AlIraqi Posted October 10, 2006 Report Posted October 10, 2006 وجهة نظر: الإسلام والأقليات بقلم: الدكتور حسن حنفي مفكر وكاتب مصري الدكتور حسن حنفي هو مفكر مصري ورئيس قسم, الفلسفة في جامعة القاهرة. له عدد من المؤلفات في فكر الحضارة العربية الاسلامية . اقرأ المقال وتعليقات القراء عليه. وساهم برأيك. -------------------------------------------------------------------------------- إن توضيح المفاهيم هو بداية لحل القضايا الشائكة التي أصبحت ضحية الأفكار الشائعة والصور النمطية التي يصعب إزاحتها من الذهن والثقافة الشعبية. مثال ذلك موضوع "الإسلام والأقليات". فمنذ الإصلاح الديني في القرنين الأخيرين، التاسع عشر والعشرين والنقاش الشهير بين الأفغاني ورينان حول "الإسلام والعلم" توالت هذه الصياغات المزدوجة التي تضع الإسلام في طرف، وهو القديم، و"العلم" في طرف آخر، وهو الجديد أو نظائره مثل "العقلانية"، "المدنية"، "التقدم" من حداثة القرن التاسع عشر أو "المجتمع المدنى"، "المرأة"، "حقوق الإنسان"، "الحرية"، "الديموقراطية" من حداثة القرن العشرين. وكان السؤال: كيف يتكيف الإسلام القديم مع هذه المعطيات الحديثة؟ والوضع الخاطئ في السؤال يرجع إلى انه لا الإسلام قديم، فقد احتوى مظاهر الحداثة فيه المختبئة في النصوص والتي سترتها سيادة المحافظة الدينية منذ ألف عام، ولا مظاهر الحداثة، بل لها نماذج متعددة لدى كل الشعوب وليست بالضرورة النموذج الغربى. إلا أن الناس قد تعودوا أحادية النموذج نظرا لشهرة النموذج الغربى، وذيوعه فى أجهزة الإعلام. فمازال الغرب هو المنتج للثقافة والشعوب اللاغربية هى التى تستهلكها فى أفريقيا وآسيا حيث توجد الشعوب الإسلامية. الإسلام في جوهره وروحه حداثي لا يختلف عن روح العصر ومتطلباته لذلك يحتاج تعبير "الإسلام والأقليات" إلى بعض التوضيحات. فماذا يعنى الإسلام؟ هل هو الإسلام المعيارى الذى يمكن استنباطه من مصادره الأولى، الكتاب والسنة، والذي في جوهره وروحه حداثي لا يختلف عن روح العصر ومتطلباته، وإن كانت فيه بعض المحددات خاصة بالنسبة للمرأة فإنها ترجع إلى العصر القديم الذي تم تجاوزه، أم إنه الإسلام كممارسات تاريخية قديمة وحديثة تخضع لأهواء البشر وصراع القوى السياسية والاجتماعية والمصالح الاقتصادية؟ وهل الواقع حجة ضد الفكر، والممارسة ضد النظر؟ وهو نفس السؤال لكل الأديان والمذاهب والأيديولوجيات، سؤال المفارقة بين النظر والعمل، بين ما ينبغى أن يكون وما هو كائن. أما مفهوم "الأقلية" فهو موضوع كمّى خالص يقسم الناس طبقا لأعداد الأفراد والفئات بين أكثرية وأقلية طبقا لمعايير بيولوجية فيزيقية مثل اللون أو العرق أو طائفية مثل الدين أو المذهب أو ثقافية مثل اللغة ومنظومة القيم. وعلى أساسه قامت الديموقراطية الغربية، حكم الأغلبية على الأقلية بل وإملاء إرادتها عليها، ثم تداول السلطة بينهما عندما تصبح الأغلبية فى الحكم أقلية فى المعارضة، والأقلية فى المعارضة أغلبية فى الحكم فى اقتراع حر يقوم على "صوت واحد لرجل واحد". والتصور الإسلامى للبشر لا يقوم على مقياس كمى بل كيفى. فالبشر كلهم متساوون من حيث الخلق، ولهم جميعا نفس الحقوق الطبيعية والتى على أساسها قامت الشرائع، حق الحياة، وحق العلم والمعرفة، وحق المساواة المطلقة بين الناس تعبيرا عن المعيار الواحد الشامل، وحق الكرامة الإنسانية، وحق الأمة فى ثرواتها الوطنية. وهو ما سماه الشاطبى فى "الموافقات" مقاصد الشريعة، لماذا وضعت الشريعة ابتداء. بل إن معانى الأكثر والأقل فى القرآن الكريم تخالف معانيها فى الثقافة الغربية، فالحق لا يدور مع الأكثر (ولكن أكثرهم لا يعقلون) بل مع الأقل (وقليل من عبادى الشكور). والمفهوم القديم الشائع للأقلية هو "أهل الذمة" وهو مصطلح من وضع الفقه القديم. ولم يذكر فى القرآن إلا مرتين قادحتين فى اللذين لا يراعون عهدا ولا ذمة ويعتدون على الناس (وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلاًّ ولا ذمة)، (لا يرقبون فى مؤمن إلاًّ ولا ذمة وأولئك هم المعتدون). وفى كلتا الحالتين المسلمون هم المعتدى عليهم والذين لا يراعون العهد هم المعتدون. ولا يعنى الأقلية بل يعنى لغويا من هم فى ذمة المسلمين وفى رقبتهم بالرعاية والضمان والأمان، مما ينفى كل اضطهاد داخلى أو عدوان خارجى. وليس من مظاهره التمييز فى الحقوق والواجبات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. المفاهيم القديمة تضر أكثر مما تنفع مثل مفهوم "الجزية" ولا يعنى أكثر من الضريبة التى يدفعها كل مواطن للدولة من أجل الوفاء بالتزاماتها فيما يتعلق بالخدمات العامة مثل "الخراج" على الأرض وأنواع الزكاة مثل زكاة المال. ولجميع أفراد الأمة نفس الحقوق الاجتماعية من عمل وتعليم وعلاج وسكن وغذاء لا فرق بين مسلم وكتابى. ولهم نفس الحقوق فى تولى المناصب السياسية كالوزارة