Jump to content
Baghdadee بغدادي

طالباني: أسقط الأميركيون صدام وطالبونا


Recommended Posts

الحياة» سألت الرئيس العراقي عن الحاضر وعلاقات المعارضة السابقة بعواصم الجوار ومحطات في سيرته الشخصية (1) ... طالباني: أسقط الأميركيون صدام وطالبونا بتشكيل حكومة ففشلنا

غسان شربل الحياة - 09/06/07//

 

 

 

لم تغيّر الرئاسة أطباع جلال طالباني. لا يزال صديق الصحافة والصحافيين. لا مكان عنده للأ سئلة المحظورة. تسأله فيذهب بعيداً. يكشف أحياناً بعض ما يمكن أن يثير الغضب أو العتاب. لكن على الصحافي أن يتنبه إذ يحاوره. فهو لاعب بارع وقديم. خبير في حسن التخلص. يطالبك أحياناً بوقف آلة التسجيل ليروي لك نكتة من العيار الثقيل الذي يتعذر نشره.

 

يعرف جلال طالباني قصة الجغرافيا التي ألحقت بالأكراد ظلماً تتعذر مداواته. سلك طريق طهران وأقام فيها. وسلك طريق دمشق وأقام. هذا من دون أن ننسى بيروت والحقبة الفلسطينية في مسيرته. في العام 2001 ذهبت أحاور ورثة القائد الفلسطيني الدكتور وديع حداد. خاطف الطائرات الشهير. الرجل الذي أطلق كارلوس في العالم. وخلال تلك الحوارات ظهر اسم جلال طالباني ايضاً وهو ما سيؤكده في هذا الحوار.

 

كلما التقيت الرئيس العراقي الحالي أحاول التسلل إلى ذاكرته. وتقضي الأمانة الاعتراف بأنه لا يبخل بوقته على رغم كثرة انشغالاته والمصائب المتلاحقة التي تعصف ببلاده. سألته عما بقي لديه من طموحات غير استقرار العراق. قال إنه يحلم بالتقاعد لدى انتهاء ولايته الحالية للتفرغ لكتابة المذكرات. لا أعرف لماذا لا أتقبل ببساطة حديث الحكام في منطقتنا عن زهدهم بالموقع والأختام. قد أكون مخطئاً هذه المرة. فليسامحني الله.

 

ثمة سؤال كان يدور في ذهني وأنا أرى الجيش الأميركي يتخبط في المستنقع العراقي. هل حاولت واشنطن تشجيع العراقيين على تشكيل حكومة غداة إسقاط نظام صدام حسين أم أنها كانت تتطلع إلى إدارة أميركية مباشرة لعراق ما بعد صدام؟ وسيكشف الرئيس العراقي في رده على هذا السؤال ما يساعد على تفسير بعض الحاضر. لقد فشلت المعارضة في الاتفاق على حكومة وكانت الأسباب مذهبية.

 

لعب طالباني دوراً أساسياً في حض واشنطن وطهران على التحاور حول استقرار العراق. تعثرت محاولتان قام بهما ونجحت الثالثة التي كان شريكاً في الدفع باتجاهها. سألته عن احتمال قيام إدارة إيرانية للعراق أو بعضه. رد مؤكداً أن الشــيعة العراقيين لن يكونوا تابعــين لإيران ولافتاً إلى أن المــراجع الشيعية في العــراق تعارض «ــولاية الفقيه» وهي العامود الفقري للنظام القائم في طهران.

 

يوم كان نظام صدام قائماً كان طالباني يذهب إلى طهران ودمشق باحثاً عن الدعم السياسي والسلاح. سألته عن علاقته بآية الله الخميني والرئيس الراحل حافظ الأسد والعقيد معمر القذافي.

 

وهنا الحلقة الأولى:

 

 

} كان إسقاط صدام حسين حلماً يراود المعارضة، واليوم بعد هذه السنوات، هل تشعرون بالخيبة، وهل التغيير في العراق جاء أقل مما تشتهون؟

 

- لا، انا أشعر بالفرح، لأننا تخلصنا من أبشع ديكتاتورية في العالم، فالشعب العراقي كان يتعرض لحرب ابادة على يدي صدام حسين. والمقابر الجماعية التي تضم مئات الألوف من الأناس الأبرياء تشهد على ذلك. ثم إننا تخلصنا من الأجهزة القمعية لصدام حسين، مخابرات، وأمن، وأجهزة خاصة، كذلك تخلصنا من القوة العسكرية الصدامية التي لم تكن تحمل صفة الجيش العراقي في الحقيقة. والآن يمكننا ان نلاحظ ان الشعب العراقي اتيح له المجال، للمرة الأولى، لأن يتمتع بالحريات والحقوق الديموقراطية من خلال الانتخابات الحرة وانتخاب البرلمان وصحافة حرة وليكون لكل حزب حق اصدار صحيفة او اذاعة او تلفزيون. كما ان الاقتصاد تحرر من سيطرة الدولة وأصبح القطاع العام والخاص يعملان بشكل جيد. هنالك تطور كبير. في الحقيقة الجانب الوحيد المؤسف بعد التحرير هو الأمن. وجوانب الحياة الأخرى تشهد تقدماً هائلاً في العراق: الديموقراطية والحريات التي نتمتع بها الآن لا مثيل لها في المشرق ولا في العالم العربي، فأنت ترى مثلاً نائباً في البرلمان يتحدث ويطالب بالتغيير واسقاط النظام، ونائب آخر يطالب بتغيير الدستور، وآخر يطالب بتغيير الحكومة وهكذا. هذا النوع من الحرية لم يكن موجوداً أبداً، إذاً هناك آمال كثيرة تحققت للمعارضة العراقية، والشيء الوحيد الذي لم يتحقق هو الأمن والاستقرار. الثورات الكبيرة التي تؤدي الى انهيار النظام تعقبها حالات من الفوضى. لاحظ الثورة الايرانية كم سنة احتاجت حتى تحقق الأمن الداخلي الكامل في ايران. الى جانب ذلك نحن كما قلنا وقال الأميركيون ارتكبنا اخطاء. في الواقع لو تشكلت حكومة موقتة مباشرة بعد سقوط النظام، لكان الوضع تغير في العراق، ولو كان هناك مثلاً تعاون كامل بين قوى المعارضة التي تملك قوات شعبية وقوات التحالف لأمكن السيطرة على البلد ومنع «الفرهود» والسلب وآخره. طبعاً لم يتحقق حلم الأمن، ولكن الأحلام الاخرى كلها تحققت. و «فرهود» مصطلح عراقي، يعني ان كل واحد ينهب ما تصل اليه يده حتى الموظف في دائرته وهكذا.

 

 

} ما هي أبرز الأخطاء التي وقع فيها العراقيون، وتراها الآن من موقعك كرئيس جمهورية؟

 

- أكبر خطأ وقعنا فيه اننا تباطأنا في تشكيل الحكومة الموقتة. في بداية التحرير جاء غاي غارنر وخليل زاد الى كردستان وطلبا مني ومن الأخ الاستاذ مسعود بارزاني مرافقتهما الى بغداد لتشكيل حكومة عراقية موقتة، وذهبنا الى هناك. كانت المعارضة آنذاك مؤلفة من أطراف محدودة، هذه الأطراف لم تصدق الخبر. عقدنا لقاء مع غارنر وخليل زاد ومندوب من البنتاغون وقائد القوات البريطانية والأميركية. أمام الجميع كرر غارنر قوله: «أيها العراقيون شكلوا حكومة موقتة لتديروا البلد وأنتم المعارضة التي تعاملنا معها، تفضلوا وقوموا بتشكيل الحكومة من جانبكم».

