Jump to content
Baghdadee بغدادي

abusadiq

Members
  • Posts

    405
  • Joined

  • Last visited

Posts posted by abusadiq

  1.  

    دفاعا عن حريتي وحرية تعبيري وسذاجتي ضد سعدي يوسف -

     

    نبيل ياسين

     

    (صوت العراق) - 31-01-2008

     

     

    لمن يريد تقييم هذا المقال اقول انه يستحق الصفر فارجو ان لايكلف نفسه عناء التقييم الكيدي الذي يمارسه بعض من وظيفته تسقيط كل ماهو مهم وجاد وتسفيهه بتقييمات سرية فيما الكاتب وافكاره يعيشان في العلن.

    كتب سعدي يوسف مقالا بعنوان المثقف التابع ومثقف الاحتلال ثم القى باسمي بدون مناسبة فيه قائلا: ان نبيل ياسين قال في بيت الشعراء في نيويورك بكل براءة ان ليس هناك رقابة في العراق. اريد ان القي نفسي في خضم بحر الرمل الذي يخوض فيه العراقيون وخاصة ادباؤهم وشعراؤهم وكتابهم بمساعدة الانترنيت الذي كان نعمة لكل الشعوب ونقمة علينا كما هو معتاد في كل اختراع انساني جديد.

    لايهمني ماقاله سعدي عن الرقابة فهو غير مهم. ولكن ان ياتي باسمي ضمن مقالة بعنوان المثقف التابع ومثقف الاحتلال فانه كمن يوحي للقارئ باني من جملة مثقفي السلطة والاحتلال فهذا ما اود ان ان اجعل سعدي يدفع ثمنه فهو يعرف تماما اني لست مثقفا تابعا وان مابيني وبين الاحتلال من بعد مثل مابين سعدي وحب الوطن , فلو كان يتحدث عن موضوع الثقافة والرقابة لكن له الحق في ان يناقش ما قلت سواء اورده على حقيقته او شوهه بعد ان سمع به ولم يسمعه, ولكن ان يكيد لي ويوشي على طريقته الخبيثة فاني معني بقول ما ساقول حتى لو استشهدت بما هو شخصي كما سيعتقد البعض لان التاريخ لديهم هو تعمية وتضليل وليس حوادث ووقائع, والمواقف لديهم هي عموميات لا اسماء لها ولا احداث ولا تواريخبينما تاريخ الادل العربي كله حكايات شخصية عن مواقف وسلوك الادباء وتمسكهم بباب السلطان كما هو سعدي.

    يقصد سعدي انني قلت( بكل سذاجة ) ان ليس هناك رقابة في العراق . قلت ذلك حسب ماكتب ( ولا الوم الصديق الطيب الذي يرسل لي مايكتب عني رغم انني لا اود قراءة اي شئ سواء كان مديحا او تقديحا واحب ان ابقى ارتع في جهلي فهو نعيم لايتمتع به سوى الجهلة والسذج امثالي الذين يختارون العزلة والابتعاد عن سوق الهرج العراقي وسوق الصفافير الذي تضيع فيه الضرطة وسوق الغزل الذي لايسلم من تفخيخات الارهاب الفكري والديني السلفي وفخاخ النظام المنهار الذي فقد اقبية الامن والمخابرات وتوجه الى الاسواق والشوارع ويحن اليه بعض الشعراء ).

    لن استشهد بعلي الوردي وانا احاول قراءة النموذج الاجتماعي الجديد للعراقيين, فعلي الوردي مات. ونستطيع ان نستدل على تاريخ موته من هجوم مرتزقة اعتادوا تدمير المفكر في حياته ونعته بالبرجوازي الصغير, فاذا مات هجموا عليه وراحوا يمعنون نبشا بترابه, وقد تم ذلك بعد سقوط الاتحاد السوفياتي في مطلع التسعينات وتوجه هؤلاء المرتزقة الى دول الخليج والى الولايات المتحدة الامريكية ليستشهدوا بعلي الوردي كونه ادان الشخصية العراقية فبرروا ارتزاقهم وتقلبهم بافكار علي الوردي الذي اتعب نفسه جدا واجتهادا ليستولوا على افكاره مالا وتمويلا. اقول ذلك لاني استخدم الوردي للحكم على هؤلاء ايضا.

    لم يكن سعدي موجودا في بيت الشعراء في نيويورك حين قرات شعرا واجبت على اسئلة الحاضرين. والسبب انني عراقي. ولو كنت عربيا ومحررا في صفحة ادبية لشعرالشاعر العراقي بالدونية تجاهه وحضر شعره واشاد به وكتب عنه. وكنت اجبت على سؤال لعراقي اشاد بمقاومة الشعراء ومنهم الجواهري للاستعمار البريطاني ثم سالني عن حجم التخريب الثقافي الذي احدثه الاحتلال الامبريالي للعراق. فقلت دعنا نتعرف على حجم التخريب الثقافي الذي احدثه حزب البعث ونظام صدام طوال اربعين عاما والذي مهد للاحتلال, ثم نتحدث عن التخريب الثقافي الذي احدثه الاحتلال طوال اربع سنوات, وذكرت ان هناك فوضى في حرية التعبير سببها الغاء الرقابة وانا ضد الرقابة ولكن علينا الاعتراف بوجود حرية تعبير سائبة.

    لم اكفر وانا مؤمن بكل سذاجة او وعي بماقلت.وما ازال مؤمنا بان صدام خرب الثقافة العراقية ومهد بهذا التخريب لتخريب الاحتلال الذي واصل الاعتماد على تلك الثقافة وان صدام قد اعدم الثقافة العراقية في مقبرة جماعية واذا كان سعدي يعتقد انه رمز لتلك الثقافة غير المخربة من قبل صدام فهذا شانه وعليه ان يتحمل تبعة اعتقاده ولعل شتمه المتواصل للعراقيين ونعتهم بانهم ياكلون من مزبلة اللجوء امتداد لثقافة النظام المنهار غير المخربة.

    لكني اريد ان استغل هفوة سعدي تجاهي لانتقم من ضياع حرية تعبيري على مدى عقود ساهم في هذا الضياع شعراء وكتاب منهم سعدي يدعون البحث عن الحرية وهم كمموا افواهنا سواء في تحالفهم في اتحاد الادباء وسفرياتهم المشتركة الى الدول الاشتراكية, او في عيشهم في اليمن الجنوبي وهم ينعمون بالامتيازات الرسمية السلطوية من الجواز الى الراتب الى الشهرة وجلسات القادة , او في عيشهم في كنف الراحل ياسر عرفات(الذي استشهد سعدي بهتافه (ياجبل ماتهزك ريح ) , وعرفات مهما اختلفت عليه فقد كان جبلا ولكن من يستشهد به ليس سوى كومة اوراق مالية تهزها اية ريح خفيفة) ورواتبهم الجارية وتزلفهم لمن يدفع هذه الرواتب حتى اختصروا امة وتاريخا ودما ومقابر وحروبا بشخص او قصيدة في تبجح لا رائحة للشعور بالعيب منه, فقد كان سعدي يقول عن درويش حين كان يمنحه راتبا ان درويش فلسطين وان فلسطين تتعكز على درويش, ولا اعرف الان ماذا حدث , فحتى الذين توسطهم سعدي لكي يعجل درويش بالدفع لا اود ان اسالهم الان , او في التبعية لشخص امي وجاهل يعمل مع عرفات ويصدر مجلة في يوغسلافيا ويقبض من النظام العراقي ويوزع رواتب على العراقيين الذين يعملون معه ومنهم سعديالذي كان نديما لدلوماسيي النظام في بلغراد وهم يعرفون لون الدم العراقي اليابس على الاوراق النقدية.وبالمناسبة كلهم الان ينوحون على صدام بحجة المقاومة ومقارعة الامبريالية والاحتلال , هذه الحجة التي اصبحت تدر اموالا وسمعة وسفرا ودعوات واحتضانا من انظمة ومخابراتواعادة طبع كتب وجوائز ملفقة وحقدا على حريات الشعوب وعمالة لمافيا الارهاب والقتل على الهوية.

    اعتقد انني لا انتقم من شخص معين, وانما من نموذج لم يتسن للمرحوم علي الوردي التعرف عليه في المنفى او في العراق الصدامي , لان الوردي كان قد صمت واثر العزلة الفردية في زمن الانحطاط الفكري والثقافي في عهد صدام سواء في الداخل او الخارج.

    لا انتقم من شخص يعتقد انه يضحي من اجل ان يظل في الصف الشعري الاول فاثر ان يدعم العنف السلفي والتكفيري والصدامي الذي يقتل شعبنا العراقي, مقلدا مقاومة درويش ايام زمان حين كان يقاوم الاحتلال الاسرائيلي , ليكون شاعر المقاومة في امة مخصية ماتزال تنشد:

    اذا بلغ الفطام لنا صبي تخر له الجبابر صاغرينا

    وقد انتهى زمن المقاومة حين قاوم الجزائريون والتونسيون والفلسطينيون والعراقيون بفقر ودم وتضحيات وليس باموال وفضائيات وصفحات ادبية بيد عصابات المقاومة اللفظية فيما المقاومون الحقيقيون يدفعون دمهم وحياتهم وماتبقى لهم من تحفيات رخيصة وذكريات حزينة ورسائل لم تعد ياتي بها بريد في زمن الايميل والموبايل.

    لنر بعض الوقائع التي تكشف عن (عدم تبعية) سعدي وشجاعته السياسية والثقافية وموقفه من الحقيقة :

     

    بعد غزو الكويت وفي خريف العام 90 اجرى الروائي التونسي حسن بن عثمان حوارا طويلا مع سعدي يوسف . في هذا الحوار قال سعدي يوسف : لو بقي صدام وحيدا فسأكون اول من يقف معه .

    عوتب على ذلك من طرف المرحوم جميل حتمل وذلك اليوم شن سعدى حملة ضد جميل وصار يسميه الابرص , وفي مهرجان اللومانتيه تشاجر سعدي مع حتمل الذي كان يزور جناح طريق الشعب . شتم سعدي حتمل فرد عليه " على كل حال انا معارض سوري احب العراق واكره صدام وليس مثلك اشبع حميد سعيد قبلا في تونس واصير ظلا له . فرد عليه سعدي : وما دخلك انت هو عراقي وانا عراقي .وحينما عاتبه احد الكتاب العراقيين في فرنسا بعد ان وصلته المجلة التونسية قال له سعدي : لقد كنت خائفا في تونس فالتوانسة يحبون صدام . ٍ

    من هو هذا المثقف التابع الخائف الذي لاموقف ولامبدأ له ياسعدي في اهم قضية من القضايا المبدأية للعراق؟

    لنر واقعة اخرى تكشف عن التزام وتضحيات المثقف غير التابع سعدي يوسف:

     

    :بعد وصول سعدي لباريس اتصل ادونيس بجبار ياسين وطلب منه مساعدة سعدي يوسف . كان ذلك يوم احد في نهاية شهر كانون اول من عام 90. وكان عبد اللطيف اللعبي ممن تولى المساعدة ايضا .فقد تكفل بتوفير الشقة التي وجدها له في حي اوبرفيلليه بباريس وذلك بمساعدة محافظ الدائرة، جاك رالد ، وهو ٍوزير شيوعي سابق ومثقف . حصل سعدي على الشقة وتكفل جبار بتوفير المنحة عن طريق البلدية . كان مبلغ المنحة 80 الف فرنك، على دفعتين، كل دفعة 40 الف فرنك وهو مبلغ مهم بمقاييس تلك السنوات . اتصل سعدي يوما بجبار وهو يطلب وساطته من اجل الحصول على الدفعة الثانية سريعا لأنه محتاج . اتصل جبار بمدير مركز الادب الفرنسي وشرح له حاجة سعدي للمبلغ بسبب ظروف عائلية فدفعت له . وبعد ثلاثة ايام اعلن عن فوز سعدي بجائزة العويس ومقدارها مائة الف دولار, ويبدو انه استعجل الامر لعلمه المسبق بنيلة الجائزة وخوفا من عدم دفع الفرنسيين له في حالة معرفتهم ...

    بعد الجائزة التقى جبار بسعدي واقترح عليه ان يتبرع بربع الجائزة لللاجئين العراقيين في رفحاء . قال له جبار :هكذا تزكي الجائزة وتزيل منها صيغة الرشوة بعد هذه الحرب التي دمرت العراق والتي كان للأمارات دور فيها . كعادته وافق وردد : أي ، أي عندك حق . بعدها بيومين اتصل اديب سوري ليخبر جبار ان سعدي طار الى دمشق . بعد اشهر اكتشف جبار ان سعدي اجر الشقة لنصف عاهرة برتغالية. كانت فضيحة لم ينسها الوزير الفرنسي الذي سائت علاقته باللعبي وجبار . اللعبي شعر بالجرح يومها وحزن كثيرا فقد ساءت علاقته نسبيا مع الوزير بسبب انعدام الثقة .

    اي التزام وطني واية مواقف (نبيلة)تلك التي يكشف عنه ذلك المثقف غير التابع والذي يكره الامبريالية الفرنسية والذي سنراه بعد قليل كيف يكره الامبريالية الامريكية والامبريالية البريطانية.

     

    ليلة نهاية حرب الخليج في يوم السبت المصادف 29 شباط عقد لقاء كبير في معهد العالم العربي بحضور نخبة كبيرة ومهمة من مثقفي فرنسا والعالم العربي .قبل اللقاء اجتمع عدد من الكتاب العراقيين وتناقشوا في خطوط عامة لمشاركة سعدي في اللقاء بجانب ادباء كبار من فرنسا . لادانة الحرب،و ادانة بوش ،و الدعوة لأنقاذ الشعب العراقي من نظام صدام ... الخ .

    كانت اخبار قصف القوات العراقية المنسحبة من الكويت تغطي حدث الاستسلام وترسم معالم طريق الموت الشهير.

    في اللقاء تحدث سعدي ، كعادته دون ان ينظر للجمهور جمع ماتبقى من صوت له وقال : اطالب بدخول القوات الامريكية لبغداد وحينئذ سأعود الى بلدي.

    كانت فضيحة للكتاب العراقيين . خرج بعدها سعدي على غفلة من الجميع واختفى عن الانظار ولم يرد على الهاتف ايمانا منه بالشجاعة التي يتحلى بها لمواجهة المواقف ذلك المثقف غير التابع.

    لنقرأ شيئا يسميه شخص اسمه سعدي يوسف يوصف بالشاعر الكبير شعرا , وقد كتبه سعدي نفسه على انه قصيدة:

     

    دعوة الى توني بلير:

     

    نـحن عراقيون

    قتلنا ملكاً في 58

    ونـحن الآن، طماطم، في ثلاجة شاحنةٍ

    تدخل من هولندا

    لتسلمنا، موتى، بردانين..

    لماذا؟

    هل لي أن اسأل توني بلير:

    إن كنت تريد لـ”لندن “

    ألا تمسي”مستعمرة “ لعراقيين

    فلماذا لا تطرد صدام الواحد

    كي نرجع نـحن

    ونـحن ملايين أربعة

    نـحن ملايين أربعة من عشرين

    1/5 الأرض

    و5/1 خطوط العرض

    و5/1 القرن الواحد والعشرين

    دمشق 1999

     

    ماهذه ؟ هل هي دعوة لطرد العراقيين او توسلا بتوني بلير ام نكاية باللاجئين ام تحديا واستفزازا لرئيس وزراء امبريالي وفق معايير سعدي ام (تعويذة) من تعاويذ الملالي الذين يحسدهم سعدي فراح يقلدهم؟هل يمكن ان ننزل اعمق قليلا لنفسية شخص يستخدم (مستعمرة لعراقيين)؟

    هل هناك شاعر في العالم ليس له احساس بالتاريخ واهميته مثل سعدي؟ انه يعتقد ان التاريخ يضيع ولا احد يراجعه .

    نختم هذه القصص بقصة طريفة محزنة ومخجلة للمثقف غير التابع المشغول بتحرير وطنه المقارع للامبريالية الشاتم شعبه ولانسرد القصة المخجلة التي يمكن للقارئ تصورها , لكن نكتفي بالصفعة التي وجهها جزائري هو زوج لعراقية في باريس في حفل اقامه المنتدى العراقي في فرنسا ليلة راس السنة اي قبيل اسبوعين من الحرب التي شنت ضد العراق عام 1991 وهي ليست الصفعة الاولى التي يتلقاها سعدي المثقف غير التابع وغير الذليل ولن نذكر الصفعات العديدة لضيق الوقت(هل بقي ثمة وقت؟)

    في مقابلته مع اخبار الادب اعترف سعدي بوضوح : لم يعد العراق وطني!

    اذن ياسعدي اذا لم يعد العراق وطنك لماذا تصدع رؤوس العراقيين بالشتائم والتهم والاكاذيب وتنزع شيوعية شيوعييه وتصبح الشيوعي الاخير وربما ادعيت بعد فترة انك البعثي الاخير, وتقارع الامبريالية في العراق وتتهم حكومته بالعمالة بعد انتخابات فريدة رغما عنك وتتهم المثقفين الخائفين على عراقهم بالتبعية دون ان نضع ايدينا ولو لمرة واحدة على استقلاليتك وتحديك وتمردك ورفضك وقد قلت( اسير مع الجميع وخطوتي وحدي) واساء البعض تفسيرها فهي تعني ان الانتهازية مذهبك وانك تخدع الجميع فيما تفر في اول فرصة والمصطلح العربي يسمي هذه الحالة(النفاق).

    عاد سعدي بعد المائة الف دولار لتبعية فخري كريم في الاردن وسوريا ثم ليظهر في حالة اللجوء التي راح يشتم العراقيين الغارقين بها والمضطرين اليها فكشف عن تناقض صارخ لاسباب فرويدية ووردية نسبة لعلي الوردي, وراح يزايد على اعلام مرتزقة صدام الذين نشروا مقولة(يعيشون على فتات موائد الاجنبي ) فاذا به يمن على اللاجئين العراقيين بمكرمته فيحول هذا الفتات الى مزبلة يبحث فيها اللاجئون العراقيون عن لقمة العيش في حين انه ينعم بهذه المزبلة ببيت ومرتب من الدولة البريطانية باعتباره لاجئا وجواز سفر بريطاني لايستطيع شرطي في العالم العربي ان يوقفه او يساله لانه يحمل مثل هذا الجواز. وشكل ملتقى عراقيا كان الغرض منه تشديد العزلة على الابداع الديمقراطي العراقي المستقل واستعادة الماضي بسب الخوف من الحاضر والمستقبل ولم يكلف نفسه ان يذكر اسماء جماعة ملتقاه هذا الذين عملوا في اعلى الهيئات الامريكية في العراق او قبضوا منحا بالملايين باعتبارهم من مؤيدي الاحتلال لانه امين للمال اكثر من امانته للمبادئ فلعلهم يوما ينفحونه بقبضة دولارات, ولانه يعرف انني وحيد لايدافع عني احد بينما يحاط اؤلئك برعاية اجهزة اعلامية امريكية وعربية وعراقية واحزاب وجمعيات تبطش به, ولانه يعرف انني كنت ربما من القلائل ممن شهد تخاذله كمثقف تابع حين كنت ذهبت معه باعتبارنا نمثل رابطة الكتاب والصحفيين الى مسؤول شيوعي عراقي في بيروت هو فخري كريم فاذا بالمسؤول يعامل سعدي كخادم حين الح عليه بالسؤال عن موقفه فلم يفصح وظل يتلجلج مثل تلميذ مدرسة امام مديره فامره بالخروج بطريقة دفعتني الى الاحتجاج(انا المثقف الخانع ياسعدي!!!) فخرج مع احتجاجي على المسؤول فقال المسؤول انت لست حزبيا وانت مخدوع به فاردت ان ابين جبنه وتابعيته وخضوعه لما يؤمر به ,وكانت هذه الحادثة من اسباب كثيرة لتازم علاقتي مع المسؤول الشيوعي.ومع هذا عدت تعمل تحت امرته في دمشق وعمان وتمارس دور الرقيب على الابداع. فهل تحديت فخري كريم يوما وكتبت ضده وضد اذلاله لك؟

    كل ماهو شخصي ياسعدي هو عام لانه جزء من تاريخ وبشر ومجتمع وثقافة .

    ياسعدي لست مؤيدا لك ولا للاحتلال ولا لاية جهة غير شعبي ووطني فسمني ماشئت. لن اقبل مثلك ان يتناثر لحم اطفال بلادي بالمفخخات لاكون مقاوما, ولن انوح على صدام لاني كنت من اوائل من عارضه في العراق باعترافك واعتراف امثالك, فانت واحد ممن احتضنه المثقفون البعثيون ودللوه حين كنت انا اضطهد واوضع في القوائم السوداء, وفي حين منع ديواني الشعراء يهجون الملوك من قبل سلطة البعث كانت سلطة البعث تطبع لك دواوينك وترسلك في وفودها الى الخارج , وانت واحد ممن عاش تابعا للانظمة والقادة الدافعين حين كنت انا احتج وادفع الثمن ولست بحاجة الى تزكية منك ولكني اجد نفسي مضطرا لاقول لك من انت في زمن يحاول المخصيون والعنينون فيه ان يخصوا الاخرين شفاها وكذبا.

    الان دعني اتحدث عن نفسي قليلا بعد ان تحدثت عنك واقول لك ماتعرفه انت وانا لست بحاجة لذكره للاستعطاف ولكن لا حقائق في كتابتك ولا تريد ان تنظر الى الوقائع : فانا ادفع ايجار بيت في لندن ياخذ كل ما احصل عليه وما تحصل عليه زوجتي من مرتب بينما تنعم انت ببيت ومرتب ورفاهية في دولة احتلال ياسعدي فلماذا تنسى ذلك وتتناساه وتشبعنا وطنية مثل ريح خارجة من شبعان. هذا يعني ان الاحتلال لم يمد لي يد المساعدة علما ان هذا الاحتلال الذي زجيت اسمي فيه واردت ان تشوه تاريخي بعد ان شوهت انت تاريخك ولم يبق لديك شئ , معترض علي حتى قبل ان يدخل العراق حين وضع اسمي في قائمة الممنوعين من دخول العراق ومايزال المحتلون يملكون مني موقفا لايمتلكونه منك وهم يدعونك الى امريكا ويطبعون كتبك ويقيمون لك الترحيبات فمن تخدع ياسعدي؟ انت تحاول ان تخدع الصمت وانا لا اصمت ولذلك لن تكون هناك خديعة , واحد الاسباب لوضعي هذا هو التقارير التي كتبها للامريكان بعض جماعتك واصدقائك ياسعدي واذا اردت الاسماء ساقولها لك. واذكر انك ارسلت لي تحية مع شخص لاني كتبت مقالين في الحياة قبيل الحرب توقعت فيهما ان يحصل مايحصل الان في العراق وما ازال ادفع ثمن كل ما كتبت عكسك تماما اذ تقبض ثمن كل ماتكتب.

    ثم ماذا فعل الاحتلال ياسعدي؟ لم يات بي لاكون شاعرا او صحفيا بينما اتى بكل اتباع صدام واتباع ممن كنت تتبعهم في الاردن في التسعينات متوسلا بهم ان ينعموا عليك بالراتب التقاعدي , ليملكوا الثقافة من جديد وهم يعتبرونك واحدا منهم وانت تذكر في صحف العراق في زمن صدام وفي زمن الاحتلال وانا لا اذكر في الزمنين والسبب انك تابع وانا رافض.

    ساذكر كل شئ ياسعدي لانه لم يبق من العمر الا ما ننعم به من سمعة طيبة فاذا بك تتطاول وتزج باسمي بمقالة عنوانها المثقف التابع للسلطة والاحتلال وكانني انا التابع لا انت في حين يعرف القاصي والداني من امثالك ان مشكلة الاحزاب والانظمة والعصابات والمافيات الثقافية ومنظمي المهرجانات الثقافية الراقصة للانظمة ووزارات الثقافة وجمعيات الرقص السياسي, وجمعيات الرقص الثقافي , معي انني لا اقبل ان اكون تابعا, وان الذين طاردوني من امثالك في رزقي وحاربوني وكانوا السبب في غلق ابواب العمل امامي يحتجون بهذا الوصف من انني غير قابل للتطويع والولاء بحيث اصبحت سمعتي لدى الصحف والمجلات والتلفزيونات والدول بما فيها دولة امريكا انني صعب المراس ولا اطيع احدا واني متمرد وغير مضمون الطاعة . لست معنيا بالاصنام والاحجار فلماذا علي ان ادفع ثمن موت شاعر مثل سركون تريد انت وبعض جماعتك تنغيص ماتبقى لنا من وقت بموته. لم التق سركون يوما ما. كنت اسمع به واكن له تقديرا وحزنت لموته كما احزن لموت الاخرين. وانت تعرف انه كان يحضر مهرجان المربد في زمن صدام حين كان المثقفون العراقيون مضطهدين ولايستطيعون دخول العراق. وكان يلبس البدلة العسكرية الزيتونية اللون ويلقي قصائده السوريالية في الجبهة , تماما في نفس الوقت الذي كنت تعمل فيه في مجلة ممولة من صدام وتجلس في السفارة العراقية في بلغراد. اقول لك بكل صراحة وشجاعة لن يهمني اشباه شعراء سيقلبون الدنيا لاني تعرضت لهذه الحقيقة, ولن يهمني ابناء عاهرات وازواج عاهرات يصفقون لاكاذيبك وتهريجك باعتبارهم من حثالة ماتبقى من مخابرات النظام السابق في العراق وخارجه. لكن ليكن لنا زمن ايضا ياسعدي نتكلم فيه فليس من العدل ان تكون كل ازمان الكلام لكم. لا نزايد على صفاقاتكم ولكن نطالب بحرية الدفاع عن انفسنا بذكر حقائق تحاولون طمسها.لقد زهدنا بالازمان وتنازلنا لاطماعكم بها وكنا اثرنا العزلة وعدم منافستكم ولكن لم تكتفوا بذلك فاصبحتم تسعون لنزع حتى كرامتنا الوطنية بكل صفاقة وكذب واحتيال وكيد, وهذه لن نسمح بها.

    مالذي دفعك ياسعدي لمهاجمة حيوان جريح مثلي يجلس في ركنه ويلعق جراحه ويسكت عن آلامه ؟لم اجلس في ركنك يوما ما ولم اخرج من معطفك البالي كما خرج الصغار. هذه حقيقة تؤلمك وتريد الانتقام مني بسببها ايضا. لست بحاجة اليك لاني ولدت شاعرا وقراتك مثلك غيرك ولم يقدم او يؤخر هذا الشئ. وحين توقفت انت عن كتابة الشعروصرت شتاما وبدات اجيال اخرى تاتي وتشاركنا الحياة والشعر تازمت وصرت تشتم وتلجأ الى مثوى اخير اسميته الشيوعي الاخير تبرر فيه كل انتهاكاتك لحقوق الاخرين بينما رايت بعض الشيوعيين الاخيرين الحقيقيين في بغداد والمنفى جائعين مخلصين متاملين الحياة المتغيرة وينظرون الى المستقبل بهدوء واسى وامل قد لايتحقق.انهم يرثون لحالك ياسعدي كما ترثي عائلة لحال ابنها المجنون.

    لن تقدر ان تسلبني تاريخي يا سعدي, فهو تاريخي الذي صنعته برفضي واحتجاجي وتهوري وتشردي وصعلكتي وكبريائي وملوكيتي وفقري وكرمي وتضحياتي وحماقاتي وتحدياتي وخساراتي وضحاياي من اهلي واصدقائي وتشرد اولادي وزوجتي واشياء طفولتي وصوري واوراقي وصراخي وغنائي وانشادي وفقداناتي وعذابي ومبادئي واصراراتي وعنادي. لم يكن يهمني من يمنع قصيدتي واين وفي اي مكان. على العكس منك ياسعدي. ففي حين منع ديواني الشعراء يهجون الملوك اربع سنوات في العراق كنت تصدر عن وزارة الثقافة والاعلام كتبك وكان ذلك حقك ولا اعتراض لي عليه. وحين كان الحزب الشيوعي يسوقك على حساب اغفالنا وابعادنا الى الصفوف الخلفية لم يكن لنا هاجس الغيرة او الحسد. فانت كنت شاعرا مثلنا ولكنك لم تستطع المحافظة على مامنحك اياه الحزب الشيوعي من موقع وشهرة , حتى التكريم الذي اقامه لك وزير الثقافة عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي مفيد الجزائري والذي كان على حسابنا وامعانا بجعلك الاوحد ثقافيا , كان مناسبة لك لشتم رفيقك الشيوعي , فما يهمك لم يكن قلوب الناس وانما شئ اخر.

    لقد كنت وما ازال عصيا على التطويع ومثارا للجدل وسوء الفهم المقصود وهدفا للسفالات والنذالات والكيد والغيرة والحسد وشاعرا منفردا ومتفردا تعجب بقصائده لتقول لي ذلك شفاهة ولكنك لاتجرؤ بسبب انانيتك ان تقوله في جريدة بينما تبشرنا بين فترة واخرى بشعراء يجلسون معك في شرفتك وسرعان ماينقضون عليك بالاكف. انا شاعر عراقي متعصب للعراق الجريح الدامي دون ان اتنكر للبلدان الاخرى ,بينما انت شاعر متعصب لنفسك. حتى البصرة التي تدعي حبها لاتحبها مثلي انا ابن بغداد, تلك البصرة التي احبها واعشقها مع ناسها وشعرائها وفنانيها وصعاليكها وجاحظها وسيابها وجيكورها وفراهيدها وبريفكانها وغيرهم , والدلائل على ذلك كثيرة ياسعدي ولكن حتى شعراء البصرة لايستطيعون البقاء تحت رحمتك طويلا فيتمردون عليك بعد ان تمن عليهم بالالقاب والشاعرية نكاية بشعراء العراق الاخرين.انت شاعر مائدة يتجلى الشعراء عندك على مائدتك فتذكرهم كشعراء للعراق والامة فاذا ماصحوت على نكرانهم لك رحت تهجوهم.

    دعني ياسعدي اصفي حسابي مع امثالك عبرك انت, اذ طالما اخترت انت ذلك بطريقة غير عادلة حين ادرجت اسمي بطريقة كيدية مخاتلة لتصفي حساب ما شهدته منك من جبن وتخاذل وتلون وانهيار.لقد سعيت لتشويه سمعتي بطريقة خاطفة, ولكن دعني اتامل معك الحياة ومبادءها. انا اقدر مشاكلك الشخصية كما اني قد اقدر جبنك وطمعك وبخلك وخنوعك ومحاولتك الدائمة اخفاء راسك بين كتفيك , باعتبارها اشياء غريزية, ولكني غير مستعد لدفع ثمنها واكون ضحية لها. لا اصدق ابدا ان شخصا غير معني سوى بنفسه سيكون معنيا باطفال العراق ونسائه وشيوخه وطلبته وعماله وفلاحيه وموظفيه ممن تحصدهم سيارات الارهاب المفخخ . وساصدق ان مثل هذه الجرائم تشفي غليله باعتبارها مقاومة ضد الاحتلال لان الذي يحتل العراق هم اطفال العراق ونساؤه وشيوخه وطلبته وعماله وفلاحوه وموظفوه وليس الامريكان.

    اخبرت سعدي في نيويورك في لقاء عابر في شهر نسيان الماضي بصالة الفندق حين التقيته مصادفة وسالني عن اخباري انني معتزل وانني اعيش منذ سنتين على واردات كتاب(نبيل سونغ) الذي كنت في نيويورك بسبب صدوره في امريكا اضافة الى راتب زوجتي التي تعمل طوال النهار في احدى الصحف.كان ذلك في نفس يوم قراءتي الشعرية حين اكتشفت انني نسيت الوقت المحدد فذكرني به لانه سيعقبني في قراءة لاحقة.لم يحضر سعدي بالطبع ليسمع شاعرا عراقيا فهو شاعر (وطني) لايؤمن بشعراء العراق وانما بشعراء الصفحات الادبية التي تنشر له وعنه. فالتقينا في مدخل بيت الشعراء. انا اخرج وهو يدخل. لم يسمع شيئا مما قلته ولم يسمع شيئا من الاسئلة والاجوبة بعد القراءة الشعرية. كنت عائدا للتو من العراق في وقت كان فيه الوضع الامني في تدهور, اذ كانت التفجيرات والقذائف تتسابق مع الحياة البشرية وكانت مقاومة سعدي يوسف من البعثيين والسلفيين والقاعدة واللصوص والقتلة والحواسم قد منعتي من زيارة بيت العائلة بعد سبعة وعشرين عاما من الغربة اذ طوقت مناطق عديدة من بغداد وعرضت اهلها للخطف والقتل والسيارات المفخخة والهاونات والقتل العشوائي. هذه المقاومة التي نشرت الجثث على ارصفة الشوارع وافزعت حتى عصافير وطيور بغداد في منظر لن انساه اذ انفجرت سيارة مفخخة خلف السيارة التي استقلها في شارع الكرادة الشرقية بمسافة اهتزت لها السيارة التي يقودها شاب عراقي فقير توقف فزعا مع انه شهد كل كوارث صدام وسالني اين الانفجار؟ فالتفت فاذا مدخنة سوداء ملأت الافق خلفي ومئات العصافير والطيور تفز من اوكارها على اشجار البيوت تطير مذعورة في مشهد ربما افرح شاعرية سعدي عن فزع الطيور من ارهاب مايسميه مقاومة . ان المقاومة تقتل عمال المسطر تحت جدارية فائق حسن وتذبح الطيور ياسعدي في هذه الجدارية فاين انت من اشلاء عمال المساطر الفقراء الذين يتجمعون تحت جدارية فائق حسن؟ .لم يكن سعدي معنيا بالعراق ولا باوضاعه ولا بناسه. سألني الجمهور عن الحرب والحكومة والثقافة وبوش وامي والشعر العراقي وبلاد الرافدين. فالجمهور النيووركي يساري الفكر والتفكير ولكنه واقعي ايضا. كان يريد ان يسمع عن الواقع لا عن الاوهام. وحين سؤلت عن الرقابة اجبت ان وزارة الاعلام الغيت وانا مع الغائها لانها كانت مؤسسة امنية اكثر منها اعلامية , وانا ضد الرقابة وقد الغيت الرقابة رسميا في العراق وهناك فوضى في حرية التعبير.هل قلت يعيش الاحتلال؟ هل قلت يسقط صدام حسين؟ هل قلت لقد انقطع رزق المرتزقة والتابعين؟ هل قلت انا مع الاحتلال؟لم يسمع سعدي ماقلت ولكنه سمع بالنجاح الكبير للامسية الامر الذي اغاضه , ومع هذا وضع اسمي مؤيدا للاحتلال وانا لست مجهولا كما يعرف سعدي. فانا شاعر يعرف سعدي حجمي وموقعي الشعري الذي يضاهيه ولاينكره رغم اخالاف اسلوبينها , وربما يخشاه, ولايهمني راي الاخرين من اتباعه وانما اتحدث بجماليات الشعر ,لا بالانحيازات السياسية التي يعرفها ويجيدها ويعزف على اوتارها دائما , وانا اشهر منه وطنيا وثقافيا واجتماعيا يقبلني اهل العراق في المدن العراقية التي زرتها وفي شوارع العواصم العالمية والعربية حيث يكون العراقيون, واظهر على التلفزيون منذ سنوات مؤيدا حق شعبي العراقي في العيش بحرية وكرامة وقلت عدة مرات ان الاحتلال مرفوض وهو كلمة شنيعة.لكن لكي تكون مع حرية شعبك ومع كرامته يعني انك ترفض حكم صدام وهذا هو بيت القصيد. لا الاحتلال ولا التبعية. ان فقدان مكرمات صدام اصبح يعني شتم الوطنيين والاحرار وابناء الشعب العراقي ووصمهم بانهم مع الاحتلال. كم مرة تهدرون دمنا؟ وكم مرة تسعون الى تزوير الواقع والحقائق؟

    لنفتح كل التاريخ ياسعدي ونلناقش حياتنا كمثقفين ومفكرين احرار بدون خوف وبجراة وصراحة ولكن بشخصنة ايضا فانا لست ضد ذلك لان العموميات لاتفيد وهي تبقي الوقائع تحت الستار بحجة الموضوعية. اذكر ماتريد عني ولكن بشكل واقعي لاتلفيقي وكيدي.ليلقي المثقفون العراقيون انفسهم في خضم المراجعة والنقد ليكونوا مثقفين لا كتبة تابعين ومتمددين في كل سرير كماهو سعدي.دعنا ياسعدي نكشف بعض المستور وليس كله.