والاستشارة وغيرها. ليس أهل الذمة فقط هم اليهود والنصارى بل قياسا عليهم المجوس والصابئة والبراهمة بل وعبدة الأوثان ولأهل الكتاب قضاؤهم ليحكموا بالتوراة والإنجيل، وكلاهما هدى ونور. وقد لجأ بعضهم إلى القضاء الإسلامى لما وجدوا فيه من العدل والإنصاف وأخذ حقوق المستضعفين والفقراء من المستكبرين والأغنياء. أما العادات فى اللباس وأساليب الحياة اليومية فإنها واقع يمثل التعددية والفردية فى المظاهر الشعبية تقتضيها العادات والأعراف لدى مختلف الطوائف الشعبية. وليس أهل الذمة فقط هم اليهود والنصارى بل قياسا عليهم المجوس والصابئة والبراهمة بل وعبدة الأوثان. فليس المهم تصور الألوهية الذى قد تختلف فيه الشعوب والطوائف بل التوجه إليه (ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب) والعمل الصالح. لا يمكن الشق على قلوب الناس لمعرفة عقائدهم بل الحكم على أعمالهم الصالحة التى تحقق المصالح العامة. وهذا هو معنى آية المباهلة (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله، ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله)، التوجه إلى مبدأ واحد يتساوى أمامه الجميع، وعدم استعلاء البعض على البعض الآخر مما يمهد للعدوان والغلبة. و"المؤلفة قلوبهم" أيضا جزء من الأمة، وهم كل من يعيش فى كنف الأمة حتى ولو لم يكن من دينها، دين إبراهيم. يتمتعون بحقوق المواطنين دون أن يكون عليهم أى من واجباتها. كل أفراد الأمة مواطنون بصرف النظر عن جذورهم العرقية والقبلية والطائفية واللغوية والثقافية الأمة الإسلامية ليست أمة من المسلمين بل هى أمة متعددة الأعراف واللغات والعقائد والمذاهب والطوائف، يجمعها ميثاق شرف واحد، عدم العدوان، والمساواة فى الحقوق والواجبات، والوقوف، صفا واحدا أمام العدوان الخارجى على الأمة. فالولاء للأمة وليس للعرق أو الطائفة، والانتساب للجماعة الأم وليس للفئة أو القبيلة. هكذا عاش المسلمون فى تاريخهم، وازدهرت ثقافتهم فى البصرة وبغداد، والقاهرة والقيروان. وبلغت ذروتها فى الأندلس، فى غرناطة وأشبيليه وقرطبة وطليطلة، العصر الذهبى للثقافة اليهودية خاصة ولجميع الثقافات عامة، مسيحية وإسلامية. وهو ما يتفق حاليا مع مفهوم المواطنة. فكل أفراد الأمة مواطنون بصرف النظر عن جذورهم العرقية والقبلية والطائفية واللغوية والثقافية. والأمة قديما هى الوطن حديثا. كلاهما يقوم على التعددية فى جذورها الماضية، والمساواة فى الحقوق والواجبات فى أوضاعها الحاضرة. وكثيرا ما كتب القدماء رسائل فى "الحنين إلى الأوطان". وكان الرسول يناجى مكة - الوطن وهو يغادرها ليلة الهجرة. وكان عمر يريد توحيد الثقافة فى شبه الجزيرة العربية. واشتهر فى ثقافتنا المعاصرة شعار "حب الوطن من الإيمان". وكثرت الاجتهادات المعاصرة فى أن حق المواطنة يجُب ما قاله القدماء فى أهل الذمة. وقد أفرد الطهطاوى فى مقدمة "مناهج الألباب" أنشودة فى حب الوطن باسم الشريعة الإسلامية. الدولة الإسلامية ليست هى الدولة الثيوقراطية التى يحكمها الله أو الثيوقراطية التي يحكمها رجال الدين باسم الله أو الدولة التى تطبق الشريعة الإسلامية، ولكنها الدولة التى تكفل المصالح العامة لجميع القاطنين فيها بصرف النظر عن أصولهم العرقية والطائفية واللغوية والثقافية. هى الدولة الديموقراطية التى تنشأ السلطة فيها باختيار حر من الناس عن طريق البيعة كما قال الفقهاء "الإمامة عقد وبيعة واختيار". ويمكن مبايعة أى إنسان إذ "لا فضل لعربى على عجمى إلا بالتقوى". ليست نظاما ملكيا يستمد سلطته من الوراثة ولا نظاما عسكريا يستمد سلطته من "الانقلاب العسكرى". لا هى سلطة قريش ولا الجيش. وهى الدولة الاشتراكية بمفهوم العصر والتى تقوم على الملكية العامة لوسائل الإنتاج فيما تعم به البلوى كالزراعة والصناعة والتجارة. وكما شاع فى الحديث الشهير "الناس شركاء فى ثلاث، الماء والكلأ والنار". وهى ليست الدولة الرأسمالية التى تقوم على قوانين السوق والعرض والطلب التى يتركز فيها رأس المال فى الشركات الكبرى (كى لا يكون المال دولة بين الأغنياء منكم) وتبذر فيها الثروة فى مظاهر الترف وقيم الاستهلاك (ولا تؤتوا السفاء أموالكم). هى الدولة التى فيها الملكية وظيفة اجتماعية، للمالك حق الانتفاع والاستثمار والتصرف وليس له حق الاحتكار والاستغلال والاكتناز، وهى الدولة التى تنهار إذا قامت على الإقطاع عندما تتعطل مصالح الناس من جانب ويثرى الإقطاعى من جانب آخر (وبئر معطلة وقصر مشيد). هى الدولة التى توفر الخبز والحرية، الطعام والأمن لكل القاطنين فيها. وهو مقياس الإيمان بالرب (فليعبدوا رب هذا البيت الذى أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف). طاعة حاكم كافر عادل خير عند الله من طاعة مسلم ظالم وهى الدولة التعاونية التى تقوم على التعاون المتبادل بين الأفراد والفئات والتى تذوب فيها الفوارق بين