Jump to content
Baghdadee بغدادي

د. سيد القمني


Recommended Posts

د. سيد القمني في حديث غني مع "شفّاف الشرق الأوسط" :إصلاح الإسلام فرض وواجب حتى لا نبقى آخر أمة أخرجت للناس

متعتي الخاصة هي في البحث عن حل المشكلات غير المحلولة.

* لا كهانة في الإسلام..* لا وجود لحد الردة في القرآن.. * الفقهاء يحاولون الاعتراف بحقوق المرأة

الجيران ـ شفاف الشرق الأوسط ـ حديث أجراه أشرف عبد الفتاح عبد القادر: أجرى موقع ( شفاف الشرق ) حديثا مع الكاتب المصري الدكتورسيد القمني حول أفكاره التي أتسمت بالجرأة في تصديه للفكر الأرهابي الذي تؤمن به الجماعات التكفيرية الأسلامية المتشددة , والتي أعتاد الكاتب نشرها في مقالات بمجلة روز اليوسف المصرية , مما حدا بهذه الجماعات الأرهابية ألى توجيه رسائل تهديد له بالقتل كما فعلت مع كتاب ومفكرين سابقين , وهي لاتملك حجة الحوار والمناقشة أنما تملك سيف الأرهاب والأغتيال الذي ظل مسلطا على رقاب كل من يعترض على فكر وأساليب هذه الجماعات المجرمة التي تغتال الناس والمدنية والحضارة باسم الأسلام , والدين بريء منها ومن سلوكها الجهنمي . ويسر ( الجيران ) أن تنشر نص المقابلة مع الكاتب سيد القمني :

 

((ذهبت للقاء د. سيد القمني وأنا أتذكر رحلة المفكرين الليبراليين التنويريين، ابتداء من الشيخ علي عبد الرازق وكتابه"الإسلام وأصول الحكم" في سنة 1925، إلى طه حسين وكتابه "في الشعر الجاهلي" سنة 1926،مروراً بمحاكمة د. فرج فوده والحكم عليه بالإعدام، مروراً بقضية د. نصر حامد أبو زيد، ووصولاً إلى طعن كاتبنا العالمي الكبير نجيب محفوظ من أجل روايته "أولاد حارتنا"، انتهاء بدكتور سيد القمني وكتابه"رب الزمان"، تذكرت كيف أن دعاة العقلانية الاعتزالية ‘يضطهدون في زماننا، فلقد استنكر علماء الأزهر شجاعة وجرأة د. نصر حامد أبو زيد في البحث العلمي فشنوا عليه حملتهم الشعواء والتي انتهت بالحكم الظالم بالردة والتفريق بينه وبين زوجته ابتهال يونس، وتذكرت شجاعة موقف د. سيد القمني وهو يقف أمامهم في المحكمة ويسفه آرائهم ويخرج بالبراءة لكتابه "رب الزمان"منتصراً للعقل ولحرية التفكير. وتذكرت رد د. محمد عمارة على كتاب د. سيد القمني في لقاء مع إذاعة لندن قال فيه:" إن مشروعه الفكري خارج الاجتهاد لأنه يطعن في صحيح الثوابت والعقائد التي تجمع الأمة مما يستفز مشاعر المسلمين وأن هذا الاستفزاز يحدث في مناخ عالمي يتخذ من الإسلام عدواً". وتذكرت أيضاً كيف غضب دعاة غلق العقول ودعاة الفكر الرجعي لبراءة د. سيد لأنه تطاول في كتابه علي شيخين من شيوخهم هما الشيخ محمد الغزالي رمز الهزيمة النكراء في ندوته بمعرض الكتاب الدولي أمام د. فرج فودة، وتذكرت أنه أفتي في محاكمة من قتلوا الدكتور فرج بأن أي مسلم يمكنه تنفيذ حدود الله بيديه، أي أنها دعوة لأي مسلم مهووس ليقتل وهو مرتاح البال والضمير، وتذكرت الشيخ الدكتور عبد الصبور شاهين، المسؤول الأول عن الحكم الظالم علي د. نصر حامد أبو زيد والذي قال عنه د. سيد:" أنه مستشار بيوت هبش الأموال" لأنه كان يعمل مستشاراً للبنوك الإسلامية التي نهبت أموال الغلابى والمساكين باسم الإسلام. وتعجبت من هالة القداسة التي يحيط بها شيوخ الأزهر أنفسهم ، فهم فوق النقد وأي تجريح لهم هو تجريح للإسلام، ونحن نعرف أن لا كهانة في الإسلام وأن العصمة ليست إلا لله وللرسول، ثم تذكرت أيضاً رد الكاتب الإسلامي فهمي هويدي على كتاب سيد القمني (الحزب الهاشمي) في الأهرام حيث قال:" إن هذا الكلام لا يقال على الملأ لأن إشراك العامة في مثل هذه الأمور يثير الفتن"! وخرجت من لقاء داعية الانفتاح والاجتهاد بعد أن ترك في نفسي أثرا كبيراً لمرضه الذي يعاني منه، فهو يخشى أن يموت قبل أن يتم مشروعه الفكري المسمي بإعادة ترتيب القرآن، فهو يسعى لعمل "القرآن المرتب" لأنه يري أن القرآن العثماني لم يرتب كما ‘أنزل من عند الله، بل كما أراده عثمان، أسأل الله أن يمد في عمره وأن يعطيه الصحة والعافية ليتم مشروعه الفكري الذي هو بصدد إعداده .

· متى وأين ولد سيد القمني؟

ولدت فى 13 / 3 / 1947 بمدينة الواسطى من أعمال محافظة بنى سويف أول محافظات صعيد مصر.

كنت أشعر بالوحدة في طفولتي

· كيف كانت طفولة سيد القمني؟

نشأت في بيت كبير متيسر الحال وإلى الثراء أقرب، تضم الأسرة عدداً كبيراً من الأفراد وكثيراً من الخدم والضيوف بشكل يومي، مما جعلني رغم هذه الكثرة أشعر بالوحدة، لأنني لم أكن محل اهتمام مع مشاغل الجميع بهذا البيت المفتوح للجميع. الأب أزهري اشتغل بالتجارة وحقق نجاحاً وضعه في الصف الأمامي بالبلدة، وحقق تعويضه عن الأزهر بجلسات كبيرة في بيته للاستماع إلى القرآن وطرح التفاسير والاختلاف حولها فكان البيت نادياً دينياً خاصة في شهر رمضان حيث يستمر السهر حتى الفجر.

طفولتي لم تكن سعيدة لملازمة المرض لي منذ صباي

لذلك اصطبغت النشأة بالإسلام في بيت شديد التدين لكنه أيضاً شديد التسامح لاعتناق الأب آراء الشيخ محمد عبده وفكره مع التزامه القوى بالإسلام وإثبات أزهريته بارتداء الزي المشيخي التقليدي. لكن الطفولة عموماً لم تكن سعيدة لملازمتي المرض مبكراً، ولوعى أصابني بما يمكن تسميته ( الاكتئاب الوطني). في صباي بدأت الأمور تتحول إلى النقيض ومع تخرجي من الجامعة كان علي أن أحمل أعباء هذه الأسرة الكبيرة . تخرجت من قسم الفلسفة بعين شمس و سافرت إلي الخارج لأتمكن من استكمال دراساتي العليا وتعليم أشقائي وشقيقاتي وعدت إلى الوطن في 1985 بقرار التفرغ التام والكامل للعمل الفكري.

 

أنا ابن هزيمة 1967 التي كانت نقطة تحول في حياتي

· ما هي العوامل التي أثرت في فكر سيد القمني؟

أنا ابن الهزيمة مثل كثيرين لازالت وطأتها عليهم عظيمة من 1967وحتى الآن، وكانت الفاصلة في فكري وحياتي ودافعاً للبحث عن أسباب الهزيمة ، وهنا انصرفت عن قراءة الإبداع كالروايات العالمية أو المسرح أو القصص أو الشعر إلى قراءة البحوث العلمية والفكرية خاصة ما تعلق منها بالأديان، وانكببت بالذات على مكتبة الدين الإسلامي الهائلة من علوم أصول إلى الفقه إلى الفلسفات إلى علم الكلام إلى علوم القرآن عند مختلف الفرق. لكنني لم أضع بحسباني أن أكون كاتباً مشاركاً إلا متأخراً في عام 1985. وقد تبنيت الطرح القومي مع موقفي النقدي من الإسلام والخطاب الإسلامي حتى حدث احتلال الكويت وما تلاه، لأهتم قليلاً بالقراءة السياسية حيث اهتزت قناعتي القومية أو بالتحديد العروبية المصبوغة بنماذج كالناصرية، لأتحول إلى الليبرالية مبدأ وعقيدة كنموذج أمثل لخلاص الوطن.

 

اسبنيوزرا ،وأبكار السقاف ، وفراس السواح أثروا في تفكيري

· ما هي الكتب التي أثرت في فكرك؟

أثر في فكري ثلاثة كتب أساسية قرأتهم وأنا طالب بليسانس الفلسفة جامعة عين شمس، الأول هو ( اسبينوزا) للدكتور الجليل فؤاد زكريا، والثاني هو ( نحو آفاق أوسع) للمرحومة العظيمة أبكار السقاف التي هي بحاجة إلى رد الاعتبار والتقدير لهذا العمل تحديداً. ثم كتاب ثالث قرأته متأخراً كان سبباً في اهتمامي بالأساطير هو كتاب الباحث المحترم الأستاذ فراس السواح ( مغامرة العقل الأولى)، إضافة إلى مجموعة كتب البحث العلمي التي درستها في التمهيد للماجستير وكان لها فضل الضبط العلمي الدقيق فيما كتبت من أعمال.

 

*ما هي آخر مؤلفاتك؟

كتاب ( ابن لادن .. شكرا !!) وهو في المطبعة الآن .

أنا لا أدعي امتلاك مشروع فكري متكامل

*ما هي الأفكار الأساسية في مشروعك الفكري؟

أنا أكثر تواضعاً من الزعم بامتلاك مشروع فكرى متكامل المواصفات مترابط الخطوات، وإذا وجدت عبارة مشروع فكرى على أغلفة كتبي الخلفية فإنها تكون ضمن كلمة الناشر الذي يكتب ما يراه دون تدخل من جانبي. لكن يمكن إيجاز الخطوط التي تسير فيها محاور أعمالي وشاغلي بشأنها وأهدافها التي أرجوها منها.

 

أنا أعيد قراءة السيرة النبوية بمنهج سسيوتاريخي.

· ما الذي يشغل فكر سيد القمني؟

إن شاغلي الأساسي هو تخلف وطني وهزيمته الحضارية الفادحة، ومن ثم فإن أي بحث أقوم به يكمن وراءه الكشف عن مجهول أو شبه مجهول، أو قصد نقدي لفكرة أو مفهوم أو رؤية خاطئة تساهم في تخلفنا أو تحجب عنا رؤية ما نحن فيه مقارنة بالأمم الراقية. وقد ارتسمت دراساتي بهذا الصدد عدة خطوط. من بينها إعادة قراءة السيرة النبوية بمنهج سوسيوتاريخي يربط النص المقدس بواقع الدعوة وهو يتغير ويتطور ليقيم دولته السياسية، وذلك كما في كتابي ( الإسلاميات).

متعتي الخاصة هي في البحث عن حل للمشكلات غير المحلولة

· ما هي الخطوط التي ينبني عليها فكرك؟

هناك خط قصد إلى دراسة جذور الأساطير، ومنابعها، والظروف التاريخية التي صيغت فيها أو من أجلها، ومقاصدها وكيف وصلت إلى الديانات الكبرى الشرق أوسطية وضمنها الإسلام لتصبح مقدسات، وذلك كما في كتاب (الأسطورة والتراث)، وكتاب ( قصة الخلق). ثم خط يعمد مباشرة إلى نقد الحاضر العربي على مختلف مستوياته للكشف عن الأخطاء في الفهم أو في النظرية أو في التطبيق أو في القوانين أو في السياسات، وأصول هذه الأخطاء في خطنا النظري دينياً. وكيفية التخلص من تلك الأخطاء دون إساءة للدين ولا خسارة للدنيا، وذلك كما في كتاب ( الفاشيون والوطن) وكتاب ( ابن لادن … شكرا‍‍) ثم خط يهتم بهذا جميعه لكنه مساحة متعتي الخاصة، بالبحث عن حل لمشكلات غير محلولة في التاريخ، أو الكشف عن غموض مستغلق، بمنهج أشرك فيه القارئ معي في البحث وراء خيوط الغامض وحل المشكل، وأحملّه معي بعض المشقة لتكوين كوادر جديدة عبر هذه المتعة العلمية التي هي تدريب على البحث العلمي واعتياد على منهجه، ويمثل هذا الخط كتاب( النبي موسى وآخر أيام تل العمارنة) هذا كله إضافة إلى خط الاهتمام بقضية فلسطين واليهود كما في كتاب (الإسرائيليات).

 

المشكلة في تركيب الدين أنه يحمل كثير من التناقضات الداخلية.

* تثار الآن نقاشات وجدل حول تجديد الخطاب الديني، فما رأيك في هذه القضية وهل المطلوب تجديد الخطاب الديني أم تحديثه أم ماذا؟ وكيف؟

إن ذعر الاقتراب من الدين الإسلامي نقداً أو تفكيكاً وتحليلاً أو لمجرد تقديم قراءة وتفسير جديد، جعل الجميع يحذرون الاقتراب من جوهر المشكلة رغم أن المشكلة الآن هي في تركيب الدين نفسه وتكوينه الذي يتفرد به عن معظم الأديان الأخرى، والتي وسمته بخصائص جعلته يحمل كثيراً من التناقضات الداخلية في المفاهيم والأحكام سمحت بمحاولات تدخل لرأب الصدوع وإزالة التناقضات لكنها سمحت من جانب آخر للمشتغلين بأمور الدين باستخدام أبعد خطاب ممكن عن أخلاقيات الأديان، فاتسم خطابهم بالخداع والانتهازية و التبرير والتجميل. وبحسابات المصالح، وحلف العمائم مع السلطات لم ينشغل هذا الخطاب بالناس بل بإثبات صدق وجهة نظر واحدة، دون وجهات نظر أخرى محتملة يفرضها شكل الإسلام وظروف نشأته وتطوره وتكوينه عبر ثلاث وعشرين سنة هي عمر تفاعل الوحي وجدله مع واقع الأحداث حينذاك، وكان ممكناً أن تؤسس متغيرات الوحي وتبدل أحكامه لتعددية فكرية ناضجة في ظل الإسلام، لكن الحلف المبكر الذي قرر استخدام الدين لمصالحة لم يترك على الساحة سوى وجهة نظر واحدة هي الصادقة وعداها هو الباطل، وأن أصحاب هذا الرأي الواحد هم "الفرقة الناجية" وما عداها من فرق إسلامية هالك.