    لم احصل ياسعدي من نظام البعث ومن الاحتلال على اي شئ. فبيتي الذي تعرفه وكنت اتشرف باستضافتك فيه مع مثقفي الحزب الشيوعي والمثقفين الديمقراطيين المستقلين في بغداد والذي تعرفه في المنصور احتله جنرال من فدائيي صدام وحاول مصادرته عدة مرات مع انه باسم زوجتي وليس باسمي. وحين سقط صدام استرجعناه, ولكن سرعان ما احتله الارهابيون والذين تسميهم مقاومين ولم اعد اعرف ماذا حل به كما لم اكن اعرف ماحل به طوال ثلاثة وعشرين عاما الا بعد سقوط صدام . لم يكن يهمني ولايهمني الان. انا بلا بيت في الوطن وبلا بيت في المنفى ياسعدي فلماذا لم يعطني الاحتلال بيتا في المنفى ولم يعطني في الوطن , وابنائي يتمنون ان يدقوا مسمارا لتعليق صورة تعجبهم منذ سبعة وعشرين عاما ولايستطيعون لانه ليس بيتهم ولان اصحاب البيوت يرفضون تمزيق حوائط بيوتهم وهذه هي المرة الثانية والعشرون التي ابدل بها البيت خلال سبعة وعشرين عاما في المنفى حتى ان ابني حنين صار يعلق صورة جيفارا بالعجين, فكم معدل السكن مستقرا في بيت؟لقد ضاعت قصائدي ودواويني وكتبي وصوري ومخطوطاتي والرسائل التي تلقيتها في منفاي بسبب التنقل الدائم فهل هذا حال مثقف احتلال وسلطة؟ دعني ولا تقاطعني واصغ صاغرا لما اقول. الذين كانوا يستاجرون غرفة في بيوت اهل زوجاتهم من جلسائك ومريديك وممن اصبح امريكيا اكثر من بوش وكوندليزا رايس ويحسدونني على بيتي في بغداد صاروا يملكون الان بيوتا ثلاثة او اربعة في المنفى ويؤجرونها ويذهبون كل شهر ليقبضوا ايجاراتها وهم سعداء في دول الاحتلال بعد ان اشبعوا المؤسسات والصحف والتلفزيونات بتقارير امنية عني باني شيوعي وشيعي وعلماني اذا كانت المؤسسات عربية , وباني معاد للولايات المتحدة واسلامي متطرف ومعمم اذا كانت ليبرالية. وهكذا ايها السيد التابع دائما اصبح مثقفوك مخبرين رخيصين وهم يتبجحون بالسوريالية والرمزية وقصيدة النثر والقصة القصيرة والرواية السحرية فعن اي خراب تريدني ان اتحدث وعن اي ضمائر مستهلكة تريدني ان احاضر وعن اي ازدواجية انتهازية ونفعية حزبية وشخصية تريدني ان اخطب ياسعدي وانت ابن تلك المعمعمة وابوها الروحي كما تحب ان يسموك؟

    هل تريدني اتحدث ياسعدي عن فقري في زمن الاحتلال فانا لا اخجل من ذلك؟ فبعد ان فقدت وظيفتي في محطة اي ان ان واغلق برنامجي الشهير النادي السياسي بسبب حماقة من يملكونها ورهانهم على صدام طردت من البيت الذي استاجره بقرار من المحكمة لاني عجزت عن دفع ايجار لمدة ثلاثة اشهر وهي الفترة القانونية لطرد اي مستاجر واكثر من ذلك اقول ما لايعرفه العراقيون الذين يعرفونني: انني كنت في فترة ما لا املك في زمن الاحتلال اي في سنوات 2003 و2004 ثمن سيجارة ياسعدي وثمن قهوة. هل تصدق انت او يصدق احد ذلك؟ وكنت احسد كل من اراه يدخن ويشرب قهوة في مقهى وكان عمري فوق الخمسين وعمري النضالي اكثر من اربعين عاما . وقد مشيت ذات مرة اكثر من خمسة كيلومترات لموعد لاني لا املك جنيها واحدا ثمن الباص واستدنت من شرفاء عراقيين ثمن طعامي وايجاري في زمن سقط فيه صدام وتحرر العراقيون من صدام واحتل الاحتلال العراق وانا فقير لا املك ان اعطي ابني جنيها واحدا حتى خجلت من ابنائي ( وما ازال اسدد ديوني التي لم تنته بعد ), في وقت تشرب فيه انت على حساب دولة الاحتلال نبيذك الفرنسي. (اقول ذلك , رغم ثقله وحرصي على اخفائه وانا كنت حينها اظهر على التلفزيون وادافع عن شعبي مجانا واحيانا اذهب ماشيا الى التلفزيون لاتحدث, لا حبا بالظهور فقد مللت منه, ولكن حبا بشعبي وحبا بقول كلمة من اجله, نكاية بك وليس نكاية بي) فاحذر ياسعدي نبيل الذي يردد دائما المبدأ المجرب ( احذروا صولة الكريم اذا جاع واللئيم اذا شبع)وانا كريم جائع لي صولة وانت لئيم ياسعدي.ولا اظنك تنكر كرمي واسرافي حتى ظنني الناس غنيا واردد دائما (صيت الغنى ولا صيت الفقر) وهذه شيمة عراقية.

    هل تريدني ان اتحدث عن صفاقة الاحتلال ام عن صفاقتك حيث تعيش في بيت فيه بار صغير جميل كما سمعت من زائريك في دولة احتلال وتاكل من مساعدتها الاجتماعية تشرب النبيذ على حسابها ثم تشتمها؟ ام تريدني اتحدث عن محاولتك الانتقام مني بسبب صداقتي لحميد الخاقاني صديق خالد السلام غريمك الذي اسميته القنفذ واكتفيت بسبب خنوعك وتابعيتك وخوفك من مسؤوليه الحزبيين؟ فمن هو المثقف التابع ومن هو المثقف المتمرد ياسعدي؟

    تعرف ياسعدي انني الشاعر العراقي الوحيد, الوحيد تماما, الذي لم تخلقه مؤسسة حزبية, لا الحزب الشيوعي( الذي خدمته انا اكثر مما خدمته انت وانا مستقل وانت حزبي وتنكر لي واوقف خدمته عليك) ولا حزب البعث ولا مؤسسة صدام ولا مؤسسة اتحاد الادباء ولا الرابطة ولا مؤسسة فخري كريم ولا اية مؤسسة اخرى بل على العكس . فكل هذه المؤسسات عادتني واحتضنتك لاني رافض ولانك تابع , وميزتي هذه هي ميزتي وهي عقدتك ولن تطمس هذه الحقيقة بتلفيق كيدي وانتقام مبطن.

    لقد تبناك الكثيرون ياسعدي احزابا وحكومات وجماعات وافرادا وانت ابن لهم لايمكنك ان تكون عاقا بهم( راتبك من الرئيس اليمين الجنوبي علي ناصر محمد ثم راتبك من محمود درويش وراتبك من نايف حواتمة وراتبك من خالد سلام في بلغراد وراتبك من فخري كريم الخ ). وانا ابن ابي الوحيد ولم اعقه رغم اني عققت كل ماهو ليس ابي الوحيد.

    تريد ياسعدي ان تكون هجاء بعد ان كنت مادحا لكنك لن تصل الى مستوى الحطيئة الذي هجا نفسه قائلا:

    ارى لي وجها قبح الله شكله فقبح من شكل وقبح حامله

     

    انني ياسعدي مطعون بالف سكين. وسكينك ليست الاخيرة رغم لؤمها الذي يتناسب مع طبعك. ولن تكون قاضية لانني عملاق حقيقي رغم اني وحيد, وانت قزم يسعى لمطاولة العمالقة دون ان يستطيع, خاصة بعد ان فر عنك الشعر وبقيت لك النميمة.انها طعنة مخنثة واريد ان افضحها لا اكثر بعد ان شهدت بام عيني مرات ومرات تابعيتك وذلك امام مسؤوليك واولياء نعمتك.وقد شاركت انت وليس انا في مؤتمر الباجةجي يوم 29 اذار 2003 وقنابل الاحتلال تضرب بغداد وجلست في المؤتمر تنتظر ان تنال حظوة ولما لم تحصل على ذلك وفر الباجه من القاعة بلقب رئيس الديمقراطيين الذي منحتموه اياه يسرعة فائقة بعد ان استغلكم غضبت وزعلت, فمن هو مع الاحتلال ومن هو التابع ياسعدي؟ انه التاريخ ياسعدي فاحذره فهو لايرحم.

    نعود لعلي الوردي ونعرج قليلا على فرويد فاقول انك تسعى للانتقام من خالد السلام من خلالي. فرغم احتقاري لخالد السلام واستهزائي به حين كان الحزب الشيوعي يبشر به في مطلع السبعينات بانه سيعيد ترتيب الوضع الثقافي العراقي فهو صديق صديقي حميد الخاقاني, الذي نتخاصم كلما التقينا ويقبل احدنا الاخر. وخالد مسؤولك ومسؤول حميد سابقا وحين حدثت (المشكلة الشخصية) وهجوت خالد السلام بقصيدة واسميته القنفذ وسكت واكتفيت , رحت بسبب جبنك وبسبب انكشافي عن اية حماية حزبية تعاديني وتتزلف لمسؤوليك وتغار مني ومن شاعريتي المستقلة عن كل تاثير . واقول ذلك بكل ثقة جمالية دون ادنى اهتمام لرداءة نقاد الشعر, واعتقدت انه حان الوقت للانتقام من خالد عبري في حين انك يجب ان تتوجه للانتقام مباشرة من الشخص الذي اسميته القنفذ.واتذكر عام 1975 في بيت المرحوم شمران الياسري ابو كاطع في بغداد انك تخاصمت مع القاص ابراهيم احمد ( صديقي الاخر الذي ابتعد عني طويلا منذ امد طويل) بسبب (المشكلة الشخصية) ذاتها وتوسلت بي للوقوف معك ومع حقك, فوقفت معك( وواصلت الوقوف معك في اليوم الثاني في جريدة طريق الشعب ررغم غضب اصدقائي من الرفاق الكبار من شدتي عليهم من اجلك) فيما كنت تولول وتتوسل وكنت انا اتحدى واطالب بحقك واحتج ضد حزب باكمله كنت انت عضوا فيه ومعتدى عليك منه ,فمسحت المشكلة الشخصية بمنديل ورقي وعدت الى خليتك الحزبية, فمن هو التابع ومن هو المتمرد؟

    تريد ان تمارس الارهاب الفكري علينا انتقاما من تاريخ التخاذل الطويل الذي وجدت نفسك فيه وصرت تمنع علينا حتى زيارة وطننا ومدننا ولقاء عوائلنا بعد زمن المنفى الطويل الطويل جدا. فاذا كان شخص ما لايملك عاطفة وطنية ولا عاطفة عائلية فليس من حقه تعميم عدم التملك هذا على الاخرين ومطالبتهم بالتخلي عن عواطفهم العائلية ووجدانهم الوطني.

    لي الشرف ياسعدي انني وقفت واقف مع شعبي بشيوعييه وديمقراطييه ومستقليه وقومييه ويسارييه واسلامييه ومعمميه سواء كانت عمائمهم سوداء او بيضاء او فينة او سدارة , وفقرائه ومشرديه ولاجئيه وضحاياه , حتى من البعثيين الذين اعدمهم او قمعهم صدام (وهذا موقف ليس يسيرا وليس عاديا وله ثمن ايضا وانت تعرف تطرفي , ولا اقوله عن خوف وانما بعد ان لم يعد البعث حاكما) ,ونسائه ورجاله واطفاله وشيوخه وعاجزيه وشبابه ومعوقيه,وزوجاته ومراهقيه ومراهقاته وارامله وعازباته , وشيعته وسنته وعربه واكراده وتركمانه وصابئته ومسيحييه وشراقوته ومعدانه, وحتى اؤلئك الذين جاؤوا مع قوات الاحتلال البريطاني الى البصرة من السيخ والهندوس والبلوش والمسلمين من الهند والباكستان لاحقا واصبحوا عراقيين يشككون بعراقيتنا التاريخية ووطنيتنا ونسامحهم فنحن اهل العراق الكرام الذين نجعل من ضيوفنا مواطنين اكرم منا حتى لو كان بعضهم لئيما.

    لقد كنت في مؤتمر في بغداد عاصمة العراق التاريخية ولم يكن المؤتمر أمنا ولا سهلا ولكنه نجح في بغداد وليس غيرها من عواصم وحضره قرابة ثلاثين عراقيا من النخب الثقافية والتكنوقراط والطبقة الوسطى من خارج العراق بعضهم يذهب لاول مرة بعد ثلاثين عاما او اقل , التقوا مع عراقيين مثلهم داخل العراق . ضحكوا وحزنوا وانتقدوا وطالبوا وانتقدوا حتى الحكومة ومجلس الوزراء والبرلمان والاحتلال وطالبوا باصلاحات ووضعوا توصيات وزاروا اهلهم واحباءهم وزارهم اهلهم واحباؤهم فليست كل بغداد آمنة بسبب مقاومة سعدي يوسف التي تدين حتى زيارة العراقي لعراقه ولقائه باهله بعد غياب.انها مقاومة مليئة بالاحقاد وكره البشر وكره الوطن وكره الاشجار والطيور وتراث الشعوب وحتى كره القبر حيث يفترض ان يرقد البشر في راحة ابدية.

    اذهب الى الحجيم ياسعدي وتنبه الى انني لست الشخص المناسب لهجومك , وان قدمي العراقية ارفع شانا منك, واسمح لي ان ارثي لحالك فانت تبحث عن فرصة للحياة بعد موتك شعريا ولم يتبق لك سوى اوغاد ولعل بعضهم مساكين يسوقونك ويصفقون لحماقاتك وترهل مواقفك وانت ترقص فرحا بينهم , فيالها من مأثرة لك ولهؤلاء الذين اطلوا بوجوههم النجسة التي تحبها ويالتعاستنها في عراق لم يكن لنا ولم يعد لاحد منا ونسعى لاستعادته.

  2. عندما يفشل الإعلام: الفضائيات ودماء العراقيين

     

    جابر حبيب جابر

     

    تجري اليوم في الولايات المتحدة مراجعة واسعة لعلاقة الاعلام المهيمن بالحكومة الامريكية لاسيما على خلفية تبني المؤسسات الاعلامية الرئيسية لادعاءات الادارة الامريكية عن اسلحة الدمار الشامل لدى نظام صدام بدون تدقيق او رؤية نقدية، ووصل مستوى الحديث عن فشل الاعلام الامريكي في لعب الدور الذي يفترض ان يلعبه في مراقبة الحكومة الى حد اعتذار النيويورك تايمز علنيا الى قرائها لأنها لم تسأل الاسئلة التي كان يجب ان تسألها عن اسباب غزو العراق.

     

    بالطبع لا اطالب الاعلام العربي بان يقوم بذات المراجعة لمعاييره وطروحاته مدركا ان هذا الاعلام في جله لا يمثل فضاء سياسيا او اجتماعيا مستقلا ولا يمكنه ان يلعب دورا نقديا في وقت تغيب فيه المؤسسات السياسية والاجتماعية اللازمة لصيرورة ديمقراطية سليمة تمنحه مثل هذا الدور، في الوقت الذي يعج الاعلام العربي بقراءات ايديولوجية سطحية للظواهر السياسية القائمة.

     

    لذلك تجد ان العرب لا يعرفون الكثير عن قضايا تدور ضمن حيزهم الجغرافي قياسا حتى بأناس من خارج المنطقة. معظم العراقيين الذين يزورون البلدان العربية او يحتكون بالمواطنين العرب في بلد ثالث او حتى عبر غرف الدردشة الالكترونية يواجهون اليوم بسؤال من نوع هل انت كردي ام عربي، سني ام شيعي، والمشكلة ليست في السؤال بل في المغزى الكامن وراءه لأنه ينطوي على حكم مسبق بالتبرئة او الادانة بناء على ما غرسه الاعلام في الذهنية العربية.

     

    عند الاستماع الى القنوات الفضائية العربية ونشراتها الاخبارية مثلا يتولد لديك الانطباع بوجود مواقف وأحكام مسبقة وراء الاخبار كما اثناء تحليلها، فقبل ايام كنت استمع لنشرة الاخبار في احدى هذه القنوات وكالعادة كانت الاخبار المتصدرة للنشرة عن فلسطين والعراق وهو امر طبيعي بحكم كونهما من اهم بؤر الصراع في المنطقة، لكن ما لفت انتباهي هو ان النشرة الاخبارية وصفت المدنيين الفلسطينيين الذين قضوا على يد القوات الاسرائيلية بـ«الشهداء» والمدنيين العراقيين الذين قضوا بانفجار سيارة مفخخة في احدى المناطق العامة بـ«القتلى»، سألت نفسي عن المعيار الذي يصف بريئا يموت في الاراضي الفلسطينية بالشهيد بينما لا يكون العراقي الذي يلقى نفس المصير كذلك، وتزاحمت في رأسي اجوبة تتجاوز مجرد معرفتي بطبيعة الخطاب الفكري لهذه المحطة تحديدا الى ما ارى انه قبول ضمني وأحيانا معلن يتبناه العقل العربي لتبرير القتل الذي يحصل بيد عربية حتى لو استهدف عربا ايضا (لاسيما ان كانوا عربا مشكوكا بعروبتهم)، انها نفس العقلية التي تعتبر مطالب الاقليات في البلدان العربية بالحقوق السياسية خيانة ولكن مطالب الاقليات العربية والمسلمة في بلدان اخرى بالمشروعة.

     

    قبل بضعة اسابيع نشرت الصحافة العالمية خبرا عن اكتشاف مقابر جماعية شمال بغداد بالقرب من مركز للتعذيب كانت تديره القاعدة يضم ادوات تعذيب كهربائية ويدوية وقد امتلأ المركز بدماء الضحايا، مثل هذا الخبر الذي يكشف عن وحشية وكراهية متأصلتين حظي باهتمام وسائل اعلام اجنبية وقليل من وسائل الاعلام العربية، لكن احدى القنوات العربية التي اقامت الدنيا ولم تقعدها على خلفية مزاعم اتضحت عدم مصداقيتها بتعرض امراة عراقية للاغتصاب على يد جنود عراقيين لم تجد في خبر مركز التعذيب القاعدي ما يستحق الاهتمام!! بالطبع من الشرعي ان تسأل اسئلة من قبيل ماذا لو كان مركز التعذيب هذا خاضع للحكومة العراقية وكيف كانت هذه القناة ستتلقى الخبر وكيف كان مديرو برامجها سيغطونه وستخصص له ساعات طوال من البحث والتحليل والاهتمام، اما اذا كان تابعا للامريكيين فتلك ستكون فضيحة العصر التي ستستثمر فيها القنوات الفضائية العربية مئات الساعات وعشرات البرامج ولكنها بالتأكيد لن تضاهي وسائل الاعلام الامريكية والتي ستخصص ساعات اطول وتغطية اوسع وأعمق كما حصل مع فضيحة ابو غريب.

     

    قد يقول البعض ان القتل يحصل بشكل شبه يومي في العراق وليس هناك ما يجذب الاعلام لأحداث روتينية، وحتى لو قبلنا بمثل هذا التبرير لا بد ان نقول بان الاعلام لا بد ان يستثيره هذا القتل عندما يكون بالبشاعة التي ترتكب بها القاعدة جرائمها، فعندما يتم بقر بطن انسان وتوضع فيه رؤوس اطفاله لا بد لأي اعلام ملتزم غير مدفوع بالكراهية والمواقف المسبقة ان يتوقف مع نفسه لبرهة ويراجع خطابه ليرى ان كان هذا الخطاب ينطوي على اي شرعنة لمثل هذا الوحشية.

     

    المشكلة مع بعض القنوات الفضائية العربية انها تدغدغ المشاعر الغريزية لدى الناس عبر تكريس لأسطورة ان العرب والمسلمين يخضعون لمؤامرة عالمية ظالمة، انها «اسطورة» اكثر من كونها حقيقة لان الظلم الذي يكيله العرب والمسلمون لبعضهم اكبر من اي ظلم اخر قد يتعرضون اليه، ولان الظلم الذي يسلطونه على الاخر المختلف عنهم قد لا يقل عن الظلم الذي يتعرضون اليه، ولكن لأنها اسطورة يراد لها ان تجسد كل ما في الاساطير من تسطيح وخرافة، فهي تقسم العالم الى خير وشر لا مساحة وسطى بينهما، ولان العرب المسلمين هم الخير بالضرورة ولانهم هم المظلومون فان كل ما يفعلونه مبرر ومشرعن، ومع هيمنة هذا المنطق يصبح من الممكن القبول ولو تغافلا بجرائم «القاعدة» في العراق، ويصبح من غير الممكن قطعا ان يكون ضحية هذه الجرائم «شهيدا»، فالشهادة هي للاخيار فقط، والطفل العراقي الذي يقضى بانفجار سيارة مفخخة اثناء توجهه لمدرسته ليس في نظر بعض القنوات الفضائية العربية من هؤلاء الاخيار، على الاقل حتى يثبت ان قاتله ليس عربيا...

  3. [size="4]

    الشاعر المعروف الصافي النجفي غادر العراق الى سوريا ولبنان دون عودة، هذا مقال طريف حول الموضوع

     

    الصافي النجفي بين القط والفأر

     

    خالد القشطيني

     

    أحمد الصافي النجفي من أرق شعرائنا وأرهفهم حسا، لا في عصرنا هذا وانما في كل عصور الأدب العربي. له حكايات كثيرة تروى عن مدى رقته وعمق انسانيته. سمعت منها أن أحد الأدباء رآه جالسا على دكة في شارع الرشيد وهو يبكي. قصده وسأله، ألست الشاعر الصافي النجفي؟ قال نعم، أنا هو. عاد الرجل فسأله ولماذا تبكي؟ هل فقدت أحدا من أحبائك؟ أجابه قائلا وهو يكفكف دموعه، لا. كنت فقط أراجع هذه الدائرة لتجديد جواز سفري. فنهرني الموظف. لا عجب ان بادر الى ترك العراق وراءه في باكورة حياته وقضى أيامه بين الشام ولبنان. تجلت رقة مشاعره بصورة خاصة في تعلقه بالحيوانات، بل وحتى الحشرات، وعطفه عليها. لم يتزوج ولم يتبادل الهوى مع اي امرأة واكتفى بقط شاركه حياته وحرك قريحته فقال فيه:

     

    * وكم عانيت من خجل لقط

     

    - بحضني قد أقام كأنه ابني

     

    * يراه الناس حينا لاصقا بي

     

    * وحينا لاحسا كفي وذقني

     

    - يخال عباءتي ملكا لديــه

     

    * فيدخل تحتها من غير إذن

     

    - وكم قد خال غارا ردن ثوبي

     

    * فأقبل واختفى ما بين ردني

     

    - يموء فليس يفهمني مرادا

     

    * فينصب عينه بإزاء عيني

     

    - يحك بذقنه كفي ارتياحا

     

    * ويقفز لاعبا من فوق متني

     

    - يعض أناملي عضا لطيفا

     

    * ويخدشها دعابا دون ضغن

     

    - فهل هو شاعر القطط التقى

     

    * بي فألف بينه طبع وبينـي

     

    - يرى قلمي على القرطاس يجري

     

    * فيمسكه ترى ما كان يعني؟

     

    وهذه إشارة طريفة ان يتصور قطه شاعر القطط. ربما كان أمير شعراء القطط. ويظهر ان قطة هذا كان شاعري المزاج مثله فتعايش مع فأرة في ذات البيت. بيد ان هذه الفأرة نغصت منام الصافي النجفي فقال فيها:

     

    * ورب فأرة في القرض ليلا

     

    - متى ما رمت نوما ازعجتني

     

    * اذا شعرت بيقظتي استكانت

     

    - وإن شعرت بنومي أيقظتني

     

    * اقول لها اقرضي وكلي نهارا

     

    - وفي الليل اتركيني واستكيني

     

    * فإني في النهار أخو عناء

     

    - واطرح العنا ليلا بكنــي

     

    اخيرا لم يملك الشاعر غير ان ينصب لها مصيدة فاصطادتها. راحت الفأرة تئن وتوصوص لتستعطف الشاعر فلم يستطع غير ان يخلي سبيلها ويطلقها من أسرها. وكما قلت أحاط بعطفه حتى الديدان والحشرات فقال:

     

    * ولست أرد ضيفا قد أتاني

     

    - من الحيوان او أنس وجن

     

    * ولست بمخرج ديدان بيتي

     

    - وأخجل حين دفع البق عني[/size]

  4. مقال رائع كتبه السيد علي عبود ابو لحمة، وكنت اود ان اكتب عن هذه السخصية، ولكن الظروف لم تسمح بذلك، وحسنا فعل الكاتب بالتنويه الى نشاطات المرحوم السيد صاحب فتح الله في المدرسة فهي حلقة مفقودة لا يعرفها الا أقرانه من الذين درسوا معه ، كما انه بنبه الى وجود مخطوط له عند قريبة للسيد سلمان ال طعمة وكنت اظن بأن مخطوطاته ضاعت، والحمد لله ان بعضها على الاقل موجود، وضياع مخطوطاته متوقع بالنسبة لي، لانه بالاساس لم يهتم بالنشر، حتى ان موضوعه عن ابن خلدون الذي اشار اليه الباحث، وهو موضوع عميق للغاية، اطلعت مسودته الاولى من كتابته له، فاعجبت به كثيرا، وعجبت من انه لم يتحمس لنشره، وبقي سنين طويلة مخطوطا، دون نشر، ولا اعرف اذا كان قد نشره او لا، كان رحمه الله يكتب ولا يتذكر اين ترك ما كتب،، كما انه كان كثير الاهتمام بالقراءة والحفظ، تاركا امر الكتابة والنشر للزمن، لكن الزمن لا يحالف احدا، فلم ينصفه، فاختطفته يد المنون دون ان تمهله وقتا كي ينظم ما كتب،

    وبهذه المناسبة اود ان أتعرض لمسألتين حوله، الاولى، عن مقدرته ونشاطه والثانية عن كلمة قالها لي فألهمني حدثا غيّر مجرى حياتي تماما

    لقد كان يجفظ من النصوص والقصائد ما لا يمكن لاحد ان ينافسه ، وكان في مناقشاته يورد نصوصا تاريخية او قصائد كاملة حفظها كما هي في المصادر العربية، وكنت احيانا أقرأ، بعد سنين، بعض تلك النصوص، فأراها كما هي، فأتخيله كأنه يلقيها عليّ، كان واسع الثقافة لدرجة انه يستطيع مناقشة العديد من المواضيع، وبنفس القدرة في مناقشاته في مواضيع الانسانييات كالتاريخ والجغرافية، وهما مجالان برع بهما اي براعة، ولكنه كان ايضا ذا معلومات واسعة في الطب، ولكن للاسف بالغ في ايمانه بالادوية، حتى اخذ يتناولها بشكل مفرط أثرت بلا شك على صحته بعد ذلك

    والشئ الثاني الذي اريد ان اوضحة عنه هو انني قابلته عند ابتداء الحرب العراقية الايرانية عام 1980، وكان الشارع العراقي في حالة ترقب وحذر، ولا أحد يعرف ماذا سيحدث، زرته في بيته، فرحب بي بشكل كأنه يكن لي شيا كي يسرني به، فأخذني على انفراد، وقال لي وهو مغمض العينين مطأطئاأ راسه، وهي عادة كان يتخذها عندما يكون غارقا في الدعاء أو في مسألة مهمة للغاية. ليقول لي (عليك ان تخرج من العراق)، فشعرت كأن الهاما ، قد ارساله لي، وليوحي بشئ ما ، ولم اكن أنا قد فكرت في هذه المسألة ، لأنني كنت أظن بأنها مسألة مستحيلة، ولكي لا اخالفه، رددت عليه (ساحاول ذلك) ولكني كنت على يقين بأن هذا مستحيل، وبعد حديث طويل معه، عند خروجي وتوديعي له، لم أكن اعرف بان هذه هي المقابلة الاخيرة معه، أعاد عليّ الطلب نفسه، ورددت أنا أيضا بنفس جوابي السابق، وكنت متأكدا من استحالة ما يطلب، لكن كلماته ظلت ترن في اذني، للاحترام الكبير الذي أكنه له ولارائه، فكثير اسس ثقافتي الاولية مبنية على مناقشاتي معه، وكان اتجاهي الفكري متأثرا جدا بارائه،، ولهذا فان كلمة منه كهذه، ليست عادية بالنسبة لي، حتى انني أخذت أتساءل واراجع نفسي،. هل خروجي من العراق مستحيل فعلا؟ أو أنا اتخيل هذا، ثم أخذت أطرح الاسئلة على نفسي، لماذا خروجي من العراق مستحيل؟ ولكن,,, من سيكمل معاملات الجواز؟ كيف اقدر على العيش وحيدا في الخارج؟ كيف استطيع الدراسة في الخارج، وأنا لا أملك شيئا من المال، وإذا اخترت العمل فماذا سأعمل في الخارج وانا لا اعرف شيئا من المهن اليدوية؟ كل ذلك كان مستحيلا، كل الطرق كانت موصدة، ولكن الفكرة كانت تراودني باستمرار، وأخذت فكرة الخروج من العراق، تلح عليّ، وتحتل حيزا في تفكيري، واستطاعت كلماته ان تكسر الجدار الذي بنيته حول نفسي في انني غير قادر على الخروج، وبالفعل، حدث ما أراد، وتحقق فعلا ما قاله لي، ففي فترة قصيرة من الزمن قام أخي باجراء معاملة الجواز، وهي معاملة مرعبة بالنسبة لي في وقتها، كنت لا أجرأ على دخول دائرة الجوازات ، حتى انني عندما دخلتها كنت ارتجف، وحجز لي بطاقات السفر، وسلمني الف دينار، (وراتبي آنذاك ستون دينارا شهريا ) ، وتعهد بأن يتكفل بي طيلة فترة الدراسة في الخارج، والتزم بذك، فعلا، وأكثر،

    ان ما بدا لي حلم قد تحقق فعلا، فهناك من الخطوات، وقد تكون بسيطة في اولها، لكنها تغير مجرى حياة الانسان، وفي بعض الاحيان يحالفنا الحظ كي نستمع الى كلمة قد تغير حياتنا بالكامل

  5. حل جيش صدام.. من المسؤول؟

     

    بول بريمر

     

    جاء في تقرير مشروع مستقبل العراق الذي اصدرته وزارة الخارجية في مايو 2002 ان «الجيش العراقي المستقبلي لا يمكن أن يكون امتدادا للجيش الحالي، الذي تحول الى أداة للدكتاتورية».

     

    وبات من البديهي ان قرار حل جيش صدام حسين كان خطأ وكان مناقضا للتخطيط الأميركي ما قبل الحرب وكان قرارا اتخذته بنفسي. والحقيقة ان السياسة قد درست بعناية من جانب أعضاء كبار مدنيين وعسكريين في الحكومة الأميركية. وكان القرار الصحيح.

     

    وبحلول سقوط بغداد يوم 9 ابريل 2003 انحل الجيش العراقي ببساطة. وفي 17 ابريل أشار الجنرال جون ابي زيد، مساعد قائد القيادة الوسطى للجيش الأميركي، لمسؤولين في واشنطن عبر مؤتمر بالفيديو الى أنه «لم يتبق هناك وحدات منظمة للجيش العراقي». وجعل اختفاء الجيش القديم لصدام حسين أية خطط لما قبل الحرب لاستخدام ذلك الجيش، شيئا لا صلة له بالموضوع. ولهذا كان السؤال حول ما اذا كانت سلطة الائتلاف المؤقتة يجب ان تحاول استعادته او بناء جيش جديد مفتوح لكل أفراد الجيش القديم والمجندين الجدد. وفضل الجنرال أبي زيد الحل الثاني.

     

    وفي الأسابيع التي تلت توصية الجنرال أبي زيد ناقش والتر سلوكومبي مستشار الأمن القومي لدى التحالف خيارات مع مسؤولين كبار في البنتاغون، بينهم مساعد وزير الدفاع بول وولفويتز. وقد أقروا بأن استعادة الجيش السابق أمر مستحيل من الناحية العملية لأن عمليات النهب في فترة ما بعد الحرب دمرت كل القواعد.

     

    وفضلا عن ذلك فان مجندي الجيش، وهم شيعة في الغالب، لم يكونوا ليستجيبوا لنداء الاستعادة من قادتهم السابقين، الذي كانوا من السنة أساسا. كما اتفق على أن استعادة الجيش ستكون كارثة سياسية لأنه بالنسبة لأغلبية العراقيين يعتبر سليلا للنظام السني القديم الذي يقوده البعثيون.

     

    وفي الثامن من مايو 2003 وقبل مغادرتي الى العراق أعطاني وزير الدفاع دونالد رامسفيلد مذكرة تحمل عنوان «مبادئ في ارشادات السياسة الخاصة بالعراق» تشير الى ان التحالف سيعارض بقوة مؤسسات صدام حسين القديمة، وهي: حزب البعث، وفدائيو صدام... الخ، وإننا سنوضح بأن التحالف سيزيل بقايا نظام صدام». وفي اليوم التالي أبلغني رامسفيلد انه كان قد أرسل ورقة «المبادئ» الى مستشار الأمن القومي ووزير الخارجية.

     

    وفي غضون ذلك فان مشاورات والتر سلوكومبي مع المسؤولين الأميركيين في واشنطن وبغداد أظهرت انهم يفهمون ان الاتجاه العملي الوحيد هو بناء قوة محترفة جديدة منفتحة على أفراد الجيش القديم المدقق في أوضاعهم. وأعد سلوكومبي مسودة أمر لإنجاز هذه الأهداف. وأرسلت مسودة أولية من هذا الأمر الى وزير الدفاع يوم التاسع من مايو. وفي اليوم التالي أرسلت المسودة الى المستشار العام لوزارة الدفاع ويليام هاينز، وكذلك الى وولفويتز، ووكيل الوزير لقضايا السياسة دوغلاس فيث، ورئيس القيادة الوسطى الجنرال تومي فرانكس، والى أكبر اداري مدني للتحالف في ذلك الوقت وهو جاي غارنر، طالبا منهم التعليقات. وفي 13 مايو وفي الطريق الى بغداد، اطلع سلوكومبي كبار المسؤولين البريطانيين في لندن الذين ابلغوه انهم يتفهمون ان «حل الجيش العراقي هو امر مفروغ منه». وأضاف تقريره انه «اذا ما كان عدد من العسكريين او المسؤولين البريطانيين يعتقدون انه يجب اعادة بناء او تجميع الحرس الجمهوري القديم، فإنهم لم يلمحوا بذلك خلال اجتماعاتنا، وفي الواقع وافقوا معنا على الحاجة لعملية اجتثاث البعث، ولاسيما في القطاع الأمني».

     

    وفي الاسبوع التالي، استمر سلوكومبي في مناقشات حول القرار المخطط له مع عدد من كبار المسؤولين في البنتاغون بمن فيهم فيث. وخلال تلك الفترة كان الليفتنانت جنرال دافيد مكيرنان، القائد الميداني لقوات التحالف في العراق، قد تلقى وأقر مسودة الأمر. وقد اطلعت وزير الدفاع رامسفيلد على الموضوع عدة مرات، وقدمت المسودة الاخيرة للأمر المقترح لإقراره لها في 19 مايو.

     

    وتلقى وولتر سلوكومبي تعليقات تفصيلية حول مسودة الامر تضم وجهات نظر رئيس هيئة الاركان المشتركة ومكتب وزير الدفاع، موضحا ان كبار المسؤولين العسكريين والمدنيين في البنتاغون، بالإضافة الى القادة الميدانيين قد تلقوا الاقتراح. وقضي مستشار اخر للتحالف دان سينور ليلة 22 مايو ينسق نص البيان مع مستشار رامسفيلد المقرب لورانس دي ريتا. وبغض النظر عن بعض التعديلات البسيطة في الامر، لم يعترض أي من المسؤولين العسكريين والمدنيين على الاقتراح بتشكيل جيش عراقي جديد او حل الجهاز الأمني لصدام حسين.

     

    وفي 22 مايو، بعثت الى الرئيس بوش، عبر وزير الدفاع رامسفيلد، اول تقرير لي منذ وصولي للعراق. وراجعت نشاطاتنا منذ وصولنا، بما في ذلك برنامج اجتثاث البعث. ثم نبهت الرئيس الى «انني سأوازي هذه الخطوة بإجراءات أقوى لحل البنية العسكرية والاستخبارية لصدام». وفي نفس اليوم اطلعت الرئيس على الخطة عبر خط فيديو مؤمن. وبعث الرئيس لي بملاحظة في 23 مايو شكرني فيها على تقريري، وجاء فيها: «تحظى بكل تأييدي وثقتي».

     

    واجرى كبار المسؤولين في الحكومة الاميركية دراسة حول عدم استدعاء جيش صدام حسين. وفي نفس الوقت لم يكن هذا القرار مثيرا للجدل. وعندما عقد سلوكومبي مؤتمرا صحافيا في بغداد في 23 مايو لشرح القرار، حضره صحافيان فقط. وأول مرة سمعت عن شكوك حول القرار كانت في خريف 2003 بعد تصاعد عمليات التمرد. والأكثر من ذلك، كنا على حق في تشكيل جيش عراقي جديد. وبالرغم من الصعوبات التي واجهناها، فإن جنود العراق الجدد هم اكثر قوات الامن فاعلية وأكثرها ثقة. وبالمقارنة فإن قوات الشرطة في عهد البعث، التي استدعيناها، أثبتت عدم الثقة فيها ولا يثق بها الشعب العراقي المفروض أن تحميه.