الطبقات، فللفقراء حق فى أموال الأغنياء (والذين فى أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم). وفى المال حق غير الزكاة "ليس منا من بات شبعان وجاره طاو". وقد أثنى القرآن على علىّ فى آية (ويؤثرون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا). العمل وحده مصدر القيمة. وهو معنى تحريم الربا الذى يولد فيه المال المال بلا جهد وعرق أو زيادة إنتاج. وفى الحديث "الله فى عون العبد مادام العبد فى عون أخيه". الدولة الإسلامية إذن دولة عصرية تقوم على المواطنة والولاء للوطن الواحد. وهى الدولة التعددية التى تقوم على حق الاختلاف فى العقيدة والمذهب والرأى واللسان. وهو ليس حلما طوباويا بل وجد فى التاريخ فى الأندلس وفى بعض الدول الإسلامية فى آسيا مثل ماليزيا وإندونيسيا حيث يساهم الإسلام فى بناء الدولة على وحدانية الله ووحدة الأمة. وهى دولة لا تقوم على العدوان لأنها دولة الغلبة والقوة فى نظام عالمى يسمح للقوى بالاعتداء على الضعيف. بل هى دولة الأحلاف السلمية وعدم الاعتداء بين الشعوب. فقد خلق الله الناس شعوبا وقبائل للتعارف والإثراء المتبادل (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى، وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا). وهى ليست الدولة المنعزلة فى العالم، فى أفريقيا وآسيا، بل هى تجمع للشعوب المحبة للعدل والسلم كما كان الحال أيام الأفغانى فى تصور "الجامعة الإسلامية" أو السلطان جالييف فى تجمع "شعوب الشرق" فى مواجهة الغرب الاستعمارى. هى الدولة القاعدة التى تحمى الحق والحرية والسلام والتى يتآخى الناس فيها فى الداخل، والشعوب معها فى الخارج مثل دولة النجاشى فى الحبشة والنصارى فى الشام. هى الدولة التى تجمع دول العالم كله فى تجمع واحد وفى ميثاق واحد مثل "ميثاق المدينة" كما تحاول الأمم المتحدة وميثاقها الآن لولا سيطرة الدول الكبرى على الصغرى، وحق "الفيتو"، واستفراد أقوى دولة بها كما تفعل الآن الولايات المتحدة الأمريكية. هى عالمية الإسلام التى لا تقوم على عرق أو لون أو قبيلة أو قوة أو غنى والتى يخاطبها القرآن بنداء (يا أيها الناس) أو (يأيها الذين آمنوا) دون تحديد لمضمون الإيمان القلبى بل بتحققاتها الخارجية فى العمل الصالح (الذين آمنوا وعملوا الصالحات). ويكون الحساب طبقا لقانون الاستحقاق لا فرق بين مسلم وغير مسلم (من يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره). وإذا ذكر تعبير "الإسلام والأقليات" فإن ذلك يعنى عادة دولة أغلبيتها مسلمة وأقليتها ليست كذلك. مع أنه قد يعنى أيضا دولة أغلبيتها غير مسلمة وأقليتها مسلمة مثل معظم الدول الغربية، وأمريكا، وروسيا وبعض البلدان الآسيوية مثل الهند والفلبين وبورما وتايلاند والصين وكثير من البلدان الأفريقية مثل جنوب أفريقيا. ولا أحد يتحدث عن اضطهاد الأقلية المسلمة وغير المسلمة فيها، وغالبية الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية دول تعددية ديموقراطية. والوضع الشرعى للأقليات المسلمة فى هذه البلدان هو طاعة قوانينها، والالتزام بأوامرها. فطاعة حاكم كافر عادل خير عند الله من طاعة مسلم ظالم. والقانون المدنى الذى يقوم على العقل والمصلحة يشبه الشريعة الإسلامية التى تقوم أيضا على الفطرة التى تتجلى فى العقل ورعاية مصالح الناس، وهو ما لاحظه الطهطاوى من قبل فى الاتفاق بين ميثاق نابليون La Charte والشريعة الإسلامية. بين "روح القوانين" لمونتسكيو، والحسن والقبح العقليين عند المعتزلة. ولا يجوز للأقليات المسلمة أن تكوّن جماعات منعزلة داخل الدولة، تعيش فى "جيتو" داخلها كما هو الحال فى نظم الفصل العنصرى على مدى التاريخ من الصينيين والهنود والبيض وكل تجمع استعمارى فى أوطان الآخرين بل تكون جزءا لا يتجزأ من المجتمعات التى تعيش فيها. تعطى نموذجا للعمل الصالح وخدمة الوطن والسباق نحو الخير. ولا يجوز لها أن تهدد وحدة الأوطان وتدعو إلى انفصالها إلى جزئين، مسلمون فى الشمال وغير مسلمين فى الجنوب، فى أفريقيا فى تشاد ومالى ونيجيريا والسودان، أو مسلمون فى الجنوب وغير مسلمين فى الشمال فى آسيا مثل الفلبين وروسيا والهند، أو مسلمون فى الغرب وغير مسلمين فى الشرق مثل الصين. كما لا يجوز تكوين بؤر منعزلة داخل الدول الإسلامية بدعوى العرق أو الطائفة مثل تيمور الشرقية وأتشيه فى إندونيسيا. وتطبيق الشريعة الإسلامية على المسلمين فقط وغير المسلمين. ولا يعنى الحدود بل يعنى أيضا الحقوق. ويمكن أن يوقف إذا كان يهدد وحدة الأوطان طبقا لفقه الأولويات. هذا هو موضوع "الإسلام والأقليات" من منظور كلى بعيدا عن الأفكار المسبقة والصور النمطية الشائعة لتأصيل الموضوع نظريا وتاريخيا دون تحيز لفريق أو انحياز لثقافة. http://news.bbc.co.uk/hi/arabic/talking_po...000/3241395.stm
