Jump to content
Baghdadee بغدادي

العراق ..من أين وإلى أين؟ / الشيعة وإيران


Recommended Posts

The article was cut because of the limitation in the post size.

This is part one:

 

 

http://nahrain.com/d/news/06/10/07/nhr1007a.html

 

محمد ضياء عيسى العقابي

 

العراق ..من أين وإلى أين؟ / الشيعة وإيران

 

 

 

مسألة لصق الشيعة العراقيين بإيران أصبحت اسطوانة مشروخة سخر ويسخر منها العراقيون الموضوعيون؛ وشهد ضدها، ولو أنها لا تحتاج إلى شهادة، السيد محمد حسنين هيكل في كتابه "حرب الخليج... أوهام القوة والنصر". إنها وسيلة إقصائية قديمة استخدمت جنبا إلى جنب مع الآليات الأخرى للإقصاء وهي الوحدة العربية وتحرير فلسطين من النهر إلى البحر، على جلالة قدر هذين الهدفين. هذه آليات أريد منها شتم الآخرين وثلم وطنيتهم تمهيدا لإبعادهم والاستئثار بالسلطة ومنافعها كما حصل فعلا في العهود الطغموية (الملكي والقومي والبعثي) منذ تأسيس الدولة العراقية. ولما جعلوا، للأسف، من الآليتين الأخيرتين (الوحدة العربية وتحرير فلسطين) على أرض الواقع أضحوكة تتندر بها الجماهير العربية، بسبب أفعال الطغمويين المشينة التي أخضعت القضيتين لخدمة سياسة سلب السلطة من صاحبها الشرعي، وهو الشعب العراقي، والاستئثار بمنافعها المادية والمعنوية، تبقت لديهم الآلية الأولى، أي إيران، تملقا لأمريكا ولعبا على أوتار الطائفية التي يدعون محاربتها.

 

 

 

بعد سقوط النظام الطغموي البعثي في 9/4/2003 على أيدي الأمريكان، بعد أن تمسك رأس النظام البعثي حتى آخر لحظة باحتقار الشعب ومعاداته، ضنا منه بأن الأمريكيين سوف لا يفرطون به لفائدته الكبيرة لهم باستعداده لشن الحروب عند الطلب، بدأت مرحلة جديدة لاستخدام آلية الإقصاء هذه، أي لصق الشيعة بإيران، على أيدي الأمريكيين، هذه المرة.

 

 

 

أنا أقول إن اللاعب الأول في العراق هم الأمريكيون. وهم أصحاب الدور الأساسي في مجريات الأمور. وأعجب كل العجب إننا لا نقرأ عنه، أي عن هذا الدور السياسي الأمريكي، شيئا في تحليلات العراقيين الديمقراطيين، وإن قرأنا فلا نجد التشخيص والتحليل الصائبين لأنهم يعتقدون بأن المشكلة هي داخلية عراقية وليست أبعد. كتب السيد زهير الدجيلي في 24/7/2006 في موقع "الجيران" الالكتروني، بمناسبة زيارة رئيس الوزراء السيد نوري المالكي إلى واشنطن، ما يلي: " ...لكننا نعتقد ان مشكلة المالكي ليست مع الادارة الاميركية فهذه الادارة مادامت تعيش الان هاجس ايجاد مخارج امنة للتراجع فانه يمكن التفاهم معها، انما مشكلته في الداخل مع 'الفيتو' الطائفي المدعوم بالميليشيات الطائفية المسلحة، مع ائتلاف حكومي وبرلماني هش قائم على امارات الطوائف لايجد فيه اي رئيس وزراء موضعا للثقة او الطاعة له او قوة لحكومته او ولاء للعراق . مع زعامات اشبه ب'المافيات' تريد ان تبقى حكومة المالكي ضعيفة كسابقاتها و يبقى الوضع الامني متدهورا بالكثير من الذرائع، حتى يبقى نفوذها ضاربا بالبلاد."

 

كما أن أبا الشهيدين الممتلئ حبا للعراقيين، جميعا، زعيم حزب الأمة العراقية والنائب في مجلس النواب، الدكتور مثال الآلوسي، الذي أكن له الاحترام والحب الكبيرين رغم عدم معرفتي الشخصية به، كان قد أدلى بتصريح أثار استغرابي حسبما نقلته فضائية الحرة بتاريخ ../4/2006 مفاده (أن العراقيين بدءوا يتآمرون على أمريكا).

 

هذان تشخيصان ليسا صائبين وخطران للغاية أيضا، وسأناقشهما لاحقا في معرض مناقشة السياسة الأمريكية في العراق.

 

 

 

 

 

لقد أراد الأمريكيون، وغيرهم، فوز القائمة العراقية بقيادة الدكتور أياد علاوي في إنتخابات 30/1/2005، لسببين أمر عليهما عابرا لأنني تناولتهما بالتفصيل في مكان آخر من الكتاب. أولا: لقناعته المتطابقة مع قناعة الأمريكيين بضرورة إعادة القياديين البعثيين، عسكريين ومدنيين، لشغل مناصب حساسة في أجهزة الدولة العسكرية والأمنية والمدنية، وهي خطوة مطلوبة من قبل السيد علاوي لإعتقاده بانها كفيلة بإحلال السلام في العراق؛ وهي مطلوبة أمريكيا لما يلي: 1- لتفتيت الإئتلاف العراقي الموحد، 2- لمحاولة تحويل "الحالة الطغموية" إلى "حالة طائفة"سنية محترمة وواسعة، 3- ولجعل العراق يرتكز على ثلاثة ركائز (شيعة – أكراد – سنة) للّعب على تناقضاتها المفتعلة وجعل الأمريكيين المرجعية السياسية لها والحكم عن بعد ب (الريموت كونترول) بعد انسحاب القوات الأمريكية من العراق. ثانيا: لكون كتلته، أي كتلة الدكتور أياد، السياسية لا تتمتع بدعم جماهيري حقيقي . وهذا يجعل من الحكومة التي يشكلها ضعيفة وهشة لا تقوى على مواجهة الأمريكيين إذا أرادوا تفعيل قوانين السيد بريمر الحاكم المدني، خاصة ما يتعلق بالإقتصاد والنفط حيث يضعهما القانون رقم 39 في أيدي الشركات الأجنبية كما قالت صحيفة التايمز اللندنية؛ أو إذا أراد الأمريكيون تحقيق مآرب خارج ما تم التفاهم عليه مع المعارضة الديمقراطية ضمن مبدأ إقامة علاقات صداقة شفافة ووطيدة تستند إلى الإحترام المتبادل والمصالح المشتركة والعدالة والديمقراطية، وهي مبادئ مازالت تسعى إلى سيادتها بين الطرفين القوى الديمقراطية، إسلامية وعلمانية.

 

 

 

من هذا المنطلق، وكما تشير الوقائع، فقد حث الأمريكيون السيد أياد علاوي وكتلته، كما حثوا الملك الأردني عبد الله (صاحب نظرية الهلال الشيعي)، ولم يكونوا بحاجة إلى حث الطغمويين بجميع أجنحتهم، المسلحة والدينية والمدنية المنخرطة في العملية السياسية، تكتيكيا بتقديري الشخصي، على شن حملة مركزة على الإئتلاف العراقي الموحد بتهمة خضوعه لإيران. كان الإفتعال واضحا في هذا الإتهام. لأن غالبية الجمهور العراقي أدرك أن الحملة موجهة من الأمريكي الصامت الذي لم تكن علاقته بالمعارضة العراقية جديدة. فاين كان من قبل، إذن؟ ألم يستوضح هذه القضية بجلاء قبل "التورط" مع القوى الإسلامية الديمقراطية العراقية؟ ألم يتوسل الأمريكيون بهم للحضور إلى واشنطن وذلك لكسب الشعبية عن طريقهم، والأمريكيون بصراحة ليسوا موضع ثقة أغلبية العراقيين الديمقراطيين منذ عقود؟ وما هي المظاهر الملموسة لهذه الهيمنة ؟ أليس هي مجرد إتهام باطل لا دليل له؟ لا يشك أحد من الديمقراطيين في تدخل إيران ولكن بأقل بكثير من تدخل سوريا والسعودية والأردن وتركيا وقطر والإمارات العربية المتحدة وغيرها وغيرها.

 

 

 

أتت صناديق الإقتراع بنتائج كارثية كانت متوقعة من كل من يقرأ المشهد العراقي موضوعيا. الأمريكيون يقرءون موضوعيا لكنهم أخطئوا في فهم العراقيين ولم يستفيدوا من تجربتهم بعد هزيمة النظام الطغموي وتحرير الكويت. لقد دعا الرئيس بوش الأب، آنئذ، الشعب العراقي للإنتفاظ ضنا منه بأن الشعب سيقوم بمظاهرات متواضعة تبرر لأمريكا، أمام العالم، إقدامها على إطاحة رأس النظام وحاشيته وتنصيب قيادة من الخط الثاني لحزب البعث. غير أن ما حصل من ثورة جماهيرية عارمة أسقطت 14 محافظة "سوداء" من أصل (18) محافظة وبقيت 4 محافظات "بيضاء" مقموعة، واندلعت المظاهرات في تلك المدن ومنها تكريت نفسها ضد النظام، الأمر الذي أرعب حكام المنطقة وأمريكا فأسرع الرئيس إلى إعادة النظر بالموقف السياسي وتراجع خوفا من الثورة الشعبية الربيعية الشعبانية عام 1991 ونقلت عنه مجلة النيوزويك قولته الشهيرة "شيطان معروف خير من آخر غير معروف" ويقصد بالشيطان غير المعروف الشعب العراقي الذي أفزع الحكام العرب الدكتاتوريين، أولا وأمريكا ثانيا. وهكذا سمحوا للنظام الطغموي أن يستخدم الطائرات المروحية والأسلحة الثقيلة لدك بعض المحافظات وبالأخص النجف وكربلاء والبصرة. إستشهد في تلك الإنتفاضة الربيعية الشعبانية أكثر من ربع مليون شهيد. ودخل حسين كامل النجف وكتب على دباباته "لا شيعة بعد اليوم". وعند سقوط النظام الطغموي البعثي إعترف، نفاقا لا أكثر ولا أقل بتقديري، السيد سكوكروفت، مستشار الأمن القومي الأمريكي في عهد الرئيس بوش الأب، بأن السماح لمروحيات النظام الطغموي يوم اندلاع الإنتفاضة الربيعية كان خطأ.

 

 

 

أما في انتخابات 30/1/2005 فكان على الأمريكيين أن يدركوا بأن خطاب تخوين الشيعة هو ذات

 

الخطاب الطغموي البعثي الذي أنتج سياسة الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والطائفي والمقابر الجماعية التي فاقت المئات، كان سيجعل العراقيين يقرءون في الخطاب توجها واستعدادا لتكرار كارثة الإبادة الجماعية. لذا التف الشعب حول الأحزاب التي تقيهم هذا الشر فتوجهوا نحو الإئتلاف والتحالف. وأخفى الخائبون مرارتهم فوصفوا سلوك الجماهير بالتخندق الطائفي والعرقي وهو أمر خاطئ تماما. لماذا إلتف نفس هؤلاء الناس حول ثورة 14 تموز عندما اصطدم بها الطغمويون وتهادن معهم للأسف بعض المراجع الدينية وكانت إيران الشاه معادية لحكومة الزعيم عبد الكريم قاسم؟

 

 

 

لم يستسلم الأمريكيون وحلفاؤهم المتنوعون للأمر الواقع. إنتهجوا تكتيكا جديدا يرمي إلى محاولة تفتيت الإئتلاف العراقي الموحد وصرف الجماهير عنه بتيئيسهم من إمكانية الحصول على حياة آمنة وكريمة، وذلك لكونه القوة القادرة منفردا على خوض معركة عصيان مدني سلمية ضد الأمريكان، وإحراجهم أمام الراي العام الأمريكي وأوربا المتناحرة مع الإدارة الأمريكية على قضية القطب الواحد وعدم السماح بغيره واستخدام النفط كسلاح سياسي في هذا الصراع. نعم، الإئتلاف قادر على تنظيم عصيان مدني إذا رفض الأمريكيون المحاربة الجدية للإرهاب، الذي أعتقده شخصيا من صنع الأمريكيين أو، على الأقل، توصلوا إلى اتفاقات معه، إضافة إلى فرق الموت التي يديرها جهاز المخابرات العراقي الذي يقوده اللواء الشهواني نيابة عن الأمريكيين، والإسراع في تدريب وتسليح الجيش والشرطة والأمن العراقي، وإعادة الخدمات وتنشيط البناء الإقتصادي والسماح بمحاربة الفساد بجد والكف عن مسرحية إشراك الطغمويين في العملية السياسية مقابل منحهم حرية الإرهاب والقتل بالجملة والتحريض عليه ودعمه بشتى الوسائل، والكف عن التأجيج الطائفي وشل يد الحكومة إذا ما أقدمت على إجراءات حقيقية لمكافحة الإرهاب، والكف عن أذى الديمقراطيين والآمنين من أبناء الشعب في المناطق الغربية بالتغاضي عن الإرهابيين الحقيقيين الذين يضطهدونهم، والكف عن محاولات شق وتفتيت الإئتلاف العراقي الموحد وغيرها من الأمور الهامة.

 

 

 

أما لماذا يقوم الأئتلاف بالعصيان المدني منفردا، فأرى ألا يتورط الديمقراطيون الأكراد في المواجهة السلمية مع الأمريكيين في هذه المرحلة، لأن الأمريكيين سيشهرون بوجههم العصا التركية الضاجرة من الديمقراطية في كردستان العراق والمطالبة ب 10% من نفط كركوك حسب تصريح رئيس الوزراء السيد رجب طيب أردوغان قبل سنتين تقريبا. وأرى أن الأكراد سينزلون للمواجهة الجادة إذا ما تهددت الديمقراطية بجد في العراق لأن الديمقراطية أصبحت ضرورة مادية للشيعة والأكراد تقيهم شر الإبادة الجماعية التي قد تصل حد استخدام السلاح الكيمياوي ضد جماهيرهم؛ وضرورة لباقي المكونات الديمقراطية من القمع العنيف. ولا تنفع الضمانات الدولية إذا لم تكن مدعومة بقوة شعبية عراقية لا توفرها إلا الحياة الديمقراطية لا غير. وهذه الضرورة، بالمناسبة، هي الأساس المادي لتوقع نجاح الديمقراطية في العراق مهما كانت التضحيات، وهي التي تنفي أي تخوف، وهو تخوف مشروع، من إحتمال جنوح النظام الجديد، بقيادة الإئتلاف،نحو حكم ديني مغلق، أو حكم "ولاية الفقيه" الذي يحتاج إلى تعديل دستوري لا تستطيع أية جهة توفير النسبة اللازمة لإقراره.

