوب في اتخاذ القرارات الرئيسة. فإذا أصبحت هذه البلدان ديمقراطية وأصبحت الشعوب هي التي تشارك في اتخاذ القرارات الرئيسة، فهل يمكن أن يَتَجَرَّأ بعض الحكومات العربية علي شراء أسلحة كالتي تشتريها الآن من أمريكا؟ هل يمكن أن تقبل بإقامة القواعد العسكرية الموجودة فيها وأن تدفع تكاليفها؟ هل يمكن أن تقبل بيع النفط بالسعر الحالي وهو بالأسعار الحقيقية أقل من سعر عام 1973؟ موضوع نشر الديمقراطية في العراق كذبة كبري وممارسات قوات الاحتلال الأمريكية في العراق تُكَذِّبُها، وهي خير شاهد علي ذلك.

 

وإذا ما استبعدنا الأهداف المعلنة للولايات المتحدة لاحتلال العراق، فما هي أهدافها الحقيقية غير المعلنة؟

 

 

 

الأهداف غير المعلنة

 

إن أحد الأهداف الأساسية هو النفط (11). فقبل انتهاء الحرب الباردة كانت القوة العسكرية هي المعيار الأساسي لمن هي القوي الكبري في العالم، فكانت أمريكا والاتحاد السوفييتي القوتين الأعظم. وبعد أن انتهت الحرب الباردة لم تعد القدرة العسكرية هي العامل الوحيد، وبدأت تبرز أهمية العامل الاقتصادي. في هذا الوقت وبعد انتهاء الحرب الباردة، قررت أمريكا أن لا تسمح لأية قوة في العالم أو مجموعة قوي أن تنافسها في كونها الدولة العظمي الوحيدة في العالم. ولما كانت القوة العسكرية وحدها لا تكفي للإبقاء علي أمريكا كقوة عظمي وحيدة، فماذا تفعل بالاتحاد الأوروبي؟ هل تقصفه؟! أو الصين أو.. إلخ؟! الاتحاد الأوروبي ــ حتي قبل انضمام الدول الخمس عشرة الأخيرة إليه ــ يتساوي في إجمالي الناتج القومي مع إجمالي الناتج القومي الأمريكي أو يزيد عنه بقليل. وبالنسبة إلي الصين فإن المتوقع بحلول عام 2020، مع معدل نموها الحالي، أن تصل إلي مستوي الناتج القومي الأمريكي وتتجاوزه في ما بعد. وهناك أيضاً اليابان والهند.. إلخ. ولكي تمنع الولايات المتحدة أية قوة أخري من أن تنافسها في السيطرة علي العالم فإن الورقة الأساس التي تحتاج إليها في ذلك هي ورقة النفط، لا بمعني أن تحصل هي علي حاجاتها من النفط، فإن حاجتها من النفط مؤمَّنة بحيث تستطيع أن تحصل عليها دون كبير مشاكل، ولكن للإمساك بورقة النفط في العالم كورقة ضغط استراتيجية، حيث التحكمُ في تصدير النفط (العرض) وفي أسعاره، يضع كل القوي الاقتصادية العالمية تحت رحمة الشروط الأمريكية، ويَحُدُّ كثيراً من قدرتها علي منافسة الولايات المتحدة كقوة عظمي وحيدة.

 

تشير التوقعات الخاصة بإنتاج النفط إلي أن أمريكا قد تضطر إلي أن تستورد أكثر من حجم استيرادها الحالي، وهو حوالي 55 في المائة، بمعني أنها قد تضطر إلي استيراد حوالي 70 في المائة من استهلاكها من خارج الولايات المتحدة حوالي عام 2025 (12). وبالتالي فإنها تريد أن تسيطر علي مواقع النفط في العالم، الخليج ــ العراق ــ أفريقيا، وسط آسيا والقوقاز، وهذا سبب اهتمامها بالسودان، آسيا الوسطي والقوقاز.. إلخ. وهي إذا ما سيطرت علي النفط، تكون قادرة علي التحكم في توريده (العرض) وفي أسعاره، أي تكون في وضع يمكن لها فيه أن تتحكم في اقتصاديات الدول الغربية (أوروبا) والصين واليابان والهند، وبالتالي تضمن بقاءَها متفوقة علي كل الدول الكبري في العالم. وهي تستطيع حتي أن تؤثر في روسيا، إذا خفضت أسعار النفط إلي حد معين أقل من كلفة استخراج النفط في روسيا، وهي عالية، عندها يمكن أن تؤدي إلي وقف قسم غير قليل من صادرات روسيا.

 

الهدف الثاني هو ضمان أمن إسرائيل. كان العراق إحدي العقبات في طريق تسوية أمريكية بين الدول العربية وإسرائيل. ولقد أفرجت أمريكا عن عدد من الوثائق السرية ــ ونشرت صحيفة (الشرق الأوسط) ترجمة لقسم منها. وفي وثيقة عن اجتماع هنري كيسنجر (وزير خارجية الولايات المتحدة حينذاك) مع الدكتور سعدون حمادي (وزير خارجية العراق آنذاك) في السفارة العراقية في باريس عام 1975، يتكشّف أن العقبة الوحيدة في الاتفاق بين هنري كيسنجر والدكتور سعدون حمادي كانت تتعلق بإسرائيل، وبالذات حول إسرائيل ما قبل 1967 (فلسطين 1948). وطبعاً كان الدكتور سعدون حمادي لا يتحدث في هذا الاجتماع عن موقفه الشخصي بل كان يتحدث باسم العراق.

 

كما أعلنت أمريكا كذلك أن العراق هو بداية مشروعها وأنها تريد إعادة ترتيب خريطة الشرق الأوسط والمشروع الجديد (الشرق الأوسط الكبير) الذي كشف أن أحد مساعيه تغيير هوية المنطقة العربية إلي شرق أوسطية.

 

 

 

المقاومة والبرنامج السياسي

 

ولعل أهم الأحداث التي مرت بالعراق (والوطن العربي والعالم بالتالي) خلال الأشهر ما ين انعقاد هذه الندوة، وصدور الكتاب الذي يحتوي علي أعمالها ومناقشاتها كاملة، هي تلك المتعلقة أساساً بالمقاومة العراقية.

 

في بداية هذا العام (2004) ــ وبالأحري خلال ربعه الأول ـ كنا لا نزال نسمع تساؤلات عن المقاومة العراقية، عن هويتها أو هوياتها، عن قدراتها وعن أهدافها وما ترمي إليه. ويمكنني ـ من خلال متابعة دؤوبة يومية لما يجري داخل العراق أن أقول دون خشية الوقوع في أية مبالغة، إن ظاهرة المقاومة التي بدأت خلال النصف الثاني من نيسان (ابريل) 2003، وبعد احتلال بغداد يوم 9 نيسان (ابريل) بأيام قليلة، وما شهدته من استمرارية وتوسع أفقي ونوعي، قد أذهلت الجميع داخل العراق وخارجه.

 

لقد حاولت دعايات الاحتلال وأتباعه في الداخل والخارج، أن تركز وتكثف الظن بأن المقاومة لا تعدو أن تكون من عمل قويً داخل ما سمَّتْه (المثلث السني)، ومن عمل (الفئات اليائسة حتي الموت (الانتحارية أو الاستشهادية)، ومن بقايا النظام البعثي)، وأخيراً من عمل (أجانب)يعملون ضد مصلحة العراق والعراقيين.

 

وقد واجه الاحتلال في مدن الفلوجة وكربلاء والكوفة والصدر والنجف من المقاومة المسلحة ما نسف ادعاءاته من ناحية، وقوض خططه للاعتماد علي (تحالف شيعي) معه من ناحية أخري. وبدأت الجبهة الداخلية للمحتل الأمريكي (والمتحالفين معه) تستجيب لحقيقة اهتزاز تصور القدرة العسكرية الأمريكية الذي كان يعتقد أنه الفاعل الأوحد المؤثر في الأوضاع في العراق.

 

وقد أصبحت البيانات اليومية والأسبوعية لأجهزة الإعلام التابعة للمقاومة تشكل الجانب الأكبر من المصادر التي تستقي وسائل الإعلام العالمية منها المعلومات، بما فيها عدد هائل من الوسائل الأمريكية. ومن خلالها يتبين للعراقيين والعرب وللعالم وللمحتلين ـ أن المقاومة عراقية، وأن انتماءاتها وطنية بالدرجة الأولي وليست طائفية. حتي إن بعض المسؤولين الأمريكيين اعترفوا بأن حل الجيش العراقي كان واحداً من أكثر القرارات خطأً من جانب الإدارة الأمريكية، وكان هذا اعترافاً غير مباشر بأن قاعدة واسعة من المقاومة العراقية هي من الجيش العراقي وقوات الحرس الجمهوري والحرس الخاص وقوات الأمن القومي.

