Jump to content
Baghdadee بغدادي

ما هو الإسلام؟


Recommended Posts

http://kitabat.com/aleslam_f1.htm

 

«ما هو الإسلام؟»

 

كلما ازدادت الفكرة هشاشة

 

كلما ازداد «إرهاب» أصحابها في الدفاع عنها!

 

 

كتابات - نبيل فياض

 

 

«ما هو الإسلام؟»

 

سؤال قد لا تكون الإجابة عليه سهلة!

 

ما هو الإسلام؟

 

فخلال خمسة عشر قرناً من الإنتشار «الأفقي» طوّر الإسلام منظومات معرفية وبنىً أيديولوجية ومعانٍ متعلّقة بالهوية - تختلف بالكامل عن ذلك المحتوى البسيط، شبه البدائي، الذي كان للإسلام الأوّلي. - مع ذلك، فما يزال المسلمون يلحّون عموماً، بإصرار ملفت في سذاجته، على أنهم «بنيان» واحد متكامل - مرصوص، بهوية واحدة، وحقيقة واحدة: الإسلام! وذلك يعاكس بالكامل كل الوقائع التي نتلمسها في أية بقعة من ذلك العالم المترامي الأطراف، الممتد من جاكرتا إلى كازابلانكا - والذي يختلف تماماً عن غيتو «طيبة» الصغير، الذي انطلقت منه تلك الفكرة، التي يستحيل اليوم أن نلمس حوافها الأصلية الفعلية.

 

وأخيراً... صار الغيتو إمبراطورية:

 

كانت ابنة عاقّة، ناكرة للجميل: فما أن أنجبت اليهودية ابنتها الأولى، المسيحية، حتى راحت تلك الأخيرة بدوافع الكراهية المتأصلة بين الأم والابنة منذ اللحظة الأولى تعلن عقوقها على الملأ - ثم تجسّد ذلك العقوق عينياً عبر زواج الابنة من الفكر اليوناني، على يد الكاهن المتهلين، بولس الطرسوسي. لم تعد نصرانية متهودة: صارت مسيحية متهلينة. وفي أنطاكية، إحدى حواضر التهلين في ذلك الزمان، وتحت رعاية الطرسوسي ذاته، «دعي التلاميذ للمرة الأولى مسيحيين»!

 

وفعل الفكر اليوناني بالمسيحية فعلته:

 

1 - فقد جردها من لغتهاالأم، الآرامية - العبرية، وصفّاها من أي تعصّب لغوي، لأنه فكر كوزموبوليتاني: ليس لدينا اليوم حرف واحد في العهد الجديد، كتاب المسيحية المقدّس، إلا باللغة اليونانية - كأصل لكلّ الترجمات المتداولة الآن. وما يُحكى عن نصّ أصلي بلغة غير يونانية لمتى أو غيره، يظلّ - ما دام غير مؤيّد بالدليل العلمي - مجرّد كلام وتكهّنات.

 

2 - قضى الفكر اليوناني في المسيحية على مقولة الحامل القومي للمحمول الديني اليهودية الأصل والمنشأ. ففي عالم الهلينية المترامي الأطراف، المتعدد الجنسيات (- وأحياناً اللّغات -)، كان لابد للمسيحية أن تتخلّى عن قوقعتها القومية الحاخامية الحادّة، إذا ما أرادت الانتشار وتخطّي كل الحدود. وهكذا، فمنذ البلداية الأولى، لم تكن المسيحية قومية: كانت إيماناً بشخص يسوع المسيح كمخلص للذات المؤمنة به - بغض النظر عن جنسية هذه الذات أو لغتها أو لونها أو جنسها.

 

3 - ضمن صيرورة التهلين تلك، تخلّت المسيحية أيضاً عن الشكل اليهودي للألوهة - «يهوه»، الإله الذي لم يسمح لإله غيره بأن يوجد، ولم يسمح أتباعه بالتالي لأتباع إله غيره بأن يوجدوا، هو بالتالي أقسى شكل للألوهة وأكثرها إرهابية وتشرّباً للبدائية والبداوة والصحراوية. وإذا ما أخذنا الحضارية كمعيار لتصنيف مقولات الآلهة مراتبياً، فسوف يحتل يهوه الدرك الأسفل، كإله واحد أوحد، والذي لا تسمح وحدانيته المطلقة الدكتاتورية بأي شكل للتعددية الديمقراطية - والتعددية دعامة الحضارية الأولى. ولا يمكن إطلاقاً مقارنة يهوه هذا بالتعددية الحضارية الديمقراطية لآلهة اليونان أو سوريا القديمة.

 

«التعددية = ديمقراطية = حضارة؛ الوحدانية = قمع = بداوة».

 

الإله الأوحد اليهودي وكراهية «الغير» اليهودية وجهان لعملة واحدة - الإرهاب!

 

مقابل ذلك، فقد اهتدت المسيحية، في بحثها الدؤوب عن شكل للألوهة أكثرمناسبة للكوزموبوليتانية الهلينية ولخروجها الحضاري من الغيتو الحاخامي، إلى تركيبة جمع فيها بين التعددية الإلهية اليونانية الحضارية، والوحدانية الإلهية اليهودية الاستبدادية (-والبدوية-)، فكان أن ظهر للوجود ذلك «الإله الواحد في ثلاثة أقانيم» - لكن الكفة مالت غالباً لصالح التهلين، خاصة مع تبني المسيحية لعلم المصطلحات اليوناني الفلسفي لاستخداماتها العبادية: «أليس يسوع، أساس المسيحية وهيكل كنيستها، وهو اللوغوس اليوناني(1)؟».

 

الابن الوفي:

 

لقد خرج الإسلام من رحم اليهودية - التلمودية - الحاخامية!

 

فرغم كل ما قيل أو يقال حول العلاقة بين الإسلام والنصرانية(2) - وليس المسيحية - فالإسلام، في نهاية الأمر، لم يخرج إلا من الرحم الآنف الذكر. لقد أشار غنزبرغ في عمله الشهير أساطير اليهود إلى أن القرآن يعرف الهاغاداه أكثر مما يعرف التوراة - إنه ينظر إلى التوراة في الواقع في ضوء الهاغاداه(3). من الجانب الألماني، يطالعنا عمل أ. غايغر الطليعي، ماذا أخذ محمّد من اليهودية Was hat Mohammeds aus dem Judenthume aufgenomen؟ الذي قد يعتبر الأول من نوعه في حقل العلاقة الجوهرية بين الإسلام الأرثوكسي واليهودية التلمودية الحاخامية. مع ذلك، ففي اعتقادنا أن هـ. شباير هو أفضل من كتب، بتفاصيل وافية، في ذلك الحقل حتى الآن: الحكايا الكتابية في القرآن Die biblischen Erzنhlungen im Quran، هو عمل شباير المحوري، الذي نقدّمه أيضاً، ضمن هذه السلسلة.

 

فعلى سبيل المثال، في القرآن مئتا موضع تتطابق بالكامل مع مواضع هاغادية مقابلة من التلمود البابلي؛ عشرون موضعاً من الأورشليمي؛ وسبعة عشر موضعاً من المشنا. أما من الجانب الهالاخي - التشريعي، فالتطابق يبدو مذهلاً أحياناً: لاشك أن شاخت، في عمليه الهامين، مدخل إلى الشرع الإسلامي، وأصول الفقه المحمدي، اللذين يُشار إليهما كثيراً في الهاجريون، قد أوضح ذلك بالتفصيل(4).

 

بعكس المسيحية، فقد كان الإسلام، في بداياته التكوينية، بعيداً عن الهلينية، جغرافياً وغير جغرافي. وبعكس المسيحية أيضاً، لم يكن بولسَ رسولَ، الشخصية القيادية في الإسلام التكويني، بل عبد الله بن سلام ووهب بن منبه - وكعب الأحبار. لقد تكوّن الجنين الإسلامي في رحم اليهودية - التلمودية - الحاخامية؛ وحين خرج من الغيتو الضيّق إلى عالم الأغيار الواسع، حمل معه تحت جلده غيتو خاصاً به. - فرغم الانتشار الأفقي الشاسع للإسلام الأرثوذكسي؛ رغم الإمبراطوريات الإسلامية التي لم يمكن «لغيمة إلا أن تهطل فيها»؛ رغم مئات السنين من الابتعاد الزماني عن الهيولى القديمة: ظلت الإمبراطورية إمبراطورية - غيتو : غيتو روح؛ غيتو نَفْس؛ غيتو مبادئ؛ وغيتو عقائد. - مع ذلك، تظل نقاط خلاف بين غيتو الرحم وغيتو الوليد ترمي بظلالها غير الضعيفة في لاوعي الطرفين:

 

¯ بعكس اليهودية، أخذ الإسلام الطابع التبشيري والذي كان بحاجة ماسة له آنذاك

(-والآن؟! -) من أجل تضخيم مضطرد لبنيان القوة فيه. وهكذا، كان لابدّ له أن يمتد إلى شعوب وإثنيات ولغات مبتاينة - لكن الإسلام، بعكس المسيحية هنا، بدل أن يكسر جدران الغيتو الأصلي لإنشاء حضارة عالمية ذات حقيقة إسلامية، أجبر الحضارات على حمل هويته الخاصة وأدخلها بالتالي في «غيتووه» طارحاً أمامها خيارات ثلاثة: إمّا أن تتمثّل قيم الغيتو وعالمه؛ أو أن تعيش داخل جدران ذلك الغيتو معزولة ومقهورة وقابعة في غيتوهات أصغر تضيق باستمرار؛ أو أن تقاتل حتى الفناء. - باختصار: عوض أن يكسر الإسلام جدران الغيتو كي ينطلق حراً، خالياً من أثر الرحم الأصلية، وسّع جدران الغيتو حتى طوّقت العالم كله تقريباً. «لكنه ظلّ غيتو يهودي الرائحة والطعم والنكهة».

 

مقابل العبرية، فُرضت العربية على كل من أسلم أو تأسلم لأنها لغة الإله والملائكة والعبادات (ملائكة اليهود لا تفهم غير العبرية وبالتالي لا تستطيع أن تنقل إلى يهوه أية صلاة بغير تلك اللغة؛ وملائكة الإسلام لا تفهم إلا العربية).

 

مقابل يهوه، الإله الواحد الأحد الذي لا يسمح لغيره - ولا يسمح أتباعه لأتباع غيره - بالوجود؛ كان الله الواحد الصمد غيوراً واستبدادياً في مملكته (أوّل ما فعله محمد حين دخل مكّة كان إزالة الآلهة الأخرى المنافسة من الوجود - وإزالة أتباعها أيضاً من خارطة عالمه: إما بقتلهم أو بإجبارهم على الهروب أو بتركهم يعتنقون ديانة إلهه حتى لو كانوا ضمنياً غير مقتنعين بذلك وحتى لو كان هو ذاته يعرف أنهم منافقون - من دخل دار أبي سفيان فهو آمن!).

 

­ لأن الإسلام خرج أساساً من رحم يهودي، فهو لم يستطع بالتالي أن يُنكر الشكل اليهودي للإله - والنصراني أيضاً. وهكذا كان الله أقل استبدادية من يهوه حيث سمح لليهود والنصارى بالتواجد - كمواطنين بلا درجة - في ظل «ذمّته»: دون أن يخلو الأمر، من حين لآخر، من غزوة هنا وإغراء هناك لأتباع هاتين الديانتين كي يهجروا معتقداتهم ويدخلوا في دين الله.

 

­ لقد ساعد انتشار الإسلام إلى حضارات وثقافات متباينة في إضعاف تماسكه والإقلال من قساوة قشرته - بعكس اليهودية. وهذا ما أدّى بدوره إلى بروز حركات ثقافية وفكرية بلبوس إسلامي منذ بدايات الإسلام الأولى - وحتى الآن.

 

ما هو الإسلام؟

 

هل اتفق المسلمون يوماً على كل تفاصيل التراث الإسلامي بكل تناقضاته؟

 

هل توجد بين أيدينا مواد وثائقية يمكن أن تساعدنا في تكوين صورة مقبولة عن بدايات الإسلام التأسيسية؟

 

هل كان القرآن، مرجع المسلمين الأساسي، موجوداً زمن النبي، بحاله التي نعرفها الآن؟ وماذا نقول عن تلك الأحاديث في «الصحاح» والتي تتحدث عن شيء من عدم الأمانة في تناقلية النص المقدّس؟ وماذا أيضاً بشأن الحجّاج، الشخصية الأسوأ سمعة في تاريخ الإسلام، والذي يحكى عن دوره في إحدى عمليات تدوين النص القرآني - وكذلك عن بعض تلاعب له في النص، والأمر ليس بمستبعد بالنسبة لشخص على شاكلته؟

 

وإذا كان هنالك من يقول إن لديه مواداً تاريخية تثبت وجود مواد مكتوبة من هذا النص أو ذاك ترجع إلى البدايات الأولى، فما هو دليله على أن مواده التاريخية موثقة وقابلة لأن تعتمد؟

 

مثال بسيط:

 

لقد عرف عثمان بن عفان في التاريخ الإسلامي بلقب «ذي النورين» - على أساس أنه تزوّج اثنتين من بنات النبي: رقية وأم كلثوم. لكن بين أيدينا الآن دراستان تسحبان بقوة هذا المجد المتداول شعبياً من تحت قدمي عثمان، وترميان بالتالي بظلال قوية من الشك حول السيرة النبوية ككل: الأولى كتيّب لمؤلف إمامي يحمل عنوان بنات النبي أم ربائبه، والثانية دراسة لكاتب أعتقد أنه إمامي منشورة في إحدى الدوريات المصرية الإثارية الواسعة الانتشار، وتحمل عنوات بنات الرسول: من هن؟(5).