 

 

 

أشرت إلى وجوب كف الأمريكيين عن مسرحية إشراك الطغمويين في العملية السياسية مقابل منحهم حرية الإرهاب والقتل بالجملة والتحريض عليه ودعمه بشتى الوسائل، حتى من داخل الوزارة وقبة مجلس النواب. نعم أنا أعني ذلك ولم اسمع مثل هكذا إجراء في جميع أنحاء العالم وتأريخه. هناك ثلاثة أسباب لرفض هذا المسعى: أولا: ليست هناك ضرورة عسكرية فعلية تقتضي ذلك. إذ باستطاعة الأمريكيين، بأنفسهم أو بتدريب وتسليح العراقيين، القضاء على الإرهاب في فترة قصيرة لولا الإعتبارات التي ذكرتها سلفا، إضافة إلى أن الأمريكيين جعلوا، بإعترافهم، العراق ساحة متقدمة لمحاربة الإرهاب أي الإرهاب الموجه نحو أمريكا الذي هو أوسع من الإرهاب الموجه للعراقيين وحسب. لأن "الساحة المتقدمة" فتحت لها حدود العراق عمدا لتجلب كل من تحدثه نفسه بمقاتلة الأمريكيين على التوجه نحو العراق وهناك يغسل دماغه أو يبتز من أجل دفعه لقتل العراقيين بدل الأمريكيين أو أضعافهم، خاصة وأن القادمين للعراق هم الإنتحاريون وهم الأخطر. وهذه قصة لا تنتهي. ثانيا: ربما يصبح هناك بعض التبرير لهكذا إجراء لو كان المعروض على الطغمويين المشاركة في "مجلس لقيادة الثورة" يعقب إنقلابا عسكريا لا شرعيا أطاح بحكومة شرعية أو حتى لا شرعية. غير أن ما عرض هو نظام تعددي دستوري يستند إلى مبدأ الفصل بين السلطات الثلاث وتداول السلطة وتقرر فيه صناديق الإقتراع الفائز لتشكيل الحكومة، وغير ذلك من الإحراءات الديمقراطية. (وهذا ما حصل على أرض الواقع). ولا تهمني بأدنى قدر معارضة الطغمويين للإنتخابات بحجة أنها تجرى بوجود إحتلال. إعتراضهم هذا مرفوض لسببين: 1- لم يبين أحد منهم وجود أدنى قدر من المكانية لتعديل مسار نظام الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والطائفي، 2- إخفاقهم في بيان إمكانية الخلاص من ذلك النظام المبيد بغير إرادة الله والأمريكيين. ثالثا: هل فعل الطغمويون شيئا يقارب

 

 

 

بعد انتخابات 30/1/2005 نزل الأمريكيون بأنفسهم للميدان وعزفوا بأنفسهم ما أوكلوه سابقا لغيرهم، أي بدءوا يعزفون نغمة "لصق الشيعة بإيران" فضلا عن الوسائل التخريبية الأخرى التي سبق ذكرها. وقد ضموا لهذا الجهد مع الأسف طيفا واسعا يمتد من الطغمويين الإرهابيين منتهيا باليسار الديمقراطي مرورا بأنصاف الطغمويين وأنصاف الديمقراطيين.

 

 

 

بتقديري، فشلت المحاولات الأمريكية في تفتيت وحدة الإئتلاف. وكان آخر ورقة لعبوها هي التغاضي عن تفجير مرقد الإمامين العسكريين في سامراء، متوقعين أن تنفجر الجماهير وتخرج حتى عن سيطرة السيد علي السيستاني الذي استطاع امتصاص غضب الجماهير بحكمة وحنكة وأفشل المخطط الرامي إلى إجهاض أو، بالأقل، تشويه الديمقراطية وجعلها مرتكزة على قاعدة "أهل الحل والعقد" المتخلفة (أو بإسمها الملطّف أمريكيا "مجلس الأمن الوطني") التي أرادوها، كما اوضح ذلك السيد عدنان الدليمي، في ال بي بي سي العربي، أن تجلس فوق شرعية مجلس النواب المنتخب ديمقراطيا.

 

 

 

يبدو لي، من سير الأحداث، أن الأئتلاف قد حصل على موافقة السيد علي السيستاني على طرح مسألة الوضوح وقواعد العلاقة السليمة مع الأمريكيين وهددوا باللجوء إلى سلاح العصيان المدني السلمي. وكان موضوع "مجلس الأمن الوطني" الجالس فوق الشرعية هو الحد الفاصل. آنئذ، قرأت أن الأمريكيين أدركوا جدية الموقف فتوصلوا إلى مساومة مع الإئتلاف وفق الأسس التالية: صرف النظر عن "مجلس الأمن الوطني" الذي أريد له أن يكون في موقع "لا يعلى عليه"، مقابل انسحاب الدكتور إبراهيم الجعفري من رئاسة الوزارة لحفظ ماء وجه الأمريكيين وحلفائهم المتنوعين؛ مع إطلاق مبادرة من جانب الحكومة العراقية الجديدة بقيادة السيد نوري المالكي للمصالحة.

 

 

 

ورغم تلمس جدية الرئيس المالكي بشأن المصالحة، إلا أنني أكاد أجزم أنه يعلم والأمريكيون يعلمون والجميع يعلم بأنها طريق مسدود. الطغمويون مصرون على ديدنهم "أحكمك أو أقتلك أو أخرب البلد". الإئتلاف يريد أن ينفذ بنود الإنفاق. الأمريكيون يريدون كسب الوقت لتفتيت الإئتلاف، وهو الهدف الذي لم يتخلوا عنه داخليا، بتقديري. كما يريدون طمأنة "حلفائهم" في المنطقة العربية، والرأي العام الأمريكي والديمقراطيين وأوربا .

 

 

 

يبدو لي، وآمل، أن زيارة الرئيس الطالباني لأمريكا قد فتحت الباب لتسوية حقيقية بين أمريكا والإئتلاف والتحالف بعد أن يئس الأمريكيون من محاولة تفتيت الإئتلاف وكسر إرادة العراقيين البسطاء الذين أثبتوا أنهم يجيدون القراءة والكتابة، رغم كون معظمهم أميا، خيرا من بعض خريجي الجامعات وممتهني السياسة، من غير الطغمويين، الذين قال أحدهم، في هولندا "ما كان علينا أن نسمح بإجراء انتخابات فهي كارثة".

 

 

 

قد تكون مداهمة بيت "صائد الشعوبيين" السيد عدنان الدليمي بتاريخ 29/9/2006 وإلقاء القبض، هناك، على عنصر رئيسي في مؤامرة، حسبما أذيعت تفاصيلها، تستهدف السيطرة على جانب الكرخ من بغداد والتوسع فيما بعد إلى جانب الرصافة مع تدبير إجراءات كيدية معينة من شأنها أن تثير قتالا داخليا بين الشيعة وبالتحديد بين جيش المهدي ومؤيدي المجلس الأعلى، مؤشرا على ما ذهبت إليه في الفقرة السابقة. أو قد تكون مجرد إختلاف في التكتيكات. فالطغمويون على عجلة من أمرهم فأرادوا المباشرة بالسيطرة على الوضع بهذه الطريقة المعقدة والمكلفة مع انخفاض حظها في النجاح. بينما ينتظر الأمريكيون إختراق العمق الشيعي، الذي تحرسه الميليشيات الشيعية وحسب، وتفجير أحد الأضرحة أو قتل واحد أو أكثر من المراجع الدينية ليحل الفلتان التام ويصبح هو ساعة الصفر. وهذا يستدعي القضاء على الميليشيات الشيعية. وهذا، بدوره، يفسر الحملة الشعواء لا على الإرهاب الذي يحصد العشرات من الأرواح البريئة كل يوم، بل على "الميليشيات" والمقصود بها الميليشيات الشيعية لأن اختفائها سيكشف العمق الشيعي أمام الإرهابيين الطغمويين وحلفائهم. وبذلك تحل ساعة الصفر ويتصرف الأمريكيون الحكومة المنتخبة ويلغى الدستور وتشكل حكومة "طوارئ" أو "انقاذ وطني" . فيتوقف الإرهاب مباشرة وتعود الخدمات وينشط الإقتصاد ويبدأ القمع الخفي وتقلص حرية الإعلام، إلا لمن يغلّب الإحتلال الحقيقي على إحتمال تطور الوضع في ظل حكومة الإئتلاف إلى حكم ديني رغم جميع الضمانات المانعة، ويصفق الجيران وتجرى انتخابات مزيفة خلال سنة ويعقد مؤتمر "طائف عراقي" ليصبح العراق بحق دولة طائفية قائمة على صيغة " أهل الحل والغقد" الرجعية المتخلفة الطائفية.

 

 

 

آمل أن تسير الأمور نحو الإتفاق السلمي بين الديمقراطيين العراقيين والأمريكيين ولا نعود نسمع النغمة النشاز ذات الدلالة الواضحة وهي لصق شيعة العراق بإيران قسرا علما أن الصداقة النزيهة مطلوبة مع جميع دول المنطقة دون استثناء.

 

 

 

 

 

 

 

من حكم العراق:

 

- تشير المعطيات إلى أن العراق قد حكمته طغمة طفيلية على المجتمع تضم أشخاصا من جميع أطياف الشعب العراقي بنسب متفاوتة من هذه القومية أو تلك أو هذا الدين أو ذاك أو هذه الطائفة أو تلك. لذا فهو نظام لا يحسب على أية طائفة أو قومية معينة. أسس هذا النظام الحكم البريطاني في العراق لأنه أراد أن تحكم العراق طغمة صغيرة منتفعة تضطر للاعتماد عليه لحمايتها وتقوم من جانبها بخدمته؛ خاصة وأن الحملة البريطانية على العراق قد جوبهت بمقاومة قوية في ثورة العشرين بشهادة وزير المستعمرات آنذاك السيد ونستون تشرتشل نفسه. لقد لمع اسم المس بيل الدبلوماسية البريطانية في تلك الفترة وأحداثها حتى سميت بمتوجة الملك فيصل الأول على العراق. إني أطلق على هذا النظام اسم "النظام الطغموي".

 

 

إذا أبدلنا كلمة "السنة" ب "الطغمويين" ، لا كمرادف لها بل كبديل عنها للفرق النوعي بينهما، فقد يصبح الاقتباس التالي من مقال للسيد كامل السعدون المنشور بتاريخ 20/4/2005 في موقع إيلاف الإلكتروني، صحيحا من وجهة نظري فيما يخص موقف الطغمويين لا من وجهة نظر السيد السعدون الذي وجه في مجمل مقاله تهما غير مبررة للسنة والشيعة والكرد وذلك بالفكرة التالية: بدعم من البريطانيين نكل السنة العرب بالشيعة (والكرد) لأنهم كانت تقودهم قيادات دينية إيرانية "وبالذات من مدوا في بعض المراحل، للفرس العجم يدا، ليتها لم تمتد". كما كتب السيد السعدون : " في ثورة العشرين والذي يدعي البعض أن السنة كان لهم فيها دور وأن وحدة وطنية بين الطائفتين قد تحققت، كان واقع الحال يقول إن السنة لم يشتركوا جديا فيها إلا من خلال بعض رموزهم الذين تعرضوا لتوبيخ شديد من قبل البقية، وبالذات من قبل المرحوم السويدي، وحين وصل السير برسي كوكس إلى بغداد استقبلته قيادات السنة بحفل مهيب، اعتلى فيه الزهاوي الكبير المنبر ليقول:

 

عد للعراق وأصلح منه ما فسدا وابثث به العدل وامنح أهله الرغدا

الشعب فيك عليك اليوم معتمد فيما يكون كما قد كان معتمدا

ارأف بشعب بغاة الشر قد قصدوا إثارة الشر فيه وهو ما قصـدا

…وكانت ثمرة الثورة كما يعرف الجميع، تسقط في الحضن العروبي السني، لتستقر فيه قرابة الثمانون عاما، كان فيها من الزهو والقوة ما فيها، وكان فيها من البطش والعنف والظلم النصيب الأوفر والذي وقع على

الشيعة ذاتهم كما والكرد … ".

 

لا يمكن أن تكون هذه الأبيات الشعرية تعبر عن أفكار السنة العرب العراقيين. كما لا يمكن أن يعبر عن أفكارهم كذلك، الكلام المهين الذي قاله أول رئيس وزراء عراقي، وهو السيد عبد الرحمن النقيب، أمام المس بيل، والكلام مدرج في الفقرة (رابعا) أدناه.

 

خصائص النظام الطغموي:

 

- خصائص هذا النظام الطغموي التي أملتها عليه ضرورات الحفاظ على الذات والسلطة والمنافع هي: الطائفية والعنصرية والدكتاتورية والديماغوجية.