Mutergem Posted October 10, 2006 Report Posted October 10, 2006 هل ستتكرر محنة أبو زيد مع حسن حنفي؟ GMT 7:00:00 2006 الثلائاء 10 أكتوبر د شاكر النابلسي -------------------------------------------------------------------------------- -1- الدكتور حسن حنفي المفكر المصري المعروف، ورئيس قسم الفلسفة في جامعة القاهرة، من الأكاديميين الليبراليين المعروفين في مصر، والعالم العربي ، والغرب كذلك. وهو مؤسس ما يُطلق عليه تيار "اليسار الإسلامي" الذي يقترب كثيراًُ من فكر المعتزلة والعقل المعتزلي، الذي كان سائداً في القرن الثاني الهجري، وتحديداً من عام 105-131هـ في زمن الخليفة هشام بن عبد الملك، وما بعده من الخلفاء الأمويين. ولذا، نراه يربط دائماً بين الفكر الغربي الحداثي، وفكر المعتزلة الحداثي، الذي كان حداثياً قبل ثلاثة عشر قرناً، وما زال حداثياً إلى هذه اللحظة. فالحداثة ليست العصرنة، بقدر ما هي التجديد والانفتاح الفكري في كل زمان ومكان . وفي مقال لحسن حنفي بهذا الخصوص (الكوارث الإنسانية مدعاة للتأمل) يقول فيه: " الشر سوء في الفهم أو خطأ في الحكم، وليس في طبائع الأشياء. الشر وجهة نظر، وليس في الموضوع، في المعرفة وليس في الوجود. وأكبر مثالين علي ذلك ليبنتز في الفلسفة الغربية، والمعتزلة في الفلسفة الإسلامية. فعند ليبنتز، هذا العالم هو أفضل العوالم الممكنة، ولا يوجد أفضل منه. ولو وجد أفضل منه لخلقه الله بالفعل. وكل شيء فيه يحدث طبقا لقانون الانسجام والتآلف الذي قام عليه الكون. فلا تناقض فيه. وعند المعتزلة كل ما في هذا العلم صلاح. ويتفاوت الصلاح بين الأقل صلاحاً والأكثر صلاحاً. فالشر هو صلاح أصغر في سبيل صلاح أكبر. الجراثيم لاكتشاف الدواء، والهزائم لمعرفة مقومات النصر، والموت طريق إلى إطالة الحياة. وهو معنى الآية )عسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم، وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم. والله يعلم وأنتم لا تعلمون(. فالظلم في العالم جزء صغير من نظرية أكبر في العدل الشامل." وحسن حنفي صاحب أبحاث ومقالات كثيرة ومختلفة في الفكر العربي، والفكر الغربي ، والفلسفة الإسلامية، وإشكالات التراث والتجديد، والتراث والمعاصرة. وله كتب كثيرة ومهمة في الفكر العربي المعاصر منها: " التراث والتجديد"، و "قضايا معاصرة"، و "دراسات إسلامية"، و "في الفكر الغربي المعاصر"، وله رؤية فلسفية لخصها في كتابه "الدين والثورة في مصر". كما ترجم عدة كتب فكرية وفلسفية أهمها: "سبينوزا: رسالة في اللاهوت والسياسة" و "نماذج من الفلسفة المسيحية"، و "سارتر: تعالي الأنا موجود" وغيرها من الكتب التي لعبت دوراً في تشكيل الفكر العربي المعاصر، ومهدت للحداثة في هذا الفكر. -2- قبل أسابيع كان حسن حنفي ضيفاً في مكتبة الإسكندرية، وألقى محاضرة تنويرية، قال فيها ما يعتقده عن الإسلام والقرآن. وهي كلها لا تتعدى اجتهادات خاصة بمفكر، ورأي لباحث، ونظرة لفيلسوف إلى تراثنا. وهي اجتهادات وآراء ونظرات قال فيها كثير من مفكرينا العرب والمسلمين، وقال فيها كثير من المستشرقين القدامى والمحدثين. ولا جديد فيها يثير، أو يغضب، سيما وأن حسن حنفي يُعدُّ مفكراً اسلامياً عريقاً ، وليس مفكراً كافراً أو ملحداً. ومن يقرأ كتب حسن حنفي ومقالاته، ويستمع إلى أحاديثه ومحاضراته، يوقن أشد اليقين بأن حنفي يقول، ليثبّت الإسلام في القلوب المؤلَفة، ويؤكد الإيمان في العقول المنحرفة. وأن ما يقوله من قلب الإسلام وليس من خارجه. وأن كلمة تخرج من مفكر وعاقل مسلم، هي لصالح الإسلام مهما فسرها المفسرون، وأوّلها المؤولون على أنها سوء نية، وهجوم معادٍ للإسلام. -3- ويبدو أن من هجّروا نصر أبو زيد من مصر وزوجته بعد أن حاولوا تطليق زوجته منه ومحاكمته وسجنه بتهمة الردة والخروج من الملة، ولكه فرَّ بريشه إلى هولندا ، حيث يُدرّس هناك في جامعة ليدن العريقة، ويكتب كما يشاء، ويقول كما يشاء، طيراً حراً محلقاً في آفاق الفكر الواسعة والرحبة. فتحرك الشيخ عبد الصبور شاهين في مصر، وتحرك معه شيوخ آخرون، لرفع دعوى حسبة ضد حسن حنفي، لكي يقتصوا منه، كما سبق واقتصوا من نصر حامد أبو زيد، ولتفرغ مصر من المفكرين المجددين، ولا يبقى فيها غير شيوخ الأزهر الذين يتبعون خطاً واحداً في التفكير، ونمطاً واحداً في التدبير، ولا يجددون ولا يبدعون، كما يحاول البعض أن يفعل في جامعة القاهرة ودار العلوم وغيرها من المعاهد العلمية الأخرى. هل يستحق حسن حنفي الجزاء الأكبر لكونه قال بأن "القرآن حمّال أوجه" أي أنه جامع لكل شيء، ويحتمل كل تفسير ممكن، كما سبق وقال علي بن أبي طالب. ولكن حسن حنفي (طويل اللسان وسيء البيان) قالها بعبارة أخرى حديثة لكي يفهمها الغشماء الكثيرون من أهل هذا العصر الجاهل. فقال حسن حنفي - وربما خانه التعبير- بأن القرآن الكريم "سوبر ماركت"، تجد فيه كل شيء، ويصلح لكل شيء. فكانت هذه العبارة هي التي