Jump to content
Baghdadee بغدادي

نحن بخير .. ما زال لساننا يقرقع!


Recommended Posts

الدكتورة وفاء سلطان Dr. Wafaa Sultan

نحن بخير .. ما زال لساننا يقرقع!

 

 

 

لقد تجوّف الرأس ولم يعد بداخله سوى لسانه، يقرقع في فراغه، مفتخراً بصوته، جاهلاً حجم جوفه!

 

عام 1976 خرج الرئيس جمال عبد الناصر إلى الشعب العربي معلناً: قامت الطائرات العربية بدك مطار تل أبيب في عمق إسرائيل.. صدّق الشعب رئيسه ليكتشف بعد ستة أيام فقط أن الطائرات الإسرائيلية قد دمرت الجبهتين المصرية والسورية وأن ما أعلنه السيد الرئيس لم يكن بمجمله سوى قرقعة لسان!

 

في أواخر الثمانينات، كانت سورية ترزح تحت نظام اقتصادي منهار والشعب برمته على حافة مجاعة. لم تكن حصة العائلة السورية من المؤن في الشهر تتجاوز علبتين من السردين، لتر من زيت المازولا، 2 كيلوغرام من السكر، 2 كيلوغرام من الأرز.

في ذلك الحين تم افتتاح الجناح السوري في معرض دمشق الدولي تحت شعار، ((سوريا سلة خبز العالم)) !!

لم تخرج شعاراتنا يوماً عن كونها قرقعة لسان!

 

في أوائل التسعينات -كنت حديثة العهد في أمريكا- التقيت في بيت أحد الأصدقاء بالسيد إنعام الجندي. قدموه لي على أنه "مفكر عربي كبير"!

لم يمض إلا زمن قصير حتى فهمت مقاييس "التفكير" لدى جاليتنا العربية.. جاء هذا المفكر الكبير إلى أمريكا محملاً بالوعود لاستقطاب أكبر عدد ممكن من المهللين والمصفقين من عرب المهجر للسيادة الصدامية.

أحدث وجود هذا المفكر بوعوده البراقة في الجالية العربية شرخاً كبيراً. كل مستقطب جديد يحاول أن يتمسك برداء المفكر ويشده إلى طرفه أملاً بحصة الأسد من عطاياه!

لن أدخل في دقائق حياة هذا الرجل، فحديث الجالية عن ماضيه وارتباطاته يكفي لتسليط الضوء على خلفيات كراهيته لهذا البلد الذي أكرمه وآواه ولازال يطعمه..

كان أول ما قرأت لهذا "المفكر" مقالة صغيرة نشرتها إحدى الصحف المهجرية على صفحتها الأولى تحت عنوان كبير، "سأصفق لأمريكا بالحذاء"!

ألهب العنوان مشاعر الكثيرين من عرب المهجر: مازال هناك مفكر عربي يستطيع ان يصفق لأمريكا بالحذاء وهو يعيش في عقر دارها!!

صفقت أمريكا لصدام وذيوله بالحذاء، ومازال "مفكرنا الكبير" يتسكع في شوارعها باحثاً عن حذاء يستر به عقله الحافي.

هذا هو الفكر العربي.. لا يخرج عن كونه قرقعة لسان!!

 

زار المناضل الأردني الإسلامي ليث شبيلات لوس أنجلوس منذ عدة سنوات، والتقى بأبناء الجالية العربية ليخطب فيهم: نحن جاهزون الآن لقيادة العالم!..

تمنيت لو ارتقى أحد من الحضور بمستوى تفكيره إلى حد السؤال: تحدث لنا يا سيدي "الليث" عن ماهية هذه الجاهزية. هل هي جاهزية عسكرية، اقتصادية، سياسية، أخلاقية، ام مجرد قرقعة لسان؟!..

سفير إحدى الدول العربية وبمناسبة عيد استقلال بلاده، التقى بعرب المهجر وخطب فيهم قائلاً: أنا فخور بكم.. أنتم نجومنا المتلألئة في سماء الغربة.

يا سيدي السفير، لم يكن هدفنا يوماً أن نصبح نجوماً في سماء الغربة. كنا نحلم أن نكون مواطنين عاديين.. جداً عاديين، نأكل ونشرب ونعيش تحت سماء الوطن بكرامة.. بكرامة.. بكراااااامة يا سعادة السفير. ولكن جشعكم وقلة أدبكم وأخلاقكم وانهيار قيمكم ومثلكم وأعرافكم، والبلايين التي تدفنونها في بنوك الغرب وتحت الأرض، طاردتنا وشردتنا في أصقاع الغربة!