 

 

- سوغ الطغمويون لأنفسهم ولمصالحهم سياسة إقصاء الآخر واعتباره مواطنا من الدرجة الثانية مشكوكا بأصله مطعونا بوطنيته مخدوشا بشرفه، وذلك باعتمادهم معيارين تكتيكيين يقصد بهما شق الوحدة الوطنية وليسا انتصارا لأية قومية أو مذهب لأنهما غير مطلوبين من قبل أحد من المكونات العراقية: واحد لهم والثاني للآخرين. فالآخر إما عنصري انفصالي عميل لإسرائيل والصهيونية؛ وإما عجمي صفوي شعوبي شروكي عميل لإيران التي هي بدورها العدوة التاريخية التقليدية للعرب والمسلمين والعراق حسب "الدراسات" و"التنظيرات" التي قام بها دكاترة السلطان ووعاظه. لذا أصبح افتعال العداء وإثارة الأحقاد مع إيران بسبب وبغير سبب، بهدف استكمال حلقة الربط بين الشيعة وإيران لغمز الشيعة والنيل من وطنيتهم ومن ثم تبرير اقصائهم، معيارا للالتزام القومي من قبا الفرد العراقي، وإلا فإنه يقع في إحدى الخانات المذكورة أعلاه. أما معيارهم لأنفسهم: فهم الذين أرسلهم الله ليحرسوا البوابة الشرقية للأمة العربية وهم الفرقة الناجية وهم الطائفة المنصورة وهم الذين خلق الله لهم العراق ليحكموه وخلقهم الله ليحكموا العراق ويحرروا فلسطين ويحققوا الوحدة العربية. أما بعض الآخرين، أي الشيعة بالذات، فقد "إستوردهم القائد الإسلامي محمد القاسم مع الجاموس من الهند؛ وأن بناتهم يخرجن من الصباح الباكر ويعدن في ساعة متأخرة من الليل وجيوبهن مليئة بالنقود ولا يسألهن أهلهن عن المصدر. " هذا ما كتب في صحيفة عدي صدام حسين بعد فشل الانتفاضة الشعبانية في ربيع عام 1991. وقبل سقوط النظام بستة أشهر، أي بحدود الشهر التاسع من عام 2002، كتب عدي صدام حسين في صحيفته: " الشيعة أولاد زنى ". للعلم فإن هذين الاقتباسين الأخيرين هما الوحيدان المدونان، إضافة إلى قانون الأوقاف والقانون الصادر عام 1985 الذي منع تشييد أي مسجد شيعي أو حسينية في الأحياء التي تنشأ حديثا، أما المسوغات الأخرى فهي غير مكتوبة ولكنها ممارسة عمليا ويوميا ويتم التخاطب بها عبر رموز يفهمها الطغمويون كما يعرفها الديمقراطيون ( شروكي، عجمي، صفوي، شعوبي، فارسي، مجوسي، شيوعي، عنصري، إنفصالي، جيب عميل، عملاء الصهيونية، أبو شروال، غوغائي …الخ.). أما قانون الأوقاف فلم يعترف بالمساجد الشيعية واعترف بالحسينيات كمقابر!. يذكر الباحث والمفكر السيد حسن العلوي أنه من ثوابت العقيدة السياسية للدولة العثمانية كانت معاداة إيران والشيعة والأكراد. وللعلم فإن معظم شخصيات العهد الطغموي الملكي خرجوا من عباءة الدولة العثمانية التي حرمت على الشيعة شغل أي منصب حكومي حتى وظيفة شرطي كما ذكر ذلك الزعيم الديمقراطي المرحوم كامل الجادرجي في مذكراته. يبدو لي أن مجمل هذه الأفكار قد جعلت الطغمويين يفقدون صوابهم ويقعون فريسة لممارسات موغلة برفض الآخر ورفض الديمقراطية خاصة بعد ثورة الرابع عشر من تموز عام 1958، حينما لاحت في الأفق بوادر لإقامة نظام ديمقراطي، وبالأخص بعد إطاحة النظام الطغموي البعثي وزوال النظام الطغموي من الجذور في 9/4/2003. لقد شهد الجمهور العراقي من هذه الفئات الطغموية ممارسات عملية في غاية التطرف، نابعة من تلك الخلفيات، لا تمكن صياغتها بكلمات إلا على النحو التالي: "أحكمك أو أقتلك أو أخرب البلد حتى ولو قتلت نفسي"؛ وكذلك: "دعني أحكمك أو أقتلك وإن رفضت فأنت طائفي وشعوبي وصفوي".

Link to comment
Share on other sites

The article was cut because of the limitation in the post size.

This is part two

 

 

http://nahrain.com/d/news/06/10/07/nhr1007a.html

 

محمد ضياء عيسى العقابي

 

العراق ..من أين وإلى أين؟ / الشيعة وإيران

 

أدرج فيما يلي بعض الوقائع التاريخية والحديثة لتلقي الضوء على استخدام هذه القضية، أي لصق الشيعة العراقيين بإيران، تاريخيا لخدمة أهداف آنية عند الطلب:

 

 

 

أولا:

 

عند تأسيس الدولة العراقية التي لعب البريطانيون، والمس بيل بالذات، دورا رئيسيا في تسليم سلطتها للطغمويين وإقصاء جماهير وقادة ثورة العشرين التي قاومت إحتلالهم العراق، كان أمرا منطقيا أن يعمدوا، أي البريطانيون، إلى حجب المواطنة عن عدد كبير من العراقيين. وقد فعلوا ذلك حقا وحقيقة. الحجة: إيران، أيضا. كيف؟... ثبتوا نصا في قانون الجنسية العراقية يقضي بتعريف العراقي بكونه من يحمل الجنسية العثمانية. المعروف أن بعض أهل العراق، وخاصة في المناطق الوسطى والجنوبية، كانوا يتفادون الخدمة العسكرية في الجيش العثماني فيسجلون لدى الدولة الفارسية في إيران. ألم يكن قانونا إقصائيا مخجلا؟ والأكثر قباحة أن النظام الطغموي البعثي لاحق بموجب هذا القانون مواطنين عراقيين، عربا وأكرادا، وألقى بأكثر من نصف مليون منهم خارج الحدود العراقية معظمهم من الأكراد الشيعة (الفيليين)، بعد أن قتل آلافا من شبابهم القادرين على حمل السلاح. وهناك دلائل تشير إلى أنهم أفنوا نتيجة تجربة الأسلحة الكيميائية والجرثومية لذلك النظام عليهم. .

 

 

 

ثانيا:

 

قامت الدنيا ولم تقعد، في نهاية عشرينات القرن الماضي، أي بعد قليل من تأسيس الدولة العراقية المفتقرة إلى الكوادر من جميع الاختصاصات - حتى حال البعض في وزارة المعارف دون تعيين مدرس للغة العربية في سلك التعليم بحجة أنه عجمي إيراني. تم ذلك رغم أن وزير المعارف كان السيد عبد المهدي المنتفكي وكان متعاطفا مع ذلك الشاب ولكن ما في اليد حيلة والنظام "ديمقراطي لا طائفي ولا عنصري للكشر"!!. كان ذلك الشاب "العجمي الإيراني" هو ما وصفه نقاد الشعر، على ما سمعت، بأنه أعظم شاعر عربي بعد المتنبي: إنه شاعر العرب الأكبر محمد مهدي الجواهري. أما الذي قاد الحملة، الشبيهة بحملة اليوم، ضد من أسماهم ب " العجم والإيرانيين والشعوبيين والصفويين"، فكان ساطع الحصري. وإذا أردت مزيدا من التفاصيل عن هذه المعركة فراجع مذكرات شاعرنا الكبير. للعلم فإن مقبرة آل الجواهري في النجف تبلغ من العمر 500 سنة حسبما قالت صحيفة الحزب الشيوعي العراقي "طريق الشعب" عندما حاول النظام إسقاط الجنسية العراقية عن بعض آل الجواهري لمعارضة الشاعر الكبير نظام الحكم الطغموي.

 

 

 

ثالثا:

 

أراد السيد كامل السعدون، بطريق غير مباشر، تبرير تسليم البريطانيين السلطة في العراق لفئة طغموية صغيرة لخدمة مصالح مشتركة معظمها غير شرعي، كما أشرت إلى تفاصيل هذا الموضوع في مواضع سابقة. فأسمى السيد كامل من استلموا السلطة بالسنة، بينما هم في واقع الحال طغمة من جميع الطوائف وإذا شكل السنة فيها نسبة عالية وتبوءوا قيادتها فلا يدل ذلك على أن السلطة مثلت حكم الطائفة السنية. قال السيد السعدون، في مقال، سبق أن أشرت إليه، نشر في موقع إيلاف الالكتروني بتاريخ 19/4/2005 ما يلي: "... وكانت ثمرة الثورة (يقصد ثورة العشرين)، كما يعرف الجميع، تسقط في الحضن العروبي السني، لتستقر فيه قرابة الثمانون عاما...."

 

ويواصل السيد السعدون كلامه مبررا الموقف الطغموي الذي عبر عنه الشاعر جميل صدقي الزهاوي بقصيدته (التي ذكرتها في مكان آخر) والتي ألقاها عند وصول السير برسي كوكس إلى بغداد، واستقبل بحفل مهيب، والتي كان فيها البيت التالي: "إرأف بشعب بغاة الشر قد قصدوا .... إثارة الشر فيه وهو ما قصدا" فقال السيد السعدون ما يلي مبررا هذا الهجوم على قادة ثورة العشرين: " من هم بغاة الشر هؤلاء الذين عناهم الزهاوي الكبير، لا أظنه يقصد شيعة العراق الطيبون وإنما التجار الإيرانيون في كربلاء وبعض الزعامات الدينية الإيرانية التي كانت تحكم الطائفة الشيعية بإسم الدين أو الطائفة...!!".

 

أعود وأذكّر بكلام الباحث السيد حسن العلوي الذي قال إن قادة ثورة العشرين أطلقوا على قواتهم الثائرة إسم "الجيش العربي"، وأضاف السيد العلوي قائلا: اليوم، للأسف، يسمونهم العجم.

 

 

 

رابعا:

 

أصررت، وأصر، على أن التفتيش والتحليلات المختبرية التي يجريها الطغمويون، على أبناء الشعب العراقي للتثبت من عدم عجميتهم، بطرق مختلفة (منها طريقة القومي السيد هارون محمد التي أذاعها على الملأ عبر فضائية المستقلة بتاريخ .././2006 (ملخصها: إتبع عبد العزيز الحكيم في حله وترحاله، وألق القبض على كل من يتجمع حوله ويردد دعاء "أللهم صلي على محمد وآل محمد" بالطريقة التالية: "ألاهم سلي ألى مهمد وآل مهمد" فذلك هو العجمي ورب الكعبة!!)) – أقول أصررت وأصر على أن المقصود هو إقصاء الشيعة العراقيين لا غير، أي القضية لا تتعلق بإيران نفسها ذات الحضارة العريقة (حسبما قال الجواهري الكبير عندما اتهمه ساطع الحصري ورفاقه بالتعجم!!). البرهان على ما أقوله هو ما يلي:

 

لم يتطرق أحد من الطغمويين إلى من خاطب المس بيل، التي سبق لي أن وضحت دورها في تسليم السلطة العراقية للطغمويين، بالكلمات التالية التي أنقلها عن السيد محمد حسن الموسوي الذي نقلها، بدوره، في موقع جريدة "صوت العراق" الإلكترونية، عن كتاب السيد عبد الرزاق الحسني "تأريخ الوزارات العراقية" (الجزء 1، الصفحة 115):

 

 

 

"خاتون إن أمتكم عظيمة وغنية وجبارة، فأين قوتنا؟ أنا أعترف بانتصاركم، فأنتم الحاكمون وأنا المحكوم. وإذا سألت عن رأيي في إستمرار الحكم البريطاني، فإن جوابي هو إني خاضع للمنتصر، وإنكم بذلتم الأموال والنفوس في سبيل ذلك، ولكم الحق في أن تنعموا بما بذلتم."

 

 

 

بقي أن نعلم أن قائل هذه الكلمات هو السيد عبد الرحمن النقيب، أول رئيس وزراء للعراق. وهو من الأسرة الكيلانية التي يعود نسبها إلى كيلان غرب في إيران أي إنه من أصول إيرانية. مع هذا لم يوجه إليه الطغمويون كلاما جارحا كما فعلوا ويفعلون مع آخرين ليست لهم مواقف من هذا النوع مع المس بيل أو السيد بريمر الذي ذهب للنجف لمقابلة السيد السيستاني فرفض مقابلته لأنه يمثل دولة إحتلال رغم تحريرها الشعب العراقي من الدمار المحقق على أيدي النظام الطغموي الهمجي. أما سبب عدم نقد السيد النقيب فلأنه ليس شيعيا يقتضي التشهير به وإقصاؤه.

 

 

 

خامسا:

 

أنسى لا أنسى ما قرأت في حينه في إحدى أهم الصحف البريطانية (التايمس أو الديلي تلغراف والعتب على الذاكرة) وهي تحلل أسباب قيام انتفاضة الشعب العراقي عام 1956 إذ عزت الأسباب إلى دخول عناصر من حزب تودة الشيوعي الإيراني إلى العراق وتأجيج المظاهرات؛ بينما الحقيقة تمثلت بانتفاض الشعب العراقي تضامنا مع الشقيقة مصر عندما تعرضت للعدوان الثلاثي بعد تأميم قناة السويس. وقد أعدم النظام الملكي السعيدي الطغموي المناضلين الشيوعيين الشهيدين الدباس والشيخ راضي في قضاء الحي التابع لمدينة الكوت بسبب قيادة الانتفاضة هناك.

 

 

 

سادسا:

 

وعندما مارس نفس طغمويي اليوم دورهم المخرب بتوجيه من وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية ضد المسيرة الديمقراطية لثورة الرابع عشر من تموز 1958 الوطنية واجههم الشعب العراقي بالرفض والتنديد وحماية الثورة من المؤامرات. اختزل الشيخ الدكتور نعمان عبد الرزاق السامرائي، مؤسس الحزب الإسلامي العراقي في عهد ثورة 14 تموز، والاستاذ في إحدى الجامعات السعودية، في فضائية المجد السعودية بتاريخ 26/2/2005 كل تلك الأحداث وعزاها إلى دخول عناصر من حزب تودة الشيوعي الإيراني وبمعية الشيوعيين العراقيين فنصبوا المشانق وضربوا المنجنيق وأضرموا الحرائق!!.

 

 

 

سابعا:

 

وفي السنين الأولى لحكم البعث الطغموي أي في مستهل سبعينات القرن الماضي احتج طلاب كلية الهندسة في جامعة البصرة على أمور طلابية لا سياسية؛ وإذا بقيادة الدولة البعثية تلقي القبض على عميد كلية الهندسة الشخصية الديمقراطية المحترمة الدكتور المهندس عبد الحسين شلاش بعد أن ربطت تلك الأحداث، بصورة اعتباطية وقسرية، بإيران وأرادت إعدام الدكتور شلاش لولا احتجاج المهندسين الشيوعيين والديمقراطيين في نقابة المهندسين وتدخل الوزيرين الشيوعيين المرحوم عامر عبد الله ومكرم الطالباني فاكتفى الطغمويون بسجنه لبضع سنين ثم أخلي سبيله قبل انقضاء المدة. هذه ليست أول حالة كيدية تفتعل لسبب تافه بهدف سياسي إما للإقصاء أو للنيل من سمعة القادة الذين أصبحوا رموزا في ضمير العراقيين. (أذكر من هذه الأمثال ما لحق بالاستشاري المهندس المعماري السيد رفعت الجادرجي من سجن وأذى بالغ لا لسبب إلا للنيل من سمعته هو كناشط بين مجموعة متميزة من المثقفين الذين لم يخضعوا لهيمنة البعث حتى دبر حادثا لقتل أحد أعضاء المجموعة وهو الشهيد الدكتور قتيبة الشيخ نوري. كما أرادوا النيل من سمعة والد السيد رفعت الزعيم الديمقراطي المرحوم كامل الجادرجي رغم أنه كان متوفى آنذاك. وحصل نفس الأمر لزعيم الحزب الشيوعي العراقي فهد الذي أعدمه النظام الملكي وحاول النظام البعثي تلطيخ سمعته عن طريق أحد الكتاب. هذا إضافة إلى محاولة تلطيخ سمعة شخصيات وطنية وديمقراطية كثيرة بتهمة الماسونية كالدكتور الهلالي وزملائه). أما في حالة الدكتور شلاش فكان الهدف تخويف الطلبة الديمقراطيين، إسلاميين وعلمانيين، والجمهور البصري عموما من التحرك ضد السلطة البعثية. من هذا يتبين أن اسم إيران جاهز للحشر من قبل الطغمويين في أية قضية يريدونها.