 

إن كل مافي الإسلام الأولي من تراث مكتوب ظلّ لفترة طويلة بحالة شفوية: ولا نعتقد أن شيئاً دون قبل الحقبة الأموية. والأمويون الذين لم يكونوا مسلمين عموماً، بل حكام باسم الإسلام، لا يوجد ما يمنعهم عن استخدام وسيلة الحكم هذه لغاياتهم الخاصة، حتى لو تناقض ذلك مع جوهر الإسلام المحمدي ذاته. فهل هذا الإسلام الذي يتداول حالياً في الأسواق والمكتبات والمساجد والتكايا، وعلى جبهات القتال في السودان والصومال وأفغانستان ومصر والجزائر.. هو ذاته تحديداً إسلام محمد؟ ببساطة: لا نعتقد ذلك.

 

منطقياً، فإن عليّ بن أبي طالب كان الإنسان الأقرب إلى شخص المؤسس؛ لذلك لا بد أن يكون الشكل العَلَوي - رغم مبالغات الشيعة وأساطيرهم التي أساءت كثيراً لهذا الشكل - للإسلام المحمدي هو النسخة الأقرب للأصل. لكن هذه النسخة أبعد ما تكون - أخلاقياً، فكرياً، وإلى حد ما دينياً - عن النسخة الأموية للشكل العمري للإسلام المحمدي: وهي النسخة المتداولة بشدة هذه الأيام.

 

المذاهب:

 

المذاهب في الإسلام، والتي يمكن تلمس أشكالها الجنينية حتى في الأيام الأولى، مسألة ليست غير مثيرة للتساؤل. فإذا كانت المسيحية قد انقسمت منذ البداية إلى أقلية انقرضت (النصارى) وأغلبية سادت العالم يوماً (المسيحية) بسبب ظهور بولس وسحبه إياها من الغيتو الحاخامي الضيق نحو عالم الأممين الواسع، فإنه لم يكن في الإسلام سحب كهذا. مع ذلك، فالفوارق الأيديولوجية العقائدية بين المذاهب - التيارات الإسلامية، لا تقلّ حدّة عن التناقض النصراني المسيحي. هذا يعني وجود أكثر من منظور للإسلام، كما أشرنا، منذ البداية الأولى. ولقد لعب الزمان، كالعادة، لعبته في بلورة تلك التناقضات عبر تيارات تحصّنت شيئاً فشيئاً خلف عباءة المذهب التي يصعب اختراق خيوطها الماورائية. ولا بأس هنا من الإدلاء ببعض الآراء، كمراقبين خارجيين، بتلك المذاهب وبمنظوماتها المعرفية والفكرية، وهو ما قد يفيد مساعدة القارئ الحيادي في التحضّر لدخول عالم «الهاجريون» الصعب، بأفكار غير ميثولوجية ولا عصبية:

 

I - المذهب السنّي:

 

وهو المذهب الأكثر انتشاراً والأوهى أسساً بين كلّ مذاهب الإسلام، خاصة وأنه يتبنى الأشعرية اللاعقلانية اللاسببية كعقيدة، ويغلق بالتالي عملياً ونظرياً، باب الاجتهاد - بمعنى أنه يرمي بالعقل في أقرب سلّة قمامة. هذا النوع من الإسلام هو الأسهل انتشاراً لأنه تحديداً الأقل تطلباً للتفكير ولإعمال العقل - وهكذا فنحن نجد أنّ قواعده الأرسخ هي بين الطبقات غير المثقفة أو تلك التي تلقت تعليماً مهنياً يعتمد التلقي أساساً ولا يحتاج إلى أدنى تفعيل لمقولات الفهم المثقفة (كالأطباء والمهندسين والصيادلة ومن على شاكلتهم).

 

وكما أشرنا، فالإسلام السنّي المتداول حالياً هو النسخة الأموية للشكل العمري للإسلام المحمدي - وقد حررها العباسيون، بعد دمغها بالختم الأشعري اللاعقلاني.

 

التيار الإسلامي السنّي - وهذا أمر يتضح بالكامل لكل من عايش التجربتين: الإسلامية السنية واليهودية الحاخامية - ممهور بالروح التلمودية. وأهم مراجعه تغصّ حتى الاختناق بالتراثيات الحاخامية. ورغم كل العدائية التي يظهرها شيوخ السنّة لليهود، إلا أنك تشعر بالمعاشرة وكأن حاخاماً صغيراً يسكن داخل كل شيخ، يبرمجه بأسلوب حاسوبي، ويتحكّم في تصرفاته منذ ولادته وحتى مماته.وحده عنصر الزمن، هذا العنصر السيء السمعة، هو الذي يجعل الشيخ يشعر أنه نقيص الحاخام مع أنه النتيجة الطبيعية له.

 

وفي اعتقادنا، فالمشكلة تتجلّى في دخول اليهود بكثرة في الإسلام زمن عمر بن الخطاب - عمر هذا شخصية نقية، لكنها، ككل بدوي، ساذجة ومعادية للثقافة والمعرفة، وبالتالي الحضارة. لقد اخترق اليهود رأس الدولة - الخليفة ذاته. فأوصلوه إلى أن يعيد تنظيف الهيكل ويلغي الحظر الذي فرضه هادريانس على سكنهم القدس، فاستحق بذلك أن يسمّيه هؤلاء اليهود أنفسه، في مدراش يرجع على الأرجح إلى الحقبة الأموية، صديق (أو حبيب) إسرائيل؛ بل بالغ بعضهم فاعتبره إيلياهو النبي، الشخصية اليهودية المقدسة التي يسبق ظهورها ظهور المشيح (المسيح اليهودي المنتظر)؛ وأطلق عليه بعضهم الآخر لقب مخلّص - فاروق.

 

لقد عاش التيار السني حالة سكونية معرفية متحجرة اعتمدت على تناغم مدروس بين المشايخ والخلفاء: تناغم يضمن فيه المشايخ للخلفاء أعلى حالات السكونية الاجتماعية - العقلية- المعرفية، وبالتالي - الاستقرار السياسي. مع ذلك، فهذا التناغم عرف في العصر الحديث - وهو ما يهمنا هنا - هزتين عنيفتين: الأولى في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين مع ظهور المفكرين المتأثرين بالغرب والذين نادوا بنوع من التحديث في الإسلام: لكن هذه الهزة انتهت (أو أنهيت) مع زوال الحقبة الليبرالية القصيرة وبداية ما سمّي بالإشتراكية القومية (وهي طبعاً ليست اشتراكية ولا قومية بل أصولية إسلامية محدثة)؛والثانية بدأت في نهاية السبعينات من هذا القرن (العشرين) مع انحسار المد القومي الإشتراكي (انحسار طبيعي لأنه كان مدّاً شاعرياً وليس عقائدياً فكرياً) وظهور بعض المفكرين النقديين، خاصة في مصر وإلى حد ما في لبنان وسوريا. وما ردات الفعل المريعة التي تواجه بها الهزة الأخيرة من المدافعين عن متحف السكونية المعرفية (أو أصحابه) إلا الدليل الدامغ على عمق تأثير الهزّة واتساع نطاقها.

 

وفي اعتقادنا، فإنّ التيارات العقلانية ضمن التيار السني تحديداً هي التي ستوصل في نهاية الأمر إلى خلق إسلام جديد - خاصة في مصر - والذي قد يكون نقياً من الحاخامية الفكرية. فالمثقفون من أصول سنية لا يعيشون إطلاقاً هواجس التشكيك بإسلاميتهم حين يقدّمون إطروحات جريئة بل حتى جذرية، خاصة وأن هؤلاء لا يمتلكون أحاسيس التكفيرية أو أن إسلاميتهم نفاقية - كتلك التي تعشعش في لاوعي أتباع المذاهب الأخرى من غير السنّة، والتي هي النتاج الطبيعي لصيرورة تكفير متواصلة منذ أكثر من ثلاثة عشر قرناً: هذا من ناحية. - ومن ناحية أخرى، فالمذهب السنّي، والذي يشبه في تناقضيته وهشاشيته اليهودية الأرثوذكسية، هو أسهل المذاهب كسراً: وبالتالي فهو الأكثر مساعدة لأفراده المثقفين على هجرانه إلى الأبد!

 

2 - المذهب الإمامي

 

التيار الشيعي الإمامي الإثنا عشري، وفق ما عرفناه وعايشناه، هو الأخطر على العقل وحق التفكير بين كل مذاهب الإسلام - باسم العقل وحق التفكير بالذات: بل قد يكون أخطر حتى من تلك الحركات السنية المتطرفة التي تحارب في غير مكان لإعلان حق وجودها - ففي حين أن التيار الإمامي مؤهل بإمكانياته الخاصة لأن يبقى وينتشر ويقتحم حتى معاقل السنّة، فإن تلك الحركات البائسة ستنتهي بالانقراض حتماً - كما في مصر أو الجزائر أو أفغانستان - لأنها لا تمتلك مقومات الوجود الفعلية: إنها ردّات فعل على الزمن الذي نسيها وعلى الحضارة الحديثة التي اتهمتها بالمتحفية - وردة الفعل تنتهي بانتهاء الفعل.

 

المذهب الإمامي قادر على البقاء والانتشار: فبسبب تاريخه المليء بالصراع لأجل البقاء، تعلّم كيف يغيّر جلده «التَقَوي» باستمرار دون أن يغيّر دواخله بأية حال.

 

وبسبب مهاراتهم الذاتية الخاصة، فالإماميون هم أقدر المسلمين على تزييف الحقائق - وإضفاء لمعان يعمي الأبصار على مذهبهم. فباسم العقل - تلك الكلمة المغرقة في جاذبيتها لكلّ من يهوىالتفكير - الذي يعتبره الإماميون أحد مصادر عقيدتهم، يصادر الإماميون العقل: إنهم يصادرون العقل لصالح وَهْم عقل - عقل مزيّف لأنه محدد بالمقولات الإمامية. ففي حين يصفق لك الإماميون ويهلّلون حين تستخدم إحدى مقولات العقل في مناقشة التاريخ الإسلامي وتتفق معهم - وهم سادة الجدل التاريخي في الإسلام بسبب تاريخهم الصراعي الطويل مع السنّة - ضد التيار الإسلامي السنّي، فإنهم على استعداد لتكفيرك أو قتلك - وقد قتل الإماميون كثيراً من المفكّرين في لبنان وخارج لبنان، مثلهم مثل أتباع ابن تيمية عدوهم اللدود - حين تستخدم مقولات عقل أخرى في انتقاد جانب آخر يطال الإماميون الآن(6).

 

وفي حين يشكو الإماميون دائماً - الشكوى والبكاء واللطم والنواح معالم إمامية أساسية تساعد كثيراً في نطاق اللاوعي على خلق نوع من التلاحم بين طبقات العوام الإماميين - من التكفير الذي لاحقهم باستمرار، فهم لم يتوقفوا قط عن تكفير غيرهم، إن بأسلوب تَقَوي حين لا يكونون قوة حاكمة، أو بأسلوب علني فاضح - مع قيام أوّل دولة إمامية في التاريخ الحديث.

 

يتحدّث الإماميون، بطريقتهم الجذابة لأنصاف المثقفين من المسلمين، عن فتح باب الاجتهاد - بمعنى حرّية العقل (- أو هكذا تتصوّر -) في الدخول إلى الدين من أوسع أبوابه. لكن هذا الطرح التَقَوي سرعان ما ينكشف حين تدخل إلى قلب الإمامية: فباب الاجتهاد الإمامي ليس سوى كوة صغيرة في أعلى الحائط لا يمكن حتى لضوء الشمس أن يمرّ عبرها. والحقيقة تقول إن النصوص المقدّسة وشبه المقدسة تغطي كافة جوانب الحياة تقريباً - وهذه لا اجتهاد فيها. يبقى الاحتهاد ممكناً في تلك المساحات العبثية، كغسل الميت المسلم في منطقة انعدام الوزن في الفضاء؛ أو كصحة عقد نكاح امرأة استبدل رأسها برأس امرأة أخرى؛ أو كمضاجعة المرأة ذات البظر الطويل لزوجها المأبون: اجتهادات واردة فعلاً في النصوص الشرعية لأحد ممثلي مسرح اللامعقول الإمامي من العراقيين المقيمين في دمشق.

 

العقل المشروط، أو: العقلانية الناقصة - هو سرّ قوة الإمامية، خاصة بين أوساط العامة أو أنصاف المثقفين. لذلك يخشاها السنّة - ونحن معهم - لأن نصف الحقيقة أسوأ كثيراً من الكذب.