 

 

} من كان حاضراً من المعارضة؟

 

- الطرفان الكرديان وأحمد الجلبي واياد علاوي والدكتور عادل عبدالمهدي من «المجلس الأعلى للثورة الاسلامية»، في العراق، ولست متأكدا من حضور الدكتور إبراهيم الجعفري، هذه هي الأسماء التي انا متأكد منها. كلنا استبشرنا خيراً. طلبوا شيئاً واحداً منا هو أن نوسع دائرة المعارضة حتى تشمل قوى أخرى غير موجودة، وكي تكون الصيغة شاملة. لم نستطع نحن المعارضة تشكيل هذه الحكومة ومر شهر من دون أن نتوصل الى نتيجة، ما دفع الأميركيين الى ان يسلكوا طريقاً آخر.

 

 

} هذا كلام مهم جداً؟

 

- نعم.

 

 

} يعني أن الاميركيين لم يفرضوا صيغة جاهزة كمجلس الحكم؟

 

- كان هذا قبل مجلس الحكم بفترة طويلة، يمكن أنه لم يكن قد مضى شهران على سقوط صدام عندما أتوا بهذا الموضوع. كان ذلك في البداية عندما كانت بغداد هادئة وكنا نسكن في فنادق آنذاك وليس في مناطق خاصة. وكان هناك طلب من غارنر ومن خليل زاد للمعارضة لتشكيل حكومة. غاي غارنر كان المسؤول الأول عن العراقيين. وقد استبدل لاحقاً ببول بريمر. وخليل زاد كان السفير المفوض لدى المعارضة من قبل الرئيس جورج بوش. اعتقد ان الفشل من جانب المعارضة في تشكيل هذه الحكومة الموقتة، من أهم أسباب ما حصل لاحقاً في العراق. وهذا سر لك. وبعد ذلك حدث ما يلي: تبدل غارنر وأتى بريمر وقد أتى وكأنه نائب الملك في الهند.

 

 

} لماذا عجزت قوى المعارضة وقتها عن تشكيل الحكومة؟ هل لعدم نضجها؟

 

- لأسباب عدة وكثيرة، أولاً لم يكن هناك اتفاق على توسيع المجلس، واعتقد أن اسم من يتولى الرئاسة كان السبب، فبعض القوى كان يفكر أن رئيس الوزراء يجب ان يكون شيعياً والمقترح الأميركي لم يكن كذلك.

 

 

} هل اقترح الأميركيون اسماً معيناً؟

 

- اقترحوا جلال طالباني. خليل زاد كان معنا في لندن في المعارضة، والمعارضة في لندن طلبت ان أرأس انا جميع جلسات المعارضة. غارنر قال لي انت تستطيع ان توفق وتكون قاسماً مشتركاً بين الجميع. غارنر لم يكن يعرفني ولكن عندما لاحظ خلال فترة أكثر من اسبوع، قال لي انت تصلح لتكون أول رئيس عراقي، رئيس وزراء أو رئيس جمهورية، كان لديهم هذا الانطباع، واقترحوا هذه الشيء علي. وانا قلت له اذا كانت القوى العراقية توافق انا مستعد. وكان هناك عدد من الاخوان يطمحون ان يكونوا هم من المؤتمر الوطني العراقي وأيضاً من الطرف الآخر والاخ اياد علاوي كان ممكناً والاسلاميون يطمحون إلى ايصال شيعي، فلم يتم الاتفاق على هذا الوضع، كما لم يتم الاتفاق على القوى التي يجب ان تنضم إلى هيئة المعارضة التي كانت موجودة آنذاك.

 

 

} للدقة والأمانة، هل بإمكاننا أن نقول إن الاميركيين كانوا مع تشكيل حكومة عراقية موقتة؟

 

- في بداية سقوط نظام صدام حسين. وعندما فشلت هذه المحاولة بدلوا غارنر وبدلوا خليل زاد ايضاً، ورجع الاثنان الى واشنطن، وأتى بدلاً عنهما بريمر.

 

 

} بريمر هو «نائب الملك»؟

 

- نعم. وأتى بريمر بمجموعة من العراقيين الاختصاصين وأغلبهم من ذوي الجنسيات الاميركية، ونصبهم على وزارات ليحكم عن طريق هؤلاء هذه الوزارات. هذه المحاولة فشلت ايضاً ولم يتم الحكم كما يجب. وطبعاً صدر قرار مجلس الأمن السيئ الصيت الذي حول الوضع في العراق من تحرير الى احتلال. هذا القرار نحن في المعارضة رفضناه كاملاً. اذكر ان الدكتور أحمد الجلبي قال للسفير البريطاني إن الـ «مس بل» التي كانت تحتل العراق في العشرينات كانت أحسن منكم، لأن «مس بل» قبل 70 سنة كانت تميل الى تشكيل حكومة عراقية وانتم بعد 70 سنة ترفضون تشكيل حكومة عراقية موقتة. فجرى نوع من الانقطاع بين المعارضة وبين سلطات الاحتلال التي اصبحت رسمياً تتمتع وفق القانون الدولي بسلطات الاحتلال، وبالتالي بسلطات الحكم والتصرف بكل شيء في العراق.

 

 

} كيف كان أسلوب بريمر؟

 

- أسلوب نائب الملك.

 

 

} يعني غير قابل للمفاوضة؟

 

- غير قابل للتغيير، يفاوض ولكن يمشي على رأيه، كيفما كان ويتمسك برأيه. بعد ذلك طرحت فكرة مجلس الحكم.

 

 

} من طرحها؟

 

- بريمر طرحها، لكن بشكل غير مناسب. نحن رفضنا ايضاً من يعين مجلس الحكم. كان بريمر يريد تعيين مجلس الحكم بالمناصفة بيننا وبينهم، أي بين قوى المعارضة وبينهم، ونحن رفضنا. وقلنا إما نحن نعين أو لا نشترك. جرت مناقشات وبالنتيجة قررنا نحن العشرين مندوباً ان نعطيه حق تعيين ثلاثة بموافقتنا، والثلاثة كانوا أشخاصاً جيدين مثلاً الدكتور عدنان الباجه جي الشخصية الوطنية العراقية المعروفة. نحن قلنا اننا نرحب بتعيينه ايضاً، فتم تشكيل مجلس الحكم. داخل مجلس الحكم شكلنا لجنة رئاسية. هذه اللجنة سأقول لك أسرارها، تشكلت من سبعة أطراف، لم يكن فيها لا حزب «الدعوة» ولا «الحزب الاسلامي» العراقي. أنا والاستاذ مسعود بارزاني أصررنا وقلنا يجب ان يكون حزب «الدعوة» موجوداً وكذلك «الحزب الاسلامي العراقي». اذا لم يكن الطرفان عضوين في هيئة مجلس الرئاسة، فنحن لن نشترك. قبلوا بوجهة نظرنا، وقبل حزب «الدعوة» و «الحزب الاسلامي».

 

 

} هذه هيئة رئاسة مجلس الحكم؟

 