أشعلت الحرائق في مصر، وفي أروقة الأزهر. وبدل أن نجد لحسن حنفي العذر فيما قال، قوّلناه بما لم يقل، وألبسناه ثياباً لم يرضاها. وحكمنا عليه باحكام جائرة. وكان لنا أن نفرّق بين من قال هذا القول وقلبه مؤمن وعقله هو عقل الإسلام، وبين من يقول مثل هذا وهو غير مؤمن وعقله لا يعرف الإسلام. وأنا أرى – بتواضع شديد - أن حسن حنفي يجب أن لا يُعاقب ولا يحاسب ، ولا يجب أن يعاقب أن يحاسب أو يعاقب على مثل هذا الكلام، ولا على أي كلام آخر يُعتقد بأنه ضد الإسلام، وذلك لسبب بسيط جداً ، وهو أن حسن حنفي في دفاعه عن الإسلام في كتبه السابقة، وفي مقالاته، وفي محاضراته، وفي أحاديثه قد خدم الإسلام كما لم يخدمه أي شيخ من شيوخ الأزهر. فصوت حسن حنفي الإسلامي والعقلاني المسموع في أوروبا وأمريكا وجنوب شرق آسيا، أكبر أثراً بكثير من أصوات شيوخ الأزهر، وهو الذي لم يترك جانباً من جوانب عقلانية الإسلام، أو عقلانية الفكر العربي الليبرالي، إلا وسلّط عليها الضوء في المحافل الغربية التي أعشت أعينها موجات الارهاب الدموي والفكري، الذي مورس على المفكرين العرب والمسلمين. فضل حسن حنفي على الإسلام وعلى الفكر الإسلامي والعربي الليبرالي فضل كبير. فضل العالم الكبير، والأستاذ الجليل، والباحث الجاد المجتهد، الذي يخطيء ويصيب. وهذا الفضل يتجلّى في المحاور الفكرية المختلفة التي أثارها حسن حنفي في مسيرته الفكرية خلال سنوات طويلة، وهي التي تشفع له في "محاكم التفتيش" التي تنصب له منذ الآن المشنقة، قبل أن يفكر في الهروب بريشه من مصر، كما هرب نصر أبو زيد، وإلا لقي حتفه المشهود. فماذا كان يقول حسن حنفي عن الإسلام كمفكر، وباحث، وأستاذ جيل؟ -4- في مقال له بعنوان (الأقوال والأفعال) منتقداً معشر المسلمين الذين يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون عكس ما يقولون، ويحاولون الضحك على ذقون العالم بلسان من عسل، وسيف من خشب الارهاب العتيق، كاشفاً عورتهم، فاضحاً نواياهم، مقابل المستشرقين الذين يحللون الواقع، ولا يأبهون بالنص، بقوله: "الغرب لا يعرف حجة القول بل حجة العمل. ولا يُصدِّق المثال بل يرى الواقع. فمهما قيل عن عظمة الإسلام وعالميته وإنسانيته وحريته وعدالته والغرب يرى واقع المسلمين في الاتجاه المعاكس فإنه لا يصدق الدعاة. فالواقع أبلغ من التمنيات. والرؤية أقوى من السماع طبقا للمثل الشهير (أسمع كلامك يعجبني، أشوف أعمالك أستعجب) ويعرف الغرب أيضا حدود منهج الدفاع. فهو منهج انتقائي يقوم على اختيار النصوص التي في صالحه دون نصوص أخرى مناقضة. فإذا تحدث الداعية عن )لا إكراه في الدين( قدم له المستشرق الغربي "آية السيف". وهو منهج نصي، يعتمد على حجة السلطة وليس على حجة العقل. ويغفل تحليل العلل وهي أساس الأحكام الشرعية. والمستشرق يحلل الواقع، ولا يأبه بالنص، ويرصد العلل ويحيلها إلى جوهر الإسلام الثابت وليس إلي عوامل التاريخ المتغيرة. وهو منهج تاريخي، يستدعي من الذاكرة اللحظات المضيئة في التاريخ ويترك غيرها. فيأتي المستشرق الغربي وينتقي لحظات أخرى في صفه ليثبت هجومه. والتاريخ مملوء بالشيء ونقيضه، دون تمييز بين القاعدة والاستثناء. وهو منهج أخلاقي يضع ما ينبغي أن يكون، وليس منهجاً اجتماعياً يصف ما هو كائن. والمستشرق يصف الظواهر كما هي عليه ويحللها ولا شأن له بما ينبغي أن يكون. فهو لا ينتسب إلي الحضارة الإسلامية كمثال، ولكنه يدرسها كواقع. وبقدر ما يستعمل الداعية خطاب الوعظ الديني يستعمل المستشرق التحليل الاجتماعي. وفي النهاية تكون حجة الواقع أبلغ من حجة النص. ويكون التحليل العلمي أقوى من الوعظ الأخلاقي. ويضيع كل الوعظ الأخلاقي في القنوات الفضائية إلى الهواء كما بدأ منه. ولا يبقي إلا العلم". مثل هذا الكلام، جارح ومؤذٍ لرجال المؤسسة الدينية، واتهام صريح واضح لهؤلاء الرجال. وهو ما أوغر صدر هؤلاء الأشياخ الذين يتحمسون الآن لمحاكمة حسن حنفي، ليفعلوا به ما فعلوا بنصر أبو زيد. بل إن حسن حنفي قال في هؤلاء الأشياخ كلاماً أكثر إيلاماً وأشد وقعاً، وهو الكلام الذي جاء بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، ووضعت حسن حنفي في قفص الحساب والعقاب. يقول حسن حنفي في مقاله (مشايخ السلطان)، منتقداً مشايخ السلطان الذين يفتحون القرآن الكريم وكتب الحديث النبوي، فينتقون منها ما يشاءون، وما يلائم طبق طبيخ ذلك اليوم، ومذاق ذلك السلطان: "بعد قرارات مؤتمر الخرطوم بعد هزيمة يونيو (حزيران) 1967، واللاءات الثلاث: لا صلح، ولا مفاوضة، ولا اعتراف بإسرائيل، انبرى مشايخ السلطان بتبرير هذا بالفتاوى والنصوص الدينية: )وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل(، )وجاهدوا في الله حق جهاده(، )أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وأن الله علي نصرهم لقدير(، )وقاتلوا الذين يقاتلوكم(، وما أكثر الآيات والأحاديث