     

    * الحاكم الأميركي المدني للعراق

     

    ( 2003 ـ 2004)

     

    خدمة «نيويورك تايمز»

  6. عبد الرحمن عارف: سلبية اللامنتمي

    غسان الامام

     

    بهر كولن ولسون عالم الفكر والثقافة عندما أصدر كتابه الشهير (اللامنتمي) في أوائل خمسينات القرن الماضي. كان من الكتب المترجمة النادرة التي تسللت الى المثقفين العرب آنذاك، وسط هدير هستيريا كتب الرداءة الشيوعية المستوردة التي أغرقت سوق الثقافة، ومعها قصص كتاب البروليتاريا المحلية عن لفافة تبغ العامل (أبو أحمد) وبُصاقه وسعاله بعدما أتلف زغب مصنع النسيج (الرأسمالي) رئتيه.

     

    في اللامنتمي، وجد المحايدون العرب طبقتهم الجديدة التي ينتمون إليها. كان الوصف دقيقا لجيل غير منحاز، جيل محايد غير مأخوذ برأسمالية أميركا، وغير مصدِّق لدعاية روسيا لينين وستالين، جيل منسحب بغضب، رافض لعالم الآيديولوجيا الجبارة، صامت بكبرياء الخوف من همجية الصراع الوحشي بين قوى اليسار (التقدمي) وقوى اليمين (الرجعي)، بل وبين اليساريين أنفسهم من قوميين وماركسيين، جيل مشكك بقيم الرأسمالية والماركسية والحداثة المادية، جيل باحث عن انتماء يعبر عن الذات فلا يجده.

     

    بالقطع، أستطيع أن أجزم بأن عبد الرحمن عارف لم يقرأ (اللامنتمي) ولم يسمع بكولن ولسون، لكن عارف شأنه شأن عشرات ملايين العرب كان ذلك (اللامنتمي) المتفرج على الصراعات الدولية والمحلية من غير رغبة في المشاركة فيها. الأطرف والأغرب أن جيل اليوم اللامنتمي لم يسمع بعبد الرحمن عارف، ولا يعرفه، ولم يلفت خبر موته اهتمام القلة القليلة من هذا الجيل التي ربما تقرأ صحيفة يومية.

     

    غير ان الاختلاف الوحيد لعارف عن هذه الملايين المجهولة المنتمية لطبقته (اللامنتمية) هو أن الظروف هيأت له من دون أن يدري، ومن دون أن يسعى، دورا ما في حياة العراق المعاصر يختلف عن طبيعته المنسحبة والمتوارية. وجد «اللواء» عارف نفسه مضطرا لأن يشارك مع أغلبية ضباط الجيش العراقي في انقلاب 1958، من دون أن يتورط في المذابح التي رافقت الانقلاب.

     

    ثم ما لبث عارف أن وجد نفسه ضحية لصراع الانقلابيين. كانت جريمة عارف لدى قائد الانقلاب عبد الكريم قاسم أنه شقيق لعبد السلام عارف. عندما اختلف عبد الكريم مع عبد السلام سُُرِّحَ عبد الرحمن. قعد في البيت. لم يحتج. لم يتآمر. لم يفكر بانقلاب. ما أوسع البون بين الشقيقين! شقيق منسحب وشقيق متحمس متورط كليا في لعبة السياسة والقوة. وهكذا، وجد عبد الرحمن نفسه مرة أخرى في الجيش ورئيسا لأركانه بعدما ظفر عبد السلام بعبد الكريم وأعدمه (1963).

     

    الثورة كالهرة تأكل أبناءها. ما زال مقتل عبد السلام عارف (1966) لغزا محيرا. لكن اختيار الفريق عبد الرحمن رئيسا للعراق خلفا لشقيقه لم يكن لغزا قط. أجمع زملاؤه الضباط على ترئيسه. قطعوا الطريق على عبد الرحمن الآخر، عبد الرحمن البزاز رئيس وزرائه، لمجرد أن البزاز كان مدنيا، وطامعا في أن يكون رئيسا.

     

    ماذا فعل الرئيس اللامنتمي في منصب هو رمز وقمة الانتماء؟ لم يهتم عبد الرحمن بمتابعة التحقيق في ظروف مقتل شقيقه. فقد فاض دجلة بالشائعات: البعثيون وراء مقتله. لا، الشيوعيون. بل انه عبد الناصر هو الذي «تخلص» منه لأنه بات عقبة في طريق الوحدة بين مصر والعراق.

     

    المحيِّر هنا أن ناصر كان قد وضع سابقا طائرته بتصرف عبد السلام ليعود من قمة العرب المغربية مسرعا الى بغداد، إثر محاولة انقلابية فاشلة قام بها (الناصري) عارف عبد الرزاق، بل ها هو المشير عامر يطير الى بغداد ليشارك في تأليب العسكر ضد تنصيب البزاز رئيسا.

     

    وضع الرئيس اللامنتمي سبابتيه في أذنيه. لم يسمع القيل والقال. انصرف الى تحقيق شكل من أشكال الليبرالية الخجولة: حوار سياسي مع الأصدقاء والخصوم. مشاورة مستمرة مع زعماء البلد. أحزاب وصحافة حرة. وزراء تكنوقراط عروبيون على شاكلة عروبته الديمقراطية الهادئة. مشروع مصالحة مع الأكراد. إصلاحات اقتصادية. ساد بغداد شعور بالراحة نسبيا، لكن ربيع اللامنتمي الحالم لم يزهر قط، وسط حمى الصراع الدموي بين البعثيين والشيوعيين، وطموح الناصريين، وطمع العسكريين، والصراع الإقليمي والدولي المتجدد للظفر بالعراق.

     

    نرثي للسياسي عندما ينطفئ الضوء على مسرح حركته. نتجاهله. ننساه. يغدو جثة متحركة. قلة من العراقيين والعرب لم تتذكر عبد الرحمن إلا عندما حانت ساعة الدفن. نشيد بعارف اللامنتمي: بحياده. بتسامحه. بتواضعه. بليبراليته. بسلامه المدني. بزهده بالسلطة... من دون أن نسمح للباحثين أو نشجع المؤرخين، وما أقلهم، على كشف ملابسات وألغاز تاريخ العراق العاصف.

     

    لكن لعل الذين يتذكرون ويرثون يسمحون لي بتحميل اللامنتمي عبد الرحمن عارف القسط الأكبر من مسؤولية تسليم العراق والسلطة الى عصبة البكر وصدام (1968). لم ينبس بكلمة احتجاج. حتى سعدون غيدان رئيس حرسه كان من المتآمرين عليه. كان عارف يعرف سلفا بنيِّة البعث في قلبه. لم يتحرك لإحباط الانقلاب. لم يحرك الجيش. لم يلجأ الى الشارع، الى الصحافة، الى الأحزاب... لفضح الانقلابيين.

     

    كان عارف اللامنتمي الرئيس اللامناسب في المكان المناسب. في سلبية اللاانتماء، اختار عارف الانسحاب والانطواء. لم يفكر بمستقبل العراق. خرج بهدوء الانهزامي الى المنفى في تركيا. عاش في صمت. لم يفتح فمه بكلمة وصدام يسوق زملاءه الضباط الى ساحة الإعدام صفاً وراء صف، ويجند مئات ألوف العراقيين للموت في حروبه الفروسية المجنونة.

     

    لم يناشد عارف مغتصبي السلطة الإفراج عن رئيس وزرائه عبد الرحمن البزاز المحكوم بالإعدام في محكمة صدام، بتهمة التجسس والعمالة، وهو يعرف أن صدام كان يجب أن يقف في المحكمة بتهمة التآمر مع أجهزة المخابرات الغربية للوصول إلى الحكم.

     

    لم يُفْرج عن البزاز إلا بعدما هدَّه التعذيب والمرض في السجن، ليلفظ أنفاسه في مستشفى لندني. بل شاء عارف أن يتوسل صدام للسماح له بالعودة إلى بغداد، ولم يغادرها إلا بعد سقوط نظامه، لاجئا إلى الأردن.

     

    هل اللاانتماء شكل من أشكال الانهزامية؟ كولن ولسون لم يؤثر السلامة التي فضلها عبد الرحمن عارف. كان انسحاب ولسون شكلا من أشكال الاحتجاج والاعتراض على مسببات قلق الإنسان المعاصر إزاء مفاهيم الحداثة في مادية وجهامة تقنيتها الصناعية، بحيث جعلت اللامنتمي، على الرغم منه، مسمارا في ترسها الفولاذي الدائر بسرعة يومية لامتناهية.

     

    هل العرب أمة لامنتمية؟ هل هم أمة محايدة أو مُحيَّدة لامبالية بالخطر المحدق بها؟ أحسب أن معظم العرب لامنتمون، لا تشغلهم قضايا المجتمع والسياسة والاقتصاد. هم يرون في اللاانتماء نوعا من إيثار السلامة وحفظ الكرامة.

     

    نخاف الإرهاب. لكن العرب يموتون بالزلازل والأعاصير والحرائق وحوادث السيارات أكثر مما يموتون بأحزمة ابن لادن الناسفة وظلم ذوي القربى.

     

    ماذا تسمي الملايين التي تصفق للهوانم نانسي وهيفاء؟ لا شك أنهم لامنتمون. المتزمتون والمتعصبون هم القلة في مجتمع حَيَّدَهُ البحث عن العمل أو الخبز، أو حتى راحة الجلوس أمام الانترنت والتلفزيون.

     

    من هم هؤلاء اللامنتمون؟

     

    إنهم رجال التكنوقراط والبيروقراط والإداريون الخائفون على مراكزهم ووظائفهم وكرامتهم. إنهم وزراء عبد الرحمن عارف، من أمثال خير الدين حسيب وعدنان الباجه جي، الذين لم يستغلوا وجودهم في المنفى لإطلاع العرب والعالم على المأساة التي تنتظر العراق في زمن جاهلية صدام. إنهم المثقفون المنسحبون من السياسة والأحزاب. إنها الطبقة الوسطى المنكمشة التي لا تجد مُتَنَفَّسا لها في حرية الثقافة والفكر والعقل، فيما يجري دفع المجتمع بانتظام متسارع إلى الانتماء الى اللاعقل، ويجري سوقه كالقطعان إلى أضرحة الموتى، في مهرجانات مليونية يموت فيها المنتمون المؤمنون في صراعات الأئمة، تماما كما ماتوا يوما في صراعات العسكر والساسة.

  7. بالفعل ان الحرمان وظهور طبقة متنفذه وغنية على حساب الفقراء ، لابد ان تؤدي الى هذه النتيجة المؤلمة، وعلى الحكومة ان تدرس جيدا اسباب هذه الحادثة وامثالها، لان هذا الشاب الذي حرم من كل شي لايهمه الان ان يقوم بأي شيئ، ، ومع كل ذلك فان هناك تعتيما اعلاميا غير مسبوق ، فاحداث العراق تتصدر كل الاخبار ولكن هذا الحدث لم ينكشف بشكل واضح،، وعلى المسؤولين ان يوضحوا بشكل نزيه سبب الاحداث ، وان تكون التحقيقات سريعة ليس فقط لتبيين الحقيقة وانما لمعالجة مشاكل الذين قاموا بهذه الاحداث، والتعامل معهم بشكل يعيدهم الى الطريق الصحيح بعد دراسة مشاكلهم الحقيقية وقد تكون هذه بادرة خير كي يعلم الجميع بان صبر الشارع بدأ ينفذ وان على المسؤولين ان يلتفتوا الى صوت الجماهي وخاصة الطبقات المحرومة
  8. ماذا تفعل عندما تقول لابنك (في الجنة جميع انواع الفواكه والحليب والعسل) ، فيقول لك (أنا لا احب الفواكه ولا الحليب ولا العسل)؟

    هذه مشكلة لا بد من حلها ، وكما قال الامام علي علموا اولادكم على غير عاداتكم فانهم مخلوقون لزمان غير زمانكم، من هنا فلا بد من معالجة الكثير من المسائل بشكل يتناسب مع مجتمع وعادات الطفل، وليس مع ما رأيناه وعشناه نحن

    وقد يكون من الصعب على كثيرين، وهم خارج البلاد العربية او الاسلامية، ان يروا اطفالهم لا يصلون، والحقيقة ان هذه المسألة تحتاج الى جهد يستمر لاعوام كثيرة، والى صبر وتعاون، فمن خلال تتجربتي الشخصية ومن خلال ما شاهدته، لدى الاصدقاء، اود ان افتح باب مناقشة هذه المسألة كي نستتمع الى مختلف الاراء،ـ ،

    وهنا لا بد من التنبيه الى ان الصلاة بالمعنى الذي اعنيه هو الحفاظ على ميراث وروح العائلة الاسلامية ، فالصلاة هي العامل الاقوى في المحافظة على التقاليد، ومن خلالها يبقى الطفل مرتبطا بميراثه الثقافي والفكري، ولا أعني بالصلاة بمعنى الواجب الديني البحت

     

    سوف اضع الملاحطات على شكل نقاط كي يمكن مناقشتها بسهولة، واكرر هنا ان هدفي هو مناقشة الموضوع للاستفادة من مختلف الاراء، أيا كانت ، لان هدف هذا الموضوع هو الاستماع لاراء الغير وتجاربهم ومشاكلهم في هذا المجال

     

    1 الابتداء منذ الصغر مع الطفل، من أجل المحافظة على سقف زمني قبل ان تكون الصلاة واجبة عليه، ولا يكون عليك حرج عندما تعفيه من الصلاة او تتحايل عليه،

     

    +2_ الافضل الصلاة امامه دون ان يصلي هو، كي يبدأ هو بالسؤال عن الصلاة ومعناها وكي يبدأ هو من ذاته بالصلاة دون الطلب منه ذلك

     

    3_ التساهل مع الطفل في مسالة الصلاة كي يشعر منذ البداية بأن الصلاة هي رغبة قبل ان تكون واجبا، فاذا قال مثلا (انا اليوم تعبان ولا استطيع ان اصلي) ، ، يمكنك ان تقول له (اذا انت تعبان فلا تصلي) ، وذا كان الماء باردا وقال ( الماء بارد ، انا اريد ان اصلي بلا وضوء) فلا يهم ، وتستتطيع ان تستغل الفرصة وتعلمه التيمم،

     

    4_

    في كثير مالاحيان يصلي الطفل بشكل سريع ، وقد لا يلفظ الكلمات تماما، وفي ظني الافضل تركه كما يريد، فالمهم هو ان يعرف في البداية الوقوف من اجل الصلاة، ومن ثم المداومة عليها، واهم شيئ في البداية هو المحافظة عليها

     

    5_ بعد ان يبدأ بالمداومة على الصلاة تبدأ شيئا فشيئا بتعديل بعض الاخطاء ، الاهم فالمهم، ولكن ليس دفعة واحدة وانما قليلا قليلا، وفي فترات زمنية متباعدة

     

    6 اذا ذهب الى النوم وقال (انا نعسان ولكن ما صليت) ، فلا بأس ان تتسامح معه،

     

    7+ اذا تحايل عليك وقال بانه صلى ، وتعرف بأنه لم يصل، فلا تكاشفه بالحقيقة ، وتظاهر بأنك صدقته، وانه يقول الحقيقة، كي تزرع فيه الشعور بأنك تصدقه ، وبأنه لا يكذب عليك، ولا تجعل من نفسك رقيبا عليه

     

    _8 لا تلح عليه اذا رأيته مهملا في الصلاة، وانما اتبع اسلوب التشجيع، وعادة يكون التشجيع حسب عادات العائلة وقدرتها ورغبات الطفل، فعلى سبيل المثال ان تعطية شيئا من المال عندما يصلي، او تحقق له رغبة من رغباته، او تقبـّله بشكل غير عادي يشعر من خلاله بأنه قد حقق انجازا،

     

    9+ ان تشجعه بالكلام وتمدحة باستمرار، وتقول له بانه يصلي بشكل رائع وجيد، حتى لو كان يصلي بشكل سريع او خاطئ، المهم هو ان يشعر بأنه يقدم على عمل صحيح

     

    10 لابد من الاستماع باهتمام الى رأي الطفل ، حتى لو كان الراي تافها غير سليم او غير اعتيادي، المهم ان تشعره بأنك مهتم برأيه ،

    لا شك ان هناك ملاحظات عديدة اخرى ولكن هذه الملاحظات ستساعد على فتح باب النقاش

  9. «قشور الباذنجان» لعبدالستار ناصر ... عن هشاشة الفرد العراقي

    سلمان زين الدين الحياة - 23/08/07//

     

    «قشور الباذنجان» هي الرواية الرابعة للروائي والقاص العراقي عبدالستار ناصر (المؤسسة العربية للدراسات والنشر). وهذا العنوان الممانع يبدو عصياً على القراءة، للوهلة الأولى، غير أنه حين نقرأ قول ياسر عبدالواحد راوي الرواية وبطلها: «منذ عشرين سنة والحياة سوداء، رخيصة، تلفانة، تماماً مثل قشور الباذنجان تدوس عليها الحمير والكلاب والقطط السائبة». (ص 86)، ندرك ان اختيار الكاتب هذا المشبّه به عنواناً لروايته ينسجم مع المشبّه الذي اتخذه موضوعاً روائياً وهو حياة الناس البسطاء في العراق، أولئك الذين ألقت بهم الأقدار بين مطرقة نظام مستبد وسندان حرب ضروس، فكانوا الضحايا مرّتين، وباتت حياتهم سوداء، رخيصة، لا قيمة لها كقشور الباذنجان. وكان عليهم أن ينتقلوا من ذاكرة مثقلة بكل أنواع العذابات التي صنعها النظام الى حاضر تسوده الفوضى والقتل المجاني مما أفرزته الحرب.

     

    وبين هذين الحدين، تبدو شخصيات الرواية كأنها تعيش خارج الزمن، فاقدة القدرة على الفعل والاختيار، يكيِّفها النظام مع آلياته أو يخضعها لقمعه فيمسخ فرديتها وإنسانيتها، وتأتي الحرب لتكمل ما بدأه النظام ومارسه طيلة عقود. ولذلك، قد تتجاور في الشخصية الواحدة الضحية والجلاد، وتكثر الانهيارات والخيانات الخاصة انعكاساً للانهيارات والخيانات العامة.

     

    تشكِّل الرواية شهادة على حقبة زمنية متأخرة تقع بين الهزيع الأخير من عمر النظام العراقي السابق والهزيع الأول من عمر الحرب التي شُنَّت على العراق. وتمارس شهادتها من خلال رصد حركة الحياة في سوق حمادة أحد أحياء بغداد في تلك الحقبة، وهي تشهد عليها بعيون ياسر عبدالواحد راوي الرواية وبطلها وعلاقته بالشخصيات الأخرى.

     

    فياسر هذا نجار مثقف يجمع بين العمل اليدوي وحب القراءة، وهو معتقل سابق لدى النظام بتهمة باطلة، يعيش جانباً من القمع في فترة مبكرة من حياته، ويشهد على إفرازات الحرب في مرحلة لاحقة، فتشكل تجربته شهادة على الاستبداد والحرب. وتتوزع روايته للأحداث بين استعادة ذكريات أيقظها حدث معين، ومعاينة وقائع وأحداث أفرزتها الحرب. فهو كسائر الشخصيات موزع بين ذاكرة مثقلة بالعذابات وحاضر مخضَّب بالقتل والخطف والاغتصاب والخيانة، ما يجعل الحياة رخيصة، سوداء كقشور الباذنجان.

     

    بعد عشرين سنة على اعتقاله، يستقبل الراوي غريباً جاءه معتذراً عما فعله به، طالباً السماح منه، فتوقظ الزيارة ذكريات مرة عن اعتقاله في رمس ومعاناته شتى أساليب التعذيب. وإذ يعرف أن الزائر الغريب هو دوهان معروف البيجات المحقق الجلاد الذي كان يشرف على تعذيبه في المعتقل، يندلع فيه صراع داخلي بين ضميره الذي يدعوه الى الغفران وذاكرته التي تأبى ذلك، ينحاز فيه الى هذه الأخيرة. غير أنه، وإزاء إصرار المحقق التائب، واستعداده لبذل أي شيء يريحه من عذاب الضمير، ومعرفة الضحية بعد الاطلاع على دفتر اعترافات الجلاد انه كان بدوره ضحية النظام وآلياته، يُقرر ياسر أن يسامح جلاده ويغفر له.

     

    في مواجهة آليات النظام والحرب، كان على شخصيات الرواية أن تجترح آليات الدفاع بما يحررها من ماضٍ ثقيل ويصالحها مع حاضر قاس. غير أن معظم الشخصيات فشل في إقامة التوازن المستحيل بين قوة النظام وهشاشة الفرد. فالنظام السياسي أو الاجتماعي يسحق شخصية الفرد ويحولها الى مجرد رقم صغير في حركته الماحقة.

     

     

    ذكريات الطفولة

     

    فياسر راوي الرواية وبطلها يواجه تجربة الاعتقال بالهرب الى ذكريات الطفولة ما يمنحه القدرة على الاستمرار، ويواجه اليأس والفراغ باللجوء الى الكتابة في نهاية الرواية. وعلى رغم ادعائه الالتزام بالقيم الاجتماعية لا يتورّع عن السقوط في خيانة صديقه حيران والوقوع في حبائل زوجته أنيسة ما يقول قدرة الظروف على تكييف الفرد وفق آلياتها.

     

    ودوهان البيجات المحقق السابق حين فشل في ممارسة التحقيق بحسب الأصول، ووجد نفسه مضطراً الى الخضوع لآليات النظام تحت طائلة الخوف على نفسه وأسرته، يواجه الصراع الذي يعيشه بكتابة اعترافاته خلال العمل ويحاول أن يتخلص من عذاب الضمير بدفع المال والاستغفار من ضحاياه.

     

    وحيران صديق ياسر الذي يتعرض لخيانة زوجته والخطف والاغتصاب لا يجد سوى الانتحار يثأر به لكرامته الجريحة.

     

    وسلافة شقيقة ياسر التي أبت على نفسها الزواج بعد مقتل زوجها في إحدى حروب النظام تجد نفسها مدفوعة بحكم الظروف الى القبول بحيران زوجاً لها.

     

    أما أنيسة زوجة حيران التي أدمنت خيانته فتبدو منسجمة مع نفسها والظروف العامة التي تحضن الخيانات والانهيارات.

     

    وتأتي النهايات الفاجعة لمعظم الشخصيات لتكرّس قوة النظام/ الفوضى في محق شخصية الفرد، ولتعكس مصيرها الشبيه بمصير قشور الباذنجان التي «تدوس عليها الحمير والكلاب والقطط السائبة». (ص 86)، فالعثور على المحقق مذبوحاً، انتحار حيران، ويأس سلافة، وطلاق أنيسة وخياناتها هي النهايات الطبيعية لشخصيات تعيش حياة غير طبيعية. وحده الراوي يُشكِّل الاستثناء من هذه النهايات حين يقرر مواجهة اليأس والفراغ بالكتابة، فتغدو الكتابة خشبة الخلاص والوجه الآخر للحياة.

     

    في «قشور الباذنجان» يتقاطع الروائي مع الراوي في مواقع كثيرة، فكلاهما يبدأ بكتابة النص نفسه، وكلاهما يُصدِّر عن الخلفية الثقافية نفسها تلك التي تشكل الرواية والشعر والسينما بعض مكوِّناتها، فالراوي المثقف الذي يربط بين الذكريات المستعادة والوقائع المسرودة والنصوص المقروءة والأفلام المشاهدة في علاقة تفاعلية داخل المسرود/ المكتوب ما هو إلا انعكاس للروائي.

     

    وسواء تقاطع عبدالستار ناصر مع ياسر عبدالواحد أو اختبأ خلفه أو افترق عنه، فإنه قدم في «قشور الباذنجان» نصاً روائياً سلساً، متماسكاً، بلغة طلية تغلِّب التقرير على التصوير، وتؤثر المباشرة على المداورة، وتُكثر من السرد وتُقلّ من الحوار في عالم مرجحي لا يقيم وزناً للحوار، وتترجح بين رصد الحركة الخارجية للشخصيات وسبر الاعتمالات الداخلية في بعضها.

     

    وهكذا، لا تكون «قشور الباذنجان» الرواية اسماً على مسمى، بل هي رواية تستحق القراءة.

     

     

    <h1>«قشور الباذنجان» لعبدالستار ناصر ... عن هشاشة الفرد العراقي</h1>

    <h4>سلمان زين الدين الحياة - 23/08/07//</h4>

    <p>

    <p>«قشور الباذنجان» هي الرواية الرابعة للروائي والقاص العراقي عبدالستار ناصر (المؤسسة العربية للدراسات والنشر). وهذا العنوان الممانع يبدو عصياً على القراءة، للوهلة الأولى، غير أنه حين نقرأ قول ياسر عبدالواحد راوي الرواية وبطلها: «منذ عشرين سنة والحياة سوداء، رخيصة، تلفانة، تماماً مثل قشور الباذنجان تدوس عليها الحمير والكلاب والقطط السائبة». (ص 86)، ندرك ان اختيار الكاتب هذا المشبّه به عنواناً لروايته ينسجم مع المشبّه الذي اتخذه موضوعاً روائياً وهو حياة الناس البسطاء في العراق، أولئك الذين ألقت بهم الأقدار بين مطرقة نظام مستبد وسندان حرب ضروس، فكانوا الضحايا مرّتين، وباتت حياتهم سوداء، رخيصة، لا قيمة لها كقشور الباذنجان. وكان عليهم أن ينتقلوا من ذاكرة مثقلة بكل أنواع العذابات التي صنعها النظام الى حاضر تسوده الفوضى والقتل المجاني مما أفرزته الحرب.</p>

    <p>وبين هذين الحدين، تبدو شخصيات الرواية كأنها تعيش خارج الزمن، فاقدة القدرة على الفعل والاختيار، يكيِّفها النظام مع آلياته أو يخضعها لقمعه فيمسخ فرديتها وإنسانيتها، وتأتي الحرب لتكمل ما بدأه النظام ومارسه طيلة عقود. ولذلك، قد تتجاور في الشخصية الواحدة الضحية والجلاد، وتكثر الانهيارات والخيانات الخاصة انعكاساً للانهيارات والخيانات العامة.</p>

    <p>تشكِّل الرواية شهادة على حقبة زمنية متأخرة تقع بين الهزيع الأخير من عمر النظام العراقي السابق والهزيع الأول من عمر الحرب التي شُنَّت على العراق. وتمارس شهادتها من خلال رصد حركة الحياة في سوق حمادة أحد أحياء بغداد في تلك الحقبة، وهي تشهد عليها بعيون ياسر عبدالواحد راوي الرواية وبطلها وعلاقته بالشخصيات الأخرى.</p>

    <p>فياسر هذا نجار مثقف يجمع بين العمل اليدوي وحب القراءة، وهو معتقل سابق لدى النظام بتهمة باطلة، يعيش جانباً من القمع في فترة مبكرة من حياته، ويشهد على إفرازات الحرب في مرحلة لاحقة، فتشكل تجربته شهادة على الاستبداد والحرب. وتتوزع روايته للأحداث بين استعادة ذكريات أيقظها حدث معين، ومعاينة وقائع وأحداث أفرزتها الحرب. فهو كسائر الشخصيات موزع بين ذاكرة مثقلة بالعذابات وحاضر مخضَّب بالقتل والخطف والاغتصاب والخيانة، ما يجعل الحياة رخيصة، سوداء كقشور الباذنجان.</p>

    <p>بعد عشرين سنة على اعتقاله، يستقبل الراوي غريباً جاءه معتذراً عما فعله به، طالباً السماح منه، فتوقظ الزيارة ذكريات مرة عن اعتقاله في رمس ومعاناته شتى أساليب التعذيب. وإذ يعرف أن الزائر الغريب هو دوهان معروف البيجات المحقق الجلاد الذي كان يشرف على تعذيبه في المعتقل، يندلع فيه صراع داخلي بين ضميره الذي يدعوه الى الغفران وذاكرته التي تأبى ذلك، ينحاز فيه الى هذه الأخيرة. غير أنه، وإزاء إصرار المحقق التائب، واستعداده لبذل أي شيء يريحه من عذاب الضمير، ومعرفة الضحية بعد الاطلاع على دفتر اعترافات الجلاد انه كان بدوره ضحية النظام وآلياته، يُقرر ياسر أن يسامح جلاده ويغفر له.</p>

    <p>في مواجهة آليات النظام والحرب، كان على شخصيات الرواية أن تجترح آليات الدفاع بما يحررها من ماضٍ ثقيل ويصالحها مع حاضر قاس. غير أن معظم الشخصيات فشل في إقامة التوازن المستحيل بين قوة النظام وهشاشة الفرد. فالنظام السياسي أو الاجتماعي يسحق شخصية الفرد ويحولها الى مجرد رقم صغير في حركته الماحقة.</p>

    <p>

     

    <h3>ذكريات الطفولة</h3>

     

    </p>

    <p>فياسر راوي الرواية وبطلها يواجه تجربة الاعتقال بالهرب الى ذكريات الطفولة ما يمنحه القدرة على الاستمرار، ويواجه اليأس والفراغ باللجوء الى الكتابة في نهاية الرواية. وعلى رغم ادعائه الالتزام بالقيم الاجتماعية لا يتورّع عن السقوط في خيانة صديقه حيران والوقوع في حبائل زوجته أنيسة ما يقول قدرة الظروف على تكييف الفرد وفق آلياتها.</p>

    <p>ودوهان البيجات المحقق السابق حين فشل في ممارسة التحقيق بحسب الأصول، ووجد نفسه مضطراً الى الخضوع لآليات النظام تحت طائلة الخوف على نفسه وأسرته، يواجه الصراع الذي يعيشه بكتابة اعترافاته خلال العمل ويحاول أن يتخلص من عذاب الضمير بدفع المال والاستغفار من ضحاياه.</p>

    <p>وحيران صديق ياسر الذي يتعرض لخيانة زوجته والخطف والاغتصاب لا يجد سوى الانتحار يثأر به لكرامته الجريحة.</p>

    <p>وسلافة شقيقة ياسر التي أبت على نفسها الزواج بعد مقتل زوجها في إحدى حروب النظام تجد نفسها مدفوعة بحكم الظروف الى القبول بحيران زوجاً لها.</p>

    <p>أما أنيسة زوجة حيران التي أدمنت خيانته فتبدو منسجمة مع نفسها والظروف العامة التي تحضن الخيانات والانهيارات.</p>

    <p>وتأتي النهايات الفاجعة لمعظم الشخصيات لتكرّس قوة النظام/ الفوضى في محق شخصية الفرد، ولتعكس مصيرها الشبيه بمصير قشور الباذنجان التي «تدوس عليها الحمير والكلاب والقطط السائبة». (ص 86)، فالعثور على المحقق مذبوحاً، انتحار حيران، ويأس سلافة، وطلاق أنيسة وخياناتها هي النهايات الطبيعية لشخصيات تعيش حياة غير طبيعية. وحده الراوي يُشكِّل الاستثناء من هذه النهايات حين يقرر مواجهة اليأس والفراغ بالكتابة، فتغدو الكتابة خشبة الخلاص والوجه الآخر للحياة.</p>

    <p>في «قشور الباذنجان» يتقاطع الروائي مع الراوي في مواقع كثيرة، فكلاهما يبدأ بكتابة النص نفسه، وكلاهما يُصدِّر عن الخلفية الثقافية نفسها تلك التي تشكل الرواية والشعر والسينما بعض مكوِّناتها، فالراوي المثقف الذي يربط بين الذكريات المستعادة والوقائع المسرودة والنصوص المقروءة والأفلام المشاهدة في علاقة تفاعلية داخل المسرود/ المكتوب ما هو إلا انعكاس للروائي.</p>

    <p>وسواء تقاطع عبدالستار ناصر مع ياسر عبدالواحد أو اختبأ خلفه أو افترق عنه، فإنه قدم في «قشور الباذنجان» نصاً روائياً سلساً، متماسكاً، بلغة طلية تغلِّب التقرير على التصوير، وتؤثر المباشرة على المداورة، وتُكثر من السرد وتُقلّ من الحوار في عالم مرجحي لا يقيم وزناً للحوار، وتترجح بين رصد الحركة الخارجية للشخصيات وسبر الاعتمالات الداخلية في بعضها.</p>

    <p>وهكذا، لا تكون «قشور الباذنجان» الرواية اسماً على مسمى، بل هي رواية تستحق القراءة.</p>

    </p>

  10. علماء أزهريون: القرآنيون مرتدون.. والأدلة من الكتاب المقدس تدينهم

     

    وصفوهم بأنهم غير مسلمين ويعملون على تخريب الدين ويؤكدون أن السنة وحي من الله لرسوله

     

     

    يتصدى الجامع الأزهر في القاهرة من خلال علمائه ومشايخه إلى كثير من الآراء التي تحاول المساس بالدين الإسلامي. («الشرق الاوسط»)

     

    القاهرة: محمد خليل

    شغلت قضية «القرآنيين» الأوساط الدينية والرأي العام المصري في الآونة الأخيرة. وفيما يدرس مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الفتوى التي أعدتها لجنة السنة بالمجمع والتي تنص على اعتبار جماعة القرآنيين (منكرو السنة) جماعة مرتدة عن الإسلام إن أصروا على موقفهم الرافض للعمل بالسنة. واستندوا في فتواهم باعتبار أن هؤلاء انكروا معلوما من الدين. محكمة جنح الأحداث بالقاهرة قررت حبس ما يعرف «بجماعة القرآنيين» 15 يوما على ذمة التحقيقات بتهمة ازدراء الدين الإسلامي والترويج لأفكار متطرفة في الأوساط الاجتماعية، من شأنها إثارة الفتنة والقلاقل، وسعيهم لإقناع الآخرين بها.

    وبتتبع تاريخ تأسيس حركة القرآنيين في مصر نجد أنه يرجع إلى فترة الثمانينات من القرن الماضي، وهم يبررون رفضهم للسنة النبوية والاعتماد على القرآن الكريم وحده بأن أحاديث النبي محمد صلى الله عليه وسلم قد تعرضت للتشويه عبر تناقلها شفاهة عبر الأجيال. إذ يشيرون إلى أنه لم يتم تدوينها إلا في القرن الثالث الهجري، أي بعد أكثر من مائتي سنة على وفاة الرسول.

     

    وقد تعرضت هذه الجماعة لسلسلة من الملاحقات والاعتقالات، بدءا من عام 1987، مما دفع مؤسسها الدكتور صبحي منصور إلى الفرار للولايات المتحدة.

     

    وتؤكد فتوى لجنة السنة بمجمع البحوث الاسلامية بالأزهر: إن من ينكر السنة ليس مسلماً، باعتبارها المصدر الثاني من مصادر التشريع في الإسلام بعد كتاب الله الكريم.. في هذا السياق طرحت «الشرق الأوسط» على مائدة علماء الأزهر هذا التساؤل: هل في القرآن الكريم ما يدل على أن سنة النبي صلى الله عليه وسلم وحي من عند الله وبالتالي تصير حجة ملزمة في الأحكام مثل القرآن؟ وهل منكروا السنة أو «القرآنيون» كما يطلقون على أنفسهم مسلمون، أم إنهم مشكوك في إيمانهم، وهل ثمة مبررات لدعوتهم بالاعتماد على القرآن وإغفال السنة في حياة المسلمين؟!.

     

    في تعليقه، قال الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر، إن الذين ينادون بالاعتماد على القرآن الكريم فقط وترك السنة النبوية جهلاء وكذابون ولا يفقهون فى الدين شيئا ولا يعرفون أركانه وثوابته. لأن السنة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم هي أيضاً من عند الله تعالى بمعناها، أما ألفاظها فبإلهام من الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم. وأكد أنه لا يمكن إغفال السنة النبوية المطهرة مطلقا لأنها جاءت شارحة ومبينة لما تضمنه القرآن الكريم من أحكام.

     

    ويقول الدكتور احمد الطيب مفتي مصر السابق رئيس جامعة الأزهر: إن العبث بسنة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم والاجتراء على قدسيتها أمر قديم قدم الإسلام نفسه ولن يتوقف ما دام أمر هذا الدين قائما.

     

    وأضاف أنه من الطبيعي أن يطل برأسه الآن ومستقبلا وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وهذا الذي يحدث بين الحين والحين من توجهات تدعو المسلمين إلى أن ينفضوا أيديهم من أحاديث نبيهم الكريم جملة وتفصيلا بالتشكيك في توثيق هذه الأحاديث مرة وبالطعن فى سيرة الرواد من رواة الأحاديث وأئمته من أهل السنة على وجه الخصوص.

     

    وأشار الطيب إلى أن ظهور هذه التوجهات هو في ما أرى من دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم واستشرافه لغيوب المستقبل ويقظته المبكرة في التحذير من هذه الدعوات التي تفصل بين القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة وتدعونا الى الاعتماد على القرآن فقط دون غيره. ويخاطبهم الدكتور الطيب، متسائلا أين هم من قول النبي صلى الله عليه وسلم: «ألا أنى أوتيت الكتاب ومثله معه ألا يوشك رجل شبعان على أريكته، يقول عليكم بهذا القرآن، فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه وما وجدتم فيه من حرام فحرموه وإن ما حرم رسول الله كما حرم الله».