أن أكون الثاني في قريتي-يا سعادة السفير- خير لي من أكون الأول في أمريكا!!

أنا لست فخورة لأنك فخور بي، ولا أعتبر كلامك سوى قرقعة لسان!

 

التقيت مؤخراً بمهندس عربي ودخلت معه في نقاش حاد حول الأزمة في العراق، وإذ بي أفاجأ بقوله: يا سيدتي، صدام حسين رجل عبقري لو أتيح له أن يقودنا لوصل بنا إلى بر الأمان، أنا زرت العراق وملم تماماً بقدراته العسكرية والقتالية، صدام حسين يشتري الدبابة من روسيا أو كوريا أو الصين ويصهرها في معامله ليصنع منها دبابتين. وشهقت: يا إلهي.. مع من أتحاور؟!! .. صارت حواراتنا قرقعة لسان!!

 

مؤخراً، قام رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري بزيارة إلى الكويت .. غطت الزيارة صحيفة كويتية بقولها: كان الاستقبال حافلاً وقد بدد الغيوم المتراكمة في سماء العلاقات بين البلدين إلى الحد الذي تحولت عنده المحادثات بين المسؤولين إلى سوالف.

متى لم تكن محادثات المسؤولين العرب سوالفاً؟.. ومتى لم تكن سوالفهم قرقعة لسان؟!!

 

وصلني من الصديق القارئ الأستاذ جميل يعقوب هدية ثمينة وهي عبارة عن كتاب بعنوان (يوم انحدر الجمل من السقيفة) للكاتب والمفكر السوري نبيل فياض.

تعرُّفي على نبيل من خلال هذا الكتاب أثار لدي أملاً جديداً في زمن القرقعة.. ما زال هناك عربي يفكر!!

الكتاب عبارة عن رد من الكاتب على الاتهامات المغرضة التي أشاعها بحقه الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي، الأستاذ في كلية الشريعة بجامعة دمشق وعميدها الأسبق، خطيب جامع دنكز الدمشقي، وصاحب المؤلفات العديدة التي يمكن ان تعبر عن فكر طائفة السنة وعقائدها (على حد تعبير المؤلف).

لن آتي على ما جاء في الكتاب، ولكني سأنقل حرفياً المقطع الأخير منه والذي يلخص الكاتب من خلاله كل ما يريد قوله:

 

"وأما بالنسبة للألفاظ الجارحة التي يستخدمها العلامة نقول: تذكر المصادر الإسلامية المعتمدة من سيادة الشيخ أن معاوية بن أبي سفيان أحرق، عن طريق عامله معاوية بن خديج، محمد بن أبي بكر بعد قتله وإلقائه في جيفة حمار، وحتى هذه المسألة عادية بالنسبة لمعاوية وممارساته، لكن غير العادي أن تقوم أم حبيبة بنت أبي سفيان، أخت معاوية، وزوجة النبي (يعني من أمهات المؤمنين) بشي كبش وإرساله إلى أم المؤمنين الأخرى عائشة بنت أبي بكر، أخت محمد القتيل، تشفياً بقتل محمد. الأغرب من كل ذلك أن تقول أم المؤمنين عائشة (رضي الله عنها) لأم المؤمنين حبيبة (محبة التشفي): ((قاتل الله ابنة العاهرة، والله لا أكلت شواء بعده أبداً))!.. فإذا كانت هذه أخلاق وممارسات اللواتي يعتبرهن البوطي أمثولة، لا عجب إذاً أن يستخدم الشيخ ألفاظاً قد تثير اشمئزاز آخرين تربوا على أمثولات مختلفة - مختلفة بالكامل!!!

 

أمام هدير آلة الحرب الأمريكية خمدت قليلاً القرقعة العربية. اتصلت بأختي أطمئن عليها في تلك الظروف العصيبة فردت: انتظري يا وفاء، ستكون بغداد مقبرة للأمريكان!..

- وكيف عرفت يا أختاه؟!..

- ألا تستمعين إلى الصحّاف؟!..

أغلقت السماعة وأنا أبكي!.. لم أكن أبكي على الأمريكان، بل على أختي والصحاف!.

صار محمد سعيد الصحاف وزير إعلام العراق خلال تلك الحرب القصيرة الأمد نجماً تلفزيونياً عشقته ربات البيوت وبقبق الرجال مياه نراجيلهم في المقاهي العربية على أنغام قرقعاته .