- نعم، تكونت هيئة رئاسة المجلس بالتناوب. مجلس الحكم بدأ يمارس صلاحيات. في الحقيقة كثير من الصلاحيات أعطاها مجلس الأمن لمجلس الحكم، ونحن ايضاً مارسنا بمبادرات من عندنا. مثلاً انا ترأست وفداً وذهبت الى طهران والى تركيا لعقد اتفاقات وتفاهمات كثيرة، بينما كان علينا في ذاك الوقت تحديد ما يتعلق بالعلاقات الخارجية. جرت محادثات مطولة بيننا وبين سلطات الاحتلال حول استعادة السيادة وتم عقد اتفاق بيننا وبين بريمر لاستعادة السيادة في حزيران (يونيو) وكان هذا في بيته في بغداد. وتم الاتفاق ووقعناه على انه في نهاية حزيران استعادة السيادة وبعد ذلك اجراء انتخابات. وذهب القرار إلى مجلس الأمن والاقتراح انه خلال فترة تجري انتخابات بعدها بفترة يتم إعداد الدستور بعدها بفترة يجري انتخاب برلمان دائم ويأتي استفتاء وتأتي حكومة دائمة... الخ. كل هذه المراحل قطعناها، وقد تم حقيقة اجراء ثلاثة انتخابات في العراق، أول مرة انتخابات علنية حرة من دون قيد ولا شروط، فظهرت قوائم. في مرحلة الانتخابات الأولى كثير من الاخوة العرب السنّة قاطعوا الانتخابات و «هيئة علماء المسلمين» برئاسة الشيخ حارث الضاري دعت الى مقاطعة الانتخابات بحجة انه في ظل الاحتلال لا يمكن أن يشتركوا في الانتخابات، وان الانتخابات غير شرعية. ولكن جرت الانتخابات بحرية كاملة في الحقيقة في كل المناطق. والقوائم الثلاث التي برزت هي «قائمة الائتلاف العراقي الموحد» و «قائمة التحالف الكردستاني» و «القائمة العراقية». وبعد ذلك جرى انتخاب الحكومة وكذلك في مجلس الحكم ايضاً انتخبنا رئاسة الجمهورية. وأيضاً حصل خلاف بيننا وبين بريمر حول من يكون، نحن نريد الشيخ غازي الياور وهو كان يريد الدكتور عدنان الباجه جي، ولم نتفق. أصررنا نحن على الشيخ غازي. وشاعت في ذلك النكتة الكردية: انا كنت رئيس المجلس وكنت أصر على الشيخ غازي وهم يصرون على عدنان، نحن سنعلن باسم الأمم المتحدة الدكتور عدنان، وقلت لهم أنا سأعلن باسم العراق وباسم مجلس الحكم الشيخ غازي، فسألوني عن تبديل رأيي او كذا، فقلت لهم الكردي اذا قال لا فهو لا، وهذه الكلمة اصبحت مشهورة والشيخ غازي اصبح الرئيس في ما بعد.

 

 

} من كان يقول الرأي الآخر المضاد لرأيك؟

 

- بريمر، وأخونا الأخضر الابراهيمي ايضاً.

 

 

} ماذا فعل الإبراهيمي في العراق؟

 

- أولاً أريد ان اقول لك شيئاً، الأخضر صديقي وانا اعرفه منذ قديم الزمان ولذلك لا اريد ان اتكلم عنه. وكل ما استطيع ان اقوله عنه انه لم يقم بما كنا نتوقعه منه.

 

 

} من دون تفاصيل.

 

- نعم من دون تفاصيل.

 

 

} لنتحدث عن موضوع الدستور؟

 

- خلال وضع الدستور جرت نقاشات مطولة بين قوى خارج البرلمان، خصوصاً «الحزب الاسلامي». نحن الأطراف الممثلة في البرلمان، فاوضنا «الحزب الاسلامي العراقي» وغير «الحزب الاسلامي»، فاوضنا جماعة الدكتور عدنان الدليمي وجماعة صالح المطلك وخلف العليان من أجل الوصول الى نتائج مشتركة حول الدستور. لم نتوصل إلا إلى اتفاق مع «الحزب الاسلامي» والدكتور عدنان الدليمي على نقاط ان نصوّت على الدستور مع حق تعديل بعض المواد في ما بعد. طبعاً جرت بعض التعديلات على الدستور بناء على طلبي، لكن ليس كل التعديلات المطلوبة. أجلنا التعديلات الأخرى. «الحزب الاسلامي» أبدى شعوراً بالمسؤولية الوطنية الكبيرة في هذا الموقف، وكذلك الاخ الدكتور عدنان. وهؤلاء قالوا لي ان يكون لبلد دستور حتى لو كانت لدينا ملاحظات على هذا الدستور، أحسن من ان يكون هناك فراغ. وطرح الدستور للاستفتاء، وقلنا للذين يعارضون ارفضوا الدستور، لأن هناك مادة في طريقة الاستفتاء تقول إنه اذا رفضت ثلاث محافظات بأكثريتها الدستور، يعتبر معلقاً، يعني غير مقبول. لم تصوّت ثلاث محافظات ضده، فقبل. وبعد ذلك جرت انتخابات في هذه المرة العرب السنّة شاركوا بنشاط وحصلوا على 54 مقعداً.

 

بعد ذلك بدأت المناقشات بين الأطراف حول تشكيل الحكومة وحول طريقة الحكم وحول المساهمة، وتوترت العلاقة بين كتلة «التوافق» العراقية التي تمثل السنّة وبين «الائتلاف» العراقي الى درجة القطيعة. اتذكر ان الدكتور حسين الشهرستاني كان مخولاً من قبل الائتلاف للتفاوض مع التوافق كان يقول: «يا اخوان تعالوا واقعدوا معنا»، ويقولون: «لا، لا نقعد معكم إلا بشروط»، وانقطعت الصلة. وطبعاً قمت بدور ودعوتهم الى غداء في منزلي. على مائدة الغداء قلت يا اخوان ليكن هناك لقاء آخر سياسي وتم عقد لقاءات متواصلة في منزلي بشكل يومي تقريباً وتوصلنا بعد نقاشات طويلة الى مبدأي التوافق والمشاركة الحقيقية في الحكم، بحيث ان الحكم لا يجري كما يجري في أي بلد برلماني أي أن الأكثرية هي التي تقرر وهي التي تحكم إنما يجب ان يكون هناك في العراق حكم قائم على مبدأي التوافق والمشاركة الحقيقية في الحكم. توصلنا معاً الى برنامج سياسي للحكومة المقبلة والى اتفاق آخر بتشكيل لجنة هي الهيئة السياسية للمجلس السياسي للأمن الوطني، بحيث ان هذا المجلس يكون برئاسة رئيس الجمهورية والرئاسات الثلاث تجتمع به مع رؤساء الكتل البرلمانية بحيث يضم هذا المجلس كل القيادات العراقية، وهو الذي يشرف على الحكم، وهذا نوع من المشاركة والتوافق... الخ. وعلى أساسه تم اختيار رئيس المجلس النيابي من العرب السنّة ورئيس الوزراء من العرب الشيعة ورئيس الجمهورية من الاتحاد الكردستاني. في الحقيقة هناك فهم خاطئ في العالم، أنا أريد ان أصححه، هذه ليست مقررات الدستور ان يكون رئيس البرلمان عربياً سنياً ورئيس الجمهورية كردياً ورئيس الحكومة شيعياً، هذه عملية نتيجة التوافق والتفاهمات وجرت في ظروف غير طبيعية حتى يستقر الوضع في العراق وحتى يكون هناك هدوء وانذاك حسب القانون الذي يجري، قد يكون رئيس المجلس شيعياً.

 

 

} لا يوجد نص في الدستور على ذلك؟

 

- لا، ولا يوجد اتفاق ايضاً على ذلك، مثلاً في لبنان هناك اتفاق جنتلمان. نحن فقط في هذه المرحلة، حتى فيها النظرية تقول رئيس الجمهورية ينتخب بالأكثرية، ورئيس الوزراء ينتخب من الكتلة الأكثر عدداً مثلاً بعد أن تعطلت تشكيلة الحكومة، نحن هددنا بأننا نحن «الاتحاد الكردستاني» و «التوافق العراقي» و «الكتـــلة العـــراقية» سنـــشكل كتلة في البرلمان تضمن لنا الأكثرية وتعطينا حق اختيار رئيس الـــوزراء، بمعنى انه لا يوجد نص ولا هناك اتفاق جـــنتلمان ان يكون حتماً رئيس الجمهورية كردياً ورئيس الوزراء عربياً شيعياً ورئيــس البــرلمان عربياً سنياً هذا غير موجود. هذا يكون بالأكثرية في البرلمان، الغالبية ربما ترشح سنياً أو كردياً لرئاسة الوزراء.