ومع تثبيت المفاهيم والنصوص وتحرك الواقع وظهور التناقضات بين جديد الواقع وقديم الدين لم ينشغل الخطاب الديني بالناس ولا إصلاح الأخطاء أينما كان أصحابها، قدر ما شغله مفهوم العار البدوي الذي لا تؤلمه الهزائم والتخلف قدر ما يؤلمه انكشاف هذا العار وذيوعه، ولأن رؤية واحدة كانت هي السائدة عبر التاريخ، فقد ساد تصور أن هذه الرؤية هي الدين نفسه، لذلك فإن أي انتقاص منها أو عار يلحقها هو بالضرورة لاحق بالدين ذاته وهو الأمر غير المسموح به.

لو أردت قراءة المصحف قراءة مرتبة لقرأته من آخره لأوله.

*ما المقصود بالتناقضات الداخلية؟

حتى أوضح المقصود بالتناقضات الداخلية سأضرب هنا مثلاً واحداً وإن كان أكثرها حساسية لدى المؤمن وأبعده أثراً في حياة المسلمين، أقصد تلك التناقضات الناشئة عن طريقة جمع المصحف العثماني التي لم ترع في تصنيفها وتبويبها قواعد التصنيف والتبويب المعروفة ، كأن تجمع آيات التعبد معاً والتشريعات معاً وعلى الترتيب الزمني والقصص الوعظي معاً وقوانين الأخلاق معاً، بل أنها لم تراع الترتيب الزمني للآيات وارتباطها بأحداث الواقع وجدلها معه وتأثرها به وتأثيرها فيه وتغيرها وتبدلها حسب متغيرات هذا الواقع وهى سمه فارقه تميز الإسلام عن بقية الأديان. الحكمة الوحيدة في الترتيب العثماني _ إذا كانت حكمة _ هي السير في ترتيب النصوص من السور الأطول إلي السور الأقصر دون أي رابط موضوعي ولا زمني . هذا بينما السور الأقصر كانت هي الأولى زمناً بحيث لو أردت قراءة القرآن قراءة شبه مرتبه فعليك البدء بآخر المصحف رجوعاً إلى أوله.

 

*لماذا لا يقوم عالم مسلم فدائي بترتيب آيات القرآن حسب تاريخ نزولها ومعها هامش بأسباب نزولها؟

ربما لأن هذا العالم الفدائي غير موجود ، ولا شك أنه إن وجد فإن التنظيمات التي تسمي نفسها إسلامية ستصدر فتوى باغتياله، كما حدث معي.

 

القرآن بحاجة إلي إعادة ترتيبه وإعادة النظر به

· ما المشكلة في هذا الترتيب العكسي؟

نتيجة هذا الرتيب في الجمع، تجاورت الآيات الناسخة مع الآيات المنسوخة، وسبق حكم حكماً آخر تال له حسب الترتيب الزمنى، واختلطت آي السلم بآي الحرب، وآيات حرية الاعتقاد بآيات فرض الإسلام دينا وحيداً صحيحاً ومن يعتقد بغيره فلن يقبل منه. ولا عبره هنا بقول من يصرون على أن هذا الترتيب توقيفي أي كان وقفاً على النبي وجبريل، وأنهما من رتباه على هيئته الحالية، لأنه لو كان الأمر كذلك ما ظلت مصاحف الصحابة الكبار على اختلافها بعد موت نبيهم وحتى زمن عثمان بن عفان، ولأنه حتى لو كان الأمر كذلك فإنه يظل بحاجة إلى إعادة نظر.

 

· هناك دراسات حديثة جداً تؤكد أن عبد الملك ابن مروان وليس عثمان ابن عفان هو الذي وضع اللمسات الأخيرة للمصحف وحذف 11 آية على الأقل؟ ما تعليقك على ذلك؟

لم أطلع بعد على هذه الدراسة.

 

الإسلام لا يعترف بالكهانة، ولا يقر بوجود رجال دين مسلمين

· ما مخاطر تجاور الآيات الناسخة والمنسوخة؟

مخاطر كبير جداً، لأنه بتجاور المتشابه والمحكم والناسخ والمنسوخ، مع عدم ترتيب زمني يوضح ما رفع وما بدل وما ثبت وما أنسى وما فقد، أصبح المسلم في حيرة من أمر دينه والتبست عليه أحكامه وتناقضت مواقفه، وهو ما أدى إلى بروز دور رجال الدين في دين لا يعترف برجال الدين، وقد أصبح لهم مبرر وجود ضروري كمتخصصين تكون مهمتهم التوسط بين الله وبين الناس لشرح كلمته لهم وإيصالها إليهم، ليحل المتوسط الشارح بفهمه وشرحه محل النص القرآني ويتحول كلامه إلى نص جديد مقدس، بل وتلتبس القدسية بأصحاب الشروح من سدنة الدين عبر التاريخ، هذا رغم أن هذا التوسط مرفوض بل مدان إسلامياً، لأن الإسلام لا يعترف بالكهانة ولا يقر بوجود رجال دين مسلمين، ومع ذلك لم يستح بعض المسلمين من استثمار وضع المصحف لصالح أنفسهم بالعمل كرجال دين محترفين، بل وصنفوا لكل طريقة "يونيفورم" كالزي الشيعي للملالي والأزهري للمشايخ …إلخ. لإثبات تميزهم عن بقية المسلمين ، وإثبات أنهم طبقة كهنوتية إسلامية من نوع خاص .

 

رجال الدين جعلوا كلام الله لغز الألغاز ليكونوا نواب الله لشرحها

وأصر هؤلاء على إيهام المسلمين بقدسية الحبر والأحرف والورق وترتيب المصحف فيها. وبسبيل هذه القدسية وجد رجال الدين فرصاً هائلة لتبرير هذا الوضع بعلوم اخترعوها ومفاهيم وضعوها وقواعد استنوها لا تسمح للمسلم العادي بمعرفتها والتعاطي معها كأدوات لفهم دينه _ رغم أنها أدوات لتعقيد هذا الفهم _ وأصبح كلام الله هو لغز الألغاز وسر الأسرار المستغلق على الإفهام، بدلاً من أن يكون واضحاً بسيطاً سهلاً ساطعاً للمؤمنين به.

 

* لكن هذا ما حدث في جميع الأديان، فهي في البداية كانت بسيطة. ثم عمد رجال الكهنوت لتعقيدها لتصبح مغلقة على العامة ليكونوا هم الأوصياء على شرحها .

هذا هو ما حدث في الإسلام أيضاً فضمن تلك العلوم جاءت علوم القرآن، لتضع لنا الحكم البواهر في استمرار وجود آيات تحمل أحكاماً بطل العمل بها في حياة النبي نفسه، وعن الأسرار الربانية في وجود أكثر من حكم إزاء فعل واحد، ولماذا نأخذ بحكم منها ولا نأخذ بالآخر رغم وجوده في آيات تتلى يتعبد بها المسلم. أو لماذا الإصرار على تفعيل أحكام ضاعت آياتها من المصحف العثماني كحكم رجم الزاني المحصن ولأن الله قال : " إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون " ، فإنهم يأخذون دور الله هنا كنواب له فلا يعترفون بهذا الضياع الذي حدث، ويأخذون بأحكام السنة بدلاً مما ضاع ويصرون على حكم رجم الزاني المحصن ، وحتى يتم تبرير تفعيل حكم دون نص أو لوجود نص معطل الحكم أو لوجود الحالين مجتمعين.

 

كثرة آراء الفقهاء جعلت مكتبة الإسلام أكبر مكتبة لدين من الديان

· إذن رجال الدين وضعوا بذلك أسس الكهانة في الإسلام ؟!

إنهم يستغلون الدين أسوأ استغلال ، ويضعون حكمتهم البالغة في تقسيم النسخ أنواع على ثلاثة أشكال، ولكل شكل ضروبه. وينتقلون من المتشابه إلى المحكم وبالعكس، ويرصون على أرفف المكتبة العربية قواعد وقوانين ومفاهيم جعلت مكتبة الإسلام أكبر مكتبة في التاريخ لدين من الأديان ، كلها صياغات بشرية شابهتها شواغل المصالح والتحالفات وأفاعيل السياسة، ولبست ثوب القدسية دون مبرر واضح واحد، ويضع لنا الفخر الرازى مثلاً تفسيره لسورة الفاتحة وهي بضعة أسطر في مجلد من ثلاثمائة صفحة،رغم وجود إشارات في علوم القرآن لا تعتبر الفاتحة قرآناً إنما هي من قبيل الافتتاح بأدعية وتسبيح وتقديس قبل قراءة القرآن.

 

لا وجود لحد الردة في القرآن

· الباحث الليبي الصادق النيهوم أستاذ الدراسات القرآنية في جامعة جنيف (سويسرا) يقول إن الرجم لا وجود له في الإسلام وإنما أخذه الفقهاء من التوراة. ما تعليقك؟

 

فقهاء الإسلام طبقوا التوراة بدل القرآن في حد الرجم. فلا وجود لحد الرجم في القرآن.

 

· ما الذي يجب عمله للتخلص من ذلك؟

يجب تقديم النصوص للمسلمين مرتبطة بواقعها وزمانها مرتبة زمنياً، ذلك كفيل بحل كثير من التعقيدات التي تجعل المسلم بحاجة دائمة لمفسر ومفتى معاً. وهى في اعتقادي عملية يسيره يمكن القيام بها إلى جانب المصحف العثماني لو اجتمع لها أهل الهمة ، خاصة مع وجود المصادر الكافية المفصلة التي تساعد على إتمام هذا العمل من كتب تأريخ إلى سير ،إلى أخبار إلى حديث، ودون تدخل من علم الفقه أو اعتماده أصلاً، لتقديمها في شكل يسير سهل التناول يصل بين المسلم ومقدسه ولا يفصل بينهما ليضع المشايخ في الفراغ بينهما.

 

· هل هذا ما كنت تعنيه بقولك سابقاً "التناقضات الداخلية"؟

هذا مثال يبرز المقصود بالتناقضات الداخلية، التي تستبعد المؤمن العادي وتضع مفاتيح الآخرة بيد السدنة وتسمح بانتهازية الدين واستخدامه بما هو ضد الدين والناس والله لصالح فئة واحدة هي حلف الحكام والفقيه التاريخي الرذيل .

 

جهابذتنا يؤكدون سبقنا للغرب في كل المعارف وذلك في قرآننا ونحن لا نعرف

· الإسلام وعلوم العصر، كل مخترع علمي يحاول المتأسلمون إيجاده في القرآن .ما تعليقك علي ذلك؟

القرآن ليس كتاب علم ، بل هو كتاب دين روحي، وهناك تناقضات تتراكم كل يوم وليلة بينه وبين واقع الحياة المتغير المتبدل دوما، خاصة مع الإصرار على تغطية الدين لكل صغيرة وكبيرة في حياتنا ولكل شأن عظيم أو تافه. ومع القفزات الهائلة التي حققها المنهج العلمي في حياة البشرية، أصبح المسلمون يدينون بكل معاشهم وعمارتهم وعلاجهم وسعادتهم وترفهم لهذا المنهج وأصحابه في بلاد الغرب ومع الشعور الأكيد بالتخلف إزاء المتفوق وكيف أصبحت خير أمة أخرجت للناس في قاع رتب الأمم، فقد زاد ذلك من الشعور بالعار وبطريقنا المعهود في علاج العار قام جهابذتنا يؤكدون أننا سبقنا للغرب في كل المعارف، وأنها كانت مكنونة مصونة في طيات ألفاظ مقدسنا ونحن لم نكن نعلم . دون أن تقدم تلك الجهود شيئاً حقيقياً ملموساً في حياتنا إلا المزيد من التخلف مع كل زيادة لمساحة المقدس في حياتنا.

 

رغم انتهاء عهد العبيد، هناك 23 آية تشرع الرق والسبايا وملك اليمين

· الإسلام وحقوق الإنسان . كيف نوفق بينهما؟

 

مع التطور العلمي الإنساني الذي رافقه تطور على المستوى الأخلاقي نحو مزيد من ضمان الحريات الفردانية وحقوق الإنسان. وانتهت كبرى وصمات العار في التاريخ البشرى عندما كان الإنسان يسترق أخيه الانسان، وأصبحت فترة قبيحة مدانة في تاريخ الإنسان. ومع ذلك يصر حماة الإسلام وسدنته على تدريس أحكام أبواب فقه كامل للعبيد، وأحكام ثلاث وعشرين آية تشرع الرق والسبايا وملك اليمين. ورغم أننا تقدمنا بهذا الشأن بدراسات تبيح إلغاء أحكام تلك الآيات وبعض الآيات الأخرى عند الضرورة، مع مبررات هذا الإلغاء فقهياً وشرعياً ومصلحياً ( أنظر مثال لذلك كتابنا الفاشيون والوطن)، فإن سادتنا المشايخ حملوا علينا حملة رجل واحد ودارت معركة ضارية ضروس لم ير فيها سادتنا المشايخ فيما نقول سوى أنه لون من الهذيان وردوا علينا بالتكفير الديني والتخوين الوطني بجمود معتاد لا يفعل أكثر من إقصاء المختلف ونفيه واستبعاده .

 

مشايخنا أعماهم التعصب والجمود العقائدي والذهني

*مع أن نسخ الآيات القرآنية التي لم تعد صالحة لزمانها مشروع، فقد مارسه القرآن بالناسخ والمنسوخ ، ونسخ الصحابة مثل أبو بكر وعمر وعلي رضي الله عنهم آية المؤلفة قلوبهم ، وآية الفيء وغيرهما، كما بين ذلك د. محمد عابد الجابري والأستاذ العفيف الأخضر. فما تعليقك؟

لا يجوز لمسلم نسخ آيات إنما يجوز له تعطيل أحكامها وهو أمر مشروع إسلامياً تمت ممارسته عدة مرات عندما تطلبت الضرورة ذلك. لكن مشايخنا أعماهم التعصب والجمود العقائدي والذهني يرفضون التفكير لأنه أشق عليهم من التكفير السهل، انهم يعيشون في تناقض لا أول له ولا آخر ويصرون في الوقت نفسه على أن الإسلام أول من وضع حقوقاً للإنسان!!! وأن تلك الحقوق جاءت كاملة نقية من كل شائبة، بينما حق الاعتقاد مثلاً وهو أس ولب وجوهر تلك الحقوق حق مرفوض إسلامياً دونك ودونه حد الرده، رغم أنه بذلك يتدخل في أشد المناطق خصوصية هي منطقة الضمير حيث هناك الحرية المطلقة، وحيث لا يمكن الاطلاع على دواخله ولا التدخل فيه .