 

 

 

ثامنا:

 

قبل سقوط النظام الطغموي في العراق عرضت السعودية أموالا على المؤتمر الوطني العراقي المعارض مقابل تخليه عن شعار تحقيق الديمقراطية في العراق إلا أن المؤتمر قد رفض ذلك، حسبما قالت صحيفة الأوبزرفر البريطانية في حينه. ولما اشتدت حرارة التصريحات الأمريكية ضد النظام الطغموي، ناشد الأمير عبد الله بن عبد العزيز (قبل أن يصبح ملكا) أمريكا كي "تتعايش مع صدام كما تعايشت مع كاسترو لمدة أربعين عاما"، ولكن دون أن يستمع إليه أحد. وبعد ذلك اعترف السعوديون بأنهم طلبوا من الإدارة الأمريكية عدم حل حزب البعث العربي الاشتراكي والجيش العراقي، دون أن يلتفت إليهم أحد. وبتاريخ 29/7/ 2004 نقلت فضائية الجزيرة عن صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية بأن السعودية إقترحت استقدام قوات إسلامية للعراق. غير أن اقتراحها قد رفض. هذا الإهمال، بتقديري، ناجم عن انقضاء شهر العسل بعد أن توقفت الحرب الباردة وانتصر الأمريكيون بمساندة "حلفائهم" هنا وهناك وفي المقدمة السعودية النفطية، فما عادوا بحاجة إلى التظاهر باحترام أذيالهم الوسخة الظلامية المتخلفة الساحقة لحقوق الإنسان والديمقراطية. زد على هذا فإن النظام الوهابي الخارج على كل القيم الحضارية أصبح مصدرا لتفريخ الإرهاب وتصديره. كان هناك (16) سعوديا من بين ال (19) إرهابيا الذين قاموا بالعمل اللاإنساني في 11/9/2001 عندما هاجموا مركز التجارة العالمية في نيويورك. أكثر من ذلك الإهمال، فقد أنذر الأمريكيون الحكام السعوديين بأن يختاروا بين كرسي الحكم مع وجوب فض التحالف مع الوهابيين الإرهابيين المتخلفين، أو الحفاظ على التحالف الوهابي وخسران كرسي الحكم. فاختارت العائلة المالكة كرسي الحكم بطبيعة الحال. ثار الوهابيون المتخلفون وأرسل ابن لادن لهم المسلحين وحصلت مصادمات عنيفة لعدة مرات هزت أركان المملكة. بدأ الحكام السعوديون بالتفتيش عن سبل لتخفيف الضغط الداخلي المتنوع عليهم: فهناك الإرهابيون وهناك الديمقراطيون وأنصار حقوق الإنسان وأعداء الأوتوقراطية المتخلفة. فأرسلوا الإرهابيين المتخلفين للإنتحار في العراق وقتل الأبرياء هناك، ويكونون بذلك قد ضربوا عدة عصافير بحجر واحد وهي: التخلص من الإنتحاريين الإرهابيين، التظاهر أمام الوهابيين بأن الحكومة تقاتل الأمريكيين والشيعة، التملق للأمريكيين لأن الأخيرين يريدون انتحاريين لإقلاق الوضع في العراق وخلق المبرر لآطالة أمد بقائهم بعد انتفاء مبرر وجودهم في العراق وجذب الإرهابيين للعراق، وجعله ساحة متقدمة لمحاربة الإرهاب، بدل ذهابهم إلى أمريكا، وأخيرا محاولة تخريب البناء الديمقراطي والاقتصادي في العراق. لقد كان مشروع بناء نظام ديمقراطي في العراق مقلقا جدا للسعوديين. وقد جاءت الفرصة السانحة لهم لمطالبة الأمريكيين بتغيير نهجهم في بناء ديمقراطية عراقية بحجة أن صناديق الإقتراع قد دفعت الشيعة إلى سدة الحكم وهذا يعني تسليم العراق للإيرانيين. لقد صرح بهذا الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي حسبما تناقلته جميع وكالات الأنباء والفضائيات. إنتهز الأمير حدثين على الساحة فوجد الشجاعة لينتقد أمريكا بعد أن لم يكن يجرؤ على ذلك. كانت أمريكا نفسها وأعوانها في العراق من طغمويين وأنصاف طغمويين وأنصاف ديمقراطيين ومغفلين رافعين بيرق تخوين الشيعة بكونهم عملاء لإيران والهدف شق الائتلاف العراقي الموحد وافشاله في الانتخابات واضعافه في حالة فوزه. ومن ناحية ثانية حدوث إعصار كاترينا وافتضاح ضعف حكومة الرئيس بوش في مسالة تقديم الخدمات والتأهب لمواجهة الأزمات. إضافة إلى أن الإعصار قد كلف أمريكا أكثر من مائة مليار دولار. هنا جاء الدور السعودي. فبتقديري، تبرع السعوديون بمبالغ ضخمة تفوق ما تبرعت به دولة قطر أي مبلغ (500) مليون دولار.

 

وهكذا نرى أن حشر إيران وعلاقة الشيعة العراقيين بها هو أسلوب متعدد الخدمات يستخدمه كل لغايته.

 

 

 

 

 

تاسعا:

 

هناك دلائل كثيرة تشير إلى أن الأمريكيين، ومنذ بدء تعاطيهم مع الملف العراقي وخاصة بعد اندلاع حرب الخليج الأولى، لم يكونوا راغبين في تغيير الصيغة التي حكمت العراق، منذ تأسيسه، المتمثلة بتمكين فئة طغموية صغيرة من قمع الغالبية الديمقراطية، دينية وعلمانية، والاستحواذ على السلطة. وفي مراحل لاحقة، وبالتحديد عندما لاحت في الأفق للأمريكيين بوادر تفكك الاتحاد السوفييتي، وبروز موضوع كيفية إدارة عالم ما بعد الحرب الباردة، وقرارهم بالاقتراب من منابع البترول كوسيلة لضمان بقاء الأوربيين واليابان تحت المظلة الأمريكية،كما سآتي على تفاصيل ذلك لاحقا - في تلك المرحلة يبدو أنهم قرروا ضرورة كسر تلك الصيغة البالية، أي صيغة حكم الطغمة، شريطة ألا يسمحوا بظهور قوة سياسية عراقية قادرة على فرض إرادة الشعب العراقي الديمقراطية. من هنا، استمروا في محاولات تفتيت الشريحة الواسعة من بين الشرائح الديمقراطية وهي الشريحة الشيعية. سآتي على تفاصيل هذا الموضوع لاحقا. إلا أن ما يهمني توضيحه الآن هو أسلوب من أساليب محاولات تفتيت تلك الشريحة. تمثل هذا الاسلوب بالتخلص من الشخصيات القيادية الملتزمة بمصالح الجماهير العراقية عموما ومنها الشيعية الفقيرة. ضمن هذا الاطار، بدرجة أو أخرى، تمت تصفية الشهيد محمد باقر الحكيم. جاء في كلمة منظمة الحزب الشيوعي العراقي في فنلندا في الاحتفال التأبيني لذكرى استشهاد السيد الحكيم ما يلي: "... لم يكن الشهيد آية الله محمد باقر الحكيم من أبرز القادة السياسيين في العراق فقط، بل هو أيضا من القادة الدينيين.... دعوة الشهيد للاستقلال ووحدة فئات الشعب العراقي وعدم الخضوع لأي طرف خارجي كانت من الأسباب الرئيسية وراء اغتياله. إذ لم تعجب هذه النبرة الاستقلالية في خطابه السياسي والتأكيد على عراقية الرأي كثيرين من أعداء العراق الجديد، العراق الديمقراطي الفيدرالي الموحد..."

 

بالطبع هب الطغمويون أمثال القومي السيد هارون محمد لتبرير ذلك الاغتيال باتهام إيران والخلافات الشيعية - الشيعية، في قناتي المستقلة والجزيرة الفضائيتين.

 

 

 

الدكتور أحمد الجلبي رجل علماني ناضل، هو الآخر، في سبيل انقاذ الشعب العراقي بجميع شرائحه السياسية والقومية والدينية والمذهبية من سياسة التطهير العرقي والطائفي والإبادة الجماعية. لم تهم الطغمويين وحماتهم في الخارج هذه الجهود النبيلة. لقد همّهم في الجلبي أنه شيعي وذو وزن في المحافل الدولية حتى استطاع تأليب الكونغرس الأمريكي على وزارة الخارجية الأمريكية ووكالة الاستخبارات المركزية، الملتزمتين بخط النظام الرسمي العربي المشبع بالروح العنصرية والطائفية اللتين ورثهما من العهد العثماني، واستصدار قانون تحرير العراق ومن ثم إطاحة النظام الطغموي من الجذور أي عدم الاكتفاء بالتغيير الفوقي الشكلي المعتاد ضمن البيت الطغموي الواحد. لذا ركزت الأطراف المعادية للتغيير الديمقراطي في العراق على تشويه سمعة الجلبي.

 

 

 

هنا جاء الدور الأمريكي الرامي، كما ألمحت قبل قليل، إلى تفتيت وحدة الديمقراطيين الشيعة، إسلاميين وعلمانيين، وإلى قطع ألسنتهم القادرة على إيصال صوتهم إلى خارج العراق. فما أن انتقل ملف العراق من البنتاغون إلى وزارة الخارجية (بعد أن ضمنت أمريكا عدم عودة العراق إلى الخلف بعد حل الجيش العراقي والقوى الأمنية) حتى فاجئت الإدارة الأمريكية العالم باتهام الدكتور أحمد الجلبي بالتجسس لصالح إيران. بالطبع كانت هناك عوامل اخرى وراء ذلك الاتهام، أو بالأحرى وراء محاولة اقصاء الدكتور احمد الجلبي من الحياة السياسية. كان على أمريكا أن تقدم بعض التنازلات كاستحقاقات للدول التي سمحت لقواتها بالدخول إلى العراق لإطاحة النظام البعثي الطغموي. وكان الضحية هو الدكتور الجلبي؛ والحجة: هي إيران دائما. الملفت أن الجلبي المتهم بالتجسس ضد أمريكا لإيران استقبله كبار رجال السياسة من مسئولين في الولايات المتحدة بعد الاتهام، كما سخرت صحيفة الوول ستريت جورنال لمرتين من تلك التهمة السخيفة، وهنأه كبار المسئولين الأمريكيين عند تبوءه منصب نائب رئيس الوزراء في حكومة الدكتور إبراهيم الجعفري.

 

 

 

عاشرا:

 

من المعروف أن من ثوابت الأردن إعتبار سوريا والعراق جزء من العرش الهاشمي (دع عنك مكة والحجاز التي تمتلك العائلة الهاشمية، بالفعل، حقا شرعيا فيهما. وبرأيي، يجب أن يجرى استفتاء لأهلهما بإشراف دولي لتقرير المصير). ولكن، كيف السبيل إلى تحقيق الحلم في عراق النفط؟ هل عن طريق المطالبة باستفتاء شرعي؟ هذا لا ينفع. فقد أظهر الشعب العراقي موقفه في أربع مناسبات واضحة: 1- إحتضانه لثورة 14 تموز عام 1958. 2- انتخابات 30/1/2005 التي أذهلت العالم والتي لم تحصل فيها الحركة الملكية حتى على صوت واحد في الجمعية الوطنية، رغم أن ملك الأردن قد ساهم مساهمة فعالة في محاولة كسب الأصوات لمؤيديه عبر تشويه سمعة الآخرين واتهامهم بالعمالة لإيران وتخويف إسرائيل وأمريكا من "هلال شيعي". 3- الاستفتاء الذي جرى في 15/10/2005 على مسودة الدستور الذي أقر النظام الجمهوري بأغلبية ساحقة. 4- انتخابات مجلس النواب في 15/12/2005 التي فشل فيها الملكيون مرة أخرى، كما في المرة السابقة.

 

حاول الأردن والحركة الملكية جاهدين الإبقاء على الجيش العراقي السابق لكي يقوم بالمهمة أي باعادة النظام الملكي كخيار أفضل من فقدان الحكم لسلطة ينتخبها الشعب، وهو أمر كريه بالنسبة إلى الهاشميين والجيش الطغموي. غير أن إرادة الشعب العراقي أقوى من الهاشميين حتى إذا أيدهم الأمريكيون، وهذا مستبعد جدا. لذا فقد حصل ما حصل.

 

جنبا إلى جنب مع الجهود السابقة عمد الأردن إلى اتباع نهج اضافي لإقناع الأمريكيين والبريطانيين برأي مفاده: إن العراقيين غير آهلين للديمقراطية، بدلالة أعمال العنف والإرهاب التي لعب الأردن في بدايتها دورا لإذكاءها، هذا أولا. وثانيا، إن الانتخابات ستدفع إلى سدة الحكم بحكومة شيعية موالية لإيران وسيشكلون مع سوريا وحزب الله اللبناني هلالا شيعيا يمثل خطرا على إسرائيل والمصالح الأمريكية في المنطقة. وبما أن أمريكا تريد مسحة من الديمقراطية في المنطقة، لذا فلا بد من ضم العراق والأردن في اتحاد هاشمي مثلما حصل قبيل ثورة 14 تموز عام 1958. سيحقق هذا الإتحاد مزايا عدة من وجهة النظر الأردنية والأمريكية والإسرائيلية والنظام العربي الرسمي ككل. سيخفف الوزنين الشيعي والكردي في المعادلة العراقية، وفي الانتخابات بالذات. وسيتعهد الأتحاد الجديد بتنفيذ الاتفاق الأولي الذي تم بين إسرائيل ورأس النظام الطغموي البعثي بشأن توطين اللاجئين الفلسطينيين في العراق (الترانسفر) لحل القضية الفلسطينية وفق الشروط الإسرائيلية وعلى حساب المصالح الوطنية الفلسطينية، من جهة؛ ومن جهة أخرى لتحقيق مزيد من تخفيف وزني الشيعة والأكراد، وتلبية المطالب الأمريكية الاقتصادية والنفطية.

 

من هذا نرى كيف أن إيران والشيعة العراقيين أقحما مرة أخرى بعلاقة قسرية ابتدعتها مخيلة النظام الأردني لتحقيق مكاسب سياسية تتمثل باسترجاع الهيمنة على بلد يمتلك ثاني احتياطي نفطي في العالم وقد يصبح الأول.