 

لم يبق فريق من فرق المقاومة العراقية مجهولاً من حيث الهوية أو من حيث المنهج أو البرنامج أو الاستراتيجية. واتضح، بما لا يدع مجالاً لتصديق ادعاءات الإدارة الأمريكية في واشنطن أو قيادتها العسكرية في بغداد، أن المقاومة أشمل من أن تحصر في فئة أو طائفة أو حزب أو حتي في تيار. فالإسلاميون في المقاومة ـ سنة وشيعة ـ والقوميون في المقاومة ـ بعثيون وغير بعثيين ـ والشيوعيون في المقاومة التقليديون منهم والمجددون.

 

ولعل من الظواهر الجديرة بالتسجيل أن قوات الاحتلال تحجم عن اعتبار تزايد أعداد شهداء المقاومة (وهي تسميهم قتلي) لأنها تعرف أن هذه الأعداد دالة علي اتساع نطاق المقاومة في صفوف الشعب العراقي أكثر مما هي دالة علي استتباب الأمور لقوات الاحتلال وحلفائها.

 

وخلال الفترة التي نتناولها، فإن المقاومة العراقية استطاعت أن تحرز انتصاراً سياسياً علي صعيد السياسة الاستراتيجية ضد المحتل. وتمثل هذا الانتصار من خلال حمل بعض وسائل الإعلام الأمريكية علي التفكير وعقد مقارنات فيما بين فييتنام الماضي وعراق الحاضر من أوجه تماثل، هي بحد ذاتها سمات (الورطة) الأمريكية الجديدة في مواجهة المقاومة العراقية، كما أنها تشير إلي تجاوز ذلك إلي تأثيراته المحتملة في الجبهة الداخلية الأمريكية.. وبالأخص في السنة الحالية، وهي سنة انتخابات للرئاسة يتقرر فيها مصير المجموعة الحاكمة حول الرئيس جورج بوش الابن.

 

وخلال ذلك استطاعت المقاومة، وهي لم تبلغ من عمرها سوي خمسة عشر شهراً، أن ترغم الاحتلال علي قبول تقليص تحالفاته... ابتداء من سقوط حكومة أثنار المحافظة في انتخابات 11 آذار (مارس) 2004، وصعود المعارضة اليسارية علي أساس برنامج يقضي أول ما يقضي بسحب القوات الاسبانية من العراق، الأمر الذي تم بالفعل في أعقاب تولي حكومة ثاباثيرو الجديدة مسؤولياتها. وهو انسحاب تلته انسحابات لاتينية وأفريقية متعددة لقوات دول صغيرة في أمريكا الوسطي والجنوبية التي اعتبرت أن منطق انسحاب القوات الإسبانية يفرض عليها أيضاً الاستجابة بالطريقة نفسها. وقد انسحبت من التحالف الذي تقوده أمريكا في العراق، وحددت تاريخ انسحابها قبل نهاية العام الحالي (2004)، كل من: إسبانيا والدومينكان وهندوراس ونيكاراغوا الفلين.

 

كما يقع في خانة الانتصارات السياسية للمقاومة العراقية خلال هذه الفترة نفسها الضعف الشديد الذي أصاب الحليف الأكبر للولايات المتحدة، وهو حكومة بريطانيا برئاسة توني بلير، والذي أصبح واضحاً أنه ضعف يعاني منه منذ الآن حزب العمال البريطاني ــ الذي قاده بلير إلي هذه الحرب والذي أدي إلي خسارة حزب العمال لمقاعده في بعض الانتخابات الفرعية، والتي كان يمثلها سابقاً. كما أن هناك بعض المؤشرات إلي أن بلير قد يضطر إلي الاستقالة من رئاسة الحزب، وهو أمر إن تم فإنه سيعني انتهاءه سياسياً.

 

وفيما كانت المقاومة ووراءها كل القوي الوطنية والقومية والإسلامية واليسارية تعلن استراتيجياتها وبرامجها المحددة، كان الاحتلال يحاول تدارك الأخطاء والمخاطر التي وجد نفسه محاصراً بها، وبينما هي تواصل نشاطاتها المسلحة ــ وغير المسلحة ــ كان الاحتلال الأمريكي يحاول جاهداً البرهنة علي أنه يعني ما يقول بشأن (نقل السلطة للعراقيين) وبشأن إجراء انتخابات في العراق... وظل الاحتلال الأمريكي والإدارة الأمريكية يكشفان عن تردد واضح سواء بالنسبة إلي طبيعة الإجراءات الرامية إلي هذا النقل للسلطة، أو بالنسبة إلي التواريخ المحددة لتنفيذه. بل إن الأمم المتحدة أبدت أولاً تردداً إزاء تردي الوضع الأمني في تسلم أية مسؤوليات تُرْفَع عن كاهل الاحتلال في العراق.

 

وعلي الرغم من أن الوضع الأمني ظل يتردي تحت أعلام الاحتلال وفي وجود قواته فإن الهم الرئيس لقيادة التحالف بقي أسير محاولة التظاهر بأن ثمة تطورات نحو تسليم السلطة والسيادة للعراقيين في 30 حزيران (يونيو) 2004. وحرص الاحتلال علي التظاهر بأن الهجمات القوية والجريئة علي قواته، لا تؤثر في خططه. وهكذا صدر ما أسمي بـ (قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية)، وجري في 30 حزيران (يونيو) إعلان تشكيل ما سُمِيّ (الحكومة المؤقتة) برئاسة الدكتور أياد علاوي وتم اختيار السيد غازي الياور (رئيساً للجمهورية) في الأيام التي سبقت موعد 30 حزيران (يونيو) (23).

 

جري هذا كله بينما كانت سحابة سوداء كثيفة تحط علي أهداف أمريكا وخططها، وبالتالي علي كل من ارتبط بوجودها العسكري أو السياسي في العراق من بعيد أو من قريب، وأعني بها فضيحة مآسي التعذيب البشعة في سجن (أبو غريب) التي طالت الاتهامات فيها عدداً من المسؤولين الأمريكيين علي مستويات قيادية (24). وما كان يمكن لهذه الفضيحة إلا أن تكشف عن الوجه الحقيقي للاحتلال وزيف مزاعمه عن الديمقراطية وعن مساعدة شعب العراق.. وما إلي ذلك. لقد هزت الفضيحة صورة أمريكا أكثر مما كانت في أي وقت لدي الرأي العام العالمي كله، وأظهرت حقيقة القوات الأمريكية التي يعتمد عليها تنفيذ استراتيجية الإدارة الأمريكية برئاسة بوش، ويعتمد عليها أيضاً لتنفيذ المهمة التي عهد بها الاحتلال إلي حكومة السيد أياد علاوي.

 

وقد أجبرت هذه الملابسات سلطات الاحتلال علي عدد من التراجعات التي كان يبدو في بدايات الاحتلال وطوال عام كامل منه أنها تمثل خطوطاً أمريكية حمراء لا يمكن التراجع عنها، وأبرزها عملية إلغاء كل وجود للجيش الوطني العراقي بإصدار قرار حله وتسريح ضباطه وجنوده بمئات الآلاف، وكذلك إلغاء كل وجود بعثي في مؤسسات السلطة. فقد وجدت سلطات الاحتلال نفسها مضطرة للإعلان عن ضرورة الاستعانة بالجيش، وأعطت ضوءاً أخضر لرئيس الوزراء المؤقت الدكتور علاوي لينتقد تسريح الجيش، كما اضطرت إلي اتخاذ موقف تمييز غير محدد المعايير بين بعثيين مقبولين وبعثيين لا يمكن قبولهم. وكشفت سلطات الاحتلال ـ التي تسمي نفسها عادة (سلطات التحالف) ـ عن مدي تخبطها في ظروف هي من صنع المقاومة العراقية بأشكالها المختلفة: المسلحة وغير المسلحة.

 

كذلك فقد وجدت سلطات الاحتلال ـ والإدارة الأمريكية طبعاً ـ نفسها مضطرة لتمزيق رجلها الأول في عراق ما بعد الاحتلال السيد أحمد الجلبي إرباً، وهو الذي حاول منذ أن كان بين أول من وصلوا بصحبة القوات الأمريكية من الخارج إلي العراق أن يبدو المرشح الأول والأقوي وربما الأوحد، لرئاسة الحكم في عراق الاحتلال.

 

وفي اللحظة التي اختارت فيها إدارة بوش عزل الجلبي سياسياً، كانت تختار تقريب السيد أياد علاوي، الذي كان أحد أهم مميزاته ـ علي حد تعبير مصادر واشنطن ـ أنه آثر أن يكون وجوده تحت الأرض منذ سقوط صدام حسين، ليكون هذا المعيار الوحيد لتوفير فرصة أفضل له عندما يحين الوقت.