لابد من قراءة النص القرآني قراءة تاريخية

· ماذا نفعل لنخلص الإسلام من قيود وسلاسل الماضي ليلحق بحاضرنا وقيمه الراقية؟

لا أجد في تأكيد سدنة العقيدة على تأكيد حقوق الإنسان في الإسلام سوى مزيد من الشعور بالعار، يطلبون له مواد التجميل ومساحيق لا تخفى شيئاً ولا تجمل شيئاً. وأنهم لديهم يقين كامل برقى تلك المبادئ الحقوقية الإنسانية والحقوقية الحديثة، ويريدون للإسلام التحلي بها فيعلنون سبق الإسلام في ميدان الحقوق رغم مبدأ كقتل المرتد أو نهاية الرق من التاريخ وبقائه بالإسلام ودون أي محاولة لإعادة النظر فيما بأيديهم من نصوص، فالرق كان موجوداً قبل الإسلام، بل إن الإسلام طالب بعتق العبيد وبيع النساء المسترقات في الأسواق ليتمتع بهن المسلمون بالغصب منهن، هذه الأفعال كانت مقبولة في أخلاق تلك الفترة. لكن المشكلة الحقيقية قي نطري المتواضع أن الفقهاء التقليديين وزعماء المتأسلمين كما يسميهم د. رفعت السعيد مازالوا مصرين على أن الرق و"ملك اليمين" أي الإماء أمر أخلاقي ومشروع اليوم أيضاً لمجرد أن القرآن أباحه في حقبة تاريخية معينة. تعرف أن مصطفي مشهور شيخ المتأسلمين المصريين صرح ل "الأهرام ويكلي" بطرد الأقباط من الجيش وتحويلهم إلى أهل ذمة كما جاء في القرآن. إن ما ينقص هؤلاء بعد حسن النية هو فهم أنه لابد من قراءة النص الديني قراءة تاريخية . د. محمد عابد الجابري يقول إن الله بالناسخ والمنسوخ أراد أن يعلمنا كيف نقرأ القرآن بعد موت الرسول (ص).

 

* كلام د. الجابري صحيح تماماً وأنا من أنصار القراءة التاريخية لنصنا الديني لتطهيره من الأحكام التي فات أوانها وزمانها . لكن كيف نخلص الإسلام من سلاسل الماضي؟

لتخليص الإسلام من سلاسل الماضي ليلحق بحاضرنا وقيمة الراقية الفارقة حتى عن زمن النبوة، لأن الرقى التطوري طبيعي مفهوم في ضوء تطور الإنسانية بتطور العلوم والفنون وتبدل أشكال الحضارة .لكنهم يرون الرقى قاصراً فقط على زمن النبوة، وأن البشرية قد اكتمل نضجها علماً ومعرفةً وخلقاً ورقياً وتحضراً في زمن النبوة، وأن ما بعده انحطاط دائم وتردى وتخلف (؟!) بل ربما يكون قولنا هنا برقى البشرية بعد زمن الدعوة لونا من الكفر يضيفونه إلى لائحة اتهاماتهم لشخصي المسكين ، اعتماداً على الحديث القائل :"خير العصور عصري ثم الذي يليه فالذي يليه". لكن رقينا المعاصر عن تلك الأزمان البدائية حقيقة ساطعة باهرة كالشمس لا ينكرها إلا فاقد الرشد والتمييز بالمرة، وما أكثر فاقدو الرشد بينهم.

 

· يا دكتور سيد راشد الغنوشي يقول إن على المسلمين في القرن الحادي والعشرين أن يعودوا إلى دولة الخلافة الراشدة . ما رأيك فيما يقول؟

(يضحك د. سيد ويقول):كلهم يقولون . . . دعهم يقولون.

فقهاء الإسلام يعترفون بحقوق المرأة شفوياً لكن لا يترجمون ذلك إلي قوانين فعلية.

 

· وماذا عن حقوق المرأة ؟

 

لدينا مشكلة مستعصية فيما يتعلق بوضع المرأة في الإسلام ووضعها الحقوقي اليوم، ففي الإسلام هي ناقصة دين في العبادة، وناقصة عقل عن الولاية وهى نصف الذكر في الميراث وفى الشهادة، وهى رفيق الشيطان من فجر الخليقة وهى فتنة تسير على قدمين، لذلك يجب تغطيتها لحجب شرها عن المجتمع. ومع ذلك مطلوب منها أن تعطى المجتمع حقوقه كاملة، وإلا وقع عليها عقاب هو في بعض الحالات أشد من العقوبة التي تقع على الرجل إزاء نفس الفعل.

 

ولأن حقوق المرأة في إنسانية كاملة غير منقوصة قد فرضت نفسها على الدنيا، وأثبتت المرأة حضورها ووجودها في كافة مناشط العمل الإبداعي بجداره لا تشير إلى نقص يعتريها. فقد قام سادتنا المشايخ يكتشفون سبق الإسلام لمعرفة هذه الحقوق وأنه أول من أعطى المرأة حقوقها غير منقوصة. فالنساء شقائق الرجل لهن مالهم وعليهن ما عليهم، في خطاب خداعي لا يخجل من نفسه أبداً، ولا ينظر في المسالة الحقوقية للمرأة في الإسلام. وعندما لا يمارس المشايخ وظيفتهم لخدمة الناس والوطن والدين فإنهم يستقيلون من وظائفهم ويتركون المهمة لغيرهم. الغريب أنهم أكدوا شفوياً حقوق المرأة دون أي نظر في القانون، وعندما قدمنا هذا النظر مشفوعاً بدراسات فقهية مطولة تعطى المرأة حقها وتحفظ للدين مكانه قامت السيدة الدكتورة الأزهرية تكفرنا ضمن جوقة المكفراتيه لأننا أخطأنا الصواب وطالبنا لها بحق كحق الذكور، ولا تعرف كيف يلتئم الموقفان : الموقف الذي يؤكد حقوق المرأة في الإسلام، والموقف الذي يكفر من يطلب لها تلك الحقوق في الإسلام؟ إنه الشعور بالعار الذي يصيب بعدم الاتزان والتناقص وسوء الفهم والتقدير فيهرع إلى تجميل الإسلام بالأوسمة التي وصلت إليها الإنسانية درءاً للعار. دون أن يفعل أي شئ حيال ما يستتبع تلك الأوسمة من متغيرات حقوقية لازمة، ومتغيرات في الفهم أولاً.

 

· اسمح لي د. سيد أن أختلف معك في هذا الموضوع . رأيي المتواضع أن نشجع من يقول من المشايخ أو حتى من المتأسلمين أن حقوق الإنسان لا تتعارض مع الإسلام .وهي في نظري المتواضع تتعارض مع نصوص القرآن وخاصة نصوص الحديث الذي اختلقته الفرق الإسلامية لأسباب سياسية . ولكن حقوق الإنسان لا تتعارض مع روح القرآن، وروحه هي العدل.الأستاذ العفيف الأخضر طالب بكتابة تفسير عبد الله ابن عباس رضي الله عنه لآية "وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون"(هود 117) على الصفحة الأولي من جميع كتب التربية الإسلامية في جميع البلاد العربية .وتفسير عبد الله ابن عباس الذي قال عنه رسول الله (ص) هو"حبر هذه الأمة" كالتالي:"إن الله لا يعذب على الشرك وإنما يعذب على الظلم". هذه هي روح القرآن كما فهمها من تخرجوا من مدرسة النبوة مباشرة. أليس عدم المساواة بين المرأة والرجل في الحقوق ظلماً؟ أليس عدم المساواة بين المرأة والرجل في الميراث اليوم ظلماً؟ أليس عدم المساواة بين غير المسلم والمسلم اليوم ظلماً؟ أليس رفض تدريس العلوم الحديثة التي بها تتقدم اليوم جميع الأمم ظلماً لأمة الإسلام؟ أليست العمليات الانتحارية ضد المدنيين والمستأمنين ظلماً؟!

 

الفقهاء يحاولون الاعتراف بحقوق المرأة مع إبقائها ناقصة عقل ودين

أن القول في الهواء الطلق شئ، والاقتناع به وتأكيده للمسلمين وتفعيله حقوقياً شئ آخر لا خلاف معك يا أستاذ وأنا متفق مع ما قاله أستاذنا العفيف الأخضر ، لكن كل ما أريد أن أقوله أنهم يقولون ذلك من طرف اللسان ، هم يقولون أن القرآن سبق حقوق الإنسان في الاعتراف للمرأة بحقوقها ليضيفوا بعد ذلك بأن حقوق الإنسان في الإسلام لا تتعارض مع كون المرأة ناقصة دين في العبادة وناقصة عقل في الولاية وميراثها أنقص بالنصف من ميراث الرجل . هذا التناقض المخجل هو الذي أشجبه ولو كانوا صادقين في ادعاءاتهم لكنت أول المؤيدين لهم. فهدفنا هو خدمة أبناء وطننا وديننا ولا شيء غير ذلك.

 

المسلمون الأوائل ارتكبوا جرائم كثيرة في البلاد التي فتحوها وجعلوا مسلموها موالي.

· فلابد إذن من تطور المفاهيم العربية الإسلامية لتتناسب مع روح العصر؟

ما في ذلك شك ،فمع تطور قيم الإنسان برزت مفاهيم جديدة وأخلاق جديدة فيما يربط الإنسان بوطنه وبمفهوم المواطنة، ترتبت عليها مشاعر ومواقف إزاء استقواء دولة على أخرى، واستقلال الشعوب وإرادتها. وضمن هذه المعاني الجديدة أعادت الشعوب قراءة تاريخها وإصلاح شئونه والاعتراف بالأخطاء أينما وجدت، بل والاعتذار عن الأخطاء التاريخية التي تم ارتكابها في حق شعوب أخرى. بينما تصر الدول التي غزاها المسلمون الأوائل واحتلوها استيطاناً وارتكبوا في حق أهلها من المظالم فوادحها ومن التنكيل أفظعه ونزحوا خيراتها إلى عاصمة الخلافة، وقضوا على لغاتها الأصلية التي هي وعاء حضارتها وماضيها كله فانقطعت عن هذا الماضي ليصبح ماضي الاحتلال هو تاريخها المقدس، واسلموا سكانها بالجزية أو بالقوة، وجعلوا مسلميها موالى أي مملوكين للمالك العربي.وأصبحوا مواطنين من الدرجة ثانية في وطنهم إزاء العرب الفاتحين الذين كانوا سادة البلاد المفتوحة ومواطنيها المتميزين. وبخطاب مخادع رديء الصنعة والهدف عديم القيم تصر هذه الدول _ حتى اليوم _ عبر هيئاتها الدينية على الاحتفال السنوي بذكرى الفتح العربي لبلادها الذي أخرج أهلها من الظلمات إلى النور. وهى الحالة الوحيدة في تاريخ الدنيا التي يحتفل فيها وطن بذكرى احتلاله بكل تكريم وتبجيل .

وهكذا يتقدس كل شأن إسلامي حتى لو كان احتلالا للبلاد وهتكاً للأعراض ونهباً للثروات،بخلط بين الدين وبين الغزاة وإسباغ القدسية على الغزاة والتماهي بهم.

 

أزعم أنني أقوم بكشف العورات، ولا أخشى العار

· لا شك د. سيد أنك تذكر ما قاله عثمان بن عفان عندما قال مؤنباً لعمرو ابن العاص الذي رفض زيادة الجزية على المصريين حتى لا يموتوا جوعاً فعزله عثمان وقال:"درَّت اللفحة"(أي الناقة) بعدك يا عمرو . فأجابه عمرو ابن العاص ذي القلب الرحيم "ولكنكم جوعتم صغارها يا عثمان".

لذلك أقول إن ديننا الإسلامي بحاجة إلى الكثير ليتصالح مع زمننا ومفاهيمه وقيمة، وإلى خطاب جديد مختلف يستخدم أدوات جديدة لإجراء جراحات لكثير من العلل الكامنة التي اكتسبت قدسية ليست من الدين في شئ، وهو الأمر الذي أزعم أنى أقوم ببعضه في أبحاثي ودراساتي، بخطاب لا يخفى العورات بل يكشفها، لا يخشى العار قدر ما يخشى خروجنا من الوجود ذاته بعد أن خرجنا من دور الفعل في التاريخ.

· في الواقع د. سيد أنت أحد أهرامات مصر وأنت تقوم بعمل تاريخي لإصلاح الإسلام سوف يذكره التاريخ وأتمني على وزير الثقافة فاروق حسني أن تتولى وزارته ترجمة أعمالك إلى الإنجليزية والفرنسية ونشرها خارج مصر ليستفيد منها مسلمو العالم وليعرف مثقفو العالم أن مصر لا تنتج فقط الإرهابيين مثل المجرم أيمن الظواهري بل تنتج أيضاً أمثالك وأمثال المستشار العشماوي والمفكر جمال البنا ود. رفعت السعيد والأستاذة فريدة النقاش ود. زقزوق والإمام الأكبر شيخ الأزهر وغيرهم كثيرين.

شكراً لك . مصر قدمت كثير من المفكرين المتنورين و المصلحين على مر الأجيال والعصور.

 

العشماوي تبني طرحي في الباب الأول من كتابه الخلافة الإسلامية

* في كتاب الحزب الهاشمي تبنيت تفسيراً سياسياً تاريخياً لنشأة الدعوة الإسلامية وأرجعتها إلى عبد المطلب بن هاشم، فهل لازالت عند رأيك ، أم أنك أصبحت ترى التاريخ يجب أن ينظر إليه من خلال معطياته هو وألا تسقط عليه مصطلحات معاصره؟

 

في هذا الكتاب قدمت قراءة جديدة لواقع جزيرة العرب والعالم راعيت فيه دقائق الجغرافيا ومعطيات حقل الأحداث من أشكال اجتماعية إلى تنظيمات اقتصادية إلى عادات وتقاليد ومعتقدات وتركيبة سكانية، وتطور هذا جميعه متضافراً معاً عشية الإسلام ليصوغ في النهاية واقعاً جديداً أفرز هذه الإيديولوجيا وأقام للعرب دولة سياسية مركزية. وقد استكملته بكتاب "حروب دولة الرسول" لقراءة السيرة النبوية ونصوص القرآن مرتبطة بأحداث زمانها قراءة سوسيوتاريخية وجمعتها في كتاب ( الإسلاميات). وقد كانت هذه القراءة باباً دخلت منه من بعدى أقلام أخرى تبنت طرحي كمؤسس، كما في كتاب الشيخ الجليل المرحوم خليل عبد الكريم ( قريش من القبيلة إلى الدولة المركزية) وما أقامه بعد ذلك من بناء متميز كان مؤسسة ومعتمدة وجهة النظر التي طرحتها في الحزب الهاشمي، كذلك تبنى ذات الطرح الأستاذ سعيد العشماوي في الباب الأول من كتابه الخلافة الإسلامية ،كذلك بعض الباحثين العرب المبتدئين بخطوات صلبه نتمنى أن يضيفوا للمكتبة العربية نواقصها .