كان يطل بين الحين والآخر على شاشات التلفزيون: هؤلاء الأمريكان أوغاد.. أولاد حرام.. طراطير.. عكاريت.. قوادين.. علوج.. ليس لهم أثر في المطار.. سحقناهم سحقا.. هم محاصرون في أم القصر والناصرية وسينتحرون على جدار بغداد.. رامسفيلد كلب مجرم وبلير الإيـ.. لا يستحق أن يكون حذاء .

بهذه اللغة كان الصحاف يمثلنا عالمياً!!

 

سأل صحفي أمريكي مسؤولاً سعودياً عن سـر نجومية الصحاف بالرغم من ان تصريحاته عن الانتصارات العراقية لا تمت إلى الواقع بصلة. أجاب: كي تسيطر على الإنسان العربي يجب ان تجيد العزف على الوتر الشاعري في عقله، ولقد أجاد الصحاف هذه المهمة بمهارة! ويتابع الخبير السعودي قوله: الإنسان في الشارع العربي لا يجيد أصول الحديث أو فن الحوار، ولا يهمه من اللغة إلا شاعريتها حتى ولو كانت شتائماً، وبالتالي هو لا يتقن التمييز بين الوهم والحقيقة!!

ما دامت أم المؤمنين تخاطب أماً أخرى للمؤمنين بلغة الشتائم وتظل أماً للمؤمنين، سيظل الصحاف -وهو أحد هؤلاء المؤمنين- يمثلنا بنفس اللغة!

 

يقول القاص الأمريكي جان غاردنر: من المستحيل أن نكتب أفضل مما نقرأ!..

ماذا يقرأ العرب؟!

يقرأون تراثاً لم يدخل عليه جديد منذ خمسة عشر قرناً!

 

يقول تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2002 إن مجموع الكتب التي ترجمت إلى العربية خلال 12 قرناً من الزمن يكاد يوازي ما تترجم إسبانيا -أقل دول أوربا تقدماً- في خلال عام واحد.

ترعبني تلك الإحصائية!!

كيف يستطيع الصحاف أن يخاطب العالم بلغة أفضل من اللغة التي يقرأها في كتب التراث؟!

كي نبني مستقبلاً جديداً، نحتاج إلى ماض جديد، إلى لغة جديدة، إلى مفاهيم جديدة، إلى كتب جديدة، إلى قواميس جديدة على الصحاف أن يقرأ فيها تعريفاً جديداً لكلمة " قواد"، تعريفاً يقول: القواد هو الرجل المسؤول الذي يدفن بلايين الدولارات تحت الأرض بينما رعيته تموت من الجوع! .. القواد هو الرجل الذي يتغوّط في مرحاض مصنوع من الذهب الخالص بينما الأطفال في رعيته يموتون معتلين من شرب المياه الملوثة!

 

بعد سقوط نظام صدام حسين بقليل، قام مئات الألوف من الحجاج الشيعة برحلة طويلة وشاقة سيراً على الأقدام من بغداد إلى كربلاء، للاحتفال بذكرى عاشوراء، بعد عقود من الزمن لم يسمح لهم صدام خلالها بممارسة تلك الطقوس.. عندما راقبت الحدث على شاشات التلفزيون وفي الجرائد العربية والعالمية، دخلت في حالة صدمة، ورحت أبحث بلا هوادة عن الذات العربية داخل تلك الجموع، فلم أر سوى إنساناً أنهكه الإدمان الديني.

نساء يلطمن وجوههن ويضربن على صدورهن، ورجال يجلدون ظهورهم بالسياط المعدنية ويشقون فروة رؤوسهم وجلدة صدورهم بالسيوف والسكاكين .

مشهد إرهابي لم أره في حياتي. هل هذا الشعب قادر على أن يحكم نفسه بنفسه؟!! هل هو قادر على تغيير حاضره وإعادة النظر في ماضيه والتوجه نحو مستقبله؟ .. أشك في ذلك!

سقط هؤلاء البشر ضحية حقبة تاريخية مظلمة، وظلوا رهائن ذلك الظلام. ظلوا سجناء التركيبة الفكرية والعقائدية والنفسية لتلك الحقبة.

بالنسبة لهم، توقف عقرب الزمن عن سيره، وصاروا أنفسهم خارج حدود الزمن .

لم يذكر التاريخ أن سجيناً قد كسر جدران سجنه من داخله. على عابر سبيل حر أن يفعل ذلك!!

قرأت كثيراً عن علماء عراقيين خبراء في الأسلحة الجرثومية والكيميائية والنووية، لكنني لم أقرأ عن عالم عربي واحد خبير في مرض الجنون الجماعي وطرق علاجه!

دخل الإنسان العربي حالة من القمه العقلي والدنف الفكري. حالة تشكل خطراً - ليس عليه وحسب- بل على العالم بأسره!