 

وبطبيعة الحال، فإن التخبط لم يظهر في قرارات سلطات الاحتلال فحسب، إنما بدا حتي في تردد واشنطن إزاء ما بدا حتمية تغيير القيادة العسكرية الأمريكية العليا في العراق بعد فشلها الأكيد في تحقيق حد أدني من الأمن، وبعد تورطها المؤكد في فضيحة التعذيب في سجن أبو غريب... فقد بدا واضحاً أن كراسي القيادة تهتز بقوة تحت أقدام القيادات العسكرية. في أول تموز (يوليو) حل الجنرال جورج كيسي محل الجنرال ريكاردو سانشيز في منصب قائد القوات الأمريكية في العراق. ولا تزال علامات الاستفهام معلقة علي مصير الجنرال جون أبي زيد قائد القيادة المركزية، وإن لم يتضح بصورة قاطعة ما إذا كان السبب الرئيس للحديث عن قرب تغييره يرجع إلي تسرب فضيحة سجن (أبو غريب)، أم أمل جورج بوش الابن في تأمين قيادة عسكرية توفر جواً أكثر قدرة وسيطرة علي الوضع في الأشهر القليلة الباقية علي موعد انتخابات الرئاسة الأمريكية (في 2/11/2004).

 

وعشية (تسليم السلطة) في العراق وقبل موعدها بأيام قليلة، أصدر مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في العاصمة الأمريكية واشنطن (بياناً بحثياً) قال فيه إن الجداول والرسوم البيانية الصادرة عن (مجلس الحكم الانتقالي) في العراق حول نقل السلطة يظهر المعلومات علي نحو ملائم له ويعكس تقدماً حقيقياً، (مع ذلك فإن قراءة عن قرب لشهادات أمام الكونغرس مؤخراً وملخصات للبيانات الصحفية تخفي وضعاً مختلفاً كلياً).

 

وهذه أهم النقاط التي ذكرها هذا البيان:

 

ــ تظهر معلومات مكتب إدارة البرنامج أنه من مبلغ المساعدات المخصَّص البالغ 18.4 مليار دولار، فإن المبلغ الفعلي الذي تم إنفاقه بلغ 333 مليون دولار.

 

ــ إن الوزارات (ستنقل) إلي سيطرة عراقية كاملة دون طواقم كافية ودون تسهيلات في التجهيز، ودون روابط مع المحافظات والحكومات المحلية.

 

ــ إن الرزنامة الوطنية لعملية النقل مليئة بخطط أمريكية تتطلب أمناً أكثر بكثير مما هو قائم الآن، وقد يضع العراقيون سريعاً رزنامة مختلفة خاصة بهم.

 

ــ إن الجهد الرامي إلي تحسين أوضاع المياه متخلف كثيراً عن الجدول الزمني، والأهداف الرئيسة فيه لن تتحقق إلا بعد وقت طويل من عمليات نقل السلطة.

 

ــ إن الأمن الغذائي أدني بكثير من فترة الأشهر الثلاثة المحددة للتلبية في كل مجال.

 

ــ إن الأرقام المعلنة عن التسهيلات الصحية وعمليات التطعيم تخفي مشكلات كبيرة.

 

ــ إن التعليم في الحالة ذاتها من حيث التجهيزات والكتب والاثاث...

 

ــ إن الجهود في مجال الكهرباء لم تعد تذكر الأرقام الحقيقية في مجال توليد الطاقة. لقد تم التخلي إلي أجل غير مسمي عن هدف رفع القدرة من 4400 ميغاوات إلي 6000 ميغاوات.

 

ــ إن الإنتاج الفعلي للنفط هو الآن ثلثا الهدف المرسوم لشهر كانون الأول (ديسمبر) 2004، ولا أحد يعرف متي ستتم زيادته من 2.1 مليون برميل يومياً إلي 2.8 ــ 3.0 مليون برميل يومياً.

 

ــ إن البنية الأمنية العراقية في كليتها في حالة تعني أن ما تذكره سلطة التحالف المؤقتة فارغ من المعني إلي حد كبير من حيث تحقيق أهداف عراقية جديدة. مع ذلك لا توجد معلومات متاحة عن عدد الوحدات التي تملك السلاح الضروري والتسهيلات ووسائل الاتصال والنقل، إلخ.

 

ــ إن الرسوم البيانية عن مستوي نشاط المقاومة تظهر أنه لم يحدث تقدم حقيقي في جهود مكافحة المقاومة.

 

المشاهد (السيناريوهات) المستقبلية المحتملة

 

 

 

المشاهد المستقبلية

 

بعد أن عالجنا أهداف الاحتلال الأمريكي للعراق، المُعْلَن منها وغير المُعْلَن، ومقاومة الاحتلال التي انبثقت في العراق ولا تزال وطبيعتها وأهدافها، ننتقل الآن إلي الحديث عن المشاهد المستقبلية المحتملة لهذا الاحتلال وللعراق.

 

إن الدراسات المستقبلية تؤكد لنا أن المستقبل ليس قدراً مفروضاً علينا. والحال هو كذلك في ما يتعلق بالعراق. فهناك مشاهد مختلفة، بعضها أحسن من بعضها الآخر ولكل منها ثمنه ومتطلباته؛ وتحقيق كل مشهد منها، وبخاصة الأفضل بينها، يتوقف علي مدي قدرتنا علي دفع الثمن المطلوب ومدي رغبتنا في ذلك.

 

ما هي محددات هذه المشاهد المستقبلية؟

 

العامل الأول: إن مصير الاحتلال الأمريكي للعراق سيحدد مصير الوطن العربي والأمة العربية وبعض دول الجوار الجغرافي والنظام الدولي ككل، وما إذا كان سيبقي كقطب منفرد Unilateral (أو متعدد الأقطاب Multilateral ).

 

العامل الثاني: إن سنة 2004 هي سنة انتخابية أمريكية، والرأي العام الأمريكي هو وحده القادر علي عدم التجديد للإدارة الأمريكية الحالية، وما سيترتب علي ذلك بالنسبة إلي الاحتلال الأمريكي للعراق.

 

العامل الثالث: إن بوش الابن يعطي الأولوية لنجاحه في إعادة انتخابه علي أية سياسات داخلية أو خارجية، بما في ذلك احتلال العراق. فإذا توفرت ظروف ملائمة يبقي حرص الإدارة الأمريكية علي البقاء في العراق لأطول مدة ممكنة ولآخر يوم ممكن لتحقيق أهدافها الاستراتيجية المعلنة وغير المعلنة. وسيتوقف تحقيق أي من المشاهد المختلفة علي الوضع الانتخابي للرئيس بوش الابن.

 

العامل الرابع: هناك أمور أساسية ستحدد نجاح أو فشل بوش الابن في إعادة انتخابه، وهي:

 

 

 

1 ــ ما سيجري في العراق خلال هذا العام بالنسبة إلي الاحتلال الأمريكي.

 

2 ــ الوضع الاقتصادي داخل أمريكا (28)، فالإدارة الأمريكية الحالية استلمت الحكم وكان لديها فائض بالميزانية يبلغ حوالي 268 مليار دولار، وتعاني ميزانية السنة الحالية من عجز يُتوقع أن يصل إلي 500 مليار دولار، كما يُتوقع أن يتم تجاوز هذا العجز في السنة القادمة.

 

كذلك فإن الدولار الأمريكي انخفض بحوالي 35 في المائة خلال سنة. وكان الدولار يستعمل باعتباره الاحتياطي الوحيد تقريباً للعملات في العالم، أما الآن، فقد دخل اليورو ويستعمل بشكل متزايد. وهذا يعني أن كل العرب المستثمرين في أمريكا، ضاعت عليهم الفوائد، لأن الفائدة الآن لا تكاد تتجاوز 1.5 في المائة علي إيداعات الدولار. صحيح أن انخفاض الدولار يشجع صادرات أمريكا، لكنه يزيد كلفة واردات أمريكا، فهو سلاح ذو حدين. وإلي ذلك، فإن معدلات النمو خلال الفصول الثلاثة الماضية ارتفعت؛ لكنها في الربع الأخير من العام الماضي، الذي نشرت المعلومات عنه، بدأت تنخفض. وحتي هذا النمو في الناتج القومي لم يستطع أن يُحَسِّن وضع العمالة، هناك أكثر من 3 ملايين زيادة في أعداد العاطلين عن العمل منذ أن استلم بوش الإبن الإدارة الأمريكية.