 

تشكلت الحكومة بالتركيبة الحالية وبدأ التنفيذ، وأنا اقر ان مبدأ التوافق ومبدأ المشاركة الحقيقية لم يطبقا تماماً. نحن الآن بصدد ايجاد آلية تضمن تحقيق هذين المبدأين في الحكومة الحاضرة، وبذلنا جهود كثيرة حقيقية في ما وصلنا اليه، والسفير خليل زاد ساعدنا في ازالة العقبات وتسهيل الأمور وتحقيق ما تم تحقيقه في العراق وللتاريخ علي ان اقول هذه الحقيقة.

 

 

} هل كانت هناك عشية الحرب اتصالات أميركية - ايرانية كما حدث في افغانستان؟ في ايران قالوا لي صراحة انهم ساعدوا اميركا على إسقاط طالبان، ماذا عن العراق؟

 

- صحيح. أنا أعتقد ان الايرانيين ساعدوا على اسقاط صدام. الايرانيون كانوا يرحبون ويؤيدون اسقاط صدام على ايدي القوات الاميركية، أما إذا كانت هناك علاقات سرية واتفاقات وتنسيق بينهم أنا لا أعرف بذلك، ولكن أعرف من طبيعة علاقتنا مع ايران واتصالاتنا ان الايرانيين كانوا يفضلون ويرحبون بإسقاط صدام على أيدي قوات التحالف. وكانت عندهم قناعة وثبت انها قناعة صحيحة ان أميركا ستجري انتخابات والحكومة ستكون بأيدي الأكثرية في العراق ولذلك رحبوا بهم.

 

 

} هناك انطباع ان الايرانيين أظهروا انهم أكثر ذكاء من الأميركيين بكثير بسبب هذه النقطة، أي أن الأميركيين جاؤوا لإزالة نظام عدو لإيران والأكثرية في العراق أقرب الى ايران، هل لديك شعور الآن ان ايران أصبحت المستفيد الكبير مثلاً؟

 

- اعتقد ان الشعب العراقي هو المستفيد الكبير، وايران ايضاً مستفيدة، وايران لعبت لعبة ذكية. ايران لم تستطع اسقاط صدام حسين ولا زحزحته قيد شعرة من الحكم. نحن لم نستطع اسقاط صدام حسين والمعارضة العراقية لم تتمكن. الله أرسل لنا جورج بوش لإسقاط صدام حسين وترك العراق لمن يحكمه عن طريق الانتخابات. نحن عندنا أحد رجال الدين الكبار في كردستان العراق يقول استناداً الى الآية التي تقول «قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا». ان الله أدخل في قلب بوش ان يذهب لتحرير العراق من الديكتاتورية، فذهب محققاً هذه الإرادة. هذا ايضاً موجود عندنا. الايرانيون في افغانستان استفادوا وفي العراق استفادوا لأن نظام طالبان كان ضدهم والنظام العراقي كان ضدهم.

 

 

} يمكن الحديث عن دور عراقي في تشجيع أميركا على الحرب، وان المعارضة العراقية لعبت دوراً. هل المعارضة العراقية كانت مؤثرة في القرار الاميركي؟

 

- لا، بالعكس نحن كان لدينا خلاف مع القرار الاميركي. نحن عندما ذهبنا الى واشنطن اقترحنا ان نقوم نحن باسقاط نظام صدام حسين، هذا قبل السقوط بأشهر. كان اقتراحنا ان نقوم نحن قوات البيشمركة وقوات المجاهدين قوات بدر بالاتفاق مع المعارضة داخل الجيش العراقي بإسقاط النظام العراقي مع مساعدة أميركية في الجو أو في منع استخدام اسلحة الدمار الشامل ضدنا، ولكنهم لم يوافقوا على هذا الرأي.

 

 

} هذا بحث في واشنطن؟

 

- نعم في واشنطن، ثم كان عندنا رأي آخر ان نشترك معهم في فرض الأمن والاستقرار عندما يأتون الى العراق، لم يوافقوا بصورة عامة إلا في كردستان. وافقوا عندما رفضت تركيا السماح بمرور القوات الأميركية، ونحن رحبنا بهم. أنزلوا بعض القطعات المجوقلة وكانت قليلة غير كافية. قوات البيشمركة هي التي حررت مدينتي كركوك والموصل لكن تسلمها الأميركيون فوراً كي تكون تحت سيطرتهم.

 

 

} البيشمركة إذاً هي التي حررت كركوك والموصل؟

 

- نعم، ولكن سلمتا فوراً الى القوات الأميركية. هكذا كانت الآراء متباينة في البداية، ولكن عندما حدث ما حدث كان رأينا انه يجب ان نستفيد من الوضع الجديد وانه أثناء القتال بين قوات التحالف وقوات صدام نحن ايضاً تقدمنا، قوات بدر وقوات المجاهدين في الجنوب ونحن في الوسط وشمال العراق، تقدمنا لاحتلال أماكن والاستيلاء على اسلحة ودبابات ووسائل كثيرة.

 

 

} قبل الحرب هل جرى البحث في مصير صدام حسين؟

 

- لا، لم يتم البحث، نحن لم نبحث بمصير صدام حسين كقيادة وعراق. ولكن أنا سأقول لك، باستثنائي أنا لأنني لا أؤمن بالإعدامات كان الآخرون يرحبون ويطالبون بإعدام صدام حسين وحتى الناس. أنا مرة سئلت من قبل صحافي صديق وأجبت أنا لا أؤيد حكم الاعدام، فقامت القيامة علي في كردستان وسألوني كيف لا تؤيد حكم الاعدام، صدام عمل حلبجة وإبادة وقتل. أنا أريد أن أقول لك شيئاً بالحقيقة، في اليوم الذي اعتقل فيه صدام حسين كان هناك عيد في الشمال والجنوب، ربما في الوسط السني لم تكن الحماسة شديدة، لكن في الوسط الشيعي والكردي والتركماني كان الجو أشبه بالعيد.

 

 

} إذا انتقلنا إلى الحاضر، هل تريد إيران عراقاً ضعيفاً مفككاً أم أن الخلاف كان مع نظام صدام حسين؟

 

- كان الخلاف مع نظام صدام حسين، كان خطراً عليهم. إذا كان العراق صديقاً لهم فهم يريدون صديقاً بحالة جيدة، اما اذا كان العراق معادياً لهم، فهم يريدونه ضعيفاً وغير قادر على الحركة.

 

 

} ألا يوجد خطر ان تمسك ايران بأوراق داخل العراق وتؤثر على قراره؟

 

- لا، أنا اعتقد ان شيعة العراق لن يكونوا أبداً تابعين للشيعة في ايران. اولاً دعني اقول لك أمثلة المرجعيات، عندنا أربع مرجعيات، على رأسهم سماحة السيد علي السيستاني، هؤلاء مختلفون مع ايران حول موضوع ولاية الفقيه، فهم لا يريدون ولاية الفــقيه، وهذا خلاف كبير. شيء يذكر بالحركة الشيوعية العالمية والخلاف بين الصين وروسيا. ثانياً هؤلاء المراجع يعتبرون انفسهم هم مراجع الشيعة في العالم. ثالثاً النجف الاشرف هو «فاتيكان الشيعة» في العالم وليس قم أو مشهد. رابعاً أكثر أضرحة أئمة الشيعة موجودة في العراق، الإمام علي والحسين والعباس والكاظم والعسكريان. هناك واحد فـــقط مات في مشهد. عندما يذهـــبون الى قبره يقـــولون: «يا غريب الدار السلام عليكم». لذلك لا خطر من ان يكون شـــيعة العـــراق اتبــاعاً لإيران أبداً.

 

 

} هناك قوى عراقية أقامت طويلاً في ايران وتدربت وتمولت وتسلحت؟

 

- نحن اقمنا طويلاً في ايران والحزب الديموقراطي الكردستاني العراقي أقام كثيراً في ايران، وكذلك الحزب الشيوعي العراقي، والمعارضة العراقية كلهم اقاموا في ايران ولم نصبح ايرانيين.