 

 

 

حادي عشر:

 

تشير المعطيات إلى أن مثقفي (مرام) استلموا تعليمات تكتيكية من القيادة العامة للطغمويين في سوريا مفادها أن يسعوا بكل ما أوتوا من قوة وقابلية كلامية لتشويه صورة الانتخابات التي جرت في 15/12/2005 والتي أجمع العالم على مصداقيتها. لذا بدأ بعض دكاترة السلطان "يهبشون يسرة يمنة". وهنا جاء دور إيران لحشرها في طبخة نافعة. فقال أحدهم في فضائية الحرة بأن الانتخابات مزورة بدلالة دخول شاحنات من إيران محملة ببطاقات انتخابية . وصرح آخر وهو من القادة الطغمويين بأنه ألقي القبض على سائق الشاحنة. لكننا لم نر ولم نسمع عنه شيئا. أجاب الدكتور حسن السنيد من قائمة الائتلاف العراقي الموحد قائلا: نحن لدينا أناس ومطابع وورق وحبر وسيارات في كل أنحاء العراق، فما الذي يدفعنا إلى أن نعرض أنفسنا للمشقة والمخاطر ونأتي ببطاقات انتخابية مزورة من إيران في الوقت الذي نستطيع فيه تزويرها هنا في العراق وفي أي مكان نختاره، لو كنا نريد ذلك؟ لم يستطع دكتور السلطان الجواب. لكنني أعتقد أنه اعتبر نفسه هو الرابح رغم خيبته. إنه قد لصق الائتلاف بإيران في فضائية قد يكون بعض مشاهديها غافلين فينطلي الاتهام، وهذا تشويه وكسب يستحق اللطمة التي تلقاها بالمقابل.

 

 

 

ثاني عشر:

 

قبل أن أنهي كتابة هذه السطور استمعت إلى حديث الرئيس المصري السيد محمد حسني مبارك في فضائية "العربية"/ برنامج "بالعربي" ( في 8/4/2006) الذي اتهم فيه الشيعة العراقيين بكونهم موالين لإيران أكثر من ولائهم لبلادهم.

 

هذا كلام مردود لا أجيب عليه أنا بل أجاب عليه من مصر الشقيقة ذاتها من هو أكثر فهما من الرئيس مبارك ومستشاريه في الشئون العربية والإقليمية وهو السيد محمد حسنين هيكل الذي سبقت الإشارة إلى ملاحظته بهذا الصدد. لقد كان أجدر بمستشاري الرئيس أن يقرءوا ما كتبه شاعر العرب الأكبر محمد مهدي الجواهري حول دور النجف في الحفاظ على اللغة العربية وعروبة العراق عموما عندما اجتاحته موجة التتريك في العهد العثماني وانشغلت المدن الأخرى، ومنها بغداد، بتلك القضية. لكن المستشارين، كما يبدو، ظلوا متعلقين بخيوط واهية نسجتها النظم الطغموية في العراق ودعمها فيروس الإرث العثماني الثقيل الذي أصيب به النظام العربي ككل وجامعته العربية. لقد أصبح المستشارون، كما هو حال مسئولي الجامعة العربية، قانعين تماما أن هناك فئة واحدة فقط وهي فئة الطغمويين حريصة على عروبة العراق أما الآخرون فهم لا يمتون بصلة وولاء للعراق. إنهم لم يقرءوا للباحث السيد حسن العلوي الذي تكلم عن الجيش العربي الذي قادته المرجعيات الشيعية في النجف وكربلاء والكاظمية في ثورة العشرين ضد الإحتلال البريطاني، وكيف تنكر لهم المتنكرون الآن فاسموهم بالعجم. المشكلة أن المستشارين لم يدركوا أن الطغمويين لا يشكلون سوى نسبة لا تزيد على 5% من الشعب العراقي الذي اضطهدوه ودفنوه في المقابر الجماعية وأغرقوه في برك الدماء ورفعوا لافتات الوحدة العربية وتحرير فلسطين للتمويه. لم يعرف الرئيس المصري حتى مكونات الشعب العراقي إذ عرف فقط الشيعة والسنة والأكراد. أما الباقون فوصفهم: بأولئك القادمين من شرق آسيا. وأنا واثق أنه لا يعني اخوتنا الأرمن لأنه لا يعرف بالمكون الأرمني العراقي أصلا. ربما ظن هناك أزبك وطاجيك مازجا بين العراق وأفغانستان غير عارف بأن التركمان والكلدو-آشوريين والمسيحيين والأزيديين والصابئة والشبك والكاكائيين واليهود هم سكان البلاد الأصليين كما هم العرب والأكراد والمسلمون سنة وشيعة.

 

أريد أن أذكر، هنا، أن إقصاء شرائح واسعة من العراقيين بهذا الشكل من قبل الطغمويين وأعوانهم قد تكرر عدة مرات بحيث لو أحصيت المقصيين لوجدتهم يفوقون ال 90% من أبناء الشعب العراقي فمرة أقصوا الشيوعيين بكونهم "عملاء موسكو" ومرة أقصوا الأكراد بكونهم "انفصاليين وجيب عميل وعملاء إسرائيل" ومرة أقصوا التركمان وأخرى أقصوا المسيحيين ومرة أقصوا هذا وذاك حتى وصلوا إلى من يشكل أكثر من 60% من الشعب العراقي حسب اعتراف الرئيس مبارك نفسه وفي نفس حديثه لفضائية العربية. فهل يعقل هذا؟ وإذا عقل هذا فلماذا يبكون إذا قرر أغلب أهل العراق أن يصبحوا عجما؟ هل يريدون أن يقولوا أن أرض العراق مسجلة بالطابو باسم العروبة والعروبة مسجلة بالطابو باسمهم لا غير، وعلى شعب العراق مغادرتها!؟ لم أسمع عن شعب تخلى عن وطنه لهذه الحجة السخيفة. أرجو أن يرتفع البعض إلى مستوى البشر.

 

 

 

ولكن لماذا أطلق الرئيس تلك القنبلة؟

 

العقلية الرأسمالية هي هي سواء كان الرأسمالي متأنقا أو رثا. فكلاهما يريدان استغلال المقابل إما لزيادة وزن الجيوب وإما لمداراة نظام اقتصادي منهك عبثت به "القطط السمان". والاستغلال لا يتم إذا كان المقابل قويا بقاعدته الشعبية وبمشروعه الديمقراطي؛ وهذا هو الوطنية الحقة؛ وهذا هو الذي يخشاه الرئيس مبارك من الوضع العراقي فتذهب أيام التجارة الحرة وتصريف الأزمات الاقتصادية، يوم حقق النظام الطغموي الديماغوجي "الوحدة العربية" القائمة على مشاركة الجميع بنفط العراق مع التبرع بحصة العراقيين لضمان فاعلية الرشاوى؛ (فوك حكة دكة). لذا فقد آن أوان الطعن مادام الجميع يرمون بسهامهم نحو العراق وأهل العراق، حتى التكتيك الأمريكي. هذا الإقصاء الشرس لأكبر مكون من مكونات الشعب العراقي هو ما كنت أخشاه وأنبه إلى خطورته من أن يقود إلى موجة جديدة من الإبادة الجماعية والتطهير الطائفي يتبعه بالضرورة التطهير العرقي، لو غفل أهل العراق. لقد فتح صدام ونظامه الطغموي شهية البعض لحضور وليمة ليس لأعشاب البحر بل لسارقي نفط العراق الذي يعود لشعب لا يستحقه لأنه غير موال للنفط وللأرض التي تحتضنه، في نظر البعض. ربما اقتنع هذا البعض بأن هناك ثروة نفطية بلا شعب وهناك شعب بلا ثروة ما يستوجب المزاوجة بينهما؛ وهو منطق الصهاينة عندما قالوا عن فلسطين: هناك أرض بلا شعب وهناك شعب بلا وطن ما استوجب المزاوجة. لذا استسهل ذلك البعض والصهاينة محاولة إبادة الشعبين المغيبين. وسيكون تكرار الإبادة في العراق أكثر يسرا على اليد الماسكة بالسلاح والمقاصل مع غياب الضمير ووجود الحاضن المحلي والاقليمي والعالمي وكلها تحركها المصالح الأنانية. هل اعترفوا بحصول إبادة قبلا ليمنعوها الآن أو مستقبلا؟ لو كان ذلك لما طالب الشيخ حارث الضاري في قناة الجزيرة بتاريخ 5/4/2006 صرف الحكومة المنتخبة شعبيا ودعوة الجيش والأمن السابقين لتولي زمام الأمور غير آبه لحقيقة أن المكون الكردي لا يطيق حتى هذه اللحظة رفع العلم العراقي الذي أبادهم الجيش تحت لوائه وصار يرفع علم جمهورية 14 تموز؛ وهو موقف يعبر عن أحاسيس الغالبية العظمى من أبناء الشعب العراقي.

 

 

 

ثالث عشر:

 

السيدان (جيمس بامفورد) و (ويليام ريفرز بت) مناوئان لسياسة البيت الأبيض بزعامة الرئيس بوش ونائبه ديك تشيني والمحافظين الجدد في البنتاغون بمعية وزير الدفاع دونالد رمسفيلد. السيد (بت) يعمل في صحيفة النيويورك تايمز وله مؤلفان يهاجم بهما سياسة الرئيس بوش. أما السيد بامفورد فقد كتب كتابا لنفس الغرض بعنوان "إيران: الحرب القادمة". أراد السيد بامفورد في كتابه طعن السيد بوش باتهامه بتعريض المصالح الوطنية الأمريكية للخطر. فابتدع شخصية من طراز ووزن (جيمس بوند، أي العميل السينمائي رقم 007) وادعى أنه لعب بالادارة الأمريكية طولا وعرضا. وأخيرا تكتشف أمريكا أن هذا الشخص كان جاسوسا خطيرا لإيران الأمر الذي تسبب في إقحام أمريكا في حرب على العراق ومقتل 2570 جنديا أمريكيا وتبذير مبلغ تجاوز الثلاثمائة مليار دولار تحملها دافعو الضرائب الأمريكان. أخيرا تبين أن العراقي الدكتور أحمد الجلبي هو ذلك ال (جيمس بوند) الإيراني.

 

وهذا مثل آخر على إقحام شخصية قيادية وطنية عراقية نبيلة سعت بكل إخلاص لإنقاذ الشعب العراقي من الإبادة الجماعية في حملة التطهير العرقي والطائفي- إقحامه في خصام سياسي داخلي وابتداع قصة كاملة لتلصقه بإيران لأنه شيعي، كما يقول السيد بت الذي استعرض الكتاب بخصوص الجلبي فقط.

 

الموضوع المركزي بالنسبة للكاتب كان تجريم الرئيس بوش بكونه أضر بالمصالح الوطنية الأمريكية. أما أسلوب التجريم: فهل هناك أيسر من إقحام الشيعة العراقيين وإيران بالميدان مادامت (المودة) هكذا لدى بعض أهل الدار أنفسهم؟.

 

ولا يبدل من الأمر شيئا أن الإدارة الأمريكية نفسها هي التي اتهمت الدكتور الجلبي بهذه التهمة. ولكن القاصي والداني، دع عنك خبيرين في السياسة كالسيدين بامفورد وبت، كان يعلم أن الاتهام تكتيكي مفتعل لضرب عدة عصافير بحجر واحد. أراد المخططون الأمريكيون إضعاف الديمقراطيين الشيعة وشق صفوفهم، وأرادوا إبعاد الدكتور الجلبي عن المسرح السياسي لموقفه الصلب بجانب المصالح الوطنية العراقية والتصاقه بالجماهير الشعبية؛ وأخيرا أرادوا تقديم تنازلات للطغمويين وعرابيهم في المنطقة وهم الذين أداروا حملة دعائية شرسة، مفهومة المقاصد، ضد الجلبي.

 

 

 

رابع عشر:

 

عدت إلى هذا الموضوع، أي موضوع لصق الشيعة العراقيين بإيران، ثانية اليوم 15/8/2006، وأنا نافض يدي عما حملت نفسي على تصديقه، ولو من باب التجربة، من أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تحبك المؤامرات. توصلت إلى نتيجة مفادها: إن المهم هو الفعل، ومن بعد سمّه ما شئت.

 

ما من حكومة ليس لها تصور وتخطيط، حتى الحكومات التعبانة. خذ، مثلا، المرحوم الرئيس الأسبق عبد السلام عارف. حتى هو وضع خطة لنصرة القضية الفلسطينية. سمعتها منه وهو يلقي خطابا في الدورة عشرين/ الوجبة الثانية في كلية الإحتياط ببغداد قبيل وفاته بشهر تقريبا. لقد قال: (من أجل القضية الفلسطينية علينا أن نتصل بزعماء العالم ونشرح لهم القضية، لكسبهم إلى جانبنا. مثلا أنا جلست مع نكروما لهذا الهدف). وأردف الرئيس قائلا " الله وكيلكم، لولا هذه القضية لما جلست مع هذا العبد التفس الذي يلعّب النفس." نعم هناك تخطيط في هذا الطرح التعس. ولكنه يبقى تخطيطا بريئا، ولو أنه ممزوج بالسفاهة المعتادة. المصيبة تكمن في تخطيط الدول الذكية التي يجر تخطيطها الويل على الآخرين. وهذا ما اسميه أنا بالمؤامرة. وأعترف، هنا، أنني عدت ثانية، بلا تحفظ، للإلتزام بنظرية المؤامرة بهذا المعنى، بعد التجربة العراقية مع الأمريكيين الذي تسعى الحكومة الإئتلافية العراقية إلى إقامة صداقة معهم على أسس عادلة ومتكافئة ونزيهة.

 

 

 

عدت للموضوع يوم 15/8/2006 لأنني قرأت في صحيفة المؤتمر وموقع الجيران الالكتروني يوم 14/8/2006 ردا من نواب عراقيين وهم القاضي وائل عبد اللطيف والدكتور علاء مكي والسيد محمد الخزعلي.على أحدث تصريح لممثل الدبلوماسية (وأكثر من الدبلوماسية) الأمريكية في بغداد السفير زلماي خليل زاد الذي قال فيه بأن إيران تمارس ضغوطا على العراق لتشكيل "هلال شيعي."

 

أنا أعتقد أن تكتيك الأمريكيين، الموجه لخدمة أهداف محتملة عديدة، قد حمل السيد السفير على إطلاق هذا التصريح. إنه نذير شؤم. اليوم توجه إيران ضغوطا على العراق، وغدا ستخرج علينا "وثيقة دامغة" من "مصادر موثوقة" تقول إن الائتلاف انخرط في مسعى تشكيل الهلال الشيعي. وتأتينا الدلائل والتحليلات لتطرح سيناريوهات محتملة عديدة منها على سبيل المثال لا الحصر: إن المظاهرات التي اجتاحت بغداد والمدن العراقية احتجاجا على تدمير لبنان هي سيناريوهات لتحقيق ذلك المسعى!!!. وسوف تأتي وتأتي.