 

والعامل الاقتصادي الآخر المهم هو أن الشعب الأمريكي، وخلاف معظم الدول الأوروبية، يستثمر كثيراً في الأسهم والسندات. ويُقال إن 70 في المائة من الشعب الأمريكي يستثمر فيها، وإن دخله ليس فقط من الرواتب أو الأجور التي يتقاضاها، وإن جزءاً من الدخل لغالبية الأمريكيين هو من عوائد وارتفاع قيمة هذه الأسهم والسندات، والتي انخفضت بشدة الآن. وعلي الرغم من أنها استرجعت قسماً من انخفاضها، فإن قيمتها ما تزال أقل من السنوات التي سبقت مجيء بوش. وهذا لا يؤثر في الدخل الحالي للأمريكيين فحسب، بل في مستقبلهم أيضاً، لأن رواتب التقاعد ـ الاستقطاعات التقاعدية ـ مستثمرة في أسهم وسندات، وبالتالي فإن انخفاضها سيؤدي إلي انخفاض الراتب التقاعدي للشخص مستقبلاً. وهكذا فإن الوضع الاقتصادي الحالي في الولايات المتحدة وضع حرج بالنسبة إلي الرئيس الذي يريد أن ينتخبه هؤلاء الأمريكيون لفترة رئاسة ثانية.

 

3 ــ ما يحدث في أفغانستان الآن ومظاهر تزايد نشاط (طالبان) و(القاعدة) بصورة نلحظها إخبارياً كل يوم، بعد أن كان الإعلام يتعامل مع أفغانستان وكأنها مشكلة انتهت. وهذا العامل، وإن لم يكن في مستوي العاملين السابقين، إلا أنه عامل يدخل في الحساب أيضاً.

 

4 ــ والعامل الآخر هو الكلفة البشرية للاحتلال: فالأرقام التي تُنشر عن عدد القتلي، وكلّ ما يُنشر عن عدد الجرحي أقل كثيراً من الواقع لأسباب لا يعرفها إلا المطَّلع علي تفاصيل نظام الجيش الأمريكي وهو يقوم علي أساس التطوع. فهناك أربع مجموعات داخل جيش الاحتلال الأمريكي في العراق هي: أولاً العسكريون الذين يحملون الجنسية الأمريكية، وهذا هو القسم الذي يعلن عن عدد القتلي فيه. والقسم الثاني هو لأشخاص مقيمين في أمريكا ويحملون البطاقة الخضراء Green Card التي تكفل لهم الإقامة، وهؤلاء لا تعلن أعداد القتلي فيهم، وهناك اتفاق معهم ومع عوائلهم أنه لو حدث أن قتلوا في الميدان، فإن الجيش الأمريكي ليس مجبراً علي أن يعيد جثثهم إلي أمريكا. والقسم الثالث هو لأشخاص يقطنون في أمريكا بلا إقامة ولا جنسية أمريكية، وتطوعوا في الجيش الأمريكي بأمل أن يحصلوا علي الجنسية أو البطاقة الخضراء في ما بعد. والقسم الرابع هم المقاولون الأمريكان (أمريكان كونتراكترز) (American Contractors). فالجيش الأمريكي بدأ في السنوات الأخيرة يقلص دوره في ما يتعلق بالخدمات العسكرية، ولَجَأَ إلي خصخصة الخدمات في الجيش، وتقوم شركات مقاولات بتقديم هذه الخدمات، ويجري هذا في العراق علي نطاق واسع بما في ذلك في مجال الاستعانة بالمترجمين والحراسة والخدمات الأخري. هذه المجموعة كذلك لا تدخل في حساب الخسائر البشرية. وبالتالي فإن عدد القتلي أكبرُ بكثير من الأرقام المعلنة.

 

أما بالنسبة إلي الجرحي، فيكفي ذكر رقم واحد كمؤشر. فالجرحي الأمريكان الذين تتعذر معالجتهم في العراق أو الكويت ينقلون إلي المستشفي الاقليمي في قاعدة أمريكية هي قاعدة رامسيتن الجوية قرب لاند ستوهل في ألمانيا، والتي يتوقف فيها جميع الجرحي تقريباً الذين يتم إجلاؤُهم من العراق. وقد ذكرت مديرة ذلك المستشفي (الكولونيل روندا كورنم Rhonda Cornum)، في مقابلة صحافية مع جريدة (النيويورك تايمس) أن عدد الجرحي الأمريكان الذين وصلوا إلي ذلك المستشفي كان قد بلغ 7714 بالإضافة إلي 600 جريح أعيدوا إلي الولايات المتحدة بسبب أمراض نفسية. وعن عدد المنتحرين يقول الجيش الأمريكي إن نسبتهم أعلي من نسبة حالات الانتحار في أية عمليات عسكرية أخري. لذلك نحن قد لا نعلم حقيقة الأرقام، لكن الأمر المؤكد هو أن الإدارة الأمريكية تعرف، وأن هناك تعتيماً إعلامياً علي الموضوع كله، وتتم عمليات التشييع في الكنائس وغيرها ـ وهناك يعرف الناس بالأمر، وبالتالي، فإن العملية ستؤثر في أصوات الناخبين إذا استمرت هذه الضحايا البشرية في الازدياد.

 

وثمة عامل آخر هو أية مفاجآت جديدة محتملة بين الآن وموعد الانتخابات القادمة، تميل إلي هذه الجهة أو تلك. ما هو وضع بوش الحالي في الانتخابات؟ خلال الأسابيع الأخيرة تظهر استطلاعات الرأي سواء التي أجرتها فضائية استطلاع قامت به الـ 0 CNN (ومعهد غالوب) مع صحيفة الـ(يو إس إي توداي) وغيرها أنه لو جرت الانتخابات الآن (من تنتخب؟)، لَحَصَلَ كيري علي 52 في المائة، وبوش علي 44 في المائة. في استطلاع آخر قامت به الـ 0 ABC ) القناة التلفزيونية وجريدة الواشنطن بوست، كان السؤال: ما مدي نجاح بوش في مكافحة الإرهاب؟ كان 63 في المائة من المستجيبين في صالح بوش، وعندما سألوهم عن إدارة حرب العراق كان منهم 46 في المائة فقط مع بوش. وحين سألوهم عن الاقتصاد كان 39 في المائة منهم مع بوش. هذه أرقام تتغير حسب الظروف، لكنها مؤشر مهم. وقد انخفضت شعبية بوش إلي أقل من 50 في المائة في الفترة الأخيرة، وهي أقل نسبة منذ أن استلم بوش الإدارة حتي الآن، وهي آخذة في الانخفاض مع استمرار المقاومة. وقد أصابها انخفاض كبير بعد فضيحة التعذيب في سجن (أبو غريب).

 

فما هي المشاهد المستقبلية المحتملة للاحتلال الأمريكي للعراق في ضوء هذه المتغيرات؟

 

المشهد الأول: هو المشهد المتفائل بدرجة من الموضوعية، وهو يمكن أن يتحقق في أحد احتمالين، أو كليهما معاً:

 

في حالة فشل بوش الابن في الانتخابات القادمة في 2 تشرين الثاني (نوفمبر) 2004. وهذا يعني نجاح منافسه جون كيري. وهناك تساؤل مشروع في ما إذا كان هناك فرق بين الاثنين بالنسبة إلي احتلال العراق، وبخاصة أن الاثنين يتنافسان علي تأييد إسرائيل.

 

وفي رأيي أن تلك نظرة متسرعة وتغفل الاختلافات بين الاثنين في أمور أساسية وجوهرية:

 

فلدي الرئيس بوش الإبن مخطط شامل للتغيير في منطقة (الشرق الأوسط) والعراق بدايته، وهو يهدف إلي إعادة رسم خريطة (الشرق الأوسط) بدءاً بالعراق. أما جون كيري، فليس لديه مثل هذا المخطط الشامل للتغيير في المنطقة. أما بالنسبة إلي العراق فهو يقول إن الرئيس بوش أدخل أمريكا في المستنقع العراقي، وأنه سيعمل علي إخراج أمريكا من هذا المستنقع.

 

وفي حين يتصرف الرئيس بوش لتحقيق مخططه علي أساس العمل الانفرادي Unilateralism والهيمنة علي العالم Hegemony، فإن الرئيس المرشح جون كيري يؤمن بالعمل الدولي المشترك والجماعي Multilateralism، وهو يفهم دور أمريكا في النظام الدولي علي أنه دور قيادي Leadership وليس هيمنة.

 

وفي حين يُعْتَبر الرئيس بوش متزمتاً ايديولوجياً وعنيداً وأقلَّ خبرة شخصية ويبدو خارج سربه مع بقية العالم، فإن الرئيس المرشح جون كيري منفتح علي آراء الآخرين وذو خبرة شخصية أكبر، ومرتاح أكثر تجاه الثقافة غير الأمريكية.

 

وفي حين يهدف الرئيس بوش إلي السيطرة علي نفط العراق والخليج ومناطق أخري في العالم، كورقة اقتصادية يتعامل من خلالها مع الاتحاد الأوروبي واليابان والصين والهند وغيرها، يعلن الرئيس المرشح جون كيري في برنامجه الانتخابي أنه يريد إنهاء اعتماد الولايات المتحدة علي نفط الشرق الأوسط، مع ما يترتب علي كل من النظرتين من استراتيجيات وسياسيات مختلفة.