 

 

غداً حلقة ثانية

 

طالباني روى لـ«الحياة» قصة الأسلحة و«الحل الايراني»

 

(صوت العراق) - 10-06-2007

ارسل هذا الموضوع لصديق

 

روى لـ«الحياة» قصة الأسلحة و«الحل الايراني» وتقرير الاستخبارات عن وجود عزة الدوري في اليمن ولقائه مع بشير الجميل (الثانية والأخيرة) ... طالباني: قال عزيز ليس لكم في كركوك غير حق البكاء عليها

غسان شربل الحياة - 10/06/07//

روى الرئيس جلال طالباني نماذج عن صعوبة التفاوض مع نظام صدام حسين الذي كان يتظاهر بالمرونة حين يحدق به الخطر ثم يعاود التشدد فور شعوره بزواله. قال ان صدام سئل عن اختفاء آلاف البارزانيين فأجاب: «أرسلناهم الى جهنم وبئس المصير». وكشف ان حسين كامل، صهر صدام، قال لوفد ذهب للتفاوض معه: «أنا لا أعرف كيف أقعد معكم والله لو سمح لي الرئيس أن أسحقكم واحداً واحداً وأرميكم الى إيران وأنهيكم لفعلت». ونقل عن «عضو مجلس قيادة الثورة» طارق عزيز قوله لوفد كردي «لكم في كركوك حق وحيد هو حق البكاء عليها».

 

وتحدث الرئيس العراقي عن علاقاته يوم كان في المعارضة بكل من آية الله الخميني والرئيس حافظ الأسد ومصير الأسلحة التي كانت تأتي عبر طهران. وسألته «الحياة» إن كان يعرف القائد الفلسطيني الدكتور وديع حداد، مهندس خطف الطائرات، فرد معترفاً: «كنت أعمل معه أيضاً».

 

وروى أنه أقام في السبعينات في حي الأشرفية في شرق بيروت في غرفة قدمها له أحد أعضاء الحزب الشيوعي. واضاف ان شكوكاً راودت شبان حزب الكتائب في الحي حول هوية الغريب فأرسلوا في طلبه ووجد نفسه أمام بشير الجميل قائد «القوات اللبنانية» آنذاك ورئيس الجمهورية لاحقاً. وقال ان الجميل كان ودوداً ورحب به وعرض عليه الحماية.

 

وأكد طالباني انه لا يشعر بالخيبة لأن دولة كردستان العراق لم تقم وأنه اعتقد دائماً أن الحل هو قيام عراق ديموقراطي تعددي فيديرالي مستقل. وهنا نص الحلقة الثانية والأخيرة من الحوار:

 

} متى كانت آخر مرة التقيت فيها صدام حسين؟

 

- سنة 1991 أو 1992.

 

} وبعدها لم يحصل أي لقاء؟

 

- لا، ووجه لي رسالة قبل حرب العراق بأيام فيها تهديد ووعيد، وأنا رددت عليه برسالة مماثلة، لكن من دون تهديد، نصحته ان يستقيل من الحكم وان يسلم الحكم الى حكومة موقتة في البلاد وان يجنب العراق أهوال الحرب ويجنب حزبه وأهله وعائلته المصير المعلوم.

 

} كم مرة رأيته بعد تحرير الكويت؟

 

- مرات عدة بعد حرب تحرير الكويت. ثلاث مرات تقريباً.

 

} كيف كانت اللقاءات؟

 

- كان اللقاء ودياً في المرحلة الأولى، كان يشعر بالضعف، قليلاً قليلاً شعروا بالاطمئنان والأمان فتبدلوا.

 

} ماذا كنت تبحث معه؟

 

- المسائل الاساسية، الديموقراطية في العراق وحقوق الانسان والحقوق الكردية. في البداية قبلوا وقال نعم نقبل ونبحث هذه المسائل، وعندما تعزز موقفهم وانتهت المخاطر عليهم، قالوا: أي ديموقراطية، هذه فكرة بورجوازية ونحن اشتراكيون كيف نبحث هذه المسائل البورجوازية.

 

} من هم؟

 

- رئيس الوفد عزة الدوري وطارق عزيز. وحقوق الانسان قالوا إنها مهزلة، الغرب خلق هذه الفكرة كذريعة ضد المعسكر الاشتراكي، أما الحقوق الكردية فنحن كنا مستعدين لكل شيء وللكثير من المسائل، يعني مثلاً بالنسبة الى كركوك كانوا مستعدين الى مسائل كنا راضين فيها. بعد ذلك قالوا نحن نعطيكم حكماً ذاتياً وهذا الموجود، انظروا أي بلد يعطيكم ذلك، ايران أم سورية؟ وبالنسبة الى كركوك، طارق عزيز قال: لكم حق واحد ان تبكوا عندما تمرون بكركوك كما تشاؤون بحرقة بصياح وبحرارة، وأنا قلت له: كثر الله خيرك يا أبو زياد والله أنت رجل كريم، قال: هل تمزح؟ قلت: لا والله 15 مليون شيعي محرومون من حق البكاء في عاشوراء فأنت على الأقل تعطينا حق البكاء.

 

} هل كانت المفاوضات مع عزة الدوري؟

 

- أحياناً مع عزة الدوري وأحياناً مع طارق عزيز، وأحياناً مع حسين كامل وكان اشرسهم بالكلام حسين كامل.

 

} كيف كان اسلوب حسين كامل؟

 

- كان اسلوباً شرساً ونزقاً. مرة لم أكن معهم كان يقول للوفد الكردي انا لا أعرف كيف أقعد معكم والله لو سمح لي الرئيس ان اسحقكم واحداً واحداً وارميكم الى ايران وانهيكم لفعلت.

 

} كان مفاوضاً لبقاً؟

 

- في هذا الاجتماع أهان الكل. الوفد الكردي كلف سامي عبدالرحمن ان يرد، سامي رد بطريقة مؤدبة، وقال له: جرحتنا وهذه ليست لغة حليف الخ، الباقون لم يقتنعوا فخرجوا وكان راكباً في السيارة وفيق السامرائي وهو مدير الاستخبارات العسكرية، حاول السامرائي تطييب الخواطر، وقال لهم هذا شاب، لا تزعلوا هذه هي طبيعة كلامه ولكنه لا يقصد شيئاً، أحدهم قال انه قد أهانكم وأهاننا. هذا كان عريف بالجيش والآن هو فريق اول عليكم وهذه إهانة لكم ولنا، وكل فضله انه متزوج بنت الرئيس. بعدها استدعي وفيق وقيل له ان هذا الكلام غير مؤدب وسألوه لماذا لم ترد عليه. يعني يبدو انهم كانوا قد وضعوا آلة تسجيل في سيارة رئيس الاستخبارات العسكرية، والسامرائي أزيح من المسؤولية.

 

} أزيح لهذا السبب؟

 

- نعم.

 

} في أي لقاء سئل صدام عن البارزانيين وقال انهم ذهبوا الى الجحيم؟

 

- لا قال ذلك علانية، ذات يوم قال لي لم يأت مسعود، فقلت أنت تعرف البارزانيين ومشكلتهم، ولكن بعدها قال وأذيع التسجيل في المحكمة. سئل أين 8 آلاف بارزاني اعتقلوا، فأجاب: ارسلناهم الى جهنم وبئس المصير.

 

ماذا بشأن عزة الدوري؟ الآن هو قائد المقاومة وحزب البعث أليس غريباً ان يستطيع التخفي ويتولى القيادة؟

 

- يتخفى، أم يسكن بلداناً عربية.

 

} هل طلبتموه من السوريين؟

 

- لا، هو في اليمن.

 

} هل كان في سورية وذهب؟

 

- نعم كان في سورية، ويقال إنه ذهب الى الخليج ومنه الى اليمن وهذه معلومات الاستخبارات العراقية.

 

} هل هناك فشل في ايجاد قواسم مشتركة بين المجموعات العراقية بين السنة والشيعة والأكراد؟

 

- نعم.