 

3 - المذهب الإسماعيلي

 

مشكلة هذا المذهب الشيعي الأصل نخبويته: فبعكس السنّة، الإسماعيلية تيار يبدو أنه من الصعب أن يتجذّر بين طبقات العامّة - لأنه فوق تفكيرها. لذلك انقرض الإسماعيليون بسرعة في مصر، البلد الذي أنهكه ثقافياً دخول عمر بن العاص وهروب النخبة الثقافية اليونانية، بعد وصول التيار الشافعي السنّي الذي قاده صلاح الدين الأيوبي. الإسماعيليون، الذين استوردتهم مصر من بلد الأعراف الثقافية الراسخة - سوريا - عبر تونس، والذين قدّموا لمصر حضارتها الثقافية الوحيدة حتى الآن (الناصرية كانت تياراً شعرياً عاطفياً هجيناً وليس حركة ثقافية راسخة بدليل زوالها آلياً بعد زوال المؤسس) بعد رحيل مدرسة الاسكندرية، لم يستطيعوا أن يتجذّروا بين طبقات مصر الشعبية: بسبب التركيبة الفكرية الخاصة بالفرد المصري والتي سيشير إليها الهاجريون بالتفصيل من جهة، ولأن الاسماعيلية، كفكر نخبوي عظيم، لم تسعَ كما يبدو إلى فرض مقولاتها على العوام.

 

ملاحظة:

 

لابد أن نذكر هنا أن الإسماعيلية، اليونانية القلب الإسلامية القشرة العربية اللسان، لم تضطهد المسلمين من غير الإسماعيليين عموماً ولم تقسرهم على اتباع مذهبها! ونحن هنا لا نستطيع اعتماد التشويهات المقصودة التي لطخ بها مؤرخو السنة الخلفاء الفاطميين لأن الوقائع تتحدث بشكل معاكس. فقد كان باستطاعتنا أن نجد كل المذاهب الإسلامية ناشطة في ظل الحكم الفاطمي لمصر. بالمقابل، فقد انقرضت الإسماعيلية تماماً في ظل الأيوبيين الشوافعة، الذين دمّروا حضارة مصر الثقافية، حين دمّروا التراث الفكري الإسماعيلي - وحولوا أغلفة كتب بيت الحكمة إلى أحذية لجواري الأكراد وجنودهم.

 

مع ذلك فالإسماعيلية لم تنته في وطنها الأم، سوريا: ربما لأن هذا الوطن، بسبب بنيانه الأنطولوجي - الأيديولوجي، قادر على امتصاص الفكر النخبوي وسرمدته مهما استفحلت مذاهب العوام.

 

... ورغم الانقراض المريع حضارياً، فقد استفادت الإسماعيلية من تجربة الحكم الفاطمي في مصر - إفادة لم تعرفها غيرها من الطوائف التي أينعت على هامش الإسلام السني: فمع الشعور الغامر بالحريّة والانفلات من قيود سلاسل الاضطهاد والتكفير السنية - التكفير هو السلاح الأقوى الذي يحتفظ به شيوخ السنّة لحماية عوامّهم من التيارات الإسلامية المتماسكة بنيوياً والقوية عقائدياً - لم يعد الإسماعيليون يخشون نشر أفكارهم ومعتقداتهم وتداولها أمام العامّة والخاصّة. ورغم الدمار الهائل الذي ألحقه الأيوبيون بالتراث الإسماعيلي العظيم، فالقليل الذي بقي يشير دون لبس إلى أن الإسماعيلية كانت صوت العقل الفعلي - وليس عقل الزيف - في عالم قتْل العقل ومصادرته.

 

الإسماعيليون، كما عرفناهم الآن، هم علمانيو الإسلام. ورغم ضآلتهم العددية - غير موجودين بفعالية خارج سوريا واليمن - فهم مؤهلون بالكامل، خاصة في سوريا، إذا سنحت الظروف، لتقديم نسخة عن الإسلام هي الأكثر قدرة على الدوامية - والأكثر انفتاحاً على مقولات العقل.

 

4 - المذهب العلوي

 

للأسف الشديد، فالمذهب العلوي لم يعرف قط تجربة الحكم التي عرفها الإسماعيليون في مصر الفاطمية - وخارجها. وهكذا، فهو لم يستطع قط أن يخرج من قوقعة الخوف التي أحاط بها نفسه في مواجهة سيف التكفير السنّي ذي السمعة الرديئة. ونحن لم نستطع التعرّف بالتالي على كل مكنوناته الحضارية - ولم نخرج إذاً من دوامة الحدس والتخمينات!

 

بعكس كل الطوائف تقريباً التي عاشت على هامش التيار السنّي، لم يحظ العلوين بلحظة راحة قط، وظلّوا بالتالي مطوقين في حصونهم الجبلية بسياج الإضطهاد السني الذي لم يترك يوماً الفرصة تفوته لقتل هؤلاء والتنكيل بهم، حتى كادت خرافية غيبتهم الكبرى عن الحضارة أن تقضي علىالجواهر الثقافية التي كانت أساس هذا المذهب.

 

العلويون - أو النصيريون كما كانوا يسمّون (نلاحظ هنا، أن بويريا، عاصمة النصارى، كانت موجودة في جبال العلويين، ولا بأس بنوع من التفكير حول العلاقة بين نصيري ونصراني) - برأينا، هم ورثة التراكمية الحضارية السورية: يمكن أن ندّعي بشعور من المبالغة، أن العلوية هي الديانة القومية لسوريا - كيف؟

 

إذا كانت الإسماعيلية - الهلينية- المتأسلمة أعمق ثقافياً من العلوية، فالعلوية أعمق أصالة من الإسماعيلية: الزواج اليوناني -الإسلامي في الإسماعيلية جعل الأقوى (- الهلينية -) يستوعب الأضعف :الإسلام. لذلك كان الإسماعيليون نخبويين. لكن العنصر الهليني في العلوية، حتى وإن بدا ملحوظاً عند أول محاولة تنقيب جدية، لم يستطع أن يطغى لأنه مواجه هنا بعناصر ثقافية قوية، مشكّلة من تراكمية صلدة للطبقات الحضارية السورية.

 

وإذا كانت السنّية ديانة البدو المتحوخمين الصحراوية - بكل جفاء الصحراء وعقم الحاخامية الفكري، فالعلوية ديانة الحَضَر الزراعية: يكفي كدليل على ذلك هذا الكم الكبير من الطقوس الزراعية، غير البدوية، في المذهب العلوي. وإذا سمحت الظروف الموضوعية وكشفت لناالعلوية عن كنوزها - وهذا واجب حضاري: فالحضارة يجب أن لا تبقى حكراً على قلّة نادرة - فسوف نتأكد ربما أن هذا التيار خزّان يخبئ بين طياته طبقات الحضارة السورية المتراكمة، والذي لم تنجح القشرة الإسلامية في إفساد محتواه.

 

لكن مشكلة العلويين هي السنّة!

 

العلويون، برأينا، لم يتخلّصوا قط من هاجس التكفير السنّي - وهذا يجعلهم يؤكدون باستمرار على إسلاميتهم (شبه السنّية) وينافسون أكثر أهل السنة تزمتاً في تزمتهم الديني، حتى وإن كانت القضية مصطنعة برمّتها.

 

يعرف العلويون في قرارة أنفسهم أن المسطرة السنّية غير صالحة لقياس الحق والباطل: مع ذلك فهم لا يملكون الثقة الكافية كي يقيسوا أنفسهم علناً بمساطرهم الخاصة الأكثر حضارية.

 

العلويون، للأسف، يبحثون الآن عن حقيقة وهوية على أحد رفوف السوبرماركت الإمامي في السوق الإسلامية العجفاء - لكنهم لا يعرفون أن هذه السوق، بكل بضاعتها، ليست أكثر من رف صغير في متحفهم الحضاري الغني.

 

4 - المذهب الدرزي

 

حين شاخ المذهب الإسماعيلي - الفاطمي، حين تعبت حضارته، حين وصل العقل السبعي إلى قمة نضجه، أينعت «دار الحكمة» المذهب - التيار الفكري الدرزي. ولمّا كانت مصر - وربما ما زالت!- غير مؤهلة لحركات أيديولوجية من هذا النوع، انتقل مؤسسو الحركة الدرزية إلى أرض الأفكار الخصبة - بلاد الشام.

 

إن من يدرس التراث الدرزي، كرسائل الحكمة على سبيل المثال، يكتشف بسهولة عمق هذا التراث وكثرة الروافد الفكرية فيه(7). إن «رسائل الحكمة»، دون مبالغة، هي دائرة معارف حوت أشياء كثيرة من علوم عصرها وثقافته، بدءاً بالفلسفة اليونانية وانتهاء بالإسلام الأرثوذكسي، مروراً بمقولات من الفرس والهنود وغيرهم.

 

لكن الحقيقة هي أن الدروز، بسبب مواقف الآخرين السلبية - السنّة تحديداً - منهم أوّلاً، وتركيبتهم العقلية الغيتوهية المشوهة ثانياً، أغلقوا أنفسهم على ما ورثوه من تراث حتى تجاوزهم الزمان ولفظهم في تجمعات إنعزالية ذات رائحة متحفية عموماً. وكما يفسد كل شيء طبيعي إذا حُجب عن الهواء وأشعة الشمس، فقد فسد الدروز عموماً: فقدوا حقيقتهم فراحوا يبحثون عنها في الهند، وفقدوا هويتهم فراحوا يبحثون عنها في جيش الدفاع الإسرائيلي.

 

الدروز، بعكس العلويين المنغرسين في أعماق الهوية السورية، يمتلكون موسوعات شبه غريبة عفا عليها الزمان وغيتوهات شبه مغلقة تفوح منها رائحة الفساد وحقائق شبه مائعة ينقصها الإحساس بالهوية. لذلك، فهم «أقل» من يؤمل منهم أن يشاركوا يوماً في نهضة حضارية إسلامية.

 

العدائية للإسلام:

 

هل حقاً أن هنالك مؤامرة عالمية تحاك خيوطها هنا وهناك ضد الإسلام والمسلمين؟!

 

هل حقاً أن الغرب الإمبريالي الإستعماري الرجعي - إلى آخر قائمة المصطلحات الشيوعية التحنيطية - يريد إسقاط الإسلام بعد أن أسقط الشيوعية؟!

 

فرق أساسي: الشيوعية ديانة أرضية؛ والإسلام يعزو علته الأولى إلى كائن غير أرضي هو الله.

 

قد يكون هنالك بالفعل وجود لمؤامرة من هذا النوع. لكن إذا كان الأمر كذلك، فالمتآمرون الحقيقيون هم الإسلاميون أنفسهم، خاصة أولئك الذي يحاربون أي ميل لتحديث الفكر الإسلامي تحت رايات متباينة، يبدو بعضها الآن مهترئاً بالكامل.

 

بالمقابل، ثمة أصوات أخرى تعلو باضطراد بين المسلمين تعتبر أن ما يتداول حالياً من تجارب إسلامية حالية لا يعبّر إطلاقاً عن «جوهر الإسلام الحقيقي» الذي يمكن أن نجده في القرآن وفي الحديث النبوي المثبت. وهنا لابد من تقديم بعض الملاحظات:

 

1 - نحن لا نعيش في بطون الكتب بل في قلب مجتمع بشري متحرك تحكمه هذه القوى السكونية. ونحن لا نستطيع أن نقول مثلاً لحزب توده الشيوعي الإيراني، الذي شارك في تصفية نظام الشاه ثم تعرّض هو ذاته لتصفية أعنف على أيدي الخمينية: «إن الخمينية لا تعبّر عن جوهر الإسلام الإمامي». والشخص البشري، أياً كان، أهم بما لا يقارن من أية فكرة موضوعية، أياً كانت.

 

2 - يقال باستمرار الآن، في محاولة لخلق أوهام تبريرات، «يوجد مسلمون ولا يوجد إسلام». لكن أهمية الفكرة هي في إمكانية تجسيدها عملياً على أرض الواقع: وليس في بقائها محلّقة في أجواء المخيلة. والفكرة الرائعة إلى درجة عدم قابليتها للتطبيق هي فكرة ميتة أساساً: ولنا في الماركسية خير مثال.

 

3 - إن هؤلاء الذي يقتلون في أفغانستان والجزائر ومصر والسودان باسم الإسلام، لديهم أيضاً ترساناتهم اللاهوتية التي يبررون بها كل جريمة ترتكب - ولا عجب إذا وجدناهم يعتبرون أن الطرف الآخر هو البعيد عن «جوهر الإسلام الحقيقي». فالتراث الإسلامي هو أشبه ما يكون بمصباح علاء الدين الذي يستطيع أن يلبي احتياجات الجميع مهما تباينت.

 

إذاً، يجب أن نناقش الإسلام على أساس واقعه المعاش وليس نصوصه الموضوعة فوق الرفوف، والتي كثيراً ما تتضارب وتتناقض. وهكذا نشكّل موقفاً من الإسلام، إيجاباً أو سلباً، وفق مواقف الإسلام الفعلية من مسألة الإنسان وحقوقه الأساسية - وليس ما يدعى بحقوق الإنسان الإسلامية التي هي مصادرة للحقوق باسم وهم الحقوق الإسلامي - والتي تشكّل العنصر المكوّن للحضارة الحديثة.