 

ومن المتوقع في حالة فشل الرئيس بوش في الانتخابات القادمة ونجاح الرئيس المرشح جون كيري، أن تنتقل المسؤولية السياسية والأمنية مؤقتاً إلي الأمم المتحدة، من خلال إدارة انتقالية تحت إشراف الأمم المتحدة مع قوة متعددة الجنسيات تحت قيادة الأمم المتحدة، من دول عربية صغيرة وليست لديها مصالح خاصة في العراق، مثل اليمن ولبنان والجزائر مثلاً. علي أن يتم إعادة تشكيل الجيش العراقي علي أسس غير سياسية، وأن يُمنع علي الأحزاب الوطنية في العراق العمل داخل الجيش الوطني، وأن يُخيّر الضباط والأفراد السابقون في الجيش المنحل بين الالتحاق بالجيش والتخلي عن أي نشاط سياسي سابق، إن وجد، أو أن يتركوا الجيش ويلتحقوا بالعمل السياسي أو العمل في وظائف مدنية. ويتم الأمر نفسه بالنسبة إلي قوات الشرطة والأمن والمخابرات.

 

وتحدد فترة انتقالية لقوات الأمم المتعددة الجنسيات لا تزيد عن ستة أشهر، يتم خلالها إعادة بناء القوات المسلحة المختلفة، ويتم خلالها أيضاً انسحاب القوات الأمريكية والقوات الأخري التي شاركت معها في احتلال العراق، وأن لا تتم الانتخابات العامة للمجلس الوطني إلا بعد جلاء القوات المحتلة جميعاً.

 

الثاني: في حالة نجاح المقاومة بأنواعها المختلفة، المسلحة والسلمية، في إجبار الاحتلال علي انسحاب غير مشروط من العراق وإدارة شؤون العراق مباشرة، من خلال سيطرة المقاومة نفسها علي معظم العراق، أو من خلال إدارة انتقالية من قبل الأمم المتحدة علي غرار ما ذكرناه في المشهد السابق، سواء نجح الرئيس بوش في الانتخابات القادمة أو لم ينجح.

 

وهنا قد نتساءل عن مدي الدعم العربي للمقاومة. ولحسن حظ العراق والمقاومة أن استمرار المقاومة في العراق لا يحتاج إلي دعم عربي، ولو كان بإمكان بعض القوي أن تتدخل ربما كان تدخُّلُه ضد المقاومة لا معها. لقد كانت الحرب علي العراق حرباً أمريكية ــ عربية، فالأنظمة العربية بدون استثناء، كانت بين (خائف) و(ساكت)، و(متواطئ علناً)، و(متواطئ سراً). ثم إن هذا المشهد يعتمد علي نجاح المقاومة العراقية بأشكالها وأنواعها المختلفة في تأليف هيئة وطنية تكون الواجهة السياسية للمقاومة، وأن تكون مؤلفة من التيارات الرئيسة في العراق وهي: التيار القومي، والتيار الإسلامي، والتيار اليساري، بكل أطياف وتشعبات هذه التيارات الثلاثة. ومن المفيد أن تدرك هذه التيارات أن مصيرها في الميزان وأنه إذا (لا قدر الله) نجحت أمريكا في الاستقرار والاستمرار في العراق وفي القواعد العسكرية، فلن يكون أي من هذه التيارات الثلاثة في منجي أو مأمَنٍ من الولايات المتحدة، وأنه ليس بإمكان أي منها لوحده أن يجبر الولايات المتحدة وحلفائها علي الانسحاب.

 

المشهد الثاني: السيناريو الثاني بين احتمالات المستقبل هو مشهد نقل السلطة إلي حكومة مرتبطة بالاحتلال ولا تملك فعلياً استقلالية القرار الوطني مع بقاء الاحتلال من خلال قواعد عسكرية دائمة

Link to comment
Share on other sites

A Reply from an Iraqi Scholar

 

This article is from www.iraqoftomorrow.org

 

خير الدين حسيب: الرؤية الشاحبة للعراق

الدكتور سيار الجميل

 

قرأت مقال الدكتور خير الدين حسيب المنشور في جريدة الزمان يوم 2 سبتمبر / ايلول 2004 بعنوان : " المشاهد المستقبلية المحتملة في العراق " والذي ضمنه اجوبة متنوعة عن احتمالات ما سيجري من تأثيرات الانتخابات الامريكية واجوبة عن تساؤل يقول: هل ستلعب الامم المتحدة دورا رياديا في العراق. وكم كنت اتمنى ان يبقى الاخ خير الدين في مقاله صاحب رؤية مستقبلية وتأملات موضوعية نتيجة خبراته القديمة في الشؤون العراقية بدل المقدمة التي كتبها مادحا فيها النظام السابق! وعليه، فلقد صبغ رؤيته بالتحيز لا بالحيادية وكأن كل ما ظهر وما بطن حتى اليوم لا يدين اشرس نظام قمعي في التاريخ..

مهما بلغت درجة ايجابياته ان كانت له ايجابيات كما ادعى ذلك الاخ خير الدين حسيب الذي كنت اتمنى عليه من صميم الاعماق ان يراجع مواقفه وتفكيره مع نخبة من الساسة والمثقفين القوميين والاسلاميين العراقيين بعد كل ما حصل وان يلقي باللائمة في ما جرى الا على سياسات العهد السابق التي أودت بالعراق والعراقيين الى هذا المآل من سلسلة الكوارث والمآسي والنتائج المريرة. فالنتائج لابد لها من مضامين واسباب حقيقية ان لم يدركها البعض، فالكل يدركها وستدركها الاجيال الاتية في قابل الايام.

تاريخ شراكة فكرية بيني وبين الرجل

بادىء ذي بدء لابد ان اقول بأنني احترم الاخ الدكتور خير الدين حسيب وان علاقة فكرية قديمة ربطتني به وبمركزه مركز دراسات الوحدة العربية ببيروت منذ العام 1982 حتى سنة 2000 وكنت شديد الاعتزاز به وبجهوده في ذلك المركز الذي شاركت في عدد من ندواته ومؤتمراته فضلا عن مشاركاتي بمقالات ومتابعات في مجلته " المستقبل العربي " ، وكثيرا ما رددت مع غيري عنه انه ( شاخت العراق ) كواحد من ابرز رجالات الاقتصاد في العراق الحديث.. وبالرغم من ان خلافا حادا وقع بيني وبينه منذ العام 2000 وهو خلاف سياسي بالتأكيد، الا ان ذلك لم يمنعني من ان اقدر الرجل حق قدره وقد كتبت عنه تفصيلا في كتابي ( انتلجينسيا العراق: نخب المثقفين في القرن العشرين ) ونشرت مؤخرا مقالا عنه ضمن سلسلة كتابي ( نسوة ورجال: ذكريات شاهد الرؤية ).. مقّدرا جهوده الفكرية ولكن كل هذا وذاك لا يمنعني من ان اخالفه سياسيا في الرؤية الحقيقية للعراق سواء كان على ايام العهد الجائر ام ما تحقق فيه حتى اليوم.. واختلاف الرؤية دليل واضح على اختلاف المنهج والتفكير والمنطلقات برغم ما اردده دوما من ان العروبة لا يمكن ان يحتكرها حزب واحد او جماعة متجبرة او تيار شوفيني او دكتاتور جائر.. فلا يمكن للتيار القومي اليوم – مع احترامي للعديد من ممثليه ومن بينهم اصدقاء لي والدكتور حسيب يعرفهم حق المعرفة – ان يصادر حق الرأي في العراق ويحصي على الاخرين من ابناء الاتجاهات والتيارات الاخرى انفاسهم، بل ولا يمكنه بعد اليوم ان يتحدث باسم كل العراقيين من اقصى الشمال حتى اقصى الجنوب! واود ان اقول ان انتمائنا نحن الاثنين الى مدينة عريقة واحدة كالموصل والى هوية وتقاليد واحدة لا تمنعني من ان اخالفه الرأي علنا من اجل مصلحة العراق العليا اولا واخيرا.

 

القوميون في العراق

ولكن كل هذا وذاك سيكون على طرف وانا احلل ناقدا ما تضمنته مقالته الاخيرة حول ما كتبه من مقدمات عن المشاهد المستقبلية المحتملة في العراق خصوصا وانه ينطلق من رؤية قومية للمسألة العراقية وهي بالتأكيد متفق عليها اليوم بين الفرقاء القوميين بعد احتلال العراق بعد ان كان الصراع بالغا اوج شراسته في ما بينهم وخصوصا بين البعثيين والناصريين.. ولم يمنع ذلك الخلاف ان نجد حتى في التيار الناصري العراقي انقسامات متعددة، وكم كان خير الدين حسيب يهاجمه العديد من الناصريين وهو ناصري قح وقد حملت بنفسي في واحدة من المرات شتائم احدهم عنه وهو اليوم احد اصفيائه يقرأ له في جريدة القدس العربي !!