 

 

 

لم لا تأتي مثل هذه الأكاذيب والتلفيقات؟ ألم يتحفنا السيد السفير نفسه بتصريحات عديدة كطائفية الوزير بيان جبر لأنه أدى واجبه بكفاءة ومسئولية، والثأر الشيعي وفساد قادة الحكومة العراقية ووجود جيش إيراني في العراق وغيرها وغيرها. ألم يخرج علينا موقع ال (بي بي سي العربي) الالكتروني يوم 3/8/2006 ليقول لنا، وبكلمات الموقع نفسه، بأن "الميليشيات الشيعية تنحى عليها باللائمة في الكثير من عمليات القتل"؟

 

 

 

سآتي إلى بواعث هذه التصريحات بالغة الخطورة والمقاصد والغايات فيما بعد. على انني أريد هنا أن أقول إن السفير الأمريكي، الممثل للإدارة الأمريكية، يريد تمرير سياسة معينة مستخدما الاسطوانة المألوفة "لصق الشيعة العراقيين بإيران". للتذكير فإن الدكتور أيهم السامرائي كان قد أخبر منتدى سياسيا أمريكيا بأن "المقاومة" قد كلفته أن يعلم الأمريكيين أن لا عداء تضمره للأمريكيين وكل ما تريده المقاومة هي المساهمة مع الأمريكيين في قتال الفرس في جنوب العراق، أو السماح لها بمفردها. وللتذكير أيضا فإن كلام السيد السامرائي هذا جاء بعد المذكرة وعرض تقديم الخدمات الذي تقدمت به، نيابة عن حزب البعث وحلفائه، مجموعة من السياسيين العراقيين منهم الدكتور الباججي والسيد سعد البزاز مدعومين من قبل هيئة علماء المسلمين، إلى الأمريكيين على هامش مؤتمر بروكسل الذي دعى إليه الاتحاد الأوربي لتقديم الدعم السياسي للوضع العراقي الجديد. للعلم والتذكير فإن التقرير الخاص بهذا العرض منشور في مكان آخر من الكتاب.

 

 

 

 

 

خامس عشر:

 

أخذت إحدى المواقع الالكترونية موقفا، بنظري، لا يقل خطورة من مواقف الطغمويين. لا أدري إن كان الدافع إعلاميا حرفيا، أو تقدميا قاصرا بائسا لعزل الحكومة "الرجعية" عن الجماهير الشعبية، أو مداراة للجيران، خاصة الأثرياء منهم. فإن كان إعلاميا فهو ليس موفقا، وإن كان تقدميا فهو قاصر بائس يساهم في التشويش وعزل الحكومة وزعزعة الوضع لصالح الإرهاب وليس لصالح التقدميين، وإن كان لمداراة الغير فهذه جريمة لا تغتفر.

 

 

 

منهج الموقع يتصف بالاستهزاء من الحكومة وجميع ما تقوم به؛ مثل "خوش خطة أمنية" معقبة بهذا العنوان على انفجار قتل 48 بريئا بعد يوم من إعلان خطة أمنية جديدة. هل الخطة سحرية لتلك الدرجة بحيث أنها تمنع الإرهاب منذ اليوم الأول!!؟

 

 

 

الأخطر أن الموقع يستخدم أساليب الإثارة التي أعتبرها ديماغوجية لتشويه سمعة الحكومة التي تكالب عليها الجميع داخلا وخارجا وعلى رأسهم الأمريكيون الذين تنشد الحكومة الإئتلافية صداقة نزيهة متكافئة معهم لا غير وهم غير راضين، لأنهم يريدون حكومة لا تتمتع بقاعدة شعبية لتكون على (كد إيدهم). خرج علينا الموقع بعنوان مثير: (أين تذهب أموال العراق؟). ظهر من المقال أن الحكومة تخصص سنويا (120) مليار دينار لحراسة الوزارات والوزراء وأعضاء مجلس النواب. (120) مليار، إنه مبلغ ضخم جدا، أليس كذلك؟. ولكن، لو قلت لأحد مسئولي الموقع: إنك تقبض شهريا أكثر من مليوني دينار مقابل عملك الصحفي (وهو حق لا غبار عليه) مع الصحيفة الفلانية (القبس مثلا)، أظنه سيتبرم مني ويعاتبني على موقفي غير المتضامن معه كزميل تقدمي مثله. سيقول لي: هل يحسب الناس الرواتب بالدينار العراقي الهابط؟ أما يتم الحساب بالدولار، فسينخفض ما أتقاضاه من الصحيفة الخليجية لأكثر من ألف دولار بقليل، الأمر الذي سيكون وقعه على السامع معقولا؟ أي ألف بدل مليون ونصف المليون تقريبا.

 

إعتراضه صحيح، لأن الحساب بالدينار العراقي، الذي هبط بمقدار سبعة آلاف مرة عن قيمته الأصلية بسبب عبث النظام الطغموي، يجعل المبلغ البسيط يبدو ضخما جدا. ملاحظتي هي: إذا كنت، أيها الأخ المسئول في ذلك الموقع ويا أخي في التقدمية، لا تريد حساب راتبك بالدينار، فلماذا تقحم الحكومة العراقية بهذا المأزق المضخم لتقول إن أموال الشعب العراقي تبعثر بالحراسات حيث يخصص لها مبلغ 120 مليار دينار سنويا؟

 

هذا المبلغ يعادل 76 مليون دولار. هل 76 مليون دولار سنويا كثيرة على حراسة الوزارات والوزراء وأعضاء مجلس النواب، والعراق يلفه إرهاب لا مثيل له في الدناءة المغلفة بغلاف ديني وقومي؟ يوم 14/8/2006 سقطت قذيفة كاتيوشا على منطقة سكنية في الزعفرانية، ولما هرع الناس لإسعاف الأبرياء حصل انفجار عبوة ناسفة، ولما تجمع مزيد من الناس للمساعدة انفجرت سيارة مفخخة. هذا مثل واحد على شدة الخسة الإرهابية. لقد حصل هذا السيناريو مرات ومرات ومنها ما حصل في كراج النهضة وفي القسم الخاص بسيارات الجنوب بالذات. حصل انفجار داخل حافلة قبيل انطلاقها، تبعه آخر عند بوابة الكراج لتقتل المسعفين، وآخر عند بوابة مستشفى الكندي وهي أقرب مستشفى خمن المجرمون أن المصابين سينقلون إليها.

 

 

 

آتي لبيت القصيد. الموقع الإلكتروني خطا خطوة أخرى، غير مكتف بالالاستهزاء بل مزجه بالتشكيك بنزاهة الحكومة ووزير نفطها. ليس هناك من سبيل يوصل إلى هذا الهدف غير ركوب الموجة السائدة في الإعلام الطغموي وحماته الخارجيين. الموجة المفضلة هي مودة لصق شيعة العراق بإيران وهو الموضوع الذي نحن بصدده. خرج علينا عنوان ذلك الموقع يوم 14/8/2006 بما يلي: "يا للمهزلة! إيران تستورد نفط العراق مقابل تزويده بالوقود" ؛ ويمضي الموقع قائلا: "وقع العراق وإيران أمس اتفاقا يتم بموجبه استيراد طهران للنفط العراقي مقابل تزويد بغداد بمشتقات النفط كوقود للنقل والمنازل (من لحم ثوره واطعمه)." وأنهى الموقع تقريره بالقول: "والنفط مصدر العراق الرئيسي للعملات الصعبة المطلوبة لإعادة بناء اقتصاده ويحتاج العراق بشدة لعوائد تصدير النفط لتمويل إعادة البناء."

 

 

 

في الحقيقة، إنها مهزلة أن يعمد العراق إلى استيراد المشتقات النفطية وهو بلد النفط. إنها اكثر من مهزلة. إنها كارثة وإجرام بحق العراق والعراقيين. الذنب هو ذنب النظام الطغموي البعثي الذي لم ينشأ المصافي الكافية لسد الحاجة المحلية من المشتقات. بل كان عليه السعي لتصفية أكبر نسبة ممكنة من البترول لأن مردود المشتقات أجدى اقتصاديا من مردود النفط الخام، ولدى العراق القدرة المالية لاستثمارها في بناء مزيد من المصافي المخصصة للتصدير لولا العبث الإجرامي للنظام الطغموي. لم يصن ذلك النظام حتى المصافي التي أنشأت قبله وعلى يديه، على قلتها، فاصبحت بحالة فنية يرثى لها. زد على هذا الإرهاب الأسود الذي حال دون صيانة الموجود من المصافي، وتوسيعه، وبناء المزيد منها.

 

في مثل هذه الحالة ، فإنه لأمر طبيعي أن يستورد العراق المشتقات النفطية. وقد استوردها ويستوردها بالفعل من إيران والكويت وتركيا ودول اخرى. كما هو الحال مع الطاقة الكهربائية. فهي تستورد الآن من تركيا وسوريا وإيران ومن كل دولة مقتدرة وراغبة من دول الجوار.

 

 

 

لو طرح الموقع الإلكتروني الاتفاق العراقي الإيراني بهذا المفهوم لكان طرحا سليما. غير أنه أعطى تلميحات تطعن بنزاهة الحكومة العراقية وتتهمها ضمنا بمساعدة إيران على نهب ثروة العراق بالقول "من لحم ثوره واطعمه". فهمت من التقرير وكأنه يقول: ما لوزارة النفط تستورد المشتقات من إيران مقابل البترول "والنفط مصدر العراق الرئيسي للعملات الصعبة لإعادة بناء اقتصاده"؛ ويكرر التقرير هذه الحقيقة الدامغة بكلمات أخرى وكأنه يحتج على إسراف أو تفريط: "ويحتاج العراق بشدة لعوائد تصدير النفط لتمويل اعادة البناء".

 

 

 

بصراحة لا أدري إن كان كاتب التقرير جاهلا بأمور الاقتصاد والبترول، أم أنه ديماغوجي، أم لا هذا ولا ذاك. فمقايضة النفط الخام بالمشتقات هو تصدير للنفط بحد ذاته. والعراق، بل كل بلدان العالم، بحاجة لنفطه وثرواته الطبيعية والزراعية والحيوانية لإعادة البناء، والبناء، وقبلهما إبقاء الإنسان على قيد الحياة. ولكي يبقى على قيد الحياة، على العراقي، كغيره من البشر، أن يأكل، وبالتالي عليه أن يطبخ وعليه أن يتجول بواسطة نقل عمومية أو خاصة للذهاب للعمل وكسب المال وشراء الحاجيات المنزلية بضمنها الخضروات. وهكذا فالعراقي، كباقي البشر، بحاجة إلى مشتقات نفطية للطباخ وللسيارة. لذا فإن مبادلة النفط العراقي بمشتقات النفط الإيرانية لا علاقة له بكون وزير النفط "شهرستانيا"، ولا علاقة حقيقية له بما طرحه يوم 14/8/2006 السفير الأمريكي السيد خليل زلماي زاد بشأن الهلال الشيعي.

 

 

 

أطلت في موضوع هذا الموقع الإلكتروني لأنني أخذته كنموذج للإعلام التقدمي العراقي الذي لا أرى أنه يرقى إلى مستوى المرحلة؛ وأنتهز الفرصة هنا لمخاطبته.

 

 

 

قد يكرر اليسار العراقي خطأ، أعتبره ستراتيجيا وفي غاية الخطورة حصل في القرن الماضي وجر بالويلات على العراقيين، وهو عدم التعامل الصحيح مع القوى الممثلة للمرحلة الوطنية الديمقراطية في ثورة 14 تموز عام 1958، مثلما شخصها الحزب الشيوعي العراقي. فكان، إذا، على اليسار العراقي، آنذاك، السعي بكل جد وجهد لتحقيق تآلف بين جمهور قائد الثورة الزعيم عبد الكريم قاسم والحزب الوطني الديمقراطي بقيادة كامل الجادرجي، ولم يكن هناك من خوف حقيقي على انجرار الجماهير نحو البرجوازية ونسيان الاشتراكية، علما أن الجماهير لم تكن اشتراكية اساسا بل أيدت اليسار من منطلق وطني بحت. لا خوف من الوضع الديمقراطي فأجواؤه تقود المجتمع إلى الاطمئنان والحرية ويدفع الفكر نحو الأرقى الذي يناسب المرحلة.