 

· هذا يؤكد يا دكتور ما قلته لك من قبل قليل من انك رائد في البحث الإسلامي لا وجود له، ولا تخشى في الحق لومة لائم بل وغامرت بحياتك في عصر القتلة المتأسلمين وفقهاء الإرهاب.

 

شكراً لك وأتمنى عليك ألا تخجل تواضعي. بمثل هذا المديح فلدينا الكثير من المفكرين العمالقة ولهم أفضال غير منكورة وعلى رأسهم تلك الأسماء المحترمة المطروحة مثل العشماوي والبنا والسعيد وغيرهم، ولكني لا أعتقد أنى قمت بأي إسقاط معاصر إلا في لغة الكتابة دون إعمال تلك اللغة إلا بما يناسب زمن الحدث لكن لينطق هذا القديم بلغتنا اليوم عما حدث في ذلك الماضي. ولم أرجع الأمر كله إلى عبد المطلب بين هاشم قدر ما أعطيته حقه كشخصية تاريخية تركت أثراً عظيماً في محيطها، لكن كان إلى جواره عناصر وظروف هي التي أفرزت عبد المطلب ونماذج الحنيفية الآخرين .

 

إعلان الجماعات الإسلامية تخليها عن العنف مناورة للوصول إلي الحكم

* أعلنت جماعات الإسلام السياسي أخيراً تخليها عن العنف وعن مضمون الإدانة والتفكير للسلطة والمجتمع، حتى انهم اعترفوا بأن السادات مات شهيداً. فهل ترى ذلك كافياً لقبولها في الحياة الحزبية المعاصرة في مصر؟

إن الأحزاب السياسية في مصر بل الحياة السياسية كلها بل والاقتصادية بل والاجتماعية قائمة على أسس غير سليمة ليس هنا مجال مناقشتها. لكن المشترك بين الجميع حديثهم عن الديموقراطية السياسية (حرية صندوق الانتخاب)، دون جوانب الديمقراطية التأسيسية ودونها لا ديموقراطية، أقصد الجانب الحقوقي الذي يؤسس حقوق الاختلاف وحقوق المرأة وحقوق الأقليات وحق الاعتقاد الحر بإطلاق وحق تشريع البشر لأنفسهم بما يناسب مصالحهم ومعطيات واقعهم. وكلها حقوق مرفوضة من جميع التيارات الإسلامية بدون استثناء. ولا اعتقد الأمر سوى مناورة أذكى في منهجها من لغة القنابل والرصاص، بغرض الوصول إلى السلطة عبر صندوق الانتخابات وبعدها يكون لكل مقام مقال.

 

· هل تشترط للاعتراف بأي حزب قبوله بالديمقراطية ، أي التداول السلمي على الحكم حتى لا تتكرر في مصرنا الحبيبة المأساة الإيرانية حيث الأقلية من رجال الدين التي لم تفز إلا بثلاثين في المئة من الأصوات هي التي تحكم والأغلبية من الإصلاحيين التي فازت بسبعين في المئة من الأصوات في المعارضة والقبول الصريح لكل مواد حقوق الإنسان وبالقانون الوضعي المستمد منها؟

نعم أشترط ذلك لإبعاد الذئاب المتنكرة في جلد الحملان من الحياة السياسية .

 

الأساطير كانت ملاحم وفنوناً تحمل خبرة الأجيال وتظهر القوي الغائبة

* كيف ترى العلاقة بين الأساطير القديمة خاصة في مصر والشرق الأوسط وبين الدعوة الإسلامية على أساس أنها نشأت في شبة الجزيرة العربية التي كانت بمعزل نسبى عن تلك المعتقدات ؟

ليست الجغرافيا دائماً هي العامل الحاسم، فرغم أن جغرافيا شبه الجزيرة تضعها فعلاً بمعزل نسبى عن معتقدات الحضارات المحيطة بالجزيرة، إلا أن ظروف التاريخ كسرت القاعدة الجغرافية وتحولت الجزيرة إلى أكبر مستقبل وليس طارداً للهجرات في بعض الأزمنة، فكانت الملجأ الآمن لكل الهاربين من الاضطهاد سياسي أو ديني على ألوان فرقهم ومذاهبهم ومعارفهم وأفكارهم وأساطيرهم، وهم من أدوا إلى متغير ثقافي عظيم في داخل الجزيرة بعد أن تعربت هذه الهجرات وأصبحت قبائل عربية، فأكبر منطقة في عالم ذلك الزمان تضم يهوداً ذوى شأن كانت هي جزيرة العرب، كذلك انتشرت ألوان مسيحية مذهبية على مختلف الأطياف إضافة إلى الصابئة والمانويين ناهيك عن العبيد المستجلبين وتجار العالم الذين كانوا يمرون عبر الجزيرة بين الشام واليمن وكانت أكبر محطاتهم هي مكة وكانت الأساطير آنذاك ملاحم وفنوناً راقية تحمل خبرات المجتمع وحكمة الأجيال وتفسير الإنسان لما حوله في الكون نشأة وتكويناً وحركة ووجوداً وعدماً، بلغة التعبير في تلك الأزمان عن دور القوى الغيبية كفاعل في الكون المشاهد كمفسر للحدث الواقعي. وقد وجدت كثير من الأساطير المصرية في الحياة والموت والفينيقية والبابلية ( أساطير الخلق والطوفان مثلاً) طريقها إلي التسجيل في الكتب المقدسة كما في التوراة ( العهد القديم) والتلمود . وقد ساعد على تزايد الهجرات إلى الجزيرة ظهور أزمنة الاضطهاد العقدي و الفكرى، عندما أصبح مذهب من المذاهب ديناً رسمياً لدولة ما تضطهد ما عداه وتنفيه . وقد تجلى ذلك في الزمن الهلليني الروماني حتى أسماه التاريخ بعصر الآلام.

 

عقيدة المسلمين تكاد تتطابق جملة وتفصيلاً مع العقيدة المصرية

· لكن هل أثرت كل هذه الأساطير على الإسلام كدين؟

لقد حمل هؤلاء ثقافتهم معهم إلى الجزيرة لتؤثر بعد ذلك في العقيدة الإسلامية. وفى كتابي ( النبي موسى وآخر أيام تل العمارنة) شواهد وأدلة على انتقال كثير من عقائد مصر القديمة وعاداتها وطقوس عباداتها إلى الجزيرة، بل وانتقال مفردات اللغة المصرية ومعانيها المتعددة إلى التطابق. بل أن عقيدة المسلمين في الآخرة تكاد تتطابق جملة وتفصيلاً مع العقيدة المصرية بهذا الشأن من فكرة البعث إلى الحساب إلى الجنة والنار إلى السراط ( كما في كتاب: الطريقين) والميزان وشهادة الجوارح على الميت ( كما في كتاب الموتى) مع قصور اليهودية والمسيحية عن هذا التطابق.مما يشير إلى انتقال مباشر من مصر إلى الإسلام أو المحيط الذي ظهر فيه الإسلام دون وسيط، وهذا ما حاول الكتاب المشار إليه تحقيقه وبحثه. هذا إضافة إلى أن ‘سراة العرب كانوا يرسلون أبناءهم لتلقى التعليم العالي في مدرسة جنديسابور، ثم تلقي التعليم الجامعي في جامعة الإسكندرية. وكان منهم من دخل مباريات معرفية وتحديات ثقافية تتعلق بمعارف تلك المعاهد مع النبي محمد مثل النضر بن الحارث وعقبة بن أبى معيط.

 

الأساطير كانت متوافقة مع عصرها لكنها تشبه اليوم الفلكلور اللطيف

· العقيدة الإسلامية مليئة بالأساطير، كيف يمكن تنقيتها من كل هذه الشوائب؟

كل الأديان مليئة بالأساطير وليس الإسلام وحده، بل ربما كان الإسلام هو أقل الأديان احتواء على الأساطير ، لكنه يعتمد كسر قوانين الطبيعة بالمعجزات كأدوات دالة على النبوة والاتصال بالقوى السماوية، فهو يعتمد كثير من الأساطير عن الملك الإسرائيلي سليمان ، ولمحمد معجزة خاصة في الإسراء بالبراق الأسطوري ثم المعراج إلى السماء على سلم من نور، وأساطير عربية مثل ناقة صالح التي أنجبتها صخرة وغيرها. لكن لا أعتقد أن مهمتنا عصرنه الإسلام بهذا المعنى أو تنقيته من الشوائب كما تقول، لأنها لم تكن شوائب في زمنه بل متوافقة مع منطق قائم في أديان أخرى تصدقها أمم بكاملها على أنها حقائق. وقد قبل مسلمو عصر النبوة هذه المعجزات واعتبروها دلائل على صدق النبوة. لكن المشكلة أن مسلمي اليوم لم ينغرسوا في مناهج عصرنا كما إنغرس أهل الغرب، لذلك تحولت أساطير الكتاب المقدس إلى ما يشبه الفولكلور اللطيف، وليس عن اقتناع بإمكان كسر قوانين الطبيعة اليوم كما هو حال الاعتقاد الإسلامي في انتظار خلاص إعجازي أدى إلى تبلد عقلي طويل. ومع التبلد تغيب الحقائق ومن ثم الإرادة والعقل والفعل انتظاراً للحل الإعجازي. لذلك علينا أن نقبل مأثورنا كما هو دون غربلة ولا تنقية إلا فيما هو ضروري كإضافة للموجود فعلاً وليس مزيحاً له ولا مغيباً له، لأن في قراءته فوائد جمة تضئ لنا ذلك الزمن وكيف كان يفكر وماذا كان منطقة في القبول والرفض، إضافة إلى أنها تلقى ضوءاً على أشكال المجتمع ونظمه لمن أراد درسها بغض النظر عن الإيمان بهذه الأساطير ( الشوائب) من عدمه.

 

تفعيل الجهاد اليوم دون اعتبار للمتغيرات الكونية جعلنا نحن الغنائم

* ترفع الجماعات الإسلامية شعار الجهاد في العراق وفلسطين فهل ترى أنه مازال بوسع هذا التيار تحريك الشارع ؟ أم أنه شعار ينتمي إلى الماضي ولا يصلح للفكر المعاصر والقرن الحادي والعشرين؟

مسألة تحريك الشارع ليست وحدها الدافع الأمثل لاعتماد الجهاد من عدمه، لأن هذه الحركة قد يكون لها مضار أكثر من المنافع، لأن المطلوب هو الحركة الرشيدة المنتجة وليس الحركة العشوائية التي قد تأتى بكوارث. وإذا كان تطبيق هذا المفهوم في زمنه مجدياً فلأنه كان هناك فراغ قوي دولي يحتاج إلى من يملأه وقد ملأه العرب، ولأن موازين الضعف والقوة تحولت إلى صالح العرب فقد أقاموا إمبراطورية في حينها، وهي ذات القوانين التي تفعل فعلها اليوم لكن بعد أن انقلبت المعادلة لغير صالحنا وأصبحنا الطرف الأضعف إزاء قوى تملك السيطرة على البر والبحر والجو وما تحت الأرض بمناهج وفلسفات تختلف بالمرة عن زمن الجهاد . وإذا كان الجهاد قد حقق للمسلمين زمن ظهوره الغنائم، فإن تفعيله اليوم دون اعتبار للمتغيرات الكونية عبر أربعة عشر قرناً جعلنا نحن الغنائم .

 

مفهوم الجهاد اليوم مفهوم طائفي عنصري مرفوض بلغة العصر

واليوم هناك مفهوم الكفاح الوطني الذي لا يكافح لا من أجل الله ولا من أجل الجنة ولا من أجل الحور العين ولا لنصره الدين ولا الدفاع عن مسجد له رب يحميه، ولكنه يكافح لتحرير وطنه وإرادته من الاحتلال، ويشارك في هذا الكفاح أهل الوطن من كل ملة ودين وعنصر، ويكسب تعاطفاً عالمياً ودعماً لابد أن يؤدى إلى انتصاره في النهاية. أما مفهوم الجهاد فهو مفهوم طائفي عنصري ‘يقصى من العمل الوطني كل أبناء الوطن من غير المسلمين، ويدافع من أجل الله ومقدساته قبل وطنه. ويؤدى إلى نفور الضمير الدولي الذي تجاوز العنصرية والطائفية وأصبحت لغات مرفوضة بل ومرضية. ومع تقسيمه المواطنين واستبعاد بعضهم من الفعل _فيما يفعل مفهوم الجهاد _ فإنه يشق الصف الوطني شقاً ويمزق وحدته أشلاءً.

 

الجهاد كان صالحاً لزمانه ، ولم يعد يصلح الآن بالمرة

ثم أن مفهوم الجهاد مفهوم واسع وضع في زمن مفارق لزماننا على كل المستويات، لأنه استوعب ظرفه العالمي آنذاك ووضع على عاتق المسلمين فتح بلاد الدنيا وإخضاعها للمسلمين . وإن ذلك واجب على كل مسلم. وهو ما يحمل ضمناً العداء المسبق لكل شعوب الدنيا بسبب العقيدة وحدها وهى ما لا يكفى اليوم مبرراً، ويحتاج تفعيلة إلى قوة عظيمة لا نملك منها شيئاً ، دون أي محاولة لفهم سياسي ناضج لأحوال عالم اليوم وضرورات عقد التحالفات أو فكها على أسس مصلحية دقيقة ليس فيها مجال للعنتريات الطائفية أو العنصرية.

 

ما فعله المجاهدون عبر تاريخنا غير الجميل يحتاج الاعتذار عما ارتكبوه من فظائع

وعلى المستوى الأخلاقي فإن مفهوم الجهاد يفترض ملاحق له تتمثل في الإغارة والسلب والنهب والسبي وركوب نساء العدو، لأن الغنائم ‘أحلت لنا ولم تحل لأحد من قبلنا، كما قال النبي محمد في حديثه الصحيح، وصادق عليه القرآن بآيات تقفو بعضها بهذا المعنى. وهذه الملاحق قد تجاوزتها الدنيا واصبح للحروب قواعد أخلاقية مرعية بوثائق دولية ترعى كرامة الإنسان حتى لو كان محارباً. كذلك يحمل مفهوم الجهاد قوة دفع استعمارية لحوحة لاحتلال البلاد الأخرى ونقل ثرواتها وتغيير ثقافتها. لكن الجهاد عندنا ‘مبرر بأخلاق دينية ترى المجاهد في أرقى الدرجات حتى لو فتح البلاد وقتل الناس وانتهك الأعراض وسلب الأموال، بينما ترى المدافع عن بلاده وحياته وعرضه هو الآثم لأنه يمنع المجاهد من نشر دينه. وما أبشعه منطق أن صلح في زمانه فهو لم يعد صالحاً لزماننا بالمرة، بل أنه لم يعد مصدر فخز بأي معنى من المعاني ، بل إن ما فعله المجاهدون عبر تاريخنا غير الجميل يحتاج من العرب اعتذاراً واضحا عما ارتكبوه من فوادح الآثام العظام في حق الشعوب المفتوحة في تلك الأزمان البربرية.