 

العالم اليوم قرية صغيرة.. ومجنون يتجول في أحد أزقتها يهدد أمن وسلامة تلك القرية بأكملها.

في قانون الطب يحق للطبيب أن يصدر أمراً بالحجر القسري للمريض عندما تشكل حالته العقلية خطراً على سلامته وسلامة مجتمعه. وعلى المجتمع الدولي أن يتبنى قانوناً بحجر شعباً بكامله عندما تشكل حالته العقلية خطراً على سلامته وسلامة مجتمعه الدولي.

 

في محاولة لتجسيد خطورة الإيمان الديني قال كارل ماركس: الدين أفيون الشعوب.

كارل ماركس لم يعط الموضوع حقه، فالإدمان الديني أشد خطورة بكثير من إدمان الأفيون!

أعطني شعباً مدمناً على الأفيون أعطيك الأمل بعلاجه، ولكن عندما يتحول الله نفسه إلى جرعة أفيون، فآنذاك تصبح محاولة العلاج ضرباً من الجنون!

مدمن الأفيون يدرك في أعماق نفسه أن ما يفعله هو الخطأ بعينه، ولكن الأمر بالنسبة له خرج من يده، ولم يعد قادراً على أن يسيطر على إدمانه. بينما مدمن الدين مقتنع في أعماق نفسه بأن ما يفعله هو الصحيح بعينيه ولا يقبل آية محاولة لتحريره من إدمانه!

الطفل الذي يراقب أمه وهي تلطم وجهها، وتضرب صدرها، أو يرى والده وهو يجلد ظهره ويشق فروة رأسه وجلدة صدره، لأن الحسين قتل منذ أربعة عشرة قرناً نتيجة لصراع سياسي وقبلي وعشائري.. لا والديه ولا أنا، ولا أحد يدري أسبابه، ولن ندريها حتى ندري أسباب الصراع بين حزب البعث في العراق وشقيقه في سورية .

هذا الطفل الذي يشهد عنفاً لا يعرف أسبابه، هل سيخرج إلى الحياة رجلاً أرحم من صدام حسين وأقل بطشاً منه؟!!

 

في زمن المقصلة الفرنسية كانوا يغطون وجه الرجل الذي يقوم بمهمة إسقاط شفرة المقصلة على رقبة المحكوم. لماذا كانوا يفعلون ذلك؟ .. كي لا يحولوا ذلك الرجل إلى سفاك دماء!!

صدام حسين لم يأتينا من جزر الكناري ولم تلده أمه في غابات الكونغو كينشاسا. ولدته أمه في العراق، جده يزيد وخاله الحجاج بن يوسف الثقفي.

كادت المرأة أن تلد أخاها، ومن شابه أباه ما ظلم!!!

كان هارون الرشيد يأكل كل لقمة بملعقة مختلفة من الذهب الخالص تقدمها له جارية مختلفة، لكنه كان يشمر دشداشته ويقضي حاجته في العراء، وما زلنا نفتخر بهذا المجد..!

ما الذي فعله صدام حسين؟! طوّر نفسه وصار يتغوّط داخل قصره.. امتد ذهبه ليشمل ملعقته ومرحاضه! لماذا نحاسب صدام قبل أن نحاسب الرشيد؟ هل قطف صدام رؤوساً أكثر عدداً من الرؤوس التي قطفها الحجاج.. قبل ان نتساءل "من صنع صدام" علينا أن نجيب على سؤال من صنع الحجاج!!.. الحاكم العربي اليوم ليس أفضل من سلفه ولن يكون خلفه أفضل منه! .. طالما نزرع نفس البزرة في نفس التربة لن نحصد من الشوك ثمراً !

أمريكا لم تصنع صدام حسين. بغداد هي التي صنعته! .. الحاكم العربي سلعة وطنية أنتجتها معاملنا وحقولنا وعقولنا وعقائدنا وطرق تربيتنا وعاداتنا وتقاليدنا، لا نستطيع ان نصنع رجلاً إلا خلال السنوات الأولى من عمره.

خلال تلك السنوات، يقع الطفل العربي ضحية تربية قمعية إرهابية منافية لأخلاق وعلوم العصر!

 

يدخل أحمد الصغير بيته فرحاً: أماه.. تلك هي بطاقتي المدرسية.. حصلت على تقدير جيد في كل المواد. وتقفز أم أحمد من مكانها: وعلي، علي أبن الجيران؟!

يرد أحمد: ثلاث جيدات وثلاث وسطات!