في هذا السياق. وبعد أن انقلبت الجمهورية الثانية على الجمهورية الأولى، وعُقدت اتفاقيات كامب ديفيد في 1978، ومعاهدة السلام بين مصر وإسرائيل في 1979 انبرى مشايخ السلطان، هم أنفسهم، بتبرير قرارات السلطان الجديد بآيات وأحاديث أخرى: )وإن جنحوا للسلم فاجنح لها(، )أدخلوا في السلم كافة(. وأن سلام وشالوم من نفس الاشتقاق، وأن كلانا أولاد عم من نسل إبراهيم. وحدث نفس التحول علي الصعيد الداخلي من الاشتراكية والقومية وعدم الانحياز، وهو اختيار الجمهورية الأولى، إلى الرأسمالية والقطرية والانحياز إلى أمريكا وإسرائيل، وهو انقلاب الجمهورية الثانية، والذي مازال مستمراً في الجمهورية الثالثة والأخيرة في حقبة من تاريخ مصر المعاصر في النصف الثاني من القرن العشرين، نهاية لمرحلة، وبداية لمرحلة أخرى. فأفتى مشايخ السلطان في الجمهورية الأولى، بأن الإسلام دين الاشتراكية، وجاءوا بالحديث النبوي: (الناس شركاء في ثلاث: الماء والكلأ والنار)، والقطاع العام من الإسلام كما مثله "الإقطاع"، وهو ما يقطعه الخلفاء للصالح العام كالمراعي للإبل، و (ليس منا من بات جوعان وجاره طاوٍ) ، )والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم(. ولما حدث الانقلاب في الجمهورية الثانية، انبرى مشايخ السلطان لتبرير سياسة الانفتاح ونقد الشيوعية الملحدة، (من لا إيمان له لا أمان له). والكسب الحر مشروع، والتجارة حلال في الأسواق، ومع الله تجارة لن تبور. وكل ما أتى الإنسان هو رزق، حلالا ً أم حراماً، اعتماداً علي رأي بعض القدماء، والرفاهية حق المؤمنين )قل من حرم زينة الله والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا(. والغرب مؤمن، والشرق كافر. والانحياز إلي الغرب المؤمن ضد الشرق الكافر خير وبركة، ونصرة للإسلام والمسلمين. وقد انبري شيخ مشايخ السلطان أخيراً بفتوى من نفس النوع لحث الناس علي الاشتراك في التصويت علي تغيير المادة 76 من الدستور، وعدم مقاطعته، كما تريد المعارضة )ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه(. وهي نصف شهادة. فأين الشهادة علي الباقي: إلغاء قوانين الطوارئ، والأحكام العرفية، والإفراج عن المعتقلين السياسيين، ورفض التمديد والتوريث لأن الحكم في الإسلام عقد وبيعة واختيار حر من الناس، لا انقلاباً ولا وراثة؟" ومن أجل هذا الهجوم العنيف على أشياخ السلطان وخطابهم، وتملقهم، وتزويرهم للحقيقة، وكذبهم، يريد عبد الصبور شاهين وغيره من الأشياخ، قطع لسان حسن حنفي، وليس – في ظننا - من أجل ما قاله في مكتبة الإسكندرية. فالحكاية ليست حكاية رمانه، ولكنها حكاية قلوب مليانه، كما يقولون. أليس كذلك؟ السلام عليكم.
salim Posted October 17, 2006 Report Posted October 17, 2006 فقهاء السلطان يستعدون للثأر من حسن حنفي GMT 7:15:00 2006 الثلائاء 17 أكتوبر د شاكر النابلسي -------------------------------------------------------------------------------- يستعد المتشددون من رجال الدين داخل الأزهر وخارجه، وعلى رأسهم الشيخ عبد الصبور شاهين إلى جر المفكر الإسلامي الليبرالي وصاحب ما يُعرف بتيار اليسار الإسلامي الدكتور حسن حنفي إلى المحكمة بتهمة القذف بالإسلام في محاضرته بمكتبة الإسكندرية في الشهر الماضي (سبتمبر 2006) كما بيّنا في مقالنا في الاسبوع الماضي. وفي واقع الأمر، فإن المتشددين من رجال الدين في مصر كانوا وما زالوا يتربصون بحسن حنفي منذ زمن طويل، ويحتفظون له بملف ضخم من التهم، وينتظرون القشة التي ستقصم ظهر البعير (حسن حنفي). وقد فازوا بها أخيراً، بما قاله حنفي في مكتبة الإسكندرية، وهم يستعدون الآن للمذبحة الفكرية الجديدة بعد مذبحة نصر حامد أبو زيد، التي انتهت به إلى منفاه الطوعي في هولندا، وفي جامعة ليدن. تسامحُ السَلف وتعصبُ الخَلف انتهى زمن الجدل الديني الإسلامي الحر الجميل. وأُغلق باب الاجتهاد في عهد الخليفة أبو أحمد عبد الله المستعصم بالله (1242-1258 م) الخليفة السابع والثلاثون، وآخر خلفاء بني العباس، والذي كان له 750 زوجة، وكان يوصف بالمقامر، على ذمة المؤرخ ابن الطقطقي. وهو الذي مات مقتولاً على يد هولاكو الذي فتح بغداد ودمرها. وتم اغلاق باب الاجتهاد بأمر سياسي لدى أهل السُنّة والسلفية ودخل المجتمع السُنّي عصور التقليد والجمود، عندما أمر المستعصم بالله علماء الفقه في المدرسة المستنصرية أن يتوقفوا عن تدريس أي فكر خلاف أقوال الأئمة الأربعة. ورغم رفض البعض لهذا القرار قائلين: "نحن رجال وشيوخنا رجال"، إلا أن تاريخ الفكر الإسلامي منذ ذلك الحين وحتى الآن، ساقط في هوة الحفظ والترديد، دون النقد أو التمحيص، وكأنما سقط عن المسلمين التكليف كما يقول عبد الهادي عبد الرحمن (سلطة النص: قراءات في توظيف النص الديني، ص 129). وانتهى زمن الحوار مع أنفسنا. فكيف ننادي بضرورة الحوار مع الآخر؟ وبأي لسان نريد من ذواتنا أن نتحاور مع الآخر؟ وحيث لم تكن هذه سُنّة القدماء من مفكري الإسلام. بل كان طريقهم هو الحوار والنقاش والرد كما فعل أئمة أهل السُنّة مثل ابن تيمية في (الرد علي المنطقيين)، (نقض المنطق)، (الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح)، والرد علي الشيعة والقدرية. وكما فعل الغزالي في (الرد الجميل علي من بدل التوراة والانجيل)، والباقلاني في (التمهيد في الرد علي المعطلة والجهمية)، وابن الراوندي في (الرد علي ابن الراوندي الملحد) وغيرها من الردود كما يقول حسن حنفي نفسه في مقاله (الحوار والنقاش). بل امتد التقليد الي الشعراء في مناقضات الجرير والفرزدق. وأصبح الخلاف عند الأصوليين موضوع علم مستقل هو علم الخلافيات، وعلم التعارض والتراجيح. وانتهوا الى أن الحق متعدد، وكل الآراء صائبة، (للمخطئ أجر وللمصيب أجران). غضبٌ على الفكر شرقاً وغرباً يعترف حسن حنفي، بأن تاريخنا مملوء بالغضب: ذبْحُ الجعد بن درهم، تقطّعُ ابن المقفع، وصلبُ الحلاج، وقُتلُ السهروردي، وشُنقُ سيد قطب وغيرهم من الشهداء، الا أن الغاية كانت سياسية خالصة. فقد كان الجعد بن درهم من أوائل المعتزلة الذين عارضوا الحكم الأموي، وابن المقفع من الذين طالبوا بمساواة العجم بالعرب، والحلاج لأنه شارك في وقاد ثورة القرامطة، والسهروردي لأن صلاح الدين كان يخشى علي النضال ضد الصليبيين من محبة الصوفية التي قد تدفعهم الي موالاة الأعداء. ولم يقتصر هذا على تاريخ الفكر العربي. بل إن تاريخ الفكر الغربي مليء بمثل هؤلاء الضحايا. ويعترف حسن حنفي بأن الغرب سقط منه شهداء الفكر الكُثر. فقد أُجبر سقراط علي شرب السم لاتهامه بالسخرية من آلهة اليونان وافساد أخلاق الشباب. وحُكم على كثير من المعارضين للسيطرة الكنسية الرومانية في عصر الآباء علي حرية الاعتقاد بالهرطقة والكفر. وحُرق أموري البيني لأنه كان يقول بوحدة الوجود. واستُشهد العديد من المفكرين الأحرار في عصر النهضة، توماس مور لأنه تصوّر مدينة فاضلة خالية من الظلم والقهر، وجيوردانو برونو لأنه دافع عن مركزية الشمس ودوران الأرض حولها. وكانت المقصلة مصير كل المعارضين في الثورة الفرنسية في عصر الارهاب، مثل ميرابو، ودانتون، وغيرهم. وطُعن اسبينوزا بالسكين، لأنه أنكر العهد الخاص بين الله وبني اسرائيل، مدافعاً عن ميثاق أخلاقي عام للبشر جميعاً؛ ميثاق الطاعة والتقوى والعمل الصالح. أسباب حقد رجال الدين على حنفي فلماذا كل هذا الحقد الديني الأعمى من قبل بعض رجالات المؤسسة الدينية المصرية والعربية على حسن حنفي، وهو المفكر الإسلامي، الذي نشر روح الإسلام السمح والعادل والعقلاني، في مختلف المنتديات الأكاديمية وغير الأكاديمية الأوروبية والأمريكية. وما زالت آراؤه وكتبه وأبحاثه تُعتمد كأساس لفهم الإسلام الصحيح، بعيداً عن اسلام السياسة العربية المعاصرة؟ إن أفكار حسن حنفي عن الإسلام وليس عن المسلمين، لا ترضي الكثير من رجالات المؤسسات الدينية في مصر والعالم العربي. وتعتبرها هذه المؤسسات خطراً على الدين، وانتقاصاً من دوره الثقافي والاجتماعي والتربوي. بل إن رجال المؤسسات الدينية السُنيّة - على وجه الخصوص - الذين لديهم عقدة الخلافة الإسلامية والإمبراطورية الإسلامية، وما زالوا يترحّمون على الخلافة الإسلامية التي انهارت في الاندلس، وفي بغداد على يد السلطان العثماني سليم الأول في 1517، وما زالوا حتى الآن يلعنون كمال اتاتورك الذي أطاح بسيفه بالخلافة الإسلامية العثمانية في 1924، وما زالوا يأملون من بن لادن والظواهري وقبل ذلك من الزرقاوي وأبي حمزة المصري السجين في لندن، أن يقيموا لهم الخلافة الإسلامية العتيدة التي يأملون في العراق أو في أفغانستان أو حتى في لبنان وبريطانيا (نادى أبو حمزة المصري وعمر البكري برفع علم الخلافة الإسلامية فوق قصر باكنجهام) لو أمكن ذلك على طراز الأمارة الطالبانية أو الخلافة الإسلامية الإيرانية، المتمثلة بالنظام الخميني الحالي في إيران. فلا فرق بين الخليفة المطلق الصلاحيات وبين المُلا عمر، أو بين المرشد الأعلى في إيران. فهو الخليفة والخليفة هو. وحسن حنفي في يسار إسلامه، ضد هذا كله، وهو ضد أفكار كثيرة، تعتبرها معظم المؤسسات الدينية السُنيّة العربية مقدسة ومحرّمة، ولا يجوز الخوض فيها، أو الاقتراب منها، أو المساس بها. الهجوم على فقهاء السلطان درج حسن حنفي دائماً على مهاجمة فقهاء السلطان. ويقول عنهم، بأنهم هم الذين ينشئون خطاب التأليه الذي يُعظِّم السلطان، كامل الأوصاف. فلا فرق عندهم بين صفات الله، وصفات السلطان. وحسن حنفي يبحث عن علماء الدين الأحرار في هذا العصر، فلا يجدهم. ويتساءل في مقاله (الطريق الثالث بين الحاكم والمحكوم): أين هم رجال الدين الأحرار ؟ وهل يتحرك علماء الدين الأحرار، كما تحرك الأفغاني، وعبد الله النديم، ومعه رواد النهضة الأوائل، فما زالت منزلتهم في أعين الناس كبيرة، رغم انتشار فقهاء السلطان؟ وهل يعود الدين كحركة تحرر عربية ثانية، بعد أن تولدت عنه حركة التحرر العربي الأولى، وبعد أن تم إقصاء الحركات الإسلامية بين الحركتين، في النصف الثاني من القرن العشرين؟ ومما أوغر صدر رجال الدين في مصر خصوصاً على حسن حنفي وفكره، وجعلهم يتربصون به الدوائر، قوله أن رجال الدين بشر في النهاية. وهم موظفون في الدولة، ويأتمرون بأمرها. يبررون للسلطان قراراته، ويشرعون له أفعاله سلماً أو حرباً، اشتراكية أو رأسمالية. وتستعملها السلطة السياسية للسيطرة من خلالها على الرأي العام وإضفاء الشرعية عليها، إذا ما نقصتها الشرعية، وأتت بانتخابات مزيفة، واتخذت قرارات، واتبعت سياسات ضد مصالح الشعوب، وقامت ضدها الهبّات الشعبية. هنا، تتصدى السلطة الدينية لمطالب الناس بإطاعـة أولي الأمر )وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم(. الشرعية الدينية والشرعية السياسية منذ زمن بعيد، والشرعية السياسية العربية – الإسلامية، تستمد شرعيتها من الشرعية الدينية. ولم تتخلَّ الشرعية الدينية عن الشرعية السياسية، منذ عهد معاوية بن أبي سفيان حتى الآن. وكأن الشرعية الدينية كانت بمثابة عامود وسط في الخيمة السياسية العربية، إذا ما نُزع، سقطت الخيمة السياسية على رؤوس أصحابها. وفي هذا يقول حسن حنفي في مقاله (الأواصر الأزلية بين الماضي والحاضر والمستقبل) أن الشرعية الدينية في الغالب هي أساس الشرعية السياسية كما كان الحال في العصر الوسيط في الغرب، الإمبراطور البابا، والبابا الامبراطور، الكنيسة والدولة سلطة واحدة، وملكوت السماوات وملكوت الارض في يد ممثل السماء على الارض. وهكذا يحكم الاموات الاحياء. يحكمنا الموتى من القبور أو المبعوثون من القبور. ويستمد الاحياء سلطانهم من الاموات. وقد كانت عبادة الاسلاف من مظاهر التدين عند بعض الشعوب. الرجال هم الذين ينطقون وليس النص ومما زاد في غضب رجال المؤسسة الدينية العربية، حديث حسن حنفي عن الحضارة العربية – الإسلامية، وتعريفه لها بأنها حضارة نص، وليست حضارة عقل. ففي مقاله (ما الذي يمنع من حرية التفكير؟) يقول حسن حنفي، بأننا حضارة كتاب، ولسنا حضارة طبيعة. فمصدرنا الأول في المعرفة هو القرآن، أو الكتاب أو المصحف، تتلوه السنة المدونة، بعد روايتها شفاهياً. تتلوها نصوص المذاهب العقائدية والفقهية، وكتابات الأولين في الطبقات والحوليات. وهي ليست خاصة بالقرآن وحده، بل هي أيضاً صحف إبراهيم وموسى، ومزامير داود وحكمة سليمان والتوراة والإنجيل، والألواح والأسفار. وتقوم كلها بدور السلطة، سلطة النص الذي يُطاع. فهو الذي يحدد تصورات العالم. وهو الذي يضع معايير السلوك. ويضم إليه الأمثال العامية. فهي نصوص شفاهية تقوم بنفس الدور علي نحو بُعدي، من أجل فهم الوقائع وتبريرها، وإيجاد قوانين لحدوثها. وتقوم مقام النص في الفهم، وإن لم تقم مقامه في التشريع. وحسن حنفي، لا يضع اللوم في قصور حضارتنا على النص، أياً كان هذا النص. ولكنه يضع اللوم .. كل اللوم على رجال الدين الذين يُنطِقون النص ويفسرونه ويأوّلونه بما يتفق واهوائهم ومصالحهم السياسية والمالية. فالنص كما يقول حسن حنفي، يقوم فقط بدور الافتراض الذي يمكن التحقق من صدقه في التجارب الإنسانية الفردية والجماعية. النص يُقيّد (فلا اجتهاد مع النص). والتأويل يُحرر، فهناك اجتهاد في فهم النص. وسارت بيننا بعض الشائعات، أن السلف لم يتركوا للخلف شيئاً. بل إن الخلف أضاعوا الصلوات، واتبعوا الشهوات. وهناك الفرقة الناجية الواحدة، هي فرقة الدولة الأموية، فرقة السلطان في مقابل الفرق الهالكة وهي فرق المعارضة. الأولي في الجنة والثانية في النار. ومن عصي الأمر وفارق الجماعـة فهو كافـر مرتد يجب قتلـه. ويؤكد حسن حنفي، أن كل هذه الأدبيات التي استقرت في التاريخ، لها ما يعارضها في القرآن، والحديث، وأصول الفقه. فاختلاف الأئمة رحمة. والصواب متعدد. والكل راد، والكل مردود عليه. وقد خُلق البشر متعددي المشارب، والمناهج، والمآرب، والألسنة، للتعارف، وللإثراء المتبادل. ولو شاء الله لجعل الناس أمة واحدة، ولكنه جعلهم مختلفين. فالاختلاف غاية الخلق. وما زال في جعبة حسن حنفي الكثير من الأفكار، التي وضعته في يسار الإسلام، ضد معظم رجال الدين الذين هم في يمين الإسلام. وما زال الوقت مبكراً جداً، لكي يكون لليسار الإسلامي بقيادة المفكر حسن حنفي مكان مرموق في الفكر العربي الإسلامي المعاصر، وتأثير فعال في الشارع العربي، الذي اختطفه اليمين الإسلامي، ومن هم دون حسن حنفي علماً وفكراً وفلسفة ومعرفة بالإسلام من أمثال بن لادن وأيمن الظواهري وعمر البكري، وقائمة طويلة من مئات الأسماء التي سطت على الإسلام، سطوة السارقين على أموال الآخرين. Shakerfa@Comcast.net
Recommended Posts
Archived
This topic is now archived and is closed to further replies.