 

} ألا يخيفك هذا على المدى الطويل على وحدة العراق؟

 

- هذا أحد أسباب تذكر بعض الإخوة العرب السنة أنه لم يتحقق التوازن والتوافق المطلوب في القضايا الاساسية ولم تتحقق المشاركة الحقيقية. هذه المسألة يجب ان تتحقق في العراق وإلا لن يتحقق الوئام المطلوب بين المكونات الثلاثة للمجتمع العراقي العرب السنة والعرب الشيعة والأكراد.

 

} المعارضة اللبنانية تطالب بشيء اسمه الثلث المعطل، أي ان يكون لديها ثلث المقاعد في الحكومة بحيث انها تستطيع ان تضع «فيتو» على اي قرار لا يعجبها، هل السنة العرب يريدون مثل هذا الحق؟

 

- لا إنهم يريدون اتفاقاً بأن تكون هناك قرارات يوافق عليها التحالف الكردستاني والتوافق العراقي والائتلاف العراقي. وتقريباً الشعور بنوع من الفيتو، ولكن بشكل مهذب.

 

} متى تعرفت إلى الرئيس حافظ الأسد؟

 

سنة 1967 كان وزيراً للدفاع، عندما أتينا من ندوة الاشتراكيين العرب في الجزائر وحصل عدوان على مصر وسورية، أتينا براً والوفد العراقي. استقبلنا الاخوان السوريون ومنهم الرئيس حافظ الأسد ولكن لم نتعارف. أما المرة الثانية للتعارف فكانت في عام 1970 عندما كان هو رئيساً للوزراء. كنت ماراً من العراق إلى بيروت عبر سورية في أبو الشامات، وهي نقطة التفتيش والجوازات، فأوقفوني وقالوا: انك ممنوع من دخول سورية. وانزلوا حقيبتي من السيارة التي كنت فيها، فبقيت في الصحراء كي انتظر سيارة لأعود إلى بغداد. في هذه الأثناء مرت سيارة للمقاومة الفلسطينية وكان فيها طبيب يعرفني نزل وسلّم عليّ وسألني عن حالي. قال: أنا ذاهب إلى دمشق هل تريد خدمة؟ فقلت نعم، وطلبت منه أن يوصل لي رسالة الى رئيس وزراء سورية، فكتبت رسالتي قلت له: «أنا فلان على الحدود وأريد أن أمر عبر سورية الى بيروت وقد منعوني من الدخول بتهمة قديمة، وأنا أعتقد أن الظروف تبدلت، فأرجو من سيادتكم أن تأمروا بالسماح لي بالمرور إلى بيروت».

 

} ما هي التهمة القديمة؟

 

- نحن كنا بالجبل وسورية كانت تتعاون مع الحكومة العراقية ضدنا. مرت فترة وأنا هناك، وإذ برئيس المخفر يسأل: «استاذ جلال استاذ جلال»، فقلت والله انفرجت، فقلت نعم، قال انه جاء أمر من رئيس الوزراء بالسماح لك بدخول البلد، وسيرسلون لك سيارة بعد قليل.

 

} كم من الوقت بقيت على الحدود؟

 

- ساعات عدة. وطبعاً لم أقعد، ولكن تمشيت على الحدود، وأرسل لي سيارة مرسيدس أخذتني الى فندق «سميراميس» المشهور، وقالوا انت ضيف رئيس الوزراء ويريد أن يراك. استقبلني وتعارفنا وصرنا أصدقاء منذ ذلك الوقت.

 

} يعني رأيته عشرات المرات؟

 

- إن لم يكن أكثر.

 

} ومتى كان آخر لقاء؟

 

- قبل وفاته بفترة قصيرة، وخلال فترة وجودي في سورية كان كريماً وكان دائماً يقدر دوري في المعارضة العراقية. وهناك نكتة بيني وبينه وأبو جمال (عبدالحليم خدام) حيث في يوم من الأيام اتصل بي أبو جمال، وقال تعال اشرب قهوة، فذهبت فقال ان الرئيس يقول ان ندعك تتولى أمر توحيد المعارضة العراقية لأن لديك علاقة جيدة بين جميع الأطراف، فقلت: جيد، سأقوم بالعمل شرط أن تعطيني اثنين من البعثيين عاقلين ولا يخربان الأمر، فقال: قل لا تريد أن تعمل، تساءلت: لماذا؟ فقال: لأنكم انتم لا تملكون اثنين عاقلين.

 

} هل كان يقدم لك دعماً؟

 

- نعم، كان يقدم لنا دعماً مادياً وتسليحياً وتدريبياً وكل شيء. وأنا اريد أن أروي لك قصة تعجبك. بعد انتصار الثورة الإيرانية ارسل لنا طائرة محملة بالأسلحة إلى طهران، فاستدعوني وذهبت إلى هناك. الأخ الذي جاء بالأسلحة كان على علاقة وثيقة مع الدكتور صادق من المجموعة الحاكمة وبموافقة من الإمام الخميني أيضاً على الموضوع. سئلت كيف ستوصل الأسلحة، فقلت: نحن نضع قائمة ونسجل كل الأرقام وإذا وقع سلاح بيد الأكراد في إيران نحن مسؤولون. كانوا لا يريدون أن يعطونا، ولكن بحضور الأخ السوري لم يكونوا يريدون أن يزعلوه فأعطونا كمية، أعطونا تقريباً حوالي 200 قطعة سلاح. أنا كنت خارجاً من هناك إلى دمشق ومنها ذهبنا الى ليبيا. في هذه الأثناء وقعت الحرب العراقية - الإيرانية. استبشرت خيراً وقلت سيعطوننا كل أسلحتنا وزيادة، باعتبار أننا نقاتل ضد الحكومة العراقية. رجعت إلى هناك وكان وزير الدفاع الدكتور مصطفى شمران. استقبلني بحماسة وحرارة وقبّلني، وقال لي: مشكلة الأسلحة قد حللتها لك. فقلت له ألف شكر. أنا فهمت من كلمة حللتها لك أن الأسلحة جاهزة وسآخذها معي إلى العراق، فقلت له كيف ننقلها؟ قال: لا لقد حللتها لك. فسألته كيف؟ قال وزعتها على الباسدران. وأضاف ماذا ستفعلون بالأسلحة، أنت لا تريد بيعها؟ فقلت: لا والله. وقال: ألم تكن تريد أن تعطيها الى البيشمركة، فأجبت: نعم، قال: قسم منهم يقاتلون بها والقسم الآخر يقتلون ويصبحون شهداء. فقلت: نعم، فقال: لقد خلصتك من كل هذه المشكلة ووزعت الأسلحة على الباسدران، وهم يقومون بالقتال ضد الحكومة العراقية.

 

} كيف تختصر شخصية حافظ الأسد؟

 

- في تقديري، كانت شخصية رجل دولة، وشخصية قائد سياسي متمكن وواثق من نفسه وبعيد النظر ويفهم المسائل بذكاء. سأروي لك قصة عن كيفية فهمه للأمور لها علاقة بالقتال بين العراق والأكراد واتفاقية آذار (مارس) 1975 بين صدام والشاه وهي اتفاقية الجزائر.

 

وزير الخارجية الأميركي قام بهذه العملية من أجل أن يتفرغ الحكم العراقي للثورة الكردية، وكي يزيدوا الضغط على سورية وتضطر للمساومة مع خطة كيسنجر. مرة كنت في زيارة الرئيس الأسد وقال لي جاءني كيسنجر وقال هل تعرف ان هناك مفاوضات بين العراق وإيران وسيتم الاتفاق بينهما؟ فقلت نعم، هذا خبر سار أشكرك عليه، فقال لي: كيف تقول ذلك؟ فقلت: غداً تفرغ العراق من الحرب الكردية سأذهب الى بغداد وأجلب الجيش العراقي وسأضعه معي في الجولان. اصفر وجه كيسنجر وقال: هل هذا ممكن؟ فقلت: لماذا غير ممكن، نحن ننتمي الى حزب البعث. لاحظ هنا ذكاء حافظ الأسد، لقد فهم قصد كيسنجر أنه يريد أن يضغط عليه وبسرعة رد بجواب بليغ.