Link to comment
Share on other sites

  • 2 weeks later...
Guest Mustefser

ثقوب في الشورت الديمقراطي الأردني

GMT 6:30:00 2005 الثلائاء 9 أغسطس

د. شاكر النابلسي

 

 

 

--------------------------------------------------------------------------------

 

 

نغمات الديمقراطية في الأردن، كانت وما زالت، نغمات أحادية رتيبة، مثلها مثل نغمات "الربابة" البدوية الأردنية، ذات الوتر الواحد التي اشتهر بها الغناء الأردني القديم والحديث. بمعنى أن مسيرة الديمقراطية في الأردن، كانت كما تريدها الدولة، من جانب واحد، وليس كما يجب أن تكون. ومن هنا شبّهنا هذه الديمقراطية بـ "الشورت"، وربما بالشورت الساخن القصير جداً Hot Short ، الذي تلبسه البنات في الصيف على الشواطيء، لستر العورة فقط، وليس لحماية الجسم .

في الأردن، ومنذ 1923، ومن خلال أكثر من ثمانين حكومة، تمَّ تشكيلها منذ ذلك التاريخ حتى الآن؛ أي بواقع حكومة في كل عام تقريباً، بحيث أصبح نادي رؤوساء الحكومات بالأردن يضم عدداً أكبر من رؤساء الحكومات في بلد كبريطانيا أو فرنسا أو اليابان مثلاً منذ القرن التاسع عشر حتى الآن، لم يكن المواطن الأردني مشاركاً في اختيار هذه الحكومات ولم يكن مشاركاً في صرفها أيضاً. فتأتي الحكومة وتذهب دون ارادة الناس. ولذا، فشلت كل الحكومات تقريباً ما عدا الحكومات التي ترأسها وصفي التل، الذي حاول الإصلاح الاداري في نطاق ضيق، ولم يسعفه الزمن، حيث تم اغتياله في القاهرة 1970. ولم تفلح أية حكومة أردنية أخرى في محاربة الفساد الإداري والمالي المستشري في الدولة. كما لم تفلح أية حكومة أردنية في اقرار الديمقراطية، حيث كانت كل هذه الحكومات حكومات ملكية، وليست حكومات شعبية؛ أي أنها كانت غير منتخبة ولكنها مُعينة لأسباب سياسية محلية واقليمية محدودة. علماً بأن انتخاب رؤساء الحكومات من قبل الشعب، كان مطلباً شعبياً نادت به القوى السياسية والأحزاب الأردنية منذ زمن طويل. وكان آخر استطلاع للرأي أجرته جريـدة "الدستور" الأردنية (26/5/2005) واستفتت به 18059 مواطناً أردنياً تبين أن 96 ٪ ( 17466) من المستَفتين، قالوا بوجوب انتخاب رئيس الحكومة من الشعب مباشرة. في حين قال 3 ٪ (522) فقط بتعيينه. قال الفيلسوف السياسي توماس بين Paine (1737-1809) في كتابه الشهير (حقوق الانسان، 1791) : "الدستور سابق على الحكومة. الحكومة مخلوق دستوري. ودستور أية دولة لا تأتي به الحكومات. ولكن الشعب هو الذي يأتي بالحكومات الدستورية".

ونحن نعتقد أن الوقت قد حان الآن للشعب الأردني، بعد أن بلغ سن الرُشد السياسي، خلال نصف قرن مضى، أن ينتخب حكومته مباشرة بالاقتراع السري، حتى يكون هو المسؤول عن اختياره، وعن نجاح أو فشل هذه الحكومة، وليست أية جهة أخرى في الدولة كما كان الحال طيلة أكثر من نصف قرن مضى.

 

الدستور ليس كتاباً سماوياً مقدساً

هذا يدلُّ على أن الدستور الأردني، الذي يمنح الملك حق تعيين رئيس الوزراء واقالته متى شاء، والذي وُضع في 8/1/1952 ؛ أي قبل أكثر من نصف قرن من القرن الماضي، وأعطى الملك سلطة مطلقة، من ضمنها صلاحية تعيين رئيس الوزراء واقالته، بحاجة إلى تعديل في هذه المادة ومواد أخرى، كنا قد أشرنا إليها في مقالينا: (ما هي الثورة الملكية التي يحتاجهـا الأردن الآن؟ 31/7/2004)، و (طريق الثورة الملكية الأردنية، 6/8/2004) بحيث يصبح الحكم في الأردن ملكياً دستورياً، كما هو في بريطانيا وبعض الدول الاسكندنافية الديمقراطية الحقيقية، وليس ملكياً مطلقاً كما هو الآن في الأردن، وكما هو في معظم الدول العربية الملكية.

فالدستور ليس كتاباً مقدساً مُنـزلاً من السماء. الدستور هو من الشعب وإلى الشعب ويحكم بالشعب. قال جون مارشال (1755- 1835) رجل القانون الأمريكي : "الشعب هو الذي يضع الدستور، وهو الذي يلغيه. فالدستور مخلوق شعبي، يحيا ويموت بإرادة الشعب". وما من دستور شهدته الإنسانية إلا تمّت عليه تعديلات، وأضيفت اليه ملحقات Amendments لأن الدستور مرآة الحياة، ولا بُدَّ أن يعكس الحياة التي يمثلها. والحياة تتغير وتتبدل، ولا بُدَّ للدستور أن يجاري هذا التغير والتبدل.

والكتب السماوية ذاتها، كان فيها نسخٌ وتبديلٌ وإبطالٌ لبعض الأحكام، بما يتناسب والعصر الذي جاءت فيه. ولو أن الوحي السماوي بقي مستمراً إلى الآن، لوجدنا أن معظم التشريعات التي وردت في الكتب السماوية لمجتمع كان قائماً قبل قرون طويلة، ولقيم كانت سائدة قبل مئات السنين، قد نُسخت واستُبدلت بتشريعات تتماشى وحياتنا الآن. فما من تشريع سماوي قط، جاء في الكتب المقدسة، وقيل بأنه عابر للتاريخ، وصالح لكل زمان ومكان وإنس وجان. وما انقطاع الوحي السماوي طيلة القرون الماضية، إلا لحكمة، تتمثل في اعطاء الانسان الفرصة الكافية، لكي يضع قوانينه ونظامه بنفسه، بعد أن بلغ الانسان سنَّ الرُشد، كما قال المفكر الإسلامي السوري جودت سعيد (التغيير مفهومه وطرائقه، 1998).

 

لا يمكن لرجل أن يلبس ملابس طفولته

قال توماس جيفرسون (1743-1820) الرئيس الأمريكي الثالث، وأحد المؤسسين الأوائل للجمهورية، في رسالة بعث بها إلى صموئيل كيرشيفال Kercheval في عام 1816 :

"بعض الناس، ينظرون إلى الدساتير نظرات نفاق. ويعتقدون بأن الدساتير هي العهد وهي الميثاق. وأنها بذلك مقدسة، لا تُمسُّ ولا تُجسُّ. ومثل هؤلاء يُنسبون إلى عصر سابق من الحكمة، وليس إلى البشرية الحاضرة. ويفترضون أن ما وضعوه من دساتير، هو فوق التغيير والتعديل. وأنا بالضرورة لست رجل قانون، لأقول أو أقوم بتغييرات متتابعة في القوانين والدساتير. ولكني أعتقد بأن القوانين والدساتير يجب أن تصاحب جنباً إلى جنب تقدم العقل البشري. فتغيير القوانين والدساتير واجب، كلما تطور العقل البشري، وزاد تنويره، وتكشفت الحقائق، وتغيرت السلوكيات والآراء والقيم. فلا يمكن للرجل أن يلبس ملابس طفولته. كما لا يمكن لمجتمع متحضر الآن، أن يخضع لحكم الأسلاف.

 

تغيّر الشعب، فلماذا لا يتغيّر دستوره؟

فكيف نطلب من الشعب الأردني الآن الذي أصبح شعباً يمتلك قدراً من الرُشد والحكمة، أن يرتدي الملابس التي كان يرتديها وهو ما زال طفلاً في 1952؟

الشعب الأردني الذي وُضع له الدستور في 1952 ، هو غيره الآن في مطلع القرن الحادي والعشرين على كافة المستويات التعليمية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية، وإن كان بحاجة إلى مزيد كثير من التطور الاجتماعي، والتخلّي عن قيم القبيلة (جرائم الشرف مثالاً لا حصراً، التي اضطرت الحكومة الأردنية إلى حماية خمسين من الإناث الضحايا المحتملين، بوضعهن في سجون الدولة، خوفاً من انتقام الأهالي بقتلهن) (وزير الداخلية الأردني عوني يرفاس، "القدس العربي"، 29/6/2005) التي لم تعد تتماشى ومنطق العصر الذي يعيش فيه الأردن الآن.

 

موجبات تغيير الدستور

1- في عام 1952، كان عدد سكان الأردن لا يتجاوز المليون نسمة، والآن عددهم يتجاوز الأربعة ملايين بمعنى أن هناك ثلاثة ملايين مواطن ليس لهم رأي في الدستور القائم الآن.

2- وفي عام 1952 ، كانت نسبة الأمية في الأردن تتعدى 70 ٪ بين الذكور. وتتعدى 90 ٪ بين الإناث. واليوم انخفضت هذه النسبة إلى أقل من 20 ٪ بين الذكور، وأقل من 30 ٪ بين الإناث. وانتشرت المدارس والجامعات والصحف ووسائل الإعلام، التي لم نكن نحلم بها في 1952.

3- وفي عام 1952، كان الأردن ما زال في مرحلة البداوة المتأخرة اجتماعياً، وهو الآن في مرحلة متوسطة بين البداوة والحضرية، ولما يصل بعد إلى المرحلة الحضرية الكاملة .

4- وفي 1952، كان الأردن سياسياً، يضمُّ الضفة الغربية الفلسطينية منذ 1950 ، وانتهى هذا الوضع عام 1967 بعد حرب حزيران وخسران الأردن للضفة الغربية. وأصبح الأردن هو شرق النهر فقط.

5- وفي عام 1952، كان في الأردن قواعد عسكرية بريطانية منذ 1921. وفي 1957 تخلّص الأردن من هذه القواعد بإلغاء المعاهدة الأردنية – البريطانية، واستبدالها بمعاهدة عربية بين الأردن وسوريا ومصر والسعودية، ولكنها للأسف الشديد، لم تجلب للأردن غير الخراب، حيث وعدت الأردن بدفع العشرة ملايين جنية استرليني سنوياً بدلاً من المعونة البريطانية، ولم تفِ الدول العربية بهذا الوعد، ما عدا السعودية (سليمان الموسى، أعلام من الأردن، ص83).

وهناك عدة عوامل، من شأنها أن تدلنا على أن الشعب الأردني قد اختلف وتغيّر، خلال النصف قرن الماضي، وانه يستحق الآن أن يُنظر بدستوره من أجل أن يسترد الشعب بعض حقوقه الدستورية، وعلى رأسها انتخاب رئيس الوزراء بدلاً من تعيينه.

 

إما حكومة عشائرية، أو لا ثقة!

حكومة عدنان بدران التي تشكلت بعد 5/4/2005 ، مثال واضح وصارخ لضرورة تعديل الدستور الأردني. وخاصة المادة 35 من الدستور الحالي، التي تُقصّر "الشورت" الديمقراطي الأردني، وذلك باعطاء الملك حق تكليف من يشاء بتشكيل الحكومة، واقالة الحكومة متى شاء كذلك. فحكومة الأكاديمي عدنان بدران المُعيّنة وليست المُنتخبة، كباقي أكثر من ثمانين حكومة سابقة في تاريخ الأردن، ظلت تراوح مكانها، دون ثقة من البرلمان، بعد أربعة أشهر من بدء تشكيلها، واضطرت لتعديل وتغيير ثمانية وزراء حسب طلب مجلس الأمة الأردني العشائري، لكي تحظى بالثقة المطلوبة. وبما أن مجلس الأمة الأردني مجلس عشائري وليس مجلساً حزبياً، فقد طلب من الحكومة أن تُدخل في عضويتها وزراء من مناطق لم تكن متمثلةً في التشكيلة الأولى التي تمت، بغضِّ النظر عن خبرتهم العلمية والإدارية والفنية.

إذن، الحكومة كانت مشلولة طوال هذه المدة، بانتظار أن يرضى عن تشكيلها شيوخ العشائر الممثلين في مجلس الأمة الأردني. وهو ما يشير بوضوح الى أن الأردن الذي يُستقبل مسؤولوه بحفاوة بالغة في الغرب، ويُشار له في الإعلام الغربي، وخاصة الأمريكي، بأنه بلد ديمقراطي علماني وحداثي، هو أبعد ما يكون عن الديمقراطية المنشودة، وأبعد ما يكون عن الحداثة السياسية المُبتغاة.

الأردن منذ أكثر من نصف القرن، ومنذ الاستقلال عام 1946، كان وما زال بلداً عشائرياً، تحكمه قيمُ القبيلة والعشيرة التي لم تستطع الأحزاب السياسية في الماضي والحاضر أن تحتل مكانها. وقد ساعد القيم العشائرية الاجتماعية والسياسية على الاستمرار، بل على الاستقواء أكثر فأكثر عوامل عدة، سوف نتحدث عنها في مقال قادم.

 

 

 

Shakerfa@Worldnet.att.net

 

 

Link to comment
Share on other sites

Guest Guest

لا يمكن لرجل أن يلبس ملابس طفولته

قال توماس جيفرسون (1743-1820) الرئيس الأمريكي الثالث، وأحد المؤسسين الأوائل للجمهورية، في رسالة بعث بها إلى صموئيل كيرشيفال Kercheval في عام 1816 :

"بعض الناس، ينظرون إلى الدساتير نظرات نفاق. ويعتقدون بأن الدساتير هي العهد وهي الميثاق. وأنها بذلك مقدسة، لا تُمسُّ ولا تُجسُّ. ومثل هؤلاء يُنسبون إلى عصر سابق من الحكمة، وليس إلى البشرية الحاضرة. ويفترضون أن ما وضعوه من دساتير، هو فوق التغيير والتعديل. وأنا بالضرورة لست رجل قانون، لأقول أو أقوم بتغييرات متتابعة في القوانين والدساتير. ولكني أعتقد بأن القوانين والدساتير يجب أن تصاحب جنباً إلى جنب تقدم العقل البشري. فتغيير القوانين والدساتير واجب، كلما تطور العقل البشري، وزاد تنويره، وتكشفت الحقائق، وتغيرت السلوكيات والآراء والقيم. فلا يمكن للرجل أن يلبس ملابس طفولته. كما لا يمكن لمجتمع متحضر الآن، أن يخضع لحكم الأسلاف.