     

    ويسترسل فيقول «هذا الحديث يلخص لنا في إيجاز نبوي معجز كل معارك هؤلاء الذين يطالبوننا الآن بأن نكون قرآنيين فنعتمد على القران وحده ونلقي بالسنة النبوية في مهب الريح». ويوضح الدكتور الطيب أول ما ينبهنا إليه النبي صلى الله عليه وسلم هو القرآن الكريم، وليس هو الوحي فقط بل هناك وحي ثان مماثل للقرآن وفى منزلته أتاه الله للنبي صلى الله عليه وسلم وله نفس حجية القرآن على المسلمين يوم القيامة وهذا الوحي الذي فى منزلة القرآن هو سنة النبي صلى الله عليه وسلم وما صدر عنه ـ في مجال التبليغ ـ من أوامر ونواه وتوجيهات وبيان للقرآن الكريم. لافتا إلى أنه في الحديث السابق أيضا تنبيه أو إشارة إلى أن أصحاب هذه الدعوات غالبا ما يكونون من أهل الشبع والراحة وليسوا من أهل العلم بالله تعالى، وان مبلغ أمرهم مظاهر وآرائك وما إليها من مكاتب ومعاهد ومراكز.

     

    وحول ما يدل على أن سنة النبي صلى الله عليه وسلم حجة على المسلمين مثل القرآن. يقول رئيس جامعة الأزهر: نعم هذا مثبت في آيات كثيرة وذلك في قول الله تعالى «وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا». ويشير إلى أن هنا أوامر ونواه تصدر عن الرسول صلى الله عليه وسلم وتنص الآية على وجوب الالتزام بهما، ومنها قوله تعالى «وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم»، مفيدا أن الآية صريحة في أنه ليس للمؤمن خيار بعد قضاء الله وقضاء رسوله صلى الله عليه وسلم ـ فللرسول هنا ـ وبنص الآية قضاء.

     

    ويوضح أن يفهم من ذلك أنه حجة علينا مثل قضاء الله تماما بتمام ومنها قول الله تعالى: «قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول» وطاعة الرسول إنما تعنى الالتزام ببلاغه النبوي الذي هو سنته، أيضا هناك آيات صريحة في القرآن الكريم تحدد مهمة النبي صلى الله عليه وسلم بأنها مهمة تبين القرآن للناس مما يعني ان السنة بيان للقرآن الكريم مثل قول الله تعالى: «وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم».

     

    ويتابع رئيس جامعة الأزهر فيقول لقد سمي القرآن الكريم هذا البيان النبوي حكمة يعلمها النبي للمؤمنين فقال في آيات عدة: «ويعلمهم الكتاب والحكمة»، والكتاب هو القرآن والحكمة هي البيان النبوي المتعلق بأمور المسلمين عقيدة وشريعة وأخلاقا وقد نص القرآن الكريم على أن الله أنزل الكتاب الذي هو القرآن وأنزل معه الحكمة التي هي سنة رسوله جنبا إلى جنب. ويستند أيضا فيما ذهب إليه الى ما جاء فى القرآن أيضا: «فان تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله»، وهذا خطاب إلهي عام للمؤمنين إلى قيام الساعة، والرد إلى الله في الآية يعني الاحتكام إلى القرآن، أما الرد الى الرسول صلى الله عليه وسلم فمعناه الرجوع إليه فى حياته وسؤاله مباشرة، أما بعد وفاته فالرجوع إلى سنته.

     

    واختتم الدكتور الطيب حديثه قائلاً: لولا السنة والأحاديث النبوية لضاع أكثر هذا الدين ولما عرفنا فى أغلب أحكامه يمينا من شمال ولأصبح الإسلام دين عموميات لا هوية ولا امتياز له عن غيره بل أصبح دعوى إيمانية مفتوحة على مصاريعها لكل أهواء البشرية وضلالاتها وانحرافاتها. من جانبه يقول الدكتور عبد الحكم الصعيدي الأستاذ بجامعة الأزهر إن النبي صلى الله عليه وسلم قد تنبأ بهذه الفرقة فقال: «يوشك رجل شبعان يجلس على أريكته يقول: بيننا وبينكم كتاب الله فما وجدنا فيه من حلال أحللناه وما وجدنا فيه من حرام حرمناه ألا ان ما شرع رسول الله مما شرع الله»، فكأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه الله هذه الفراسة وأطلعه على الفرقة الضالة.

     

    ويحاجهم قائلا «لو أنهم يعرفون القرآن ودرسوه وفهموه لأدركوا هذا المعنى الذي أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم فى قوله: «ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه»، فإننا نجد المماثلة لا تتحقق في شيء غير السنة النبوية، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم جاءنا بهذين الأصلين معا: القرآن والسنة، فدل ذلك على أن السنة وحي من الله عز وجل.

     

    ويضيف الدكتور الصعيدي: كما أننا لا نستطيع أن نلمس توصيفا لكيفية الصلاة التي جاء بها الأمر فى القرآن ولا عدد ركعاتها إلا فى قول النبي صلى الله عليه وسلم «صلوا كما رأيتموني أصلي» وقوله أيضا «خذوا مناسككم عني».

     

    ويشير الصعيدي في ذلك إلى أن القرآن لم يبين كيفية الصلاة وأركانها وشروطها بل بينته السنة، وكذلك الصيام والزكاة والحج وباقي العبادات الأخرى. لافتاً إلى أن هناك الكثير والكثير من الأدلة والشواهد التي تؤكد أن السنة وحي من عند الله وهي بمثابة المذكرة التوضيحية لما جاء في القرآن الكريم. فقد جاءت امرأة إلى عبد الله بن عباس رضي الله عنه لما سمعت الحديث الذي رواه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النامصة والمتنمصة: «لعن الله النامصة والمتنمصة والواشمة والمستوشمة والواصلة والمستوصلة» فقالت المرأة لابن عباس: لقد قرأت ما بين اللوحين (أي ما بين دفتى المصحف) فما وجدت الذي تقول. فقال لها ابن عباس: إن كنت قرأتيه فقد وجدتيه أي وجدت هذا الحديث فى القرآن، قالت قرأت، قال لها ألم تقرئى قول الله تعالى: «وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا» فحينئذ علمت أن الحق في السنة. من جانبه يقول الشيخ يوسف البدري عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بالقاهرة ان هؤلاء منطقهم عجيب غريب إذ أنهم يقولون ان القرآن يكفينا وهم بذلك ينكرون ما جاء فى القرآن الكريم في الوقت الذي يزعمون أن ولاءهم للقرآن وحده. والله تعالى يقول في القرآن: «وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا» وبالتالي إذا كانوا ينكرون السنة فكيف يطبقون هذا النص الكريم ؟!. أولم يقرأوا قول الله تعالى: «ومن يطع الرسول فقد أطاع الله» وقوله تعالى: «ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا».

     

    وأضاف الشيخ البدري أن هؤلاء القرآنيين هم أناس ضالون مضلون انكروا معلوما من الدين بالضرورة وبالتالي فحكمهم أنهم كفار مرتدين عن الإسلام. من جانبه يقول الدكتور محمد عبد المنعم البري الأستاذ بقسم التفسير والحديث بجامعة الأزهر: لقد اتفقت كلمة المسلمين خلفا وسلفا على أن السنة الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم حجة في الدين يجب اتباعها وعدم التفريط فيها، وأنها قسم من أقسام الوحي تحرم مخالفتها، سواء في ذلك سنة النبي القولية، أو العملية، أو التقريرية.

     

    ويضيف «فقد أمر القرآن الكريم بطاعة الرسول فيما أمر به أو ما نهى عنه صلى الله عليه وسلم، وحذر من مخالفته، ونفى الإيمان عمن لم يتحاكم إلى سنته، لقول الله تعالى: «فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم».

     

    ويورد الشيخ البدري أدلة آخرى بحسب ما ورد في القرآن، حيث قال تعالى: «من يطع الرسول فقد أطاع الله» وقوله تعالى: «وما ينطق عن الوحي إن هو إلا وحي يوحى» وبالتالي فان الاستمساك بالسنة هو استمساك بالقرآن، لأن السنة مبينة للقرآن قال تعالى: «وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم». ويضيف الدكتور البدري أن حجج منكري السنة تقوم على مغالطات وتأويلات باطلة منها تأويلهم لقول الله تعالى: «ما فرطنا في الكتاب من شيء» فقد قالوا: إنه لا حاجة إلى مصدر آخر في التشريع غير القرآن، لأن الله تعالى لم يفرط فيه من شيء، فليعلموا أن عدم التفريط في القرآن الكريم يكون إما بالنص على بيان الأحكام في القرآن ذاته، وإما بالإحالة على السنة النبوية المطهرة، وكذلك نجدهم يستشهدون بتأويل خاطئ لقول الله تعالى: «ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء». فقد ادعى منكرو السنة أن في القرآن كفاية، لأن فيه بيانا لكل شيء.

     

    ويضيف «وهم لا يعلمون أن في القرآن بيانا لكل شيء إذا علمنا بكل آياته، لا فيما إذا علمنا ببعض آياته وأعرضنا عن بعضها، ولذلك يقول أبو بكر الصديق رضي الله عنه: «والله لو ضاع قيد بعير لو وجدت حكمه في القرآن».

     

    وتساءل الدكتور البري قائلا: فليجيبني المطالبين بالاعتماد على القرآن الكريم فقط دون السنة، كيف يصلون ويصومون ويحجون ويعتمرون ويتزوجون بالاعتماد على الأحكام المجملة التي جاءت في القرآن فقط دون الرجوع إلى السنة النبوية؟ وما عدد ركعات الصلوات المكتوبة وأوقاتها وكيفيتها في القرآن؟ فمن يقول بالاعتماد على القرآن الكريم فقط دون السنة كذاب ومخادع لا يعرف من أمر الدين شيئا.

     

    ويسترسل في حديثه فيقول «الحرام ما حرمه الله في كتابه، أو حرمه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في سنته، كما أن الواجب ما أوجبه الله أو أوجبه رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومن قال بالاكتفاء بالقرآن وإغفال السنة النبوية ليس بمسلم، لأنه بإنكاره السنة يكون قد خلع ربقة الإسلام من عنقه».

     

    أما الشيخ محمود عاشور وكيل الأزهر السابق عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر فيؤكد أن السنة النبوية الشريفة مصدر من مصادر هذا الدين، سواء للتشريع أو للتوجيه، والذين ينكرون السنة، هؤلاء في الحقيقة مكابرون ولا منطق لهم فكيف يستطيع المسلم أن يفهم القرآن بدون السنة فالذي ينكر السنة إنما ينكر القرآن نفسه.

     

    ويخلص إلى أن منكري السنة خارجون عن الإسلام لان النبي صلى الله عليه وسلم لا يبلغ إلا ما يوحى إليه ومن ثم وجب علينا طاعته والتأسي به والاحتجاج بسنته مصداقا لقول الله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول» وقوله تعالى: «من يطع الرسول فقد أطاع الله»، كما أنه سبحانه أمر المسلمين أن يأتمروا بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وينتهوا بنهيه، في قوله سبحانه: «وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا».

     

    ويبين الشيخ عاشور: أن القرآن الكريم اشتمل على آيات تدل على ان النبي صلى الله عليه وسلم قد أوحى إليه غير القرآن أي السنة مصداقا لقوله تعالى: «ويعلمهم الكتاب والحكمة».

     

    ويؤكد الشيخ عاشور أهمية تحصين المجتمع الاسلامى من أفكار هؤلاء الأدعياء المخربون الذين يدعون لهدم الإسلام، فهم ـ على حد قوله ـ أخطر على الإسلام من أي فرقة أخرى تدعى الإسلام وتعمل بما يخالف شرعه القويم.

     

    وخلص الشيخ عاشور بأن منكري السنة عملاء ومدسوسون على الإسلام والمسلمين لخدمة أغراض خبيثة وشريرة يريد أصحابها أن يهدموا الإسلام من خلال استخدامهم لأسلحة أكثر خطورة وفتكا من أي أسلحة أخرى، حيث انهم يستغلون الجهلاء والمارقين عن الإسلام كمنابر للدعوة ضده، لكن جميع محاولاتهم ستبوء بالفشل لأن الله عز وجل قد تعهد بحفظ دينه.

  11.  

    علاقة مريبة بين الصداع النصفي وأمراض شرايين القلب والدماغ

     

    أبحاث علمية جديدة حول المرض الذي يسبب الآلام للملايين

     

     

    (كي آر تي)

     

    الرياض: د. حسن محمد صندقجي

    الاهتمام الطبي بالعلاقة بين الصداع النصفي migraine وبين احتمالات الإصابة بتداعيات أمراض شرايين القلب أو الدماغ يأخذ اليوم بعداً أكثر جدية. وأحد الأمثلة على هذا، احتواء عدد أغسطس من مجلة ألم الرأس العلمية البريطانية Cephalalgia، لسان حال المجمع الدولي للصداع International Headache Society (IHS)، على أكثر من أربعة بحوث ودراسات مراجعة حول ما هو معلوم حتى اليوم عن العلاقة فيما بينهما.

    ولئن كان الباحثون يتساءلون منذ فترة طويلة، لماذا لا يزال من الخفي على الأطباء توقع احتمالات وجود أي أمراض في شرايين الدماغ أسوة بتوقعهم ذلك في أمراض شرايين القلب، فإن البدء الطبي بالنظر إلى بعض مظاهر أعراض الجهاز العصبي في الدماغ يُمكن أن يُؤدي إلى فهم أفضل للوسائل الممكنة في التوقع المنشود، وبالتالي تحسين فاعلية وسائل الوقاية والمعالجة. وعلى سبيل المثال، فإن شكوى الإنسان من ألم في الصدر أو ضيق في التنفس أو خفقان القلب، هي علامات على احتمال أن يكون ثمة مرض في الشرايين التاجية، ما قد يكون سبباً في حصول النوبة القلبية أو ما يُعرف بالجلطة القلبية. لكن هذه الأمور نفتقد معرفة وتحديد مثلها في حال السكتة الدماغية، حيث إنها تقع دوماً بشكل مفاجئ لنا كأطباء أو مرضى.

     

    ومما يبدو مطروحاً بشكل جاد هو أنه من غير المتوقع أن لا تكون هناك علامات منذرة كأعراض تظهر بشكل مسبق على المريض، وربما بصفة متكررة، لتشير ولو بقدر ضئيل من الدلالة إلى أن ثمة مرضاً ما في الشرايين الدماغية يرفع من احتمال تسببه بالسكتة الدماغية. بيد أن الإشكالية الطبية العلمية حتى اليوم : ما هي هذه العلامات أو الأعراض؟

     

    * اهتمام بالصداع النصفي ومن بين الأعراض المتعددة لأمراض أو اضطرابات أو خلل أداء أجزاء الجهاز العصبي المركزي لوظائفها، يبدو أن الصداع، خاصة الصداع النصفي أو ما يُعرف بالشقيقة، يحتل مكانة في احتمال أن تكون الشكوى منه مقدمة أو علامة على وجود أمراض في الشرايين الدماغية، وهي التي قد تتسبب بالسكتة الدماغية كأحد تداعيات حالات نقص أو انقطاع تزويد مناطق من الدماغ بالدم المحمل بالأوكسجين، أو ما تُدعى حالات إسكيميا الدماغ.

     

    ويقول الدكتور توبياس كيرث، من قسم الشيخوخة في مستشفى النساء ببوسطن بالولايات المتحدة، في مقدمة بحث المراجعة المنشور له في عدد أغسطس من "مجلة ألم الرأس" تحت عنوان الصداع النصفي وأحداث الإسكيميا الوعائية ischaemic vascular events : إن الربط فيما بينهما مطروح للنقاش العلمي منذ سنوات. والآليات المرضية الفسيولوجية لظهور حالة الشقيقة معروفة اليوم بتفصيل واسع نتيجة للدراسات المستفيضة حولها. وعلى وجه الخصوص معلوم أن اضطرابات الأداء التي تعتري خلايا الدماغ والشرايين تشكل عنصراً مهماً وحاسماً في ظهور هذه الحالة.

     

    وكان الهدف من دراسته هو مناقشة الآليات البيولوجية الحيوية المحتملة وعرض الأدلة العلمية التي تربط فيما بين الصداع النصفي وحالات السكتة الدماغية الناجمة عن الإسكيميا. وكذلك فيما بينها وبين حالات تداعيات وجود أمراض في شرايين القلب تُؤدي إلى إسكيميا في أجزاء من عضلة القلب. وحتى مع اعتبار أن أمراض الشرايين في الجسم غالباً لا تقتصر على شرايين أعضاء دون أخرى، فإن ثبوت قوة الارتباط فيما بين الشقيقة وبين السكتة الدماغية الإسكيمية، مع عدم وجود ذلك الرابط القوي بين الشقيقة وتداعيات أمراض شرايين القلب، يقول لنا شيئين مهمين:

     

    الأول: هو أن الشقيقة قد تكون علامة خاصة باحتمالات ما قد يُؤذي الدماغ دون ما قد يُؤذي القلب، مثلها في ذلك اعتبار الشكوى من ألم الصدر دلالة على ارتفاع احتمالات وجود مرض في شرايين القلب دون شرايين الدماغ.

     

    الثاني: أن الذكاء الطبي هو في كيفية استغلال هذا ليس فقط في الإخبار المجرد لمرضى الشقيقة بوجوب الاهتمام بصحة شرايينهم لوقاية أدمغتهم، بل في إنتاج وسيلة لفحص حال شرايين الدماغ لدى عامة الناس عبر اختبار لتحفيز حصول هذا النوع من الصداع مثلاً، أي أشبه باستخدام اختبار جهد القلب في التسبب بألم في الصدر وتغيرات في تخطيط القلب لدى منْ لديهم أمراض في الشرايين التاجية دون بقية الناس السليمين.

     

    * السكتة الدماغية والشقيقة والصداع النصفي يُعتبر أحد الاضطرابات العصبية الوعائية neurovascular الشائعة جداً. وخلال السنوات القليلة الماضية تكونت مجموعة من الدراسات الطبية التي ربطت فيما بين نوبة الصداع النصفي، خاصة النوع المصاحب له حالة الإحساس المسبق بقرب حصول النوبة aura، وبين حالات السكتة الدماغية الناجمة عن الإسكيميا.

     

    وكانت دراسة تحليلية، نُشرت عام 2004 ، قد قامت بمراجعة نتائج 11 دراسة سابقة حول هذا الشأن. ودلت في خلاصتها على ارتفاع خطورة الإصابة بالسكتة الدماغية لدى منْ يُعانون من الصداع النصفي، سواءً كان مصحوباً بالإحساس المسبق بقرب حصول نوبة الصداع أو لم يكن.

     

    وبعد صدورها، صدرت دراستان كبيرتان من نوع الاستشراف المستقبلي prospective في البحث. الأولى شملت حوالي 40 ألف امرأة من اللواتي تجاوزن سن 45 سنة وكن أصحاء، وتمت متابعتهن لمدة تسع سنوات. وتبين أن النساء اللواتي يُعانين من الصداع النصفي المصحوب بإحساس مسبق لديهن خطورة بمقدار 1.7 ضعف للإصابة بالسكتة الدماغية الإسكيمية. وأن الخطورة ترتفع بينهن إلى حد 2.25 ضعف فيما بين منْ أعمارهن تتراوح من 45 إلى 55 سنة. أما لدى النساء الأكبر من هذه السن فلا تُوجد دلائل على ارتفاع الخطورة فيما بين المُصابات بالصداع النصفي. كما أنه لا تُوجد خطورة أعلى من الطبيعي للإصابة بالسكتة الدماغية الإسكيمية فيما بين منْ يُعاني من نوبات الصداع النصفي غير المصحوبة بالإحساس المسبق.

     

    وشملت الدراسة الثانية أكثر من 12 ألف رجل وامرأة ممن هم فوق سن 55 سنة. وقارنت فيما بين منْ يشكون من الشقيقة أومن أنواع أخرى من الصداع. وتبين أن مرضى الشقيقة بالذات ترتفع فيما بينهم خطورة الإصابة بالسكتة الدماغية الإسكيمية بمقدار 1.8 ضعف. أما حينما شملت المقارنة فقط من يُعانون من الصداع المصحوب بالإحساس المسبق، فإن الخطورة ارتفعت إلى 2.9ضعف. وأكدت نفس ما قالته الدراسة السابقة من أن عدم وجود حالة الإحساس المسبق بنوبة الصداع النصفي لا يرفع من احتمالات الخطورة بالنسبة للسكتة الدماغية الإسكيمية.

     

    وقال الدكتور كيرث عند مراجعة مجمل الدراسات حول تأثير عوامل الخطورة الأخرى للإصابة بالسكتة الدماغية الإسكيمية في حال الشكوى من الشقيقة أيضاً، إن الخطورة تتضاعف ثلاث مرات حال التدخين، وأربع مرات حال تناول حبوب منع الحمل، وأكثر من ذلك حال اجتماع التدخين وتناول حبوب منع الحمل والصداع النصفي.

     

    * شرايين القلب والشقيقة ولا يزال هناك غموض يلف تلك العلاقة المفترضة بين الإصابة بالشقيقة واحتمالات الإصابة بأمراض شرايين القلب. ومن مجمل ما يُقال في الأوساط الطبية والدراسات والبحوث فإن العلاقة فيما يبدو ليست في مثل القوة التي بين السكتة الدماغية والصداع النصفي، لكن ثمة من يعتقد العكس ويُراهن عليه.

     

    وكانت ثلاث دراسات من إسبانيا وأستراليا وفنلندا قد قالت بأن ثمة علاقة بين الصداع النصفي ووجود أمراض في شرايين القلب، سواء كانت جلطة قلبية أو تغيرات غير طبيعية في رسم تخطيط القلب أو الشكوى من ألم الذبحة الصدرية. في حين أن دراسات من مناطق أخرى من العالم لم تجد هذا الارتباط فيما بينهما.

     

    لكن في السنوات القليلة الماضية صدرت دراستان من الولايات المتحدة زادتا الأمور تعقيداً في فهم تلك العلاقة بين الشقيقة وأمراض شرايين القلب. وملخص ما قالته "دراسة صحة النساء" أن ثمة ما يُؤكد خطورة الإصابة بأمراض شرايين القلب لدى النساء اللواتي يُعانين من الصداع النصفي، وبالذات منه النوع المصحوب بإحساس مسبق بالنوبة. وأنها تبدو واضحة بعد عشر سنوات من المتابعة، ما يعني أن ثمة حالة مرضية في شرايين القلب تُبنى مع الوقت لديهن. أما النساء اللواتي لديهن صداع نصفي غير مصحوب بالإحساس المسبق فلا خطورة على قلوبهن. أما بالنسبة للرجال، فملخص ما قالته "دراسة صحة الأطباء" التي شملت حوالي 20 ألف طبيب من الأصحاء، هو أن خطورة الإصابة بالجلطة القلبية فقط، دون غيرها من تداعيات أمراض شرايين القلب، ترتفع بنسبة 42% لدى منْ هم يُعانون من الصداع النصفي مقارنة ببقية الرجال.

     

    * الصداع النصفي.. إزعاج إلى حد العذاب

     

    * الصداع النصفي، أو الشقيقة، شائع بدرجة نسبية لدى النساء مقارنة بالرجال، حيث يُعاني من نوباته حوالي 17% من النساء، في حين يُصيب 6% من الرجال. وفي بعض حالاته، يسبق حصول نوبة الصداع شعور بعلامات تحذيرية، مثل وميض ووهج ضوئي، أو بقع مظلمة عمياء في مجال البصر، أو حتى وخز في أحد اليدين أو الرجلين. كما أنه قد يكون مصحوباً بأعراض أخرى، كالغثيان أو القيء أو الحساسية المفرطة من الضوء أو الصوت مهما كانت شدة أو حدة أياً منهما.

     

    وألم نوبات الصداع النصفي يُمكن أن يبلغ من الشدة ما يصفه المعانون منه بالعذاب. كما يُمكنه أن يُعيق الإنسان عن أداء حتى أبسط الأعمال لبضع ساعات أو بضعة أيام متواصلة. وبالرغم من عدم توصل الطب إلى علاج يشفي من نوباته، إلا أن طرق معالجته وتخفيف حدة المعاناة منه تطورت بشكل كبير جداً خلال السنوات القليلة الماضية.

     

    وصفات النوبة النموذجية الشائعة من الشقيقة تشمل كل أو بعض العناصر الآتية:

     

    - ألم متوسط أو شديد، قد يطول فقط أحد جانبي الرأس أو كليهما.

     

    - ألم الرأس من النوعية النابضة.

     

    - ألم يزداد سوءاً مع ممارسة أي أنواع النشاط البدني.

     

    - ألم يحرم من القدرة على ممارسة الأنشطة اليومية الطبيعية.

     

    - غثيان مع أو من دون قيء.

     

    - حساسية مفرطة للضوء أو الصوت.

     

    وعادة ما تستمر نوبة الصداع، في حال عدم معالجتها، ليومين. ويختلف الناس في شدة الألم ونوبات تكراره. وكذل الحال لدى الإنسان نفسه، إذْ تتفاوت شدة الألم من نوبة لأخرى، كما قد تختلف الأعراض المُصاحبة، وقد تتكرر نوباته عدة مرات في الشهر أو لا تحصل إلا في السنة مرة واحدة.

     

    والشعور المسبق باقتراب حصول نوبة الصداع، أو ما يُسمى بـ "الأورا"aura ، قد يستمر ما بين 15 إلى 30 دقيقة قبل بدء الصداع، وقد يستمر حتى مع الصداع. وتشمل عناصره رؤية وهج أو وميض من الضوء المتألق، أو رؤية زغللة بصرية من خطوط متعرجة "زيغ زاغ" في مجال الرؤية البصرية، أو الشعور ببقع مظلمة عمياء تنتشر وتتحرك ببطء في المجال البصري، أو الشعور بوخز خفيف كالذي للدبوس أو الإبرة في إحدى اليدين أو الرجلين. وفي حالات نادرة، يظهر ضعف في العضلات أو اضطرابات في اللغة أو الكلام. وسواء شعر المرء بتلك العلامات التحذيرية أم لا، فإن نوبات الصداع قد يسبقها شعور بالبهجة والنشاط المفرط أو الرغبة في تناول الحلويات أو العطش أو النعاس أو التوتر أو الاكتئاب.

     

    * مثيرات نوبات الشقيقة قد لا نتنبه لها

     

    * ثمة عدة عوامل قد تحفز وتثير ظهور نوبات الصداع النصفي. وهي ما تشمل:

     

    - تغيرات هرمونية: وبالرغم من عدم إدراك الطب بالضبط للعلاقة القائمة بين الهرمونات والتغيرات في منسوبها مع حالات الصداع، إلا أن تقلبات وتذبذبات مستوى الإستروجين، الهرمون الأنثوي، بالذات قد تحفز ظهور نوبات الصداع تلك لدى النساء. وكثيراً ما يشكو هؤلاء النسوة من الشقيقة قبل أو أثناء بدء الحيض، وهو ما يتزامن مع هبوط مستوى ذلك الهرمون. كما أنه قد يحصل أثناء الحمل أو فترات سن اليأس أو أن تعمل حبوب منع الحمل المحتوية على الهرمونات الأنثوية على إثارة ظهور نوبات الصداع تلك.

     

    -التغذية: وتعمل بعض أنواع الأطعمة كمحفزات لظهور نوبات الشقيقة لدى كثير من المرضى، مثل تناول المشروبات الكحولية، خاصة البيرة أو النبيذ، والجبن المعتق، والشوكولاته والأطعمة المخللة أو نوع أسبرتام من المحليات الصناعية، أو كثرة تناول الكافيين، أو بعض مكونات الأطعمة الآسيوية أو المعلبات أو غيرها. كما أن إهمال تناول بعض الوجبات والجوع والصيام قد يُثيرها كذلك. كذلك الحال أيضاً مع التدخين.

     

    - التوتر والإجهاد: العمل بشكل مفرط طوال أيام الأسبوع ثم الراحة المفاجئة أثناء عطلات نهاية الأسبوع قد تثير الصداع النصفي.

     

    - المثيرات المحسوسة: مثل الأضواء الوهاجة أو ضوء الشمس الساطع أو الروائح غير المعتادة، حتى لو كانت زكية ومحببة مثل العطور أو الزهور، أو الروائح النفاذة النتنة أو غير المحببة مثل روائح دهان الجدران أو الخشب أو القمامة أو حتى تدخين الغير.

     

    - تغير وتيرة النوم والاستيقاظ: أي، إما عدم النوم أو النوم لأوقات طويلة أو الاستيقاظ المبكر أو المتأخر، كله بخلاف المعتاد، قد يثير الشقيقة لدى البعض.

     

    - فرط النشاط البدني أو العاطفي: سواء في ممارسة الرياضة البدنية ذات الطبيعية التنافسية، أو تكرار أو الإجهاد في ممارسة العملية الجنسية.

     

    -التغيرات البيئية: مثل التغيرات المناخية أو في تقلبات الطقس أو الوجود في مناطق مرتفعة أو منخفضة أو تغير الوقت أو السفر لساعات عدة بالطائرة أو غيرها.

  12. بغداد يا مدينة (السلام)!

     

    مشعل السديري

     

    أبو حيان التوحيدي المولود في السنة الهجرية 332 والمتوفى سنة 414، له مخطوطة اسمها (الرسالة البغدادية)، وأول من انتبه لهذه الرسالة هو المستشرق الألماني (آدم متز)، وقد حققها وأخرجها للناس سنة 1902.

     

    ولفت نظري في هذه الرسالة للتوحيدي وصفه في ذلك الوقت لبغداد وأهلها، فامتدحها وأثنى على تأنّق البغداديين في لباسهم ومساكنهم وعطورهم وموائدهم ومشاربهم وأغانيهم.

     

    ويقول: إن دجلة مشحونة بالمراكب والزوارق، ومحفوفة بالقصور والجواسق، ترتفع ما بينها أصوات الأغاني، وخفقات النايات والسواني، وأصوات الملاحين، وزعقات المؤذنين، ترى والله جمالا وكمالا، وتسمع من ألحانها الشجية سحرا حلالا.

     

    وتحدث بما في باطن البيوت من الرياش، والزلالي المغربية، والطنافس الخرشنية، والنخاخ الأندلسية، والمطارح الأرمنية، والقطف الرومية، والمقاعد التسترية، والطرّاحات القبرصية.

     

    وبها من العطور أصناف، فهناك المثلثة البرمكية، والسكرية والجوهرية والعمارية، وأنواع الند والعود والمسك والعنبر والكافور وماء الورد الجوري والصندل.

     

    أما الطعام فحدّث ولا حرج، فالموائد تزين وترص عليها العديد من الكوامخ، والبقول والمري وأصناف الشواء والقلايا والطبهجات، والحلويات من خبيص ومرمل وفالوذج وعصائد وقطائف وزلابيات.

     

    ومن الفواكه هناك الموز والجلموز وشاهبلوط والنارجيل والفستق الرطب وقصب السكر والخوخ والبطيخ والأعناب والتين والتفاح والسفرجل والرمان والمشمش والكمثرى بجميع أنواعها، وهناك ثلاثون صنفاً من التمر أولها بسر ماء السكر، وآخرها الزهدي الذي كأنه شهد مقمع بالعقيق.

     

    ويصف مجالس السرور والمرح عندهم فيقول: إنه ما بين آس مخضود، وورد منضود، ودن مصفود، وناي وعود.

     

    ويشرب أهل بغداد أنواعا من العصائر منها العراقية والسورية والبابلية والصريفينية.

     

    ثم يتحدث عن المغنيات ببغداد، وأحصى منهن (460 مغنية)، ذوات أصوات مليحة يعجب بها فضلاء ووجهاء وفقهاء وقضاة وعدول.

     

    انتهى كلام التوحيدي، لكن يجب أن أستدرك وأقول: طبعاً وأكيد أن ليس كل أهل بغداد في ذلك الحين هم على هذه الشاكلة، فلا شك أن هناك أيضاً فقراء ومعدمين، لكن من حُسن حظهم أن السيارات المفخخة لم تخترع بعد، وأن ثقافة الانتحار لم تجر في عروق المجانين مجرى الدم.

     

    لا أدري لو أن التوحيدي قد عاد اليوم إلى بغداد بقدرة قادر، وطلبنا منه أن يصف بغداد وأهلها، فماذا سوف يقول يا تُرى؟!

  13. العراق: خيارات الخروج من الأزمة الحكومية

     

    جابر حبيب جابر

     

    ليست فكرة حكومة الوحدة الوطنية ابتكارا عراقيا، بل هي تجربة شهدتها العديد من بلدان العالم لاسيما عند مواجهة تحد خارجي كبير او أزمة داخلية خطيرة او عند غياب الاغلبية الواضحة داخل مؤسسة البرلمان، لكن الابتكار العراقي يتمثل في طبيعة تشكيل هذه الحكومة وآلية عملها ومرجعياتها، وهي امور حكمتها صيغة تقاسم السلطة وتقاسم المناصب بشكل أفقد حكومة «الوحدة» أهم أسباب وجودها، أي الوحدة نفسها.

     

    لقد شكلت الحكومة عبر ائتلاف الكتل الرئيسية الثلاث الممثلة للمكونات المجتمعية، وقد كان الهدف بشكل خاص دمج العرب السنة في بنى النظام السياسي الجديد بعد حالة الاغتراب التي عاشوها واستشعروها تجاهه منذ سقوط نظام صدام. غير ان هذا الائتلاف لم يرتكز على برنامج سياسي فعلي يحقق الحد الادنى من المشتركات، فقد تباينت أسباب دخول الكتل السياسية الى الحكومة، كما تباينت أهدافها من هذا الدخول، وتبعا لذلك اختلفت المرجعيات السياسية لأعضاء الحكومة بحسب الاختلاف في انتمائهم الكتلوي، ولم يستغرق الامر سوى بضعة أشهر قبل ان يتكشف الخليط غير المتجانس وغياب الوحدة داخل المؤسستين التشريعية والتنفيذية، وإذا كان الاختلاف داخل البرلمان حالة طبيعية فانه ليس كذلك داخل السلطة التنفيذية، فأعضاء مجلس الرئاسة غالبا ما عبروا عن مواقف متباينة انسحبت حتى على زياراتهم الخارجية بطريقة لا تألفها العلاقات الدبلوماسية، والأمر نفسه انسحب على مجلس الوزراء حيث يطلق الوزراء مواقف متباينة تجاه القضية الواحدة، ويتخذون هذه المواقف تبعا لسياسات كتلهم لا متطلبات العمل التنفيذي وإدارة الحياة اليومية للمواطن، تحولت الوزارات الى مراكز قوى وأغلقت على الطائفة الاخرى، وغدت وسائل لخدمة الكتلة وتعيين الموالين لها وطرد او تهميش اللون الآخر وخدمة سياسات الحزب، ووسط ذلك ضاع الهدف الرئيسي من وجودها وهو خدمة المواطن.

     

    لقد انتهت حكومة «الوحدة الوطنية» الى أزمتها الراهنة كنتيجة طبيعية لوضعها الشاذ، فتدريجيا اخذ التصادم بين مراكز القوى يتصاعد وبرز الاختلاف على الحصة ليعبر بقوة عن خطل منهج المحاصصة، ولأن الفشل ليس له آباء يتم تحميل رئيس الوزراء مسؤولية أخطاء حكومة لم يكن رئيسها بالمعنى الحقيقي، في الوقت الذي لم تنجح رئاسة الوزراء في خلق آلية فاعلة للعلاقة المنتجة بين اطراف الحكومة، او آلية جاذبة تقنع الآخرين بالانتقال في البناء الحكومي من شكله المحاصصي الى النموذج التكنوقراطي.

     

    ان اجتماعات قادة الكتل السياسية في بغداد بعنوان حل الازمة الناتجة شكلا عن انسحاب الكتلة الممثلة للمكون السني، وحقيقة عن طبيعة تشكيل الحكومة والمنطق الكامن وراءها، قد تنتهي او لا تنتهي الى عودة وزراء التوافق او الى ترميم ما للبناء الحكومي، لكن الاشكاليات نفسها سرعان ما تعود ما لم يكن هناك تغيير اكثر جذرية يتجاوز الأطر والمناصب الى المفاهيم والمبادئ.

     

    ربما تكون هذه الاجتماعات فرصة للمكاشفة والحديث الصريح عن المطالب الحقيقية للفرق المتنافسة وتصفية بعض الملفات «الشخصية» التي يبدو ان لها وزنا كبيرا في السياسات العراقية، وهي فرصة لرئيس الوزراء ليكشف عن العقبات الحقيقية التي تواجه عمله وليعرض برنامجا للتغيير تلهمه التجربة الفعلية. وفي العموم يمكن توقع ان تتجه الامور الى احد الخيارات التالية، اما ترميم الحكومة الحالية بعودة وزراء التوافق مقرونة بالاستجابة لبعض مطالبهم، او الاتجاه الى تشكيل حكومة اكثرية برلمانية تضم بشكل اساسي التحالف الكردستاني والقوى الرئيسية في الائتلاف العراقي الموحد، او الاقتناع بالاتجاه الى استبدال الحكومة الحالية بحكومة تكنوقراط تخضع لرقابة البرلمان.