اما مع البعثيين فالعلاقة كما تبدو علاقة مصالح مشتركة وقديمة بحيث توضحّت للعيان في التسعينيات.. وكل ذلك لا يعنيني امره بقدر ما يعني ايضا اولئك العراقيين من الوطنيين بمختلف اطيافهم السياسية والذين نالهم الانسحاق والظلم وجبروت النظام لأنهم خالفوه وعارضوه.. فكان ان دفعوا ثمنا باهضا من حياتهم وازمانهم ومستقبلهم.. ان المسألة العراقية التي لابد ان يبحث فيها العراقيون انفسهم ومن حقهم ممارسة ذلك كونها مسألتهم التي تخصهم بالذات، ولا تخص زيد او عمرو من الذين وجدوا في التيار القومي سبيلا لهم ليس للمزيد من التدخلات السافرة، بل وان اصحاب هذا التيار قد تبين كم كانت مصالحهم المادية مرتبطة بالعراق، ولا يخفي عن القوميين العراقيين ذلك عندما يجدوا لاخوتنا العرب حقوقا مشروعة في اموال العراق ومقاسمة ثروات العراقيين، وهذا هو بيت القصيد الذي يؤمن به العرب على عكس العراقيين من اصحاب ( المبادىء القومية ) التي ديست بالاقدام في تطبيقات اغلب الزعماء الشوفينيين ومنظريهم وكتابهم ومثقفيهم وساستهم وحتى دجاليهم والمارقين والمرتزقة الذين عاشوا على فتات الموائد!

 

لقد تربينا نحن في العراق على ان ثمة مبادىء قومية سامية تطالبنا ليس بتقديم كل ثرواتنا الى اخواننا العرب، بل كل دمائنا ووجودنا وحياتنا.. وهذا ما حدث عن قناعة للاكثرية الصامتة التي وجدت في العراق الحديث منذ ان ولد ابا حقيقيا وليس مزيفا للاخرين الذين من واجبه ان يطعمهم ويسقيهم الى ابد الابدين!

ان اول ما صعقني انني اجد ابان الحرب الضروس مع ايران على امتداد ثماني سنوات الالاف المؤلفة من الشباب العراقيين يتساقطون موتى وجرحى ومشوهين ومفقودين وتنسحق عوائلهم الفقيرة سحقا مبرحا فقرا وحزنا وكمدا.. وان العراقيين يكضمون غيضهم ومآسيهم من دون ان ينطقوا كلمة واحدة ضد صدام حسين خوفا من جبروته وقسوته التي فاقت كل التصورات.. والملايين من الاخوة العرب يسارعون في تحويلاتهم من الثروات العراقية بمليارات الدولارات!! وكان غزو صدام حسين للكويت جريمة اخرى بحيث لم يكتف ابناء العراق البررة بما دفعوه من دماء ودمار شامل للقوات العسكرية المنسحبة في اسوأ حرب غير متكافئة اسمها عاصفة الصحراء.. بل راح العراق في ما بعد يدفع بما سمي بـ " التعويضات " من دون ان يتكلم واحد احد عن مسببها! وكم وجدنا كم دفع العراق للاخرين من شتى الملل والاقوام وشعبه العزيز منسحق تماما وهي ذليل تحت جبروت النظام وقمعه! وبودي ان أسأل: من كان السبب وراء ذلك؟ وبودي ان أسأل القوميين كلهم دون استثناء: ماذا فعل صدام حسين برموز القومية العربية في العراق؟ الم يقمعهم ويشتتهم ويسلخ جلود بعضهم؟ الم يلاحقهم في شتى بقاع الارض كما لاحق الشيوعيين والماركسيين والليبراليين والاسلاميين؟

وقبل ان تندلع الحرب الاخيرة على العراق من اجل اقتلاع صدام حسين ونظامه سمعت باذني وشاهدت بعيني الاخ خير الدين حسيب على قناة المستقلة وهو يقترح على مصر ان تتنازل عن المساعدة الامريكية السنوية وعّقب قائلا: يمكن ان يغطي هذه المساعدة كل من العراق والكويت والسعودية! ولقد فوجئت بمثل هذا " المقترح " الذي يشتري فيه موقف مصر شراء كما تفعل الولايات المتحدة الامريكية، ولكن شتان بين الاثنين! والحقيقة، ان الرجل ينطلق من ضميره القومي اذ انه لا يختلف مع ذاته وتفكيره ومبادئه.. ان الرجل يعّبر اصدق تعبير عن مبادئه التي لم تعد تجدي نفعا في ايامنا هذه وهو يدرك ادراكا حقيقيا كم اصبحت قضايا الامة تباع وتشترى من هذا الطرف او ذاك! انه لم يتفحص الوجه الاخر من الواقع.. وكما قلت في كتابي ( تفكيك هيكل ) الذي ناصبني القوميون بسببه العداء وفي مقدمتهم الاخ خير الدين حسيب، قلت ردا على محمد حسنين هيكل الذي يتهجم على الدول النفطية الخليجية بحجة عدم منحها الدول العربية الفقيرة صدقاتها: لو افترضنا جدلا ان الاية معكوسة بحيث كانت الدول العربية الفقيرة ( التي حملت المشاعل القومية ) هي الغنية وان الدول العربية الغنية اليوم هي الفقيرة والمنعدمة.. فهل ستمنح تلك الدول القومية من ثرائها للمعدمين العرب باسم العروبة؟؟ وعليه، أسأل كل الاخوة القوميين ان يكونوا واقعيين ولو لمرة واحدة وهم يدركون حجم المخاطر وشراسة القوى وتطبيق المخططات.. اذ لم تعد تنفع الشعارات القديمة والعواطف الجياشة والصياحات الساخنة.

 

العراق وموازين السلب والايجاب

دعوني اتوقف قليلا عند الذي قاله الاخ خير الدين.. اذ كتب:

من المحزن أنه منذ عام 1920 إلي الآن لا يوجد إجماع أو شبه إجماع وطني عراقي إيجابي علي ملك أو قائد أو رئيس وزراء ممن حكموا العراق.. ألا ينبغي مثلاً أن تكون للملك فيصل الأول مكانة في تاريخ العراق أكثر مما أعطته معظم كتب التاريخ؟ وهل كان من الإنصاف أن يحطّم تمثاله في بغداد بعد ثورة 14 تموز (يوليو) 1958؟ هذا مثال فقط، وهو ما ينطبق بدرجات مختلفة علي آخرين في تاريخ العراق المعاصر. لقد كان هناك دائماً تركيز علي السلبيات. كما أنه كثيراً ما تختلط الشائعات بالسياسة في العراق أكثر مما تختلط في غيره، ولذلك سأقول بعض الأشياء الموجهة لإخواننا بالعراق، وسأضطر لقول أشياء لم أكن أبداً لأقولها لولا هذه المناسب

كلام صحيح ولكنه اتى متأخرا جدا، اذ لا اعتقد ابدا ان القوميين المتنوعين سواء كانوا بعثيين ام ناصريين ام حركيين ام غيرهم كانوا يؤمنون بمثل هذا الكلام، ولم نسمع منهم ذلك على امتداد خمسين سنة، بل ولم نقرأ في ادبياتهم الثورية الا عن الجماهير، بل ولم يزل اغلب القوميين في العراق لا يؤمنون ولا يجمعون اجماعا وطنيا عراقيا ايجابيا على اي ملك او زعيم حكمهم باستثناء صدام حسين، فهل طالب اي زعيم او سياسي او مثقف قومي عراقي باعادة الاعتبار للملك فيصل الاول او نوري السعيد او عبد الاله او عبد الكريم قاسم.. او حتى الملك فيصل الثاني؟؟، اذ يبقى عندهم الرئيس جمال عبد الناصر رمزا فوق كل الاسماء فهو مثلهم الاعلى بعيدا عن اي قائد او زعيم عراقي.. وعليه، فان الاخ خير الدين اراد من كل ما قاله بوجوب اعادة الاعتبار الى زعامة صدام حسين، اذ تمّ التركيز – كما يقول - على سلبياته وكأن له ايجابيات حقيقية كالتي سيوضحها مقال الاخ خير الدين بعد قليل!!

 

دفاع عن صدام ونظامه

دعونا نتوقف عند ما قاله وكتبه في مقال:

 

إن علينا أن ننصف الناس بأن نذكر إيجابياتهم بقدر ما نذكر سلبياتهم. يجب أن نتذكر أن النظام الذي أسقطه الاحتلال الأمريكي كان قد أخذ أول جائزة من اليونيسكو في عام 1981 عن نجاحه في القضاء علي الأمية في بلدان العالم الثالث؛ كما أَمَّمَ صناعة النفط الأجنبية في العراق عام 1972 بكل ما ترتب علي ذلك من مواقف غربية نحوه، كما أفاد دول المنطقة بعد أن نجحت عملية تأميم النفط. ثم إن هذا النظام بني قاعدة صناعية. وأنا إلي غاية مغادرتي العراق في عام 1974 كنت أعرف كل المصانع بحكم المواقع التي كنت فيها في العراق. وعندما دخل مفتشو أسلحة الدمار الشامل في أواخر عام 2002، وكانت جولاتهم تُبَثُّ فضائياً وتبيّن المنشآت التي يفتشونها، فوجئت بقاعدة صناعية جديدة تماماً، هي مبعث فخر واعتزاز لأي بلد يقيمها ولأي مواطنٍ فيه ولو كان معارضاً .