 

¯ حقوق الإنسان الغيبية:

 

الدين، أولاً وأخيراً، مسألة اجتماعية - بيئوية - وراثية. « الصدفة -التربية» هي التي تجعل من موضوع جوهري هنا، كألوهية المسيح، مرفوضاً بالكامل هنالك؛ ومن حدث يعتبر تاريخياً فعلياً هنا، إسراء محمد ومعراجه، فانتازيا تخيلية «على الأقل» هناك. الدين، لأنه يحتل عقل الإنسان في وقت مبكر جداً - خاصة في الأقطار الإسلامية - وينغمس بالتالي في أعماق ذاته في وقت مبكر جداً، يرمي بشبكته حول عقل هذا الإنسان فيمنعه عن الرؤيا - والتفكير: ويمنعه بالتالي عن إدراك حقيقة أن « الصدفة - التربية» هي جرثومة الدين الأولى. باختصار: بدل أن يكون الإنسان مالكاً للفكرة، تصبح الفكرة مالكة للإنسان.

 

كل دين في هذا العالم يعتبر أنه «الحقيقة المطلقة» - وإلا لاستقال من الخدمة فأراح واستراح: ولمّا كان أتباع كلّ دين يعتبرون أنّ دينهم الخاص هو الحقيقة المطلقة، ولما كان بازار «الإديان - الحقائق المطلقة» بلا بداية ولا نهاية، ولما كان جوهر كل تلك الأديان « - الحقائق المطلقة» حبّة خردل ميتافيزيكية غير ملموسة ولا مثبتة مادياً وغير قابلة بالتالي لأن تفرض «كحقيقة مطلقة» - فالحل الأوحد، في اعتقادنا، لهذه المعضلة المتشابكة هو الاعتراف لكل دين بحقّه في التواجد والدعوة التبشيرية بما لا يضير الأديان الأخرى ولا يشوهها. - فأين الإسلام من كلّ هذا؟

 

ما من داعٍ لفتح دفاتر الماضي الوسخ - لأنه ماضٍ - خاصة وأن الجميع تقريباً صادروا الإنسان تحت رايات القداسة، بدءاً بمحاكم التفتيش وانتهاء بأحكام أهل الذمة - لمن يحرّف مسألة أهل الذمة عن حقيقتها، ويحاول إعطاءها طابعاً إيجابياً وهمياً عن طريق تلاعب استغبائي بالألفاظ: ننصحه هنا بقراءة أحكام أهل الذمة لابن قدامة المقدسي! لكن ما كان يُقْبل في الماضي لا يمكن أن نقبل به الآن: حتى وإن جاءنا محفوظاً في معلّبات «الحقيقة المطلقة» الفاسدة تلك. لكن الإسلام لم يتغيّر!

 

لقد استسلمت الكنيسة تحت وطأة مطرقة العقل - والعلمانية. واليهودية الأرثوذكسية - رغم وهم الصحوة، صحوة الموت، الذي يسوقه ابن عوباديا يوسف بأسلوب بوطوي يدعو إلى الشفقة والغيظ في آن - تسير في درب الإنقراض القصير: تجرّها فيه عربة العلمانية الصهيونية، بشقيها اليميني واليساري، الخارقة لجدار الصوت بسرعتها. ورغم محاولات المفداليين وضع حواجز تلفيقية في وجه تلك العربة، إلا أن ريح الزمن تلعب، لحسن الحظ، ضدهم. والحقائق التاريخية لليهودية الدينية صارت محط نقد حتى في الدوائر اليهودية ذاتها.

 

وحده الإسلام الذي لم يُسْمح للحداثة أو العلمانية بالاقتراب منه أو تصويره، ما يزال يعتبر نفسه «الحقيقة المطلقة» - والتي لا تسمح بالتالي لأية حقيقة أخرى، باعتبارها مزيفة، بأن تنافسها على أرضها. بل يزداد الأمر سوءاً بتقدّم الزمن لشعور الإسلاميين بزيف الكثير من حقائقهم وبالتالي خوفهم من اقتراب أية حقائق أخرى يمكن أن تحطّم الصدفة وتكشف العفن الداخلي.

 

أنتَ تمتلك فكراً مغايراً: حكمك الإسلامي: إما أن تعيش خانعاً بأسلوب أهل الذمّة، أو أن تهرب، أو أن تقتل!

 

أنا، كمسلم، كصاحب «للحقيقة المطلقة»، لي كل الحق، أيها المغاير، أن أشتمك وأهينك وأخوّنك وأكفرك - عند أية مبادرة تهديدية لحقائقي المطلقة.

 

أنتَ، أيها المغاير، لا تمتلك أدنى حق في سؤالي، تاريخياً، عن حرب الجمل وصفين والنهروان، عن حادثة السقيفة وموقعة الحرة، عن تهديم الكعبة وسرقة الحجر الأسود - حتى لا ترمي بحجر شك على حقائقي المطلقة الزجاجية.

 

أنتَ، أيها المغاير، لا تمتلك أدنى حق في سؤالي أو حتى سؤال نفسك، عقائدياً، عن الحقيقة التاريخية لآدم وحوائه اللذين هبطا (كذا) - بلا كيف ولا كم - علىالأرض، في تاريخ نسيا تسجيله، ومكان نسيا ذكره، رغم أنهما تذكرا تفاصيل أخرى تبدو مملة.

 

¯ حقوق الإنسان الجنسية:

 

«في حين ترسل الولايات المتحدة مركبة فضائية إلى المريخ وتكتشف «جينة الشيخوخة» في الإنسان، ينقسم مشايخ مصر وشعبها، بطريقة لا تثير غير مشاعر القرف، في مسألة حقوق المرأة الجنسية البديهية، عبر انقسامهم في ختان النساء: هل سنشهد حرب بظر جديدة، بعد حرب الجمل القديمة؟».

 

يندر أن تجد ديانة في هذا العالم - باستثناء اليهودية التلمودية الحاخامية - تصادر الحرّية الجسدية وتقمع الجنسانية الأنثوية، كالإسلام: خاصة بعدما تخلّص الكاثوليك عملياً من عقدهم الجنسية الإخصائية المزمنة. ففي هذا الزمن القاسي، حيث الصعوبات الاقتصادية - «تكاثروا، فإني مفاخر بكم الأمم!» - تؤخر سنّ الزواج، يقف الإسلام بالمرصاد نظرياً لكلّ من تسوّل له نفسه حق ممارسة حياته «الطبيعية» خارج الإطار الذي وضعه الإسلام وفرضه على الجميع. والإطار الذي وضعه الإسلام، بالمناسبة، على اختلاف تسمياته - زواج، تسرّي، متعة الخ - هو في النهاية تشييء للمرأة لحساب جنسانية الرجل. وإلا فماذا نسمّي وضعية المرأة في التسرّي الذي زال عملياً من حياتنا الاجتماعية لكنه ما يزال يعشعش نظرياً في نظرة المسلم للمرأة؟

 

«والمرأة متاع، ضلع أعوج، شر كلّها، و... لعبة في زاوية البيت إن كانت لها حاجة وإلا: فلا؟!».

 

لو تناولنا هنا مشكلة المثلية الجنسية Homsexuality - الأكثر انفتاحاً على النقاش هذه الأيام، وأخذنا بعين الاعتبار أن نسبة المثليين الجنسيين أو أصحاب الميل الجنسي المزدوج bisexual في أي مجتمع بشري لا تقلّ عن 10%، وعرفنا أن مراكز العلم العالمية المحترمة تبدو منقسمة بشأن المسألة بين رأي «الجينية كعلّة» ورأي «التربية الاجتماعية - النفسية كعلة»، وأضفنا إلى كلّ ذلك الأزمات القاتلة أحياناً التي يعاني منها المثلي جنسياً: الرفض المزدوج لجنسانيته من مجتمع مليء بالمفاهيم الخاطئة الدينية جوهرياً حول الجنس ومن ذاته التي هي إفراز طبيعي لذلك المجتمع، لاكتشفنا أن الحلّ الإسلامي التقليدي (- القتل بأسلوب وحشي - ) لتلك المعضلة ليس أقل من كارثي. والحلّ صالح لكل زمان ومكان، لأن النص الذي يحمله صالح أيضاً لكل زمان ومكان.

 

كل جنسانية يعتقد أنّها منفعلة مصادرة:علمياً، لاتوجد جنسانية منفعلة-أنثوية كانت أم مثلية. (الغريب - وهذا جزء من التناقضية الإسلامية المدهشة - أن الإله الذي تدخّل بحسم في مسألة ثانوية جداً حضارياً وإن كانت مركزية بدوياً: إفك عائشة، وقف حائراً بنوع من اللامبالاة أمام جريمة إنسانية وحضارية ارتكبتها المرأة ذاتها، راح ضحيتها ألوف المسلمين وما نزال ندفع ثمن آثارها اللاحقة حتى الآن: حرب الجمل).

 

«المشكلة هي أن المسلم، حتى وإن عاش في أكثر دول العالم تحضّراً، فهو يحتفظ تحت جلده بذلك الموقف البدوي من مسألة الجنس: بكارة المرأة شرفها، وشرفها شرف القبيلة، وشرف القبيلة شرف الأمة....».ليس العقل هو أعز ما تملكه الفتاة الشرقية‍‍؟

 

والمشكلة الأكبر هي الرغبة بفرض تلك العقلية البدوية حتى في أعتى مراكز الحضارة: تحت رايات القداسة الوهمية ذاتها.

 

¯ حقوق الإنسان السياسية:

 

ماذا لو تأمّل واحدنا خارطة العالم وحاول تصنيف الدول وفق معيارين: الغالبية الدينية والديمقراطية السياسية - ماذا سيجد؟ باستثناء بعض دول إفريقيا وبقايا الركام الماركسي الذي سيسقط عاجلاً أم آجلاً ( «الطرفان على حد سواء يعانيان من أحد أشكال الإعاقة نحو التقدّم: إعاقة فكرية جينية جوهرياً عند الأول وإعاقة فكرية دوغماتية جوهرياً عند الثاني» - مع فارق غير بسيط هو أن السود عوّضوا عن تخلفهم الفكري بتقدمهم الجسدي المذهل، في حين لم تقدّم الماركسية سوى الإفساد المحمي بشعارات ذات قداسة أرضية كاذبة»)، سيلحظ بوضوح تام ذلك التناسب الكامل بين الانتشار الإسلامي والانحسار الديمقراطي - والعكس صحيح.فباستثناء لبنان الذي يسعون الآن إلى تكبيله بقيود «حريرية»، لا توجد دولة إسلامية تتبنى الديمقراطية السياسية - بالمعنى الفعلي للمصطلح.

 

من جهة، فالأقطار التي تدعي الديمقراطية هي أقطار تصادر الديمقراطية الفعلية تحت اسم ديمقراطية مزيفة:في مصر: يموت حزب الغالبية العظمى الوحيد بموت مؤسسه، وينشأ حزب غالبية عظمى غير وحيد هذه المرة (إحدى ضرورات الديمقراطية الكاذبة)؛في الجزائر: يتشكل حزب غالبية عظمى عبر مرسوم «عسكري» في أربع وعشرين ساعة أو ما شابه؛في تونس أو ما شابه: الديمقراطية موجهة والدكتاتورية أفضل بما لا يقارن من تلك الديمقراطية الموجهة - يكفي الدكتاتورية فخراً أنها رذيلة خالية من حمض النفاق.

 

«ربما أن تلك المجتمعات غير مؤهلة حتى الآن، لأسباب معرفية، لأن تكون ديمقراطية: وفي ذلك لا تختلف الأقليات غير الإسلامية، في بعض الأقطار - لقد كشفت حرب لبنان مثلاً، عن التخلّف الحضاري الهائل للمسيحيين، القابع خلف ستارة التحديث القشوري - عن الغالبيات المسلمة في هوس السيطرة والمصادرة».

 

كان يمكن لبعض تلك الأقطار، خاصة تلك المغرقة في عمقها الحضري، أن تصل إلى شكل «ديمقراطي - حضاري» لو أنها تُركت لتأخذ منحاها الطبيعي في التطور. فبعد خروج الانتدابات الأوروبية من تلك الأقطار (نحن، للعلم، نميّز تماماً بين الانتداب الفرنسي والاستعمار التركي)، بدأت ملامح حياة ديمقراطية بدئية تطل بوجهها على هذه الشعوب القابلة للتحضّر. لكن «حبيب الملايين» جاء-أو جيء به- بأمثولته القومية الاشتراكية القمعية لينهي التطور الطبيعي، وليغلق الأبواب والأنفس ثمان عشرة سنة أمام أي ارتقاء فكري حضاري حقيقي. ولأنه لم يسمح لغيره بأن يعلن وجوده، التجأ المجتمع، الذي فشل أن يعبّر عن نفسه فكرياً في مراكز معلنة والذي لم يقبل الانحطاط إلى سوية الفساد والانتهازية التي غرقت فيها المراكز الرسمية المعلنة الوحيدة، إلى مراكز أخرى غير معلنة سياسياً لكنها موجودة بحقها الخاص فكرياً: المساجد والكنائس. وهكذا، فما أن رحل حبيب الملايين، حتى كان المجتمع مقسوماً تحت سلطتين: سلطة حزب الدولة الفاسد الانتهازي الشكلية، وسلطة حزب رجال الدين، حزب الغالبية الساحقة «جداً»، القوي، الحاكم فعلياً.