     

    ان لكل خيار سلبياته المحتملة؛ فمجرد ترميم الحكومة لن يضع حدا لعوامل التأزم الكامنة داخلها ولن يغير من جوهر المعادلة الخاطئة التي تقوم عليها، واعتماد الاكثرية البرلمانية حتى مع تشذيبها بوزراء من المكون السني خارج جبهة التوافق قد يكرس التخندق الطائفي عبر إعادة إنتاج الرفض السني الراديكالي للعملية السياسية فضلا عما سيتبعه من تحفظ امريكي وربما إقليمي في الوقت الذي تنشد الحكومة كسران الحواجز الخارجية، إلا انه سيظل خيارا لا يمكن تجنبه عند انسداد الجهود، كون الحل المقابل بالإبقاء على ما يشبه الأقلية المعطلة لن يكون سوى مواصلة لوصفة الفشل الداخلي على صعيد الأداء الحكومي وما أدى اليه من فقدان الحكومة مصداقيتها لدى المواطن العراقي.

     

    اما الحل التكنوقراطي قد يبدو جاذبا لكن شيطانه يكمن في تفاصيل التأسيس العملي لمثل هذه الحكومة وفي المعايير التي تعتمد في إضفاء الصفة التكنوقراطية على الوزراء وقبل ذلك في ايثار وجرأة الاطراف السياسية المهيمنة للذهاب لهذا الخيار. والمتتبع لسير السياسات العراقية يدرك ان التعامل مع هكذا قضايا يستغرق وقتا، فيغدو الوضع اكثر سوءا وتطفو على السطح قضايا جديدة أو أحداث خطيرة تؤثر في مسار الاشياء وصيرورتها.

     

    في النهاية يمكن إحياء مفهوم حكومة الوحدة الوطنية بإعطائه روحا حقيقية تتجاوز الانقسامات الحزبية، وربما ابتكار آليات تجمع بين هذه الصفة والحاجة المتنامية للدور التكنوقراطي في ادارة البرامج الحكومية، وضرورة ان يكون رئيس الوزراء مسؤولا بما يكفي عن سياسات وبرامج وزارته ويتحرر من الاختراقات البينية لعمل الحكومة بشكل كاف كي يصبح بمستطاع البرلمان مساءلته، وبمستطاعه الرد متجردا من عذر فقدانه السيطرة على وزرائه وتدخل الآخرين في عمل تلك الوزارات.

     

    إلا ان ايا من الخيارات المذكورة سيكون بالقطع افضل من استمرار الازمة وما يعنيه ذلك من تفاعل للمواقف قد يعزز الشكوك وعدم الاتفاق ويؤسس لمزيد من الانقسام السياسي والاجتماعي ويخلق اعذارا للتقسيم الجغرافي لاسيما مع اتجاه «الراعي» الامريكي الى قبول بدائل لا تستثني مفهوم التقسيم السلس في حالة إقرار النخب العراقية بعجزها عن الاتفاق وتصميمها على تغليب الهم المباشر والآني والجهوي وأحيانا الشخصي على الهم الأعمق والأطول مدى والأكثر وطنية.

  14. خطتي لإنقاذ بلدي العراق

     

    إياد علاوي

     

    سيقدم الجنرال ديفيد بترايوس قائد القوات الأميركية في العراق، في الشهر المقبل، مع السفير رايان كروكر، تقريرا إلى الكونغرس حول الوضع في بلدي. أنا أتوقع أن تكون شهادة هذين الشخصين المسؤولين متمتعة بالكفاءة والعمق، مثلما تتطلب السياسة. كذلك أتوقع ألا يعكس تقييمهم كل المأساة المتمثلة في أن العراق بعد أربع سنوات من التحرر من نظام صدام حسين أصبح دولة فاشلة، عاجزة عن توفير الأمن والخدمات الأولية لأبنائها وتساهم في خلق أزمة واسعة في الشرق الأوسط.

     

    لأكن واضحا. مسؤولية الفوضى القائمة حاليا تقع على عاتق الحكومة العراقية بالدرجة الأولى، لا الولايات المتحدة، فرئيس الوزراء نوري المالكي فشل في الاستفادة من رغبة الشعب العراقي في الوصول إلى حياة منتجة ومسالمة، مع كل الالتزامات والتضحيات الكبرى التي قدمتها الولايات المتحدة ودول أخرى. و«قمة الأزمة» في بغداد هي دليل إضافي على قرب انهيار الحكومة العراقية. فأفضل ما يمكن أن يترتب عن هذه القمة هو ربما تجديد المساعي والالتزامات للأطراف المشاركة فيها كي تعمل معا، وهذا قد يساعد على كسب اسابيع أو أشهر قليلة إضافية لنشاط سياسي تجميلي، لكن لن تتحقق أي مصالحة سياسية دائمة تحت نظام المالكي الطائفي.

     

    من كان يتصور أن العراق سيكون في أزمة عميقة كهذه بعد أربع سنوات على سقوط صدام حسين؟ في كل شهر يقتل ما بين ألفين إلى ثلاثة آلاف عراقي على يد الإرهابيين وفرق الموت الطائفية. ولا تتوفر الكهرباء والماء في أحسن الأحوال أكثر من ست ساعات في اليوم. وبغداد التي كانت ذات يوم دليلا على التنوع الثقافي والاثني والديني أصبحت الآن مقسمة إلى مناطق طائفية مسلحة، تشبه كثيرا بيروت خلال الثمانينات من القرن الماضي.

     

    يمكن القول إن إيقاف العنف وتحقيق الاستقرار والأمن والديمقراطية هي أمور يعتمد تنفيذها على العراقيين، أنا أعمل مع زملائي في البرلمان من أجل بناء ائتلاف أغلبية غير طائفي يدعم الخطة التالية، التي تتكون من ست نقاط، من اجل «عهد جديد» في العراق وتغيير الحكومة العراقية الحالية بوسائل ديمقراطية.

     

    > يجب أن يكون العراق شريكا كاملا للولايات المتحدة في تطوير الخطة الأمنية التي ستؤول إلى سحب الجزء الأكبر من القوات الأميركية خلال السنتين المقبلتين، وقبل ذلك يبدأ تقليص الدور القتالي للوحدات الأميركية في العراق. الولايات المتحدة طرف لا يمكن الاستغناء عنه لتحقيق السلام والأمن في العراق وفي الشرق الأوسط بشكل عام. لكن دورنا حاليا هو الأكثر أهمية في حل مشاكلنا. وهذا لن يتحقق طالما بقيت الحكومة الحالية في السلطة.

     

    > أنا اقترح إعلان حالة الطوارئ لبغداد وكل المناطق التي تشهد نزاعات مسلحة. هناك حاجة لإعادة هيكلة قوات الأمن العراقية. وكلما كان ممكنا يجب على هذه القوات المعاد هيكلتها أن تمتص الأفراد المنتمين إلى الميليشيات الطائفية والاثنية وتحويلها إلى بنية أمنية غير طائفية. فتقوية عضلات الميليشيات ليس حلا مناسبا، لأنه يطيل أمد التوترات ما بين الكيانات الاجتماعية المختلفة ويزعزع قوة سلطة الدولة. فالدولة لا تمتلك أي شرعية إن هي فشلت في توفير الأمن لأبنائها.

     

    > نحن بحاجة إلى استراتيجية دبلوماسية تستفيد بشكل متزايد من الأمم المتحدة والعالم العربي في تحقيق الأمن وإعادة الإعمار للعراقيين، على واشنطن ألا تتحمل لوحدها العبء الدبلوماسي، مثلما هو الحال الآن، فرئيس الوزراء المالكي بدد مصداقية العراق في السياسة العربية، وهو لن يتمكن من إعادتها، إضافة إلى ذلك، فإن العراق بحاجة إلى دور أكثر حزما كي يطلب من إيران إنهاء تدخلها في الشؤون العراقية وإقناع سوريا كي تلعب دورا أكثر إيجابية في العراق.

     

    > يجب أن يكون العراق دولة واحدة مستقلة وفيدرالية. لذلك علينا أن نقوي المؤسسات المحلية والإقليمية على حساب السياسات الطائفية وعلى حساب حكومة شمولية ومستبدة في بغداد. يجب أن يكون الدين قوة توحيد لا تفريق في بلدي. وعلى العراقيين سنة وشيعة أن يفتخروا بهويتهم الإسلامية. لكن حينما تهيمن السياسة الطائفية الدينية يظهر الإرهابيون والمتطرفون باعتبارهم الطرف الرابح الوحيد.

     

    * تتطلب المصالحة الوطنية التزاما ملحا بالاعتدال وإنهاء العنف الطائفي عن طريق دمج كل العراقيين في العملية السياسية. علينا أن نعترف بمساهمة الأكراد ومساهمة الحكومة الإقليمية الكردية في مستقبل العراق الديمقراطي. فالمصالحة تتطلب اشتراكا فعالا للزعماء الدينيين والسياسيين البارزين من شيعة وسنة. قام المالكي بعرقلة المصادقة على تشريع تم اقتراحه في مارس الماضي لقلب مسار قانون «اجتثاث البعث». هذا المقترح كان يجب أن تتم المصادقة عليه فوريا.

     

    > أصيب الاقتصاد العراقي بالعطب بسبب الفساد وغياب الأمن المناسب. يجب أن نشدد على إعادة بناء كل البنى التحتية الأساسية. إذ لن تكون هناك أي تنمية اقتصادية مناسبة من دون توفر كهرباء وماء صالح للشرب. ومع مرور الوقت يحتاج العراق إلى بناء اقتصاد يستند إلى مبدأ السوق الحرة مع دور أساسي للقطاع الخاص.

     

    طال انتظار تحقق تغيير على مستوى القمة في الحكومة العراقية، ومن دون ذلك، لن تنجح أي استراتيجية عسكرية أميركية أو أي انسحاب أميركي منظم، وسيترك العراق والمنطقة للغرق في اتون الفوضى.

     

    * رئيس وزراء العراق (2004-2005)

     

    * خدمة «واشنطن بوست» ـ

     

    خاص بـ«الشرق الأوسط»

  15. وحدة العزف

     

    خالد القشطيني

     

    كنت في مناسبة سابقة قد حثثت على تشجيع كرة القدم لاسباب سياسية واجتماعية. لقد وجدت انها تعلمنا على احترام الوقت ودقة التوقيت وايضا على التمسك بالوحدة والانسجام وروح التعاون.

     

    في ليلة الثامن من هذا الشهر (اغسطس) جلست على غير عادتي أتفرج على التلفزيون. اكتشفت كذلك توجها مشابها في العزف الموسيقي السمفوني. كنت اتابع الحفلة السمفونية التي قدمتها الاوركسترا السمفونية السلطانية العمانية من التلفزيون العماني التي اعتادت على تقديم عطاءاتها في اواخر الليل من وقت لندن. حدث ان تزامن ذلك مع الحفلة الغنائية المسجلة التي قدمها التلفزيون الاردني لأم كلثوم رحمها الله. لاحظت تباينا في طريقة العزف بين الفرقتين الموسيقيتين. كانت اقواس كمنجات العازفين في فرقة ام كلثوم، مع كل احترامنا لهم ولفرقتهم وسيدتهم، ترتفع وتهبط اعتباطا، احدها يصعد في حين ان قوس الكمنجاتي المجاور له ينزل. هذا طبعا يوحي بتمزق وتضارب بالعزف قد يصعب على المستمع العادي تبينه.

     

    لم ألاحظ مثل ذلك في عزف الفرقة الموسيقية العمانية. العازفون في كلتا الفرقتين عرب ومسلمون، او على الأقل اكثرهم مسلمون. ولكن الدقة التي تتطلبها القطعة السمفونية الغربية جعلت اقواس الكمنجات في الفرقة العمانية تصعد وتهبط معاً بحركة متطابقة وبانسجام وحدوي تام. نلاحظ ذلك في شتى الفرق الموسيقية السمفونية العالمية. كثيرا ما تنتظم الفرقة مئات العازفين وعشرات الكمنجاتية ولكنك تنظر فتجد جميع اقواس كمنجاتهم تتحرك معاً وبنفس الاتجاه والتوقيت كما لو كانت تشتغل بالزمبرك، او كما لو كانت لعصا قائد الاوركسترا اسلاك كهربائية تحرك هذه الاقواس من بعيد، قوسا قوسا.

     

    قلت لنفسي هذا ما نحتاج اليه في عالمنا العربي، مزيد من الفرق السمفونية ومن الدروس الموسيقية في مدارسنا. علموا اولادنا على العزف والغناء معاً ليتعلموا على التعاون والتناغم. الديمقراطية والوطنية تعتمدان على ما نتعلمه في الصغر في شتى النشاطات التربوية والمنزلية.

     

    يكبرون ليعطونا توجها وطنيا منسجما، وهو ما نحن في اشد الحاجة اليه. ففي نفس الأمسية لاحظت على شاشة التلفزيون ايضا تلك المهاترات التي اعتدنا عليها في حياتنا السياسية العامة. كان هناك اياد علاوي يبدي ملاحظاته التي شجب فيها كل ما كان نوري المالكي يطرحه من قناة تلفزيونية اخرى. وعلى هذا الغرار جرى التضارب الفكري بين محمود عباس وناطق من جانب حماس فاتني اسمه. ولكنني حدثت نفسي فقلت، آه ياليت هؤلاء القوم علموهم في مدارسهم على العزف على الكمنجة. ومن يدرينا، ربما استفدنا منهم ككمنجاتية اكثر مما استفدنا منهم كساسة.

  16. طبقة العراق السياسية.. والثقة المفقودة

     

    جابر حبيب جابر

     

    أحد شروط الاستقرار داخل المجتمعات هو وجود قدر عال من الثقة بين مكوناتها، والثقة هي علاقة تحمل في طيتيها، العاطفي والعقلاني، وتتشكل بفعل تجذر السلام الاجتماعي وضعف الاختلالات المجتمعية وعدم انقسام المجتمع الى رابحين مطلقين وخاسرين مطلقين. فرانسيس فوكوياما في كتابه عن «الثقة» عدها عنصرا حاسما في توجيه تطور واستقرار المجتمعات، لأنها اللاصق المعنوي الذي يجذب الأجزاء الى بعضها ويضعف إمكانية اختراقها من الخارجيين Outsiders.

     

    أزمة الحكومة العراقية اليوم، وتبعا لها أزمة العملية السياسية، يمكن أن تترجمها عبارة واحدة: فقدان الثقة. هناك فرق كبير بين شركة يديرها شركاء متضامنون مستعدون للمشاركة في الربح والخسارة بدون أن يوجهوا الاتهامات لبعضهم البعض ويحملوا بعضهم البعض مسؤولية الخسارة، وبين شركة، شركاؤها فرقاء ينظرون بريبة لبعضهم البعض ويتحسبون من خطوات كل منهم الى الحد الذي يصبح فيه هاجسهم درء الخطر الذي يمثله الآخر الشريك. ببساطة أن مصير الشركتين في سوق المنافسة العالمية يحدده الى قدر كبير مدى تماسكهما الداخلي.

     

    وفي حالة البلدان يغدو التحدي أعظم، فأنت هنا تتحدث عن مصير مجتمع بملايينه، وبلد بجغرافيته وتاريخه وهويته، وفي حالة العراق يبدو الأمر أخطر لأنك تتحدث عن بلد يواجه تحديات هائلة أمام بقائه موحدا، ويواجه أبناؤه حربا شرسة وبشعة وغير مسبوقة من التقتيل والتدمير لأي رمز من رموز الحياة، بلد يراد له أن يعيش الموت رفيقا دائما وقدرا وحيدا وأن يخرج خيار الحياة من حياته. إن الهدف الأكبر لرسل الموت الجوالين بسيارات مفخخة هو تدمير ما تبقى من عناصر الثقة داخل النسيج الاجتماعي العراقي وجعل التوجس والشك عنصرا حاكما في علاقة مكونات المجتمع مع بعضها البعض الى الحد الذي يصبح معه استمرار الشراكة خيارا أكثر صعوبة من فضها.

     

    القول إن العراق اليوم بلد موحد، هو قول تغلب عليه الكثير من الرومانسية، لكن الادعاء بأنه بلد مفككك يغلب عليه التشاؤم، العراق هو بلد ضل طريقه بين الوحدة والتفكك، وما زال كلا الطريقين سالكين رغم وعورتهما، وما زال على العراقيين أن يختاروا أي مسلك يسلكون. وكما تظهر تجارب مجتمعات أخرى، فإن بلدا يواجه تحديا بهذا الحجم تختلط فيه أزمات الهوية والمشاركة والتوزيع، يتطلب طبقة سياسية ترتقي الى مستوى التحدي بل تتجاوزه، قادرة على الخلق والابتكار، واثقة بنفسها وبعمق ارتباطها بالمجتمع، مؤهلة لخطوات تاريخية المفعول يمتد أثرها الى المستقبل... ولكن...

     

    هل من التجني القول إن الطبقة السياسية في عراق اليوم أبعد ما تكون عن حجم التحدي الذي يواجهه هذا العراق؟ هل تبدو سلوكياتها وقراراتها بحجم الخطر الذي يواجهه المواطن البسيط وهو يصارع مصيرا تلوح نهاياته في كل شارع يعبره أو سوق يرتاده أو مؤسسة يعمل فيها؟ وهل يبدو صراع السياسيين تمثيلا للصراع الذي يخوضه المجتمع، أم انحرافا عنه؟ وهل بمثل هذه الصراعات سيخرج العراق من محنته؟

     

    لقد أريد للعملية السياسية أن تكون إطارا يحوي جميع المكونات ويتم فيها التعبير عن مشاغلها وتطلعاتها ثم دمج تلك المشاغل والتطلعات ضمن إطار وطني موحد يعبر عن الحد الأدنى من التوافق الاجتماعي ـ السياسي، لكنها تحولت بفعل ممارسات الطبقة السياسية الى إطار تتهدده الصراعات في داخله يعبر عن سقف الخلاف والتناقض بين المكونات الى الحد الذي يصبح من العصي معه خلق حد أدنى من المشتركات المعبرة عن رؤية وطنية واضحة. الحكومة العراقية تشكلت وكأنها برلمان آخر يضم الجميع على تناقض تشخيصهم للداء واختلاف رؤيتهم للمشكلة وللحل، فتحولت الى منتدى آخر للانسحابات والمقاطعات والتعطيلات، وكأن ما يصلح للسلطة التشريعية من مسالك عمل يصلح للسلطة التنفيذية، فضاعت الحكومة بين صفتها التمثيلية ومسؤولياتها التنفيذية.

     

    أحد أوجه المشكلة أن الحكومة نفسها هي هدف للصراع، وفرقاء العملية السياسية لم يقطعوا مسافة واحدة في قبول تلك العملية ونتائجها، فهناك من يتعامل مع صلاحيات الحكومة ومسؤولياتها المقررة دستوريا باعتبارها بديهيات مفروغا منها، وهناك من يريد أن يراجعها أو يغيرها وهو يمارس عمله في داخلها، البعض أراد من الحكومة أداة لمعالجة الوضع المتردي امنيا وخدماتيا، وغيره أرادها أداة لتثبيت سلطة هذه الطائفة أو تلك، وغيره أرادها تعبيرا عن فشل خيار سياسي معين، وكل هؤلاء كانوا جزءا من الحكومة، فأي نتيجة ترتجى من هذا الهجين؟

     

    الحكومة لم تحقق نجاحا يبرر الدفاع عنها، غير أن مسؤولية الإخفاق لا يتحملها شخص أو حزب أو تكتل بعينه، إنها مسؤولية الجميع من الذين تكونت شراكتهم على أساس الريبة والشك وانعدام الثقة الذي ازداد تجذرا في كل يوم جديد. وبقدر ما يصعب تقبل حديث مكتب رئيس الوزراء عن منجزات الحكومة في ظل وضع أمني وخدماتي يزداد ترديا، يصعب القول إن خصوم رئيس الوزراء (شركاءه في نفس الحكومة) مستفزون بسبب هذا الوضع المتردي. في الحقيقة، مطالب الكتل ليست جلها ذات علاقة بمأساة البلد، إنها ربما جزء من تلك المأساة، إنه صراع على حجم السلطات والصلاحيات والمناصب والامتيازات والتوازنات بين من يريدون الثبات لمكاسب تبدو أنها طارئة، ومن يسعون لإعادة توزيع المكاسب قبل أن تغدو ثابتة، ووسط احتدام الشك وانعدام الثقة يجد الخارجيون Outsiders منافذ واسعة للتدخل، محكومون هم أيضا بمصالحهم التي لا تبدو شديدة الارتباط أيضا بمأساة العراق إن لم تكن مكرسة لها.

     

    لذلك يصبح من الأكيد أن حلا حقيقيا لمعضلة العراق لا يمر إلا من باب إحياء الثقة المفقودة أو إعادة إنتاجها اجتماعيا. وهي مسؤولية تفترض طبقة سياسية قادرة على تجاوز أن تكون جزءا من علاقات الثقة المفقودة، الشيء الذي ما زال على الطبقة الحالية أن تبرهن عليه، قبل أن تضمن البقاء أو تجمع حقائب الرحيل.

  17. جدل فقهي بين علماء الأزهر حول مفهوم الردة وحرية العقيدة في الإسلام

     

    المؤيدون لإقامة الحد: الإسلام ليس وسيلة للاتجار أو ألعوبة > المعارضون: لا يوجد حد دنيوي للردة ولم ينص بها القرآن

     

     

    جدل بين عدد كبير من العلماء حول حكم المرتد في الشريعة الإسلامية وحرية الاعتقاد التي كفلها الإسلام («الشرق الأوسط»)

     

    القاهرة: «الشرق الأوسط»

    فجر مقال نشرته صحيفة «واشنطن بوست» أخيرا للدكتور علي جمعة مفتي مصر، حول حرية العقيدة في الإسلام، حالة من الجدل وردود الأفعال المتباينة في الأوساط الدينية في مصر. ففيما أيد فريق من علماء الأزهر ما ذهب إليه الدكتور جمعة في مقاله عن حكم المسلم الذي يرتد عن الإسلام ويعتنق دينا آخر من أنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن طبق حد الردة على الذين تحولوا عن الإسلام واعتنقوا دينا آخر، مؤكدين أن موضوع الردة أمر تجاوزته المتغيرات وأنه يجب التركيز الآن على صورة الإسلام السمحة التي تعلي من شأن حرية الفكر والاختيار. فريق آخر رفض هذه الحجج مؤكدا أن الإسلام أعطى حرية العقيدة والاختيار بين الإيمان والكفر، ولكنه يرفض أن يعتنق أحد الإسلام ويرضى به دينا ثم يرتد عنه ويعتنق عقيدة أخرى لأن الدين ـ على حد قولهم ـ ليس ألعوبة وبالتالي وجب تطبيق «حد الردة» على من يفعل هذا في الشريعة الإسلامية، مؤكدين أن النبي صلى الله عليه وسلم طبق «حد الردة» على بعض المرتدين في حياته. وكانت المحكمة الإدارية العليا في مصر قد قضت في مطلع هذا الشهر بقبول الطعن المقدم من مجموعة من المسيحيين المصريين كانوا قد أسلموا ثم عادوا مرة أخرى لاعتناق المسيحية ضد حكم محكمة القضاء الإداري الصادر بعدم أحقيتهم في استخراج بطاقات شخصية وشهادات ميلاد مدونة بها الديانة المسيحية بعد عودتهم إليها، وقررت المحكمة إصدار حكمها النهائي مطلع سبتمبر (ايول) المقبل.

    في هذا التحقيق تستطلع «الشرق الأوسط» آراء عدد من العلماء الذين هم «مع» أو«ضد» حكم المرتد في الشريعة الإسلامية وحرية الاعتقاد التي كفلها الإسلام. يقول الدكتور محمد عبد المنعم البري أستاذ التفسير والحديث بجامعة الأزهر بالقاهرة، رئيس جبهة علماء الأزهر السابق: «إن الإسلام أباح حرية الاعتقاد ولكن الذي يختار الإسلام دينا بمحض إرادته لا يجوز له أن يرتد عنه، وأن حكم الإسلام في الردة واضح لا يحتاج إلى تعقيب أو تشكيك، والثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد طبقه في حياته على شخص يدعى عبد الله بن الأخطل وكان قد تعلق بأستار الكعبة حماية لنفسه من عقوبة الردة، فأشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه بقتله فقتلوه، وقال لهم صلى الله عليه وسلم:«حتى لو تعلق بأستار الكعبة»، فضلا عن تطبيق حد الردة على آخرين حدث أن ارتدوا عن الإسلام، مشيرا إلى أن الذين يتعللون بأن حد الردة لم يأت به نص قرآني بل جاء في السنة فقط هذا لأن السنة شارحة وموضحة للأحكام التي جاءت في القرآن».

     

    وأضاف البري: «إن حد الردة في الإسلام ثابت بنص صريح صحيح لقول النبي صلى الله عليه وسلم «لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة (يعنى المرتد)». أما الشيخ محمود عاشور وكيل الأزهر السابق عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر فيقول: «يمتاز الإسلام بأنه دين كفل حرية الاعتقاد وجعل الإنسان مختارا بين الكفر والإيمان لقول الله تعالى: «لا إكراه في الدين» وقوله سبحانه «من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر» وهذه الآيات نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم في بداية الدعوة الإسلامية. وهذه النصوص القرآنية موجهة إلى من هو ليس بمؤمن، فالإنسان غير المؤمن قبل إيمانه له حرية الإيمان من عدمه، وأنه طالما كان لهذا الإنسان حرية الاختيار بين الإيمان والكفر فسيكون محاسبا على اختياره، فمن كان مؤمنا فانه اختار الإيمان بحريته، وبالتالي فان خرج من الإيمان أو الإسلام فسيعاقب بحد الردة وهو معروف في الإسلام لان الدين ليس ألعوبة». وأضاف الشيخ عاشور: «إن حد الردة ثابت بالقرآن والسنة وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد طبقه، لكنه قبل تطبيق الحد على المسلم الذي يرتد يجب أن يستتاب لمدة ثلاثة أيام فإن تاب فلا يطبق عليه الحد».

     

    وقريبا من الآراء السابقة يقول الدكتور عمر مختار القاضي، الأستاذ بجامعة الأزهر عضو الأمانة العامة برابطة الجامعات الإسلامية، إن الذين يهاجمون الإسلام معتقدين انه لا يبيح حرية الاعتقاد لأنه يعاقب المرتد بالقتل يجهلون تحليل جريمة الردة وتفصيلاتها. ويقول القاضي: «لا توجد في القرآن الكريم آية صريحة في قتل المرتد، والقرآن هو المرجع الأول عند الاختلاف، ولكن قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من بدل دينه فاقتلوه، عندما كان محاطا بالمؤمنين وكانوا كثرة، ومن بين المسلمين فئة أسلمت من حيث الظاهر مع التربص بمجتمع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا سنحت لهم الفرصة شقوا الصفوف وبثوا الفتن لدرجة أنهم بنوا مسجدا وقصدوا من بنائه الاجتماع فيه للتآمر ضد المسلمين والتخابر مع أعدائهم، وقال الله تعالى فيهم «والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين وإرصادا لمن حارب الله ورسوله»، فهؤلاء أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بمعاقبتهم بسبب أعمال الخيانة التي قاموا بها ولا علاقة في ذلك الأمر بحرية الاعتقاد وإنما الأمر يتعلق بالخيانة العظمى والنفاق».

     

    ويوضح القاضي أنه يجب التفرقة بين أحوال الردة الفردية، ففي حالة ما إذا كان المرتد قد ولد مسلما فإن ميراثه صفة الإسلام الحميدة لا ينبغي أن يجعله في وضع أسوأ من وضع الكافر الذي دعي إلى الإسلام فرفضه، فيترك وشأنه وتكون فرصته لمراجعة عقيدته وتصحيحها «أي الاستتابة» مفتوحة طيلة حياته بطمأنينة وبلا حدود، ثانيا قد يكون المرتد من الذين اعتنقوا الإسلام ثم راعه انحرافات تصدر من بعض ممن ينتمون إلى هذا الدين بالميلاد وبالاسم فقط، ونظرا لحداثته بالإسلام يأخذ في اعتباره الحكم على الدين من خلال تصرفات الناس ومدى جديتهم في الالتزام بأوامره، وهو إذ يرتد هنا فقد لا يقصد بردته الإساءة إلى مجتمع المسلمين وإنما يقتصر أمره على مجرد رأيه فيما اعتنق، والعودة إلى ما كان عليه من اعتناق سابق، ثالثا قد يكون المرتد في سن المراهقة قبيل مرحلة كمال النضوج العقلي حيث تنتاب العديد من المراهقين وساوس الحيرة والشك فيما حولهم من قيم اجتماعية، وقد يصل ذلك عند البعض إلى التشكيك في القيم الدينية، فلا يجب تعرض مثل هؤلاء إلى مخاوف جنائية نفسية من حساب جنائي على ما يبدونه من أفكار وآراء لم تنضج بعد في تلك المرحلة من العمر بل يجب توجيه النصح والإرشاد الأسري والمدرسي لهم فيتراجعون بسهولة ويصححون أفكارهم ويستعيد أغلبهم إيمانه بثقة وثبات بعد اجتياز هذه المرحلة الحرجة التي توضع فيها الأفكار والمعتقدات محل الشكوك والتحليلات في عقول غير مكتملة النضج». وبالتالي فلو فتحنا بابا ـ حسبما يرى الدكتور القاضي ـ لحساب جنائي على ما يبدو أنه ردة في هذه السن المبكرة فإننا نكون قد فتحنا من جانب آخر بابا للشقة والفتنة بين الأجيال، فقد لا يرحم الأب ابنه ولا الأخ أخاه بإمهاله والصبر عليه بالحوار والإقناع بالحجة ويسعى إلى تقديمه إلى المحاكمة اعتقادا منه أن في هذا السلوك وفاء للدين ويغفل أن الله سبحانه وتعالى يقبل التوبة والتراجع عن الكفر في أي مرحلة من الحياة قبل حضور الموت لقول الله تعالى: «ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة» فقد علق الله تعالى عذابه على الموت على حال الكفر، لكن في الوقت نفسه التوبة مقبولة قبل حضور الموت. ويخلص الدكتور القاضي إلى أن «الردة لها وجوه صريحة واضحة مثل إنكار كل وجود الله أو إنكار صدق رسول الله، هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن الردة لها بعض الصور والدلالات الضمنية التي لا تقبل الحصر والتي تندرج تحت باب واسع هو إنكار ما علم من الدين بالضرورة».

     

    وعلى العكس من الآراء السابقة يؤكد الدكتور عبد الحي عزب، أستاذ الفقه المقارن عميد كلية الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة الأزهر، أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقم حد الردة على أحد لأنه لم يثبت أن أحدا من الناس في عهد النبي صلى الله عليه وسلم قد بدل دينه، مشيرا إلى اتفاق بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين كفار مكة وبما له من شروط مجحفة، كان من ضمنها مثلا شرط أساسي بأن من يأتي من الكفار إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيرده إليهم ولا يدخله في الإسلام، أما من يرتد من المسلمين إلى الكفر فيقبله الكفار ولا يردونه إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وبرغم هذا لم يرتد أحد عن الإسلام، كما أن هذه الاتفاقية لم تدم طويلا لأنه بعد فترة قصيرة تم فتح مكة. ويوضح الدكتور عزب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد رضي بهذه الشروط المجحفة في تلك الفترة وهي فترة تأسيس الدولة من منطلق القرار السياسي الحكيم الذي يستلزمه بناء الدولة في مهدها، فالله عز وجل كان قد بشر رسوله صلى الله عليه وسلم بأن مكة ستفتح له، ولهذا فقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم بأن قرار قبوله بالشروط المجحفة لا يعود بالسلب على المسلمين ومن ثم رضي به صلى الله عليه وسلم.

     

    ويرى الدكتور عزب انه يجب التفريق بين الردة الفردية والردة الجماعية، وان لا صحة لما يتردد بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد طبق حد الردة لأن حد الردة مبني على اجتهاد من الحاكم فإذا رأت الدولة تطبيقه على واقعة اتهم فيها إنسان بالخيانة والإضرار بأمن الوطن، لأنه قام بأعمال من شأنها الإضرار بأمن المجتمع بسسب ردته، فيتم تطبيق الحد عليه، مؤكدا أن الذين يطالبون بتطبيق حد الردة وقتل من يرتد عن الإسلام يعطون الفرصة للمتربصين بالإسلام لاتهامه بأنه دين قتل وعنف وليس فيه حرية بالرغم من انه لم يوجد مسلم يؤمن إيمانا صحيحا وولد في بيت مسلم ثبت انه ارتد عن الإسلام ورضي عنه بديلا وتحول عن فطرته لان الإسلام دين الفطرة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ما من مولود إلا ويولد على الفطرة فأبواه يهوّدانه أو ينصّرانه أو يمجّسانه». ويضيف الدكتور عزب قائلا: «إن الدليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يطبق حد الردة في حياته أنه وجد في زمنه جماعة من المنافقين فلم يقم عليهم الحد أو يحاربهم ولكن قاطعهم، ومعروف أن الردة هي أخطر من الكفر».

     

    ويخلص الدكتور عزب الى أن حكم الإسلام في إنسان غير مسلم أعلن إسلامه ثم ارتد عن الإسلام فلا يعاقب، فالإسلام ليس بحاجة لإنسان أتى من الكفر ودخل في الإسلام ثم عاد للكفر مرة أخرى لان مثل هذا الإنسان المتخبط في قراراته العقائدية من الواضح انه اعتنق الإسلام دون اقتناع ودراسة ومعرفة كافية، فلما ارتد عنه لعدم وعيه وإدراكه الصحيح بالإسلام فلا يعاقب، فضلا عن أن هناك من يعتنقون الإسلام لكي يتخذون منه وسيلة للاتجار ومطية للكسب المادي، ومثل هذا يكون إيمانه ناقصا، وعموما فان الإسلام كفل حرية العقيدة للجميع. وحول حكم الخليفة أبو بكر الصديق بقتال مانعي الزكاة واعتبارهم مرتدين عن الإسلام يقول الدكتور عزب إن كل الذي ثبت في حرب مانعي الزكاة في عهد أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه أنهم لم يرتدوا عن الإسلام ولكنهم اعتقدوا خطأ أن الزكاة كانت تؤدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وظنوا أنه بموت النبي صلى الله عليه وسلم لن يأخذ أحد الزكاة منهم غير النبي صلى الله عليه وسلم، فقال أبو بكر عنه قولته الشهيرة: «والله لو منعوني عقال بعير كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لأقاتلهم عليه» فأراد أبو بكر بهذا أن يبين لهم الإسلام الصحيح، كما أن هذا الركن «الزكاة» يمس المال. ومن جهته يقول الكاتب الإسلامي جمال البنا: «في هذه المرحلة التي يتعرض فيها الإسلام لهجوم شديد يجب علينا أن نقدم الإسلام الصحيح للعالم، الإسلام السمح الذي يبشر ولا ينفر، فضلا عن أن الاختلاف في العقائد بين البشر مما أراده الله تعالى وما يفصل فيه يوم القيامة وبالتالي فلا يوجد حد دنيوي للردة».

     

    ويضيف البنا: «لا اعتقد أن أي داعية للحرية الفكرية على إطلاقها يمكن أن يأتي بمثل ما جاء به القرآن الكريم وما تضمنته آياته التي قررت أن الإيمان والكفر قضية شخصية وليسا من قضايا النظام العام التي تتصدى لها الدولة، فالله يقول: «من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر» وكذلك قوله تعالى «من كفر فعليه كفره ومن عمل صالحا فلأنفسهم يمهدون». وبالتالي فان من آمن ينفع نفسه ومن كفر فإنه يجني عليها، والله تعالى غني عن العالمين.

     

    ويؤكد البنا أن القرآن نص في آيات واضحات على حرية الفكر والعقيدة ولكن لم ينص على عقوبة دنيوية على الردة، ولم يكن في عمل الرسول صلى الله عليه وسلم أو قوله ما يتضمن مثل هذه العقوبة، ومعظم مواقف الصحابة جاءت بعيدة كل البعد عن تكفير مسلم أو الحكم بردته أو فرض عقوبة عليه، ويتساءل البنا: «فمن أين جاءت تلك الأحاديث المستفيضة والمسهبة عن حد الردة؟» ويجيب: «لقد جاء بها الفقهاء عندما أرادوا أن يدونوا الفقه ويقننوا الأحكام وكان ذلك في أواخر الدولة الأموية وأوائل الدولة العباسية عندما احتدمت العداوات السياسية والخلافات المذهبية وهددت وحدة الأمة وكيانها، عندئذ وقف الفقهاء موقف حماة السلطة والنظام والقانون وكأن المناخ أملى عليهم أن يبتروا من المجتمع كل خارج عليه، ووجدوا من الأحاديث والسوابق التي وضعت، أو رويت بطريقة مشوهة أو اصطنع لها، سندا قويا يمكن معه أن يضفوا صفة شرعية على عملية البتر هذه، وتوصلوا بحكم الصناعة الفقهية إلى إضافتين الأولى إبداع صيغة «من جحد معلوما من الدين بالضرورة» بحيث تتسع للجميع، والثانية فكرة الاستتابة».