 

 

 

وبنفس القدر، لا خوف اليوم من دولة ولاية الفقيه أو حكم ديني منغلق، إذا ما نجحت حكومة الإئتلاف في مسيرة البناء السياسي على أسس ديمقراطية وضبط الوضع الأمني وتطوير الوضع الاقتصادي وإعمار البلاد، ضمن سقف وضوابط الدستور. فالأحزاب الدينية والقومية الكردية وغيرها ديمقراطية، أحبت أم كرهت، من منطلق إدراكها لحقيقة أن الديمقراطية شرط ضروري لبقاء الشيعة والأكراد وغيرهم على قيد الحياة ولاتطالهم الإبادة الطغموية – التكفيرية التي مورست ايام النظام البعثي ومازالت تمارس على أيديهم وقد تحولوا إلى ملثمين وملتحين إرهابيين خارجين على القانون، تساندهم المنطقة، وهو أمر في غاية الخطورة. على اليسار أن يرى المشهد العراقي موضوعيا ويقرأ الحقائق التالية بلا عاطفيات وأفكار مسبقة ونظرة عقائدية جامدة: 1- إن السيد علي السيستاني، الأب الروحي لمعظم أحزاب الإئتلاف العراقي الموحد، قد أجبر الأمريكيين على إحضار الأمم المتحدة إلى العراق، 2- إنه انتزع من الأمم المتحدة إعترافا بأن صناديق الاقتراع خير وسيلة للتعبير عن رغبات أبناء الشعب العراقي، 3- إنه حصل على دعم الأمم المتحدة على وجوب كتابة دستور عراقي من قبل عراقيين منتخبين، ويستفتى عليه الشعب، 4- إنه قد طلب إجراء انتخابات مبكرة وكانت في 30/1/2005 بينما ارادها الأمريكيون في عام 2007، 5- تم إعداد الدستور من قبل عراقيين معظمهم كانوا منتخبين وتم الاستفتاء عليه. ورغم المؤاخذات، اعتبر من أكثر دساتير المنطقة تقدما. وهناك إمكانية لتطويره، 6- ساهمت أحزاب الإئتلاف العراقي الموحد بكل جد في انتخابات 15/12/2005، 7- أفشل الإئتلاف، مدعوما بالسيد السيستاني، محاولة الأمريكيين والطغمويين والانتهازيين لتشويه الديمقراطية بل إلغائها عن طريق تنصيب مجلس غير منتخب فوق المجلس المنتخب، وهو "مجلس الأمن الوطني" الذي يحمل إسما ملطفا لصيغة "أهل الحل والعقد" المتخلفة. 8- بمبادرة من الإئتلاف أصدرت الجمعية الوطنية في عهد حكومة الدكتور إبراهيم الجعفري قانون الحماية الإجتماعية الذي يدعم الفقراء، وهو قانون فريد من نوعه في المنطقة. 9 – أحزاب الإئتلاف والتحالف الكردستاني أكثر الأطراف البرلمانية إهتماما بضحايا النظام الطغموي من سجناء مفصولين ومهجرين ومضطهدين وعوائل الشهداء، 10- للعلم فإن السيد السيستاني قد صرح جهارا بأنه يؤيد أي عراقي ينتخبه العراقيونز كما صرح الشهيد محمد باقر الحكيم، قبل سقوط النظام وبعد سقوطه، في فضائية المنار بأنه ليس مع دولة ولاية الفقيه ولا مع الحكم الديني. 11- إن السيد السيستاني قد بر بوعده بعدم حشر المرجعية بالأمور السياسية؛ إذ انسحب من المشهد السياسي بعد أن وضع القاطرة على السكة، 12- إن التركيبة الفريدة للمجتمع العراقي بتعدد قومياته وأديانه ومذاهبه ومدارسه الفكرية والسياسية تجعله محصنا ضد أي نظام مثير للجدل. لقد رأينا ذلك واقعيا في السودان عندما أراد النظام الديني هناك فرض الشريعة الإسلامية فأدى الإجراء إلى خلخلة المجتمع السوداني، 13 - هناك تشوش وخلط في وصف المشهد العراقي الحالي ووصمه بنعت الطائفية. بعض الخلط برئ ناجم عن جهل، وبعضه متعمد بهدف التخريب، أو لإخفاء تبرم وتخوف من مجرد وجود أحزاب دينية وصلت إلى سدة الحكم عن طريق الانتخابات. ليست هناك حالة طائفية حقيقية. وأذكّر أن الطائفية هي قمع لطائفة أو أكثر من قبل طائفة أخرى أو سلطة. لقد قضي على النظام الطغموي الطائفي وحل محله نظام ديمقراطي قائم على مساواة المواطنين في الحقوق والواجبات، أخذ صيغة تشريعية دستورية. حتى المعترضين على الدستور لم يرفضوه من هذا المنطلق، بل من منطلقات أخرى كالفيدرالية، وهناك من اراد مزيدا من الحقوق للمرأة. أما الطائفية الممارسة على الأرض فمردها إلى الطغمويين الطائفيين الذين حكموا البلد أنفسهم، مضافا إليهم التكفيريون الوافدون من الخارج والمحليون. لقد أعلنوها حربا رسمية ضد الشيعة. إنهم في حرب ضد الأكراد أيضا. غير أن التتنسيق التكتيكي مع الأمريكيين اقتضى من الطغمويين تجميد حربهم على الأكراد لمرحلة ما بعد تشتيت وإقصاء الشيعة. أي إن الطائفية الآن هي طائفية الطغمويين وهم خارج الحكم ضد أبناء طائفة كانت مقصاة، أثناء حكم أولئك الطغمويين أنفسهم، واصبحت تتمتع بحقوقها الدستورية كسائر البشر بعد زوال النظام. إن هذه الطائفية التي يمارسها الإرهاب الطغموي والتكفيري هي محاولة للخروج من حالتهم الطغموية المعزولة وجعلها حالة طائفية واسعة. الملفت أن الغالبية العظمى من الشيعة، جماعات وأفرادا، وغالبية جماهير السنة رفضت الانخراط في هذا الطريق إلا جماعات لا تعتبر ممثلة للمجموع. لذا فإن الإلحاح على نعت الوضع الحالي بالطائفية هو وقوع في فخ الطغمويين وترويج لستراتيجيتهم السياسية والإعلامية. ينبغي على التقدميين الإشادة بالديمقراطيين الشيعة والسنة لضبط النفس وإدانة الطائفية الطغموية دون الخوف من إرهابها. وإلا فسيساعد التقدميون الطغمويين على تحقيق مخططهم بلف الطائفة السنية حولهم والنجاح في تحويل الحالة الطغموية إلى حالة طائفة. ينخرط الأمريكيون ايضا في إنجاح هذه المحاولة المدمرة للبلد. إن السكوت وعدم تشخيص الجاني وتوزيع اللوم والتهمة بالتساوي لهو تشجيع للجناة الطغمويين بحد ذاته. أعود وأكرر أن الدفاع عن الطائفة المستهدفة بالإبادة، بإعلان رسمي مدعوم واقعيا، أو الإعتزاز بالطائفة ليس بطائفية، ومن يتهم بغير ذلك فهو في واقع الحال يعتمد مفاهيم النظام الطغموي في الطائفية والعنصرية التي استند إليها في شن سياسة التطهير الطائفي والعرقي والإبادة الجماعية.

 

 

 

إن الديمقراطية والفيدرالية والحفاظ على حياة غالبية العراقيين والنفط ووحدة البلاد في خطر مصدره توافق تكتيكي أمريكي مع ستراتيج طغموي، لم تمله الضرورات العسكرية وقوة المقاومة الإرهابية كما يضن البعض. لقد أملته محاولة حكم العراق وفق قاعدة الركائز الثلاث، أو حتى بركيزة واحدة طغموية إذا ضمن الأمريكيون فوزها بانتخابات مشوهة بمزيج من تفتيت القجماهير الديمقراطية وإرعابها وقمعها وتهجيرها وإغرائها وتزوير الانتخابات. كل هذا قد يأتي في أعقاب افتعال حرب أهلية. إن تآزر القوى الديمقراطية كفيل بإفشال هذه المخططات وفرض علاقات صداقة حقيقية سليمة عادلة متكافئة مع الأمريكيين وحسب التفاهمات التي تمت قبل إسقاط النظام؛ وكفيل بتطوير الحياة الديمقراطية وتجريدها من شوائبها.

 

 

 

سادس عشر:

 

كما صارت للقومي السيد هارون محمد وسيلة اختبار سريعة دون الحاجة لتحليل الدم لتشخيص العجمي في العراق، أصبحت لي، أنا الآخر، وسيلة سريعة أيضا لمعرفة من يتمنى الخير للحكومة العراقية المنتخبة ديمقراطيا لأول مرة في تاريخ العراق (برآسة الجعفري أو المالكي) ومن لا يتمنى لها ذلك. إنها كلمة "صولاغ". لاحظت أن الذي يتمنى الخير يشير لوزير الداخلية السابق، في حكومة الدكتور الجعفري، ووزير المالية الحالي الذي تميز بالكفاءة (ما أزعج الأمريكيين وحلفائهم) – يشير له ب "باقر جبر الزبيدي". أما الذي يريد النيل من الحكومة فيسميه "باقر جبر صولاغ". باختصار: يريدون أن يقولوا إنه من أصول إيرانية. أنا اقول فلننس ما ذكرته في الفقرة (أولا) في هذا الباب بشأن تسجيل بعض العراقيين لدى الدولة الإيرانية تفاديا للخدمة العسكرية في الجيش العثماني، ولنفترض أن السيد بيان هو من أصول إيرانية، فأقول: أليس عارا أن يقصى عراقي لأنه من أصل إيراني وفي أوربا وامريكا الشمالية والجنوبية (وكلها دول كافرة في نظر البعض!!!) تبوء المتجنس مواقع خطيرة في الدولة كرآسة الدولة؟ أليس السفير زلماي خليل زاد أفغاني الأصل؟ حسب علمي، فإن الحملة الفاشية التي نفذها حزب البعث بحق من يسمون بالتبعية لم تشمل عائلة السيد بيان، علما أنها شملت حتى بعض من كانوا يحملون الجنسية العثمانية من الشيعة؛ ولم يكن السيد بيان خافيا عنهم فقد قتلوا عددا من أخوانه وأفرادا من عائلته وكان صوته عاليا في المعارضة العراقية ضد النظام الطغموي.

 

 

 

سابع عشر:

 

لم يرق لقيادة (أكرر قيادة) هيئة علماء المسلمين أن تسود غير الثقافة والتقاليد الطغموية في المجتمع العراقي التي تعطى أحيانا المسحة المذهبية السنية نفاقا ومن أجل التخفي ورائها. فقيادة الهيئة تحارب أي نقض للثقافة الطغموية، والذريعة جاهزة: إنها إيران ثم إيران ثم إيران، لحد السخرية.

 

 

 

نقل موقع "الجيران" الالكتروني بتاريخ، 29/5/2006، وقائع المؤتمر الصحفي للشيخ عبد السلام الكبيسي أحد أنشط قادة الهيئة والمتحدث بإسمها، تحدث فيه عن أمور غريبة. قال إن "إيران تريد أن تحدث انقلابا في المجتمع العراقي...". أنا أسأل الشيخ عبد السلام: ألم يرد العراقيون إنقلابا في مجتمعهم على ثقافة الإقصاء والإبادة الجماعية والتطهير العرقي والطائفي والمقابر الجماعية؟. فلماذا تتهم إيران به؟

 

 

 

يمضي الشيخ الكبيسي في كلامه وكأن كل الناس في جيبه، فهو يتكلم نيابة عنهم بكل ثقة ويقول: "... الكل يعلم ما تفعله إيران في العراق والكل يعلم ما تضمره إيران للعراق سواء إن كان حقا أو باطلا." لا أعلم من خوّل الشيخ الكلام عني مثلا، وأنا واحد من ملايين العراقيين البسطاء. أنا لا أعلم ما تفعله إيران في العراق. أنا أسمع فقط. ولم يقنعني ما سمعت، بدلالة أن العاهل الأردني الملك عبد الله سكت عن قضية الهلال الشيعي والتدخل الإيراني. وكذلك فعل الدكتور اياد علاوي. وكلاهما خسرا الجمهور العراقي، والجمهور خير حكم، وأرادا إصلاح خطئهما، وسبّب هذا إحباطا للسيد زلماي خليل زاد، سفير الولايات المتحدة في بغداد، فتوقف عن العزف الخفي وأصبح يعزف ويرقص في نفس الوقت علنا، بدلا عن عزفه الخفي ورقص الغير المكشوف. لقد بدأ هو بالتكلم مباشرة عن ضغوط إيرانية على العراق لتشكيل هلال شيعي.

 

 

 

من ناحية أخرى: كيف علم الشيخ الكبيسي أن " الكل يعلم ما تضمره إيران للعراق"؟. إذا كانت لدى الشيخ قابلية على معرفة ما يضمره الغير، فانا لا أملك مثل هذه القابلية، لأن الله وحده يعلم ما يضمر البشر في قلوبهم. فكيف يقول الشيخ "الكل يعلم". ألسنا نقترب من حالة هزلية!!!؟

 

 

 

إيران مطلوبة مرة أخرى للتعكز عليها وتبرير خيبة النظام الطغموي في العراق ونظام طالبان في أفغانستان. يقول الشيخ عبد السلام في مؤتمره الصحفي وهو يتحدث بإسم هيئة علماء المسلمين: " ...لولا إيران .... لما وصلت أمريكا للعراق وأفغانستان".

 

 

 

أسأل الشيخ عبد السلام: من قصد صدام بقوله عشية تدمير العراق في حرب تحرير الكويت "غدر الغادرون"؟ هل قصد إيران أم دولة أخرى غدرت به، ويعرفها الشيخ عبد السلام جيدا، لأنها دولة عظمى، إلتقى هو وقياديون في هيئته بسفيرها بعد 14 عاما في بغداد ؟

 

 

 

وأسأل الشيخ أيضا: أما كان سيعيد صدام ذلك القول ويذيع الشريط نفسه على الملأ، يوم دخل الأمريكيون إلى بغداد يوم 9/4/2003، لولا هروب صدام إلى حوض التعفين (السبتك تانك) المجفف، وحرمانه هناك من أية وسيلة إذاعية لأنها كانت ستكشف عن موقعه فيحرم من أكل النستلة؟!! إسأل، يا شيخ، السيد ناجي محمد صبري الحديثي والسيد طارق عزيز والدكتور محمد الدوري: هل توقع صدام الحرب؟ سيكون الجواب (كما قالوه في عدة مناسبات) : كلا. السبب اقوله أنا: لأنه لعب مع الغادر ووثق به، فانقلب السحر على الساحر. وهو حال طالبان أيضا. طالبان التي ما أن دخلت قواتها إلى مدينة بانيان عاصمة قبائل الهزارا الشيعية حتى قتلت منهم عشرة آلاف إنسان في يوم واحد حسب تقارير الأمم المتحدة، ودخلوا بيوت الله ليخاطبوا الشيعة هناك: أيها الكلاب الشيعة....ولما تفكك الاتحاد السوفييتي وانتكس المشروع الاشتراكي انقلب السحر على الساحر فاستعانت طالبان بإبن لادن فطارده الغادر في جبال تورا بورا.

 

 

 

أخيرا لابد من الإشادة بلباقة الشيخ الدكتور عبد السلام الكبيسي. لقد أشار في مؤتمره الصحفي إلى "معلومات وصلتني قبل ساعة من جانب ثلاثة رهائن لا أريد ذكر اسمائهم حتى لا يذبحوا في أماكنهم مفادها أن إجمالي عدد المخطوفين أصبح 320 شخصا..."

 

بصراحة، أراد الشيخ عبد السلام أن يقول لنا: (أنظروا كيف يتصل بي المخطوفون لأتدبر أمورهم لوجه الله تعالى لاغير، بينما يتهمني الانتربول الكافر، بتحريض من إيطاليا، بأنني طلبت خمسة ملايين دولار كفدية لإطلاق سراح مختطف).

 

 

 

 

 

 

 

خاتمة الشبح الإيراني:

 

هل لاحظ القارئ كيف تتغير السيناريوهات بتغير الظروف للملائمة والموائمة. ففي عامي 1956 و1958 كان هناك في إيران الشاه، ماسكا بزمام الأمور ولا يمكن اتهامه بالشيوعية. بينما "المتهم" في انتفاضة 1956 وحملة الدفاع عن النظام الجمهوري الديمقراطي الجديد عام 1958 هم الشيوعيون واليسار العراقي، ولا يصح اتهام الشاه أو علماء قم "الصفويين" بمساعدتهم. فما كان من ذوي المصالح غير النظيفة إلا أن اتهموا حزب تودة الذي لم يكن قد ضمد جراحه البليغة، بعد، من الضربة القاصمة التي وجهت له على يد انقلاب الجنرال زاهدي الذي دبرته وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية بالتعاون مع شقيقة الشاه الأميرة أشرف بهلوي ضد حكومة الزعيم الوطني المنتخب ديمقراطيا الدكتور محمد مصدق.