 

ولأن حبيب الملايين كان ريفياً، فقد كان حزبه ريفياً أيضاً، بالمعنى السلبي للكلمة. وعوض عن أن يحضّر الريف، ريّف الحَضَر.ولأن حبيب الملايين كان ريفياً، ولأن الريفية تعني الغناء البسيط - وليس السمفوني - والشعر البسيط - وليس الفلسفة - والإيمان البسيط - وليس اللاهوت العقائدي - والعاطفة المجردة - وليس العقل العملي أو النظري: فقد انتهى حزبه معه: لأنه حزب حالة عاطفية وليس حزباً أيديولوجياً.

 

وأمثولة حبيب الملايين لم تكن غير قابلة للتطبيق.

 

من جهة أخرى، فالأشكال الإسلامية للحكم، بحقائقها الكبرى المعادية للصيرورة، لا يمكن أن تكون غير معيقة للديمقراطية. الديمقراطية، كما عبّر عن ذلك الكثير من الإسلاميين، كفر. والكفر، بديهياً، معادٍ للإسلام. وحتى لو طرح بعض الإسلاميين الديمقراطية كحلّ، فالأمر لا يتعدى جانبيبن تكتيكيين: من ناحية، الديمقراطية، بالنسبة لبعضهم، كحكاية سفن طارق بن زياد حين دخل إسبانياً: لا بد من إحراقها ساعة الوصول إلى الحكم، حتى لا يفكر أحد باستخدامها ثانية؛ ومن ناحية أخرى، فالديمقراطية، لبعضهم الآخر، هي ديمقراطية إسلامية - وهذه أحد اسوأ أشكال الديكتاتورية.

 

لكن الإسلاميين في الغرب يؤيدون الديمقراطية؟ الإجابة بسيطة. الإسلاميون، بكافة أنواعهم، يعيشون في الغرب تحت رايات الديمقراطية حريات لم يحلموا بها قط حتى في أوطانهم.

 

إذاً، الإسلاميون يرفضون، بنفاقية لا مثل لها، الديمقراطية في بلادهم لأنها تضرهم، ويقبلون بالديمقراطية في الغرب لأنها تفيدهم.

 

لكن: لماذا يكره الإسلاميون الديمقراطية؟ لأنها ببساطة تكشف عوراتهم؛ هم والأنظمة المتحالفة معهم. فالإسلاميون والأنظمة المتحالفة معهم، مهما اختلفت مسمياتها، وجهان لعملة واحد: رفض كافة أشكال الحريات. الإسلاميون، الذين يملأون الدنيا ضجيجاً هذه الأيام بصحوتهم - الضجيج أشهر أشكال التعبير عن الذات إسلامياً - لا يعرفون (ربما؟!) أن هذه الصحوة ليست أكثر من عارض لمرض حضاري مزمن اسمه غياب الحريّات وبالتالي الجهل. فلو تسلّل الفعل النقدي إلى مقولات الإسلاميين المحنّطة، لما اختلف مصيرها عن مصير مثيلاتها في الأديان الأخرى، ولا نتقل الإسلاميون من واجهة الأحداث إلى واجهات المتاحف. أما الأنظمة المتحالفة معهم والتي لا يهمها غير أن تبقى فيبدو أنها تفهم اللعبة جيداً، وتعرف أن الإسلاميين، حرّاس متاحف المفاهيم المحنّطة، هم أفضل من يحافظ على سكونية المجتمع في أدنى درجاتها، ويحفظ بالتالي للأنظمة أفضل الأجواء لحكم مستقر أبدي.

 

الإسلام الأرثوذكسي.. واليهودية

 

باستثناء قلة يهودية أرثوذكسية معزولة، يبدو الآن وكأن الإسلاميين هم المدافعون الوحيدون عن الأفكار والأعراف اليهودية الحاخامية، لأنها تسللت إليهم، بطريقة أو بأخرى، واستقرّت في دواخلهم. ولعب الزمن، كالعادة، لعبته الإخفائية إلى درجة أن مسلماً متطرفاً يشتم اليوم بالفم الملآن اليهودية الحاخامية دون أن يعرف أنه نتيجتها الطبيعية.

 

ليس من السهل الحديث عن يهودية الإسلام الأرثوذكسي الحاخامية، لأن المسلمين دأبوا على مر العصور على اتهام كل من ينتقدهم بأحد أشكال التهود. وشكّلوا بذلك في اللاوعي الجمعي للعامة نوعاً من الهاجسية التهودية لأية مقاربة نقدية إسلامية: فكيف حين تهدف تلك المقاربة إلى قلب الصورة رأساً على عقب؟

 

التراث الإسلامي في جانبه الروائي الميثولوجي، منقول على نحو شبه حرفي، عن مقابله الهاغادي اليهودي، بدءاً بحكاية عذاب القبر وانتهاء بقصص الخلق والطوفان وما شابه. والجانب التشريعي في الإسلام، لا يقلّ حرفية في نقله عن مقابله الهالاخي اليهودي من الجانب الروائي.

 

قد يُقال إن احتمالية النقل ليست وحيدة، وإن احتمالية أن يكون كلّ طرف وصل إلى مجموعة معارفه باستقلالية كاملة عن الطرف الآخر، أو أن يكون الطرفان استمدّا كل تلك المعارف من طرف ثالث - واردة تماماً.

 

بالنسبة للاحتمالية الأولى: يمكن لإثنين أن يتوصلا باستقلالية تامة إلى المعلومة ذاتها _ إذا كانت تلك المعلومة حقيقة علمية أو فلسفية أو حسابية أو أخلاقية: جاذبية الأرض، كل إنسان فان، 1+1=2، القتل فعلة إجرام - وذلك باستخدام طرائق معرفية متشابهة. لكن بأية طرائق معرفية يمكن لطرفين التوصل إلى معلومتين ميثولوجيتين متطابقتين حتى في أدق التفاصيل في زمانين ومكانين متباينين للغاية - مثل حكاية آدم وحواء وأولادهما أو قصة عذاب القبر؟

 

بالنسبة للاحتمالية الثانية: فقد أوصلت الكشوفات الأركيولوجية في سوريا الكبرى إلى نتيجة مؤكدة فحواها أن اليهود، وفق حدود معلوماتنا الحالية المحددة بدورها بما تم اكتشافه من آثار، أخذوا مقولات أساسية في تراثهم الديني عن الميثولوجيات السورية القديمة. وتتأكد ميثولوجية تلك المقولات اليهودية حين نقارنها أيضاً بالكشوفات العلمية في حقول كالفلك، الأنثروبولوجيا واللغات.

 

مثلاً: ما هو المقصود بالسماوات السبع إذا ما عرفنا أن لا وجود للسماء بمفهومها القديم، وأن الكون خواء تسبح فيه - ولا تعلّق - أجرام متعددة؟

 

كم هو عمر الإنسان على الأرض؛ وكيف استطاع أن يحتفظ بتفاصيل إقامته في الجنة المفروضة؛ ولماذا احتفظ بها باللغة العبرية تحديداً؟

 

إذا كان لا سبيل إلى دحض الإرتقائية البشرية عبر مئات ألوف السنين، فكيف يمكن البرهان على هذا الإنوجاد التام للكائن البشري الأولي؟

 

وإذا كان عمر الإنسان على الأرض لا يقلّ عن مليون سنة، فكم هو عمر اللغة العبرية التي استخدمت لتسمية أوّل الأزواج البشرية - بغض النظر عن الحيوانات والنباتات والملائكة؟!

 

العلماني، الإسلامي... واليهودية!

 

كيف يستطيع من يؤمن عقائدياً أن بني إسرائيل مفضلون على العالمين أن يرفض اليهودية وجودياً؟

 

هل حقاً أن الحديث عن الأصول الحاخامية للتراث الإسلامي عموماً يصبّ في نهاية الأمر في صالح الإسرائيليين في صراع الوجود الحضاري العربي - الإسرائيلي؟

 

لكن: هل باستطاعة الإسلامي، الذي قد يكون أول المبادرين إلى التشكيك السابق، أن يناقش اليهودي بصحة مزاعمه، إذا كان هو ذاته يؤمن بتلك المزاعم عموماً؟

 

إن نقطة القوة اليهودية بالنسبة للإسلام هي أن الإسلام يؤمن بكلّ المسلمات اليهودية تقريباً، في حين ترفض اليهودية جوهر الإسلام: نبوّة محمد. لذلك يستطيع اليهودي الصول والجول، قدحاً وذمّاً، في الإسلام، دون أن يستطيع ذلك المسلم.

 

بالمقابل، فالعلماني يستطيع أن يقول لليهودي الذي يزعم أن يهوه - أو ما شابه- أقطع أرض فلسطين لإبراهيم ونسله من بعده: ما هو دليلك العلمي على الوجود التاريخي لإبراهيم هذا؛وما هو دليلك العلمي على أنك من نسله؟

 

يستطيع العلماني أن يفكك التوراة نصياً بحسب نظرية التقاليد، وأن يبيّن على نحو دقيق لا تاريخية معظم حوادثها، وهي التي بنت عليها اليهودية هرمها الخرافي - السياسي - العقائدي برمّته - فهل يستطيع الإسلامي ذلك؟

 

يستطيع العلماني، باستخدام الميثولوجيا، أن يظهر دون لبس أن مقولات مركزية في اليهودية - كالخلق والطوفان - مسروقة على نحو مشوّه من الميثات السورية «الوثنية» ( «وفق التصنيف التوراتي ذاته») - فهل يستطيع الإسلامي ذلك؟

 

يستطيع العلماني، باستخدام علم الفلك الحديث، أن ينسف مقولات التوراة الفلكية الخرافية، وباستخدام الجيولوجيا الحديثة، أن ينسف مقولات التوراة الجيولوجية الخرافية - فهل يستطيع الإسلامي ذلك؟

 

يستطيع العلماني أن يوضح، باستخدام التوراة ذاتها، أن الشعب المختار كان أسوأ شعوب زمانه وأكثرها بدوية، وأن جعلهم «ليهواهم» يختارهم ليس أكثر من تعزية على الشعور البدوي بالدونية أمام الحضارات الكبرى المحيطة - فهل يستطيع من يؤمن بأفضليتهم على العالمين أن يفعل ذلك؟

 

إن حرب الوجود الحضارية بين العرب (سوريا تحديداً) واليهود هي الحرب بين العقل والخرافة - وما دام العقل العربي مأسوراً لخرافات الحاخامين أنفسهم، لن يكون هنالك جواب على سؤال: متى ننتصر؟

 

الهاجريون... كلمة أخيرة!

 

كانت السيدة باتريشيا كرونه، في رسائلها المتعاقبة، خائفة للغاية من نشر هذا الكتاب باللغة العربية. فهي لا تريد كما قالت « نسخة جديدة عن قضية سلمان رشدي ». ولما ترجمنا الكتاب، ورأينا صعوبة لغته، وكثرة الألفاظ التي تحتاج إلى تعريف في سياق النص، والروح الفلسفية المرفرفة فوق صفحاته - أدركنا دون لبس أنّ المشايخ لن يستطيعوا أن يجعلوا منه «نسخة جديدة عن قضية سلمان رشدي» لأنهم ببساطة لن يستطيعوا فهمه - هذا إذا استطاعوا إكمال قراءته، وهم الذين اعتادوا علىمسائل من نمط الحوارات الصحفية مع الجن المسلمين وختان النساء والأدعية النووية...الخ.

 

مع ذلك، فهذا لا يمنع، كما حدث في قضية « الآيات الشيطانية » أن يوعزوا لبعض مستثقفيهم باستلال جمل من هذا الكتاب من سياقها، ليبني عليها المشايخ - كالعادة - أهرامات تكفير هي الدليل الأوضح على فشلهم المزمن في الردّ العلمي على كل من يطرح فكراً يفوق سوياتهم العقلية. وسوف نشكرهم إذا فعلوا ذلك - تماماً كما شكرهم سلمان رشدي من قبل.

 

الإسلام، الذي يعيش أعنف مخاضات عمره، لابدّ أنّه سينجب إمّا « بولتمان إمامي » أو « فويرباخ سنّي »: وفي أيّ من الحالتين، سوف تحال نسخة الإسلام التقليدية إلى المتحف. وحتى يظهر هذا الإمامي أو ذاك السني، تبقى أزمة الغزوة الهاجرية الجديدة - غزوة البداوة لمراكز الحضارات في سوريا الكبرى وحوض النيل، خاصة بعد السبعينات: غزوة ستنتهي حتماً مع انتهاء النفط في آبار الصحراء.