 

} في هذه المرحلة هل قدم العقيد القذافي لكم الدعم؟

 

نعم، العقيد القذافي دعمنا كثيراً بالمال والسلاح وكل شيء وأيضاً ارسل لنا سلاحاً ولكن اخواننا الباسدران أخذوه.

 

} هل كان دعم القذافي انطلاقاً من عدائه لصدام حسين أم لقناعته أن الأكراد أصحاب قضية محقة؟

 

- لا، بل لأن عنده قناعة أن الأكراد مظلومون، ولديه موقف ينفرد به تجاه الأكراد. وموقفه أن هناك أمة كردستانية شقيقة للأمة العربية وحل مشكلة هذه الأمة يكون بتحريرها وتوحيدها واستقلالها، وأن تكون صديقة للعرب والترك، وهذا هو الحل لهذه القضية. وهو يقوله في كل مكان، وقالها في مؤتمرات، وقالها لرئيس الوزاء التركي وقالها لهاشمي رفسنجاني، فهو رجل مقتنع بهذا الشيء وهو يتعاطف مع الأكراد ولديه عداء لصدام حسين. هذان الشيئان وراء دعمه للأكراد.

 

} متى رأيت القذافي آخر مرة؟

 

- عام 1980.

 

} هل هناك اتصال حالياً؟

 

- لا.

 

} هل ربطتك علاقة مع الإمام الخميني؟

 

- نعم لقد كانت علاقتنا مع الإمام الخميني عندما كان في النجف الأشرف. كنا على علاقة مع المعارضة الإيرانية. آنذاك في الستينات كانت هناك فئتان نشيطتان للمعارضة العراقية، فئة تسمى المنظمة الثورية لحزب تودة الشيوعي في الخارج، وفئة ثانية هي اتحاد الطلبة الايرانيين في الخارج، أحد مندوبي اتحاد الطلبة جاء الى العراق للاتصال بالإمام الخميني. وأخبرنا ان هناك شخصية تدعى آية الله ال وانه ضد الشاه ويجب ان تساندوه. اتصلنا بابنه السيد مصطفى، وقلنا له نحن مستعدون ان نخدم الإمام. عندما انتقلنا للقتال في الجبال ايضاً كتبنا له وقلنا له: ماذا تأمر نحن موجودون على الحدود الإيرانية ومستعدون لما تأمره، وعندما ذهب الى باريس أرسلنا له الدكتور فؤاد معصوم وعادل سفيرنا في بوخارست ذهبا واتصلا به وأكدا له الاستعداد لمقاتلة النظام الإيراني ان اراد، وقلنا له ان قوات البيشمركة تحت تصرفك.

 

} التقيتموه قبل عودته؟

 

- نعم، قال لا، أنا اشكركم، وكان له طلب واحد هو أن نقيم له اتصالاً مع آية الله حسين منتظري، وهو كان مبعداً الى مدينة كردية إيرانية، قمنا بذلك، ثم عندما رجع الى ايران زرناه في البداية، وفد من قبلي، ثم زرته في مدينة قم. كانت علاقتنا جيدة مع الإمام الخميني.

 

} عندما تتذكر مرحلة بيروت من كان صديقك الأقرب في لبنان؟

 

- أنا كنت اشتغل مع «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين»، وهم كانوا يحمونني، ومن بين القوى الأخرى كان الاستاذ محسن ابراهيم صديق قريب والاستاذ نايف حواتمة وكمال بك جنبلاط. وفي فترة من الفترات عندما اشتد النفوذ العراقي هربت من المنطقة المسلمة الى المنطقة المسيحية فأخذت شقة قرب مقر حزب الكتائب.

 

} أين؟

 

- في بيروت اعتقد كانت في الاشرفية. فالشقة كانت لشخص شيوعي وأنا علاقتي جيدة كانت ضمن الحزب الشيوعي، شخص شيوعي اعطانا شقته وكانت شقته غرفة واحدة فذهبت الى هناك وبعد فترة انتبه شبان الكتائب وأرادوا ان يعرفوا من هذا الغريب الذي جاء لينام هنا. استدعوني الى مقر الحزب، فأخبرتهم أنا فلان ابن فلان وجئت. بشير الجميل كان موجوداً في العمارة، ناداني ورحب بي كثيراً. وقال لي لم نكن نعرف من تكون، وألف أهلاً بك.

 

} متى كان ذلك؟

 

- في السبعينات. فقال نحن نرحب بك ونعرف وضعكم. وسألني ان كنت أريد تسهيلات او حماية، فقلت له اذا حميتموني هنا في المنطقة أنا اشكركم، فاذا احتجت إلى أي شيء سأراجعك. بقيت هناك الى ان رجعت مرة اخرى الى القاهرة.

 

} هل كانت لك علاقة مع جورج حاوي، الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني آنذاك؟

 

- طبعاً، كنت اعرفه ولكن ليست كالعلاقة مع محسن ابراهيم.

 

} ألم تعد ترى محسن ابراهيم؟

 

- بعد انهيار الثورة الكردية رأيته مرة اخرى عام 1975.

 

سأروي لك نكتة عن محسن ابراهيم. كنا عائدين من ندوة الاشتراكيين العرب في الجزائر عام 1967، كنت جالساً مع الشهيد عبدالخالق محجوب في الطائرة. الشهيد عبدالخالق سألني وقال لي جلال هل تعرف انه يوجد أكراد في السودان، فقلت لا والله، فقال: نعم هناك اكراد وعائلات كردية، وعندما كنا طلاباً كنا اعضاء في ناد اسمه نادي القلم وكان هناك شباب أكراد وواحد منهم شاعر، وهناك شاعر عربي سوداني وكل واحد يهجو الآخر، كان غالباً الشاعر الكردي ينتصر عليه إلا مرة كان هذا الشاعر السوداني العربي عمل شعر هجاء (...) الكرد والتتر، فقلت له حتى أنت يا بروتوس فقال يا جلال هذا ما حصل. فقلت لا الماركسية تقول إن كل فكر له أساس مادي لازم ان يكون في قلبك شيء، فلماذا تروي هذا فقال يا جلال انت تعرف مشاعري الكردية. تدخل محسن الذي كان يجلس قبالتنا وقال: يا استاذ جلال انت مغشم نفسك انتم الكرد مصيركم إما الإبادة او الابادة على ايدي العرب تريدونها قومياً نحن حاضرون، تريدونها أممية شيوعية نحن حاضرون أيضاً.

 

} كم عمرك الآن سيادة الرئيس؟

 

- أنا من مواليد 1933، وفي هذا الصيف سيصبح عمري 74 سنة.

 

} جلال طالباني مناضل سياسي ورئيس حزب ورئيس العراق. ماذا تريد ايضاً سيادة الرئيس؟

 

- أريد أن ارتاح قليلاً وأكتب مذكراتي. وفي الحقيقة أريد ان لا أترشح مرة أخرى لرئاسة الجمهورية.

 

} متى تنتهي ولايتك؟

 

- بعد 3 سنوات، وأتفرغ لكتابة مذكراتي وارتاح قليلاً.

 

} فقط هذا ما تريده؟

 

- وهل هذا قليل بعد هذا العمر الطويل، فأنا من الصف السادس الابتدائي اشتغل بالسياسة، اي من سنة 1947. مضى من الوقت 60 سنة وأنا في السياسة والجبال والاحزاب والمنافي ألا يكفي هذا؟ بقي من عمري ثلاث أو اربع سنوات أريد ان اقضيها بهدوء وأن أنام مرتاحاً.