Link to comment
Share on other sites

Guest mustefser

 

النابلسي: القرضاوي والسباعي وبكري ..على لائحة فقهاء الارهاب

GMT 22:15:00 2005 الثلائاء 9 أغسطس

قناة الحرة

 

 

 

--------------------------------------------------------------------------------

 

 

القرضاوي والسباعي والبكري و"أبو قتادة" و"أبو حمزة" والفقيه والمسعري على لائحة "فقهاء الارهاب"

 

شاكر النابلسي لـ"الحرة": تفسير القرآن موجَّه لمصالح سياسية ويجب وقفه

 

القمني لم يتحدّ الارهاب والأفكار ليست عقاراً أو حساباً مصرفياً

 

 

 

حملت المقابلة مع المفكر الليبرالي الأردني الدكتور شاكر النابلسي والتي أجراها الاعلامي حسين جرادي في برنامج "الحرة تقدم" الذي تبثه قناة "الحرة" مساء كل جمعة، مواقف وآراء عديدة مثيرة للجدل أبرزها دعوة النابلسي إلى وقف تفسير القرآن "كون التفسير يخضع لمصالح سياسية واجتماعية واقتصادية (...) وهو تفسير لا أسميه تفسيراً خاطئاً ولكن أسميه تفسيراً موجَّهاً" من قبل رجال الدين. وإضافة إلى ما سبق ونشرته "إيلاف" عن إعلانه في المقابلة عن لائحة بأسماء من وصفهم بـ"فقهاء الارهاب" ستُقدّم إلى الأمم المتحدة ومنهم الشيخ يوسف القرضاوي، تطرق الحوار تفصيلاً إلى موقف النابلسي الرافض للموقف الذي إتخذه المفكر الليبرالي المصري سيد القمني باعتزال الكتابة وتراجعه عن أفكاره بعد تهديدات بالقتل تلقاها من أصوليين عبر بريده الإلكتروني. وعن ضعف الخطاب الليبرالي العربي وعجزه عن اكتساب الشارع قال النابلسي: "الشارع ليس من اهتمامنا. نحن لسنا نخبة جماهيرية" واصفاً المثقف الجماهيري بـ"الفاشل" لأنه "يخضع لرغبة الجماهير الغرائزية ولتشنّج الجماهير".

 

وهنا النص الكامل والحرفي للمقابلة:

 

 

 

حسين جرادي: الدكتور شاكر النابلسي الكاتب والباحث والمفكر الليبرالي الأردني أثار الكثير من الجدل في إطار الصراع بين الاسلاميين والليبراليين. الدكتور شاكر النابلسي يثير هذه المرة الجدل داخل البيت الليبرالي نفسه. أهلاً بك في "الحرة تقدّم"، قبل أن نتطرق إلى ماذا يجري داخل البيت الليبرالي العربي، الارهاب يغزو العالم، أين المشكلة؟

 

 

 

شاكر النابلسي: أولاً مرحباً بك. ويسعدني ان أكون في الواقع على شاشة "الحرة" التي هي بالواقع حرة وتستطلع كافة الآراء، الرأي والرأي الآخر حقيقةً وصدقاً. ما يجري الآن في العالم العربي هو موجة من موجات ما زرعناه نحن في السنوات الماضية، ومنذ أن استقلّ العالم العربي في الخمسينات والستينات، وما حصل بعد ذلك مما أسمّيه بـ"كوارث الاستقلال". ما حصل في العالم العربي بعد الاستقلال لم يكن استقلالاً حقيقياً نتمتع به نحن الشعوب العربية، سياسياً واقتصادياً. ولكن ما تلقاه الشعب العربي على كافة الأصعدة وفي معظم البلدان العربية هو عبارة عن مجموعة من الكوارث السياسية حين تولى الديكتاتوريون الحكم في العالم العربي ونشروا الفساد ونشروا السرقة واللصوصية وزيادة معدلات البطالة، إلى آخر هذه الأمراض التي نعرفها جميعاً.

 

 

 

س: هم يفعلون ذلك منذ وقت طويل، أين صوت الليبراليين؟ أين صوت العقلاء؟ أين المشكلة تحديداً؟ نتحدث اليوم عن إرهاب يجوب العالم من لندن إلى شرم الشيخ إلى بيروت إلى العراق، وليس ثمة أفق لحلّ الأزمة التي تتفاقم... الارهاب يتفاقم ومكافحة الارهاب تتراجع... ثمة مشكلة في مكان ما، أين هي تحديداً؟

 

 

 

ج: أتفق معك في أن الارهاب أصبح لا يخصّ بلداً معيّناً وبأن الارهاب أصبح ضدّ البشرية، ضدّ الانسانية، ضدّ القيم الانسانية بشكل عام. ما حصل مثلاً على وجه الخصوص في شرم الشيخ ضدّ منتجع سياحي هو ضدّ قيمة إنسانية. السياحة هي قيمة إنسانية. أنتَ لكي تصل إلى مستوى أن تكون بلداً سياحياً من الطراز الأول وتستقطب مئات الآلاف أو عشرات الآلاف من السياح في موقع ما، هذا يعني بأنّ خدماتك السياحية قد أصبحت في مستوى الاستقطاب، استقطاب الآخرين. وبالتالي هناك قيم صناعية، قيم إنسانية، قيم خدماتية وراء كل هذا. إذن، الارهاب هو ضدّ القيم الانسانية، سواء أكانت قيماً أخلاقية أو قيماً اقتصادية أو قيماً حتى إنسانية. يعني عندما يُضرَب برجا نيويورك، ماذا يعنيان هذان البرجان؟ يعنيان القوة الاقتصادية لدولة ما كأميركا. هم لم يضربوا معسكراً للجيش. هم لم يضربوا قاعدة عسكرية. هم لم يضربوا رمزاً من رموز السلطة الأميركية الحقيقية. هم في الحقيقة ضربوا برجي نيويورك...

 

 

 

س: ... لكن هؤلاء الذين ضربوا لديهم مشكلة سياسية مع الولايات المتحدة، مع الغرب عموماً، هؤلاء يقولون إنهم يتحدثون باسم الاسلام، مسلمون آخرون يقولون إنّ هؤلاء لا يعبّرون عن الاسلام، ثمة مؤسسات دينية مطلوبٌ منها أن تفعل شيئاً... لنحدّد الأمور بأسمائها، كيف يمكن حلّ المشكلة... هل المشكلة تحديداً هي في الاسلام كما يرى البعض، أم أنها في تطبيق خاطئ للاسلام، أم في من يدّعون أنهم ناطقون باسم الاسلام؟

 

 

 

ج: قبل الاجابة عن هذا السؤال أريد أن أنبّه إلى نقطة اساسية. وهي أن الارهابيين الأصوليين الوصوليين – أنا أسمّيهم الوصوليين لأنّ كل الحركة التي تقوم في ما يتعلق بموضوع الارهاب الأصولي هي للوصول إلى كراسي الحكم. بمعنى أن حارث الضاري لو عُرِضَ عليه غداً أن يترأس الجمهورية العراقية لفضّ "هيئة علماء السنّة" وتولى رئاسة الجمهورية وانتهى ما يُسمى بالمقاومة العراقية. "الأخوان المسلمون" لو تولوا أيضاً الحكم في مصر، لانتهى كلامهم عن الفساد والرشوة والتسيّب الاداري...

 

 

 

س: ... يعني أنتَ تنفي عنهم أنّ لديهم مشروعاً سياسياً واضحاً؟

 

 

 

ج: ليس هناك مشروع سياسي على الاطلاق. ما هو المشروع السياسي يا سيدي الذي يتلخص في أن ينادي عمر البكري زعيم المهاجرين في لندن بأنّ مشروعهم السياسي في بريطانيا هو إقامة الخلافة الاسلامية ورفع علم الخلافة الاسلامية على قصر باكنغهام! أي مشروع سياسي هذا؟ أي مشروع سياسي يمكن أن يخضع للمنطق ويمكن أن يخضع للعقل ويمكن أن يخضع للواقع السياسي... أيّ خلافة إسلامية تريد أن تعلنها في بريطانيا؟ هذا هو مشروعهم السياسي! أيّ خلافة إسلامية يريد أيمن الظواهري أو يريد اسامة بن لادن أن يعلنها في الجزيرة العربية... إنتهى موضوع الخلافة الاسلامية...

 

 

 

س: إذن تضعون مختلف التيارات الاسلامية في سلّة واحدة... تتحدث عن "الأخوان المسلمين" في هذا الاطار وفي الوقت نفسه تتحدث عن بن لادن وعن الظواهري، عن اشخاص آخرين... يعني هل كلّهم لديهم التوجه نفسه والغاية نفسها والهدف نفسه؟

 

 

 

ج: يا سيدي تاريخياً كافة الجماعات الاسلامية التي ظهرت في الستينات والسبعينات والثمانينات خرجت من عباءة واحدة وهي عباءة "الأخوان المسلمين". وخطاب "الأخوان المسلمين" خطاب واضح جداً منذ عهد الملك فؤاد الأول ملك مصر عندما أراد أن يكون خليفة المسلمين بعدما أطاح كمال أتاتورك (1924) بالخلافة الاسلامية. ولذلك كتب علي عبد الرازق كتابه المشهور "الاسلام وأصول الحكم" وهو ردّ على "الأخوان المسلمين" في أن لا دولة في الاسلام ولا خلافة بعد ذلك... وأنّ الاسلام هو دين فقط وليس دولة... و"الأخوان المسلمون" كانوا هم الذين يتبنون إقامة الخلافة الاسلامية، وظهرت الجماعات الاسلامية في ما بعد... ولّت سيّد قطب أو ما يسمى بالحركة القطبية في المرجعيات الأصولية الدينية، وطالب بإقامة خلافة إسلامية وبالحاكمية لله، وهذا شيء معروف.

 

 

 

س: دعيتم في إطار مكافحة الارهاب إلى إنشاء محكمة دولية للارهاب، أخذتم تواقيع كثيرة بالآلاف (4 آلاف توقيع) من مثقفين مختلفين ربما أغلبهم في المهجر... أين اصبح هذا المشروع لدى الأمم المتحدة وهل لديكم خطوات إستكمالية لهذه الخطوة؟

 

 

 

ج: "البيان الأممي ضدّ الارهاب" كما أطلقنا عليه في ذاك الوقت هو واحد من الجهود التي يقوم بها الليبراليون الجدد الآن... وهو جهد المثقفين. المثقفون لا يملكون سلاحاً ولا يملكون سلطة ولا يملكون حزباً ولا يملكون مؤسسة سياسية ولا يملكون بوارج ولا حاملات طائرات لكي يقاوموا الارهاب. الليبراليون الجدد أو كل المثقفين الذين يتضامنون مع الليبراليين الجدد، ليس لديهم إلا الكلمة كسلاح. وهذه الكلمة استُعملت في إعداد "البيان الأممي ضدّ الارهاب"، وفعلاً وقّع عليه أربعة آلاف أو يزيد، علماً انّ أحد الأخوان من جريدة "الأهرام" أصدر لنا إيميلاً يحوي فيروساً وقضى على حوالى 1500 إسم ولم نستطع استرجاع هذه الأسماء. وحقيقةً عدد الموقعين هو أكثر من ذلك وربما تجاوز الخمسة آلاف. طبعاً رُفِعَ إلى الأمم المتحدة في مارس الماضي، وردّت الأمم المتحدة علينا بخطاب من قريب يقول بأنّ البيان في أيدي أعضاء مجلس الأمن ووُزِّع على كافة أعضاء مجلس الأمن والقرار هو قرار أعضاء مجلس الأمن...

 

 

 

س: لو أنّ هؤلاء الأعضاء قالوا لكم: سمّوا لنا من هم الارهابيون؟ من الذين يحرّضون على الارهاب؟ أنتم تتهمون بعض المشايخ، تتهمون بعض المفتين، تتهمون ربما فضائيات عربية بتأجيج النزعة الارهابية وبتأجيج العنف والحضّ على الارهاب... ماذا تقولون لهم؟

 

 

 

ج: نحن لا نؤجج. الارهاب مؤجَّج أساساً. نحن نكشف عن أنّ هذا هو الواقع القائم الآن في العالم العربي في ما يتعلق بالارهاب. نحن لا نؤجج ولا نثير. الارهاب هو مؤجَّج...

 

 

 

س: ...أنا أتحدث عن أنكم تتحدثون عن أناسٍ يؤججون الارهاب. في حال طُلِبَ منكم تسمية بعض الذين يؤججون هذه النزعة الأصولية المتطرفة وبعض الذين يحضّون على ما يسمّونه "الجهاد" في العراق، هل أنتم جاهزون لتسمّوا الأمر بأسمائها، أم ستكتفون بإصدار هذه البيانات التي يبدو كما يقول بعض منتقديكم أنكم تهدفون منها ربما إلى إثارة الجدل فحسب، وليس للوصول إلى اي نتيجة؟

 

 

 

ج: لا على العكس، إنّ ما توصل إليه "البيان الأممي ضدّ الارهاب" واهتمّت به الأمم المتحدة واهتمّ به الأمين العام للأمم المتحدة، ثم يعني تمّ تصويره وتوزيعه على كافة أعضاء مجلس الأمن وتُرك القرار لأعضاء مجلس الأمن في هذا الموضوع ونحن ننتظر قرار مجلس الأمن... هذا اهتمام كبير جداً بهذا البيان. نحن خطوتنا التالية، ولأوّل مرة أنا أعلنها على شاشة "الحرة" في الواقع، أننا في الأيام المقبلة سوف نُعِدّ بياناً جديداً بعنوان "هؤلاء هم فقهاء الارهاب" بالأسماء، وسوف نأتي بموجز لأقوالهم في ما يتعلق بموضوع الارهاب وتشجيع الارهاب والفتاوى، إذا كان هناك فتاوى، وموجز للفتاوى التي صدرت منهم لتشجيع الارهاب وحثّ الشباب المسلم، العاطل عن العمل، الفقير، المعدَم، الضائع، الفاقد للأمل في المستقبل... للانضمام إلى مواكب الارهاب التي تتم الآن في العراق وغير العراق...