     

    ويؤكد البنا: «لا جدال في أن هذا يمثل منزلقا خطيرا في التشريع الإسلامي إذ هو يعطي للفقهاء سلطة كبيرة، سلطة يصغر أمامها تحذير القرآن الكريم: «ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام» فالاستتابة مثلا بالطريقة التي فصلها الفقهاء تفقد جوهرها، فما دام هناك إرهاب وسيف وراءها فيغلب ألا تكون نابعة عن رضا واقتناع وإيمان، ولكن تعوذا من القتل وتخلصا من العقوبة، فهي في الحقيقة إرهاب فكري وإذلال نفسي».

  18.  

    انتصار آسيا وهزيمة بغداد

     

    عبد الرحمن الراشد

     

    كل الناس احتفلت بانتصار المنتخب العراقي، حتى من غير أهل العراق، ومن غير العرب أيضا. هناك شبه اجماع دولي على انها كانت بطولة مستحقة لشعب يحتاج الى ما يجمع ويضمد ويسعد. لكن ها هو أسبوع مر وعادت بغداد عاصمة الشحيح من الماء، والقليل من الكهرباء، والكثير من القتلى والجرحى والتفجيرات.

     

    هل تبخرت المناسبة الرائعة، التي جمعت العراقيين في المهاجر والملاجئ والمدن والأرياف والحكومة والمعارضة؟ نعم، يبدو ان المناسبة راحت كحلم قصير، ما لم تتدراك القوى العراقية الراغبة حقا في انقاذ البلاد قبل الطلقة الأخيرة الموعودة في سبتمبر، وقبل ان ينهار الكيان السياسي الهش.

     

    فعليا مثل المنتخب عفويا كل العراقيين، حتى انه في احدى مبارياته سجل ثلاثة لاعبين، شيعي وسني وكردي، اهدافه الثلاثة، وهذا التمثيل العريض سبب اجماع العراقيين عليه، جعل كل مواطن يعتبره يمثله. والسؤال هل تتعظ الحكومة فتكون لكل العراقيين لا لبعضهم، ولحزب واحد من البعض؟

     

    قد تعيش الحكومة عشر سنوات مقبلة بدون بضعة نواب سنة انسحبوا، وبدون النواب الصدريين، وحتى بلا نواب حزب الفضيلة، لكن ما هي قيمة حكومة هزيلة لا تمثل الا حزبا واحدا وفريقا صغيرا من شعبها؟

     

    لقد اثبتت السنتين الماضيتين ان الاجماع السياسي هو أهم من كل مكونات الدولة الاخرى، بما فيها الجيش والأمن والاستخبارات، واهم من القوات المتعددة بما فيها الاميركية. وقد تسبب فقدان الاجماع السياسي في تخريب مشروع الدولة، وإن بدت الدولة واقفة لكنها في الحقيقة تترنح كل هذه الفترة الطويلة.

     

    الاجماع العراقي تمثل في أبهى صوره بعد الفوز التاريخي للمنتخب العراقي، وجاء عن سبق اصرار من قبل اللاعبين الذين قالوا انهم سافروا الى هناك وفي رأسهم رغبة ملحة في ان يفوزوا من اجل العراق. ومهما بدا هذا الكلام شعرا، فان الصورة كانت واضحة للجميع، لا قيمة للعراق مفككا ومتقاتلا.

     

    والسؤال الذي يحيرنا جميعا لماذا يعجز الكابتن نوري المالكي، رئيس الوزراء، عن تقديم حكومة تمثل كل العراقيين؟ لماذا ينجح العراقيون في جاكارتا ويفشلون في بغداد؟ هنا يصبح القائد مسؤولا عن النجاح والفشل، وحتى الآن لم نر مخرجا للأزمة السياسية العراقية داخل المنطقة الخضراء الصغيرة. لا نلوم المالكي على العجز الأمني او استمرار الارهاب فهذه مسؤولية الجميع لا الحكومة وحدها. اللوم يقع عليه شخصيا بسبب عجزه عن تحقيق الاجماع العراقي المأمول الذي يجعل حكومته حكومة كل العراقيين لا حكومة حزب الدعوة. ومهما كانت الخلافات الداخلية فإن امكانية اصلاح العلاقة مهما كانت مجروحة ربما اسهل اليوم من الغد. أمام المالكي مثل المنتخب العراقي وصورة الاجماع العراقي حوله، وهو الشخص الوحيد الذي يستطيع ان يفعلها ان اراد خارج الحزبية والطائفية، التي يريد البعض ان يدفعه باتجاهها، اليوم المالكي هو الذي يتحمل المسؤولية التاريخية.

     

    alrashed@asharqalawsat.com

     

     

     

     

    التعليــقــــات

    سهام جرجيس، «الاردن»، 06/08/2007

    ابدعت يا سيدي في سؤالك للمالكي لماذا لا يوحد صفوف الشعب بعيدا عن الطائفية. كيف يستطيع ان يتصرف بحريه وهو يعلم بان مصيره وبقاءه على كرسي رئاسة الوزراء مرهون بالاحزاب الطائفيه التي ليس لها ولاء لا للعراق فقط بل للامة العربية ولنقلها بصراحة ولاؤه وولاء وزرائه الباقين هو لايران الطائفية.

     

    عبد الرحمن العزاوي، «مصر»، 06/08/2007

    الصراع في العراق ليس صراع سنة وشيعة بل صراع احزاب متناحرة كل واحد منهم يريد ان يفرض سيطرتة على الاخر ولا يهمهم من مات ومن ينتظر الموت. فالحمد لله الذي اعطى للعراقيين فرصة للفرح ولو ليوم واحد بفوز الفريق العراقي بكأس أسيا لاول مرة لكي ينسى او يتناسى الهموم والحزن ولا اعتقد ان الامور ترجع الى نصابها الصحيح الا اذا زال المسبب الرئيسي لها.

     

    علي الاسدي، «الدنمارك»، 06/08/2007

    الاستاذ الكاتب عبد الرحمن الراشد، بعد التحية، بغداد ستبقى شامخة لم تسقط ولا تهزم. سقط وهزم من لم يكن أهلا لذلك. أنا أسأل هل كان بمقدور كابتن الفريق يونس محمود أن يسجل الهدف في مرمى الفريق السعودي لو لم يحصل على المساعدة من زميله هوار؟

    إذن كيف يمكن للسيد المالكي أن يحقق النجاج على كل هذه التراكمات الموروثة (وهي كثيره جدا) من زمن النظام السابق إضافة إلى نضال المقاومة الشريفة في تخريب البنية التحتية وقتل الابرياء والعقلية السنية التي لا تستطيع ولا تريد ان تفهم متغيرات التاريخ.

     

    المصطفى بوردة المغرب، «الولايات المتحدة الامريكية»، 06/08/2007

    شكل المالكي فريقه الكروي عفوا الحكومي في اول الأمر وهو متيقن من أنه سيحسم المباراة لصالحه خلال الشوط الأول, خصوصا وأنه مساند من طرف جمهور امريكي عريض، وهاهو الشوط الأول يوشك على النهاية ولازال الكابتن المالكي منهزما بأهداف يصعب تداركها خصوصا وأنه يعتمد على عناصر غير مدربة بشكل يؤهلها لخوض المباريات الحاسمة, كما أن طائقيته جعلت عناصر فريقه غير متناغمة وغير منسجمة ويغلب على لعبها الطابع الفردي عوض اللعب الجماعي مما ضيع عليهم عدة فرص للتسجيل وبالتالي كانت الهزيمة وضاع النصر الذي تمناه القائد المالكي كما ان تكتيك اللعب الذي يملى عليه من الداخل والخارج كان فاشلا.

     

    صلاح راكان، «المملكة العربية السعودية»، 06/08/2007

    السبب في فشل العراقيين في بغداد ونجاحهم في جاكرتا انهم لعبوا في جاكرتا موحدين طائفيا ولا توجد بينهم الحزازات الطائفية ويعود السبب لفشلهم في بغداد بسبب هيمنة الطائفية عند الرؤوس هناك وحالما تنبذ الحكومة العراقية الطائفية وتبعد الميليشيات وتجعل مصلحة العراق فوق مصلحة اي دولة اخرى ايران عندها ستجد عراقا موحدا وستجد الانتصارات على الارهاب وسيعم العراق الامن وستصلح احوال المواطنين هناك.

     

    احمد العلي، «الولايات المتحدة الامريكية»، 06/08/2007

    الاجماع لايتحقق بالقوة. اذا كانت مطالب بعض الفئات تعجيزية او غير واقعية فماذا يمكن ان يفعل المالكي او غيره؟ مثلا جبهة التوافق تطالب بامور اكثر من استحقاقها الانتخابي ولو كانوا فعلا حريصين على مصلحة البلد فعليهم عدم محاولة افشال العملية السياسية. هم يطالبون باطلاق سراح جميع المعتقلين متناسين الجرائم التي ارتكبت بحق الابرياء. ثم ما معنى جلوس بعض اعضاء البرلمان خارج العراق واطلاق التصريحات التحريضية ضد الحكومة ويستلمون مرتباتهم كاملة؟ المطلوب هو الحزم في امر هؤلاء وعدم التهاون مع كل من يثبت ضلوعه في تخريب البلد.

     

    فـــــــارس الفـــــــــارس، «العراق»، 06/08/2007

    قل لي بربك ماذا يفعل المالكي مع اناس دخلوا العملية السياسية ليخربوها من الداخل وكانت اوامرهم كتنفييذين او كبرلمانيين غير معقولة؟ ماذا يفعل المالكي مع احزاب او ميليشيات محسوبة على السنة او على الشيعة ولها اجندات اجنبية وصدقوا او لا تصدقوا لو كانت للمالكي اجندة اقليمية لكان العراق اليوم على احسن ما يرام. مشكلة المالكي كما يقولون انه تنكر للاجندات الاقليمية التي ساندته من قبل فكانت حربا عليه، اما ما يسمى باجندة الحزب الواحد فمن الطبيعي ان يستمد كل رجل سياسة افكاره وتطلعاته من الحزب الذي ينتمي اليه، اما ما يسمى بحكومة الوحدة الوطنية، والتي ثبت في جميع تجارب الشعوب انها اصعب بل اسوء انواع الحكومات، فهي خليط غير متجانس من الرؤى والايديولوجيات جعلت الاتفاق على اية مسألة امرا غير ممكن والحل الوحيد الامثل حكومة تكنوقراط من جميع طوائف المجتمع لا تتلقى اوامرها من هذه الجهة او تلك.

     

    رعد البراق، «كندا»، 06/08/2007

    لأن البعض مازال يحلم أن تعود له الأمجاد ويسيطر على الكعكة بمفرده ويمحق الآخرين، وكما تدين تدان. الواقع، إذا استمر السنة العراقيون في تعنتهم فسيكونون هم الخاسر الأول لأنهم أقلية تقع بين أكثرية هضمت حقوقهم المدنية لقرون من السنين. السنة العراقيون يعولون على العرب، كأنهم لم يتعظوا ماذا فعل العرب للفلسطينيين، والسعيد من اتعظ بغيره. سيكابر البعض إلى ان تنتهي الفرصة إلى غير رجعة.

     

    خليل برواري { النرويج }، «النرويج»، 06/08/2007

    استاذ الراشد عموما الشرق الاوسط يعاني من ازمة القيادة و فن الخروج من الازمات او ادارة الصراع ناهيك ان اي شخص غير المالكي لو أصبح رئيسا للوزراء لن يكون بحال افضل من المالكي بسبب المحاصصة الطائفية المقيتة والحل هو اعطاء صلاحيات للاقاليم بشكل واسع ليتمكن اصحابها من ادارة مناطقهم بشكل جيد لاننا لم نستفد من عاصمة قوية غير الانقلابات والسحل في الشوارع والمؤامرات.

     

    باسل فخري، «كندا»، 06/08/2007

    الاجابة على سؤال الاستاذ الكاتب حول سبب عجز رئيس الوزراء يعرفها العراقيون جيدا. اولا ان السيد المالكي لا يتمتع بالكاريزما التي تؤهله لقيادة حكومة. ثانيا هو شخصية غير حيادية وينتمي الى حزب ديني طائفي له اجندة طائفية لا يمكنه الحياد عنها. ثالثا هو شخصية لا تتمتع بارادة مستقلة تؤهله لاتخاذ قرارات مصيرية فقد وصل الى هذا المنصب استنادا الى تحالف طائفي اثني تشكل على اساس عملية انتخابية مصطنعة وفي ظل احتلال اجنبي اراد ان يخرج العملية بهذا الشكل الهزيل. بعبارة اخرى فان كل ما يصدر عنه ليس اكثر من صدى وتأثير التحالف الذي هو جزء منه وبكل تناقضاته من جهة وادارة الاحتلال من جهة ثانية. بعد هذه الاجابة اتوجه بدوري كي اسأل كيف يمكن لهكذا شخص ان يتحمل المسؤولية التاريخية؟ وهل خلا العراق العظيم من الشخصيات الوطنية القيادية الى الحد الذي نعجز فيه عن ايجاد بديل لهذه الشخصية لتحمل المسؤولية؟

     

    عدنان عبد الطويل، «الامارت العربية المتحدة»، 06/08/2007

    سيدي الكاتب لا المالكي ولا غيره يستطيع ان يفعل شيئا، فلنكن واقعيين، هناك في العراق اناس لا يستطيعون استيعاب الصدمة في انهم فقدوا سلطة استحوذوا عليها عقودا من الزمن، ولسان حالهم يقول اما ان احكم او علي وعلى اعدائي. نواب جبهة التوافق يطالبون بحل الميليشيات ولو كانوا صادقين لقاموا بحل مليشياتهم اولا، يكفيك ان تذهب الى منطقة حي العدل وحي الجامعة لترى مليشيات الدليمي تصول وتجول تحت مسميات عديدة (جيش المجاهدين، جيش عمر، انصار السنة، دولة العراق الاسلامية.... وغيرها). كلها تشكلت بعد سقوط النظام الدكتاتوري لمحاربة التغيير فامعنت بقتل العراقيين جيش، شرطة، موظفين، طلاب، اساتذة، رجال دين، نساء، اطفال، شيوخ، هجرت الالاف واخيرا وليس اخرا قامت باستهداف الرموز الدينية ومراقد الائمة الاطهار. لم يكن غريبا بعد كل ذلك ان تتشكل مليشيات على الجانب الاخر لتوفر حماية للناس بعد ان عجزت الحكومة وجيش الاحتلال عن ذلك.

     

    سالم العيد، «المملكة العربية السعودية»، 06/08/2007

    نعم أستاذ عبد الرحمن لقد أثبتت الأيام أن الأسس الطائفية التي بنى عليها بريمر عراق ما بعد صدام بالإضافة إلى التغلغل الإيراني في الشؤون العراقية لا يمكن أن تصل بنا إلى عراق موحد وديموقراطي ومستقل لذلك يجب إعادة رسم الخارطة السياسية في العراق على أسس وطنية وليس على أسس طائفية.

     

    عامرعمار، «الاردن»، 06/08/2007

    -أرى يا أستاذ أن كل العرب قد فهموا الرسالة وتعاطفوا معها إلا الحكومة العراقية ورئيسها ...ربما لأنها مكتوبة بالعربية الخالصة وكان من المفترض أن تكتب بالفارسية ليتسنى لهم فهمها!..

     

    محمد عبدالرحيم، «المملكة العربية السعودية»، 06/08/2007

    كرة القدم لعبة تعتمد على الحظ بينما السياسة لعبة واقعية قذرة لا مجال للحظ فيها، لقد اجتهد المنتخب العراقي بلا جدال ولكن يبق الحظ هو الذي خدمه في ركلات الحظ الترجيحية في المباراة قبل النهائية مع الفريق الكوري الجنوبي ربما اجتهد السياسيون في توحيد الشعب العراقي ولكن لم يحالفهم الحظ كما حالف إخوتهم في منتخب الكرة. ستبقى في النهاية الكرة كرة والسياسة سياسة.

     

    نصر الصباغ، «فرنسا ميتروبولتان»، 06/08/2007

    السيد عبد الرحمن الراشد المحترم، أين الاحتلال من مقالك وكأن الحدث مسألة داخلية حدثت في بلد مستقل وحر وليس بلد محتل ولا تقول قرارات دولية وأمم متحدة أرجوك، أرجو أن تركز في كل مقال تذكر فيه العراق على أن هذا البلد محتل وهو بلد عربي وإسلامي.

     

    أحمد عبدالوهاب، «فرنسا ميتروبولتان»، 06/08/2007

    شكرا لاهتمام صاحب المقال بالمحنة العراقية....لم يوفق رئيس الوزراء لأنه يفكر بعقلية صدام حسين..تلك العقلية المتحجرة التي جعلت مصلحة العائلة فوق مصلحة الوطن..ونفس الشيء يقوم به المالكي بجعل مصلحة حزب الدعوة وخاصة الجناح المساند له فوق مصلحة الوطن والأمة....فمتى يفهم من يقف معه ويسانده.

     

     

    طه احمد، «العراق»، 06/08/2007

    ليت السياسة تملك بساطة الرياضة وتكون خالية من عقدها وتعقيداتها وحساباتها ومصالح هذه الدولة وتلك، ولو كانت كذلك لسجل المالكي اكثر مما سجل يونس في نهائي اسيا، وهدف المالكي الذهبي لن يحرز الا بتظافر الجهود المحلية والاقليمية والدولية والتعاون من اجل حقن الدم العراقي المقدس.

     

    معتز الاديب، «فرنسا ميتروبولتان»، 06/08/2007

    الصراع في العراق ليس صراع طائفي، فالشعب ليس له علاقة بهذا الصراع سوى انه اصبح الضحية، بواسطة بهائم مفخخة تاتي من هنا وهناك، وانما هو صراع اجندات دول اقليمية، ابتلى بها العراق، استخدمت ارض العراق للوصول الى غايات معينة بغرض النظر عن الوسائل المتبعة من قتل الناس او تدمير البنى التحتية او تهجير شعب بهكذا زخم.

     

    نواف متعب الشعلان، «المملكة العربية السعودية»، 06/08/2007

    من حسن طالع المنتخب العراقي انه قابل اهل الجود والكرم في المباراة النهائية اللذين اهدوه الفوز دون منة، الا ان الحكومة العراقية تلعب ضد منافسين شرسين لايتمتعون بأخلاق الاخضر.

     

    حسن محمود المظفر، «المملكة العربية السعودية»، 06/08/2007

    أختلف مع الكاتب في قوله أن حكومة السيد المالكي هي حكومة حزب واحد يثل طائفة صغيرة من شعبه، بل هو يمثل إئتلافاً حاز على غالبية أصوات الناخبين العراقيين، وقد كان بإمكانه طبقاً للدستور تشكيل حكومة تضم أعضاءاً من الإئتلاف العراقي الموحد فقط، ولكنه آثر تشكيل حكومة وحدة وطنية في محاولة لإرضاء كافة الأطياف، ولكن يبدو أنه لم يستطع بسبب عدم نضج وكفاءة ممثلي الكتلة الصدرية، ورغبة التوافق في إطلاق كافة المعتقلين ومن ضمنهم الإرهابين وفي مزيد من السلطة على الرغم من عدم أحقيتهم.

     

    زيد الحيالي، «الامارت العربية المتحدة»، 06/08/2007

    المالكي يدير حكومة مبنية على اساس طائفي وتتدخل في شؤونها الدول المجاورة وخاصة ايران ونرى كل يوم اجتماعا بين الامريكان والايرانيين لتقرير مصير العراق لو كان المالكي ذو ولاء للعراق لما سمح لهذه التدخلات القذرة من ايران وميليشياتها هل تعلمون ان ميليشيات جيش المهدي لديها الآن محاكم في البصرة لتنفيذ احكام الاعدام بحق المواطنين؟ تتكون كل محكمة من ثلاث معممين يقررون اعدام الاشخاص بالاجماع وبدون الحاجة الى تهم حيث ان الاسم في الهوية الشخصية يحدد فيما اذا كان مذنبا ام لا. الاخ كاتب المقال ان المنتخب العراقي وكما يدل اسمه عراقي وليس فارسيا وهذا سبب انتصارهم في جاكارتا لانهم كانوا يلعبون تحت اسم العراق وفقط العراق.

     

    احمد زهير كريم، «المانيا»، 06/08/2007

    أستغرب ان تصدر هكذا مقارنة من كاتب وسياسي بحجم الأستاذ الراشد. كرة القدم هي لعبة واضحة المعالم محصورة في المستطيل الأخضر وبقوانين واضحة وحكم محايد (في العادة). كل اللاعبين يعرفون ما لهم وما عليهم بالضبط. أما السياسة فمستطيلها أحمر وليس أخضر والمشجعون يشترون ذمم الكثير من اللاعبين الأساسيين وربما المدرب لمصالح فرقهم التي تريد خسارة العراق. سياسيو العراق الذين يقودهم المالكي لا يتقنون اصول وفنون لعبة السياسة وربما انهم يرتضون ب (هدايا) الجمهور والمشجعين مقابل التقاعس عن اللعب الجيد وربما التهديف بمرمى المالكي او قتل وتفجير اللاعبين الذين يؤدون واجباتهم. اما حكم المباراة السياسية فهو غير نزيه بالمرة وما يحركه هو حساباته في جنيف التي يتم تمويلها من ايران والخليج. كيف تطلب من المالكي بعد كل هذا ان ينتصر كما انتصر فييرا؟ انها المهمة المستحيلة والمقارنة غير المنطقية.

     

     

  19. نصائح ذهبية» للتعرف على جنس المولود

     

    بين الموروث الشعبي والبحث العلمي

     

     

     

    لندن: «الشرق الأوسط»

    من الموروثات الشعبية المتعارف عليها بين النساء، ومنذ آلاف السنين، قدرتهن التعرف على جنس المولود من شكل بطن الام الحامل. البعض منهن يستعين بالتجربة والبعض الآخر بالخبرة او مما سمعنه من جداتهن وأمهاتهن، والطريف ان توقعاتهن تكون جد موفقة في غالب الأحيان، الأمر الذي يحير حتى العلماء، ويؤكد ان هذه الحالة من الحالات النادرة التي يعتبر فيها الخيط بين الثقافة الشعبية والعلم رفيعا للغاية. من ضمن الموروثات الشهيرة المتداولة بين المخضرمات أنه إذا كان بطن الام غير بارز فإنها ستلد ذكرا، أما إذا كان بطنها مرفوعا لاعلى فهذه إشارة إلى أنها حامل بأنثى، بينما يعتقد البعض الآخر انه إذا زادت الحامل نضارة وجمالا فهي حامل بذكر، بينما إذا شحبت وذبلت فإنها حامل بأنثى، وهكذا. ووفقا لتقرير نشرته صحيفة "زود دويتشه تسايتونج" في موقعها على شبكة الانترنت في بداية هذا الشهر أن كل هذه التأويلات لها أساس تاريخي، حيث يرجح أنها ترجع للقرن الخامس قبل الميلاد، مما اثار اهتمام باحثين في جامعة جونز هوبكينز الاميركية وفتح شهيتهم للبحث عن صحتها، لكنهم اكتشفوا انها بعيدة كل البعد عن الصحة. فقد أخضع العلماء أكثر من 100 سيدة حامل لم يكن يعرفن جنس الطفل الذي يحملنه للتجربة، وكانت النتيجة أن شكل بطن الام الحامل لا يؤدي بالضرورة إلى تشخيص صائب. كما توصلوا خلال أبحاثهم إلى مجموعة من المفاجآت من بينها أن إحساس الام وأحلامها قد تؤدي إلى توقعات سليمة بشأن جنس المولود. وخلصت الدراسة إلى مجموعة من النصائح التي يمكن أن تساهم بنسبة كبيرة في توقع جنس المولود:

    * إذا لم تشعر الام في أول شهور الحمل بالغثيان، أو إذا أصبح ثديها الايمن أكبر من الايسر، أو إذا شعرت بارتفاع سريع في درجات حرارة قدميها مقارنة بفترة ما قبل الحمل فإن هذه من المؤشرات التي تدل على أنها ستستقبل مولودا ذكرا.

     

    * إذا لاحظت الام اتساع حدقة عينيها حين تنظر في المرآة لمدة دقيقة واحدة على الاقل، أو إذا لاحظت جفافا سريعا في بشرتها أو إذا كانت دقات قلب الجنين أقل من 140 دقة في الدقيقة فإنها يجب أن تتوقع إنجاب ذكر.

     

    * إذا كانت الام ترغب في التأكد بشكل أكبر من جنس المولود الذي تحمله فيمكنها الاستفادة من علم الارقام، إذ يتم حساب عمر الام وقت الانجاب ويضاف إلى رقم الشهر الذي ستحدث فيه الولادة، فإذا كانت النتيجة رقما زوجيا، فإن هذا يشير إلى إنجاب ذكر.

     

    * أما عدم وجود أي من المؤشرات المذكورة فيعني أن الام من الممكن أن تعد نفسها لاستقبال أنثى.

  20. الإرث المنسي للعرب

     

    جيل جديد من المفكرين الفرنسيين ينقب في تاريخ الحضارة العربية ـ الإسلامية

     

     

     

    هاشم صالح

     

    يعتبر آلان دوليبيرا احد كبار مؤرخي الفلسفة، وبخاصة تلك الفلسفة التي ظهرت في القرون الوسطى. وهو لا يمر على الإسهام العربي في هذا المجال مرور الكرام كما يفعل الكثيرون هنا في الغرب. بل على العكس انه يتوقف عنده طويلاً ويوفيه حقه، بل ويبدي اعجابه به في اكثر من موضع. وهذا دليل على ظهور جيل جديد من الباحثين الفرنسيين الشباب المتحررين من العقلية الاستعلائية التي كانت سائدة في زمن الاستعمار.

     

    كتب آلان دوليبيرا اصبحت الآن مراجع لجميع الباحثين في فكر القرون الوسطى، وفي التفاعل الثقافي بين كلتا ضفتي المتوسط، وفي مدى تأثير الحضارة العربية الاسلامية على الحضارة اللاتينية ـ المسيحية أو الأوروبية. ومن اهم كتبه يمكن ان نذكر كتابين اثنين هما: "الفلسفة في القرون الوسطى"، ثم "التفكير في القرون الوسطى". ويتحدث في الأول عن جملة مواضيع مهمة منها: الفلسفة في المشرق الاسلامي، ثم الفلسفة في المغرب الاسلامي. وفي الكتاب الأول يقول بما معناه: لقد حصلت في القرون الأولى للاسلام حركة ترجمة واسعة لم يسبق لها مثيل في تاريخ البشرية. وأدت الى انتاج موسوعة فلسفية ضخمة في اللغة العربية لأول مرة في التاريخ. وقد تحقق ذلك خلال بضعة عقود من السنين. وكان الفضل في ذلك يرجع إلى الإرادة السياسية المتحمسة للخلفاء العباسيين. صحيح ان الحركة ـ حركة الترجمة ـ ابتدأت في عهدي الخليفتين المنصور والمهدي، ولكنها لم تبلغ ذروتها ولم تنطلق حقيقة إلا في عهد المأمون (813 ـ 833م).

     

    ففي عهد الخلفاء العباسيين الأوائل كان الاهتمام يتركز على العلم أكثر من الفلسفة. وقد ارسل المنصور بعضهم إلى جنديسابور للبحث عن كتب علمية مفيدة من اجل ترجمتها، وبخاصة كتب الطب، والفلك، والرياضيات. واما ترجمة الكتب الفلسفية فلم تحصل فعلاً إلا في زمن المأمون. فقد ارسل المبعوثين الى بلاد الروم (أي بيزنطة) لكي يشتروا المخطوطات اليونانية ويجلبوها إلى بلاد الاسلام. وكان ذلك في أواخر القرن الثاني الهجري/ وأوائل القرن التاسع الميلادي. وكانت هذه المخطوطات الفلسفية الاغريقية موجودة في بلاد الروم منذ زمن طويل. ولكنها لم تؤد هناك الى توليد أي انتاج فلسفي محلي، أو تفاعل خصب. على العكس من ذلك، فإن العرب إذ استملكوا الثقافة الاغريقية عن طريق ترجمة الفسلفة فانهم اصبحوا مبدعين في هذا المجال. ولم يبقوا مجرد نَقَلة او مترجمين. لا ريب في ان الترجمة سبقت مرحلة الابداع الذاتي، وهذا أمر طبيعي، ولكنهم لم يكتفوا بالترجمة. والواقع ان السفراء الذين أرسلهم المأمون الى بلاد الروم كانوا هم أصلاً فلاسفة وليس فقط مترجمين. وأسس المأمون عندئذ معهداً للترجمة والبحوث لا مثيل له في ذلك الزمان هو: بيت الحكمة. وقد وظف فيه جميع مترجمي تلك الفترة كالحجاج بن مطر، ويحيى بن البطريق، وحنين بن اسحاق الأب، ثم حنين بن اسحاق الابن، ثم حبيش بن اسحاق، وآخرين عديدين. ماذا ترجموا آنذاك؟ تقريباً جميع كتب أرسطو بالإضافة إلى مؤلفات أخرى علمية وطبية وفلكية...

     

    بعد ان قضي على الفلسفة في المشرق بسبب انهيار الحضارة العباسية والبويهية وسيطرة السلجوقيين، راحت تنتقل الى المغرب بالمعنى الواسع للكلمة: أي الغرب الاسلامي وبخاصة اسبانيا الاسلامية أو (الأندلس). يقول آلان دوليبيرا: ابن سينا مات عام 1037م. واما الفيلسوف الكبير الأول في الغرب الإسلامي فكان ابن حزم القرطبي الذي مات عام 1064. وهكذا توافرت الظروف لكي تنتقل شعلة الفكر الفلسفي من المشرق الى المغرب. بمعنى آخر فان قرطبة حلت محل بغداد كمركز للاشعاع الفكري للعالم الاسلامي. لا ريب في ان الازدهار الفلسفي الذي شهدته الاندلس في منعطف القرنين العاشر/ والحادي عشر للميلاد عائد الى انتقال مراكز البحث والدراسة من المشرق الاسلامي الى المغرب الاسلامي. وكما ان اول امير للاندلس كان سورياً، فان الفسلفة انتقلت ايضا الى اسبانيا من سوريا، بل ومما هو أبعد من سوريا. فالكتب، والنصوص، والترجمات، والثقافة العقلانية، والعلم، كل ذلك وصل الى قرطبة، كما كان العلم الاغريقي قد وصل الى بغداد سابقاً. وحتى بعد ان انهارت اسبانيا الاسلامية (أو الاندلس) أمام الجيوش المسيحية، فانها انتصرت فلسفياً على مهاجميها تماماً كما حصل لليونان مع روما. فالمهزوم عسكرياً كان هو المنتصر فكرياً. كيف؟ عن طريق انتقال الفلسفة العربية الاسلامية الى بلدان اوروبا المسيحية اللاتينية. فمراكز الدراسات والبحوث والترجمات راحت تنتقل مرة ثالثة من العرب الى الاوروبيين. وعندما ماتت الفلسفة العقلانية (او الرشدية) في كل انحاء المغرب الاسلامي راحت تزدهر بشكل لم يسبق له مثيل في اسبانيا، وايطاليا، وفرنسا، وانجلترا، الخ.. هكذا انتقل مركز العلم والاشعاع الحضاري من قرطبة الى طليطلة. فمن هذه المدينة بالذات انطلقت الفلسفة اللاتينية لأول مرة وساهمت في نهضة اوروبا وتفوقها على العالم الاسلامي لاحقاً. فقد حصلت فيها حركة تثاقف هائلة بين الشرق الاسلامي والغرب المسيحي من خلال ترجمة أمهات الكتب الفلسفية من العربية الى اللاتينية. ثم يطرح آلان دوليبيرا هذا السؤال: هل كان ابن حزم أول فيلسوف قرطبي؟ يجيب على ذلك قائلاً: ربما كان قد سبقه أو مهَّد له بعض الفلاسفة الآخرين. والواقع ان ابن حزم ليس فيلسوفاً بالمعنى المحض للكلمة، وانما كان فقيهاً ومتكلماً بالدرجة الأولى. أو قل بانه كان فقيهاً يتفلسف. وكان ينتمي إلى علية القوم. ومعلوم ان الطبقات العليا في المجتمع الاسلامي لم تكن معادية للفلسفة. فوحدها العامة او ما ندعوه حالياً بالجماهير الشعبية كانت معادية لها. نقول ذلك ونحن نعلم ان الخليفة المنصور العامري أمر بحرق كتب الفلسفة إرضاء للعامة والفقهاء الذين يجهلون العلوم الدنيوية أو المنطقية.

     

    وكان عهده بمثابة نقطة انطلاق سيئة لشن حملة هائجة وعنيفة ضد الفلسفة والفلاسفة. فقد أمر بتدمير الكتب والمكتبات، بل وتصفية الفلاسفة جسدياً بحسب رأي بعض المؤرخين. وهذا مخالف لما حصل في عهد الخليفة الموحدي ابو يعقوب يوسف الذي كان بلاطه في اشبيليا مركزاً مشعاً للعلم والفسلفة. فقد استقبل فيه كبار الفلاسفة من امثال ابن الطفيل، وابن رشد، وابن زهر، وشجعهم على مواصلة أبحاثهم العقلانية. وكذلك فعل ابنه ابو يوسف يعقوب المنصور الذي يختلف كثيرا عن المنصور الأول المذكور آنفاً. فقد شجع الفلسفة في بداية عهده ثم انقلب عليها في نهايته عندما اضطهد ابن رشد إرضاء للعامة ايضاً. هكذا نجد ان مصير الفلسفة ـ أي الفكر العقلاني ـ كان مرتبطا بنوعية الخليفة الحاكم، وبنوعية الظروف الاجتماعية والتاريخية السائدة. والواقع ان الصراع بين أنصار الفلسفة والمعادين لها ما انفك يتأجَّج في المجتمع الاسلامي حتى انتهى اخيراً بهزيمة الفلسفة في المشرق والمغرب على السواء والدخول في عصور الانحطاط الطويلة التي لم نخرج منها حتى الآن. او قل اننا نحاول ان نخرج منها عن طريق بذل جهود هائلة من اجل النهوض والانبعاث. والعملية ليست سهلة لأن من نام ستة قرون على التاريخ (أي من القرن الثالث عشر إلى القرن التاسع عشر) لا يستطيع ان ينهض بسهولة من كبوته. فيلزمه وقت طويل لكي يستدرك ما فات ولكي يلحق بركب الحضارة المعاصرة. من هنا سر الاحباط والتمزق والاختلاجات الهائجة التي نشهدها حالياً في مناطق شتى من العالمين العربي والاسلامي. فالفلسفة لم تمت فقط في بلداننا وانما نسينا انها كانت موجودة اصلاً. نسينا اننا كنا اساتذة للعالم يوما ما. نسينا اننا كنا مركزاً حضارياً مشعاً طيلة عدة قرون. وبالطبع فقد كان للآخرين مصلحة في نسيان ذلك أيضاً وطمسه لكي يقولوا بانهم هم وحدهم الذين صنعوا الحداثة، وانهم غير مدينين للعرب بأي شيء. وهذا ما يعيبه عليهم آلان دوليبيرا عندما يتحدث عن "الإرث المنسي للعرب". يقول هذا الباحث الموضوعي الذي يتعصب للحقيقة فقط لا للانتماءات العرقية او الدينية أو المذهبية. يقول في كتابه "التفكير في القرون الوسطى" ما معناه: اثناء القرون الوسطى الأولى انتقلت مقاليد الاسلام من أيدي الأمويين الى أيدي العباسيين. وقام هؤلاء الأخيرون باجراء انقلابات عميقة على المستوى الثقافي. وهذه المتغيرات تتلخص بكلمتين اثنتين: ازدهار علم الكلام، وكذلك الفلسفة. ففي بغداد راحوا يترجمون النصوص ويشرحونها، أقصد نصوص ارسطو وسواه. وترجمة النصوص الفلسفية وشرحها لا يمكن ان يحصلا إلا في بيئة متسامحة نسبياً، وكذلك في بيئة متعطشة للفكر الفلسفي.