 

دمشق 15/8/1997

Link to comment
Share on other sites

http://www.kitabat.com/alkarki_30.htm أضواء على مقال لـ نبيل فياض - "ما هو الإسلام

أضواء على مقال لـ نبيل فياض - "ما هو الإسلام"

 

 

كتابات - نبيـل الكرخي

 

 

أبتدأ الأستاذ نبيل فياض مقالته المعنونة (ما هو الإسلام) بقوله :

 

 

 

[( «ما هو الإسلام؟»

 

سؤال قد لا تكون الإجابة عليه سهلة! )]

 

 

 

ثم يقول بعد ذلك :

 

[(ما هو الإسلام؟

 

هل اتفق المسلمون يوماً على كل تفاصيل التراث الإسلامي بكل تناقضاته؟ )]

 

 

 

ثم يبدأ الكاتب نبيل فياض بعد ذلك بالضرب على وتر الخلافات المذهبية وإستغلالها للتشنيع على الإسلام ، فنجده يستخدم مصطلحات وأفكار من قبيل :

 

[(منطقياً، فإن عليّ بن أبي طالب كان الإنسان الأقرب إلى شخص المؤسس)]

 

[(الإسلام المحمدي)]

 

[(النسخة الأموية للشكل العمري للإسلام المحمدي)]

 

[(فهل هذا الإسلام الذي يتداول حالياً في الأسواق والمكتبات والمساجد والتكايا، وعلى جبهات القتال في السودان والصومال وأفغانستان ومصر والجزائر.. هو ذاته تحديداً إسلام محمد؟ ببساطة: لا نعتقد ذلك)]

 

ومن سؤاله الأخير ونفيه يمكن أن ننطلق لفهم مراد الكاتب من وراء مقاله لا سيما وهو قد بدأ مباشرة بعد نفيه المذكور بموضوع المذاهب والذي تناوله بشكل سيء بعيداً عن أي سياق زمني أو تأريخي ، وفي طيات كلامه عن المذاهب الإسلامية نشم رائحة دعاية قوية للمذهب العلوي في سورية ! فلربما كان هو المذهب الذي ينتمي إليه الكاتب نبيل فياض ولذلك نجده وقد حاول أن يضفي عليه من الصفات ما سنتطرق إليها بعد قليل.

 

 

 

فما فعله نبيل فياض هو تناوله الإسلام عبر أسلوب إنتقائي محاولاً ضرب المذاهب بعضها ببعض لكي يقال : هذا هو الإسلام متناقض ومتضارب !؟ ونحن لا نتصور أن هذا الأسلوب يمكن أن يخدم البحث العلمي ، فكل مذهب من مذاهب المسلمين هو دعامة قائمة بذاتها ، وإذا كان الكاتب نبيل فياض غير مقتنع بمذهب منها فلا يعني هذا عدم صحة الإسلام كدين إلهي ، بل المذاهب هي عبارة عن رؤى أصحابها وفهمهم للإسلام ، فإذا إختلفنا معهم في فهمهم فيمكننا أن نطرح فهمنا للإسلام كما وجدناه في الكتاب والسنة ، ولا ننسى القاعدة الإسلامية في فهم الإسلام ومعرفة منابعة الصحيحة عبر التمسك بالثقلين : الكتاب والعترة الطاهرة.

 

 

 

وحين يتحدث نبيل فياض عن المذاهب الإسلامية يعددها كالآتي :

 

1. المذهب السني

 

2. المذهب الإمامي

 

3. المذهب الإسماعيلي

 

4. المذهب العلوي

 

5. المذهب الدرزي

 

وكما هو معروف فإنّ نبيل فياض قد أخطأ كثيراً في تقسيمه للمذاهب الإسلامية ، فما ذكره لا يعبر عن تقسيم جميع المذاهب الإسلامية لا قديماً ولا حديثاً ، فحتى لو أفترضنا أن مراده هو تعداد المذاهب الإسلامية الحية التي لها أفراد يعتنقونها في الوقت الحاضر لوجدناه قد أغفل ذكر المذهب الزيدي وأغفل ذكر مذهب طائفة الأحمدية والشيخية والبهائية ـ وثلاثتهم من المنتسبين للإسلام ولا يعترف بإسلامهم لا السنة ولا الشيعة ـ ولا نعرف سبباً يجعله يعتبر العلويين من المسلمين ولا يعتبر البهائية منهم مع أننا نعدهما كلاهما من المغالين.

 

وحين ذكر هذه المذاهب لم يتطرق إلى معتقداتها وأسباب إختلاف كل واحدٍ منها عن الآخر ، ومميزات وخصائص كل منها ، بل تطرق لأمور يراها هو دون أن يقدم لنا البرهان على ما نسبه إليها أو البرهان على صحة رأيه فيها وهل هو رأي مستند إلى دليل أم إلى قراءات عشوائية إنتقائية !

 

 

 

وحين يناقش نبيل فياض كل مذهب من المذاهب التي ذكرها يقع في أخطاء أخرى ، فهو يعتبر أن المذهب السني هو مذهب مبني على عقيدة الأشعرية مع أن هناك فرق سنية كبيرة ليست أشعرية كالماتريدية والسلفية.

 

وحين يتحدث عن الإسماعيليين يقول [(الإسماعيليون، كما عرفناهم الآن، هم علمانيو الإسلام)] دون أن يذكر مصدر معلومته هذه وهل هي دراسة لواقع الإسماعيلية وفكرهم أم هو أمر يحلو له أن يدعيه بلا دليل ، ولماذا لم يذكر وهو يتحدث عن الإسماعيلية إنقسامها إلى فرقتين مختلفتين كلياً هما البهرة والأغاخانية ، ولم يبين أي الفرقتين هي التي يجد فيها العلمانية الإسلامية !!

 

 

 

وللأسف فإنّ هناك نصوصاً قد قالها نبيل فياض في مقاله وهي مضطربة جداً منها قوله وهو يتحدث عن الإسماعيلية [(مشكلة هذا المذهب الشيعي الأصل نخبويته: فبعكس السنّة، الإسماعيلية تيار يبدو أنه من الصعب أن يتجذّر بين طبقات العامّة - لأنه فوق تفكيرها. لذلك انقرض الإسماعيليون بسرعة في مصر، البلد الذي أنهكه ثقافياً دخول عمر بن العاص وهروب النخبة الثقافية اليونانية، بعد وصول التيار الشافعي السنّي الذي قاده صلاح الدين الأيوبي )] ، مع أن الإسماعيلية قد أعتنقها الآلاف من المسلمين قديماً وأنتشرت بين العامة في مصر بخلاف ما قاله نبيل فياض ، وإنقراض الإسماعيلية من مصر ليس بسبب نخبوية المذهب الإسماعيلي كما ظن نبيل فياض بل بسبب الإبادة الجماعية التي فرضها صلاح الدين الأيوبي على معتنقي هذا المذهب بعد أستيلاءه على حكم مصر ، فمن وجده إسماعيلياً أما أن يقتل أو يعتنق مذهباً سنياً ، وهكذا تم القضاء على المذهب الإسماعيلي في مصر. وأما قوله بأن دخول عمرو بن العاص قد أنهك مصر ثقافياً فهو قول غير تام ، لأن النخب الثقافية التي تحدث عنها في مصر قبل دخول الإسلام هي في غالبيتها من الأقباط الآرثوذكس الذين لم يتح لهم العيش بسلام وأمان إلا بعد الفتح الإسلامي وخروج الأمبراطورية الرومانية الكاثوليكية من مصر التي كانت تضطهد الأقباط الآرثوذكس والنخب الثقافية وتحاول فرض عقيدتها الكاثوليكية عليهم.

 

وهناك نص آخر مكمل لما ذكرناه آنفاً حين يقول نبيل فياض : [(الإسماعيليون، الذين استوردتهم مصر من بلد الأعراف الثقافية الراسخة - سوريا - عبر تونس، والذين قدّموا لمصر حضارتها الثقافية الوحيدة حتى الآن (الناصرية كانت تياراً شعرياً عاطفياً هجيناً وليس حركة ثقافية راسخة بدليل زوالها آلياً بعد زوال المؤسس) بعد رحيل مدرسة الاسكندرية، لم يستطيعوا أن يتجذّروا بين طبقات مصر الشعبية: بسبب التركيبة الفكرية الخاصة بالفرد المصري والتي سيشير إليها الهاجريون بالتفصيل من جهة، ولأن الاسماعيلية، كفكر نخبوي عظيم، لم تسعَ كما يبدو إلى فرض مقولاتها على العوام)] ، فهل وصل الأمر من الغموض والبعد عن الحقيقة إلى أن يتم الإدعاء بأن مصر أستوردت الإسماعيلية من سورية عبر تونس ؟!!! فما شأن سورية في نشأة الإسماعيلية أصلاً وكيف تم الإستيراد المذكور عبر تونس ؟! وهل أن إستعمال هذه العبارات الغامضة من جهة والخاطئة من جهة أخرى يمكن تفسيره بعيداً عن عدم معرفته بالتاريخ الإسلامي ومحاولته طمس معالم أفكاره المفتقرة للدليل عبر أستعمال عبارات غامضة ومركبة !؟ ولماذا يتجاهل كون الحضارة المصرية هي حضارة إسلامية كان الإسماعيليون الفاطميون جزءاً منها وهم لا يشكلون كل تلك الحضارة ، فالحضارة التي ترعرعت ونشأت وأزدهرت في مصر في ظل المذاهب السنية قبل وبعد الفاطميين الإسماعيليين لا يمكن إنكارها أو تجاهلها.

 

 

 

ولم يخلُ مقال نبيل فياض من ظاهرة القفز على الحبال ، فهو في جانب يذكر تفرق المسلمين إلى فرق ذكرها ، وفي جانب آخر يتبنى منهج فرقة واحدة ويحاول تعميمه على الجميع ، نجد هذا في قوله : [(أنا، كمسلم، كصاحب «للحقيقة المطلقة»، لي كل الحق، أيها المغاير، أن أشتمك وأهينك وأخوّنك وأكفرك - عند أية مبادرة تهديدية لحقائقي المطلقة.أنتَ، أيها المغاير، لا تمتلك أدنى حق في سؤالي، تاريخياً، عن حرب الجمل وصفين والنهروان، عن حادثة السقيفة وموقعة الحرة، عن تهديم الكعبة وسرقة الحجر الأسود - حتى لا ترمي بحجر شك على حقائقي المطلقة الزجاجية)] ، فمن قال أنه لا يمكن السؤال عن حرب الجمل وصفين إلخ.. قد يذهب لهذا الرأي المسلمون السنة ولكن سواهم من الفرق التي عددها نبيل فياض لا تذهب إلى نفس هذا الرأي ، فلماذا يتبنى نبيل فياض فكرة مذهب واحد ويحاول تعميمه على الجميع لغرض الإنتقاص من الإسلام وإتهامه بالجمود.

 

وأما بالنسبة لإمتلاك "الحقيقة المطلقة" والتي يتهم أعداء الإسلام المسلمون بإيمانهم بهذا الإمتلاك ويحاولون التشنيع على المسلمين من خلال هذا الإعتقاد فنقول لهم من منكم أيها السادة لا يظن أنه يمتلك الحقيقة المطلقة ، أنتم جميعاً يا من تحاولون تشويه الإسلام من ملحدين ومسيحيين وماسونيين وصهاينة ويهود ، من منكم لا يدعي إمتلاكه للحقيقة المطلقة التي يكتبها في مقالاته ويروّج لها ، وإذا كنتم لا تعتقدون أن ما تكتبوه هو الحق وما سواه باطل فلماذا تدعون الناس للإيمان بما تكتبوه !!!؟ هل أنتم تدعون الناس للإيمان بأمور لا تعرفون مدى صحتها ..؟!!

 

كفى عبارات جوفاء خادعة يراد منها تقليل ثقة المسلم بنفسه وعقيدته ، نعم نحن المسلمون لدينا حقيقة مطلقة هي الحقيقة القرآنية ، حقيقة التوحيد الخالدة والنبوة الخاتمة والمعاد الحتمي ، هذه حقائقنا نقولها ولدينا الدليل عليها ، فهل يمكن أن تكونوا يا أعداء الإسلام أكثر جرأة ومقدرة على المواجهة وتعترفوا بأنكم تمتلكون حقائق مطلقة بعيدة عن الإسلام وأن حقائقكم المطلقة مبنية على أدلة صحيحة ، لا أظن أنكم تقدرون على هذا الإعتراف ... !

 

 

 

ونموذج آخر من قفزه على الحبال المذكورة هو قوله : [(أن الإله الذي تدخّل بحسم في مسألة ثانوية جداً حضارياً وإن كانت مركزية بدوياً: إفك عائشة، وقف حائراً بنوع من اللامبالاة أمام جريمة إنسانية وحضارية ارتكبتها المرأة ذاتها، راح ضحيتها ألوف المسلمين وما نزال ندفع ثمن آثارها اللاحقة حتى الآن: حرب الجمل)] ، فنسب لجميع المسلمين رأياً خاصاً لمذهب واحد من مذاهبهم بعد أن شوهه هو أيضاً ، فالإله جلّ شأنه لم يقف وحاشاه " حائراً بنوع من اللامبالاة" على حد تعبير نبيل فياض ، بل هو سبحانه قد بين للمسلمين عبر نبيه الكريم (صلى الله عليه وآله) طريق نجاتهم من الضلال وموقفهم من الضالين المضلين وذلك عبر حديث الغدير (من كنت مولاه فعلي مولاه) وحديث التمسك بالثقلين ، فمن كان مع علي عليه السلام فهو من المتمسكين بالثقلين ومن كان في جيش الجمل فهو من النابذين لهما ، فالأمر واضح والله جلَّ ثناؤه بريء مما يصفون.