ما الذي يمكنني قوله؟

اسأل من باب تحصيل حاصل: هل انصف صدام حسين شعبه حتى يمكن لشعبه ان ينصفه اليوم؟؟ وهل تعتبر هذه التي جاءت بالنص ايجابيات فعلا للنظام الذي اسقطه الاحتلال الامريكي؟ وكأن الشعب كان في بحبوحة ورغد ولم يتمنى اقتلاع النظام من جذوره؟ وأسأل: هل نجح النظام السابق في القضاء على الامية حقيقة؟ علينا ان نتحرّى كيف حصل العراق على اول جائزة من اليونسكو في العام 1981 لقضائه على الامية.. ولابد ان نعرف ما الذي جرى حقيقة كي يمنح تلك " الجائزة "؟ وهل يعد تأميم العراق للنفط انتصارا للنظام ام انتكاسة للاقتصاد العراقي برمته خصوصا عندما نعلم بأن تلك المرحلة قد انحسرت خلالها الشركات ليس في العراق، بل في كل دول النفط.. وكما سمعت الاخ الدكتور فاضل الجلبي وهو من ابرز خبراء النفط العالميين يقول بأن تأميم العراق لنفطه كان من اكبر الاخطاء وانه جناية بحق ما حصل في العراق، ففي الوقت الذي انتفضت الاسعار انتفاضة لا مثيل لها واستفادت كل الدول النفطية استفادة خيالية.. عاش العراق في ضنك باعتماده على نفسه ولما استطاع ان يقف على رجليه، زّجه النظام في اغبى حرب مع ايران عرفها التاريخ! واسأل ايضا: اي قاعدة صناعية هذه التي بناها العراق يا اخ خير الدين وانت تتعجب بها وغدت مبعث فخر واعتزاز وانت تعلم بأن العراق يستورد كل حاجياته من الخارج! اي صناعة عراقية متطورة هذه التي لا تعرف الا التسلح وحرق البلايين من الدولارات على التصنيع العسكري؟ اسمه ( التصنيع العسكري ) الذي فجّرت واحرقت كل مرافقه على امتداد سنوات التفتيش من قبل الهيئات الدولية، فمؤسسة ( الحكم ) ( بفتح الحاء ) للصناعات العسكرية فجروها في لحظات وكلفتها مليار دولار؟؟

ما هذا التصنيع الذي جذب الفخر والاعتزاز، وبغداد لا مجاري للصرف الصحي فيها؟ ما هذه الصناعة المتطورة والمدن العراقية تغرق في الظلام بدون طاقة كهربائية على مدى 12 سنة؟ اي صناعة عراقية نفتخر بها والنظام لا ينفق على المدارس والمرافق الخدمية الحيوية للناس؟ اي تخطيط حضري للمدن في العراق على عهد صدام؟ ونحن نرى على شاشات التلفزيون اية مدن عراقية كئيبة ومنسحقة يعيش فيها العراقيون!؟ اي مشروعات اسكان متطورة للعراقيين بنيت على عهد صدام؟ اي مرافق سياحية متطورة وصناعات فندقية في العراق نشأت على عهد البعثيين؟ اي صناعة متطورة للكتاب والمجلة؟ اي ازدهار عمراني للمؤسسات والاجهزة والمرافق العامة؟ اي صناعة للمواصلات المتطورة وسكك الحديد ومترو الانفاق في العراق على عهد صدام حسين؟ اي مراكز تجارية ومصانع منتجة لمختلف المنتوجات الزراعية؟ اي صناعات نسيجية صوفية وقطنية للاقمشة كالتي اشتهر بها العراق ايام العهد الملكي؟ اي صناعات صحية؟ اي صناعات للمعادن والحديد الصلب؟ الخ فليس من حق انصار النظام ان يفتخروا ابدا بالذي كان.. فكيف بمن كان معارضا يا سيدي؟ لقد نجح البعثيون في تبديد ثروات العراق كاملة واحرقوها.. وخدعوا العالم كله انهم اسسوا قاعدة صناعية لا وجود لها على وجه الاطلاق، واتحدّى من يعطيني منتجا عراقيا واحدا كان يعتمد العراق عليه مقارنة بغيره من البلدان التي كانت منتجاتها الصناعية تصدّرها للعراق ضمن ورقة النفط مقابل الغذاء والدواء؟ انني ابقى مذهولا على غرار غيري من الاخوة العراقيين النجباء: اين اتلف صدام حسين ونظامه ما مقداره واحد ونصف تريليون دولار على امتداد عشرين سنة من حكمه؟

 

المساعدات ام المنهوبات

ويبقى الاخ خير الدين حسيب يعدد ايجابيات النظام السابق قائلا:

" كما يجب أن لا ننسي المساعدات التي قدمها النظام إلي العديد من الأقطار العربية وبعض الدول غير العربية، ابتداء من الدعم العسكري، كما حصل في حرب 1973 والمساعدة العسكرية للسودان واليمن وتونس (من أجل الحفاظ علي وحدتها) وموريتانيا (لصد هجوم السنغال)، وانتهاء بالمساعدات المالية السخية التي قدمها العراق لبلدان عربية وغير عربية ".

 

اقول، لا ضير ان يمنح العراق مساعداته لدول شقيقة ومجتمعات محتاجة للمال اذا كان الشعب العراقي يعيش فعلا في بحبوحة من العيش تصل في درجتها الدنيا الى ما كان تعيشه غيره من الشعوب العربية المجاورة! اما ان يبقى العراقي في عوز وضنك طوال خمسين سنة من حياته التي غطتها المآسي والحروب والانقلابات العسكرية.. فهذا ما لايمكن قبوله ابدا! وفي حروب العرب مع اسرائيل كل الدول العربية تبرعت وساعدت وقدمت، فليس ثمة دالة على النظام العراقي كي نجعله متفّردا على غيره! وبنفس الوقت وقفت دول عربية خليجية الى جانب العراق في حربه ضد ايران في حين باعه الرئيس انور السادات اسلحة قديمة! ان تقديم مساعدات لمن يحتاجها شيىء وتقديم رشاوى لمن يستخدمه النظام السابق شيىء آخر! وهذا هو مقتل اولئك الذين لطموا الخدود وشقوا الجيوب وبكوا بكاء الصعب على رحيل النظام السابق.. ويكفي ان نسأل الاخ الدكتور سعدون حمادي وجوقة من المسؤولين والسفراء السابقين عما يعرفونه من توزيعات لاموال على هذا وذاك! ان المساعدات المالية السخية التي قدمها صدام حسين من اجل منافعه وبقائه في السلطة وشراء ذمم مسؤولين وشخصيات وجماعات ومنظمات واحزاب وقوى.. لم تكن لوجه الله ولم تكن من اجل العروبة والانسانية.. فكيف بعاقل ان يصدّق مهما بلغ به انحدار الاخلاق ان شعبا ينسحق سنوات طوال تحت وطأة الفقر والعوز والمرض والحصار وهو يعيش عيشة غير كريمة على البطاقة التموينية وثرواته تبعثر على المرتزقة وعلى الجواسيس وعلى المصفقين وعلى المخابراتيين وعلى منظمي المسيرات الجماهيرية وعلى منظمي المؤتمرات والندوات وعلى الاعلاميين والفنانين والصحافيين والبرلمانيين والوزراء.. الخ

 

المقابر الجماعية مرة اخرى

ونثير الموضوع مرة اخرى بعد ان اثرناه في انتقادنا لما قاله الاخ محمد الدوري قبل اكثر من عام حول هذا الموضوع.. ويبدو انها نفس الاسطوانة يعيد انتاجها كل من يريد ان يجّمل وجه النظام السابق.. يقول خير الدين حسيب:

" وهناك أمور أخرى. ويجب أن لا ننسي التحيز الفاضح في ما يركز عليه الإعلام. علي سبيل المثال في ما يتعلق بكل ما ذكره الإعلام عن المقابر الجماعية في العراق. كانت هناك فعلاً مقابر جماعية مع كل فظاعتها، إلا أنها لم تكن للمعارضة فقط، فثمة مقابر جماعية للجيش العراقي الذي كان منسحباً من الكويت، لهذا كان بعض الموتي فيها بملابس الجيش العسكرية، كما كانت هناك مقابر جماعية للبعثيين الذين قُتل منهم في هذه الأحداث ألفان.... أرجو أن نتعامل مع هذه الأحداث برفق، وخاصة بالنسبة إلي المستقبل بعد أن حصل ما حصل. وعسي أن يأخذ الإخوة العرب درساً من هذا ".