تمسك أم أحمد بطاقة أبنها وتهرع إلى بيت الجيران!

رسالتها التربوية إلى أبنها تقول: لا يهمني تفوقك بقدر ما يهمني فشل علي تلك هي قيمنا التربوية. لا يعنينا من ربحنا سوى خسارة الغير، ولا يعني هذا الغير من خسارته سوى ربحنا.

ألا عاشت أمة ترى في أم أحمد مثالاً حياً تتخذه لتربية أجيالها!

 

سئل مؤخراً وزير لبناني: هل تحررتم من الطائفية بعد الحرب الأهلية؟ أجاب: نعم، ودخلنا في عصر المذهبية!!

 

لا ينتابني أدنى شك بأن الخلاف بين عدي وقصي صدام حسين أكثر عمقاً من الخلاف بين شيعة الجنوب والسنة في بغداد، أو بين العرب والأكراد في الشمال. لم يعد خلافنا فقط على أساس طائفي أو مذهبي أو عرفي. صار على الصعيد الشخصي. لم يعد أحد فينا يقبل أحداً. صارت عين اليمين عند الإنسان تصارع عينه اليسار. تجزأ الجزء وصار الشل أشلاء!!!

 

كنا نقرأ ونحن أطفال في كتب التراث مفتخرين بعراقتنا في الإنصاف والعدالة وحب الإسلام، كنا نقرأ قول أبي ذر الغفاري: أعجب من رجل ينام جائعاً ولا يخرج على الناس شاهراً سيفه!

لماذا يخرج على الناس شاهراً سيفه؟.. لماذا لا يخرج إلى الحقل حاملاً فأسه!!

إن الأمة التي تعلم أبناءها أن يأكلوا بحد السيف ستموت جوعاً!

لا يمكن.. لا يمكن.. لا يمكن أن ينتصر السيف قبل ان ينتصر الفأس، وحبة القمح كي تطعمك، تتوقع منك أن تشق لها الأرض لا أن تشق رؤوس البشر!

 

يقول نابليون بونابرت: الجندي الجائع لا ينتصر !

كانت طائرات الهليكوبتر تحلق فوق الجيوش الأمريكية المتقدمة على مشارف بغداد في مواقيت غاية في الدقة لترمي لهم الوجبات الطعامية الساخنة والمتضمنة كافة القيم الغذائية بالإضافة إلى الماء والملعقة والشوكة والمحارم الورقية المعقمة. بينما كان فدائيو صدام يقتحمون بيوت الناس علهم إذا صادفهم الحظ يعثرون على كأس من الشاي أو جرعة ماء!

 

لقد تجوّف الرأس العربي ولم يعد بداخله سوى لسانه يقرقع في فراغه، مفتخراً بصوته، جاهلاً حجم جوفه. ويبقى السؤال: هل سينجح الأمريكان حيث فشلنا؟..

 

هل سينجحون في زرع دماغ داخل الرأس العربي وربط هذا الدماغ بلسانه؟ .. لست متفائلة، رغم أنني على يقين بأنهم سيكونون وفي أسوأ الأحوال أفضل من أفضل حاكم عربي!.

Link to comment
Share on other sites

Guest red line

الموت العراقي وخرس الأدباء العرب

GMT 4:00:00 2006 الخميس 12 يناير

الرياض السعودية

 

 

 

--------------------------------------------------------------------------------

 

 

فاطمة المحسن

 

 

هل نحن شعب ملعون؟، هذا ما يسأله العراقيون هذه الأيام، فدفقات الموت المندفعة مثل تسونامي إلى شواطئهم، لاتحرك ساكنا ولا تثير ضميرا أدبيا ولا تدرج في برامج دعاة السلام أو حملة الأقلام من العرب وسواهم.

 

التعاطي مع الحالة العراقية دائما يخضع إلى الاستبدال، فهي قضية يرى الأدباء العرب أنفسهم وشعوبهم من خلالها، وما يكتب عنها، وما أكثره، هو حالة من حالات الاستبدال، فهي أقرب إلى غلالة رقيقة تحجب القائل عن قوله الأصلي. هي تورية، مجاز، استعارة، وليست حقيقة مشهودة. ولعل وقائعها اليومية من تلك التي لاتروى وتقال ويعاد إنتاجها فنيا أو تستدعي اللقاءات الثقافية والمؤتمرات. هي لفرط وضوحها تكاد تصبح مجرد رهان، رهان على فهم مصطلحات مثل الحداثة وما بعدها او السلفية وما قبلها أو الاختلاف بين الكولونيالية والإمبريالية.