     

    فلو لم يكن هناك طلب على الفلسفة والعلم لما فكر أحد في ترجمتهما. ولو كان التزمت يسود الساحة كلياً لما تجرأ أحد على ترجمة كتب الفلسفة. صحيح ان العديد من التقليديين والفقهاء نهضوا ضدها وهاجموها بحجة انها علوم دخيلة، لكنهم لم يستطيعوا منعها. لنقارن الآن بين وضع أوروبا في عهد شارلمان، ووضع العالم الإسلامي في عهد هارون الرشيد، وهما متزامنان. فالإصلاح الذي قام به شارلمان لم يتجاوز تلبية الحاجيات الدينية والإدارية للدولة. صحيح أنه كان خصباً في إنجازاته الجزئية، لكنه كان متواضعا في الإنجاز العام. كان يهدف فقط إلى تعليم النخبة الكهنوتية (أي رجال الدين المسيحيين)، القراءة والكتابة، ثم تشكيل طبقة من موظفي الإمبراطورية للقيام بالشؤون الإدارية. لكن في نفس اللحظة، كان هارون الرشيد يقوم بسياسة ثقافية مختلفة تماما وأوسع بكثير. كانت سياسته أكثر إشعاعاً، وطموحاً، وتطوراً. فقد راح العرب المسلمون يترجمون كل التراث الفكري للبشرية تقريباً. وأقصد بذلك ليس فقط التراث اليوناني من علمي وفلسفي، إنما أيضا التراث السرياني، والفارسي، والهندي، واللاتيني.. إلخ، وكانوا يرسلون البعثات إلى بلاد فارس، والهند، والقسطنطينة من أجل البحث عن الكتب والمخطوطات. ما الذي كانوا يترجمونه؟ كل شيء تقريبا، وبخاصة النصوص الفلسفية الكبرى للإغريق. ماذا فعلوا بهذه النصوص بعد ترجمتها؟، كانوا يقرأونها أولا، ثم يشرحونها ويعلقون عليها ثانيا، ثم في خط الرجعة، كانوا يؤلفون نصوصا جديدة انطلاقا منها، وبالتالي فلم يكتف العرب بالنقل والترجمة كما يتهمهم بعض المستشرقين، إنما راحوا يبتكرون بشكل ذاتي ويبدعون. وهذا هو الإرث المنسيّ للعرب: أقصد الإرث الذي نسيته أوروبا أو تجاهلته، على الرغم من أنه غذّاها طيلة عدة قرون وساهم في نهضتها. والواقع أن العرب ظلوا يشكلون المرجعية الفلسفية لأوروبا من القرن الحادي عشر وحتى القرن الخامس عشر على الأقل. بعدئذ راحت أوروبا تنطلق بسرعة صاروخية وتتفوق علينا. وفي ذات الوقت توقفنا نحن عن العطاء والإبداع، ودخلنا في عصور الانحطاط الرتيبة التي لم نستفق منها إلا في القرن التاسع عشر على وقع سنابك جيوش نابليون بونابرت..

     

    لقد قدم العرب مثالاً رائعاً على كيفية التثاقف أو التفاعل الفكري مع الثقافات المختلفة. وأثبتوا أنهم قادرون على فهم الفكر الفلسفي والعلمي، بل واستيعابه والإبداع فيه. ثم أخذ المسيحيون والأوروبيون العلم عنهم وانشغلوا بترجمة كبار مفكرينا طيلة أكثر من قرن. لكنهم أخطأوا أحيانا في فهمهم. وهذا دليل على مدى صعوبة انتقال الفكر من بيئة إلى أخرى، ومن لغة إلى أخرى. فليس كل شيء يُنقل، وليس كل شيء يُفهم ويُستوعب على حقيقته إذا ما نقل. نضرب كمثل على ذلك، ترجمتهم للغزالي. فقد اعتقدوا أنه فيلسوف محض مثله في ذلك مثل ابن رشد، أو الفارابي، أو ابن سينا، لماذا؟، لأنهم ترجموا كتابه "مقاصد الفلاسفة" ونسوا أن يترجموا كتابه الآخر "تهافت الفلاسفة".. والواقع أن الغزالي ما استعرض عقائد الفلاسفة في كتابه الأول، إلاّ لكي يدحضها ويفنّدها في كتابه الثاني. ومعلوم أن الغزالي كان ذا علم كبير كالبحر، وكان يشمل العلوم الدينية والعلوم الدنيوية على السواء، وبالتالي فلم يكن يدحض شيئاً لا يعرفه كما يفعل بعض الشيوخ التقليديين حالياً عندما ينتقدون العلم الأوروبي أو الغربي عموماً. ثم جاء ابن رشد بعده بحوالي السبعين سنة، لكي يرد عليه في كتاب لا يقل شهرة هو "تهافت التهافت". وهذه المجادلة التي جرت بين الغزالي وابن رشد تعتبر من أكبر المناقشات الفكرية التي جرت في العصور الوسطى. وهي دليل على مدى نضج الفكر العربي ـ الإسلامي وتفوقه وثقته بنفسه. فها هما مفكران كبيران ينزلان إلى الساحة: الأول يهاجم الفلسفة، والثاني يدافع عنها. وكل واحد يستخدم العديد من الحجج العقلانية والأساليب المنطقية في النقاش والمجادلة. ولم يحصل أي سِباب أو شتم، لأن ابن رشد كان يحترم الغزالي ويعرف قيمته. فالحجة تقارع بالحجة، ومن ينتصر أمام الجمهور المثقف فحلال عليه.. لكن الدائرة كانت قد دارت على الفلسفة، وظروف العالم الإسلامي أخذت تتدهور في المشرق كما في المغرب، فهزم الفكر العقلاني الفلسفي وانتصر الفكر اللاهوتي الصوفي، وكذلك الفقهي الجاف والناشف. انتصر التقليد والتكرار والاجترار..

     

    ولا نزال ندفع ثمن هزيمة الفلسفة حتى هذه اللحظة. فلو أنها بقيت حية لما انتصر ذلك الفكر الضيق والمتزمت الذي يهيمن علينا اليوم من خلال الحركات المتطرفة التي شوهت صورة الإسلام والحضارة العربية الإسلامية في كل أنحاء العالم. فهم يقومون بأعمال ما أنزل الله بها من سلطان، ثم ينسبونها إلى الإسلام، والإسلام الحق من ذلك براء. نعم لقد ساهمت الفلسفة سابقا في تقديم قراءة ذكية وعقلانية لتراثنا الديني وعرفت كيف توفق بين العلم والإيمان، أو بين العقل والنقل. وأما اليوم، فلم يعد هناك لا علم ولا عقل، إنما تيارات لاعقلانية كاسحة تفسر الإسلام على هواها وتطلق الفتاوى شمالاً وجنوباً، وتكون النتيجة كارثة حقيقية، إنهم يفتون بقتل الأبرياء بكل تهور ولامسؤولية ودون أن يرفّ لهم جفن!..

     

    بل إنهم يقدمون الذرائع والحجج الذهبية لأعداء الإسلام في الغرب والشرق لكي يهاجموه وينالوا منه ومن حضارته.. وبالتالي فإني أدعو إلى محاسبة النفس ونقد الذات قبل الرد على الآخرين، وبخاصة إذا كان هؤلاء الآخرون لا يستحقون حتى مجرد الرد.. كما وأدعو إلى الاطلاع على ما كتبه الباحثون الكبار في الغرب الأوروبي والأميركي عن تراثنا العربي الإسلامي بكل علم وموضوعية. فهذا أجدى لنا من الانشغال بأناس سطحيين لا معنى لهم.. ينبغي العلم بأنه توجد في اللغات الأجنبية كالألمانية، والإنجليزية، والفرنسية، عشرات الكتب ومئات البحوث التي لم يسمع بها أحد حتى الآن في العالم العربي، على الرغم من أنها متركزة على التراث الإسلامي. فهل يجوز ذلك؟ هل يعقل؟. إن آلان دوليبيرا ليس الباحث الوحيد الذي يتحدث بموضوعية واقتدار عن تراثنا، إنما هناك عشرات غيره، وقد آن الأوان للاطلاع على ما كتبوه ليس من أجل التصديق عليه حرفياً، إنما من أجل الاستئناس به ومناقشته والتفاعل معه، إما سلباً وإما إيجاباً.

     

    مأساة الفكر في العالم العربي والإسلامي هي أن الجدلية الخصبة التي كانت سائدة في الفترة الكلاسيكية بين العقل الديني والعقل الفلسفي، انقطعت أو انتهت بعد موت ابن رشد (1198). وهكذا سيطر الفكر اللاهوتي الضيق وطرق الدروشة الصوفية على الساحة كلياً تقريباً، ولم يعد يُفسح أي مجال للفكر العلمي أو الفلسفي. ونحن ندفع ثمن ذلك الآن. صحيح أننا حاولنا أن نستدرك الوضع عندما استيقظنا في القرنين التاسع عشر والعشرين، وابتدأنا النهوض الصعب، لكن الركب ـ ركب الحضارة والتقدم ـ كان قد سبقنا كثيراً، وأصبح متعذراً اللحاق به بين عشية وضحاها، فالتركة الموروثة عن الماضي ثقيلة، وقوى العطالة الذاتية والجمود تعرقلنا كلما حاولنا النهوض، وقد حاولنا أكثر من مرة، ولا نزال نحاول حتى هذه اللحظة، وسوف نظل نحاول حتى ننجح بإذن الله، فإذا كان العرب المسلمون قد أثبتوا قدرتهم في الماضي على استيعاب الحضارات والعلوم والفلسفات، فلماذا لا يستطيعون ذلك الآن أو مستقبلا؟. يكفي أن يستوحوا (أو يستلهموا)، أسلافهم الكبار في العصر العباسي أو الأندلسي ويقوموا بحركة ترجمة شاملة للعلم الحديث. والواقع أن وضع أسلافنا تجاه الفلسفة اليونانية لا يختلف كثيراً عن وضعنا نحن الآن تجاه الفلسفة الأوروبية. الفرق الوحيد بيننا وبينهم، هو أنهم عرفوا كيف يترجمون العلم الإغريقي ويبنون عليه ويضيفون إليه، في حين أننا لا نزال نتخبط دون أن نستطيع التوصل إلى بلورة سياسة متكاملة لعملية الترجمة والتفاعل الثقافي. لقد كانوا أكثر جدية منا في ما يخص احترام العلم والفلسفة وكيفية استيعابهما. من يستطيع الآن أن يترجم كتاباً واحداً في الفلسفة إلى اللغة العربية؟، اقصد يترجمه بشكل صحيح ومسؤول ناقلاً حيثياته وظروفه وليس فقط نصه الأصلي. أكاد أسمع بعض المثقفين العرب يقهقهون إذ أقول هذا الكلام. فهم يعتقدون أن الترجمة فعالية ثانوية لا تليق بالمثقف المبدع الذي يخترع كل شيء من عدم!. لكنهم لا يعلمون أن ترجمة الفكر هي من أصعب الأعمال، وينبغي أن تتوافر عدة شروط لكي تنجح فعلاً. فالترجمات الرديئة أو المبهمة تملأ الأسواق العربية، ونتيجتها ستكون تشويه أجيال بأسرها.. نعم اني اتفق مع آلان دوليبيرا على القول بأن النهضات الكبرى لم تحصل إلا على أكتاف الترجمات الكبرى. وينطبق ذلك على الأوروبيين، مثلما ينطبق على العرب المسلمين، أو اليابانيين، أو الصينيين، أو الهنود، أو بقية العالمين.. نعم ان المستقبل هو للتفاعل الثقافي بين الحضارات وليس لصدام الحضارات كما يحاول أن يقنعنا المتطرفون في الغرب أو في الشرق.

  21. قطار الترجمة إلى العربية انطلق

     

    إصدارات بالمئات والفوضى تحجب الرؤية

     

     

     

    دمشق: سعاد جروس

     

    غير صحيح ان العرب لا يترجمون، بل على العكس انهم يسبقون الأوروبيين أحياناً في ترجمة بعض الإصدارات الحديثة. والمترجمون ناشطون على قدم وساق، وثمة دور نشر تباهي بإنجازاتها. وهناك من يعتقد ان هذه الانجازات باتت كبيرة، وإن خالفهم البعض الآخر الرأي. لكن ما أصبح أكيداً وموثوقاً هو ان الترجمة إلى العربية لا تعاني من الكسل وإنما من فوضى عارمة كي لا نقول مجهضة لكثير من الجهود الجبارة التي تُبذل. كل الذين سألناهم يبدو ان ما يعرفونه عن الترجمة في بلدانهم، هو ما يرونه من زاويتهم الصغيرة. لا خطط رسمية ولا استراتيجيات كبيرة أو حتى متوسطة المدى. كل يترجم على هواه، وأحياناً تبعاً لمدى جاذبية العنوان أو طلب السوق. نعم الترجمة ناشطة وثمة دور نشر تترجم مئات العناوين في السنة الواحدة، على عكس ما يدّعي تقرير التنمية عام 2002 الذي هزّ العرب بأرقامه المفزعة، والعمل يسير بوتيرة قوية وسريعة، لكن فيروس الفوضى يصيبه في مقتل، وهذا هو بيت الداء الذي يكشفه هذا الملف.

     

    رغم ما يقال عن حركة الترجمة في العالم العربي بأنها ضعيفة، بالقياس إلى حركة النشر عموماً، يلاحظ مع ذلك أن نصيب الترجمة ليس متواضعاً، بل هناك اهتمام من قبل المؤسسات الرسمية ودور النشر والمترجمين، بنقل الكتب الصادرة حديثاً إلى العربية بسرعة تواكب ما يجري في العالم إلى حد بات لافتاً للانتباه. ففي مصر تقوم أهم مؤسستين في مجال النشر وهما "الهيئة العامة للكتاب" و"المجلس الأعلى للثقافة" بأعباء الترجمة، وتتفوقان من حيث الكم على بقية الدول في العالم العربي.

     

    المترجم والباحث ثائر ديب يستدرك جازماً، لكن الصدارة في مستوى الترجمة لسورية. مؤكداً، أن ما تنتجه سورية لا يقارن بما ينتج في مصر من حيث الكمية، لكن نوعية الترجمة في سورية هي الأفضل. كذلك كان رأي مجد حيدر صاحب "دار ورد"، الذي يرى أن لدى سورية أفضل المترجمين من حيث الدقة والنوعية، وبالأخص عن اللغات الفرنسية والانجليزية والاسبانية والتركية.

     

    في الفترة الأخيرة، لوحظ أن نشاط الأفراد في الترجمة، تفوق على نشاط وزارة الثقافة في سورية التي كان لها دور كبير في نقل أمهات الكتب الفكرية والفلسفية والإبداعية الأدبية العالمية إلى العربية منذ عام 1960 ولغاية الآن. وإن شهدت مديرية التأليف والترجمة في الوزارة تجميداً، يقول ثائر ديب بأنه طارئ، حصل منذ ستة أشهر نتيجة عملية الانتقال من مديرية التأليف والترجمة إلى الهيئة العامة للكتاب المنشأة حديثاً، بالإضافة إلى تغير الطاقم المشرف على متابعة وتنفيذ خطط الوزارة في الترجمة، حيث توقف العديد من السلاسل. ويبدو أن استئناف هذه الخطط سيتأخر، خاصة وأن الهيئة الجديدة لم تلحظ أن غالبية نشاط مديرية التأليف والترجمة في الوزارة يتركز على الترجمة، بمعدل 120 عنواناً سنوياً في مختلف المجالات الإبداعية. وهناك العديد من المخطوطات المتأخرة جراء الإرباك الحاصل حالياً في الوزارة.

     

    وزارات الثقافة تنقذنا من قانون الاستهلاك

     

    د. زياد منى، مدير "دار قدمس" المتخصصة في ترجمة كتب الدراسات الأكاديمية التاريخية، نوَّه بدور وزارة الثقافة السورية، و"المجلس الأعلى للثقافة" في مصر، و"المجلس الثقافي الوطني" في الكويت، في تفعيل حركة الترجمة إلى العربية، من حيث النوع والكم، وبأن هذه المؤسسات ترجمت الكثير من الكتب الهامة، التي لا يمكن لدور النشر الخاصة أن تأخذ على عاتقها مهمة نشرها، لعدم رواجها تجارياً.

     

    ويشير زياد منى إلى أن "سياسة الانفتاح ورواج ثقافة الاستهلاك في عصر الانحدار أثرا على حركة الترجمة، وجعلاها تتجه نحو تلبية متطلبات السوق الآنية والعابرة، لذا تلعب المؤسسات الحكومية دوراً جيداً في استدراك حاجات السوق الأساسية، كونها لا تخضع لشروط الربح والخسارة". ويضيف قائلاً بأن "حركة الترجمة تبدو ضعيفة إلى حد ما خارج هذه المؤسسات، لأن دور النشر التي تعنى بالترجمة قليلة.

     

    ويضرب مثالاً دار قدمس التي يعتبر مشروعها خاسراً تجارياً كونها متخصصة في ترجمة كتب التاريخ القديم والدراسات الأكاديمية". وهي كتب بحثية تفتقر إليها المكتبة العربية، مثل: "الكتاب المقدس والاستعمار الاستيطاني" و"الموارنة في التاريخ" و"داود ويسوع بين التاريخ والتراث المشرقي" وغيرها، والتي نادراً ما تفكر دور نشر أخرى بترجمتها خلا الكتب التاريخية ذات البعد السياسي. وتعمل الدار على تقليل خسائرها من خلال نشر كتب بالشراكة مع مؤسسات أخرى كنوع من الحصول على دعم يساعد على تحمل أعباء الترجمة.

     

    العرب يسبقون الأوروبيين

     

    وبحسب السوق يلاحظ أن الأكثر حركة هو ترجمة الروايات، وما يميز المترجمين في سوريا خصوصاً والعالم العربي عموماً، ترجمتهم لما يشعرون بأهميته من الروايات، ولا تنحصر خياراتهم ضمن مجموعة الأسماء الشهيرة، كما هو الحال بالنسبة لدور النشر الغربية، بحسب رأي زياد منى، الذي لفت إلى أنه تمت ترجمة رواية سلمان رشدي "العار" إلى الإيرانية والعربية، وقامت بها وزارة الثقافة السورية، قبل فترة طويلة من روايته "آيات شيطانية" التي أطلقته في الغرب. كما أن هناك رواية صادرة حديثاً بالانجليزية للكاتب هاشم مطر "بلاد الرجال"، وهي الأولى له، ومن المتوقع أن تنال اهتماماً كبيراً، تم نقلها إلى العربية في السويد، قبل أن تنقل إلى أي لغة أوروبية أخرى. كما ترجمت "دار قدمس" عن الفرنسية للكاتبة آنا غفالدا مجموعتها القصصية "أود لو أن أحداً ينتظرني في مكان ما"، ونشرت قبل نشر ترجمتها الألمانية التي تأخرت عنها عاما ونصف. وكذلك روايات التركي أورهان باموك، بدأت ترجمتها ونشرها في سوريا قبل أكثر من عشر سنوات، أي قبل أن ينال جائزة نوبل ويشتهر في الغرب.

     

    ويقول د. منى، إن الذي ساهم في تعريف القارئ العربي بباموك هو المترجم والكاتب عبد القادر عبد اللي. ومن خلال تلك الأمثلة يؤكد منى على أن غالبية ما يترجم هي إصدارات حديثة. ويشير إلى أن الأوروبيين يستغربون سرعة الترجمة إلى العربية قبل أي لغة أوروبية، من خلال ما ذكرته مجلة ألمانية أسبوعية على هامش لقائها مع الكاتب توماس طومسون الذي تنبه إليه الألمان بعد إثارة قضية اكتشاف قبر يسوع، فنوهت المجلة باستغراب إلى أن كتاب طومسون "داود ويسوع" ترجمته "دار قدمس" من الانجليزية إلى العربية قبل ترجمته إلى اللغة الألمانية!!

     

    ثمة روائيون عرفهم القارئ العربي قبل أن تذيع شهرتهم، كالكاتب الجنوب إفريقي جون ماكسويل كوتيزي الذي ترجمت رواياته "دار الجندي" و"دار ورد" في سورية قبل نيله جائزة نوبل عام 2003. وكذلك روايات التركي اورهان باموك، وأشعار أورهان ولي، وغيرها الكثير من الكتب والمؤلفات الإبداعية في حركة ترجمة تحكمها أهواء وميول واهتمامات المترجمين، بالتآزر مع توجه حركة السوق التي تركز على رواية أمريكا اللاتينية والكتاب السياسي الراهن، ككتب نعوم تشومسكي، ومذكرات بيل كلنتون وكتب روبرت فيسك التي تلقى اقبالاً من القارئ العربي.

     

    الكلاسيكيات مخرج لدور النشر المتواضعة

     

    لكن سمر حداد، صاحبة "دار أطلس" التي تعتمد في غالبية منشوراتها على الترجمة، تقول إنها لا تتعامل مع الكتب الصادرة حديثاً، والرائجة من الأنواع الموسمية التي تبيع في فترة معينة ثم تتراجع أو تجمد. فهي تفضل نشر وتوزيع الكتب الفكرية والفلسفية والتنظير السياسي التي لا ترتبط بحدث راهن، مثل كتاب بول ريكور "في التفسير، محاولة في فرويد" وكتاب جيل دولوز "سبينوزا ومشكلة التعبير". فهذا النوع من الكتب لا يتوقف الطلب عليه، وإن كان بوتيرة بطيئة. وتبرر سمر اعتمادها على الترجمة، لأن المؤلفين العرب الكبار، تحتكرهم دور النشر الكبيرة، إذ لا قدرة مالية لـ"دار أطلس" على دعم الكتاب الجدد ولا المغامرة في ترجمة الروايات والكتب الجديدة، بسبب كلفتها العالية وعدم ضمان المردود، لذا تفضل ترجمة الكلاسيكيات والكتب الأساسية وطباعتها أكثر من مرة.

     

    المترجم والكاتب عبد القادر عبد اللي، شارك الشهر الماضي في ندوة أقيمت في تركيا، لمترجمين عن التركية من 22 دولة. يقول عبد اللي، انه "في الجلسة التي خصصت للحديث عن ترجمة أعمال أورهان باموك كان هناك 12 دولة، وكنت الوحيد من بينهم الذي ترجم أعمال باموك كاملة". يتابع قائلاً، بأنه لا يستطيع أن يكون جازماً، لعدم وجود إحصائيات دقيقة، لكنه يعتقد أن نسبة 85 % مما ترجم من التركية إلى العربية قام به سوريون. وهو وحده يترجم من أربعة إلى ستة كتب كل عام . وهذا العام ستصدر له خمسة كتب. وينقل عبد اللي عن لسان مدير الكتاب والنشر في وزارة السياحة والثقافة في تركيا قوله في تلك الندوة: "نحن سعداء بأن يكون مدخل الكتاب التركي إلى الوطن العربي عبر سورية. معبراً عن رضاه عن وضع الترجمة من التركية إلى العربية، وأشار إلى أن رواية "اسمي احمر" ترجمت في سورية، قبل عام ونصف العام من قيام "دار كاليمار" بترجمتها، فسبق نقلها إلى العربية واللغات الأخرى".

     

    كما لاقت ولا تزال أعمال عزيز نسين الساخرة إقبالاً كبيراً من القراء العرب، وثمة كتب لها أكثر من ترجمة واحدة. إلا أن عبد اللي يرى أن الإقبال على كتابات نسين، تراجعت بعض الشيء، لأن كتاباته التي سدت ثغرة كبيرة سابقاً في مجال الزاوية والأدب الساخر، لا سيما قبل التطورات التي شهدها قطاع الإعلام المحلي والدراما الكوميدية الساخرة في السنوات الأخيرة، لم تعد كالسابق مع نشاط الكتابة الساخرة في سورية. حالياً يتصدر المبيعات أورهان باموك. ويستدرك عبد اللي: "طبعاً الأمور هنا نسبية، فعندنا طبع من رواية "اسمي أحمر" 2000 نسخة، بينما وحسب ما علمت من المترجمة التي نقلت الرواية إلى اللغة الكورية أنه تم طبع 70 ألف نسخة في كوريا".

     

    المؤلفون يستغنون عن حقوقهم الهزيلة

     

    وهنا ننتقل إلى مشكلة أساسية يعاني منها المترجم السوري وربما العربي، وهي تقاضيه أتعاب الترجمة مبلغاً مقطوعاً، وليس على عدد النسخ المباعة. لأنه لو تم حساب الأتعاب وفق نسبة المترجم التي يتقاسمها مع المؤلف والتي هي حسب السعر 12 ـ 16% من سعر الغلاف. أي لا تتجاوز حصة المترجم نسبة 6 إلى 8% من سعر الغلاف، وقياساً لأرقام النسخ المطبوعة عربياً التي لا تتجاوز الـ 2000 نسخة وفي أحسن الحالات 5000 نسخة، فإن ما يمكن أن يناله المترجم والمؤلف هي مبالغ هزيلة تتراوح بين 400 ـ 600 دولار. لذلك اعتمدت دور النشر سياسة تسعير الترجمة بشكل قطعي، بمعدل يتراوح بين 4 ـ 8 دولارات للصفحة الواحدة. أما حقوق المؤلف، فغالبية المؤلفين الأجانب يرفضون تقاضي هكذا مبالغ ضئيلة، ما يجعل أمر الحصول على حقوق الترجمة أمرا بالغ الصعوبة، فتطبع كثير من الكتب من دون حقوق، أو يتبرع المؤلف بحقوقه بعد اطلاعه على أرقام النسخ المطبوعة، ومنهم من يعبر عن سعادته لمجرد نقلها إلى العربية. وهذا يقودنا إلى تكاليف الكتاب المترجم، الذي لا يقتصر على أتعاب المترجم فقط، بل تضاف إليها كلفة المراجعة والتدقيق اللغوي. إنها عملية مكلفة ومرهقة بحسب ما قاله صاحب "دار ورد" مجد حيدر، الذي يرى أن عملية مراجعة الترجمة مهمة جداً. ففي بداية انطلاقة الدار، حسب قوله، تورطنا في ترجمات كانت بمستوى متدن لم ننشرها، لكن جرى نشرها في دور أخرى. إلا أن حيدر الآن يقوم بعد الترجمة بعمليات مراجعة عديدة وتدقيق لغوي، كان لها دور هام في ترويج سمعة الدار عربياً.

     

    ومع أن الاهتمام بالترجمة في سورية يعتبر إلى حد كبير نتيجة جهود فردية يقوم عليها المهتمون والمتابعون للشأن الثقافي والإبداعي من المترجمين وبعض دور النشر، إلا أنها حصدت سمعة جيدة للمترجم السوري. وتقول سمر حداد، إنه من خلال عملها في التوزيع والنشر واشتراكها في معارض الكتاب العربية، لاحظت إقبالاً على الكتب المترجمة في سورية، فحركة الترجمة ناشطة بشكل جيد قياساً إلى البلاد العربية. وأفضل المترجمين وبأرخص الأسعار موجودون في سورية، بسبب تفاوت مستوى الدخل. فما هو مقبول للسوري، يبدو بخساً جداً بالنسبة للخليجي، وهذا سبب رواج الترجمات السورية. وحسب علم حداد، هناك كثير من المترجمين يتعاقدون مع دور نشر كبرى ومؤسسات ثقافية في الخليج والسعودية وليبيا.

     

    نحن داخل الحركة العالمية لا خارجها

     

    نشاط سوق الكتب المترجمة ومواكبتها للصادر حديثاً في الغرب، يدعو للتفاؤل، لكنه لا يمنع من النظر إلى حالة الفوضى التي تحكم حركة الترجمة في البلاد العربية، حيث تصدر أكثر من ترجمة للكتاب الواحد في البلد ذاته، أو أكثر من بلد، ما يهدر الكثير من الطاقات والأموال، ناهيك عن غياب استراتيجية واضحة وشاملة تنسق عملية الترجمة بين البلدان العربية. وتعد حركة النقل والترجمة التي ازدهرت إبان العصر العباسي، أول حركة مكرسة ومنظمة في التاريخ، لتعدد مصادرها وفعالياتها. فقد ترجم العرب عن اليونانية والفارسية والهندية والسريانية والقبطية، وتميزت بتنوعها، إذ عملت على تغطية العلوم على اختلافها من الفلسفة والمنطق والطب والفلك والرياضيات والكيمياء والعلوم الطبيعية والأدب، ناهيك عن رعايتها من قبل الحكام. فتم إنشاء ديوان الترجمة في عهد المنصور، تطور بدوره في عهد المأمون ليصبح "دار الحكمة". ولم يبخل الحكام على المترجمين حتى يجدّوا في عملهم. حينها يقول زياد منى، كان العرب يحكمون العالم، كذلك في عصر النهضة ترجمت الكتب التي تساعد على نشر الوعي النهضوي، أما الآن فنحن نعيش عصر تفكك في ظل انتشار ثقافة هشة، تجعل الترجمة تأخذ اتجاه حركة السوق، لتلبية حاجة الاستهلاك، لا الضرورة الفعلية، ومع ذلك نقول ان حركة الترجمة جيدة...

     

    مجد حيدر يقول، لسنا خارج ما يحدث في العالم، بل نحن داخله ونتابعه بشكل جيد. ما ينقصنا هو المنهجية في العمل والتخطيط، والترجمة أكثر. فجهود الأفراد لا تغني ولا تثمر، وبدل أن تكون "دار ورد" واحدة من عشر دور تقريباً تعمل على الترجمة، يجب أن تكون واحدة من عشرات في المحيط العربي.

     

    غياب الاستراتيجيات

     

    الباحث والمترجم ثائر ديب، يدعو إلى ضرورة وضع خطة استراتيجية للترجمة وفق التقسيم العشري، ويقول: مع أن وزارة الثقافة كانت تضطلع بدور كبير في الترجمة، إلا أن الاختيار كان يتم بناء على اقتراحات أشخاص في الوزارة أو مترجمين، وحينما كان هؤلاء على سوية مهنية عالية كانت اختياراتهم جيدة، ومع غياب هؤلاء تراجعت الترجمة، والسبب غياب خطة منهجية واضحة، كما هو الحال في المؤسسات الكبرى في العالم.

     

    عبد القادر عبد اللي تحدث أيضا عن الطابع الشخصي للمترجم والذي يميزه عن غيره. فكما هناك أشخاص مميزون في كل مجال كذلك الأمر بالنسبة للترجمة. والمترجم المتميز هو المتابع الذي يمتلك حساسية اختيار الكتاب المهم والصالح للترجمة في ظل غياب مؤسسات كبيرة لديها جهاز استشاري ولجان قراءة. وبالنسبة لاختياراته يقول إنه أحياناً ينتقي ما يترجمه من كتب على العنوان، وما يكتب في تقديم الكتاب، مما يساعده على تقدير أهميته. ومنذ فترة أعجب بعنوان "عروس بلا طرحة للقصر الرئاسي". وهي رواية تاريخية عن علاقة غرامية لأتاتورك. ومع أنها ليست العمل الأول للكاتب التركي إبراهيم خليل أزوجان، إلا أنها كانت سبباً في شهرته، وحين وقع معه عقد ترجمتها، لم يكن قد طبع منها سوى 2000 نسخة، وخلال ثلاثة أشهر تجاوزت مبيعاتها الـ 15 ألف نسخة. ويوضح عبد اللي أنه ورغم معرفته الشخصية السابقة بالكاتب، لم يفكر بالترجمة له من قبل، إلى أن لفت نظره عنوان الرواية.

     

    غالبية دور النشر تعتمد على المترجمين في تقديم الاقتراحات والمخطوطات، وثمة معايير أخرى في الاختيار. فمثلاً الشعر والمسرح يبدوان مستبعدين من الترجمة لعدم رواجهما، في حين تمت ترجمة الكثير من كتب الشعر والمسرح في الستينات والخمسينات، بينما اليوم الصدارة للرواية. وترجمت "دار المدى" في السنوات الأخيرة، العديد من دواوين الشعر العالمي، بعكس الروايات التي لاقت إقبالاً كبيراً كترجمات غارسيا ماركيز، ماريو فارغاس يوسا، إيزابيل الليندي، جورج أمادو ، أليخو كاربانتيير، وخوان رولفو.

     

    لا شك أن المترجم العربي كفرد متابع لما يجري في العالم لديه ما يكفي لتحديد الكتاب الذي تفتقد إليه المكتبة العربية، ويحتاجه القارئ العربي، لكن عموماً لا يبدو أننا كعرب نعرف ما نحتاجه للتمكن من الاندماج في حركة التطور العالمية في ظل فوضى تحكم بقعتنا الجغرافية منذ عقود. وبقليل من التدقيق في ما يترجم من روايات وينشر على نحو لافت، سنلاحظ أن القارئ العربي يقبل على ما يشبهه، يدل على ذلك رواج كتب عزيز نيسن وروايات أميركا اللاتينية والتي راحت تصدر بطبعات ثامنة وتاسعة.

  22. تركيا.. لماذا نجح حزب العدالة والتنمية؟

    جابر حبيب جابر

     

    هناك اكثر من سبب يبرر شعور الارتياح الذي انتشر في ارجاء كثيرة من العالم إثر الفوز الكبير الذي حققه حزب العدالة والتنمية في الانتخابات النيابية التركية، لأنه ببساطة كان فوزا حقق تصالحا بين عناصر تصور البعض أنها غير قابلة للتصالح، انه فوز ارضى الاسلاميين، كما لم يستفز العلمانيين.. استوعب الهوية القومية التركية، كما لم يمارس قطعا مفتعلا مع التراث الثقافي للشعب التركي.. أعاد إحياء الرابطة التركية مع جنوبها وشرقها الاسلاميين من دون ان ينتج عزلا لها عن غربها الاوروبي. ببساطة قدم حزب العدالة والتنمية نموذجا لتيار «اسلامي» عقلاني قادر على ان يدير بلدا كبيرا بدون ان ينتهي به الى العزلة والدمار والتخلف.

     

    هذا الانتصار لا بد أن يدفع الى التساؤل عن سبب عجز الاسلاميين العرب عن تقديم نموذج مماثل، كما يدفع الى التفاؤل حول امكانية ان ينتج الاسلام السياسي تيارا متصالحا مع الحداثة ومع التراث في آن واحد. بالطبع يجب ألا نغفل حقيقة ان العدالة والتنمية هو حزب تركي يعبر عن تجربة تركيا وظرفها التاريخي ونطاق الوعي السائد فيها، ولأن تركيا تصنف ضمن اكثر المجتمعات الموصوفة بالإسلامية حداثة فلم يكن بالامكان ان يبرز بها تيار اسلامي على غرار طالبان، فالإسلاميون شأنهم شأن بقية السياسيين يعبرون في سلوكياتهم وقناعاتهم عن مستوى التطور الذي يمر به المجتمع، غير ان اضاءة هذه التجربة قد تفتح أفقا أمام تلمس بديل قابل للحياة في مجتمعات أخرى بدون التنكر لظرفها الخاص.

     

    حزب العدالة والتنمية قدم حلاً لمعضلة تركيا الضائعة بين هوية مبتسرة أنتجتها علمانية اتاتورك المتشددة، وهوية مضمورة أنتجها تراث عثماني دام قرونا، إنها معضلة حماية البلد من ان يقع أسيرا لتيارات توظف الدين لخلق مقدس سياسي يقود البلد نكوصا الى عصر ما قبل التحديث، او أسيرا لنخبة سياسية منعزلة عن داخلها يحكمها تراث من الفساد السياسي والمالي والانعزال الوجداني عن عمقها الاجتماعي.

     

    إن صعود اردوغان اقترن الى حد كبير بإفلاس النخبة السياسية «العلمانية» وتآكلها المضطرد، ولكنه ايضا لم يكن فقط نتيجة طرح خيار «غير علماني» بقدر ما كان ايضا نتيجة لرؤية واقعية لا تقصي الاخلاقيات التقليدية تماما ولا تكون أسيرة لها. تجنب اردوغان ان يواجه التطرف العلماني بتطرف اسلامي، الأمر الذي منح تجربته فرص حياة افضل قياسا بتجربة نجم الدين اربكان الذي سبقه بطرح مشروع اسلامي لقيادة تركيا، فقد انفصل اردوغان عن ذلك التيار متبنيا خطا اكثر اعتدالا أنتج تحالفه مع وزير خارجيته الحالي عبد الله غول وتجلى بمشروع حزب العدالة والتنمية. ادرك اردوغان أن غرق التيارات الاسلامية بالخطاب الآيديولوجي والمحافظة هو وصفة لفشلها في اختبار الحكم، فقدم منذ رئاسته لبلدية اسطنبول نموذجا واقعيا في الادارة يقاوم إغراءات الفساد السياسي ويتعامل في الوقت نفسه مع الاحتياجات الحياتية الواقعية.

     

    وخلال رئاسته الحكومة في الدورة السابقة بدأ مشروعا لتصالح تركيا مع ذاتها والتوفيق بين نزعاتها المختلفة (القومية والعلمانية والدينية) وفتح فضاء أوسع للاقليات القومية (الاكراد) والدينية (العلويين)، وكان حذرا من ان يصبح الحكم مصيدة لإعلان فشل تياره في اول تجربة حقيقية كما حصل مع احزاب اسلامية اخرى في البلدان الاسلامية، فتصرف بانفتاح وبراغماتية عالية ضمنت أولا طمأنة المخاوف الاوروبية من وجود حزب اسلامي في سدة السلطة في تركيا، وتبنى بحماس لافت مسألة انضمام تركيا الى الاتحاد الاوروبي وأنجز من الاصلاحات الاقتصادية ما جعل هذا «الحلم التركي» اكثر إمكانية من قبل. حقق الاقتصاد التركي في عهده نموا غير مسبوق بنسبة 7%، وتم تطهير المؤسسات الى حد كبير من بؤر الفساد التي اعتاشت فيها طويلا، بل ذهب في براغماتيته حد الموافقة على عدم تجريم الزنا في إشارة مطمئنة اخرى لأوروبا المتمسكة بمعاييرها الاخلاقية لتحديد اهلية تركيا لدخول الاتحاد الاوربي .

     

    ورغم ان المزاج الشعبي التركي كان كما هو الحال في معظم البلدان الاسلامية غير متعاطف مع الولايات المتحدة لا سيما بعد حربها في العراق، إلا ان اردوغان وفي موازنته بين الميل العاطفي وبين استحقاقات الواقع اختار ان يحافظ على علاقة جيدة مع أمريكا من دون الارتماء المطلق في أحضانها.