 

 

 

وأخيرا لابد من التعريج على رأي طرحه الدكتور أياد علاوي في فضائية "العراقية" وأشرت إليه في موضع آخر. سأل ممثل الفضائية السيد عبد الكريم حمادي الدكتور أياد بما معناه: أنا لم أقرأ تصريحا أو بيانا من قادة أحزاب الإئتلاف العراقي الموحد يشير إلى عزمهم على إقامة نظام ديني في العراق، فرد الدكتور أياد قائلا بما يعني: إنهم زملائنا في العمل منذ أيام المعارضة ونعرف ما يقولون وما يريدون.

 

أنا أقول هذا كلام غير مبرر. فأنا أعول على البرامج المكتوبة للأحزاب والتصريحات الرسمية الملزمة لمسئولي الأحزاب، وعلى الوثائق الرسمية كالدستور. أما كلام قيل هنا وهناك وفي ظروف في غاية الصعوبة والتعقيد ومغلفة بظلام دامس لم تظهر منها سوى الإبادة واليأس فلا أعتد به، ومن المتوقع أن يصدر كلام في "الكعدات الاجتماعية" بهذا الاتجاه أو ذاك أو بالتعويل على هذا الطرف أو ذاك لمد يد المساعدة. سمعت من غير واحد أيام الشدة والحنق كلاما من قبيل: يستحق جميع البعثيين الحرق والسحق. لكنهم لم يكونوا يعنون ما يقولون. وبالفعل لم يكن هذا موقفهم عندما سقط النظام الطغموي وأصبح البعثيون خاصة الخائبين منهم بلا ملجأ ولا حفرة تحت الأرض كالتي إختبأ بها رأس النظام أو مكان آمن أوى إليه الشيخ اللواء خلف العليان قبل أن "يطمئنه" الأمريكان فخرج إلى العلن، كما قال هو لقناة الشرقية الفضائية، ليلعن الناس ويسند الإرهابيين. فإذا عول البعض على مساعدة إيران فأين العيب في ذلك وقد عول آخرون على أمريكا، ولا ألوم الطرفين لأن جراح العراقيين أصبحت بليغة ... وبليغة جدا، حتى جعلت السيدة الموصلية الطيبة أم (أ.ش.) تقول: "إسرائيل أرحم بنا من هذا النظام". أقول هذا الكلام وإسرائيل تقوم بأكثر الأعمال إجراما ووحشية ضد الشعبين الشقيقين الفلسطيني واللبناني، ومع ذلك تبقى إسرائيل أكثر "إنسانية" من النظام الطغموي البعثي، والأمور نسبية بطبيعة الحال.

 

 

 

محمد ضياء عيسى العقابي

 

dhiaissa@yahoo.com

Link to comment
Share on other sites

Interesting points

 

 

قد يكرر اليسار العراقي خطأ، أعتبره ستراتيجيا وفي غاية الخطورة حصل في القرن الماضي وجر بالويلات على العراقيين، وهو عدم التعامل الصحيح مع القوى الممثلة للمرحلة الوطنية الديمقراطية في ثورة 14 تموز عام 1958، مثلما شخصها الحزب الشيوعي العراقي. فكان، إذا، على اليسار العراقي، آنذاك، السعي بكل جد وجهد لتحقيق تآلف بين جمهور قائد الثورة الزعيم عبد الكريم قاسم والحزب الوطني الديمقراطي بقيادة كامل الجادرجي، ولم يكن هناك من خوف حقيقي على انجرار الجماهير نحو البرجوازية ونسيان الاشتراكية، علما أن الجماهير لم تكن اشتراكية اساسا بل أيدت اليسار من منطلق وطني بحت. لا خوف من الوضع الديمقراطي فأجواؤه تقود المجتمع إلى الاطمئنان والحرية ويدفع الفكر نحو الأرقى الذي يناسب المرحلة.

 

 

 

وبنفس القدر، لا خوف اليوم من دولة ولاية الفقيه أو حكم ديني منغلق، إذا ما نجحت حكومة الإئتلاف في مسيرة البناء السياسي على أسس ديمقراطية وضبط الوضع الأمني وتطوير الوضع الاقتصادي وإعمار البلاد، ضمن سقف وضوابط الدستور. فالأحزاب الدينية والقومية الكردية وغيرها ديمقراطية، أحبت أم كرهت، من منطلق إدراكها لحقيقة أن الديمقراطية شرط ضروري لبقاء الشيعة والأكراد وغيرهم على قيد الحياة ولاتطالهم الإبادة الطغموية – التكفيرية التي مورست ايام النظام البعثي ومازالت تمارس على أيديهم وقد تحولوا إلى ملثمين وملتحين إرهابيين خارجين على القانون، تساندهم المنطقة، وهو أمر في غاية الخطورة. على اليسار أن يرى المشهد العراقي موضوعيا ويقرأ الحقائق التالية بلا عاطفيات وأفكار مسبقة ونظرة عقائدية جامدة: 1- إن السيد علي السيستاني، الأب الروحي لمعظم أحزاب الإئتلاف العراقي الموحد، قد أجبر الأمريكيين على إحضار الأمم المتحدة إلى العراق، 2- إنه انتزع من الأمم المتحدة إعترافا بأن صناديق الاقتراع خير وسيلة للتعبير عن رغبات أبناء الشعب العراقي، 3- إنه حصل على دعم الأمم المتحدة على وجوب كتابة دستور عراقي من قبل عراقيين منتخبين، ويستفتى عليه الشعب، 4- إنه قد طلب إجراء انتخابات مبكرة وكانت في 30/1/2005 بينما ارادها الأمريكيون في عام 2007، 5- تم إعداد الدستور من قبل عراقيين معظمهم كانوا منتخبين وتم الاستفتاء عليه. ورغم المؤاخذات، اعتبر من أكثر دساتير المنطقة تقدما. وهناك إمكانية لتطويره، 6- ساهمت أحزاب الإئتلاف العراقي الموحد بكل جد في انتخابات 15/12/2005، 7- أفشل الإئتلاف، مدعوما بالسيد السيستاني، محاولة الأمريكيين والطغمويين والانتهازيين لتشويه الديمقراطية بل إلغائها عن طريق تنصيب مجلس غير منتخب فوق المجلس المنتخب، وهو "مجلس الأمن الوطني" الذي يحمل إسما ملطفا لصيغة "أهل الحل والعقد" المتخلفة. 8- بمبادرة من الإئتلاف أصدرت الجمعية الوطنية في عهد حكومة الدكتور إبراهيم الجعفري قانون الحماية الإجتماعية الذي يدعم الفقراء، وهو قانون فريد من نوعه في المنطقة. 9 – أحزاب الإئتلاف والتحالف الكردستاني أكثر الأطراف البرلمانية إهتماما بضحايا النظام الطغموي من سجناء مفصولين ومهجرين ومضطهدين وعوائل الشهداء، 10- للعلم فإن السيد السيستاني قد صرح جهارا بأنه يؤيد أي عراقي ينتخبه العراقيونز كما صرح الشهيد محمد باقر الحكيم، قبل سقوط النظام وبعد سقوطه، في فضائية المنار بأنه ليس مع دولة ولاية الفقيه ولا مع الحكم الديني. 11- إن السيد السيستاني قد بر بوعده بعدم حشر المرجعية بالأمور السياسية؛ إذ انسحب من المشهد السياسي بعد أن وضع القاطرة على السكة، 12- إن التركيبة الفريدة للمجتمع العراقي بتعدد قومياته وأديانه ومذاهبه ومدارسه الفكرية والسياسية تجعله محصنا ضد أي نظام مثير للجدل. لقد رأينا ذلك واقعيا في السودان عندما أراد النظام الديني هناك فرض الشريعة الإسلامية فأدى الإجراء إلى خلخلة المجتمع السوداني، 13 - هناك تشوش وخلط في وصف المشهد العراقي الحالي ووصمه بنعت الطائفية. بعض الخلط برئ ناجم عن جهل، وبعضه متعمد بهدف التخريب، أو لإخفاء تبرم وتخوف من مجرد وجود أحزاب دينية وصلت إلى سدة الحكم عن طريق الانتخابات. ليست هناك حالة طائفية حقيقية. وأذكّر أن الطائفية هي قمع لطائفة أو أكثر من قبل طائفة أخرى أو سلطة. لقد قضي على النظام الطغموي الطائفي وحل محله نظام ديمقراطي قائم على مساواة المواطنين في الحقوق والواجبات، أخذ صيغة تشريعية دستورية. حتى المعترضين على الدستور لم يرفضوه من هذا المنطلق، بل من منطلقات أخرى كالفيدرالية، وهناك من اراد مزيدا من الحقوق للمرأة. أما الطائفية الممارسة على الأرض فمردها إلى الطغمويين الطائفيين الذين حكموا البلد أنفسهم، مضافا إليهم التكفيريون الوافدون من الخارج والمحليون. لقد أعلنوها حربا رسمية ضد الشيعة. إنهم في حرب ضد الأكراد أيضا. غير أن التتنسيق التكتيكي مع الأمريكيين اقتضى من الطغمويين تجميد حربهم على الأكراد لمرحلة ما بعد تشتيت وإقصاء الشيعة. أي إن الطائفية الآن هي طائفية الطغمويين وهم خارج الحكم ضد أبناء طائفة كانت مقصاة، أثناء حكم أولئك الطغمويين أنفسهم، واصبحت تتمتع بحقوقها الدستورية كسائر البشر بعد زوال النظام. إن هذه الطائفية التي يمارسها الإرهاب الطغموي والتكفيري هي محاولة للخروج من حالتهم الطغموية المعزولة وجعلها حالة طائفية واسعة. الملفت أن الغالبية العظمى من الشيعة، جماعات وأفرادا، وغالبية جماهير السنة رفضت الانخراط في هذا الطريق إلا جماعات لا تعتبر ممثلة للمجموع. لذا فإن الإلحاح على نعت الوضع الحالي بالطائفية هو وقوع في فخ الطغمويين وترويج لستراتيجيتهم السياسية والإعلامية. ينبغي على التقدميين الإشادة بالديمقراطيين الشيعة والسنة لضبط النفس وإدانة الطائفية الطغموية دون الخوف من إرهابها. وإلا فسيساعد التقدميون الطغمويين على تحقيق مخططهم بلف الطائفة السنية حولهم والنجاح في تحويل الحالة الطغموية إلى حالة طائفة. ينخرط الأمريكيون ايضا في إنجاح هذه المحاولة المدمرة للبلد. إن السكوت وعدم تشخيص الجاني وتوزيع اللوم والتهمة بالتساوي لهو تشجيع للجناة الطغمويين بحد ذاته. أعود وأكرر أن الدفاع عن الطائفة المستهدفة بالإبادة، بإعلان رسمي مدعوم واقعيا، أو الإعتزاز بالطائفة ليس بطائفية، ومن يتهم بغير ذلك فهو في واقع الحال يعتمد مفاهيم النظام الطغموي في الطائفية والعنصرية التي استند إليها في شن سياسة التطهير الطائفي والعرقي والإبادة الجماعية.

 

Another interesting one

 

 

 

 

ثالث عشر:

 

السيدان (جيمس بامفورد) و (ويليام ريفرز بت) مناوئان لسياسة البيت الأبيض بزعامة الرئيس بوش ونائبه ديك تشيني والمحافظين الجدد في البنتاغون بمعية وزير الدفاع دونالد رمسفيلد. السيد (بت) يعمل في صحيفة النيويورك تايمز وله مؤلفان يهاجم بهما سياسة الرئيس بوش. أما السيد بامفورد فقد كتب كتابا لنفس الغرض بعنوان "إيران: الحرب القادمة". أراد السيد بامفورد في كتابه طعن السيد بوش باتهامه بتعريض المصالح الوطنية الأمريكية للخطر. فابتدع شخصية من طراز ووزن (جيمس بوند، أي العميل السينمائي رقم 007) وادعى أنه لعب بالادارة الأمريكية طولا وعرضا. وأخيرا تكتشف أمريكا أن هذا الشخص كان جاسوسا خطيرا لإيران الأمر الذي تسبب في إقحام أمريكا في حرب على العراق ومقتل 2570 جنديا أمريكيا وتبذير مبلغ تجاوز الثلاثمائة مليار دولار تحملها دافعو الضرائب الأمريكان. أخيرا تبين أن العراقي الدكتور أحمد الجلبي هو ذلك ال (جيمس بوند) الإيراني.

 

وهذا مثل آخر على إقحام شخصية قيادية وطنية عراقية نبيلة سعت بكل إخلاص لإنقاذ الشعب العراقي من الإبادة الجماعية في حملة التطهير العرقي والطائفي- إقحامه في خصام سياسي داخلي وابتداع قصة كاملة لتلصقه بإيران لأنه شيعي، كما يقول السيد بت الذي استعرض الكتاب بخصوص الجلبي فقط.

 

الموضوع المركزي بالنسبة للكاتب كان تجريم الرئيس بوش بكونه أضر بالمصالح الوطنية الأمريكية. أما أسلوب التجريم: فهل هناك أيسر من إقحام الشيعة العراقيين وإيران بالميدان مادامت (المودة) هكذا لدى بعض أهل الدار أنفسهم؟.

 

ولا يبدل من الأمر شيئا أن الإدارة الأمريكية نفسها هي التي اتهمت الدكتور الجلبي بهذه التهمة. ولكن القاصي والداني، دع عنك خبيرين في السياسة كالسيدين بامفورد وبت، كان يعلم أن الاتهام تكتيكي مفتعل لضرب عدة عصافير بحجر واحد. أراد المخططون الأمريكيون إضعاف الديمقراطيين الشيعة وشق صفوفهم، وأرادوا إبعاد الدكتور الجلبي عن المسرح السياسي لموقفه الصلب بجانب المصالح الوطنية العراقية والتصاقه بالجماهير الشعبية؛ وأخيرا أرادوا تقديم تنازلات للطغمويين وعرابيهم في المنطقة وهم الذين أداروا حملة دعائية شرسة، مفهومة المقاصد، ضد الجلبي.

Link to comment
Share on other sites

Join the conversation

You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.

Guest
Reply to this topic...

×   Pasted as rich text.   Paste as plain text instead

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   Your previous content has been restored.   Clear editor

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.

Loading...
×
×
  • Create New...