 

تجريد القضية من مرآها العيني، من ملمس الدم الذي تغص به، مؤشر ثقافي إلى حقبة تاريخية في حياة العرب والعالم أجمع. انها افتراق بين ما يسمى في المصطلح الأدبي «المسكوت عنه» وما يطلق عليه الفضيحة المدوية. فليس بمقدورنا التخمين، كم عدد الأدباء العرب الذين يوحي كلامهم وكأن الشماتة هي التي تحركه حين يكتبون عن العراق.بالطبع هم براء من هذه الخصلة، فحججهم فيها بعض وجاهة، فالكثير من العراقيين قبلوا حكومة «عميلة» وذهبوا أفواجا للاقتراع تحت حراب الاحتلال.

 

وقف هيثم منّاع رئيس لجنة الدفاع عن حقوق الصحافيين والكتاب العرب، عشية الانتخابات العراقية الأولى وتكلم بثلاث لغات : الفرنسية والعربية والانكليزية، ودعا العراقيين إلى رفض هذه الممارسة المشينة، فهي لاتليق بهم. ولو قيض لي أن أسأل منّاع الذي التقيته ببغداد عند ذهابي اليها : هل تود لشعبك ممارسة الانتخابات تحت حراب الاحتلال؟ لأجابني بالقطع لا، فهو أعرف بشعاب بلده مني، ولكن يتوجب علي أن أساله اولا وهو ينشغل بممارسة سياسية لامهمة إنسانية، لماذا لم تستأهل التفجيرات التي تحصل ببغداد وغيرها، وفي أشد المناطق فقرا وابتعادا عن السياسة، تصريحات منك؟. هنا عليّ أن اعلن سبب انتقائي لرجل دمث ومؤدب ورقيق مثل هيثم منّاع، فقد سبق ان اعلنت غيرتي من تيسير علوني، فكل الصحافيين العراقيين الذين قتلوا واختطفوا وذبحوا، لم يحركوا مراجل الحماس التي تغلي في تصريحات المنّاع عند الدفاع عن بطل التورا بورا تيسير علوني.

نحن إذن أمام مفاضلة بين مصطلح ممل مثل «المسكوت عنه» ومصطلح آخر أقل تداولا وهو الفضيحة، فالدفاع عن العراقيين هو فضيحة غير مشرّفة ماداموا من غير ضحايا الغريب المحتل، أما ان كانوا ضحايا سواه من العرب او العراقيين، ففي الأمر وجاهة وتفهم.

 

والحق ان الأمور لاتقتصر على فعل تضامن، قدر ما تشكل إعلانا عن ثقافة كاملة، ثقافة تكمن المفخخات تحت جلدها، وتتخفى الكراهية تحت أظافرها. فالذين يدعمون الارهاب في العراق لحجج مختلفة، بينها الحجة الطائفية والقومية، ليسوا قلة قليلة في بلداننا العربية، ومن يقل غير ذلك جد واهم. ففي السواحل العربية المسالمة، وهي أقرب إلى بلدات سياحية وإستثمارية وموالية للغرب، تجمع ملايين الدولارات لتتدفق إلى العراق مؤيدة العمليات الارهابية وممولة للعنف من كل نوع. لعل قائلا يقول ان هذه ترضية تمنع الشر عن تلك البلدان، وهذا ما يحصل بالفعل، فلم تشهد تلك الأقاليم التي هي مراكز البترول والاستثمار الغربي والسياحة بكل ضروبها، لم تشهد أية حوادث إرهابية تثير الاهتمام. ولكن ألا تسترعي كلمة «الترضية» ذاتها الانتباه.، فالعرب يكرهون أميركا بالفطرة، وكل اتفاقياتهم معها مجرد بروتكولات لا تمت بصلة إلى عواطفهم، لاسباب مفهومة ومبررة، ولكن هل يحق للعراقي الاعتقاد أن العرب يمارسون معه ما تمارسه أميركا ذاتها، أي أنها تبعد الارهاب عن أرضها بتشجيع الارهاب في بلده؟.

 

هناك همس كثير في الثقافة العربية حول موت العراقيين، فهو سلعة للتلفزيونات والفضائيات العربية، مع ان درجة إهتمام تلك الفضائيات بالانتحاري الذي يفجر نفسه في العراق لاتشبه درجة الاهتمام به في بلد غيره، فالارهابيون في العراق كثر إلى درجة أضحت عملياتهم الانتحارية مضجرة للمشاهد الذي تختلط مشاعره بين فرح من هزيمة الأميركان في العراق بسبب تلك العمليات، ومتألم من تلك الساعات التي تذكره بهذا الموت المجاني.