 

 

 

ولا بد للمناهضين للإسلام من أن يتطرقوا للترويج للجنس والدفاع عن العلاقات الجنسية المحرمة والشاذة ما دامت مخالفة للإسلام ، وتقييدهم بكارة المرأة بالبداوة وأن المرأة العصرية يجب أن لا تهتم للشرف ! فيقول نبيل فياض في هذا الإطار : [(المشكلة هي أن المسلم، حتى وإن عاش في أكثر دول العالم تحضّراً، فهو يحتفظ تحت جلده بذلك الموقف البدوي من مسألة الجنس: بكارة المرأة شرفها، وشرفها شرف القبيلة، وشرف القبيلة شرف الأمة....».ليس العقل هو أعز ما تملكه الفتاة الشرقية‍‍؟)] ، فهل أن العقل يتعارض مع الشرف ! إنّ الإطلاع على ثقافات الشعوب وحياتها الإجتماعية يجد أن للشرف وبكارة المرأة وممارسة الجنس ضمن العلاقات الزوجية الصحيحة دور أساسي في بنائها ، فالمجتمع الصيني مثلاً يمتلك قيماً محافظة عالية القيمة ويحترم العائلة ويقدس الحياة الزوجية مع أنه مجتمع بوذي في غالبيته وكذلك المجتمعات الغربية وهي مجتمعات مسيحية كانت قبل مائة عام مجتمعات محافظة جداً وحتى اليوم تجد في أوربا وأمريكا تيارات محافظة وأحزابا للمحافظين. فإدعاء بأن أهمية العقل تغلب أهمية الشرف وعفة المرأة وقدسية الحياة الزوجية في أطرها الصحيحة والمحافظة عليها هو أدعاء بعيد عن الصحة تماماً ، لأن العقل هو منبع العفة والشرف.

 

 

 

ويرى نبيل فياض أن الحكم الإسلامي بقتل الشواذ جنسياً هو أمر كارثي على حد تعبيره ! بعد أن صوّر الأمر وكأن الشذوذ هو أمر طبيعي في المجتمعات ، فقال : [(لو تناولنا هنا مشكلة المثلية الجنسية Homsexuality - الأكثر انفتاحاً على النقاش هذه الأيام، وأخذنا بعين الاعتبار أن نسبة المثليين الجنسيين أو أصحاب الميل الجنسي المزدوج bisexual في أي مجتمع بشري لا تقلّ عن 10%، وعرفنا أن مراكز العلم العالمية المحترمة تبدو منقسمة بشأن المسألة بين رأي «الجينية كعلّة» ورأي «التربية الاجتماعية - النفسية كعلة»، وأضفنا إلى كلّ ذلك الأزمات القاتلة أحياناً التي يعاني منها المثلي جنسياً: الرفض المزدوج لجنسانيته من مجتمع مليء بالمفاهيم الخاطئة الدينية جوهرياً حول الجنس ومن ذاته التي هي إفراز طبيعي لذلك المجتمع، لاكتشفنا أن الحلّ الإسلامي التقليدي (- القتل بأسلوب وحشي - ) لتلك المعضلة ليس أقل من كارثي)] ، فنجد في هذا النص خلطاً واضحاً للأوراق ، حيث تؤكد معظم الأبحاث التي أجريت بأن المثلية الجنسية ناجمة عن ظروف وتجربة ويستحيل أن تنشأ فطرية مع الإنسان ، وأن الإنسان يصاب بها عبر التعلم والاكتساب ويمكن التخلص منها عبر العلاج النفسي وقد أجريت أبحاث شملت الجوانب العلمية والنفسية والإجتماعية حيث خلصت إلى النتيجة التي ذكرناها ، ثم أنَّ الإسلام لم يحكم بقتل الشاذين إينما وجدوا كما يحاول نبيل فياض تصوير الأمر ، بل الإسلام يعاقب على التظاهر بالشذوذ وليس الشذوذ نفسه ، فقد يكون هناك شاذين ولكن لا يعاقبهم الإسلام لعدم تجريمهم أي لعدم ثبوت الدليل على ممارستهم للشذوذ ، وما يعاقب عليه الإسلام هو ثبوت الدليل على ممارسة الشذوذ والناتج عن التظاهر بممارسته أو ثبوت الدليل والبينة على ممارسته فعلاً ، فالإسلام يحافظ على المجتمع من الإنحراف بكافة أشكاله.

 

 

 

ومن أبرز ما قاله نبيل فياض في إطار قلب الحقائق هو قوله : [(نحن، للعلم، نميّز تماماً بين الانتداب الفرنسي والاستعمار التركي)] ، فحين يتحول الإحتلال إلى مجرد إنتداب وتتحول دولة الخلافة إلى إستعمار ، فلا نتصور أن تتبقى بعد ذلك مساحة جيدة للنقاش والحوار. فلو أفترضنا عدم إيمان نبيل فياض بنظام الخلافة الإسلامية ـ وهو أمر يخصه ـ لكننا نجد أن من المناسب إحترام مشاعر الملايين من المسلمين الذين يجدون في نظام الخلافة نظا

Link to comment
Share on other sites

Link to comment
Share on other sites

  • 3 weeks later...

http://www.alarabiya.net/Articles/2006/09/14/27458.htm

 

قال لـ"إضاءات" إن المسلمات كن يتوضأن مع الرجال

البنا: حديث "من بدل دينه فاقتلوه" يخالف آيات القرآن

 

 

 

 

 

 

 

دبي- العربية.نت

 

قال الباحث الإسلامي المصري جمال البنا إن بعض الأحاديث النبوية "تخالف" ما ورد في القرآن الكريم آيات القرآن وخاصة في موضوع الردة. كما حمل البنا بشدة على ما اعتبره تمييزا ضد المرأة وفصل الجنسين الذي بدأ بعد الرسول صلى الله عليه وسلم، مشددا على أن شعر المرأة ليس عورة بل كانت تتوضأ جنبا إلى جنب مع الرجل.

 

وأضاف البنا، في حواره مع برنامج إضاءات الذي يبث على قناة "العربية" الجمعة 15-9-2006م في الساعة الثانية بتوقيت السعودية ويعاد بثه الثلاثاء في منتصف الليل ويقدمه الزميل تركي الدخيل، أن الحديث النبوي "من بدل دينه فاقتلوه" يخالف آيات القرآن الكريم، موضحا أن الرسول لم يعاقب الذين ارتدوا كما أن الخليفة الأول أبو بكر رضي الله عنه لم يحارب الردة.

 

ثم استطرد البنا: السنة النبوية جزء لا يتجزأ من الإسلام وإننا ننظر إلى الرسول باعتباره المعلّم والمشرّع والمبلّغ الأمين عن الله تعالى وكذلك قائد الأمة الإسلامية الذي وضع أساليب القيادة. لكن الفقهاء لم يعتبروا ما قاله الرسول في بناء المدينة والدولة والحكم تشريعا وتجاهلوا القواعد التي اتبعها في أسلوب الحكم واكتفوا بمسائل العدة والحيض وهذه الأمور، ولو اعتبرت مسائل الحكم جوهر التشريع لما استطاع معاوية أن يقضي على الخلافة.

 

وأشار البنا إلى أن الصحابة وقعوا في الأخطاء وهم ليسوا ملائكة، متسائلا "ما معنى كلمة صحابة وهل نطلق على أي شخص شاهد الرسول مرة واحدة أنه صحابي. الصحابي هو الذي صاحب الرسول مثل أبو بكر وعمر".

 

وفي موضوع آخر، رأى الكاتب الإسلامي جمال البنا أن شعر المرأة ليس عورة، وقال "يمكن أن تؤدي المرأة صلاتها وهي كاشفة عن رأسها كما أن الإسلام لم يفرض الحجاب".

 

وتابع "كانت النساء تتوضأ بجانب الرجال بما في ذلك من غسيل للرأس والرجلين، ولكن هناك نص فقط بتغطية فتحة الصدر.. المرأة في الجاهلية وضعت خمارا لحماية شعرها من الشمس والتراب وكذلك فعل الرجل، وليس من شأن الإسلام أن يلزم المرأة بلبس الخمار وأن يلبس الرجل عمامة.. كما أن الفصل بين الجنسين حصل بعد الرسول

Link to comment
Share on other sites

  • 4 weeks later...

تحرير الإسلام

GMT 11:45:00 2006 الخميس 12 أكتوبر

د خالد شوكات

 

 

 

--------------------------------------------------------------------------------

 

 

لدى الإسلاميين في العالم العربي، اعتقاد راسخ مستمد ربما من إيمانهم الراسخ أيضا، بمكانة الله ورسوله (ص) لدى شعوبهم، أن فوزهم محتم بأية انتخابات ديمقراطية نزيهة قد تجرى في أي بلد عربي، وأن القمع الذي يتعرضون له محليا ودوليا، إنما هو نتاج هذا التقدير بأنهم الأكثر تأهيلا من غيرهم لتعويض أنظمة الحكم الحالية في حال سقوطها، وهم بهذا الزعم غير عابئين أو معنيين بالرأي الذي يقول أنهم قد تحولوا إلى فزاعة مريعة، لا تفيد أحدا بقدر ما تفيد الأنظمة الاستبدادية القائمة.

شخصيا، وبناء على تجارب خاصة وعامة، أصبحت مقتنعا تماما بأن الحركات الإسلامية لا تملك من برامج التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، التي يفترض أن تكون أساس التقييم في انتخابات ديمقراطية حقيقية، أي شيء، غير استغلال "اسم الله و الرسول (ص)" في المزاد الانتخابي والسياسي، أي التواكل على ملك جماعي وماركة مسجلة للأمة، لحصد ربح فئوي حزبي، فضلا عن مزايدات في المجال المعنوي، يقول الإسلاميون للناس من خلالها أنهم متفوقون على منافسيهم أخلاقيا، في حين بدا لي ولآخرين كثر أن تفوق الإسلاميين الأخلاقي المزعوم هذا مجرد أسطورة وأوهام تباع لأغلبية من المساكين، المطحونين بالفقر والبطالة واليأس من المستقبل.

بحسب ما صرحت به زوجته للصحافة بعد موته، كان الزرقاوي يدعو الله كل صباح أن يرزقه علجا (أي انسانا في النهاية) ليذبحه من الوريد إلى الوريد بسكين مقدس ودم بارد، وكان إخوانه في الله لا يتورعون عن قراءة القرءان على ذبائحهم من بني البشر قبل مباشرة الذبح، ثم تلاوته بعد الفراغ منه، وحمد الله حمدا كثيرا على ذلك، فالبشر أعداء الله عند الزرقاوي وجماعته ومن أيدهم ودعا لهم بالخير والتوفيق وذهب من البرلمان معزيا فيهم، و ليسوا أحباء الله وعياله ومناط رحمته.

لقد رأيت طيلة السنوات الماضية، إسلاميين متطرفين ومعتدلين، يفتتحون مقالاتهم أو خطبهم باسم الله وبالصلاة على رسوله الكريم وتلاوة آياته، ثم يسترسلون في إتيان أعراض معارضيهم وخصومهم، مستبيحين الأنفس والأموال، لا يتورعون على الكذب والافتراء والبهتان وتلفيق الأنباء والأخبار والمؤامرات، ولا يقفون عند سقف أو حد أخلاقي في معاركهم أو خصوماتهم، ثم لا يفوتهم بعد كل ذلك، أن ينهوا المقالات والخطب، بالآيات والأحاديث الشريفة، وحمد الله على نعمه والصلاة والسلام على رسوله.

والله جل وعلا، عند الإسلاميين يغضب لغضبهم وينتقم لانتقامهم ويذبح لذبحهم ويسفك الدماء بأيديهم ويستبيح الأعراض بأقلامهم، كما يفرحه ما أفرحهم ويزهو لطربهم ويسر لمسراتهم، وهو عندهم ساعة ما يشاءون منتقم جبار، وساعة ما يشاؤون رحيم رحمان، و هو – استغفره تعالى- رهن إشارتهم في حلهم وترحالهم وخصامهم ومودتهم، يسارع إلى هواهم، و يبارك من باركوه ويغضب ويخرج من رحمته من أخرجوه – أو خرج بإرادته- وليس من سبيل لنيل رضاه وجنانه إلا عبرهم وبواسطتهم.

تجارب الإسلاميين في الحكم والمعارضة والنقابات والجمعيات الأهلية جلها يصب في اتجاه واحد، متى ما حكموا، بالثورة الشعبية أو الانقلاب العسكري أو الانتخابات، أن تدخل الدولة أو السلطة سيشمل الناس في ملبسهم ومأكلهم ومشربهم وأوقات فراغهم كيف يقضونها وعلاقتهم بربهم كيف يجب أن تكون، فضلا عما ألفه الناس في العالم العربي من تدخل الدولة في أفكارهم وميولهم السياسية وأصواتهم الانتخابية، فالإسلاميون لا يعرفون الصالح للمواطنين في الحياة العامة فقط، كما هو شأن الأنظمة الحالية، إنما يزيدون عليها بأنهم يعرفون صالح المواطنين في الحياة الخاصة أيضا، أي كيف عليهم أن يضحكوا (إن لم يكن الضحك مميتا للقلب) ويتسامروا ويتناسلوا ويربوا أولادهم وجيرانهم.