     

    لقد قطع العدالة والتنمية طريقه بهدوء بين ألغام السياسة المحلية وتهديدات المؤسسة العسكرية وتوجس الغرب، فوصل بعد تجربة السنوات الاخيرة الى سن الرشد الذي أهله ليكون خيارا شعبيا يلاقي التصديق وربما الدعم الخارجي. يبدو الامر وكأن تركيا أعادت التصالح مع ذاتها بدون ان تخلق قطيعة مع عالمها الخارجي.

     

    في حين اننا في البلدان العربية ما زلنا نشهد نماذج كرست إخفاق العديد من الاحزاب الاسلامية، إما لاعتناقها العنف الأعمى وسيلة وحيدة للاستحواذ على السلطة متوهمة وموهمة الجماهير المحرومة بأنها تعيد إنتاج الاسلام الاصيل بدون إدراك لشروط التاريخ واستحقاقات المستقبل، أو لأنها انصاعت تماما لمقولات آيديولوجية فضفاضة قادتها الى التيهان في عالم السياسة الواقعية التي لا تؤمن إلا بقوة الممكنات، أو لأنها اختارت ان تعيش جيشانا متواصلا من التثوير خلف شعارات براقة عن محاربة الآخر ومقاومة الاستعمار والصليبية، فتركت جماهيرها جوعى إلا من تلك الشعارات تلوك أملا تزداد استحالته، فيستبدل بوعد غير مؤكد بالجنة !!

     

    على الاسلاميين أن يتصالحوا مع عصرهم، وان يفهموا ان المجتمعات لا يمكن ان تظل مشروع مواجهة دائما، وان القائد الناجح يجب ان يؤمن لشعبه حياة كريمة بدلا من كرامة تصنعها الشعارات.

  23. المخيلات الضيقة

    سمير عطا الله

    على مدى نصف قرن ظل اسم مصطفى محمود يبرق في سماء الفكر المصري. فقد جاء إلى الصحافة من الطب والتفوق العلمي. وعاد إلى الايمان والدين من تجربة مع الماركسية.

     

    وعندما قيل انه كان ملحداً قال نيل الرقة الراحل كامل الشناوي، «اذا كان مصطفى قد ألحد فقد ألحد على سجادة».

     

    كان اسلوب مصطفى محمود في الكتابة غزيراً مثل ثقافته المتنوعة. ومن الكتابة انتقل بأسلوبه إلى التلفزيون في برنامجه «العلم والإيمان». وسعى منذ أول كتاب وضعه (89 كتابا) الى بناء مسجد يحمل اسمه. ثم بنى لنفسه شقة من غرفتين قرب المسجد وعاش فيهما وجعل الشقة الصغيرة مكتبه ومكتبته ومؤسسته التي اعتنت بمعالجة آلاف الناس.

     

    يأتي يوم يتعب فيه الانسان. وزمن زهير كان هذا اليوم يأتي مع بلوغ الحول الثمانين. وقد اصبح مصطفى محمود الآن في الخامسة والثمانين. وعندما لا يكون متعباً يخصص الوقت لشؤون المؤسسة وللمسجد الذي يحمل اسمه. وللفقراء ولم يعد يقابل الكثير من الناس ولا عاد يضيع الكثير من الوقت. فابن 85 عاماً لا يملك من الوقت ما يملكه ابن اربعين. ولا من الطاقة ولا من القدرة.

     

    لذلك بدأت الاشاعات تلتهم مصطفى محمود. واحدة تقول انه تنصر. وأخرى تقول انه فقد ذاكرته. وثالثة تقول انه فقد عقله. ولكن مصطفى محمود فقد فقط القدرة على تحمل ثقل الآخرين. وثمة قول شهير لسارتر «الجحيم هو الاخرون». وقد تحدثت ابنته الكبرى أمل إلى مجلة «رؤى» ونفت كل شيء إلا ان الكاتب الكبير متعب ومريض. وقالت ان ما يملكه من الوقت يصرفه في سبيل المؤسسة والمحتاجين من الناس.

     

    لو استمر مصطفى محمود يكتب، لقال الناس متى يتوقف ولأنه قرر الاستراحة بعد 89 كتابا في الدين والعلوم والفلسفة والإدارة والتاريخ، فان الناس تقول انه فقد عقله. ولم يتكرس احد للاخرين كما كرس مصطفى محمود عمره لهم. امضى عمره يكتب في الاسلام وترد الناس بالقول انه تنصر. وبدل ان يعيش في الرخاء عاش مجاوراً مسجده فقيل إنه «حرفوش» أو صعلوك. ورحمة الله لا حدَّ لها. الناس لا ترحم أحداً.

  24.  

    المشتركة بين الإناث والذكور من جهاد ونضال .. إلى بشرى واحسان

     

    تقليد عربي ركيزته الصفات والسير الحميدة.. وأسبابه اجتماعية وسياسية وفكرية

     

    بيروت: كارولين عاكوم لندن: «الشرق الأوسط»

    «نور، صباح، وسام، نجاح، سلام، سماح، عصمت، جمال، إقبال، احسان, بشرى، إلهام».. وغيرها من الأسماء التي تزخر بها اللغة العربية، وتطلق على الإناث والذكور من دون أن ترجح كفة أي منهما على أحقية الأنثى أو الذكر في حملها. لكنها، أحيانا، أو قل كثيرا، قد تشكل عبئا على الاثنين معا، لا لسبب غير عدم وضوح صورة جنس الفرد حين يذكر اسمه في المجتمع، خاصة إذا كان غير مشار إليه في وجوده، أو ماثلا/ ماثلة شخصيا عند لحظة المناداة.

    ورجوعا إلى تاريخ التسميات، فإنه غالبا ما يرتبط اسم الانسان الشرقي أو العربي بشكل خاص بالبيئة التي يعيش فيها، فيكون دليلا واضحا يعكس ثقافة الوالدين أو انتماءهما الفكري. أما العلمانيون والقوميون فيختارون لأولادهم أسماء تحمل معاني تبتعد قدر الإمكان عن الهوية الدالة على المعتقد، أو الطائفة. وتحمل في معظمها صفات حميدة مستوحاة من قلب اللغة العربية الغنية بمعانيها.

     

    وفي حين ينفرد كل جنس بأسماء لا تعد ولا تحصى، خصوصا في ظل تزايدها يوما بعد يوم انسجاما مع التطور الحاصل على كافة الصعد، إذ أصبح ثمة وجود لما يسمى «عولمة الأسماء»، كما يطيب للباحث والأستاذ الجامعي اللبناني الدكتور حسان حلاق أن يقول. وتنتشر في المجتمعات العربية ظاهرة الأسماء المشتركة بين الإناث والذكور، والتي يلاحظ أنها تعود الى صفات تضيف الى حاملها ميزة خاصة توحي بميل الأهل الى وضع ابنهم/ ابنتهم في اطار توجههم أو أفكارهم الناتجة عن أسباب اجتماعية أو ثقافية أو سياسية.

     

    وما سهّل المهمة على العرب، بحسب الدكتور حلاق، هو غنى اللغة العربية التي تسمح باستخدام ما يسمى «الصيغ العربية المشتركة» سواء في اطار الاسماء أو المصطلحات. ويعطي حلاق مثالا على ذلك استخدام الشعراء العرب في مصر وبلاد الشام في العهود الأموية والعباسية ألفاظا مشتركة بين الاناث والذكور: مثلا دأبوا على مناداة المرأة والرجل بـ«يا سيدي» من دون تفرقة بين الجنسين، وهذا ما انسحب أيضا على الشعراء الاسبان الذين تأثروا بالشعر العربي وغازلوا المرأة بلفظة «ميوسيت» التي تعني «يا سيدي».

     

    ويوضح حلاق «اعتاد العرب منذ ما قبل الاسلام إطلاق أسماء موحدة على القبائل والرجال والنساء، مثل قبيلة ربيعة، الاسم الذي حمله آنذاك الجنسان، ومنهم والد الشاعر عمر بن أبي ربيعة». ويضيف حلاق «منذ ذلك الحين تورثت الأسماء، وهي ما زالت موجودة في عصرنا، وإن اتجهت نحو الأسماء التي تلائم الجنسان، ولا تميل الى فئة منهما من دون أخرى، كتلك الأسماء المنتشرة في مجتمعاتنا، مثل، سماح ووسام وسلام ورحاب..».

     

    ويؤكد الدكتور عبدو قاعي، المتخصص في علم الاجتماع، أن شيوع هذه الظاهرة في المجتمعات العربية يعود بالدرجة الأولى الى المعاني التي تحملها هذه الأسماء، وهي صفات يعتمدها العرب لإضفاء سمات تميز أبناءهم عن غيرهم. ويقول الدكتور قاعي «تنفرد لغتنا ومجتمعاتنا العربية بهذه الميزة التي تسمح باستخدام صفات مشتركة بين الجنسين، وهي غير قابلة للتأنيث، ما جعل العرب يستفيدون منها في تسمية أبنائهم، وهي إضافة إلى ذلك تلعب دورا إيجابيا، نظرا لبعدها عن الأسماء الدينية التي تعكس انتماء الفرد الطائفي أو المذهبي».

     

    ويعزو الدكتور حلاق اعتماد هذه الأسماء الى أسباب وراثية واجتماعية ودينية وسياسية برزت بشكل واضح في تاريخ الشعوب العربية التي أطلقت على أبنائها أسماء القادة والشخصيات التي تركت بصمة في تاريخهم. ويعطي مثالا على ذلك اسم الزعيم المصري الراحل جمال عبد الناصر، الذي تحمل اسمه أجيال بعينها من العرب النساء والرجال الذين تسارع أهلهم الى تسميتهم باسمه اعجابا بشخصيته وإنجازاته. وما ساعد على ذلك امكانية اطلاق الاسم على الجنسين في الوقت عينه، ويضيف «وكذلك كثرت هذه الظاهرة في فترة المد القومي حين انطلقت المقاومة الفلسطينية عام 1965 اذ كثرت في ذلك الوقت الأسماء التي لها علاقة بالمقاومة والنضال مثل: جهاد ونضال وكفاح وحنين.. وكلها مستوحاة من الحالة العامة التي تعيشها المجتمعات العربية في حربها وأزمتها مع اسرائيل».

     

    وبشكل عام يقول حلاق «تلعب ثقافة العائلة دورا مهما في اختيار الأسماء، اذ تبتعد العائلة المثقفة عن الأسماء القديمة أو الكلاسيكية الخالية من أي معنى أو الدينية التي تعكس مباشرة هوية الشخص وانتماءه الطائفي، لذا تكثر في هذه الأوساط الأسماء المشتركة بين الذكور والإناث والتي تحمل في معظمها معان وصفات حميدة».

     

    ويشير حلاق الى أنه رغم وجود أسماء موحدة في بلدان عربية عدة، قد تتفرد بعض الدول بأسماء دون غيرها، وهذا يعود الى السائد الموروث الأكثر حضورا في مجتمع كل منها. فمثلا تكثر في السودان والخليج العربي أسماء مشتركة بين الاناث والذكور مستوحاة من الأحجار الكريمة، كجوهر ولؤلؤ ومرجان/ مرجانة، وياقوت. وليس ثمة تفسير مؤكدا لهذا، سوى ان ثمة حقيقة عالمية تشير إلى أن التسمية، وفي أية بقعة في العالم، تنبع من داخل المجتمع.. تاريخه واقتصاده وسبل كسب العيش فيه، أحيانا، وأمانيه.

     

    وان تعددت أسباب اعتماد هذه الأسماء التي ترافق حامليها طوال العمر، تبقى آثارها على الفرد نفسه متفاوتة من شخص إلى آخر. ففي حين يتباهى بعضهم بها وتشكل عامل فخر لما يحمل اسمه من معنى راق، قد يتحول بالنسبة الى البعض الآخر عبئا يلازمه ويتذكره في كل مرة يناديه أحد ما، خصوصا أن هذه المناداة تترافق مع تساؤلات متعلقة بسبب اللغط الحاصل بين جنس المسمى وسبب التسمية.

     

    إضافة إلى هذه الأسباب، يرى الدكتور قاعي أن هناك تقليدا تلجأ اليه بعض العائلات التي تطلق أسماء مشتركة على أبنائها وهو يتمثل بأمنية يطمح الأهل الى نيلها، وهي أن يرزقوا طفلة أو طفلاً كي تكتمل صورة العائلة المثالية التي تشمل بين ثناياها الجنسين، فإذا لم يكن الواقع على قدر الأماني ورزقوا عكس ما تمنوا، لجأوا الى اعتماد أسماء مشتركة بين الذكور والإناث علها تروي غليلهم، وإن بالاسم.

     

    ومن سير التسميات ما درج عليه آباء سموا أبناءهم وبناتهم بأسماء غربية، غير آبهين بعدم شيوعها في المجتمع أو غرابتها عليه. فصرنا نسمع أسماء مثل سوناتا، المأخوذ من لغة الموسيقى الكلاسيكية، ومثل زوسر، الملك الفرعوني. ولعل بعض اليساريين العرب سبقوا في تسمية أبنائهم بأسماء رموز الاشتراكية، مثل لينين وجيفارا وكاسترو، وقليلون سموا ستالين. حتى أن اسم جيفارا الثائر الارجنتيني العالمي سميت به مولودة، هي الآن مراسلة صحافية تلفزيونية. ويبدو أن أباها، كما ذكرت جيفارا البديري في مقابلة معها، كان قد عقد العزم على تسمية مولوده الذي توقعه صبيا باسم جيفارا. وعندما رزق صبية أطلق عليها الاسم أيضا.

  25. حرب المساجد

     

    أسبابها وأهدافها متعددة.. وأبرزها استهداف الحرم المكي.. والأقصى.. والإبراهيمي.. وأكثرها في العراق.. وشملت باكستان والهند.. وأميركا وأوروبا

     

     

    باكستاني يهرب من النيران التي اندلعت في المسجد الاحمر في اسلام اباد الذي اقتحمته قوات الامن في وقت سابق من الشهر الحالي (أ.ب)

     

    جدة: علي مطير بغداد: رحمة السالم الخرطوم: إسماعيل ادم رام الله: كفاح زبون

    بين حادثة حرق المسجد الاقصى عام 1968، واحتلال المسجد الحرام في مكة المكرمة في نوفمبر (تشرين الثاني) 1979، والاعتداء على المسجد الابراهيمي في الخليل عام 1996.. مرورا بموجة الاستهدافات التي شهدها أكثر من مائة مسجد في العراق، اضافة الى اعتداءات اخرى وقعت في دول عربية وغربية.. وأخيرا المسجد الاحمر في باكستان.. طرحت تساؤلات عديدة، عن اسباب الظاهرة، وتطورها.. وهل نحن على اعتاب «حرب عالمية ثالثة ساحتها المساجد»؟

    ورغم ان قصص الاعتداءات على المساجد، قديمة تمتد عبر قرون، الا ان ازدياد وتيرتها خلال الاعوام الخمسين الاخيرة، وفورتها بعد احداث 11 سبتمبر (ايلول) في الولايات المتحدة 2001، وعملية غزو العراق في 2003، أدى الى الاستفسار عن اهدافها ودواعيها. يقول علماء دين، وباحثون كثر ان معظم هذه الاعتداءات وقعت كرد فعل لاحداث مختلفة.. وان اسباب بعضها سياسي وآخر ديني، ففي العراق جاءت نتيجة للحرب الطائفية التي اشتعلت بين السنة والشيعة، وفي السودان واليمن والصومال ودول عربية اخرى، نتيجة للاختلافات المذهبية والدينية، وفي الولايات المتحدة، جاءت بعد اعتداءات 11 سبتمبر، أما في اوروبا، خصوصا بريطانيا واسبانيا وفرنسا، فقد جاءت كرد فعل على تفجيرات وقعت فيها في الفترة الاخيرة، تبنتها جهات اسلامية متشددة. ويعد تنظيم القاعدة المسؤول الاول عن الاعتداءات على المساجد، خاصة في العراق والسعودية، كما ان تبنيه لاعتداءات وقعت في دول غربية، ادى الى موجة استهداف المساجد هناك. وشملت قائمة الاعتداءات على المساجد مدنا عدة، عربية وغربية، امتدت من اليمن والصومال والسودان والعراق والسعودية ودول افريقية، مثل نيجريا، الى مدن استرالية وبريطانية وأميركية واوروبية عديدة، ووصلت ارقام الاعتداءات الى ما يقارب 500 مسجد، نصفها في العراق وحده.

     

    وعلى الرغم من ان الاعتداء أو الاستيلاء على الحرم المكي، الذي وقع في 20 نوفمبر 1979، والذي استمر لاسبوعين، لم يرفع فيها الاذان فيه للمرة الاولى في تاريخه، ليس الاول في هذه السلسلة من الاعتداءات، الا انه الاهم والاكبر. ونفذت الهجوم مجموعة يقودها جهيمان بن محمد بن سيف العتيبي، وصهره محمد القحطاني، الذي ادعى أنه المهدي المنتظر، والذين كانوا ينطلقون من أفكار إخوانية في مفهوم الخلافة والدولة الاسلامية.

     

    وقام جهيمان العتيبي وأتباعه باحتجاز المصلين بعد صلاة الفجر، واستطاع وزمرته تمرير الأسلحة والذخيرة الى داخل المسجد، على انها نعوش لموتى يريدون الصلاة عليها، وبعدها أعلنوا بيعتهم «لمهديهم المنتظر»، محاولين إجبار المصلين المحتجزين على البيعة. ووقع الهجوم في اليوم الاول في الشهر الاول من عام 1400 للهجرة.

     

    غير أن قوات الأمن السعودي تعاملت في حينها مع الموقف بصبر وروية، حتى استطاعت بعد 15 يوما من انهاء الوضع، بإعلان وزير الداخلية الأمير نايف بن عبد العزيز تطهير المسجد الحرام من جميع أفراد الطغمة الفاسدة الخارجة عن الدين. وسقط جهيمان العتيبي أسيرا، وبعدها بنحو شهر صدر قرار هيئة كبار العلماء في السعودية، بقتل المتورطين من عصابته المقبوض عليهم وتوزيعهم في عدد من المناطق للعبرة، حيث تم في اليوم نفسه قتل 63 متورطا، في مدن مكة المكرمة 15، المدينة المنورة 7، الرياض 10، الدمام 7، بريدة 7، حائل 5، أبها 7، تبوك 5.

     

    ولم تلق مساجد السعودية بعد تلك الحادثة أي عملية استهداف، الى ان أعلنت السلطات السعودية في يونيو (حزيران) 2003 العثور في منزل إمام مسجد في مدينة الخرج على حقيبة بداخلها مواد شديدة الانفجار من نوع «ار.دي.اكس»، وعددها 132 قالباً بزنة 128 كيلوغراما. وقامت في يوليو (تموز) من العام نفسه بمداهمة منزل إمام مسجد في الجوف، انتهت باستسلام احدهم والقبض على 4 آخرين. وفي العملية الفاشلة لاقتحام مبنى القنصلية الأميركية بجدة، تعرض المسجد المجاور لها، لأضرار مادية ناتجة عن طلقات الأعيرة النارية العشوائية، في عمليات تبادل إطلاق الرصاص بين الارهابيين والسلطات السعودية، وانتهت بمقتل الارهابيين الاربعة بعد نحو 6 ساعات من العملية. أما آخر عملية فقد وقعت في أبريل (نيسان) الماضي، وقبضت فيها السلطات الأمنية السعودية على خلية تتكون من 61 شخصا، غالبيتهم من السعوديين، وتتبنى فكر القاعدة، حيث قام البعض منهم بمبايعة من يتزعمهم، وهو في الخمسين من عمره، عند الكعبة المشرفة على تنفيذ جميع أوامره على أنه «مهديهم المنتظر».

     

    وكانت وزارة الشؤون الاسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد في السعودية بدأت العام الماضي في مشروع تنفيذ المرحلة الاولى للمشروع التجريبي لنظام المعلومات الجغرافي للمساجد، الذي يهدف إلى معرفة حالة المسجد وحالة الإمام ورصد كل شؤون المسجد اليومية. واعتبرت هذه الخطوة جريئة لسد أي ثغرة لاستغلال المساجد، في غير أهدافها.

     

    ويقول اللواء يوسف بن حسن مطر، قائد قوة أمن الحرم المكي الشريف، إنه «سبق للأجهزة الأمنية التابعة لقيادة قوة أمن الحرم المكي الشريف، ضبط بعض الحالات الأمنية الفردية، التي تم التعامل معها في حينها وإحالتها لجهات الاختصاص». وكان من بينها محاولة اقتحام فاشلة من مسلح في فبراير (شباط) الماضي، حاول الدخول إلى الحرم المكي الشريف، وأثبتت التحريات الجنائية تعاطيه مخدر «الهيروين»، إضافة لتناوله عقاقير مخصصة للعلاج النفسي، من دون وصفة طبية.

     

    وربما لا يتذكر الفلسطينيون حادثة فارقة في الاعتداء على مساجدهم، كما يتذكرون حادثة احراق المسجد الاقصى في 21 اغسطس (اب) 1969، حينما قام يهودي استرالي وهو دينيس مايكل، بإحراق المسجد الأقصى، بعد ما اشعل النيران داخله، وقد أتت النيران انذاك على أثاث المسجد وجدرانه والمنبر الشهير لصلاح الدين الايوبي، الذي كان قد أعده لإلقاء خطبة من فوقه بعد تحرير بيت المقدس، كما أتت النيران ايضا على مسجد عمر بن الخطاب ومحراب زكريا ومقام الأربعين وثلاثة أروقة ممتدة من الجنوب باتجاه الشمال داخل المسجد. وبلغت المساحة المحترقة من المسجد أكثر من ثلث مساحته الإجمالية، حيث احترق ما يزيد عن 1500 متر مربع من المساحة الأصلية البالغة 4400 متر مربع. وأحدثت النيران ضررا كبيرا في بناء المسجد المبارك وأعمدته وأقواسه وزخرفته القديمة، وسقط سقفه على الأرض، كما تضررت أجزاء من القبة الداخلية المزخرفة والمحراب والجدران الجنوبية، واحترق السجاد وكثير من الزخارف والآيات القرآنية. الجيش الاسرائيلي اطلق سراح الفاعل بدعوى انه مجنون، اما دينيس مايكل، فقد قال لدى اعتقاله، «ان ما قام به كان بموجب نبوءة في سفر زكريا»، مؤكدا أن ما فعله هو واجب ديني كان ينبغي عليه فعله. وأعلن أنه قد نفذ ما فعله «كمبعوث من الله». ومنذ ذلك الوقت سجل الفلسطينيون مئات الاعتداءات على مساجدهم، ابرزها المجزرة التي ارتكبها مستوطن طبيب في 25 فبراير (شباط) عام 1994، على المسجد الابراهيمي بمدينة الخليل، قتل خلالها (29) مصليا تجمعوا لصلاة الفجر، وأصيب العشرات بجروح من بين 500 مصل داخله. ويقول الفلسطينيون ان باروخ غولدشتاين الذي نفذ العملية، وقتله المصلون، تدرب على تنفيذ مهمته داخل معسكرات اسرائيلية، وكان معروفا بحقده الشديد على العرب. وقد دفن في مكان قريب من مستوطنة كريات أربع قرب الخليل، وما زال المستوطنون يعاملونه على أنه قديس ينظمون الزيارات لقبره، ويحتفلون كل عام بذكرى وفاته.

     

    وتقول مؤسسة الاقصى لاعمار المقدسات داخل اسرئيل، بأن الدولة الاسرائيلية هدمت ما يزيد عن 1200 مسجد، وجرفت مئات المقابر ووضعت القوانين للاستيلاء على ملكية المقدسات الإسلامية وتحويلها الى كنس ومعابد. ويقول الشيخ رائد صلاح رئيس الحركة الاسلامية في اسرئيل لـ«الشرق الاوسط»، ان «الهدف من كل هذه الاعتداءات على المساجد في فلسطين، هو ازالة انجازات الحضارة الاسلامية، وتصفية معالم الحق الفلسطيني». واشار الى انهم هدموا اكثر من 1200 مسجد بعد نكبة فلسطين. أما الحرب التي شهدتها المساجد في العراق، فتعد الاكبر من حيث العدد، وبحسب إحصائيات مختلفة حصلت عليها «الشرق الاوسط»، فان عدد المساجد التي تعرضت للهدم وبشكل كامل يبلغ 43 مسجدا، خلال السنوات الاربع الأخيرة، في بغداد وباقي المحافظات، كما تعرض 87 مسجداً لاعتداءات مختلفة بين حرق وإلقاء قنابل وتفجيرات ادت الى تدمير جزئي، وبلغ عدد الضحايا الذين قتلوا وغالبيتهم من العاملين في هذه المساجد من ائمة وخطباء وحراس 747 ضحية. بالاضافة الى 966 اعتقلوا داخل مساجد.

     

    ويعتبر كثير من المراقبين ورجال دين ان استهداف المساجد يعد «القشة التي قصمت ظهر البعير»، بالنسبة للوئام الاجتماعي والطائفي، الذي ساد العراق خلال عقود سابقة، فجاءت هذه الحرب لتجد ضالتها بين العراقيين، بعد ان اشبعتها «أيد خفية» وغذتها بطرق مدروسة، لتكون اسفيناً يدق في خاصرة النسيج العراقي المتلاحم لتفرقه في اكبر مخطط لتقسيم البلاد طائفياً وعرقياً.

     

    وبعد دخول القوات الاميركية الى العراق سنة 2003 وانهاء نظام صدام حسين، بدأت ملامح التغيير، الا ان كثيرين لم يتخيلوا ان يكون التغيير بهذه الفداحة، فكانت هناك عمليات سطو منظمة لاغلب المساجد السنية في مناطق جنوب ووسط العراق (المناطق ذات الغالبية الشيعية)، في سلسلة من عمليات نهب وسطو لهذه المساجد وتحويلها الى حسينيات تابعة للشيعة، على اساس ان هذه الجوامع هي بالاصل حسينيات، وما بني منها كان بأمر من نظام صدام السابق.

     

    وفي هذه الفترة فشلت كل المحاولات لاستدراج العراقيين في اتون نزاع طائفي، بعد سلسلة هذه العمليات التي تعد بسيطة مقارنة بما سيحدث لاحقاً. فكان استهداف ضريح الامام الكاظم الكائن في منطقة الكاظمية في بغداد (ذات الغالبية الشيعية)، بقذائف الهاون بداية، ليكون استهداف ضريح ابو حنيفة النعمان، الذي يقع قبالة منطقة الكاظمية على الضفة المقابلة من نهر دجلة بقذائف هاون في عملية اتت على جزء من ساعة المرقد الشهيرة وتلتها عمليات استهداف لهذا المرقد الكائن في منطقة الاعظمية (ذات الغالبية السنية)، ويربط بين الضريحين جسر الائمة، الذي شهد هو الآخر عملية استهداف، اذ لقي اكثر من 1000 زائر حتفهم غرقاً من خلال التدافع الذي حدث على الجسر، بعد اشاعة وجود انتحاري بين الزائرين الشيعة المتوجهين الى ضريح الامام موسى الكاظم في ذكرى وفاته. وفضلاً عن استهداف المراقد المقدسة في كربلاء والنجف اكثر من مرة، التي بدأت بعملية تفجير سيارة مفخخة امام الصحن الحيدري، استهدفت زعيم المجلس الاعلى للثورة الاسلامية محمد باقر الحكيم، وأودت بحياة العشرات من المصلين، ثم امتدت الى تفجيرات انتحارية واخرى بالسيارات المفخخة قرب مرقدي الحسين والعباس، راح ضحيتها المئات من المواطنين.

     

    وفي شباط (فبراير) 2006، استهدف ضريح الإماميين العسكريين في اعنف هجوم مسلح اتى على القبة الذهبية للضريح، ما اطلق موجة من العنف الطائفي، في اول شرارة لاستنهاض الحرب الطائفية في العراق، مما أدى الى عمليات قتل عشوائية طالت العديد من مرتادي المساجد والجوامع، بالاضافة الى تصفية وقتل ائمة وحرق ونهب اكثر من 100 مسجد.

     

    وعاشت بغداد حالة من الفزع، أثر استمرار العمليات لتصل الى محافظات الجنوب، التي اخذت مساجدها نصيبها من الحرق والهدم بالكامل، لتكون البصرة اول المحافظات تضرراً، حيث تم احراق اكثر من 9 مساجد وقتل بعض ائمتها، وتلتها مدينة المقدادية في ديالى (شمال شرق بغداد) مسرحاً اخر لنفس النهج من التدمير، ناهيك من مناطق الوسط التي تقطنها نسبة من السنة.

     

    وفي عام 2007 كان الاستهداف الثاني لمأذنتي الاماميين العسكريين، وتخوف العراقيون من كرَّة اخرى من عمليات الحرق والتدمير، التي طالت مساجد اغلب مناطق بغداد والمحافظات، الا ان الحكومة العراقية اتخذت تدابير لتحد من عمليات الانتقام العشوائي. ولضمان عدم تكرار احداث فبراير (شباط) 2006، فرضت حظراً للتجوال لمدة ثلاثة ايام، استطاعت خلاله ان تقلل وتمتص النقمة الشعبية اثر هذا الاستهداف، الا ان بعض المساجد لم تسلم من الاستهداف، من قبل الميليشيات المسلحة، التي قامت بحرق بعض المساجد والتعرض لروادها، إما بالقتل او المضايقة.

     

    وجاء بعدها استهداف مرقد الشيخ عبد القادر الجيلاني بسيارة مفخخة اتى على جزء من الضريح، بالاضافة الى وقوع العديد من الضحايا بين قتيل وجريح، وكانت ردود الفعل متفاوتة، حيث عمدت هذه الميليشيات الى نسف ضريح الصحابي طلحة بن عبيد الله، في مدينة البصرة (جنوب بغداد)، في عملية انتقامية لاستهداف ضريح الاماميين العسكريين في سامراء للمرة الثانية.

     

    وكان لتنظيم القاعدة دور مغاير في حرب المساجد هذه، فقد عمد التنظيم الى نسف عدد من الاضرحة في مدينة ديالى (شمال شرق بغداد)، معتبرا ان هذه المراقد تنافي القواعد الاسلامية، ليقوم تنظيم ما يعرف بانصار الاسلام بنبش احد الاضرحة ودفن رفاتها في منطقة غير معروفة، حتى لا يتسنى الاستدلال اليه. وقال عمار وجيه، العضو في الحزب الاسلامي، لـ«الشرق الاوسط»، ان الهجمات التي تعرض لها اغلب المساجد في العراق جاءت عبر مراحل عديدة، ففي عام 2003 (دخول القوات الاميركية الى العراق) تم اغتصاب عدد من المساجد وتتراوح بين 20 الى 25 مسجداً، وقد اخذت عنوة وحولت الى حسينيات. مؤكداً «ان اهل السنة طالبوا ان يكون القانون السبيل الوحيد في رجوع الحق لاصحابه، لاسيما ان هناك من يردد ان هذه المساجد قد استولى عليها النظام السابق وحولها الى مساجد (سنية)». وتابع وجيه «أشرس هجمة على المساجد في بغداد، جاءت اثر استهداف مرقد الاماميين العسكريين في سامراء، وكانت الاحصائية تتحدث عن تعرض اكثر من 160 مسجداً للهجمات، منها 10 مساجد تم نسفها و30 الى 40 تعرض الى عملية حرق او استهداف جزئي للمساجد»، وزاد «وفي عام 2007 تجاوز عدد المساجد المستهدفة 250 مسجدا في بغداد وباقي المحافظات (البصرة وديالى والمحمودية والحصوة)، وآخرها مسجد محمد رسول الله في حي الجهاد ببغداد».

     

    وعن الجهات التي تقوم بهذه الاعمال شدد وجيه على ان «الجهات المتورطة هي الميليشيات». مشيرا الى ان من يقوم بهذه الافعال «معروفون لدينا.. وهم ليسوا مجرمين مأجورين، ولقد تحدثنا مع المعنيين بان يوقفوا هذه المجموعات من التعرض للمساجد». وعن اسباب الاستهداف المتكرر للمساجد أكد قائلا «هناك الاسباب الظاهرة، وهي حالة العنف الطائفي في المناطق والاحياء وكلها اعمال تندرج تحت بند الفعل ورد الفعل».

     

    ولم تنج مساجد السودان من الاعتداءات، فقد تعرض مسجد شهير في ضاحية «الثورة» بمدينة ام درمان العريقة الى هجوم مسلح من متطرفين دينيين في اوائل التسعينات من القرن الماضي، حصد ارواح 21 شخصا وسقط اكثر من 30 جريحا. وقاد الهجوم المسلح ببنادق الكلاشنكوف احد عناصر تنظيم القاعدة يدعى محمد الخليفي، اتى الى السوادن مع زعيم تنظيم القاعدة اسامة بن لادن، غير انه اختلف معه وانسلخ، بعد ان أحل دم بن لادن، وصار يردد افكار «التكفيريين» في منتديات سرية في الخرطوم.

     

    ويروي شهود عيان لمجزرة مسجد الشيخ «ابو زيد» نسبة للرجل الثاني في حركة انصار السنة في السودان، ان الخليفي ومعه مجموعة من المتطرفين حملوا بنادق من طراز الكلاشنيكوف وامتطوا سيارة نقل وهاجموا المسجد بضراوة، اثناء اداء المصلين لصلاة الجمعة، فسقط بنيران بنادقهم 21 مصليا قتيلا في الحال، في اعنف هجوم من نوعه على المساجد على مدى تاريخ السودان الحديث، وقتل اثنان منهم جوار المسجد.

     

    وبعد ان حول المتطرفون مدينة ام درمان الى بركة دم، انطلقوا بسيارتهم صوب الخرطوم في مطاردة مع السلطات الامنية، الى ان وصلوا ضاحية الرياض في مدينة الخرطوم، قاصدين منزل زعيم القاعدة بن لادن، لكن حرس الاخير اعترض طريقهم ودخل معهم في اشتباك على طريقة حرب الشوارع، استمر لاكثر من ست ساعات، قبل ان تحاصرهم الشرطة في منزل تحصنوا فيه وتجبرهم على الاستسلام. وذكرت السلطات انذاك ان الخليفي كان ينوي فقط اغتيال بن لادن، لكنه قرر في الطريق الى هدفه ان يطلق النار على اعدائه من انصار السنة، الذين ظلوا يناقشونه على مدى اعوام حول اسلوب تدينه الجانح الى العنف، وهدر دم المسلمين.

     

    وعقدت للخليفي محكمة في الخرطوم، اصدرت قرار باعدامه شنقا حتى الموت، ونفذ الاعدام عليه فى الحال. لكن انصاره من التكفيريين مضوا في تحرشاتهم بالناس، خاصة المسلمين في المسجد والاسواق وعلى الطرقات العامة، يهدرون دم كل من لا يسبح باسمهم وينطق بلسانهم. وفي شهر رمضان عام 2000 حمل متطرف ديني اسمه عباس الباقر، ينتمي الى جماعة التكفيريين، بندقية من ذات صنف الكلاشنيكوف وهاجم مصلين في مسجد في ضاحية الجرافة شمال ام درمان، اثناء قيامهم بصلاة التراويح وفتح عليهم النيران يمينا وشمالا، وحول المسجد الى بركة دم قتل فيه 20 مصليا وجرح اكثر من هذا العدد، كما قتل عباس نفسه في تبادل اطلاق النار في المكان.

     

    وفي منتصف التسعينات تحرك «فوج» من التكفيريين من ضاحية الكلاكلة جنوب الخرطوم وتوجهوا صوب خصومهم من التكفيريين فى مدينة ودمدني ثاني اكبر مدن السودان، ودخلوا معهم في صدام فى حرم المسجد الخاص بمجموعة ودمدني، غير ان الحادث لم يسفر عن قتلى، ولكن وقعت اصابات طفيفة. وعزا الداعية الاسلامي السوداني الدكتور يوسف الكودة، ظاهرة الهجوم على المساجد الى تفشى الجهل بأمور الدين والى الغلو والتطرف. وقال لـ«الشرق الاوسط»، ان من يهجمون على المساجد يعانون من غياب الفقه الذي يحمي الانسان من الوقوع في الزلل والتطرف، ومضى «ان ما يحدث حماس غير مسنود بعلم شرعي، في ظل تجاهل الحكام الانشغال بامور الدين والتوعية الحقيقة للاجيال». واقترح الكودة ادخال التوعية الدينية الصحيحة، التي تنبذ قتل المسلم مهما كان في المناهج الدينية، حتى تتعلم الاجيال الجديدة الدين باعتدال.

     

    فيما يرى الصحافي السوداني محمد خليفة المتخصص في شؤون الجماعات الدينية في السودان، ان الذين يستهدفون المساجد هم امتداد للخوارج الذين قتلوا الصحابي خطاب بن الارك، وقال لـ«الشرق الاوسط»، هم دائما يبدأون بأقرب الناس اليهم.. لان هؤلاء هم الذين يناقشون افكارهم ويقولون لهم لا في بعض الامور». ويقول ان استهداف المساجد لا يخلو من البعد السياسي، وذلك عن طريق استغلال حزب سياسي او اجهزة مخابرات جهل المتطرفين لينفذوا عبرهم اجندة الهدر التي تشوه صورة الاسلام».

×
×
  • Create New...