 

لا أحد من العرب يود مقارنة بلده بالعراق أو ربطه بمشاكله، وعندما يجد العراقي بعض تشابه جدير بالشرح، يهبّ العربي مذعورا، مثل من يقترب من فرس جرباء. نحن أمام نظام جديد في القيم يجربه العرب على أرض العراق، وهو وجه من أوجه ثقافة تتشكل بين ظهرانينا، هي ثقافة التعصب التي تتلبس صيغة الحب، فما ان يعّرف العراقي بنفسه في اي شارع عربي، حتى يهرع الناس بكلمات المحبة التي تخجله، ولكن سرعان ما يكتشف ان محدثه لايريد سوى العراقي الذي يشتهي، العراقي القضية التي تخصه هو. لقد جرّب الشباب بعمر الورود الذين قدموا العراق هذه المحبة، فهم يتجولون بالأحزمة الناسفة بين الذين ينتقونهم من العراقيين، ليعانقوا معهم الموت. أطفال وشيوخ ونساء وعمال فقراء يحق عليهم الاعدام لانهم ليسوا الذين يشاءهم العربي على صورته. ألا يصلح نظام القيم الجديد هذا، أن تنتبه اليه مؤتمرات الثقافة والفكر العربي؟. تلك قضية أخرى لاتعني الكثير في بلد سيئ الحظ مثل العراق، ولكن ستعني العرب يوما، وهذا ما ينتظره العراقيون على أحرّ من الجمر، فالعنف الذي سينتقل مثل الثعبان من الكثبان العراقية إلى البلدان العربية، هو الوسيلة الوحيدة لتغيير نظام القيم، بل الضمير الثقافي العربي.

 

وعندما يفكر العراقي مثلما أفكر أنا في هذه اللحظة وعلى هذا النحو، فسيكون لنظام القيم هذا حكاية أخرى، هي أكبر من أمنيات شريرة او طيبة، بل إدراك لخطورة ان تطغى الرغبة على العقل، وتصبح الرذائل طبائع عنصرية، تغيب بين طيات اللاوعي، ولا تسترعي اهتمام الثقافة العربية، لأنها جزء منها.

Link to comment
Share on other sites

Guest red line

الحلقة العراقية الغامضة في المواجهة الإقليمية

GMT 10:15:00 2006 الجمعة 20 يناير

السفير اللبنانية

 

 

 

--------------------------------------------------------------------------------

 

 

جوزف سماحة

 

 

لا تخفي الولايات المتحدة رغبتها في تجريد "حزب الله" من السلاح في لبنان، وفي تغيير السياسة (أو النظام) في سوريا، وفي منع تطوير البرنامج النووي الإيراني وصولاً إلى تهديد الحكم في طهران. هذه سياسات معلنة وتندرج كلها في الاستراتيجية الأميركية التي عدّلها ونقّحها جورج بوش.

وعلى خلاف ما جرى بعد احتلال أفغانستان تبدو واشنطن مهتمة وناجحة في بناء تحالفات، وفي استخدام مجلس الأمن، وفي تحييد قوى إقليمية أو، على الأقل، تعطيل قدرتها على المبادرة، لا بل في استمالتها أحياناً إلى دعم واحد من هذه الأهداف ولو على حساب التمايز في آخر.

لقد بنت الولايات المتحدة ترسانة قرارات في ما يخص <<حزب الله>> وسوريا، وهي تمهد لقرارات دولية ضد إيران. تفعل واشنطن ما تفعله في ظل التلويح الدائم بأنها قد <<تضطر>> إلى الانفراد إذا لم يكن <<الحلفاء>> على مستوى المهمات.

ليس سراً، في المقابل، ان الأطراف الإقليمية المشار إليها متحالفة وتبدو، حتى الآن، متضامنة. ويلاحظ البعض أن توافقها الاستراتيجي بات يترجم نفسه في خطوات تكتيكية تسمح بالقول إن أياً منها لن يقبل بأن يتم استفراد جهة وأخذها وحدها. ويمكن القول إننا أمام جبهة غير منظمة تماماً تضم، في من تضم، القوى الراديكالية الفلسطينية، وإنها تسعى إلى سياسات متناغمة تعترض على استتباب الهيمنة والاحتلال الأميركيين والإسرائيليين.

تتبع هذه القوى سياسات تجمع بين البراغماتية والتصلب ولو أدى ذلك في السلوكيات المباشرة إلى تعارضات. إلا أن الرهان الجامع بينها هو أن الولايات المتحدة الأميركية لا تملك الأدوات المقنعة لتنفيذ مطالبها وبرنامجها حيالها. لذا لا مبالغة في القول إننا أمام مواجهة مرشحة لأن تطول، ولأن تبرد وتسخن، إلا إذا حصلت مفاجآت غير محسوبة.