 

 

 

س: ... عمّن تتحدثون تحديداً؟ تتحدثون عن فتاوى، عن فقهاء الارهاب... سبق أن سمّيتم الشيخ يوسف القرضاوي بأنه "فقيه الدم" أو ما شابه ذلك، أو أنهم مروجون لثقافة القتل...؟

 

 

 

ج: يعني انت تعلم يا أخ حسين أنّ مجموعة من فقهاء الارهاب الآن موجودون في لندن. وأصبحت لندن الآن هي عاصمة زعماء الارهاب في العالم، وأنا كتبت هذا الكلام صراحة. لندن الآن تجمع أكبر عدد من زعماء الارهاب في العالم. ليس هناك عاصمة في العالم العربي تضمّ زعماء إرهاب كما تضمّ لندن، ولا يوجد أيّ عاصمة غربية تضمّ زعماء إرهاب كما تضمّ لندن. وهم معروفون للعالم كلّه. عندك ياسر اليسري، هاني السباعي الذي قال صراحة وفي التلفزيون زعلى فضائية من الفضائيات بأنه لو أنّ "القاعدة" اعترفت يوم 7 يوليو بأنها هي التي فجّرت في لندن، تكون بذلك قد مرّغت أنف بريطانيا بالتراب! هذا اعتراف صريح وواضح جداً من واحد كهاني السباعي بأنّ الارهاب عمل مشروع وأنّ "القاعدة" لو اعترفت لكانت مرّغت أنف بريطانيا بالتراب! هذا اعتراف موجود وموثّق وحتى موجود على موقع من مواقع الانترنت وهو موقع المقريزي سنتر الذي يترأسه هاني السباعي.

 

إضافة إلى ذلك، عندك "أبو قتادة"، وأبو حمزة المصري، عمر البكري زعيم المهاجرين الذي أعلن أكثر من مرة أنّ الخطاب الأساسي لجماعة المهاجرين التي يتزعمها في لندن هو إعلان الخلافة الاسلامية ورفع علم الخلافة الاسلامية فوق قصر باكنغهام! هذا لن يتم إلا بعمل إرهابي.

 

 

 

س: ... لكن ربما الأكثر للجدل بين المشايخ حالياً هو الشيخ يوسف القرضاوي وسبق لكم أن انتقدتموه، وسبق لكم ولعدد من المثقفين عبر كتابات متعددة أن وصفتم الشيخ القرضاوي بأنه "فقيه الدم" ومروّج لثقافة القتل، البعض ينتقدكم ويقول إنّ هذا الهجوم ربما سببه أنكم ترددون مقولات الغرب وترددون مقولات المعادين للعالم الاسلامي وأنكم تحرضون من الغرب على العالم الاسلامي؟

 

 

 

ج: والله إذا كان هناك ترديد لأقوال ناس عن ناس فالغرب هو الذي يردّد أقوالنا ولسنا نحن الذين نردّد اقوال الغرب. والدليل على ذلك أننا نقرأ الواقع العربي قبل أن يقرأه الغرب. بكل بساطة قصتنا مع الشيخ القرضاوي – نحن نحترم الشيخ القرضاوي كفقيه إسلامي وكمرجعية عليا للفقه وأستاذ كبير للفقه – ولكننا ننتقده في موقفه من الارهاب. يعني في شهر أغسطس الماضي وقف الشيخ القرضاوي في نقابة الصحافيين المصريين ليعلن أمام الملأ جميعاً أنه يجوز شرعاً قتل العسكريين والمدنيين في العراق، وهذا الكلام لم يكن نشرة سرية صدرت من تحت الأرض...

 

 

 

س: ...ولكنه قال إنّ كلامه حُمِلَ على غير محمله؟

 

 

 

ج: ... على العكس من ذلك. هذا البيان صدر عن مكتب القرضاوي ايضاً، وبقي على موقع "إسلام أون لاين" الذي هو الموقع الالكتروني الذي يشرف عليه القرضاوي نفسه، بقي اسبوعاً كاملاً، وذهب القرضاوي إلى السودان في ذاك الوقت لملاقاة حسن الترابي ولمحاولة حلّ مشكلة دارفور... ثم رجع إلى الدوحة وكانت الدنيا قد اشتعلت وتناقلت وكالات الأنباء هذه الفتوى وانتشر صداها في كافة أنحاء العالم على مستوى الاعلام والصحافة والمستوى الرسمي في دول العالم... ثم كتبنا نحن أثناء ذلك وكان هو في السودان وعندما رجع بعد اسبوع، وجد الدنيا قد اشتعلت فعقد مؤتمراً صحافياً تحت ضغوط معيّنة والكل يعلم هذه الضغوط من أين جاءت وكيف جاءت، وأعلن في مؤتمر صحافي بأنه لم يقل هذا الكلام! الواقع أن الشيخ القرضاوي لولا هذه الضغوط الكبيرة ولولا الحملة الاعلامية الكبيرة التي قادها الليبراليون العرب وأيضاً الاعلام العالمي لما كان تراجع عن هذه الفتوى.

 

 

 

س: إذاً... تحدثت قبل قليل عن أنكم تُعدّون في الأيام القليلة المقبلة لائحة بأسماء من يدعمون الارهاب ستقدّمونها إلى الأمم المتحدة. بوضوح، هل إسم الشيخ يوسف القرضاوي على هذه اللائحة؟

 

 

 

ج: نعم سوف يكون على هذه اللائحة نتيجة لهذه الفتوى ونتيجة لفتاوى أخرى سوف نذكرها في هذا البيان. وهناك أسماء أخرى كياسر السرّي وهاني السباعي وعمر البكري و"أبو قتادة" وأبو حمزة المصري وسعد الفقيه ومحمد المسعري... كل هؤلاء سوف يُذكَرون وسنأتي بموجز لفتاواهم وتصريحاتهم لقتل المدنيين الذين لا علاقة لهم لا بموضوع إحتلال ولا بموضوع استعمار جديد كما يقال ولا بأي موضوع آخر.

 

 

 

س: د. نابلسي ننتقل إلى ماذا يجري داخل البيت الليبرالي العربي. انفجرت قبل نحو شهر من الآن قضية المفكر المصري الدكتور سيّد القمني. سيّد القمني هو أحد أبرز الكتّاب الليبراليين وله كتابات كثيرة في هذا المجال. تراجع عن أفكاره وأعلن تبرؤه من كل هذه الأفكار وقال أيضاً إنه سيعتزل الكتابة تحت ضغط أصوليين هدّدوه عبر بريده الالكتورني. في وقتٍ كان كثيرون ينتظرون تضامناً من مختلف البيت الليبرالي مع الدكتور سيّد القمني، خرج الدكتور شاكر النابلسي بمقال يقول: "سيّد القمني: بئس المفكّر الجبان أنت"...؟

 

 

 

ج: الواقع ما حصل في البيت الليبرالي كما عبّرتَ عنه الآن هو مظهر صحة وليس مظهر مرض. بمعنى أنّ هذا الاختلاف في الآراء وهذه المغايرة في الآراء وعدم وجود، كالأحزاب السياسية في العالم العربي، زعيم يقول نعم والكل من ورائه يقول نعم، أو وجود قائد يقول لا والكل من ورائه يقول لا، أثبتت هذه الواقعة على أرض الواقع وبالدليل القاطع بأنّ الليبراليين الجدد هم فئة ديموقراطية من الدرجة الأولى بحيث أن كثيراً من الليبراليين يمكن أن يعارضوا كاتباً ليبرالياً بسيطاً مثلي نظر إلى حالة معيّنة نظرة مغايرة للآخرين...

 

 

 

س: ...لكن ما يؤخَذ عليكم، أنتَ والذين ردّوا عليك، أنكم ربما استخدمتم لغةً قاسية تجاه بعضكم، وصفتَ سيّد القمني بالجبان في عزّ أزمته مع الأصوليين، ولم يقتصر انتقادك على خطوته بالتراجع عن أفكاره، إنما طعنتَ بهذه الأفكار تحديداً ووصفتَ ثقافته الاسلامية بالسطحية؟

 

 

 

ج: يا سيّدي ليس سيّد القمني هو (وحده) من يتعرّض لما يتعرض له الآن. كلّنا نتعرض لما يتعرض له سيد القمني. بل هناك من الليبراليين في العالم العربي من يتعرّض إلى أكثر من ذلك. هل هناك أكثر مما يتعرض له العفيف الأخضر الآن في باريس؟ بالجوع والمرض والحاجة والشلل والتهديد اليومي بالقتل من جماعات إرهابية وإسلامية مختلفة...

 

 

 

س:... من الشيخ راشد الغنوشي...

 

 

 

ج: ... راشد الغنوشي وغير راشد الغنوشي. إنما الرجل لا يزال ثابتاً على مبادئ وعلى قيم ولم يتخلّ عن حرفٍ واحد. القمني لا يملك أفكاره. القمني لا يملك كتبه. القمني لا يملك القيم التي نادى بها. هذه القيم ملك للتاريخ وليس لسيّد القمني. هذه القيم وهذه الأفكار وهذه الكتابات ليست عقاراً وليست حساباً في بنك بحيث يستطيع التخلي عنه في أي وقت من الأوقات ويعطيه لمن يشاء أو يقول أنا لا علاقة لي بهذه الأملاك...

 

 

 

س: ... لماذا إذاً لم تفهموا هذه الخطوة على أنها صرخة احتجاج من سيّد القمني ضدّ هذا الواقع العربلي المستهدَف فيه المثقف والسياسي الحر، والمستهدَف فيه كل صاحب فكر ليبرالي، هو تحت ضغط شديد، أنتم في الغرب تنعمون، أنتَ في الولايات المتحدة الأميركية، العفيف الأخضر في باريس، ييتلقون تهديدات ولكنكم بعيدون عن التهديد الفعلي...

 

 

 

ج: يا سيدي، يا حسين، نحن حتى لو كنا في القمر مهددون. أنا في دنفر مهدّد وكسِّر بيتي وهناك تقرير لدى الشرطة الأميركية واضطررت للرحيل من البيت... لا اريد أن افتح ملفات الآن. ما اريد أن أقوله لك أنه كان أمام القمني عدة حلول. نصر حامد أبو زيد ألم يتعرّض في مصر لأكثر من هذه المحنة؟ ألم يصدر حكم في نصر حامد أبو زيد بالتفريق بينه وبين زوجته باعتباره كافراً ومرتداً وزوجته لا تزال مسلمة ولا يجوز له الاستمرار في زواج زوجته الستاذة في جامعة القاهرة للأدب الفرنسي؟ واضطر أن يترك بلاده وأهله وأخذ زوجته وذهب إلى هولندا وهو الآن استاذ في إحدى جامعاتها. لماذا لم يلجأ القمني كما لجأ الشيخ أحمد صبحي منصور إلى الهجرة... كان هناك حلول كثيرة...

 

 

 

س:... هم يعني ينجحون إما بالقتل وإما بالتهجير؟

 

 

 

ج: كان يمكن أن يلجأ القمني إلى حلول كثيرة جداً. ولكن الحلّ المتوقع كان من القمني هو أن يصدر بياناً على خلاف هذا البيان، ويقول إني هُدِّدت... يعني أنتَ الآن أخ حسين تطلب منّا أن نكون إلى جانب القمني... هذا صحيح وكان يمكن...

 

 

 

س:... أنا لا أطلب... أنا أنقل ما كُتب...

 

 

 

ج: ... الناس أو الآخرون الذين سمعوا أو شاهدوا أو تابعوا حكاية القمني كانوا يطلبون منّا أن نكون إلى جانب سيّد القمني في هذه المحنة... صحّ. كان يجب أن نقف إلى جانب سيّد القمني ولكن هذا الوقوف كان يشترط أن يقف في البداية سيّد القمني ويقول أنا تلقّيت تهديداً من الارهابيين، يريدون قتلي، يريدون تشريدي، ويريدون تيتيم أولادي... ولكنني لن ارضخ لهؤلاء، ولن أتنازل عن كلمة واحدة كتبتَها، ولن أتنازل عن حرف واحد أعلنته بالمسموع أو بالمرئي أو بالمكتوب... لو وقف هذه الوقفة الاعتزازية ضدّ الارهاب وتحدّى الارهاب، لكنا نحن وقفنا معه هذه الوقفة التي ينادي الآخرون بأن نقفها معه.

 

 

 

س: يعني أنتَ دعيتَ سيّد القمني إلى أن يكون "استشهادياً" في الدفاع عن افكاره، في وقت تعارض هذا المبدأ ربما في أماكن اخرى ولأناس آخرين... ربما كبعض الفلسطينيين الذين يفجّرون أنفسهم دفاعاً عن مبادئهم، أنتَ تعارض هذا الأمر وفي الوقت نفسه تحرّض سيّد القمني على أن يكون شهيداً لأفكاره ولآرائه رغم كل التهديدات؟

 

 

 

ج: لا، القياس هنا يا سيدي ما يسميه أهل المنطق قياساً فاسداً. بمعنى أن الحالة هنا لا تنطبق على الحالة هناك. هذا هو المعنى. وضعُ الاستشهاديين أو ما يُسمى بالاستشهاديين في غزة وفي العراق وفي أماكن أخرى مختلف عن وضع القمني نهائياً. القمني رجل مفكّر وصاحب خطاب سياسي وصاحب خطاب ديني وصاحب خطاب إجتماعي. هذا الخطاب منذ بدأ القمني يكتب، ومنذ بدأنا نكتب أول حرف، نحن نعلم بأن ما نكتبه لن يلقى ردّ الفعل الحسن في العالم العربي، ولن نُجزى عليه الجزاء الحسن، لن يُضرَب لنا سلام مربّع في العالم العربي...

 

 

 

س: ... لأنّ ثمة مشكلة في الثقافة العربية؟

 

 

 

ج: لأن ثمة مشكلة في الثقافة العربية ولأنّ الشارع العربي شارع متشنج وشارع غرائزي وشارع يجري وراء الشعارات غير الحقيقة وغير الواقعية من الناحية السياسية. شارع منذ 1947 إلى الآن وهو مشبَع بالشعارات التي لا تُطعم ولا تغني من جوع. فلو نحن وقفنا هذا الموقف مع القمني كان يجب أن يكون هذا الموقف مبنياً على موقف القمني من الساس وهو تحدّي الارهاب. القمني لم يتحدّ الارهاب.