ونسأل: هل من الانصاف خلط الاوراق بهذا الشكل ولم يمض على سقوط النظام الجائر سنة ونيف؟ هل من العقل بمكان ان تكون للجيش العراقي مقابر جماعية داخل الاراضي العراقية؟ لو وجدناها في اراضي ايران لقلنا هناك مقاربة صائبة اما ان تكون لقواتنا المسلحة مقابر جماعية في اراضينا وفي قلب العراق فهذا ما يضحك حقا؟ وحتى ان افترضنا ذلك جدلا فالنظام هو المسؤول عن حياة العراقيين! فمن الامور التي فاتت على الاخ خير الدين وهو في حال الدفاع عن صدام ان الجيش له احداثيات يومية في الصباح والمساء ولا يمكن لوزارة الدفاع ان تتجاهل منتسبيها حتى في حال الهزيمة، اذ تقوم بعد ذلك بتسليم جثث القتلى الى اهليها ولكل منتسب رقم وهوية.. اما اذا قلنا ان هؤلاء الذين طمروا بملابسهم العسكرية كانوا وقود الانتفاضة الشعبانية في العام 1991 وان النظام حصدهم ودفنهم بملابسهم، فهو مسؤول اذن عنهم امام الله والشعب والتاريخ عنهم! ومما زادنا من ضحكتنا ان يكون للبعثيين مقابر جماعية، فاذا كانوا قد قتل الفان منهم كما يدعي النص وهو لم يقل من قتلهم واعتقد انه يقصد قتلهم من قبل الانتفاضة، فهل من المعقول يا سيدي ان يبقى النظام الفي جثة من البعثيين في مقابر جماعية من دون ان يسّلم الجثث الى اهليها؟ هل البعثي رخيص الى هذا الحد في عهد البعثيين؟ الم تقم هناك جملة اعدامات لمن اشترك في الانتفاضة؟ الم تجري تحقيقات في كل قرية ومدينة؟ كيف يمكننا ان نطمئن الى ان الفي بعثي قد قتل في انتفاضة 1991؟ سيسألنا المؤرخون في المستقبل وسيعلمون بأن هذا العدد مبالغ به جدا.. لقد قتل البعض من البعثيين، ولكن صدام حسين ونظامه انتقم انتقاما لا رحمة فيه من كل المنتفضين.. ويكفي ما عرض من افلام وثائقية خطيرة.. وتكفي اعترافات اركان النظام بما فعلوه، فهم احرص على سمعة عهدهم من الاخرين!

 

واخيرا: ما الذي يمكن قوله؟

يقول الاخ حسيب:

" هذا لا يعني تبرئة للنظام من سلبياته، وهي كثيرة، ولكن من حق الجيل الحالي والأجيال القادمة أن تعلم حقيقة ما جرى وأن تطلع علي الصورة كاملة ".

وانا اقول: اي صورة كاملة لم تطلع عليها الاجيال القادمة؟ صور مزيفة عن عهد جائر ام صور تاريخية حقيقية ستحفظها الذاكرة العراقية في الاعماق؟ اي صور مفبركة يريد البعض تعميمها تحت شعارات ولافتات لم تعد تنفع اليوم.. ام صور وثائق وافلام ومشاهدات حقيقية لبلاد شوهت معالمها وقتلت قيمها وشردت نخبها واعدمت رموزها؟ اي صورة كاملة يريدها الدكتور حسيب بعد كل هذا الدمار الذي يعزيه الى الاخرين من اجل ابعاد التهم عن نظام قمعي من دون ان يرى الوجه الاخر الذي يعزي الدمار كله لذلك النظام الذي بقي سادرا في غّيه من دون اية وسائل لدفع الاذى والحرب ونتائجها المزرية على العراق؟ ومن الذي قاد الى احتلال العراق؟ ومن الذي عرض مصالح الشعب العراقي العليا الى الخطر ؟ من الذي ادخلنا في مثل هكذا دوامة صعب جدا الخروج منها؟ وبين النظرتين ستحتكم الاجيال القادمة لتقول كلمتها التاريخية فينا نحن الاثنين. اختتم جولتي هذي ولي جولة اخرى في مناقشة افكار اخرى للاخ الدكتور حسيب متمنيا له دوام الصحة والعافية وان يفتح صدره لمن يخالفه الرأي ولو لمرة واحدة.. وهو يدرك ادراكا حقيقيا ممن يصدر مثل هذا الكلام اذ اتكلم بمنطق الرجل المستقل وليس لي طمع في منصب او جاه او منفعة.. نعم، ليس لي الا مصلحة العراق الحبيب والدفاع عن العراقيين الابرار بعيدا عن كل ما لاقوه عبر خمسين سنة من الاهوال والمآسي. واعد القارىء الكريم ان اعود لاحقا لاستكمل نقد الرؤية الشاحبة للعراق من خلال ما كتبه الاخ الدكتور خير الدين حسيب وخصوصا وهو يدافع عن اسباب صدام حسين في غزو الكويت في العام 1990، علما بأن الرجل كان يدين الغزو مرارا وتكرارا.. فما الذي يجعلنا لا نفّكر كما يفّكر الاخ حسيب؟ هذا ما ساتركه للايام القادمة بحول الله.

Link to comment
Share on other sites

Guest mustefser

http://elaph.com/ElaphWriter/2004/9/11185.htm

 

In Arabic.. Intersting article by Ibraheem Almesry.. Talking about the same ..

مانشيت عن العراق في جريدة عربية

 

    إبراهيم المصري  GMT 7:15:00 2004 الثلائاء 21 سبتمبر 

هكذا كانت العناوين الرئيسية على الصحفة الأولى لجريدة عربية عن أحداث يوم الجمعة 17/9/2004 في العراق :

 

ـ 58 قتيلا عراقياً بينهم نساء وأطفال في غارات جوية و15 في تفجير سيارة مفخخة

ـ تحذير أمريكي من خسائر متزايدة في ( فيتنام بوش )

ـ ( العلماء ) يتهمون الاحتلال بعرقلة إطلاق الفرنسيين وواشنطن تستدرج قوات دولية بذريعة الانتخابات.

 

أشير أولاً إلى أنَّ الأقواس حول تعبير ( فيتنام بوش ) وكلمة ( العلماء ) من وضع الجريدة، وثانيا إلى أنَّ العنوان الثاني كان مطبوعاً ببنط كبير متميزاً عن العنوان الأول والثالث بالوضوح وحجم الخط كما أنه يتوسطهما.

 

قارئ الجريدة عابرٌ في الغالب وإنْ دقق فمن باب اهتمامه بخبر أو مادة صحفية تخصه.. لكن لماذا ندقق إذا كانت العناوين الثلاثة وصفة نموذجية لكل فكر لا يريد في الحقيقة.. الخيرَ للعراق.. إلا أن يصبح العراق محرقة أخرى تسيل فيها دماء العراقيين الغالية ودموع القوميين الرخيصة تلك التي تتكئ على شعار ( أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة ).

 

 

 

Link to comment
Share on other sites

  • 3 weeks later...
Guest mustefser

افكار غير مترابطه

 

تراود كل منا اراء . احببت ان اشارك الاخرين

-تفجيرات سيناء.. يبدوا ان هناك انشقاقا بين محموعه الزرقاوي وجماعه القرضاوي. الاول يريد ان يكون العراق ساحه الصراع مع اكريكا والثاني يريد نقلها الى مناطق ساخنه اخرى.

المهم في هذه التفجيرات انها كشفت عن خلل اعلامي وامني مصري واضح. فالاعلام المصري الذي شجع الارهاب ودعم تصعيده ابعادا للخلايا الارهابيه عن مصر ولو بالتضحيه بدماء عراقيه , يجد نفسه اليوم في حرج . حيث ان القتل واحد و اليد واحده.

فبعد ان طبل هذا الاعلام وهلل لعمليات القتل للعراقيين , يجد منطقه ضعيفا في مهاجمه هذه التفجيرات

 

-النقاش الرئاسي الامريكي : استغربت لدعوه المرشح كيري الصريحه بضروره جلب حلفاء اخرين فيما يتعلق بموضوع العراق وذلك بارجاع مصالحهم في العراق بعد ان فقدوها بعد سقوط الصنم. يبدوا ان كيري لايفهم ان العراق الجديد هو عراق مختلف. العراق اليوم ليس ضيعه يمرح بها السماسره كما كان الوضع ايام صدام. العراق اليوم فيه شعب يعرف حقوقه ولن يسمح للاخرين بالتلاعب بها

Link to comment
Share on other sites

Join the conversation

You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.

Guest
Reply to this topic...

×   Pasted as rich text.   Paste as plain text instead

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   Your previous content has been restored.   Clear editor

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.

Loading...
×
×
  • Create New...