المستبد الحالي يسجن بعض مواطنيه ويعذبهم ويضيق عليهم في معاشهم، ولا يزعم أنه مكلف إلهيا بفعل ذلك، إنما هي مقتضيات الخصومة وفقا للعادات والتقاليد العربية الفاسدة في الحكم، أما المستبد الإسلامي القائم والممكن مستقبلا، فإنما يسجن ويعذب ويسحل و يفتري ويدبر المكائد والمؤامرات لتصفية خصومه، وهو مأجور عليها، يتقرب بأفعاله طاعات لله، ما تزيده جرائمه وفظائعه ومكره إلا أجرا عند الخالق ومكانة.

عندما ينظر المرء إلى سيرة المستبد العربي الراهن مع التابوهات، سيخلص غالبا إلى أنها محصورة في شؤون الحكم أساسا، فيما يرى سيرة الإسلاميين – وهم في المعارضة ما يزالون- حافلة بالهجومات على السياسيين والمفكرين والفلاسفة والفنانين، حاملة في ثناياها، فعلا أو تصريحا أو تلميحا، اتهامات الكفر والزندقة والهرطقة وإحلال الدم، ولا يسع المستشرف للمستقبل إلا أن يفزع على الحرية فزعا لا نظير له، حين يتخيل هؤلاء وقد استبدوا بالحكم، وأصبحت لهم سلطة، من أمن ومحاكم وعسس ومخابرات، كيف سيتعاملون مع نخب يرونها ضالة، تعمل برأيهم على نشر الفساد والإلحاد و الرذيلة.

المستبد العربي الحالي، عينه على الاستمرار في الحكم بالدرجة الأولى، ورغم أن استبداده وفساده يؤثر سلبا على كافة مناحي الحياة، إلا أنه غالبا لا يحمل مشروعا شاملا يتدخل في العموميات والخصوصيات، ولهذا فقد استمرت عجلة الفكر والثقافة والفنون في الدوران ولو ببطء، لكن الأمر في رأيي سينقلب على عقبيه، حين يصعد سد الحكم تيار يقيس صلاح الناس بطول لحاهم، يرى في المفكرين (غير الإسلاميين، وحتى بعض الإسلاميين) زنادقة، وفي الفنانين فسقة وفجرة، وفي دعاة الحرية والتنوير عملاء للخارج وخونة.

صلاح التيارات الايديولوجية والسياسية يظهر في رأيي عند الخصومة أكثر، فالناس يستوون عند المحبة، بين الصالح والطالح، أما في الخصام، فيتجلى العاقل من المتعصب، والديمقراطي من المستبد، وعندما يكفر تيار رجلا لا يملك إلا قلمه وهو ما يزال في المعارضة، فإنه حتما سيشنقه لو كان في الحكم، وعندما يتهم تيار كاتبا أو مفكرا بالعمالة للأجنبي، وهو ما يزال معارضا، فإنه سيقطع رأسه إذا كان حاكما.

و التيارات الايديولوجية والسياسية التي تعمل للمستقبل، هي التي تغذي في الشباب روح التفكير الحر والعقلاني، وتغرس فيهم قيم التسامح واحترام الآخر والحفاظ على مكانة سامية للذات البشرية بصرف النظر عن الدين أو القومية أو اللون أو الجنس أو أي أساس آخر للتمييز العنصري، أما التيارات الفاسدة فهي التي تستقطب الشباب عبر تطعيمه شعارات جوفاء تدغدغ مشاعره وتلغي عقله، وهي التي تنشر في الناس أفكار الولاء للمشايخ والحقد المقدس وكراهية الآخر والنظر إلى الماضي باعتباره مقدسا جملة وتفصيلا.

إن المواطنين الذين تصنعهم الحركات الإسلامية، ليسوا المواطنين المطلوبين لبناء مجتمعات ديمقراطية، فهم لا يتعلمون اتخاذ المواقف السياسية والفكرية وفقا للنتائج المحققة في الواقع أو البرامج الواقعية المعلنة للتغيير، إنما يأخذون المواقف جاهزة معلبة في صناديق مقدسة ومباركة ببخور الشيوخ وكلماتهم الطيبة، تماما كما يجنح بهم إلى الأجوبة البسيطة القاطعة الواهمة على الأسئلة المعقدة والمحيرة.

مستقبل العرب كما أرى، ليس رهين تحرير الدول من الاستبداد فحسب، إنما رهين تحرير الإسلام أيضا من المستبدين بكلمته وفقهه وتأويله والمتاجرة به، ولعل المهمة الأخيرة أعسر كثيرا من المهمة الأولى، لأن منح العقيدة الإسلامية طبيعة معاصرة وجوهرا إنسانيا، كدين خالص وطريق للخلاص الفردي، وحده القادر على فسح المجال أمام بناء عقل عربي حر قادر على مناقشة القضايا المطروحة باقتدار، وترتيب برامج إصلاح وتغيير فاعلة في جميع المجالات، وهو ما قد يتطلب زمنا طويلا، ربما يكون قرونا، يفترض أن تخاض فيها حروب طاحنة ضد كهنوت يزعم أن لا كهنوت في الإسلام، وضد من بدأ بحرق كتب ابن رشد، وانتهى إلى طعن نجيب محفوظ بنية القتل.

 

كاتب تونسي.

 

Link to comment
Share on other sites

ما رأيوكم لو نمسح الذاكرة... ننسى التاريخ بكل محاسنه (إن كان فيه محاسن) وسوءاته.

ونبدأ من جديد وبفهم جديد بعد كل هذه التجارب الدموية و نخلق عالماً جديدا؟ ما رأيك بالذات أنت يا نبيل. أليس بوسعنا أن نخلق عالماً جميل؟ ليذكرنا أطفالنا وأطفال العالمين ذكراً جميل.

Link to comment
Share on other sites

"يستطيع العلماني، باستخدام علم الفلك الحديث، أن ينسف مقولات التوراة الفلكية الخرافية، وباستخدام الجيولوجيا الحديثة، أن ينسف مقولات التوراة الجيولوجية الخرافية - فهل يستطيع الإسلامي ذلك؟"

 

 

من يقرأ عن ممالك بني إسرائيل في القرآن

أو في العهد القديم يعتريه الشعور بأنها كانت ممالك لا ترقى إلى مستواها

ممالك.

 

جاءت –فيما زُعم- نتيجة دعم مباشر وخاص جداً من الرب.

ولقد ملء علماء الآثارمن بني إسرائيل أرض كنعان ثقوباً بحثا عن آثار

لهذه الممالك فباءوا بخيبة. بل إن ما عثروا عليه لا يؤيد ما جاء في

القرآن والتوراة كهجرت اليهود إلى مصر ومن بعد الخروج والتيه

 

في الصحراء. أما القدس فكل ما وجدوا فيها من الآثار يدل على أنها كانت مدينة أبقار فهل هاذا سر القداسة.

 

نتائج الأبحاث هذه وثقها اثنان من علمائهم (أحدهما رئيس قسم الآثار

بجامعة تل أبيب) في كتاب عنوانه

"The Bible Unearthed"

كما أن ملخص

النتائج موجود بالموقع:

 

 

http://archive.salon.com/books/feature/200...omon/index.html

 

(إذا لم تستطع الوصول من خلال الرابط فأبحث في

Google عن King David was a nebbish).

 

كل الممالك التي أرخ لها الإنسان خلّفت من الآثار ما يثبت وجودها إلا هذه الممالك التي تباهت بها كتب الأديان.

 

ممالك بلا آثار! إن لم يحتار العقل الآن فمتى يحتار؟

 

أنا لن أسأل عن عرش بلقيس الذي زعموا أنهم سرقوه في طرفة عين فأنا

على يقين بأنهم لم يصلوا حتى إلى الأديم الذي خطت عليه بلقيس، ولكن

أتساءل عن مثل هاذين النصين:

 

 

"وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ"

 

"وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ

وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ"

 

من هذا الحديد الذي أصبح ربما كالصلصال في يدي دَاوُودَ وعين

النحاس التي ذابت لسليمان والجن الذي له كانوا يكدحون ألم يصنعا أشياء

تبقى كمصداق لهذه الأساطير عن ممالك ورسل بني إسرائيل؟

أم أن تلك الممالك كانت مجرد خيالات تصاعدت من

رؤوس الرعاة العبرانيين حين شعروا أن لا وزن لهم بين الأمم ... كتبها من كتبها وزاد عليها من بعد من زاد ثم تلقفها من لديه القدرة لأن يهذبها ويعيد صياغتها بأسلوب موجز، إيقاعي،بليغ ومؤثر؟

 

ماذا يكون موقف المرء من كل هذه الحكايات عن بني إسرائيل وما اكتظت به من رموز ذات قدرات خارقه ابتدءا من ذلك الذي رق اللهيب له فصار كالنسمات وانتهاءً بذلك الذي كان يتوكأ على ثعبان ويمشي فوق اليم ويسيل من الأحجار عيون ماء ؟ أمثال هذه الشخصيات لا محل لها إلا في أفلام الكرتون.

Link to comment
Share on other sites

  • 7 months later...

الفتوى.. والفكرة

محمد بن نصر

 

ان طلب الفتوى يعبر في أغلبه عن الخوف من تحمل المسؤولية، عن حالة من عدم الاقتناع الذاتي بفعل من الأفعال فتأتي الفتوى لتعطي لهذا الفعل نوعا من المشروعية ويصبح بذلك الحمل خفيفا على الحامل. ولذلك كثيرا ما نسمع تلك الكلمة التي يتداولها الناس كلما شعروا بالإحراج عند إقدامهم على أمر ليسوا مقتنعين به تمام الاقتناع «في رقبته»، يعني أن الذي سيتحمل المسؤولية في النهاية هو المفتي.

 

أنظر للمنهج النبوي في الفتوى، منهج حواري يصعب التفريق فيه بين المفتي والمستفتي. جاء رجل إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) فقال: هلكت يا رسول الله. قال: «ما أهلكك؟» قال: وقعت على امرأتي في رمضان، فقال: «هل تجد ما تعتق رقبة؟» قال: لا. قال: «فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا. قال: «فهل تجد ما تطعم ستين مسكينا؟» قال:لا. ثم جلس، فأتى النبي (صلى الله عليه وسلم) بعرق فيه تمر، فقال: «تصدّق بهذا» قال: أعلى أفقر منا؟ فما بين لابتيها أهل أحوج إليه منا. فضحك رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حتى بدت نواجذه وقال: «اذهب فأطعمه أهلك». لاحظوا هذه اليقظة الذهنية وروح تحمل المسؤولية عند هذا الرجل الذي لبساطته لم يهتم الرواة بذكر اسمه. يراجع النبي في كل ما اقترحه عليه من حلول. تلك هي الصورة التي من المفروض أن يكون عليها المسلم، مستوعبا لمبادئ دينه، فاهما لأحكام دينه ومقاصدها. وحّد الله حقّا فأضحى واثقا من نفسه، لم يتردد في معارضة الرسول ولم يعاتبه الرسول على ذلك.

 

لطالما ألح علي السؤال حول الحكمة من تفصيل القرآن لأحكام الدين بينما اكتفى بإشارات عامة عندما يتعلق الأمر بالطبيعة والمجتمع والإنسان، وأقدّر ـ والله أعلم ـ أن الله أراد من المؤمن أن يفرغ جهده في معرفة أسرار الطبيعة ومعرفة أسرار نفسه. وأراد حينما فصل في أحكام الدين أن يفوت الفرصة على الذين يريدون أن يستثمروا في «الرأسمال الديني». إنه لمحزن أن نرى السواد الأعظم من المسلمين قد افتتن بفتاوى ما تحت الحزام وما فوق الصرة وهم يلبسون ويركبون مما صنعه الآخرون، بل مما زرع هؤلاء يأكلون. ثم لا يكفيهم هذا الوهن فتنادوا بياتا ومصبحين، وأقبل بعضهم على بعض يتزايدون، متدينون وعلمانيون، وحرروا الخطب والأقاويل في إرضاع الكبير وقد مات صغارهم جوعا ولم يبلغوا بعد الفطام. فما أحوجنا إلى الفكرة التي تحيي العزائم وتزيح عنها أثقال الهوس الديني.

 

أي منطق يسمح باختزال حضارة أو دين في ما شذّ من الأقوال؟ نحن في حاجة للفكرة النيرة التي تنهض بحاضرنا وتبني مستقبلنا وليس لهذه الفتاوى المثيرة، أو الفتاوى الجامدة الصادرة عن المجامع الفقهية التقليدية التي مازالت مهتمة بالبحث في أهلية المرأة القضائية- من أين جاء نقصها وقد أحسن الله خلقها- وفي التبرك ببول الرسول، ولو حسموا الأمر بالإيجاب من أين سيأتون به؟ الرسول يتوضأ ويتطهر من البول، والمسلمون يتجادلون في التبرك أو عدم التبرك به. تلك هي حال من هجر القرآن وجهله

 

* أستاذ في المعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية ـ باريس

 

birali@ hotmail.com

Link to comment
Share on other sites

Join the conversation

You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.

Guest
Reply to this topic...

×   Pasted as rich text.   Paste as plain text instead

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   Your previous content has been restored.   Clear editor

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.

Loading...
×
×
  • Create New...