 

 

 

س: ولكن بإعلانه ذلك أعيد نشر نتاجه، بعض تصريحاته انتشر أكثر من ذي قبل. ربما البعض فهم الموضوع على أنه صرخة احتجاج كما أسلفنا سابقاً، أتاحت لفكاره أن تنتشر بطريقة أكبر، وهو انزوى إلى أمانه الخاص، إلى أمان عائلته ربما؟

 

 

 

ج: صرخة الاحتجاج لا تكون بهذا الشكل. صرخة الاحتجاج تكون بالتحدي. نحن أمام خطر كبير جداً في العالم العربي وهو خطر الارهاب. إن لم نكن اقوياء وإن لم نكن اشدّاء تجاه هذا الخطر، وإن لم نكن مصممين ومؤمنين تمام الايمان بأنّ ما نقوله هو الصحّ وهو الطريق السليم وهو طريق المستقبل للأجيال القادمة... لن يتحقق شيء. لو فرضنا بأنّ كل ليبرالي وكلّ مفكّر في العالم العربي تعرّض إلى مثل هذا التهديد وجاءته رسالة على بريده الالكتروني أو البريد المسجّل أو بأي وسيلة كانت، ونتيجة لهذه الرسالة قال أنا سلّمت وانتهيت ولن أكتب حرفاً واحداً... وكل ما كتبته "كلام فاضي" ولا أؤمن به وأتخلى عنه تخلّياً تاماً... ماذا سيحصل في العالم العربي؟ سنصير مضحكة العالم.

 

 

 

س: دكتور نابلسي، لننهي هذا الموضوع، أُخِذ عليك في مقالك الثاني حول موضوع سيد القمني أنّك استشهدتَ بآراء إسلاميين ضدّ شخص ليبرالي. استشهدت برأي السيد منتصر الزيات وهو محامي الجماعات الاسلامية، استشهدت برأي السيد كمال حبيب نائب المرشد العام للأخوان المسلمين، أليس عجباً أن يستشهد الدكتور شاكر النابلسي، الليبرالي العربي، بآراء إسلاميين سبق كثيراً أن عارضتهم وانتقدتهم وهاجمتَ بعض طروحاتهم في معركة ضدّ ليبرالي آخر يتعرض للتهديد؟

 

 

 

ج: هذا صحيح ولا غبار أن تقوق الحقيقة وأن تستنبط الحقيقة وأن تستدعي الحقيقة من اي مكان، سواء كنتَ على عداء مع هذا المكان أو كنتَ على صداقة معه، ما دامت الحقيقة هي الحقيقة أينما كانت، فيجب أن تُستقطَب وهذا أيضاً دليل آخر على مدى انفتاح الليبراليين...

 

 

 

س:... ولكن لماذا اعتبرت أنّ الحقيقة هي عند منتصر الزيات وليست عند سيّد القمني؟

 

 

 

ج: أنا في مقالي لم اقل هذه هي الحقيقة. أنا قلت إنّ منتصر الزيات يقول كذا وكذا وكذا... وأنّ كمال حبيب أحد زعماء "الجهاد" المصري يقول إنّ تنظيم الجهاد المصري قد انتهى منذ عام 1996 وانفضّ... هذه ردود دالّة على أن دعوة القمني هي دعوة يبدو أنها غير حقيقية، وهي للاثارة، إثارة الدخان وإثارة الغبار وللشهرة... إلخ... وهذا ما هو مستبعد عن الواقع.

 

 

 

س:... ولكن بعد ذلك بأسبوعين تقريباً كانت هناك تفجيرات شرم الشيخ. ضرب الارهاب في مصر مجدداً، ألم تُعِد النظر في موقفك من سيد القمني؟ يعني تلارهاب ضرب على مستوى كبير جداً، ربما يضرب أشخاصاً... لماذا تفصل بين الأمرين، بين تهديد مفكّر وتهديد أمن بلد بكامله؟

 

 

 

ج: أنا لا استبعد، يا أخ حسين، أنا لا استبعد أن ينال الارهابيون من أي مفكّر... سواء كان ليبرالياً أم غير ليبرالي...

 

 

 

س: ... إنما تريد أن يثبت المفكرون على آرائهم، الفكرة واضحة. وننتقل إلى جانب آخر. ثمة مِن معارضيكم في العالمين العربي والاسلامي مَن لا يعرفون مع من هي مشكلتكم تحديداً. يقولون إن مشكلتكم هي مع الاسلام وليست كما تقولون مع بعض فقهاء الدين الذين يختلفون في تفسيراتهم للاسلام. يستشهدون ربما بالسيد العفيف الأخضر، أحد ابرز الكتّاب الليبراليين، يتحدث مثلاً عن "ضرورة تجفيف ينابيع ثقافة الاستشهاد، أي النحر والانتحار" كما يقول في أحد مقالاته، "بتطهير التعليم من مادّتَيْ الجهاد والاستشهاد". هذان العنوانان هما في الاسلام، وفي القرآن تحديداً، موجودان بشكل رئيسي. الجهاد تحديداً هو أحد ابرز المكوّنات الأساسية في الدعوة ربما للاسلام... يبدو أنّ مشكلتكم تحديداً هي مع الاسلام كدين؟

 

 

 

ج: أنا بصراحة أرفض هذه المقولة جملة وتفصيلاً. نحن لا مشكلة لدينا على الاطلاق مع الاسلام كدين. مشكلتنا الأساسية، إذا كانت هناك مشكلة، فهي مع التأويل ومع التفسير الخاطئ للاسلام. ولذلك تنبّه بعض الفقهاء إلى هذا الموضوع ومنهم الشيخ جمال البنا عندما نادى بإيقاف التفسير. إيقاف تفسيرات القرآن، لأنّ التفسير أصبح يخضع لعوامل سياسية وعوامل إجتماعية وعوامل إقتصادية وعوامل إيديولوجية كثيرة جداً وضغط من الحكام وضغط من السلاطين، وهذا لم يحصل في العصر الحديث فقط...

 

س:... وقف التفسير ما المقصود به تحديداً؟

 

 

 

ج:... بمعنى أنّ على المسلم أن يقرأ القرآن ويفهمه بموجب ثقافته ومستوى تعليمه وألا يخضع لتفسيرات المفسّرين. تفسيرات المفسّرين خضعت طوال عصور سابقة من 1400 سنة إلى الآن لضغوط الحكام لكي يُفسّر القرآن كما يريد هؤلاء الحكام، ولضغوط بعض الفقهاء لكي يُفسّر القرآن كما يريد هؤلاء الفقهاء، ولضغوط عوامل سياسية واجتماعية واقتصادية كثيرة جداً. إذن نحن مشكلتنا ليست مع الاسلام، ليست مع القرآن، ولكن مشكلتنا مع التفسيرات الخاطئة والتفسيرات المتجنية في القرآن والتي يراد من خلالها تحقيق أهداف سياسية واجتماعية ومالية أيضاً واقتصادية من قبل رجال الدين الذين يقومون بهذا التفسير الذي لا أسميه تفسيراً خاطئاً، ولكن أسمّيه تفسيراً موجّهاً...

 

 

 

س:... موجّهاً من قبل بعض المؤسسات الدينية؟

 

 

 

ج: من قبل الأحزاب السياسية الدينية، من قبل الجماعات الاسلامية، من قبل مؤسسات رجال الدين...

 

 

 

س:... يعني بمعنى آخر، المجتمعات الاسلامية والمؤسسات الدينية لم تفرز بعد طوال هذه القرون والسنوات من هو قادر على تفسير القرآن تفسيراً عصرياً وصحيحاً... أنتم لديكم مشكلة ربما مع مجمل المفسّرين، ألا تتابعون الآراء المعتدلة في هذا الموضوع، بعض المعتدلين يطالبون بإعادة تفسير القرآن وفق ظروف العصر الحالية؟

 

 

 

ج: هناك آراء معتدلة، ولكن هذه القضية أثيرت عندما استُعمِلَت الايات التي تحض على كراهية الآخر وعداء الآخر وتكفير الآخر... هذا الآخر وُجد قبل 1400 سنة! وليس الاخر الآن! الآيات الموجودة في القرآن لتكفير الآخر والعداء للآخر وحرب الآخر هي آيات نزلت لظروف سياسية وظروف إجتماعية وظروف اقتصادية كانت سائدة في ذلك الوقت، وكان هناك صراع سياسي بين هذه الفئات وبين المسلمين. هذه الفئات انتهت واندثرت، والمسلمون ايضاً الذين تصارعوا في ذلك الوقت اندثروا وانتهوا. نحن الآن في مرحلة جديدة. ما يُقال عن هؤلاء وهؤلاء لا ينطبق علينا نحن مع الآخر. إذاً أي تفسير وأيّ إسقاط لهذه الآيات على الواقع السياسي والواقع الاجتماعي العربي هو من الخطأ بمكان. ثمّ، لا يوجد في القرآن آية واحدة تقول بأنّ كل الآيات التي نزلت لتحديد علاقة المسلمين مع الآخر هي آيات عابرة للتاريخ، وهي آيات صالحة لكل زمان ومكان، وإنما هذه الآيات كما يقول كثير من رجال الدين، نزلت لأسباب سياسية واقتصادية واجتماعية كانت قائمة في ذلك الوقت ولم تعد قائمة الآن، ونحن أمام وضع جديد.

 

 

 

س: هذا جدل مفتوح على كل حال بينكم وبين علماء المسلمين. بالانتقال إلى موضوع التغيير في العالم العربي يسألكم كثيرون: متى يخرج الليبراليون العرب من الاطار التنظيري لأفكارهم إلى أن يشكلوا مشروعاً تغييرياً حقيقياً وفعلياً؟ يعني كثيرون يعتبرون أنكم "تنظّرون" وأنكم لا تقدّمون مشروعاً تغييرياً حقيقياً بحجة أن الليبرالية طوال تاريخها كانت لدى النخبة، وبالتالي تركتم الشارع العربي، انعزلتم عن الشارع العربي وتركتموه عرضةً للتيارات الاسلامية التي سَهُلَ عليها اختراق هذا الشارع بفقره وبحاجاته اليومية وربما ببعض خطب الجمعة... وأنتم لا زلتم تتحدثون عن الحرية والديموقراطية من دون أن تكسبوا شيئاً من هذا الشارع؟

 

 

 

ج: أنا أعارضك أخ حسين في بعض النقاط في ما يتعلق بهذا الطرح، أننا لم نكسب جانباً أو شيئاً من هذا الشارع، علماً أنّ الشارع ليس من اهتمامنا. نحن لسنا نخبة جماهيرية ونحن لا نسعى وراء الجماهير لكي تصفّق لنا ولكي تردّد شعاراتنا...

 

 

 

س:... إلامَ تسعون إذن؟

 

 

 

ج:... أنا أعتبر أن المثقف الجماهيري هو مثقف فاشل. لماذا؟ لأنّ المثقف الجماهيري يخضع لرغبة الجماهير الغرائزية ولتشنّج الجماهير غير الواقعية، والعاطفية...

 

 

 

س:... لنوضح هذه الفكرة. عندكم شارع عربي، وهناك أنتم الليبراليون، وهناك من يتوجهون إلى الشارع العربي بخطاب غرائزي... هم مفتوحة أمامهم كل المجالات ليخاطبوه ويسهُل عليهم اكتساب هذا الشارع... لماذا لا تقدرون على اكتساب هذا الشارع بخطابكم؟ هل لأنّ الخطاب الليبرالي هو أقل قدرة على اختراق الشارع العربي؟

 

ج: لا شك أنّ الخطاب الليبرالي هو أقلّ قدرة. نحن لسنا حزباً سياسياً. يعني الجماعات الاسلامية وراؤها أحزاب سياسية أنشئت من 1928، منذ حوالى خمسين سنة تقريباً، وتُجَيِّش مئات الآلاف من الدعاة والخطباء والمبشّرين... ووراؤهم أموال والوسائل الاعلامية من الانترنت إلى الفضائيات إلى الصحف... نحن لا نقاس بالنسبة إليهم، نحن نخبة ننادي، أو ندّعي أننا نخبة، ننادي بأفكار مستقبلية في ما يتعلق بالحرية والديموقراطية وحرية المرأة ومساواتها بالرجل، وفي ما يتعلق بإقامة اسس المجتمع المدني الحقيقي، في ما يتعلق بنقد التراث نقداً علمياً...

 

 

 

س:... يعني تريدون من ذلك الاصلاح. أنتم من القائلين إنه لا يمكن التعويل على مقولة أن لا إصلاح إلا من الداخل وبالتالي لا بدّ للاصلاح من ضغط خارجي أو دعم خارجي، ولكن عليكم ربما واجب أن تقوموا بدور تهيئة المجتمعات الداخلية والمجتمعات المدنية العربية لأن تكون جاهزة لاستقبال الاصلاح وللسير قدماً في موضوع الاصلاح وعدم التعويل بالكامل على الاصلاح من الخارج. يعني يُؤخَذ عليكم ربما أنكم تحاورون الغرب أكثر بكثير مما تحاورون مجتمعاتكم المدنية؟

 

 

 

ج: أولاً، رداً على هذا السؤال، خطابنا موجّه بالدرجة الأولى إلى الشرق وليس إلى الغرب. إذا كان الغرب يردد من ورائنا ما نقوله فهذا لا يعني أننا صدى للغرب أو لأفكار الغرب. إذا كنا نلتقي مع الغرب في بعض الأفكار، فهذا لا يعني بأننا صدى للغرب. النقطة الثانية التي أثَرْتَها، موضوع الاصلاح من الداخل أم من الخارج. هذا هو الجدل الدائر الآن في العالم العربي. لكن علينا أن نعلم جيداً أنه عندما تتقاطع المصالح وعندما لا يجد الشعب معيناً له في تغيير أنظمة الحكم الاستبدادية الطاغية في العالم العربي، فلا بدّ له إلا الاستعانة بالخارج. يا سيدي، هارون الرشيد استعان بشارلمان ملك فرنسا لكي يطيح بحكم الأمويين المسلمين في الأندلس. تشرشل في الحرب العالمية الثانية تحالف مع ستالين لكي يهزم هتلر النازي، وهو الرأسمالي وستالين هو الشيوعي. يعني التقى الضدّان التقاءً مفاجئاً جداً على مصالح معيّنة. الاستعانة بالخارج ليست عيباً. نحن استعنّا بالخارج طوال عهود مختلفة من العصر الراشدي حتى الآن. عم ربن الخطاب عندما أراد أن يقيم ما يسمى بالديوان أو وزارة المالية بما فيها التنظيم الاداري، استعان بالبيزنطيين في ذلك الوقت. عندما هاجر المسلمون إلى الحبشة استعانوا بملك الحبشة المسيحي في ذلك الوقت وفي عهد الرسول صلّى الله عليه وسلّم. والأدلّة كثيرة...

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

Link to comment
Share on other sites

Join the conversation

You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.

Guest
Reply to this topic...

×   Pasted as rich text.   Paste as plain text instead

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   Your previous content has been restored.   Clear editor

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.

Loading...
×
×
  • Create New...