تصارع الولايات المتحدة على سوريا وعلى إيران. أما في ما يخص لبنان فإن الصراع يدور فيه وعليه. ومع ذلك يجدر القول أن بيضة القبان في هذه المنازلة الدائرة في المدى الإقليمي هي... العراق.

إن العراق هو نقطة القوة ونقطة الضعف للمعسكر الاقليمي كما للمعسكر الدولي.

الواضح أن ثمة تباينات في المقاربات والتحالفات لكل من سوريا وإيران في الداخل العراقي. وثمة إحراجات جدية تلحق ب<<حزب الله>> نتيجة توجهات عراقية معينة تقدم ذخيرة ثمينة لمساجلين لبنانيين ضد <<الحزب>> وخاصة أنهم مساجلون لا يرتدعون، عند الاستخدام، أمام أي ذرائعية أو انتهازية.

ويمكن القول، لمزيد من الدقة، إن علامة الاستفهام الكبرى هي

المزاج الشيعي العراقي في حال ازدادت حماوة الصراع بين المعسكرين. الجواب عليها يحدد ما إذا كانت الحلقة العراقية نقطة ضعف أو قوة لدى هذا المحور أو ذاك.

ليس سراً أننا نشهد صراعاً جدياً على <<روح الشيعية العراقية>>. وهو يدور بين قوتين التقتا عند إسقاط النظام ثم انفصلتا بعد ذلك نتيجة الانفصال الفعلي بين أجندتيهما. لقد كان الرهان الأميركي كبيراً على شيعة العراق. واتضح ذلك في خطوات وإجراءات اتخذت خلال بداية الحرب وعلى امتداد سنتين لاحقتين. لا بل يحتمل الوضع الإشارة إلى أنه لولا هذا الرهان، أي لولا توقع سلوك كردي من الشيعة، لفكرت الإدارة الأميركية كثيراً قبل الإقدام على المغامرة. وفي البال كتابات كثيرة وأبحاث كثيرة وتقديرات كثيرة حول مفاعيل الدومينو التي ستجعل كل كراهية لنظام صدام رصيداً لصالح أميركا يمكن توظيفه عند إيران وغيرها.

لم ينجح الرهان الأميركي تماماً لأسباب عراقية بحتة، وشيعية تحديداً. إلا أن الدخول الإيراني على الخط عزز التعثر الأميركي بحيث بدا أن شيعة العراق باتوا في موقع الرابح من الاحتلال والمستفيد منه من غير أن يقودهم ذلك إلى نوع من القطع مع إيران كان مرغوباً أميركياً. إيران، بهذا المعنى، هي الرابح الثاني.

أدخلت واشنطن، مدعومة من دول عربية، تحولات على سياستها العراقية باتجاه الإيحاء ببعض التوازن. إلا أن هذه التحولات ما زالت مضبوطة خشية استفزاز حلفاء الأمس في ظل الاستعداد الإيراني لاستقبالهم ونقلهم من موقع الحياد بين الاحتلال والجار إلى موقع الانتصار للجار ضد أي عدوان عليه.

إن ما نشهده في هذه البيئة العراقية هو واحدة من أدق <<اللعبات>> السياسية في العالم وأكثرها تعقيداً وإثارة. إنها لعبة مفتوحة جداً وقابلة لاحتمالات عديدة. وقد يكون الاصطفاف إلى جانب المحور الإقليمي ضد المحور الدولي أحد هذه الاحتمالات.

لا أحد يعرف ما إذا كانت إيران محمود أحمدي نجاد قد اطمأنت كفاية إلى وضعها العراقي حين أقدمت على رفع الوتيرة في علاقتها مع الغربيين. إذا كان هذا صحيحاً أمكن القول إن ثمة قابلية جدية جداً لإلحاق هزيمة مدوية بالمشروع الأميركي في طوره الراهن من دون أن يعني ذلك توفر القوى اللازمة والبرنامج الضروري لتحويل هذه الهزيمة إلى مشروع مقنع.

عندما يزور محمود أحمدي نجاد سوريا تتجه أنظار إلى لبنان. الأحرى بها أن تتجه نحو العراق.

Link to comment
Share on other sites

Join the conversation

You can post now and register later. If you have an account, sign in now to post with your account.

Guest
Reply to this topic...

×   Pasted as rich text.   Paste as plain text instead

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   Your previous content has been restored.   Clear editor

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.

Loading...
×
×
  • Create New...