 

} دعنا نتكلم بصراحة ما هي المتعة التي توفرها السلطة؟

 

- السلطة لا متعة فيها، والله السلطة فيها متاعب. ولكن هناك بعض الناس، أعتقد من ضعاف النفوس من يعتقد انه بواسطة المركز يكبر ويتباهى وهي كلها متاعب. وأنا أعتقد ان قيمة الانسان ليست بالمنصب، قيمة الانسان بمكونات نفسه وكفاحه وقدراته السياسية والفكرية، هذا سبب، السبب الآخر ان بعض الناس تستفيد مادياً من الحكم، وهذا ليس بقليل. أنا عندما توليت رئاسة الجمهورية كان هناك قرار بمنع الرقابة المالية من أن تأتي إلى الرئاسة. اصدرت أمراً أن الرقابة المالية تأتي وتمر وأول من تمر على حساباته هو جلال طالباني رئيس الجمهورية.

 

} هل حلمت يوماً أن تصبح رئيس العراق أم رئيس اقليم كردستان؟

 

- لا والله، بل كنت أتمنى، ولكل انسان أمنية في حياته، تمنيت وأنا شاب أن أكون استاذاً جامعياً، أن أكون بروفيسوراً، وأكون بين الشباب والشابات وفي أي مكان كان، ولكن مع الأسف لم يتم ذلك. لاحظ أن الحياة أخذتني الى اتجاه آخر. مثلاً أنا كنت في الفرع العلمي في الثانوية ولم أذهب الى الفرع الأدبي وتمنيت أن أكون طبيباً. تقدمت الى كلية الطب، وكان عدد المتخرجين قليلاً، ولكن لم يكن لدي حسن السلوك وكان هذا شرطاً من شروط الأمن العام ولم يقبلوني في الكلية.

 

} حسن سلوك بأي معنى؟

 

- بالمعنى السياسي، ومن دائرة الأمن العام. وأنا اشتغل بالسياسة. اعتقالاتي بدأت من الصف الرابع الثانوي. أول ما نفيت عام 1950 نفيت إلى مدينة الموصل، وكانت لأمور سياسية، فقد كنت عضواً في الحزب الديموقراطي الكردستاني. أما أن أكون رئيس دولة في العراق، فهذا حلم لم يمر في ذهني.

 

} هل تفضل أن يتذكرك الناس كزعيم كردي ام زعيم عراقي؟

 

- كزعيم عراقي. أنا دوري انتقل وأريد أن أقول لك شيئاً، أنا منذ دخولي السياسة كنت أؤمن بشعارات الأخوة العربية - الكردية والكفاح الكردي - العربي المشترك، وبأن القضية الكردية لا تحل إلا بكنف القومية العربية التقدمية. وإذا قرأت كتاباتي في السبعينات مثلاً مقدمة كتابي «كردستان والحركة التحررية» عام 1970، أنا دائماً كنت أؤمن بذلك، وكانت نزعتي العراقية متزاوجة وممتزجة مع نزعتي الكردية. كنت كردياً عراقياً في الحقيقة. قبل الحرب عقد المؤتمر العربي - الكردستاني، قررنا أننا نحن عراقيون وكرد. أي عراقيين، وأن مهمتنا الأساسية تحرير العراق وإقامة انتخابات. نظام ديموقراطي فيديرالي تعددي مستقل، وعندما انخرطنا في هذه المهمات وبعد ذلك مهمات المعارضة العراقية ومن دون مبالغة، نحن كنا القاسم المشترك في المعارضة العراقية، وكنا على علاقة جيدة مع جميع الأطراف، وكنا نوحد جميع أطراف المعارضة العراقية، وكنا نوحد بينهم ولذلك أصبحنا، شئنا أم ابينا، جزءاً من العراق. أنا من فترة طويلة اشعر بعراقيتي، وبعدما أصبحت رئيس جمهورية العراق، هذه العراقية أصبحت أكثر وضوحاً.

 

} يعني انت لم تشعر بالفشل أو بالنقص لأنك لم تستطع أن تعلن قيام جمهورية كردستان؟

 

- أنا لم أكن اعتقد أن قيام جمهورية كردستان ممكن. لذلك لم أشعر بخيبة الأمل. دراستي لتاريخ الكرد ولواقع الكرد ولواقع الشرق الأوسط وللحقائق الذاتية والموضوعية والسياسة الدولية والاقليمية، أوصلتني الى نتيجة أن قيام دولة كردستان غير ممكن، فلماذا اشعر بالأسف على شيء غير ممكن؟ كنت أحلم بعراق ديموقراطي تعددي فيديرالي مستقل، وهذا ما تحقق. والشعب الكردي يتمتع ضمن هذا العراق الديموقراطي بفيديرالية واسعة. أنت تلاحظ أن كردستان منطقة مزدهرة ومتطورة ومتقدمة بشكل يحسدنا الآخرون عليه. عندما جاء وزير خارجية ايطاليا ماسيمو داليما الى العراق وأنا كنت في السليمانية، زارني وأقام في المدينة. ذهب الى السوق، وقال هذا بلد آخر. جاء صحافيون مصريون وقال أحدهم عندما كنت أتجول في مدينة السليمانية كنت اعتقد أنني أعيش في بلد أوروبي يتكلم اللغة الكردية. وأريد أن اقول لك مثلاً في عهد صدام حسين كان عندنا جامعة واحدة، واليوم عندنا خمس جامعات في كردستان العراق واثنتان قيد الانشاء بما فيها الجامعة الأميركية. هذا فقط من الناحية العلمية والثقافية. من الناحية الصحية لدينا أجهزة حديثة، أطباؤنا لا يعرفون استعمالها، لذلك فإننا نجلب بعثات من الخارج حتى يتعلموا استعمالها. كما ترى لدينا نمو اقتصادي في القطاع الخاص. في مدينة السليمانية كان عدد أصحاب الملايين قبل سقوط صدام حسين 12 شخصاً، أما اليوم فهم أكثر من ألف شخص. وهذا فقط في السليمانية، أما في أربيل ربما اكثر من هذا، وفي كردستان هناك تطور في القطاع الخاص، وهذا يعني تطور الثروة أيضاً. اعتقد أن هذا ما يخدم الشعب الكردي. عراق ديموقراطي متحرر متقدم ضمن حكم فيديرالي للشعب الكردي، فهذا الذي يخدم الشعب الكردي أكثر من غيره من الوسائل.

 

} أريد أن اسألك سؤالاً قد تستغربه، هل كنت تعرف القائد الفلسطيني وديع حداد؟

 

- كنت أعمل معه أيضاً.

 

} وهل ذهبت في مهمة إلى أوروبا؟

 

- نعم، ارسلت مرتين إلى أوروبا. وأقول لك إن الله أنقذني مرتين من الموت المحقق (...).

 

} هذا في «المجال الخارجي» لـ «الجبهة الشعبية»؟

 

- نعم بالمجال الخارجي، أما في المجال الداخلي أنا كنت أعمل بمجلة «الهدف». وكان فيها غسان كنفاني، وهو لم يسمع نصيحتي. كان يفتح رسائله بيده وأنا كنت أقول له ان هذا غلط، نحن عندنا كابينة في أسفل البناء. دعنا نشتري جهازاً وأي رسالة تأتي نمررها عليه ونعرف من خلاله هل بها اي شيء أو لا، فلماذا تفتحها أنت. وأحياناً يكون بغرفته يفتح الرسائل فأغادر واقول له أنا لا أريد ان انتحر مثلك، ولم يسمع الي. وفعلاً مرة فتح رسالة وحدث ما حدث. لم يكن يستمع الي. أبسط امور الحماية كان لا يعرفها. كان يقود سيارته بنفسه فأقول له: يا استاذ غسان لماذا لا تجلب سائقاً يقود سيارتك فكان يقول انها بورجوازية، وأقول له انها ليست بورجوازية، بورجوازية مقابل من؟ هل هي مقابل اسرائيل؟

 

Link to comment
Share on other sites

×
×
  • Create New...